«الاحتفال بالمولد النبوي»
الثلاثاء 8 من ربيع الأول 1428هـ الموافق 27-3-2007م -
إنَّ الْحَمْدَ للهِ،
نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا،
ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ,
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلي الله عليه وعلى آله وسلم-.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ
الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ
عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ
بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ مَبْنَى دِينِ
الإسلامِ العظيمِ على أَصْليْن:
*ألَّا يُعبدَ إلا
الله.
*وَأَلَّا يُعبدَ
اللهُ إلَّا بِمَا شَرَعَ.
فالأول: تجريدُ
التوحيدِ للعزيزِ المَجيد.
والثاني: تجريدُ
المُتابعةِ للمعصوم ﷺ.
ولا يُقْبَل عَمَلٌ
حتى يتحققَ فيه هذان الأصلان، ويتوفر فيه هذا الشرطان: «ألا يُعبدَ إلَّا اللهُ، وألَّا
يُعبدَ اللهُ إلَّا بِمَا شَرَع»، تجريدُ التوحيدِ للهِ العزيزِ المجيد، وتجريدُ المُتابعةِ
للمعصومِ ﷺ.
قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].
قال الإمامُ ابن
كثير -رحمهُ اللهُ-: «﴿فَمَنْ كَانَ
يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾ أي: ثوابَهُ وجزاءه الصالح، ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا﴾، والعمل الصالح ما كان موافقًا
لشرعِ اللهِ, ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
وهو الذي يُراد به وجهُ اللهِ وحدَه لا شريك له، وهذان ركنا العمل المُتَقَبَّل، لا
بد أنْ يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعةِ رسولِ اللهِ ﷺ».
رُكْنَا العملِ المُتَقَبَّل،
والأَصْلانِ والشَّرطانِ اللذان ينبغي أنْ يتوفرا في العملِ حتى يكونَ هذا العمل مَقبولًا
عند اللهِ -تبارك وتعالى-: أنْ يكونَ خَالِصًا, وأنْ يكونَ صَوَابًا، فَأمَّا الخَالِصُ
فأنْ يكونَ للهِ، وَأَمَّا الصَّوَابُ فأنْ يكونَ على شريعةِ رسولِ اللهِ ﷺ، ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا﴾ فهذا هو العملُ الصَّواب،
﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ هذا هو
العملُ الخالصُ للهِ ربِّ العالمـــين.
فَجَمَعَ اللهُ -تبارك
وتعالى- في هذه الآيةِ الكريمةِ شَرْطَي قبولِ العمل وهما: الإخلاصُ والمُتابعة.
فأمَّا الأصلُ الأولُ: وهو
الإخلاصُ -إخلاصُ العملِ للهِ -تبارك وتعالى-:
فَقَد تَقَرَّرَ
في الشريعةِ أنَّ الله تعالى لا يقبل مِنْ العمل إلَّا ما كان خَالصًا وأُرِيدَ به
وجهُهُ.
لا يقبلُ اللهُ رَبُّ
العالمـــين مِن العملِ إلَّا ما كان خالصًا وأُرِيدَ به وَجْهَهُ، والأدلةُ على ذلك
مِن الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ جدًّا:
فَمِنَ الكتاب: قولُهُ
تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وكذلك قولُهُ تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى
مِنكُمْ﴾ [الحج: 37].
وَمِنَ السُّنَّةِ: قولُ
رسولِ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّات, وَإنّما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, وَمَنْ
كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى
مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وهذا حديث متفقٌ عليه.
وكذلك قولُهُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ
وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلاَدِ, وَالنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ, وَمَنْ عَمِلَ
مِنْهُمْ بِعَمَلِ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ».
وهذا حديثٌ صحيحٌ أخرجَهُ الإمامُ أحمد وابن حبان والحاكم في «المستدرك».
«وَمَنْ عَمِلَ
مِنْهُمْ بِعَمَلِ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ».
وقولُهُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا
أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ, فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي
فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ». وهذا حديثٌ صحيحٌ أخرجَهُ ابنُ
ماجه في «سُنَنِهِ».
وعن أبي أُمَامَةَ
-رضي الله عنه- قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آله وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا -مجاهدًا في سبيلِ اللهِ- يَلْتَمِسُ
الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟
فَقَالَ النَّبي
ﷺ: «لاَ شَيْءَ لَهُ».
فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في كل مرة «لاَ شَيْءَ لَهُ».
ثُمَّ قَالَ النّبيُّ
ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ
بِهِ وَجْهُهُ». وهذا الحديث أخرجه النسائي بإسناد جيد.
فهذه الآيات الكريمات,
وهذه الأحاديث الشريفة قاضيةٌ بأنَّ العملَ لا يُقبل حتى يكونَ خالصًا لله.
وأمَّا الأصلُ الثاني: وهو
تجريدُ متابعةِ المعصومِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-:
فقد دلَّت الآياتُ
والأحاديثُ على وجوبِ طاعةِ رسولِ الله ﷺ ومتابعتِهِ، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
وقال سبحانه: ﴿مَّنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ [النساء: 80].
وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
وقال سبحانه: ﴿فَلاَ
وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ
يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء:
65].
وقال ربُّنَا -جَلَّتْ
قدرتُهُ-:
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
فهذه الآيات دَالَّةٌ
على وجوبِ طاعةِ سيدِ الكائناتِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
وأمَّا الأحاديثُ
فكثيرةٌ جدًّا منها:
حديثُ البُخاريِّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللهُ عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ
أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى» -«أَبَى» يعني: امتنع
ورفض-.
قيل: وَمَنْ
يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «مَنْ
أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
ومنها: حديثُ
عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- الذي أخرجه الشيخان؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فَهُوَ رَدٌّ».
يعني: فهو
مردودٌ عليه.
يعني: مَن
أَحْدَثَ في الإسلامِ ما ليس مِن الإسلامِ في شَيء، ولم يشهد له أصلٌ من أصولِ دينِ
اللهِ فهو مردودٌ ولا يُلْتَفَتُ إليه، وفي روايةٍ لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» يعني: فهو مردودٌ عليه، وفي هذا دلالةٌ
قاطعةٌ على أنَّ العملَ إذا لم يَكُن صوابًا مُوافقًا لشريعَةِ رسولِ اللهِ ﷺ فإنَّه
لا يُقْبَلُ.
فعندنا أصلان من
أَجْلِ أنْ يَتَقَبَّلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- العمل, وهذان الأصلان الشرطان:
أنْ يكونَ العملُ خَالِصًا لوجْهِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, وأنْ يكونَ على ما
جاءَ به النَّبيُّ الأكرمُ ﷺ.
المتابعةُ للنبيِّ
ﷺ كيف تتحقق؟
كيف تتحقق موافقةُ
الشريعةِ ومُتابعةُ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-؟
والجواب: أنَّ
المتابعةَ لا تتحققُ إلا بستَةِ أوصاف، المتابعةُ لرسول الله ﷺ لا تتحقق إلا بسِتَّةِ
أوصافٍ، فهذه العبادةُ التي تكونُ خالصةً للهِ -تبارك وتعالى- تستوفي الشرطَ الأول
لا تُقبل عند اللهِ -تبارك وتعالى- حتى تكونَ على قَدَمَي رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-، وتكونُ هذه العبادة موافقةً للشريعةِ التي جاءَ بها
النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- في: سببِها، وجنسِها، وقدرِها،
وكيفِيَّتِها، وزمانِهَا، ومكانِها، فهذه ستةُ أوصاف، لا بدَّ أنْ تتوفرَ وأنْ تتحققَ,
وأنْ يتصفَ بها العملُ الصالحُ الخالصُ للهِ -تبارك وتعالى-؛ حتى يكونَ هذا العملُ
متوفرًا فيه شرطُ المتابعةِ لرسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
الأولُ من هذه الأوصاف: أنْ
تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في سببِها:
فأيُّ إنسانٍ يَتَعَبَّدُ
للهِ -تبارك وتعالى- بعبادةٍ مبنيةٍ على سببٍ لم يَثبُت بالشرعِ فهو عبادةٌ مردودةٌ
ليس عليها أمرُ اللهِ ورسولِهِ ﷺ.
ومثالُ ذلك -يعني:
في اختلالِ هذا الوصفِ -وهو السبب- الذي لأجلِهِ تكونُ العبادةُ عبادةً, وتكونُ على
قدمِ رسولِ الله ﷺ- مثال ذلك في اختلال هذا الوصف: الاحتفالُ بمولدِ النَّبيِّ ﷺ.
الثاني مِن الأوصاف: أنْ
تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في جنسِها:
مِثْل: أنْ يُضحِّي
المسلمُ بِفَرَسٍ مَثَلًا، فإنه لو ضَحَّى بفرسٍ كان مخالفًا لجنسِ ما يُضحَّى به وهو
بهيمةُ الأنعام، وحينئذ لا يُقبل منه هذا ولا يكونُ عبادةً على النحوِ الذي أراد.
وأما الثالثُ: فأنْ
تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في قَدْرِها:
فلو أنَّ إنسانًا
صَلَّى الظهر سِتًّا، أو المغرب أربعًا، فإنَّه لا يكونُ قد أتى بما يوافق شريعةَ النّبيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-، ويكونُ هذا العملُ مردودًا غيرَ
مقبولٍ؛ لأنَّ النّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- لم يأتِ بهذا.
وأما الوصف الرابع: فأن
تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في كيفِيَّتِها:
فلو أنَّ إنسانًا
فَعَلَ العبادة بجنسِها وسببِها وقدرِها لكنه خالفَ الشَّرْعَ في كيفِيَّتِها فإنَّ
ذلك لا يصح، كرجلٍ أَحْدَثَ حَدَثًا أصغر، وتوضأ لكنه غَسَلَ رِجْليْه, ثُمَّ مَسَحَ
رَأْسَهُ, ثم غَسَلَ يَديْه، ثم غَسَلَ وَجْهَهُ، فهذا لا يَصِّحُ وُضُوؤُهُ؛ لاختلالِ
شرطِ الترتيبِ فيه، وهذا خالفَ الشرعَ في الكيفية.
ومِثالُهُ أيضًا
أنْ يقومَ مُصَلِّيًا، فَيُقَدِّمَ السجودَ على الركوعِ، أو يقرأ التشهدَ بَدَلَ الفاتحة،
ويأتي بالفاتحةِ بَدَلَ التشهد، فهذا خَالَفَ العبادةَ في كيفيتِهَا التي جاءَ بها
النَّبيُّ ﷺ.
والخامس من الأوصاف: أنْ
تكونَ العبادةُ موافقةً للشريعةِ في الزمان:
فلو أنَّ إنسانًا
صامَ الشهرَ الواجبَ صومُهُ في شعبان، أو شوال، أو ذَهَبَ للحجِّ في رمضان، أو صَلَّى
الظهر قبل الزوال، فخالف في الزمان, فإنَّ هذا العمل لا يكون مقبولًا عند ربِّنَا تبارك
وتعالى
وكذلك أنْ تكونَ
العبادةُ موافقةً للشريعةِ في مكانها:
فلو أنَّ إنسانًا
وقفَ يومَ عرفة بمزدلفة، لم يصح وقوفُه؛ لعدمِ موافقةِ العبادةِ للشرعِ في مكانها.
فهذه ستةُ أوصاف: السَّبب
والجنس والكمّ والكيف والزَّمان والمكان.
إذا اختلَّ شرطٌ
من هذا الشروط في العبادةِ التي يَتَقَرَّبُ بها العبدُ إلى اللهِ -تبارك وتعالى- لم
تكن العبادةُ مقبولةً عند اللهِ -تبارك وتعالى-، فلا بد من أَجْلِ أنْ تُحققَ المتابعةَ
للمعصومِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- أنْ تأتيَ بهذه الأوصاف
على النّحو الذي جاء به نبيُّنا مُحَمَّد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
فهذا كلُّه أصلُ
المتابعة، وأما الأصل الأول: فهو تجريدُ التوحيدِ للهِ العزيزِ المجيد بإخلاصِ العِلْمِ
للهِ رَبِّ العالمـــين, وأنْ تأتيَ بالعملِ خالصًا للهِ ربِّ العالمـــين لا رياءَ
فيه ولا سُمْعَة، ولا اختلالَ فيه لشرطِ الإخلاص بحالٍ من الأحوال، أنْ يكونَ العملُ
خَالِصًا, وأنْ يكونَ صَوَابًا، الخالصُ للهِ, والصوابُ على شريعةِ رسولِ الله ﷺ.
إذا كان العملُ خالصًا
لله تبارك وتعالى وتوفرت فيه شروطُ المتابعة كان مُسْتَكْمِلًا لشَرْطَي قَبُولِهِ،
فيكون مقبولًا عند اللهِ -تبارك وتعالى-.
العملُ الذي لم يَشْرَعْهُ
اللهُ -تبارك وتعالى- لا يؤثرُ في النفس بالتزكيةِ والتطهيرِ؛ لِخُلُوِّهِ مِنْ مادة
التطهيرِ والتزكيةِ التي يُوجِدُها اللهُ ربُّ العالمـــين في الأعمالِ التي يَشْرَعُها
ويَأذنُ بفِعْلِهَا.
الشرعُ الذي جاءَ
به النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- ما فيه مِمَّا أَمَرَ
اللهُ ربُّ العالمـــين به أَمْرَ إيجابٍ أو أَمْرَ استحباب، ما نَهَى اللهُ ربُّ العالمـــين
عنه أمرًا لازمًا واجبًا فكان حرامًا، أو غير لازمٍ فكان مكروهًا، هذه الشريعةُ بأوامرِها
ونواهيِها وما جاءَ به محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-, إذا
أَخَذَ بها الإنسانُ كانت سَبَبًا في تزكيتِهِ، وفي طهارةِ قلبِهِ واستقامةِ حياتِهِ،
ونَفْي القَلَق والوساوسِ عن ذِهْنِهِ وعن قَلْبِهِ وعن ضميرِهِ، واستقامت قَدَمَاهُ
على الصراطِ المستقيمِ، لماذا؟
لأنَّ ما شَرَعَهُ
اللهُ ربُّ العالمـــين من أوامرِ العبادات فيه مادةُ التطهير ومادةُ التزكية، وأما
العبادات التي يخترعها العبادُ، فإنها تخلو مِن مادةِ التطهيرِ ومِن مادةِ التزكية.
انظر مثلًا إلى مادةِ
التغذية, كيف أَوجَدَها اللهُ ربُّ العالمـــين في الحبوبِ والثِّمارِ واللحومِ، فكان
في أكلِ هذه الأنواعِ غذاءٌ للجسمِ ينمو عليها ويحتفظُ بقُوَاه، لو أنَّ إنسانًا أَهْمَلَ
هذه المادة التي جعلها اللهُ ربُّ العالمـــين سببًا لتغذية الجسمِ وَذَهَبَ يأكلُ
الحَطَبَ ويأكلُ التِّبْنَ ويأكلُ الخَشَبَ ويأكلُ العظامَ ويأكلُ البرسيم، لو أنَّه
فَعَلَ ذلك فإنَّه يكونُ مؤدِّيًا بجَسَدِهِ إلى الهلاك؛ لأنَّ هذا الذي أَتَى به لم
يَجْعَلْهُ اللهُ -تبارك وتعالى- سَبَبًا لتغذيةِ الأبدانِ، وهو حَادَ عمَّا جَعَلَهُ
اللهُ ربُّ العالمـــين سببًا لتغذيةِ جَسَدِهِ، وحينئذٍ لابدَّ أنْ يَعْطَبَ هذا الجسدُ
ولا بد أن يَهْلِكَ عليه.
العملُ بالبدعةِ
كالتغذيةِ بالترابِ والحَطَبِ والخَشَبِ والتِّبْنِ، العملُ بالبدعةِ عملٌ بمادةٍ تخلُو
من التطهيرِ والتزكيةِ ومِنْ سببِ ذلك، العملُ بالبدعةِ يساوي أنْ يغذيَ الإنسانُ بَدَنَهُ
بالتبن مثلًا، بالحطب, بالتراب، فالعملُ بالبدعةِ كالتغذيةِ بالترابِ والحَطَبِ والخَشَبِ،
فإذا كان آكلُ هذه المواد لا يتغذى فكذلك العاملُ بالبدعةِ لا تَطْهُرُ رُوحُهُ ولا
تزكو نفسُهُ حتمًا؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- لم يجعل في البدعةِ التي يخترعُها الناسُ,
لم يجعل اللهُ ربُّ العالمـــين فيما لم يُنْزِلِ اللهُ -تبارك وتعالى- به سُلطانًا
لم يجعل اللهُ ربُّ العالمـــين في ذلك سببًا للتزكيةِ ولا سببًا للتطهير، فَمَن أتى
بذلك محاولًا أنْ يُزَكِّي نَفْسَهُ وأنْ يُطَهِّرَهَا فإنها لا يزيدُها إلا خَسَارًا
ولا يَزيدُهَا إلَّا هَلَاكًا ودَمَارًا.
كلُّ عَمَلٍ يُراد
به التَّقَرُّبُ إلى اللهِ -تبارك وتعالى- للحصولِ على الكمالِ والسعادةِ بعد النجاةِ
مِن الشقاءِ والخُسران ينبغي أنْ يكونَ خالصًا للهِ تعالى، وأنْ يكونَ مشروعًا موافقًا
لِمَا جاءَ به النّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- في جِنْسِهِ
وَسَبَبِهِ وكَمِّهِ وكَيفِهِ وزَمَنِهِ ومَكَانِهِ, فإنْ فَعَلْتَ ذلك طَهُرَت رُوحُك،
وزَكَتْ نَفْسُك، واستقامت حَيَاتُك، واتسعَ سبيلُكَ الذي يُفْضِي بك إلى رِضوان اللهِ
في جَنَّةِ الخُلد، نسألُ اللهَ أنْ يجمعَنَا جميعًا فيها في الفردوسِ الأعلى مع النّبيِّ
ﷺ.
الأصلُ في العباداتِ
الحظرُ والمنع، فلا يُشْرَعُ من العباداتِ إلا ما شَرَعَهُ اللهُ ورسولُهُ ﷺ، والأصلُ
في غيرِ العباداتِ الإباحةُ, فلا يَحْرُمُ في غيرِ العباداتِ إلا ما حَرَّمَهُ اللهُ
ورسولُهُ ﷺ.
هذه قاعدةٌ مهمةٌ
جدًّا.
الأصلُ في العباداتِ
الحظرُ والمنع حتى يأتيَ النصُّ والدَّليل، فلا عبادةَ إلا بِنَصٍّ وهو معنى أنَّ العبادات
تَوقِيفِيَّة، يعني يُتَوَقَّفُ بها عند حدودِ ما أنْزَلَ اللهُ ربُّ العالمـــين على
نبيِّهِ ﷺ، وأمَّا الأصلُ في غير العباداتِ فَعَلَى الإباحةِ وعدمِ المنعِ حتى يأتيَ
الدَّليلُ الحَاظِرُ المَانِعُ.
الأصلُ في العبادات
الحظرُ والمنع، والأصلُ في غيرِ العبادات الحِلُّ
والإباحة حتى يأتيَ الدليلُ الحاظرُ المانع، قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا
لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21]، وغيرُ هذه الآيات،
وكذلك قولُ رسولِ اللهِ ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ
رَدٌّ». وهذا متفقٌ على صِحَّتِهِ.
العلماءُ مُجْمِعُونَ
على أنَّ العبادةَ: ما أَمَرَ اللهُ ربُّ العالمـــين به في كتابِهِ أو على لسانِ رسولِهِ
ﷺ أَمْرَ إيجابٍ أو أَمْرَ استحباب، فالعبادة: ما أَمَرَ به الشَّرعُ أَمْرَ إيجابٍ
أو أَمْرَ استحباب.
فالأصلُ في العبادات
المنعُ والحظرُ إلَّا بدليلٍ وَنَصٍّ -لا تَنْسَهَا, ولتكن منك دائمًا على ذُكْر-،
وأمَّا غيرُ العباداتِ فالأصلُ فيها الإباحة إلا بنصٍّ ودليل.
قال تعالى: ﴿هُوَ
الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ [البقرة: 29] أي: تنتفعون بتلك المخلوقاتِ
بجميعِ ألوانِ الانتفاعاتِ إلَّا مَا نصَّ النصُّ على المنعِ منه.
وقال تعالى: ﴿قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32]، فَأَنْكَرَ اللهُ تَعَالَى على مَن حَرَّمَ ما خَلَقَ اللهُ
لعبادِهِ مِن المآكلِ والمشاربِ والملابسِ ونحوِها حتى يأتي الحاظرُ, وحتى يأتيَ الدليلُ
والنص، وأمَّا العبادات فعلى الضِّدِّ والعكس، الأصل فيها المنع، لا عبادةَ إلا بِنَصٍ،
ولا عبادةَ إلا بدَليل، فكلُّ واجبٍ أَوْجَبَهُ اللهُ ورسولُهُ ﷺ أو مستحبٌ فهو عبادةٌ
يُعبَدُ اللهُ بها وحدَه، فمَنْ أَوجَبَ أو استحبَّ شيئًا لم يدَّلَ عليه الكتابُ والسُّنَّة
فقد ابتدع، ابتدع دينًا لم يأذن به الله، ولم يُنْزِلِ اللهُ تبارك وتعالى به سلطانًا؛
لأنَّ العبادةَ لا تكونُ إلا بنصٍ ودليل، فمهما أَتَى الإنسانُ بشيءٍ جعلَهُ عبادةً
يتقربُ بذلك إلى اللهِ -تبارك وتعالى- فَقَد اخترعَ دينًا لم يأذن به الله، ولم ينزِّل
به اللهُ -تبارك وتعالى- على النَّبيِّ ﷺ سُلطانًا ولا حُجَّةً، وحينئذٍ يكونُ مردودًا
على صاحبِهِ كما أخبرَ النّبيُّ ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا
فَهُوَ رَدٌّ». وهذا متفق على صحته.
البدعُ التي تقعُ
في العباداتِ على قِسْميْن:
إمَّا أنْ يبتدعَ
عبادةً لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُهُ ﷺ جِنْسَهَا أَصْلًا، يعني: يأتي بعبادةٍ لم يَشْرَع
الشَّارعُ جِنْسَهَا، وإِنَّمَا اخترعها، أَتَى بها من كِيسِهِ هو! اخترعها اختراعًا
وأَلَّفَها تأليفًا، مثلُ الرهبانية مَثَلًا، مثلُ التقبيح والتحسين العقلِيَّين، هذا
ليس له أصلٌ في الشرع مطلقًا، ولذلك يُقال لِمَا كان كذلك: «هذه بدعةٌ أصلية»، فهذا
هو الصِّنف الأول من أصناف الابتداع في العبادات: أنْ يبتدع المبتدعُ بدعةً لم يَشْرَعِ
اللهُ ورسولُهُ ﷺ جِنْسَها أصلًا.
وإمَّا أنْ يبتدعها
- وهذا هو الصِّنف الثاني - على وجهِ يُغَيِّرُ ما شَرَعَهَا اللهُ ربُّ العالمـــين
ورسولُهُ، يكونُ أصلُ العبادةِ مشروعًا ولَكِن يُغَيِّرُ في شيءٍ من أوصافِها السِّتَةِ
التي مَرَّ ذكرُها، يكونُ هذا العملُ مشروعًا ولكن يُغَيِّرُ في وَصْفِهِ فلا يكونُ
على ما جاءَ به النَّبيُّ ﷺ.
مثالُ الأول -البدعة
الأصلية التي ليس لها أصل في الشريعة-:
ما أحدثه الناسُ
في هذا الشهرِ من بدعةِ الميلاد، في الاحتفال بعيد ميلاد النَّبيِّ ﷺ، فهذه لم ترد
أصلًا لا في القرآن, ولا في السُّنَّة, ولا في عملِ الصحابة, ولا في عملِ التابعين,
ولا في عملِ تَابعي التابعين، كلُّ القرونِ المُفَضَلَّةِ مَضَت وليس فيها عيدُ ميلادٍ
للنبيِّ ﷺ، لَكِن حَدَثَت في القرنِ الرابعِ مِن الهجرة, أَحْدَثَهَا الروافضُ العُبَيدِيُّون
الذين انتمَوا زُورًا وإِفْكًا وبُهْتَانًا إلى فاطمةَ الزهراء فَتَسَمَّوا بـ(الفاطميين)،
فهؤلاء هم الذين أدخلوا هذا الأمرَ أولَ ما أُدْخِلَ على دين اللهِ ربِّ العالمـــين،
وتتابعَ الناسُ عليها لأنها كُسِيت بما يَدُلُّ على العاطفةِ وعلى التَّقَدُّمِ على
هذا الأمر, وهو: محبةُ رسولِ الله ﷺ، وهل هنالك مسلمٌ لا يحبُّ رسولَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-؟!
والحقيقةُ أنَّ محبةَ
الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- علامتُها التأدبُ مع رسولِ
اللهِ ﷺ، وألَّا يُجرى في شريعتِهِ ﷺ, ولا يُدخل في شريعة النّبيِّ ﷺ ما ليس منها.
فنقولُ مَثَلًا: الاحتفالُ
بعيدِ ميلادِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- هل كان الرَّسولُ
ﷺ يعلمُ أنَّه مما يُقَرِّبُ إلى اللهِ أَوْ لا؟
الاحتفالُ بعيدِ
ميلادِ الرسولِ ﷺ، تسأل: هل كان النَّبيُّ ﷺ يعلمُ أنَّ هذا الاحتفال يُقَرِّبُ إلى
اللهِ أو لا يعلم؟
إنْ قالوا لا يعلم,
فأمرٌ عظيم؛ لأنهم عَلِمُوا ما لم يَعْلَمْهُ رسولُ اللهِ ﷺ، وإنْ قالوا يعلم.
قُلنا: إذن؛ تَرَكَها
وهو يعلمُ أنها مشروعة دون أنْ يُبَلِّغَ رسالةَ ربِّه؟! فإن لم يفعل فما بَلَّغَ رسالةَ
رَبِّهِ!
يعني أنت تسألُ تقول:
عيد المولد، عيد ميلاد الرسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- هل
كان النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- يَعْلَمُهُ أو لا يَعْلَمُهُ؟
إنْ قالوا: كان
النَّبي ﷺ لا يعلمه، نقول: اهتديتم إلى ما لم يهتدِ إليه رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- وهو الناطقُ بالوحي؟!
وإنْ قالوا: كان
يعلم.
كان يعلمُ وَكَتَم؟!
هل هنالك مسلمٌ يتَّهمُ
النَّبيَّ ﷺ بمثل هذا الاتهام؟!
فأنتم إنْ قُلْتُم
ذلك تقدحونَ في رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-، فأين
هو ﷺ مِن هذا المُبْتَدَع -وهو الاحتفالُ بعيدِ ميلادِ الرسولِ ﷺ-؟!
هذا جميعُهُ إذا
لم تشتمل هذه البدعة على أمورٍ أخرى مُحرَّمة، فكيف إذا اشتملت على مُحَرَّمَاتٍ أُخْرَى
لا تُحْصَى؟!!
حينئذٍ تزداد نُكْرًا،
مِثْل الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء، والأذكار المحرَّفَةِ التي يقعُ فيها الرَّقْصُ
والتصفيقُ وأعمالٌ تُشْبِهُ الجنون، ويقولون إنهم يجتمعونَ ثم يَفِزُّونَ فَزَّةَ رجلٍ
واحد لماذا؟! قالوا لأنَّ الرَّسولَ ﷺ قد حَضَر!!
ويأتون بأشعارٍ وحكايات
فيها مخالفاتٌ صارخةٌ للعقيدةِ الصحيحةِ، فهذه بدعةٌ لم يَشْرَعِ اللهُ ورسولُه ﷺ جنسَها
أصلًا، وتسمى: «بدعةٌ أصلية»، تسمى هذه: «بدعة أصلية».
وأمَّا ما ابتُدِعَ
على وجهٍ يُغَيِّرُ ما شَرَعَ اللهُ ورسولُهُ فمثل الأذكار التي تقال, فيُزاد فيها
أو يُنقَص منها تَعَبُّدًا للهِ تبارك وتعالى بذلك، هذا أصل مشروع، لكن وصفَهُ أو عددَهُ
غيرُ مشروع، وهذه هي: «البدعة الإضافية».
النّبيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- أَمَرَ أنَّه إذا سمعتَ المؤذنَ فقلت مثلما
يقول ثم صليت عليهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-؛ فإنك على رجاءِ
تحقيقِ الشفاعة يوم القيامة، هذه الصلاة التي حضَّ عليها رسولُ اللهِ ﷺ، الصلاة والسلام
عليه ﷺ بِعَقَبِ الأذان، هي للمؤذن أم للسامع المُرَدِّد؟
العلماءُ يقولون: هذه
للسَّامعِ المُرَدِّد.
المؤذِّن يأتي بالصلاةِ
على النَّبيِّ ﷺ جهرًا بعد أنْ يَفْرُغَ من الإتيانِ بألفاظِ الأذانِ يأتي بها جَهْرًا
كما كان يأتي بألفاظ الأذان!!
فإذا كلمتَهُ وقلتَ
له: هذا لا يُشرعُ في دينِ اللهِ -تبارك وتعالى-، يقول لك: أنت تكره النَّبيَّ ﷺ!
لماذا؟ لأنك تقولُ
إنَّ الصلاةَ على النّبيِّ ﷺ حرام!!
هذا أصلُه مشروع،
والصلاةُ على -النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- مِنْ أعظمِ
القُرُبَاتِ, ومِنْ أَجَلِّ الطاعاتِ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ الصلاة والسلام على
سيدِ الكائنات ﷺ، ولكن لا بد أنْ تكونَ منضبطةً بتلك الأُطُر، موصوفةً بتلك الأوصاف
التي مَرَّ ذكرُها، فإذا ما غَيَّرَ الإنسانُ ذلك فإنه يكون مبتدعًا بدعةً إضافية،
فَغَيَّرَ في الوصف أو في الكمية أو في الكيفية أو في الزمان أو في المكان أو في الجنس.
العاداتُ كلُّهَا
كالمآكلِ والمشاربِ والثيابِ والأعمالِ العادية والمعاملات والصنائع الأصلُ فيها الإباحة
والإطلاق, فمَنْ حَرَّمَ شيئًا منها لم يُحَرِّمْهُ اللهُ ولا رسولُهُ ﷺ فهو مبتدع،
كَمَا حَرَّمَ المشركون بعضَ الأنعامِ التي أباحها اللهُ ورسولُهُ، وكمن يريدُ -بِجَهْلِهِ-
أنْ يُحَرِّمَ بعضَ أنواعِ اللباس -أي: الثياب- أو الصنائع والمخترعات الحادثة بغيرِ
دليلٍ شرعي ويُحَرِّمُهَا.
يعني يقولُ لك -مثلًا-:
إنَّ وَضَعَ مِثْل هذه - يعني: نَظَّارَةَ العين - هكذا بدعة، هي بدعة بالمعنى اللغوي؛
لأن ذلك لم يكن على عهدِ رسولِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
وعندما أرادوا أن
يُدْخِلُوا في الحَرَمِ قديمًا مُكَبِّرَات الصوت اعترضَ بعضُ الشيوخ وقال هذه بدعة،
وهذا لم يَكُن على عهدِ النَّبيِّ ﷺ, ولا على عهدِ السلفِ الصالحين، وكان يضعُ على
عَينيْهِ نَظَّارَةً فقال له من كان يجادله: ما تقول في هذه، هل هذه بدعة؟
قال: لا, هذه تقرب
لي المناظر والمَرَائِيَ. قال: وهذه إنما تقرب إلى السامع الصوت، فأيُّ فرق؟!
فالأصل في مثل هذه
الأشياء إنما هو الحِلُّ، لا حظْرَ في تلك الأشياءِ إلا بدليلٍ وَنَصٍّ.
يعني يقول لك: إنَّ
ركوبَ القطار أو الطائرة بدعة، فحذارِ ثم حذارِ أنْ تبتدع، فإنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يصنع
ذلك!!
هذا تَرْكٌ عَدَميٌّ
-يعني:- لم يكن ذلك موجودًا على عهد رسول الله ﷺ فَتَرَكُهُ مع قيام المقتضي له وانتفاء
المانع من فعله حتى يكون التَّرْكُ سُنَّة، فأمثال هذه الأشياء الأصلُ فيها الحِلُّ
والإباحة حتى يأتيَ الدليلُ الحاظرُ المانعُ من مثلِ ذلك.
المُحَرَّمُ من هذه
الأشياء هو الخبيثُ والضار، وقد فُصِّلَت تلك الأمورُ في الكتاب والسُّنَّةِ, -يعني:-
الخبائث والأمور التي تضر فُصِّلَت في كتاب الله وفي سُنَّةِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، ومَنْ تتبعَ المُحَرَّمَات وَجَدَهَا تشتملُ على أنواعِ
المفاسد، وَجَدَهَا تشتملُ على المفاسدِ المتنوعة، المُحَرَّمَات لو تتبعتها فسوف تجدُ
أنها تنطوي وتتضمن وتشتمل على كثيرٍ جدًّا من المفاسد تتنوع وتختلف.
الحاصلُ: أنَّ
الله تعالى لم يطلب منا أن نعبده كما نرى، لم يترك لنا الحرية في أنْ نعبدَهُ بالذي
نراه، ليس لنا حرية في اختيارِ ألوانِ العبادات التي نَعبدُ بها الربَّ الجليل الأعلى
-سبحانه وتعالى-، لم يترك لنا ربُّنا -تبارك وتعالى- الحريةَ في اختيارِ الطريقةِ على
ما نحبُّ ونستحسن، ولكن طَلَبَ منَّا أن نعبدَهُ بما أَمَرَنَا أن نعبدَه به، وبالكيفية
التي يريد, وبالكميةِ التي يريد, وفي الزمان والمكان المُرَادَيْن, كما فَصَّلَ لنا
ذلك في كتابِهِ وعلى لسانِ رسولِهِ ﷺ، فلا مجالَ للإنسان في أن يخترعَ من العباداتِ
ما لم يأذن به اللهُ تعالى.
سُنَّةُ النَّبيِّ
ﷺ كما تكونُ بالفعلِ تكون بالتَّرْكِ، والتَّرْكُ المراد هاهنا هو التَّرْكُ الوجودي،
وهو: أنْ يقعَ الشيء في زمنِ النَّبيِّ ﷺ, ويوجد المقتضِي لفعلِهِ -الدافع والباعث-
الذي يدفعُ ويبعثُ لفِعْلِهِ والشيء موجود, ومع وجودِ هذا المقتضي وانتفاءِ المانع
الذي يمنعُ مِن فِعْلِهِ، مع ذلك يتركُهُ رسولُ اللهِ ﷺ، إذا كان ذلك كذلك؛ فالتَّرْكُ
سُنَّةٌ والفعلُ بدعة، التَّرْكُ المراد هو التَّرْكُ الوجودي أنْ يقع الشيء ويوجد
المقتضي الدافع لفعلِهِ وينتفي المانعُ من فِعْلِهِ، ومع ذلك يترُكُهُ رسولُ الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
فالتَّرْكُ الذي
هو سُنَةٌ وقُرْبَةٌ هو التَّرْكُ في ما لم يكن مانعٌ من فعلِهِ مع وجودِ المقتضي لفِعْلِ
ذلك الأمر الذي تَرَكَهُ ﷺ وهو التَّقَرُّبُ إلى اللهِ -تبارك وتعالى-، والوقتُ وقتُ
تشريعٍ وتنزيل وبيان للأحكام، لأنَّ النَّبيَّ ﷺ لا يؤخرُ البيانَ عن وقت الحاجة، فلو
كان ذلك جائزًا على هذا النحو: قام المقتضي لفِعْلِهِ، الدافع لفِعْلِهِ موجود, والمانعُ
الذي يمنعُ مِن فِعْلِهِ مُنْتَفٍ لا وجودَ له, ومع ذلك يتركُهُ رسولُ الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-, حينئذٍ يكونُ التَّرْكُ سُنَّةً ويكونُ الفعلُ
بدعةً.
كما تَرَكَ الأذانَ
للعيديْن، وكما تَرَكَ الغُسْلَ لكل صلاة, وكما ترك الاحتفالَ بعيدِ مولدِهِ أو عيدِ
ميلادِهِ ﷺ، وَكَمَا تَرَكَ الأذانَ للتراويح، وكما تَرَكَ صلاةَ النصفِ مِن شعبان،
وَكَمَا تَرَكَ القراءةَ على المَوْتَى وغير ذلك، فهذه أمورٌ تُرِكَتْ على عهدِ النّبيِّ
ﷺ السنينَ الطُّوَال مع عدمِ المانعِ من فِعْلِها, وقيامِ المقتضي الدافع الذي يدفعُ
لفعلها, ومع ذلك تَرَكَهَا رسولُ اللهِ ﷺ, والوقتُ وقتُ تشريعٍ للأحكامِ, فَظَهَرَ
مِن ذلك أنَّ هذا التَّرْكَ سُنَّةٌ, وأنَّ الفِعْلَ -الذي يُنافي هذا التَّركَ- بدعةٌ
في دينِ اللهِ ربِّ العالمـــين.
لو كانت مشروعة وكان
فِعْلُهَا ينطوي على شَيءٍ مِن الخيرِ لفَعَلَهَا النَّبيُّ ﷺ، فَتَرْكُ الرسولِ ﷺ
لهذه الأمور ومواظبتُه على التركِ مع عدمِ المانعِ ومع وجودِ المقتضي الدافع لفِعْلِ
الفِعْلِ, وهو التقربُ إلى اللهِ -تبارك وتعالى-، تَرْكُ النَّبيُّ ﷺ لذلك وهو كذلك
والوقتُ وقتُ تشريعٍ وتنزيلٍ وبيانٍ للأحكامِ دليلٌ على أنَّ المشروعَ في هذه الأمور
هو التَّرْك، وأنَّ الفِعْلَ خلافُ المشروع، فلا يُتَقَرَّبُ بِفِعْلِ مِثْل ذلك؛ لأنَّ
القُرْبَةَ لابد أنْ تكونَ مشروعة.
العملُ لا بد أنْ
يكون خالصًا وأنْ يكون صوابًا، والصواب أنْ يكونَ على قَدَمي رسولِ اللهِ ﷺ، وأنْ يتوفرَ
فيه شرطُ المتابعة لدينِ اللهِ ربِّ العالمـــين الذي جاء به النّبيُّ الأمين -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
وهذه قاعدةٌ من القواعد
الجليلة جدًّا يحتاجُها المسلمُ المُتَسَنِّنُ بسُنَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ، ويحتاجُها طالبُ
العلم من أجل التمييزِ بين ما هو سُنَّة وما هو بدعة, ويحتاجها العالم الداعية من أَجْلِ
أنْ تكونَ غُصَّةً وحجرًا يُلْقَمُ في أفواه وحُلُوقِ المبتدعة, ما يسمى بـ «السُّنَّة
التَّرْكية» هو: ما تَرَكَهُ رسول الله ﷺ مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من
فعله - مع أنَّ الزمانَ زمانُ تشريع وبيان للأحكام -, فالحكم في ذلك أنَّ التَّرْكَ
سُنَّة وأنَّ الفعل بدعة -قاعدة مهمة في غاية الأهمية ذكرها العلماء رحمةُ اللهِ عليهم-.
وكيف يُعقل أنْ يتركَ
الرسولُ ﷺ شيئًا نافعًا يعودُ على الأمةِ بالرحمة وهو من بَيَّنَ لنا ربُّنا -تبارك
وتعالى- أنَّه ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة : 128] ﷺ؟ كيف يُعقل أنْ
يتركَ النَّبيُّ ﷺ مِثْلَ هذا؟!
وهل يُعقل أنْ يكونَ
النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- قد رأى في ذلك بابًا من
أبوابِ الرحمة ثم يتركُه حياتَه كلَّها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-
ولا يفعلُه ولو مرةً واحدةً لبيان الجواز حتى ولو كان لبيان الجواز؟
مِثَالُ ذلك أنَّ
الناسَ إذا ماتَ لهم مَيِّتٌ جمعوا بعضَ أحبَّائِهِم وأودَّائِهِم وأصفيائِهِم وصنعوا
للميتِ (عِتَاقَة كبرى!) أو (عِتَاقَة صغرى!)، فيجلسون يقرؤون سورةَ الإخلاصِ عددًا،
ألف مرة أو مائة ألف مرة في العتاقة الصغرى والعتاقة الكبرى! ويقولون إننا إذا قرأنا
هذا القدر ثم وهبنا ثوابَه للمتوفَّى فإنه تُعْتَقُ رقبتُهُ من النار!!
فيُقال: هذا
المقصد هو الذي لأَجْلِهِ أرسلَ اللهُ رسولَهُ، من أجل عِتْقِ الناس من النار، أنْ
يُوَحِّدُوا اللهَ وأن يعبدوه حتى ينجوَ هؤلاءِ من النار، فهذا هو المقصدُ الذي لأَجْلِهِ
أَرْسَلَ اللهُ ربُّ العالمـــين رسولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.
ما المانعُ الذي
كان يمنعُ النّبيَّ ﷺ من أنْ يُكَلِّفَ بعضَ أصحابِهِ -رضوان الله عليهم- بعد موتِ واحدٍ من الصحابةِ -رضوان الله عليهم- أنْ يجتمعوا ناحيةً, وأن يقرؤوا سورةَ
الإخلاصِ هذا القَدْرَ, ثم يَهَبُوا ثوابَ تلك القراءةِ للميت، ما الذي كان يمنع؟
لا شيء.
إذن؛ ليس هنالك مانع،
والدَّافع المقتضي لوجود الفعل قائم -وهو عِتْقُ هذا المتوفَّى من النار-, والزمانُ
زمانُ تشريعٍ وتنزيلٌ للأحكامِ على قَلْبِ النَّبيِّ الهُمَام ﷺ، ومع ذلك لم يفعلْهُ,
فيكونُ التَّرْكُ سُنَّةً, ويكونُ الفِعْلُ بِدْعَةً.
قد يقول قائل: لقد
ظهرت بدعٌ كثيرةٌ حَسَنَة وقد رَضِيَ بها العلماءُ وسار عليها المسلمون إلى يومنا هذا،
مثل جَمْع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المسلمينَ في صلاة التراويح على إمامٍ واحدٍ,
وكان النّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- قد تَرَكَ ذلك وَتَرَكَهُ
أبو بكر وَتَرَكَهُ عُمَر صَدْرًا من خِلافتِهِ, ثُمَّ جَمَعَ المُسلمينَ بعد ذلك على
أُبَيِّ بن كعب -رضي الله تبارك وتعالى عنه-؛ -قد يُقال هذا-.
فالجواب: ما رواهُ
البخاريُّ ومسلمٌ بسنديْهِمَا عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا- أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
-تعني: في رمضان- فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ ﷺ, فَأَصْبَحَ
النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا, فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ -يعني: في
الليلةِ التالية-, فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ, فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ,
فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ -غَصَّ
المسجدُ بأهلِهِ، عَلِمَ الناسُ جميعًا أنَّ النّبيَّ ﷺ يصلي التراويح- قيام الليل
في رمضان في المسجد جماعة-, فأتى الصحابة -رضوان الله عليهم- لكي يُصَلُّوا خلف النّبي
ﷺ، فماذا حدث؟
لم يخرج النّبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- في تلك الليلة وظَلُّوا في المسجد- حَتَّى
خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ, فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ وَلَكِنِّي
خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ».
هنا وُجِدَ مانعٌ،
المقتضي للفعلِ موجود ولكن وُجِدَ المانعُ، فإذا زالَ المانعُ يُرْجعُ إلى الأصل، ولا
يُقال إنَّ هذه سُنَّةٌ تَرْكِيَّةٌ؛ لأن السُّنة التركية: أنْ يوجد الدافع وأنْ ينتفي
أنْ يزول أنْ لا يكون للمانع وجود, والزمانُ زمانُ تشريع وتنزيل للأحكام على قلبِ الرسولِ
ﷺ، هنا وُجِدَ الدافعُ والباعث والمقتضي لاجتماعِ الناسِ خلفَ النّبيِّ ﷺ في صلاةِ
قيامِ الليلِ في رمضان، في صلاةِ التراويح، ولكن هنالك مانع وهو: خشيةُ النَّبيِّ ﷺ
أنْ يُفْرَضَ ذلك على المسلمين فَيَعْجِزُوا عنه، فلمَّا خافَ النّبيُّ ﷺ ذلك الأمرَ
على الأمة امتنعَ عن الخروجِ لصلاةِ قيامِ الليل في رمضان في المسجدِ جماعةً ﷺ.
فالمانعُ من صلاة
التراويح في جماعةٍ على عهدِ رسولِ الله ﷺ هو خشيةُ أنْ تُفْرَضَ على الأمة، والزمان
زمان تشريع وتنزيل، والرسولُ ﷺ يخشى أنْ تُفرضَ فيقع العَجْزُ عنها، وتتورطُ الأمةُ
في الإثم، فَتُوفِّيَ الرسولُ ﷺ والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك خلافةَ أبي
بكر رضي الله عنه؛ لأنَّ خلافة أبي بكر كانت قصيرة، سَنَتَان وشيء يسير من الزمان،
وكان مشغولًا -رضوان الله عليه- بحروب الرِّدَّةِ وبالحرب مع مانعي الزكاة، وبتسيير
الجيوش للجهاد والفتح، فلم يتفرغ لذلك، وكذلك كان الأمرُ صدرًا -يعني: قدرًا متقدمًا-
في خلافة عمر -رضوان الله عليه- لانشغاله -رضي الله عنه- والمسلمون معه بحربِ فارسَ
والروم.
فلما أنْ استقر الأمرُ
جمعهم عمرُ -رضوان الله عليه- على أُبَي بن كعب في مسجدِ النّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-، زال المانع؛ لأنها لا يمكن أنْ تُفْرَضَ بعد موتِ
رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
أخرجَ البخاريُّ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ
فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ -يعني: جماعات- مُتَفَرِّقُونَ, يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ,
وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ -من الثلاثة إلى التسعة-.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي
أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ -أي: كان أفضل-,
ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه-, ثُمَّ خَرَجْتُ
مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ.
قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ
الْبِدْعَةُ هَذِهِ, وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ
إليها. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ, وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَ الليل».
هذا حديثُ البخاريِّ
-رحمةُ اللهِ عليه-.
استنبط عمر -رضي
الله عنه- أنَّ جمعَهُم على إمامٍ واحدٍ أفضلُ -من تقرير النّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- مَنْ صَلَّى معه في تلك الليلة-، استنبطه مِن أي شيء؟
مِن تقريرِ النَّبي، لا أنَّه أفضلُ من تقرير النَّبي ﷺ!
يعني: لمَّا خرجَ
النّبيُّ ﷺ في رمضان فصَلَّى وصلَّى بصلاته أُنَاسٌ، ثم في الليلة الثانية ثم في الليلة
الثالثة، لم يمنعهم النَّبيُّ ﷺ مِنَ الصلاة ذاتها على هذا النحو، وإنما امتنع خشيةَ
أنْ تُفْرَضَ على الأمة، ولكن لم يمنع النَّبيُّ ﷺ من الاجتماعِ خلفَ إمامٍ واحدٍ،
وإنما خَشِيَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- مِنْ أنْ
تُفْرَضَ الصلاةُ على أُمَّةِ النّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-
وحينئذٍ يَعْجِزُونَ عنها، اللهم صلِّ وسَلِّم وبارك عليه.
فَلَمَّا ماتَ النَّبيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- حَصَلَ الأمنُ من ذلك؛ لأنَّه لا
يمكن أنْ يُفرضَ شيءٌ على الأمة بعد موتِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آله وَسَلَّمَ-, ولم يفعل ذلك أبو بكر -رضوان الله عليه-؛ لانشغاله في حروب الرِّدَّةِ
وحروبِ مانعي الزكاة, وكذلك لم يفعلْه عمرُ -رضوان الله عليه- صدرًا من خلافته -رضوان
الله عليه-؛ لانشغاله بحربِ فارسَ والروم، فَلَمَّا أنْ استقرَ الأمرُ رَاجَعَ عمرُ
-رضوان الله عليه- سُنَّةَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
فَلَمَّا قال عمر
-رضوان الله عليه-: «نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ», بدعةٌ هي؟!
يقولُ النَّبيُّ
ﷺ: «عليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عَضُّوا عليها
بالنَّوَاجِذِ, وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور», هذا أولًا.
وثانيًا: لأنَّ هذه
مشروعة فكيف تكونُ بدعة؟!
يعني الذي قال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أخشى أنْ تُفْرَضَ عليكم»،
هو الذي قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- «كُلُّ بدعةٍ ضلالة»,
فلا تناقضَ بين قولِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- في
الحالتين.
النّبيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- إنما قَرَّرَ ذلك سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ،
وإنما امتنعَ عن الإتيانِ بها لِعِلَّةٍ بَيَّنَها الرسولُ ﷺ، فلما انتفى المانعُ نعودُ
إلى الأصل الذي أصَّلَهُ لنا نبيُّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
فإذا قال عمر: «نِعْمَ
الْبِدْعَةُ هَذِهِ» يعني: أنها لم تكن مستفيضةً على عهدِ النَّبيِّ ﷺ, ولم تكن في
خلافةِ أبي بكر -رضوان الله عليه-, فأَتَى بالمعنى اللُّغوي للبدعة، والبدعةُ في اللغة
تَعُمُّ كلَّ ما فُعِلَ ابتداءً من غير مثالٍ سابق، وأمَّا البدعة الشرعية: فما لم
يدل عليه دليلٌ شرعيٌ مِنْ كتابِ اللهِ ولا مِنْ سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
إذا كان ذلك كذلك
فقولُ عُمر -رضوان الله عليه- من قَبِيلِ الأخذِ بالأخذ اللُّغوي الأول على شُمُولِهِ.
وإطلاق معنى البدعة
بالمعنى اللغوي أشملُ وأعم من إطلاقها بالمعنى الشرعي، قال ابن رجب -رحمه الله-:
«ما وقع في كلام السَّلف من استحسان بعض البدع, فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية».
«في البدع اللغوية» يعني: بالمعنى اللغوي لا في المعنى الشرعي.
بعضُ البدع تشبه
ما يسمى عند العلماء بـ (المصالح المُرْسَلَة)، وشتَّان ما بينهما، المصلحة المرسلة:
هي المعنى الملائم لتصرفاتِ الشرعِ الذي لم يأتِ دليلٌ معينٌ باعتبارِهِ ولا بإلغائِهِ،
ولذلك سُمِّيت -هي موافقةٌ لمقاصد الشرع, ولم يأتِ دليلٌ بالإلغاء ولم يأتِ دليل بالإثبات،
ومن هنا قيل لها- (مُرْسَلَة)، يعني: لا هي مَلْغِيَّة ولا هي مُثْبَتَة, وإنما هي
مُرْسلة.
مِثْل: جمعُ الأصحابِ
-رضوان الله عليهم- لكتابِ اللهِ -تبارك وتعالى- بعد موتِ النَّبيِّ ﷺ, فهذه لا يُقال
إنها بدعة، ولكنها من قَبِيلِ ما يُسَمَّى بـ (المصالح المرسلة).
قد يُقال في المسائل
المتعلقة بعيد ميلاد النَّبيِّ ﷺ: هل تمنعون ذكرَ اللهِ وقراءةَ سيرةِ رسولِ اللهِ
ﷺ؟
والجواب: ذكرُ
اللهِ ومعرفةُ سيرة النَّبيِّ ﷺ من أعظمِ القُرُبَاتِ وأفضلِ الطاعاتِ، وذلك يُحَضُّ
عليه ويُرَغَّبُ فيه, وموطنُ النزاع إنما هو تخصيصُ ذلك بيومٍ في السَّنَةِ من غير
ما مُخَصِّص، مع الكيفيةِ المُحْدَثَةِ والمخالفاتِ المبتدعة.
وقد يُقال: قال ابن
الجزري:
«رُئِيَ أبو لهب في المنام فقيل له: كيف حالُك؟ قال في النار، ولكنه يُخفف عنه كل ليلة
اثنين؛ لأنه فَرِح بِمَولِدِ رسول الله ﷺ، وأعتقَ جاريتَهُ ثُوَيْبَة», فيقولون: مادام
هذا حال الكافر استفاد بسبب فَرَحِهِ برسولِ اللهِ ﷺ, فكيف حالُ من يفرح ويحتفلُ بعيدِ
ميلادِهِ كلَّ عام وهو مسلمٌ يعبدُ اللهَ -تبارك وتعالى-؟
الجواب: هذا
الدليلُ أوهنُ من بيت العنكبوت، بل هو هباء، الرائي الذي حَكَى عنه ابنُ الجزري مجهول!
والمرويُّ عنه كافر! فأيُّ إسناد هذا؟!
ومتى كانت الأحلامُ
دليلًا على إثباتِ حكمٍ شرعي؟!
وأيضًا: هذا
الفرح الذي أتى من أبي لهب فَرَحٌ جِبِلِّي؛ لأنه فَرِحَ بأن رُزِقَ أخوه -الذي مات
وترك امرأته حاملًا أنْ رزق- بمولودٍ ذَكَر، فهذا فَرَحٌ جِبِلِّي، ولذلك لم يَفرح
بِبَعْثَةِ رسولِ اللهِ ﷺ، بل حاربَهُ أشدَّ المحاربة, وعانده أشدَّ المعاندة -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-.
قد يُقال أيضًا: إنَّ
النّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- صامَ يومَ الاثنين, فلمَّا
سُئِلَ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-: «ذلك يومٌ وُلِدتُ
فيه»، فقالوا: إذن؛ ينبغي أنْ نحتفل بعيدِ ميلادِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-!
والجواب: مشروعيةُ
صوم الاثنين لا تُنكر، وكذلك فضلُ صيامِهِ، وكذلك يومُ الخميس, فصومُهما مستحبٌ على
طول العام، لا في وقت دون وقت، ولكن أنْ تقيس ما هو مشروع -وهو الصيام- على ما لم يُشرع
-وهو الاحتفال- قياسٌ مع الفارق, وهو قياسٌ باطل.
وأيضًا: صَحَّ
عن النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- في تَعْلِيلِ صيامِ
الاثنين والخميس أنَّه قال: «إنَّ الأعمال تُعرض على الله ربِّ العالمـــين كلَّ
اثنين وخميس، فَأُحِبُّ أنْ يُعرض عملي وأنا صائم». -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آله وَسَلَّمَ-.
شيءٌ آخر وهو: أنَّ
النّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ- حُبُّهُ من أعظمِ أصولِ
الدِّينِ، قال ربُّنا -تبارك وتعالى-: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ
لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة : 24]، فكفى بهذا حَضًّا وتنبيهًا ودلالةً
وحجةً على إلزامِ محبةِ النَّبيِّ ﷺ، ووجوبِ ذلك وعِظَمِ خَطَرِهِ واسْتِحْقَاقِهِ
للنبيِّ ﷺ؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى قَرَّعَ من كان مالُهُ وأهلُهُ وولدُهُ أحبَّ إليه
من اللهِ ورسولِهِ ﷺ، وتَوَعَّدَهُم بقولِهِ تعالى: ﴿فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ
اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾, ثم فَسَّقَهُم بتمامِ الآية، وأَعْلَمَهُم أنَّهم ممن ضَلَّ عن
سبيلِ اللهِ ربِّ العالمـــين، فاللهم اجعل نبيَّكَ ﷺ أحبَّ إلينا من أنفسِنَا إنَّك
على كل شيءٍ قدير.
قال النَّبيُّ ﷺ:
«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿النَّبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾».
وقال ﷺ: «أَنَا
أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ».
وقال: «لَا يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ».
ولمَّا قال عمر -رضوان
الله عليه- للنبيِّ ﷺ: لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِلَّا نَفْسِي.
قَالَ: «ولَا
هذه يا عمر».
قَالَ: الْآنَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كلِّ شيء حتى نفسي.
قَالَ: «الْآنَ
يَا عُمَرُ».
فَمَحَبَّةُ النّبيِّ
ﷺ واجبةٌ وأَصْلٌ عظيمٌ من أصولِ الدِّينِ، ولكن الدَّليلُ على صدقِ المحبةِ التأدبُ
مع رسول الله، وعدمُ التقديم بين يدي رسول الله.
أسألُ الله -تبارك
وتعالى- أنْ يرزقنا مَحَبَّتَهُ ومَحَبَّةَ نبيِّه ﷺ، وأنْ يرزقنا الاتباع، وأنْ يُجَنِّبَنَا
الابتداع، إنَّه على كل شيءٍ قدير.
وصَلَّى الله وسلم
على نبيِّنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.