«فَضَائِلُ الصَّلاةِ عَلَى
رسولِ اللهِ --صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم--»
«الجمعة 10 من ربيع الأول 1438هـ الموافق 9-12-2016م»
للشيخ
العلَّامة أبي عبد الله محمد بن سعيد رسلان –حفظهُ اللهُ-.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ
اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
«أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا على
الثَّقَليْن نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ»
فإنَّ نِعَمَ اللهِ –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- على عِبَادِهِ كَثِيرَةٌ لا تُحْصَى،
وَأَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا على الثَّقَليْن الجِنِّ والإنْسِ: أنْ
بَعَثَ فِيهم عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ وَحَبِيبَهُ وَخِيرَتَهُ مِن خَلْقِهِ
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعلى آلِهِ وَسَلَّم-؛ لِيُخْرِجَهُم به مِن
الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَيَنْقُلَهُم به مِن ذُلِّ العبوديةِ للمَخْلُوقِ إلى
عِزِّ العبوديةِ للخالِقِ الكريم، ويُرْشِدَهُم إلى سبيلِ النَّجَاةِ والسعادةِ، وَيُحَذِّرَهُم
مِن سُبُلِ الهَلَاكِ وَالشَّقَاوَةِ، وَقَد نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى بِهَذهِ النِّعْمَةِ
العظيمةِ والمِنَّةِ الجسيمةِ في كتابِهِ العزيزِ فقَالَ: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي
ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].
وَقَالَ -جَلَّ وعَلَا-: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح:
28].
وَقَد قَامَ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- بِإبلَاغِ الرِّسَالَةِ
وَأَدَاءِ الأمَانَةِ والنُّصْحِ للأُمَّةِ عَلَى التَّمَامِ وَالكَمَالِ، فَبَشَّرَ
وَأَنْذَرَ، وَدَلَّ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَأَنْزَلَ
اللهُ تَعَالَى عَليْهِ وَهُو وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ -صَلَّى اللهُ
عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
وَكَانَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعلى آلِهِ وَسَلَّم- حَرِيصًا
عَلَى سَعَادَةِ الأُمَّةِ غَايَةَ الحِرْصِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى مُنَوِّهًا
بِمَا حَبَاهُ اللهُ بِهِ مِنْ صِفَاتٍ جَلِيلَةٍ: ﴿لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
وَهَذَا الذي قَامَ بِهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- مِنْ إِبْلَاغِ
الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ لِلأُمَّةِ هُوَ حَقُّ الأُمَّةِ
عَليْهِ –صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليْهِ-، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين﴾
[النور: 54]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ
إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: 35]، وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ»
عَن الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ
البَلَاغُ، وَعَليْنَا التَّسْلِيمُ».
وَعَلَامَةُ سَعَادَةِ المُسْلِمِ: أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيَنْقَادَ لِمَا جَاءَ
بِهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-، كَمَا قَالَ –جَلَّ وَعَلَا-:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65].
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:36].
وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63].
وَلَمَّا كَانَت نِعْمَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى المُؤمنينَ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ
-صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّم- إليْهِم عَظِيمَةً؛ أَمَرَهُم اللهُ تَعَالَى فِي
كِتَابِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَليْهِ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، فَبَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُم
أَنَّهُ –تعالى- وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّم-؛ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
«مِنْ أَعظمِ حقوقِ النبيِّ ﷺ على
المُسلمِ»
فَمِن أَعظمِ حقوقِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-
على المُسلمِ:
الدعاءُ له -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-، والدعاءُ
للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- يتضمنُ أربعةَ أمورٍ، هي:
*الصلاةُ عليه.
*والسلامُ عليه.
*والدعاءُ له بالوسيلةِ والفضيلةِ.
*والدعاءُ له بأنْ يبعثَهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا.
«بَيَانُ مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى
النبيِّ ﷺ»
وفي بَيَانِ مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-: قالَ الإِمَامُ
ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-:
«أصلُ هذه اللفظةِ في لغةِ العربِ يرجعُ إلى معنييْن:
أحدِهِما: الدعاءُ والتبرك.
والثاني: العبادة.
فمِنَ الأول: قولُهُ تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ
لَّهُمْ﴾
[التوبة: 103]، وقولُهُ تعالى في حقِّ المُنافقين: ﴿وَلَا
تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾
[التوبة: 84]، وقولُ النبيِّ ﷺ: «إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى الطَّعامِ فَلْيُجِب، فإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ». أخرجَهُ
مسلم.
وفُسِّرَ
الحديثُ بالمعنييْن جميعًا؛ قيلَ: فَليَدْعُ لَهُم بالبركةِ، وقيلَ: يُصلِّي عندهم
بَدَلَ أَكْلِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الصَّلَاةَ في اللغةِ معناها: الدعاء، والدعاءُ
نوعان: دعاءُ عبادةٍ ودعاءُ مسألة، فالعابدُ داعٍ كما أنَّ السائلَ دَاع، وبِهِمَا
فُسِّرَ قولُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]؛ قيل: أطيعوني
أُثِبْكُم، وقيل: سَلُوني أُعْطِكُم، وفُسِّرَ بِهِما قَولُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾
[البقرة: 186].
والصَّوَابُ:
أنَّ الدُّعَاءَ يَعُمُّ النَّوْعيْن، وهذا لفظٌ متواطئٌ لا اشتراكَ فيه، فَمِن
استعمالِهِ في دعاءِ العبادةِ: قولُهُ تعالى: ﴿قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي
الْأَرْضِ﴾ [سبأ: 22]، وقولُهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: 20]، وقولُهُ تعالى: ﴿قُلْ
مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾
[الفرقان: 77].
والصحيحُ
مِن القوليْن: لو لا أنكم تدعونَهُ وتعبدونَهُ؛ أي:
أيُّ شيءٍ يعبأُ بكم لولا عبادتُكُم إيَّاهُ، فيكونُ المصدرُ مُضافًا إلى الفاعلِ،
وقد قالَ تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾
[الأعراف: 55-56].
وقالَ
تعالى إخبارًا عن أنبيائِهِ ورُسُلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾
[الأنبياء: 90].
وهذه الطريقةُ
أحسنُ مِن الطريقةِ الأولى، ودعوَى الاختلافِ في مُسَمَّى الدعاء،
وَبِهَذَا
تَزُولُ الإشكالاتُ الواردةُ على اسمِ الصَّلاةِ الشرعيةِ؛ هل هو منقولٌ عن موضعِهِ
في اللغةِ فَيَكُونُ حقيقةً شرعيةً أو مَجَازًا شرعيًّا.
فَعَلَى هذا
تكونُ الصَّلَاةُ بَاقيةً على مُسَمَّاهَا في اللغةِ وهو الدُّعَاءُ، والدُّعَاءُ
دعاءُ عبادةٍ ودعاءُ مسألةٍ، والمُصَلِّي مِن حينِ تكبيرِهِ إلى سلامِهِ بين دعاءِ
العبادةِ ودعاءِ المسألةِ، فهو في صلاةٍ حقيقيةٍ لا مجاز ولا منقولة، لَكِن خُصَّ
اسمُ الصَّلَاةِ بهذهِ العبادةِ المخصوصةِ كسائرِ الألفاظِ التي يَخُصُّهَا أهلُ
اللغةِ والعُرْفِ بِبَعْضِ مُسَمَّاهَا؛ كالدَّابَّةِ والرأسِ ونحوِهِمَا، فهذا
غايتُهُ تخصيصُ اللفظِ وَقَصْرُهُ على بعضِ موضوعِهِ، وَهذا لا يُوجِبُ نَقْلًا
ولا خروجًا عن موضوعِهِ الأصليِّ.
هذه صلاةُ الآدمِيّ.
وَأَمَّا صلاةُ
اللهِ سبحانَهُ على عبدِهِ؛ فَنَوْعَان: عامةٌ وخاصةٌ:
*أَمَّا العامةُ: فهي
صلاتُهُ تَعَالَى على عبادِهِ المؤمنين، قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: 43]، ومِنْ
دعاء النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّم- بالصلاةِ على آحادِ المؤمنين كقولِهِ: «اللهم صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى». متفقٌ
عليه.
*والنوعُ الثاني:
صلاتُهُ الخاصةُ على أنبيائِهِ ورُسُلِهِ خُصُوصًا، وعَلَى خَاتَمِهِم وَخَيْرِهِم
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-.
فاختلفَ الناسُ
في معنى الصلاةِ منه سُبْحَانَهُ على أقوال:
*أَحَدُهَا: أَنَّهَا
رحمتُهُ.
قال المُبَرِّدُ: «أصلُ
الصلاةِ: الرَّحْمَةُ، فهي مِن اللهِ رحمة، وَمِن الملائكةِ رِقَّة واستِدْعَاءٌ
للرحمةِ مِن اللهِ»، وهذا القولُ هو المعروفُ عند كثيرٍ مِن المُتَأخرِين.
*والقولُ الثَّاني: أنَّ
صلاةَ اللهِ تعالى مَغْفِرَتُهُ.
وقد ذَكَرَ
البخاريُّ في «صحيحه» عن أبي العالية قال: «صَلَاةُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ: ثَنَاؤُهُ
عَلَيْهِ عِنْدَ المَلَائِكَةِ». أخرجهُ البخاريُّ مُعلقًا مجزومًا به، ووصلَهُ
إسماعيلُ القاضي، وسندُهُ مُحْتمِلٌ للتحسين.
فَمَعْنَى
الصَّلَاةِ: الثناءُ على الرسولِ، والعنايةُ به، وإظهارُ شرفِهِ
وفضلِهِ وحُرمتِهِ، كما هو المعروفُ مِن هذه اللفظة، وقيل: الصلاةُ المأمورُ بها
في قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب:56]: هي الطلبُ مِن الله ما أخبرَ به عن
صلاتِهِ وصلاةِ ملائكتِهِ، وهي ثناءٌ عليه، وإظهارٌ لفضلِهِ وشرفِهِ وإرادتِهِ
تكريمَهُ وتقريبَهُ، فهي تتضمنُ الخبرَ والطلب، وسُمِّيَ هذا السؤالُ والدعاءُ
مِنَّا نحن صلاةً عليه لوجهيْن:
*أحدُهُمَا: أنه
يتضمنُ ثناءَ المُصَلِّي عليه، والإشادةَ بِذِكْرِ شرفِهِ وفضلِهِ، والإرادةَ
والمحبةَ لذلك مِن اللهِ تعالى، فَقَدْ تضمنت الخبرَ والطلبَ.
*والوجهُ
الثاني: أنَّ
ذلك سُمِّيَ مِنَّا صلاةً لسؤالِنَا مِن اللهِ أنْ يُصَلِّيَ عليه، فصلاةُ
اللهِ عليه: ثناؤهُ وإرادتُهُ لرفعِ ذِكرِهِ وتقريبِهِ، وصلاتُنَا نحن عليه
سؤالُنَا اللهَ تعالى أنْ يفعلَ ذلك به.
وأمَّا ما
ذُكِرَ عن ابنِ عباسٍ –رضي اللهُ
عنهما- في قولهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56]؛ قال: يُباركون عليه، فهذا لا
يُنافي تفسيرَهَا بالثناءِ وإرادةِ التكريمِ والتعظيم، فإنَّ التبريكَ مِن اللهِ
يتضمنُ ذلك، ولهذا قُرِنَ بين الصلاةِ عليه والتبريكِ عليه، وقالت الملائكة
لإبراهيمَ: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود: 73]، وقال المسيح: ﴿وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ [مريم: 31]؛ قال غيرُ واحدٍ مِن السلفِ:
مُعَلِّمًا للخيرِ أَيْنَمَا كُنْتُ، وهذا جزءُ المُسَمَّى، فالمُبارَكُ كثيرُ
الخيرِ في نفسِهِ، الذي يُحَصِّلُهُ لغيرِهِ تعليمًا وإقدارًا ونُصحًا، وإرادةً
واجتهادًا؛ ولهذا يكونُ العبدُ مُبارَكًا؛ لأن اللهَ بارك فيه وجعلَهُ كذلك،
واللهُ تعالى مُتبارَكٌ لأنَّ البركةَ كلَّهَا منه، فعبدُهُ مُبارَكٌ، وهو
المُتبارَكُ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1].
«بَيَانُ مَعْنَى التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ»
وأمَّا
معنى التسليمِ على النبي -صَلَّى
اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-:
فَقَد قالَ فيه المجدُ الفيروز آباديُّ في كتابِهِ «الصِّلاتُ والبُشَرُ في
الصلاةِ على خيرِ البَشَرِ»: «ومعناهُ: السَّلَامُ
الذي هو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى عليه، وتأويلُهُ: لا خَلَوْتَ مِن الخيراتِ
والبركات، وسَلِمْتَ مِن المَكَارهِ والآفَاتِ، إذ كانَ اسمُ اللهِ تَعَالَى إِنَّمَا
يُذكرُ على الأمورِ تَوَقُّعًا لاجتماعِ معاني الخيرِ والبركةِ فِيهَا، وانْتِفَاءِ
عَوَارِضِ الخَلَلِ وَالفَسَادِ عَنْهَا.
ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ «السَّلامُ»: بِمَعْنَى السَّلَامَة؛ أي: ليَكُن قَضَاءُ اللهِ تَعَالَى عليك السَّلَامَةَ،
كما سَلِمْتَ مِن المَلَامِ والنَّقَائِصِ، فإذا قُلتَ: «اللهم سَلِّم عَلَى
مُحَمَّدٍ» فإنَّمَا تُرِيدُ مِنْهُ: اللهم اكتب لِمُحَمَّدٍ في دَعْوَتِهِ
وأُمَّتِهِ وذِكْرِهِ السَّلَامَةَ مِن كلِّ نَقْصٍ، فَتَزْدَادُ دَعْوَتُهُ عَلَى
مَمَرِّ الأيامِ عُلُوًّا، وأُمَّتُهُ تَكَاثُرًا، وذِكرُهُ ارتفاعًا».
قال ابنُ جرير في تفسيرِ آيةِ الأحزاب: «السلام عليه -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-
يعني: تحيتَهُ بتحيةِ الإسلامِ: السلامُ عليكَ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ».
ولفظُ السلامِ
يتضمنُ معنييْن:
*أحدُهُما: ذِكْرُ
اللهِ تعالى؛ لأنَّ السلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى، فعلى هذا يكونُ معنى
قولِ القائلِ: السلامُ عليكم؛ أي نزلَت بركةُ اسمِ اللهِ عليكم وحَلَّت بِكُم.
*والمعنى الثاني:
طلبُ السلامةِ، والسلامةُ تشملُ السلامةَ مِن الآفاتِ الدينيةِ
والدنيويةِ، ويدخلُ في السلامةِ أيضًا الأمنُ مِن فزعِ اليومِ الأكبرِ؛ لأنَّ
الفزعَ مِن الآفاتِ الأُخروية.
قالَ ابنُ جريرٍ
-رحمهُ اللهُ تعالى-: «وقولُهُ تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 181]، يقولك
وأَمَنَةٌ مِن اللهِ للمُرسَلين الذين أرسلَهُم إلى أُمَمِهِم الذين ذَكَرَهُم في
هذه السورةِ وغيرِهِم مِن فزعِ يومِ العذابِ الأكبرِ، وغيرِ ذلك مِن مكروهٍ أنْ
ينالَهُم مِن قِبَلِ اللهِ –تبارك وتعالى-،
وتسليمُ اللهِ على أنبيائِهِ مِن الجزاءِ بالمِثْلِ، لسلامةِ ما قالوهُ في ربِّهِم
لأقوامِهم مِن الخطأ والزَّللِ، ولتَوقِّيِهم الذنوبَ والمعاصي وسلامتِهِم منها.
ويُستفادُ مِن
الآيةِ الكريمةِ: أنْ يُسَلِّمَ المسلمُ على جميعِ الأنبياءِ أيضًا،
وعليه ألَّا يهجرَ ذلك ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾،
وتسليمُ المسلمِ على مَن لقيَهُ مِن إخوانِهِ إذا لَقيَهُم هو أفضلُ تحيةٍ يُحيِّي
بها المسلمُ إخوانَهُ، وهو مِن غايةِ الإكرامِ لهم، وبها يُحيِّي اللهُ تعالى
عبادَهُ المؤمنين ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ
سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: 44]».
وإذا صلَّى
المسلم على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّم- فليجمع بين الصلاةِ والتسليم ولا يقتصر على أحدِهِما، فلا يقول:
صلى الله عليه فقط، ولا: عليه السلام فقط، وهذا قد دلَّت عليه الآيةُ الكريمةُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الاحزاب: 56].
«فضائلُ الصلاةِ على رسولِ اللهِ ﷺ»
***وأمَّا فضائلُ الصلاةِ على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّم:
1*فإنَّ الصلاةَ عليه -صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه- صلاةٌ بصلواتٍ: عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ رسول اللهِ ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
عَشْرًا». رواهُ مسلم.
وعن أنس بن مالكٍ –رضي الله عنه- أنَّ رسول الله ﷺ: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَليُصَلِّ عَلَيَّ، وَمَنْ صَلَّى
عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا». أخرجهُ النسائيُّ في «عملِ
اليومِ والليلة»، وابنُ السُّنيِّ، والبخاريُّ في «الأدبِ المفردِ» بإسنادٍ صحيح.
وعن عامر بن ربيعةَ –رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ
الْمَلَائِكَةُ مَا دام يصَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ».
أخرجَهُ أحمدُ بإسنادٍ حسن.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: «مَنْ
صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ
سَبْعِينَ صَلَاةً، فَلْيُقِلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ». أخرجَهُ
الإمامُ أحمد، وصحَّحَهُ الشيخُ شاكر.
2*ومن فضائلِ الصلاةِ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ-: أنها رَفْعٌ للدرجات وحطٌّ للسيئاتِ:
فعن أبي طلحة الأنصاريِّ –رضي الله عنه- قال: أصبحَ رسول الله ﷺ يومًا طيِّبَ
النَّفْس، يُرَى في وجهِهِ البِشْرُ، قالوا: يا رسول الله؛ أصبحتَ اليومَ طيِّبَ
النَّفْسِ، يُرَى في وجهِكَ البِشْرُ.
قال: «أَجَل، أَتَانِي آتٍ مِنْ عِنْدِ
رَبِّي –عَزَّ وَجَلَّ- فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ
مِنْ أُمَّتِكَ صَلَاةً؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ
عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا». أخرجَهُ الإمامُ أحمد بإسنادٍ صحيح.
وعن أنس بن مالكٍ –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ
عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ». أخرجَهُ
أحمد والنسائيُّ بإسنادٍ صحيح.
3*ومِن فضائلِ الصلاةِ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ-: أنها كفايةُ للهُمومِ ومغفرةٌ للذنوب:
عن أُبيِّ بن كعبٍ –رضي الله عنه- قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا ذهب ثُلُثَا
الليل؛ قامَ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ
الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ». قَالَ
أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ،
فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي –أي: مِن دُعَائي، أي كَم أَجْعَلُ لَكَ مِنْ دُعَائِي
صَلَاةً عَلَيْكَ-؟
فَقَالَ: «مَا شِئْتَ».
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: النِّصْفَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قَالَ: قُلْتُ:
فَالثُّلُثَيْنِ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قَالَ: قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ
صَلَاتِي كُلَّهَا -أي دُعَائي كُلَّهُ لِنَفْسِي وأَهْلِي وَوُلْدِي وَمَالِي-.
قَالَ: «إِذن تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
أَخَرْجَهُ الإمامُ أحمد والترمذيُّ، وصَحَّحَهُ غيرُ واحدٍ.
4*ومِن فضائلِ الصلاةِ على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ-: أنها سببٌ لِنَيْلِ شفاعتِهِ ﷺ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ
يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُم الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا
مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ
فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ
اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ
حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». رواهُ مُسلم.
وعَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ
يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أخرجَهُ
الطبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ كما في «صحيح الجامع».
وَعَنْ
رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قال: قالَ رسولُ الله ﷺ: «مَن صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ: اللهم أَنْزِلْهُ الْمَقْعَدَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي». أخرجهُ أحمد، والطبرانيُّ في «الكبيرِ»
و«الأوسط»، وأخرجَهُ البزَّارُ، وأسانيدُهُم حسنة.
5*ومِن فضائلِ الصلاةِ
على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: أنها سببٌ لعرضِ اسمِ
المُصلِّي على رسولِ اللهِ ﷺ:
فَعَنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: «أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللهَ وَكَّلَ بِي
مَلَكاً عِنْدَ قَبْرِي، فَإِذَا صَلَّى عَلَىَّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي، قَالَ لِي
ذَلِكَ الْمَلَك: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ فُلاَنَ ابْنَ فُلاَنٍ صَلَّى عَلَيْكَ
السَّاعَةَ». أخرجَهُ الديلميُّ في «مُسندِ الفردوسِ»، وصحَّحَهُ
الألبانيُّ في «السلسلةِ الصحيحة».
وَعَنْ عَمَّار
بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا أَعْطَاهُ سَمْعَ الْعِبَادِ،
فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا أَبْلَغَنِيهَا، وَإِنِّي سَأَلْتُ
رَبِّي أَنْ لا يُصَلِّيَ عَلَيَّ عَبْدٌ صَلاةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرَ
أَمْثَالِهَا». أخرَجَهُ الطبرانيُّ والبزَّارُ، وحسَّنَهُ في «السلسلةِ
الصحيحة».
وعن ابن مسعودٍ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال:
«إنَّ للهِ تَعَالَى مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ
يُبَلِّغُونِي مِن أُمَّتِي السَّلَامَ». أخرجَهُ أحمد والنسائيُّ
بإسنادٍ صحيحٍ.
6*ومِن فضائِلِ
الصلاةِ على رسول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَسَلَّمَ-: أنها
طُهرةٌ مِن لغوِ المجلس:
عن جابرٍ –رضي
اللهُ عنه-، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَا اجْتَمَعَ
قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلا قَامُوا عَنْ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ».
وعن أبي هُريرة –رضي
اللهُ عنه-، عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ
وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ مجلسهم عَلَيْهِمْ تِرَةً –أي: نَقْصًا وَتَبِعَةً-، فَإِنْ
شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجَهُ
الترمذيُّ وابنُ ماجه بإسنادٍ صحيحٍ.
وعن أبي هريرة –رضي
الله عنه-، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَا قَعَدَ
قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ -عزَّ وَجَلَّ- وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
ﷺ إلَّا كَانَ عَلَيْهِم حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وإِنْ دَخَلُوا الجَنَّةَ
لِلثَّوابِ». أخرجَهُ ابنُ حِبَّانَ بإسنادٍ صحيح.
7*ومن فضائلِ
الصلاةِ على رسول اللهِ ﷺ: أنها سببٌ في إجابةِ الدعاء:
عن عليِّ بن أبي
طالبٍ –رضي اللهُ عنه- قال: «كُلُّ
دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبيِّ ﷺ». أخرجَهُ الطبرانيُّ في «الأوسطِ»،
وحسَّنَهُ الألبانيُّ في «صحيحِ الجامعِ».
8*ومِن فضائلِ
الصلاةِ على رسولِ اللهِ ﷺ: أنها تنفي الوصفَ بالبُخلِ والجَفَاءِ:
عن الحُسين بن
عليٍّ –رضي الله عنهما- عن النبيِّ ﷺ قال: «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ».
أخرجهُ أحمد والترمذيُّ والنسائيُّ وابنُ حبان والحاكمُ، وصحَّحَهُ في «صحيحِ
الجامع».
وعن أبي ذرٍّ –رضي
الله عنه-، أنَّ رسولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيَّ». رواهُ القاضي إسماعيلُ في «فضلِ الصلاةِ على النبيِّ
ﷺ»، وصحَّحَهُ الألبانيُّ.
وعن الحسنِ
البصريِّ –رحمهُ اللهُ-، قال: قال رسول اللهِ ﷺ: «بِحَسْبِ امْرئٍ مِن البُخْلِ أنْ أُذْكَرَ عندهُ فلا
يُصَلِّي عليَّ». وهذا مُرْسَلٌ صحيحٌ.
وعن قتادةَ –رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ-، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:
«مِن الجَفاءِ -والجفاءُ: تركُ البرِّ
والصِّلَة، وهو غِلَظُ الطَّبْعِ- أنْ أُذْكَرَ
عندَ رَجُلٍ فلا يُصَلِّي عليَّ». وله أصولٌ وشواهد.
9*ومن فضائلِ
الصلاة على النبيِّ ﷺ: أنها دليلٌ إلى الجنةِ:
عن ابن عباسٍ –رضي
اللهُ عنهما-، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ
نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ».
قوَّاهُ
لشواهدِهِ ابنُ حجرٍ وغيرُهُ، والنسيانُ هنا: التركُ؛ كقولِهِ تعالى في توبيخِ
الفاجرِ: ﴿كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾ [طه: 126]،
وليس النسيانُ هاهنا الدهوش.
وعن أبي جعفرٍ
محمد بن عليٍّ الباقر –رحمهُ الله-،
قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَن ذُكِرْتُ عندهُ فلم يُصلِّ عليَّ؛ فقد خَطِئَ طَرِيقَ
الْجَنَّةِ».
10*ومن فضائلِ
الصلاةِ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: أنها دليلٌ إلى
محبتِهِ، ومحبتُهُ ﷺ شرطُ الإيمان:
قال رسولُ اللهِ
ﷺ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِه وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ». متفقٌ
عليه.
فذكرَ في هذا
الحديثِ أنواعَ المحبةِ الثلاثة؛ لأنَّ المحبةَ إمَّا محبةُ إجلالٍ وتعظيمٍ كمحبةِ
الوالدِ، وإمَّا محبةُ تَحَنُّنٍ ووُدٍّ
ولطف كمحبةِ الولد، وإمَّا محبةُ لأجلِ الإحسانِ وصفاتِ الكمالِ كمحبةِ الناسِ
بعضِهِم بعضًا.
ولا يؤمنُ
العبدُ حتى يكونَ حبُّ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عندهُ
أشدَّ مِن هذه المَحَابِّ كُلِّهَا.
«الفَوَائِدُ والثَّمَرَاتُ الحَاصِلَةُ بِالصَّلَاةِ عَلَى
النَّبِيِّ ﷺ»
وقد ذكرَ
الإمامُ ابنُ القيمِ –رحمهُ اللهُ تعالى- الفوائدَ والثمراتِ الحاصلةَ
بالصلاةِ على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فقالَ -رحمهُ
الله-:
ومِن الفوائدِ
والثمراتِ الحاصلةِ بالصلاةِ عليه ﷺ:
الأُولَى: امْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ -سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى-.
الثَّانيةُ: مُوَافَقَتُهُ
سُبْحَانَهُ في الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ﷺ وَإِنْ اخْتَلَفَت الصَّلَاتَان.
الثَّالِثَةُ: مُوَافَقَةُ المَلَائِكَةِ
في ذَلِكَ.
الرَّابِعَةُ: حُصُولُ عَشْرِ
صَلَوَاتٍ مِن اللهِ عَلَى المُصَلِّي مَرَّةً وَاحِدَةً.
الخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُرْفَعُ
لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ.
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُكْتَبُ
لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُمْحَى
عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُرْجَى
إِجَابَةُ دُعَائِهِ إِذَا قَدَّمَهَا أَمَامَهُ، فَهِيَ تُصَاعِدُ الدُّعَاءَ إِلَى
عِنْدِ رَبِّ العَالَمِينَ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِشَفَاعَتِهِ ﷺ إِذَا قَرَنَهَا بِسُؤالِ الوَسِيلَةِ لَهُ أَوْ أَفْرَدَهَا.
العَاشِرَةُ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِكِفَايَةِ اللهِ العَبْدَ مَا أَهَمَّهُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِقُرْبِ العَبْدِ مِنْهُ ﷺ يَوْمَ القِيَامَةِ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا تَقُومُ
مَقَامَ الصَّدَقَةِ لِذِي العُسْرَةِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِقَضَاءِ الحَوَائِجِ.
الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِصَلَاةِ اللهِ عَلَى المُصَلِّي وَصَلَاةِ مَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا زَكَاةٌ
للمُصَلِّي وَطَهَارَةٌ لَهُ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِتَبْشِيرِ العَبْدِ بِالجَنَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِلنَّجَاةِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِرَدِّ النَّبِيِّ ﷺ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى المُصَلِّي وَالمُسَلِّمِ عَلَيْهِ.
العِشْرُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
لِتَذَكُّرِ العَبْدِ مَا نَسِيَهُ.
الحَادِيَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا
سَبَبٌ لِطِيبِ المَجْلِسِ، وَأَنْ لَا يَعُودَ حَسْرَةً عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ
القِيَامَةِ.
الثَّانِي وَالعِشْرُونَ: أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبَبٌ لِنَفْي الفَقْرِ.
الثَّالِثَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ
عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تَنْفِي عَن العَبْدِ اسْمَ البُخْلِ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ
ذِكْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
الرَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّهَا
تَرْمِي صَاحِبَهَا عَلَى طَرِيقِ الجَنَّةِ، وَتُخْطِئُ بِتَارِكِهَا عَنْ طَرِيقِهَا.
الخَامِسَةُ وَالعِشْرُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ
عَلَى النَّبِيِّ ﷺ تُنْجِي مِنْ نَتْنِ المَجْلِسِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ فِيهِ
اللهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحْمَدُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَيُصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ
ﷺ.
السَّادِسَةُ وَالعشْرُونَ: أَنَّهَا
سَبَبٌ لِتَمَامِ الكَلَامِ الَّذِي ابْتُدِئَ بِحَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى
رَسُولِهِ ﷺ.
السَّابِعَةُ وَالعشرُونَ: أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ المَأْمُونِ سَبَبٌ لِوُفُورِ نُورِ العَبْدِ عَلَى
الصِّرَاطِ.
الثَّامِنَةُ وَالعشْرُونَ: أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَى المَأمُونِ يَخْرُجُ بِهَا العَبْدُ عَن الجَفَاءِ.
التَّاسِعَةُ والعشْرُونَ: أَنَّهَا
سَبَبٌ لإِبْقَاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ الثَّنَاءَ الحَسَنَ عَلَى المُصَلِّى عَلَيْهِ
بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ والأرضِ؛ لأَنَّ المُصَلِّيَ طَالِبٌ مِن اللهِ أَنْ يُثْنِيَ
عَلَى رَسُولِهِ وَيُكْرِمَهُ وَيُشَرِّفَهُ، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَلَا
بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ للمُصَلِّي نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ.
الثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ
للبَرَكَةِ فِي ذَاتِ المُصَلِّي وَعَمَلِهِ وَعُمُرِهِ وَأَسْبَابِ مَصَالِحِهِ؛
لأَنَّ المُصَلِّيَ دَاعٍ رَبَّهُ أَنْ يُبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَهَذَا
الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ، وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِهِ.
الحَادِيَةُ وَالثَّلاثُونَ: أَنَّهَا
سَبَبٌ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللهِ لَهُ؛ لأَنَّ الرَّحْمَةَ إِمَّا بمَعْنَى الصَّلَاةِ
كما قاله طائفة، وَإِمَّا مِنْ لَوَازِمِهَا وُمُوجِبَاتِهَا عَلَى القَوْلِ الصَّحِيحِ،
فَلَا بُدَّ للمُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَةٍ تَنَالُهُ.
الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِدَوَامِ مَحَبَّتِهِ للرَّسُولِ ﷺ وَزِيَادَتِهَا وَتَضَاعُفِهَا،
وَذِلَكَ عَقْدٌ مِن عُقْودِ الإِيمَانِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ؛ لأَنَّ
العَبْدَ كُلَّمَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ المَحْبُوبِ وَاسْتِحْضَارِهِ فِي قَلْبِهِ
وَاسْتِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ ومعانيه الجالبة لِحُبِّه؛ تَضَاعَفَ حُبُّهُ لَهُ، وَتَزَايَدَ
شَوْقُهُ إِلَيْهِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ قَلْبِهِ.
وَإِذَا أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ بِقَلْبِهِ؛
نَقَصَ حُبُّهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَا شَيءَ أَقَرُّ لِعَيْنِ المُحِبِّ مِنْ رُؤيَةِ
مَحْبُوبِهِ، وَلَا أَقَرَّ لِقَلْبِهِ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِحْضَارِ مَحَاسِنِهِ، فَإِذَا
قَوِيَ هَذَا فِي قَلْبِهِ؛ جَرَى لِسَانُهُ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذِكْرِ
مَحَاسِنِهِ، وَتَكُونُ زِيَادَةُ ذَلِكَ وَنُقْصَانُهُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ
الحُبِّ وَنُقْصَانِهِ فِي قَلْبِهِ، وَالحِسُّ شَاهِدٌ بِذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ للعَبْدِ، فَإِنَّهَا إِذَا
كَانَت سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ المُصَلِّى عَلَيْهِ لَهُ, فَكَذِلَكَ هِيَ
سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ هُوَ للمُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ.
الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِهِدَايَةِ العَبْدِ وَحَيَاةِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا
أَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ وَذَكَرَهُ؛ اسْتَوْلَت مَحَبَّتُهُ عَلَى قَلْبِهِ،
حَتَّى لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مُعَارَضَةٌ لِشَيءٍ مِنْ أَوَامِرَهِ، وَلَا يَبْقَى
فِي قَلْبِهِ شَكٌّ فِي شَيءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ، بَلْ يَصِيرُ مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا
مَسْطُورًا فِي قَلْبِهِ، لَا يَزَالُ يَقْرَؤُهُ عَلَى تَعَاقُبِ أَحْوَالِهِ، وَيَقْتَبِسُ
الهُدَى وَالفَلَاحَ وَأَنْوَاعَ العُلُومِ مِنْهُ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ فِي ذَلِكَ
بَصِيرَةً وَقُوَّةَ مَعْرِفَةٍ؛ ازْدَادَت صَلَاتُهُ عَلَيْهِ ﷺ.
الخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ فَوَائِدِ وَثَمَرَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى
المَأمُونِ ﷺ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَرْضِ
اسْمِ المُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ وَذِكْرِهِ عِنْدَهُ.
السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَثْبيتِ القَدَمِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالجَوَازِ عَلَيْهِ,
لِحَدِيثِ عَبْد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيد بن المُسَيِّب
في رُؤيَا النَّبِيِّ –صلى الله عليه وآله وسلم-؛ وَفِيهِ: «وَرَأيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ
وَيَحْبُو أَحْيَانًا وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَانًا، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلِيَّ فَأَقَامَتْهُ
عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَنْقَذَتْهُ».
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ أَدَاءٌ لِأَقَلِّ القَلِيلِ مِنْ حَقِّهِ، مَعَ
أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لَا يُحْصَى عِلْمًا وَلَا قُدْرَةً، وَلَا إِرَادَةً,
وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لِكَرَمِهِ رَضِيَ مِنْ عِبَادِهِ بِاليَسِيرِ مِنْ شُكْرِهِ
وَأَدَاءِ حَقِّهِ.
الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِذِكْرِ اللهِ تعالى وَشُكْرِهِ، وَمَعْرِفَةِ إِنْعَامِهِ
عَلَى عَبِيدِهِ بِإِرْسَالِهِ، فَالمُصَلِّي عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ-
قَد تَضَمَّنَت صَلَاتُهُ عَلَيْهِ ذِكْرَ اللهِ وَذِكْرَ رَسُولِهِ، وَسُؤالَهُ أَنْ
يَجْزِيَهُ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ، كَمَا عَرَّفَنَا رَبُّنَا أَسْمَاءَهُ
وَصِفَاتِهِ، وَهَدَانَا إِلَى طَرِيقِ مَرْضَاتِهِ، وَعَرَّفَنَا مَا لَنَا بَعْدَ
الوصُولِ إِلَيْهِ وَالقُدُومِ عَلَيْهِ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلإِقَرْارِ بِوُجُوبِ
الرَّبِّ المَدْعُوِّ، وَعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ
وَكَلامِهِ، وَإِرْسَالِ رَسُولِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِي أَخْبَارِهِ كُلِّهَا، وَكَمَالِ
مَحَبَّتِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الإِيمَانِ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ
ﷺ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلْمِ العَبْدِ ذَلِكَ، وَتَصْدِيقِهِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ،
فَكَانَت مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ.
التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ مِنَ العَبْدِ هِيَ دُعَاءٌ، وَدُعَاءُ العَبْدِ
وَسُؤالُهُ مِنْ رَبِّهِ نَوْعَان:
*أَحَدُهُمَا: سُؤالُهُ حَوَائِجَهُ
وَمُهِمَّاتِهِ، وَمَا يَنُوبُهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَهَذَا دُعَاءٌ وَسُؤالٌ،
وَإِيْثَارٌ لِمَحْبُوبِ العَبْدِ وَمَطْلُوبِهِ.
*وَالثَّانِي: سُؤالُهُ أَنْ
يُثْنِيَ عَلَى خَلِيلِهِ وَحَبِيبِهِ, وَيَزِيدَ فِي تَشْرِيفِهِ وَتَكْرِيمِهِ،
وَإِيثَارِ ذِكْرِه، وَرَفْع شَأْنِهِ عَلَى كُلِّ مَا يَطْلُبُهُ العَبْدُ لِنَفْسِهِ
مِنْ رَبِّهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ يُحِبُّهُ، فَالمُصَلِّي
عَلَيْهِ ﷺ قَد صَرَفَ سُؤالَهُ وَرَغْبَتَهُ وَطَلَبَهُ إِلَى مَحَابِّ اللهِ وَرَسُولِهِ،
وَآثَرَ ذَلِكَ عَلَى طَلَبِهِ لحَوَائِجِهِ وَمَحَابِّهِ، بَلْ كَانَ هَذَا المَطْلُوبُ
مِنْ أَحَبِّ الأُمُورِ إِلَيْهِ وَآثَرِهَا عِنْدَهُ، فَقَد آثَرَ مَا يُحِبُّهُ
اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ هُوَ، وَآثَرَ اللهَ وَمَحَابه عَلَى مَا سِوَاهُ،
وَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَمَنْ آثَرَ اللهَ عَلَى غَيْرِهِ آثَرَهُ
اللهُ عَلَى غَيْرِهِ.
الأَرْبَعُونَ مِن فَوَائِدِ وَثَمَرَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى المَأمُونِ ﷺ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ لِمَنْ عَلَّمَ
أُمَّةَ النَّبِيِّ ﷺ دِينَ اللهِ وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللهِ،
وَدَعَاهُم إِلَيْهِ، وَحَضَّهُم عَلَيْهِ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّ
للنَّبِيِّ ﷺ مِن الأَجْرِ الزَّائِدِ عَلَى أَجْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ
اتَّبَعَهُ، فَالدَّاعِي إِلَى سُنَّتِهِ وَدِينِهِ ﷺ، وَالمُعَلِّمُ الخَيْرِ لِلأُمَّةِ
إِذَا قَصَدَ تَوفِيرَ هَذَا الحَظِّ وَالأَجْرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَصَرْفَهُ
إِلَيْهِ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ بِدَعْوَةِ الخَلْقِ إِلَى اللهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ
بِإِرْشَادِ عِبَادِهِ، وَتَوْفِيرَ أُجُورِ المُطِيعِينَ لَهُ عَلَى رَسُولِ
اللهِ ﷺ، مَعَ تَوْفِيَتِهِم أُجُورَهُم كَامِلَةً؛ كَانَ لَهُ مِن الأَجْرِ فِي دَعْوَتِهِ
وَتَعْلِيمِهِ بِحَسَبِ هَذِهِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ،
وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ.
فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً
وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
«بَعْضُ الصِّيَغِ في الصلاةِ والسلامِ
على النبيِّ ﷺ»
فَقَد وَرَدَت صِيَغٌ كَثِيرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، مِنْهَا:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بنِ عمروٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ –رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ-: قَد أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ
نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ
وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إِبْرَاهِيمَ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ». رَوَاهُ مُسْلِم.
وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا؟
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى
جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ؛ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي
عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: «إذَا أَنْتُمْ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولُوا: اللّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا
صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ».
وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ
عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا : قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ
نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
قَالَ قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ
بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ
إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفقٌ عليه.
وَعَنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُمْ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُولُوا:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ
وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفقٌ عليه.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلنَا يَا
رَسُولَ اللهِ: هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ
قَد عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: «قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ». أخرجهُ البخاريُّ.
وَعَنْ طَلْحَة بن عُبيْد اللهِ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ: قُلتُ: يَا رسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلاةُ
عَلَيْكَ؟
قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
وفي لفظٍ آخرَ عِنْدَ النَّسَائيِّ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ
فَقَالَ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟
قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». وإسنادُهُ حَسَنٌ.
وَعَن زَيْدِ بن خَارِجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟
فَقَالَ: «صَلُّوا وَاجْتَهِدُوا ثُمَّ قُولُوا: اللهم بَارِك عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
أخرجَهُ أحمد والنسائيُّ بإسنادٍ حَسَن.
وَعَن عَبْد الرَّحْمَن بن بَشِيرِ بن مَسْعُود -ذَكَرَهُ البُخَاريُّ وابنُ
أبي حَاتِم وَابنُ حِبَّان في التَّابِعِينَ، وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ –رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى-: هُوَ مَعْدُودٌ في الصَّحَابَةِ-، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
أَمَرْتَنَا أنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ وأنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فقَد عَلِمْنَا
كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
قَالَ: «تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، اللهم بَارِكْ
عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ».
وَهَذَا مُرسَلٌ صحيحٌ.
«أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ وَرَضِيَ اللهُ
عَنْهُنَّ»
وَقَد وَرَدَ كَمَا مرَّ في بَعْضِ صِيَغِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الصَّلَاةُ عَلَى أَزْوَاجِهِ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-،
وَأَزْوَاجُهُ ﷺ هُنَّ:
*خديجةُ بنتُ خويلدٍ –رضي
الله عنها-:
وقد تزوَّجَهَا النبيُّ ﷺ بِمَكَّةَ وهو ابنُ خمسٍ وعشرين سنة، وبقيت معهُ
إلى أنْ أكرمَهُ اللهُ برسالتِهِ، فآمنت به ونصَرَتْهُ، فكانت له وزيرَ صِدقٍ،
وماتت قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنينَ على الأصَحِّ، وقيل: بأربعٍ، وقيلَ: بخمسٍ.
ولها خصائصُ –رضي اللهُ عنها-؛ منها:
*أنه ﷺ لم يتزوج عليها غيرَهَا.
*ومنها: أنَّ أولادَهُ ﷺ كلُّهُم
منها إلَّا إبراهيمَ –عليه السلام-؛ فإنه مِن سُرِّيَّتِهِ مارية.
*ومنها: أنها خيرُ نساءِ الأُمَّةِ،
واختُلِفَ في تفضيلِهَا على عائشةَ –رضيَ اللهُ عنها- على ثلاثةِ أقوالٍ، ثالثُهَا الوقف.
*ومِن خصائصِهَا -رضي اللهُ عنها-: أنَّ اللهَ بَعَثَ إليها السلامَ مع جبريلَ –عليه السلام-، فبلَّغَهَا رسولُ اللهِ ﷺ سلامَ اللهِ
عليها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ
النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا
إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ
فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ
فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ –وَهُو اللؤلؤُ المُجَوَّف- لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا
نَصَبَ». متفقٌ عليه.
*ومِنْ خصائِصِهَا -رضي الله عنها-: أنها لم تَسُؤْهُ قَطُّ، ولم تُغَاضِبْهُ قط، ولم يَنَلْها منه إيلاءٌ ولا
عَتْبٌ قط ولا هَجْرٌ، وكَفَى به مَنْقَبةً وفضيلةً.
*ومِنْ خواصِّها: أنها أولُ
امرأةٍ آمَنَتْ باللهِ ورسولِه مِنْ هذه الأمةِ.
*ومِنْ نِسَائِهِ ﷺ: سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ -رضي اللهُ تعالى
عنها-:
كَبُرَتْ عندَه، وأراد طلاقَها، فَوَهَبَتْ يومَها لِعائشةَ -رضي الله عنها-،
فأَمْسَكَهَا، كما في «الصحيحين»، وهذا مِنْ خواصِّها؛ أنها آثَرَت بيومِها حِبَّ
رسولِ اللهِ ﷺ تقرُّبًا إلى رسولِ اللهِ ﷺ وحُبًّا له، وإيثارًا لِمَقَامِهَا معه،
فكان يَقْسِمُ لِنَسائِهِ ولا يَقْسِمُ لها، وهي راضيةٌ بذلك، مُؤْثِرَةٌ لِرِضَا
رسولِ اللهِ ﷺ -رضي الله عنها-.
*ومِنْ نِسائِهِ: عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ –رضي الله عنهما-:
وهي عائشةُ حِبُّ رسولِ اللهِ ﷺ، تَزَوَّجَها النبيُّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهي بنتُ سِتِّ سنينَ قَبْلَ الهجرةِ بِسَنَتَيْنِ،
وقيل: بثلاث، وبَنَى بها بالمدينةِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ في السَّنَةِ الأُولى وهي بِنْتُ
تسعٍ، ومات عنها وهي بنتُ ثَمَانِ عَشْرَةَ، وتُوُفِّيَتْ بالمدينةِ ودُفِنَتْ
بالبَقِيعِ، وأَوْصَتْ أنْ يًصَلِّيَ عليها أبو هريرةَ –رضي الله عنه- سنةَ ثمانٍ وخمسين.
*ومِنْ خصائِصِها:
أَنَّهَا كَانت أَحَبَّ أزواجِ رسولِ اللهِ إليه، كما ثبت ذلك عنه عند
البخاري في «الصحيح»، وقد سُئِلَ: أَيُّ الناسِ أَحَبُّ إليك؟
قال: «عَائِشَةُ».
قيل: فَمِنَ الرجالِ؟
قال: «أَبُوهَا».
*ومِنْ خَصَائِصها أيضًا: أنه لم
يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غيرَها.
*ومِنْ خَصَائِصها: أنه كان يَنْزِلُ
عليه الوحيُ وهو في لِحَافِها دون غيرِها.
*ومِنْ خصائِصِهَا: أنَّ اللهَ لَمَّا
أَنْزَلَ عليه آيةَ التخييرِ؛ بَدَأَ بها فَخَيَّرَهَا، فقال: «وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى
تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ». فَقَالَتْ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟
فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
فاسْتَنَّ بها بقيةُ أزواجِهِ –رضي الله عنهن-، وقُلْنَ كما قالت.
*ومِنْ خَصَائِصِهَا: أنَّ اللهَ تعالى
بَرَّأَها مما رَمَاها به أهلُ الإفكِ، وأَنْزَلَ في عُذْرِها وبراءَتِها وَحْيًا
يُتلَى في مَحَارِيبِ المسلمينَ وصلواتِهِم إلى يومِ القيامةِ.
*ومِنْ خصائِصِهَا -رضي الله عنها-: أنَّ الأكابرَ مِنَ الصحابةِ -رضي الله عنهم- كان إذا أَشْكَلَ عليهم أمرٌ
مِنَ الدين؛ اسْتَفْتَوْها، فيَجِدون عِلْمَه عندَها.
*ومن خصائصها: أنَّ الناسَ
كانوا يَتَحَرَّوْنَ بهداياهُم يومَها مِنْ رسولِ اللهِ ﷺ تقرُّبًا إلى رسولِ
اللهِ ﷺ.
*ومِنْ نسائِهِ: حفصةُ بنتُ عمر -رضي الله عنهما-:
تَزَوَّجَها النبيُّ ﷺ، وكانت قبلَه عند خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ، وكان مِنْ
أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، وممن شَهِدَ بدرًا، تُوُفِّيَتْ سنةَ سبعٍ وقيل: ثمانٍ
وعشرين.
*ومن خواصِّها: ما ذَكَره
الحافظُ أبو محمدٍ المقدسيُّ في مختصَرِه في السيرةِ: أنَّ النبيَّ ﷺ طَلَّقها،
فأتاه جبريلُ، فقال: «إنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أنْ تُرَاجِعَ حفصةَ؛ فإنها صَوَّامةٌ
قَوَّامةٌ، وإنها زوجتُك في الجنة». وأخرجَهُ أبو داود وابنُ ماجه مختصرًا.
*ومِنْ نسائِهِ: أُمُّ حَبِيبةَ:
وهي: رَمْلَةُ بنتُ صَخْرِ بنِ
حربِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافٍ، هاجَرَتْ مع زوجِها عبيدِ اللهِ
بنِ جحشٍ إلى أرضِ الحبشة، فَتَنَصَّرَ بالحبشةِ، وأَتَمَّ اللهُ لها الإسلامَ، وتَزَوَّجَها
رسولُ اللهِ ﷺ وهي بأرضِ الحبشةِ، وأَصْدَقَها عنه النجاشيُّ أربَعَمِائةِ دينارٍ،
وبَعَثَ رسولُ اللهِ ﷺ عمرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلى النجاشيِّ يَخْطِبُها،
ووَلِيَ نكاحَها عثمانُ بنُ عفانَ، وقيل: خالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاص، وهي التي أَكْرَمَتْ
فِراشَ رسولِ اللهِ ﷺ أنْ يَجْلِسَ عليه أبوها لَمَّا قَدِمَ المدينةَ، وقالت: إنك
امْرُؤٌ مُشْرِكٌ، ومَنَعَتْهُ مِنَ الجلوسِ على فراشِ رسولِ اللهِ ﷺ.
*ومِنْ نسائِهِ: أمُّ سَلَمَةَ:
وهي: هندُ بنتُ أبي أُمَيَّةَ بنِ
المغيرةِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ مَخْزُومٍ –رضي الله تعالى عنها-، تُوُفِّيَتْ سنةَ اثنتينِ وستينَ،
ودُفِنَتْ بالبَقيعِ، وهي آخِرُ أزواجِ رسولِ اللهِ ﷺ موتًا، وقيل: بل ميمونة.
*ومِنْ خصائِصِها: أنَّ جبريلَ دَخَلَ
على النبيِّ ﷺ وهي عندَه، فَرَأَتْهُ في صورةِ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ ،كما في «صحيح
مسلم».
*ومِنْ نسائِهِ ﷺ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا-:
وهي بنتُ عَمَّتِهِ أُمَيْمَةَ بنتِ عبدِ المطلبِ، وكانت قَبْلُ عندَ مَوْلَاهُ
زيدِ بنِ حارثةَ، وطَلَّقَها، فَزَوَّجَها اللهُ تعالى رسولَ اللهِ ﷺ مِنْ فوقِ
سبعِ سماواتٍ، وأَنْزَلَ عليه: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا
وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: 37]، فقام فَدَخَلَ عليها بلا استئذانٍ،
وكانت تَفْخَرُ بذلك على سائرِ أزواجِ رسولِ اللهِ ﷺ وتقولُ: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ،
وزَوَّجَنِي اللهُ مِن فوقِ سبعِ سماواتِه».
*ومِنْ نسائِه ﷺ: زينبُ بنتُ خُزَيمةَ:
وهي: زينبُ بنتُ خُزَيْمةَ الهِلَالِيَّةُ،
كانت تحتَ عبدِ اللهِ بنِ جحشٍ، تَزَوَّجَها رسولُ اللهِ ﷺ سنةَ ثلاثٍ منَ الهجرةِ،
وكانت تُسَمَّى (أمَّ المساكين)؛ لِكَثرةِ إطعامِها للمساكينِ، ولم تَلْبَثْ عند
رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَّا يَسِيرًا شهرين أو
ثلاثة، وتُوُفِّيَتْ –رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.
*ومِنْ نِسَائِهِ ﷺ: جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحَارِثِ:
تَزَوَّجَها النبيُّ ﷺ، وكانت سُبِيَتْ في غزوةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، فوَقَعَتْ
في سَهْمِ ثابتِ بنِ قيسٍ، فكَاتَبَها، فقَضَى رسولُ اللهِ ﷺ كِتَابَهَا، وتَزَوَّجَهَا
سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الهجرةِ، وهي التي أَعْتَقَ المسلمون بسبِبها مائةَ أهلِ بيتٍ مِنَ
الرَّقِيقِ، وقالوا: أَصْهَارُ رسولِ اللهِ ﷺ، وكان ذلك مِنْ بَرَكَتِها على قومِها
–رضي الله عنها-.
*ومِنْ أزواجِه ﷺ: صَفِيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ:
مِنْ وَلَدِ هارونَ بنِ عمرانَ أخي موسى، تزوَّجَها سنةَ سَبْعٍ، فإنها سُبِيَتْ
مِنْ خَيْبَرَ، وكانت قَبْلَهُ تحتَ كِنَانَةَ بنِ أبي الحُقَيْقِ، فقَتَلَهُ رسولُ
اللهِ ﷺ.
*ومِنْ خصائِصِها: أنَّ رسولَ
اللهِ ﷺ أَعْتَقها، وجَعَلَ عِتْقَها صَدَاقَها، كما في «الصحيحين»".
*ومِنْ أزواجِهِ ﷺ: مَيْمَوُنَةُ بنتُ الحارِثِ الهِلَالِيَّةُ:
تَزَوَّجَها بِسَرَفٍ ، وبَنَى بها بِسَرَف، وماتت بِسَرَف، وهو على سبعةِ
أميالٍ مِنْ مكةَ، وهي آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ أمهاتِ المؤمنينَ –رضي الله عنها-،
تُوُفِّيَتْ سنةَ ثلاثٍ وسِتِّينَ، وهي خالةُ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ -رضي الله
عنهما-.
«الرَّدُّ على شُبْهَةِ: تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ رَسُولِ
اللهِ ﷺ»
وتأتي هُنَا شُبهةٌ
يُثيرُهَا أهلُ الزَّيْغِ والضلالِ، وهي: «تَعَدُّدُ
زوجاتِ رسولِ اللهِ ﷺ».
وهذه المسألةُ نبحثُ فيها مع مسلمٍ لتثبيتِ إسلامِهِ،
ونبحثُهَا مع غيرِ المسلمِ، لو كُنَّا نريدُ أنْ نبحثَ مع غيرِ المسلمِ؛ فإننا لا
نبحثُ معه في جزئياتٍ تتعلقُ برسولِ اللهِ ﷺ وهو مؤمنٌ بأنه غيرُ رسول، وما دام
مؤمنًا بأنه غيرُ رسول؛ فماذا يضيرُهُ أنْ يكونَ ذلك الرسول سلوكَهُ كذا وكذا؟!،
ولكنْ ليأتي البحثُ هاهنا في الرسالةِ أولًا، فإنْ اقتنعَ بأنه رسولُ الله؛ فلنا
عند ذلك ميزانٌ آخر؛ لأني آمنتُ بالرسولِ بواسطةِ المعجزةِ التي جاءت على يدِهِ،
فأصبحَ الرسولُ عندي هو الحَكَمَ في كلِّ كمال، لا آخذُ تصرُّفًا من الرسولِ ثم
أنصِبُ أنا له ميزانًا من موازين الكمال أضعهُ لأقيس تصرُّفَاتِ الرسولِ عليه،
لأقولَ: هذا يليقُ وهذا لا يليق!! لأنَّ الأصلَ أنْ يكونَ فِعْلُهُ الكمالَ وأنْ يكونَ
المقياس، أمَّا أنْ أضعَ مقياسَ كمال وأقول: تعال يا مُحَمَّد يا ابن عبد الله يا
مَن بُعِثْتَ رسولًا لكي أقيسَ تصرُّفاتكَ على الميزانِ الذي أضعُهُ؛ فهذا لا
يُمكن أبدًا.
إذن؛ فالأصلُ أنَّ الرسولَ ما دامَ ثبتَ عندي أنه رسولٌ
صادقٌ في التبليغِ عن الله؛ فَفِعْلُهُ هو الميزان، وبعد ذلك نأتي، لماذا يتهربُ
الناسُ الذين يتكلمونَ في الزوجاتِ مِن موقفِهِم مِن الله إلى موقفِهِم مِن رسولِ
الله ﷺ؟
مُحَمَّدٌ ﷺ لم يَتَزَوَّج وإنما زُوِّجَ، إذن المفروضُ
أنْ يُصَعَّدَ الخلافُ في المسألةِ إلى اللهِ، وليس لمُحَمَّدٍ –صلى الله عليه
وآله وسلم-، يقول ربُّنا –جلَّ وعلا-: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ
إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ [التحريم:
5]، فكأنَّ ربَّنَا هو الذي يُطَلِّقُ لمُحَمَّدٍ وهو الذي يُزَوِّجُهُ.
وآيةُ امرأةِ زيد بن حارثة: ﴿فَلَمَّا
قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: 37]، فمَنِ الذي
زَوَّجَ؟
الذي زَوَّجَ هو اللهُ، إذن مُحَمَّدٌ مُنفعل وليس
فاعلًا للأمرِ، فمَن يريدُ أنْ يبحثَ عليه أنْ يُصَعِّدَ المسألةَ إلى اللهِ تعالى
ويقول: لماذا فَعَلَ ربُّنَا هكذا؟!!
ثُمَّ الذين يبحثونَ هذا البحثَ؛ يُقالُ لهم: تعالَوا ما
دامَ أنَّ المسألةَ إحصائيةً، هل الرسولُ ﷺ وُسِّعَ عليه أو ضُيِّقَ؟
صحيحٌ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان جامعًا لتِسعة، ومَن كان
جَامِعًا لأكثرَ مِن أربعٍ مِن أصحابِهِ، قال له: أَمْسِك أربعًا وفارِق
سائِرَهُنَّ، لكنْ هو لم يفعل هذا في نفسِهِ ﷺ لماذا؟ يجبُ أنْ يُسألَ لماذا؟
فيُقَالُ: هؤلاءِ بِخُصُوصِهِنَّ
مَطْلُوبَات، بِدَلِيلِ أَنَّنَا لو بَحَثْنَا لَوَجَدْنَا الإِبَاحَةَ في
المعدوداتِ لا في العددِ، وهناك فَرْقٌ أنْ يكونَ المباحُ المعدودُ والمباحُ
العدد، المباحُ المعدود: يعني أنَّ يكونَ عددُهُنَّ تَسْعَةً بحيثُ إذا ماتت
واحدةٌ أو طلَّقَها؛ فعليه أن يأتيَ بواحدةٍ غيرِها، هذا يكونُ لو أُبيحَ له
العدد، وإنما الذي أُبيحَ له معدودات بحيثُ إذا نَقَصَت واحدة فليس له أن يأتيَ
مكانَهَا بواحدة، وليس له أنْ يستبدلَ واحدةً مكانَ أخرى: ﴿لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ
بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: 52]، إذن
الكلامُ عن المعدودات لا عن العدد، بدليلِ أنه لم يكُن هناكَ نَسَقٌ عاطفيٌّ في
كلِّ هذا الزواج.
الرسولُ ﷺ في سِنِّ الخامسةِ والعشرين تزوجَ خديجةَ
وكانت فوق الأربعين، وبعد أنْ ماتت تزوجَ سودةَ بنتَ زَمْعَة، فما حظُّ سودةَ بنتِ
زَمْعَةَ مِن جمالٍ يُعْجِبُ رسولَ اللهِ ﷺ، ثم تزوجَ عائشة وهي بنتُ ستِّ سنوات
لدرجةِ أنه لم يدخل عليها إلَّا بعد ثلاثةِ أعوامٍ لكي تكونَ مُهيَّأةً لبيتِ
الزوجيةِ، وبعد ذلك نَجِدُ أنَّ أُمَّ سَلَمَة كانت صاحبةَ عيال، والخامسة
وغيرَهُنَّ، كلُّ واحدةٍ لها قصة، إذن فالاستثناءُ هاهنا للمعدوداتِ لا للعدد، هذه
معدوداتُ رسولِ اللهِ –صلى الله عليه وآله وسلم- في الأزواج.
وأيضًا فإنَّ أيَّ صحابيٍّ كان عنده أكثرُ مِن أربعٍ؛
أمسكَ أربعًا وفارَقَ سائِرَهُنَّ، المُفَارَقَةُ التي يفارِقُهَا الصحابيُّ
ستجِدُ مَن يتزوجُهَا، وأمَّا أُمُّهَاتُ المؤمنين إذا قُلنَ للنبيِّ الأمين: يا
رسولَ اللهِ أمسِك أربعًا وطَلِّق خَمْسًا؛ فأين يذهبن؟!! أُمهات المؤمنينَ لا
يَحِلُّ لأحدٍ أنْ يتزوجَ منهنَّ، إذن فهذه بخصوصِ هؤلاء.
وأيضًا هنالك نظرةٌ عاطفيةٌ أُخرى، حيثُ تَجِدُ أنَّ في
نساءِ رسولِ اللهِ ﷺ مَن كانت تَهَبُ قِسْمَتَهَا لعائشةَ، امرأةٌ تَهَبُ
قِسْمَتَهَا لضَرَّتِها، ما مدلولُ ذلك؟ إنها تَفْطِنُ جيِّدًا لماذا تزوجَها
رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
ونساءُ النبيِّ ﷺ كَبَشَرِيَّاتٍ اجتمعنَ عندَهُ لكي
يسأَلْنَهُ النَّفَقةَ، فأَرَدْنَ أنْ يكونَ لهُنَّ مالًا يكونُ سببًا في رفعِ
مستواهُنَّ، فَلَمَّا اجتمعنَ يسْأَلْنَهُ النَّفَقةَ؛ أنزلَ اللهُ تعالى قولَه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 29]، لو أنَّ النَّسَقَ
العاطفيَّ موجودٌ، أو أنَّ الاستمتاعَ موجودٌ؛ لأحضرَ لَهُنّ ما يتزينَّ به ويُرَفِّهنَ
عن أنفسِهِنَّ ويتنَعَّمْنَ به، لكنْ قال لهُنَّ: إنَّ هذه المسألة مقطوعةٌ ولا
كلام فيها: ﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾
[الأحزاب: 29]، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتي المِنْهَاجُ النَّبَوِيُّ: ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾
[الأحزاب: 29]، وهذا لا يتفقُ مع الاستمتاعِ.
إذن فالمسألةُ إذا كان يبحثُها مسلمٌ، نقول له: لا تضع
أنت أيها المسلم المؤمن برسولِ اللهِ وبِصِدْقِ تبليغِهِ عن اللهِ، لا تضع معيارًا
مِن معاييرِ الكمالِ ثم تأتي إلى رسولِ اللهِ ﷺ لتقول: تعال لأعرِضَ تصرُّفَاتِكَ
على المعيارِ الذي أضعُهُ!! وإلَّا بذلك نكونُ قد أحَلْنَا ونقلنا المعيارَ من يدِ
رسولِ اللهِ ﷺ وتصرُّفِهِ إلى أيدي أتباعِهِ.
قولُهُ ﷺ: «حُبِّبَ إليَّ مِن دُنْيَاكُم الطِّيبُ
والنِّسَاءُ»، حُبِّبَ: لم يقُل أُحِبُّ، فهو لم يقُل أحبَبْتُ حتى ينصرفَ
الأمرُ إلى هذه مِن غريزِتِهِ، فَحُبِّبَ إليه كأنه أمرٌ تكليفيّ عابَهُ عليه مَن
جَعَلَ الحُبَّ في قلبِهِ، و«حُبِّبَ إليَّ مِن دُنْيَاكُم» بمعنى لستُ أنا
فاعلَ هذا الحُبِّ مِثل: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾
تمامًا.
فرسولُ اللهِ ﷺ لا يجوزُ أنْ نأتيَ لتَصرُّفَاتِهِ
ونقول: كان يَصِحُّ كذا أو لا يَصِحُّ كذا، أو كيف فَعَلَ كذا، أو كيف لم يفعل كذا؟!!
الأصلُ أنْ نقول: فَعَلَ أَمْ لم يفعل؟
فَعَلَ: هذا عينُ الكمالِ، كَوْنِي لم أفهم هذا الكمال
فهذا موضوعٌ آخرُ.
وأمَّا غيرُ المسلمِ فلا نُنَاقِشهُ في مِثْلِ هذه
الجزئياتِ، وإنَّما نُنَاقِشهُ في أصلِ الرسالةِ؛ لأنه لا يؤمنُ بأنه رسولُ اللهِ ﷺ،
فيأتي لكي يأتيَ بالمُمحاكاتِ والمُغالطاتِ في عددِ أزواجِ رسولِ اللهِ إلى غيرِ
ذلك!! لا كلامَ مع المشركينَ في هذا، الكافرُ برسولِ اللهِ يُناقشُ في كُفرِهِ حتى
يُؤمِنَ بأنه رسولُ اللهِ، وأمَّا المسلمُ فلا يجوزُ أنْ يجعلَ مِعيارًا ومِيزانًا
لكي يكونَ ما يأتي مِن التصرُّفاتِ من الرسولِ ﷺ على قَدْرِهِ، بل نقول: فَعَل
أَمْ لم يفعل؟
فَعَلَ: هذا عينُ الكمال، وإذا لم أفهم فهذا شأنُ آخر، أسألُ
اللهَ أنْ يُفَهِّمنَا جميعًا حقيقةَ الدين.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ
أَجمَعِينَ.