الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ

الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ

((الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«دِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ والطَّهَارَةِ»

فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ هُوَ دِينُ الطَّهَارَةِ، دِينُ طَهَارَةِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ عَلَى السَّوَاءِ، هُوَ دِينُ الْعِفَّةِ وَدِينُ الْعَفَافِ؛ يَنْفِي الْفَاحِشَةَ وَيُحَارِبُهَا، وَيَسُدُّ الْمَسَالِكَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَيْهَا.

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33].

أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَنْفُسِ، وَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِطَهَارَةِ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْكِنَةِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا طَهَارَةَ الْبَاطِنِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْمَعَاصِي، وَطَهَارَةَ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ صَادِقُو الْإِيمَانِ، وَحَرِيصُونَ عَلَى أَنْ يَظْفَرُوا بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُمْ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ ضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَزَادَهُ مِنْهُ قُرْبًا، وَغَمَرَهُ بِفُيُوضِ إِحْسَانِهِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي كَلِمَةٍ جَامِعَةٍ.. لِكَيْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، لَا يَنْتَقِي؛ لِأَنَّ مَا الَّذِي يُنْتَقَى مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ وَكُلُّهُ خِيَارٌ فِي خِيَارٍ؟!! وَإِنَّمَا يَنْتَقِي الْإِنْسَانُ مِمَّا فِيهِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ، وَفِيهِ سَيِّئٌ وَأَسْوَأُ، وَأَمَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَهُوَ الْأَحْسَنُ كُلُّهُ.. الرَّسُولُ ﷺ فِي كَلِمَةٍ جَامِعَةٍ يَقُولُ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)) .

النَّظَافَةُ شَطْرُ الدِّينِ.

الْفَيْصَلُ الْقَائِمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا.. بَيْنَ هَزِيمَتِنَا وَنَصْرِهِمْ، وَذِلَّتِنَا وَعِزَّتِهِمْ، وَانْحِطَاطِنَا وَارْتِفَاعِهِمْ، الْفَاصِلُ الْفَيْصَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَلَّمُونَ.. لَا يَسْمَعُونَ.. لَا يَقْرَؤُونَ مَتَاعًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْبَيَانُ كَالْجُنْدِيِّ فِي الْمَعْرَكَةِ بِإِزَاءِ قَائِدِهِ، يَسْمَعُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لِكَيْ يَكُونَ قَيْدَ التَّنْفِيذِ فِي الْحَالِ.

الْجُنْدِيُّ فِي الْمَعْرَكَةِ مَعَ قَائِدِهِ يَسْمَعُ الْأَمْرَ لِلتَّنْفِيذِ، لَا لِلْجِدَالِ وَلَا لِلْمِحَالِ.

النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ رَبَّاهُمْ فَسَادُوا، وَأَمَّا نَحْنُ فَتَخَلَّفْنَا لِتَخَلُّفِنَا عَمَّا تَمَسَّكُوا بِهِ؛ يَعْنِي إِذَا قِيلَ لِلْمُسْلِمِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ النَّظَافَةِ -وَهُوَ كَذَلِكَ بِحَقٍّ- مَا الَّذِي يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ نَظِيفًا إِذَنْ؟!!

أَوَيَحْتَاجُ الدَّاعِي إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَظَلَّ دَهْرًا يَطُولُ.. أَنْ يَظَلَّ دَهْرَهُ كُلَّهُ وَعُمُرَهُ أَجْمَعَ يُرَدِّدُ عَلَى مَسَامِعِ الْمُسْلِمِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ النَّظَافَةِ لِكَيْ يَكُونَ نَظِيفًا؟!!

إِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)) كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ ، وَتُحْسَمُ الْقَضِيَّةُ.

يَا أَخِي كُنْ نَظِيفًا.. كُنْ نَظِيفًا حَتَّى تُطِيعَ النَّبِيَّ ﷺ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)).

طَهَارَةُ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ، قَلْبٌ سَوِيٌّ، لَا غِشَّ وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ وَلَا حِقْدَ وَلَا خِدَاعَ، نَفْسٌ صَافِيَةٌ مُحِبَّةٌ لِلْخَيْرِ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يُحِبُّ لِذَاتِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، إِيثَارٌ لَا أَثَرَةَ فِيهِ، وَعَطَاءٌ لَا مَنْعَ مَعَهُ.

طَهَارَةُ بَاطِنٍ، بَاطِنٌ نَظِيفٌ تَنْعَكِسُ أَنْوَارُ نَظَافَتِهِ عَلَى ظَاهِرٍ نَظِيفٍ، نَعَمْ.. ظَاهِرٍ نَظِيفٍ.

النَّبِيُّ ﷺ يَجْعَلُهَا فِطْرَةً.. فِطْرَةً يُبَيِّنُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي كَلَامٍ حَسَنٍ نَظِيفٍ؛ إِذْ يَتَنَاوَلُ قَوْلَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]، قَالَ: ((ابْتَلَاهُ بِخِصَالٍ فِي رَأْسِهِ وَفِي جَسَدِهِ؛ فَأَمَّا فِي رَأْسِهِ فَفَرْقُ شَعْرِهِ..)) .

أَوَفِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ؟!!

هِيَ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ كَمَا بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

تَقُولُ عَائِشَةُ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) -: ((كَأَنِّي أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ -يَعْنِي لَمَعَانَ الطِّيبِ- فِي مَفَارِقِ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ)).

يَقُولُ: ((ابْتَلَاهُ بِأُمُورٍ فِي شَعْرِهِ، بِالْفَرْقِ فِي شَعْرِهِ، بِالْمَضْمَضَةِ، بِالِاسْتِنْشَاقِ، بِالسِّوَاكِ، ابْتَلَاهُ بِإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، بِقَصِّ الشَّارِبِ، ابْتَلَاهُ فِي بَدَنِهِ بِالِاسْتِحْدَادِ -يَعْنِي بِأَخْذِ شَعْرِ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدَةِ بِالْمُوسَى -إِنْ أَطَاقَهُ- وَإِلَّا فَبَأَيِّ وَسِيلَةٍ يُطِيقُهَا، بِنَتْفِ الْإِبِطِ -إِنِ اسْتَطَاعَ، وَإِلَّا فَلْيَأْخُذِ الشَّعْرَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ بِأَيِّ صُورَةٍ أَطَاقَهَا-، انْتِقَاصُ الْمَاءِ -يَعْنِي: اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بَوْلًا وَغَائِطًا- مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ)) .

مُسْلِمٌ نَظِيفٌ ظَاهِرًا.

النَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ أُمُورًا مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ.

تَدْرِي مَا هُوَ الَّذِي يُعْجِبُكَ وَيُعَجِّبُكَ مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي تِلْكَ الْخِصَالِ؟!!

يَقُولُ: ((وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ)).

وَالْبَرَاجِمُ: جَمْعُ بُرْجُمَةٍ؛ وَهِيَ تِلْكَ الْمَفَاصِلُ بِأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا مَا أَكَلَتْ لَا تَغْسِلُ أَيْدِيَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ بِزُهُومَتِهِ يَبْقَى فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَفَاصِلِ، فَيَأْتِي فِيهِ مِنَ الْوَسَخِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَأْتِي.

فَمِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ -الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا، هَذَا الدِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ دِينُ الْفِطْرَةِ، دِينُ النَّظَافَةِ- ((انْتِقَاصُ الْمَاءِ)): اسْتِخْدَامُ الْمَاءِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الشَّعْرِ الزَّائِدِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ.

((تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ)): نَعَمْ.. تَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

النَّبِيُّ ﷺ يُقِيمُ وَجْهَهُ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ للِدِّينِ حَنِيفًا؛ يَعْنِي مَائِلًا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، مَائِلًا إِلَى رَبِّهِ بِكُلِّيَّتِهِ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}، {حَنِيفًا}؛ يَعْنِي مَائِلًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، مَائِلًا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِكُلِّيَّتِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

دِينٌ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ، بَلْ هُوَ الْفِطْرَةُ، وَمِنَ الْفِطْرَةِ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي يُرَكِّزُ عَلَيْهَا الشَّرْعُ الْأَغَرُّ، جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ وَدَلَّ عَلَيْهَا.

 ((دَلَائِلُ أَهَمِّيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ))

الطَّهَارَةُ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، خَاصَّةً إِذَا تَعَلَّقَتْ بِالْبَاطِنِ وَالْقَلْبِ، فَأَهَمِّيَّتُهَا دَلَّتْ عَلَيْهَا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ مَرَاتِبُهَا.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))  مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ -أَيْ نِصْفُهُ-، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)).

وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ- قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ)) .

خِصَالُ الْإِيمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُطَهِّرُ الظَّاهِرَ.

وَأَمَّا الْآخَرُ: فَيُطَهِّرُ الْبَاطِنَ.

فَالْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا تُطَهِّرُ الْقَلْبَ وَتُزَكِّيهِ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ فَهِيَ تَخْتَصُّ بِتَطْهِيرِ الْجَسَدِ وَتَنْظِيفِهِ، فَصَارَتِ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ شَطْرَ الْإِيمَانِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ.

الْمُسْلِمُ الَّذِي يَحْرِصُ عَلَى دِينِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاهْتِمَامَ بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَهْتَمَّ بِطَهَارَةِ قَلْبِهِ مِنْ أَدْرَانِ وَأَوْسَاخِ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ، وَالْبِدْعَةِ وَرَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَسَفَاسِفِ الْأُمُورِ، كَمَا يَهْتَمُّ بِطَهَارَةٍ ظَاهِرِهِ مِنَ الْأَنْجَاسِ وَالْأَحْدَاثِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَنَا ((أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِنَا، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِنَا وَأَعْمَالِنَا)) ، فَالْقَلْبُ مَحَلُّ نَظَرِ الْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْبَدَنُ فَمَحَلُّ نَظَرِ الْخَلْقِ إِلَى الْعَبْدِ.

وَالنَّاسُ يَعْكِسُونَ الْقَضِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ وَقَّرَ رَبَّهُ تَوْقِيرًا؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يُطَهِّرَ مَحَلَّ نَظَرِ رَبِّهِ إِلَيْهِ وَهُوَ الْقَلْبُ، فَيُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَيُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الشِّرْكِ وَمِنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَمَذْمُومِ الصِّفَاتِ.

وَلَكِنَّ النَّاسَ يَعْكِسُونَ الْقَضِيَّةَ؛ يَهْتَمُّونَ بِتَجْمِيلِ مَحَلِّ نَظَرِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى تَطْهِيرِ مَحَلِّ نَظَرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَيْهِمْ، وَهِيَ قُلُوبُهُمْ.

فَالْكَيِّسُ الَّذِي يُرَاعِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَتَّى لَا تَنْعَكِسَ عَلَيْهِ.

الْوُضُوءُ -كَمَا مَرَّ فِي رِوَايَةٍ- شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَإِسْبَاغُهُ -كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَرَّتْ- شَطْرُ الْإِيمَانِ؛ لِذَلِكَ بَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ عَظِيمَ فَضْلِهِ وَكَبِيرَ أَثَرِهِ.

فَعَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِوَضُوءٍ -وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ؛ كَالسَّحُورِ بِفَتْحِ السِّينِ: مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَالْفِعْلُ وَالْمَصْدَرُ، وَأَمَّا السُّحُورُ فَالْفِعْلُ وَالْمَصْدَرُ- قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَحَادِيثَ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً)). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ -أَوِ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ)). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) .

وَالطَّهَارَةُ هِيَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَآكَدُ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ لِلصَّلَاةِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَشْرُوطِ.

هَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى فَضْلِ الطَّهَارَةِ وَعَظِيمِ خَطَرِهَا، حَتَّى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ، حَتَّى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ.

عِبَادَ اللهِ! الطَّهَارَةُ عَلَى مَرَاتِبَ:

الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: تَطْهِيرُ الظَّاهِرِ عَنِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ وَالْفَضَلَاتِ.

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: تَطْهِيرُ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ وَالْجَرَائِمِ.

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: تَطْهِيرُ الْقَلْبِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ وَالرَّذَائِلِ الْمَمْقُوتَةِ.

وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: تَطْهِيرُ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَتَحْصِيلُ كُلِّ مَرْتَبَةٍ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَحْصِيلِ مَا قَبْلَهَا، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْعَى إِلَى تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ، فَيُطَهِّرَ ظَاهِرَهُ عَنِ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، فَإِنَّ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، فَإِذَا حَصَّلَ ذَلِكَ طَهَّرَ جَوَارِحَهُ عَنِ الْآثَامِ وَالْجَرَائِمِ: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].

فَإِذَا حَصَّلَ ذَلِكَ؛ طَهَّرَ قَلْبَهُ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ وَالرَّذَائِلِ، وَخَلَصَ قَلْبُهُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا وَأَنْ يُسَلِّمَهَا مِمَّا يَشِينُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْجُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ؛ وَهُوَ الْقَلْبُ الَّذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ وَالشَّهْوَةِ، وَصَارَ خَالِصًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَالطَّهَارَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ؛ وَهِيَ النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ مِنَ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: طَهَارَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ؛ وَهِيَ: طَهَارَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَكُلِّ مَا رَانَ عَلَيْهِ، وَهِيَ أَهَمُّ مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ مَعَ وُجُودِ نَجَسِ الشِّرْكِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].

هَذِهِ النَّجَاسَةُ نَجَاسَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، هَذِهِ النَّجَاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} هِيَ النَّجَاسَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ، هِيَ نَجَاسَةُ الْقَلْبِ بِالشِّرْكِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَالْبِدَعِ وَكُلِّ مَا رَانَ عَلَى الْقَلْبِ، وَهِيَ أَهَمُّ مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ مَعَ وُجُودِ نَجَاسَةِ الشِّرْكِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الطَّهَارَةُ الْحِسِّيَّةُ.

فَالطَّهَارَةُ طَهَارَتَانِ:

طَهَارَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ: وَهِيَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ وَالْبَاطِنِ مِنْ نَجَسِ وَنَجَاسَةِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَالْمَعَاصِي، وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ، وَهِيَ -طَهَارَةُ الْقَلْبِ وَالْبَاطِنِ- أَهَمُّ مِنَ الطَّهَارَةِ الْحِسِّيَّةِ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْبَدَنِ فَرْعٌ عَنْ طَهَارَةِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا اسْتَقَامَ اسْتَقَامَ الْبَدَنُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْبَدَنُ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ)) .

 

 ((الْمُسْلِمُ الْحَقُّ نَظِيفٌ طَاهِرٌ

وَمَظَاهِرُ حَثِّ النَّبِّي ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْإِسْلَامَ أَرَادَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا شَامَةً فِي النَّاسِ مُتَمَيِّزِينَ فِي زِيِّهِمْ وَهَيْآتِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ؛ حَتَّى يَكُونُوا قُدْوَةً حَسَنَةً تَجْعَلُهُمْ جَدِيرِينَ بِحَمْلِ رِسَالَتِهِمُ الْعُظْمَى لِلنَّاسِ.

فِي حَدِيثِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَكَانُوا فِي سَفَرٍ قَادِمِينَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ: ((إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ؛ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَحْسِنُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ)) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّحْسِينِ بِشَوَاهِدِهِ، بَلْ قَدْ حُسِّنَ.

وَ((الرِّحَالُ)): مَا يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ عِنْدَ رُكُوبِهِ، وَ((الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ)): كُلُّ مَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ.

فَقَدْ عَدَّ الرَّسُولُ ﷺ الْهَيْئَةَ الرَّدِيئَةَ، وَالْحَالَةَ الزَّرِيَّةَ، وَإِهْمَالَ الْعِنَايَةِ بِالْمَظْهَرِ، وَالتَّبَذُّلَ فِي اللِّبَاسِ أَوِ الْمَرَافِقِ الْمَفْرُوشَةِ: فُحْشًا وَتَفَحُّشًا، وَهُوَ مَمَّا يَكْرَهُهُ الْإِسْلَامُ الْحَنِيفُ وَيَنْهَى عَنْهُ.

إِنَّ الْمُسْلِمَ الْحَقَّ لَا يُهْمِلُ نَفْسَهُ، وَلَا يَنْسَى ذَاتَهُ مَعَ التَّكَالِيفِ الْعُلْيَا الَّتِي يَحْمِلُهَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ إِذْ لَا يَنْفَصِلُ فِي نَفْسِهِ مَظْهَرُ الْإِنْسَانِ عَنْ مَخْبَرِهِ، فَإِنَّ الشَّكْلَ الْمُرَتَّبَ الْحَسَنَ أَلْيَقُ بِالْمُحْتَوَى الْجَلِيلِ وَالْجَوْهَرِ النَّبِيلِ.

فَالْمُسْلِمُ الْحَقُّ الْوَاعِي الْحَصِيفُ هُوَ الَّذِي يُوَازِنُ بَيْنَ جِسْمِهِ وَعَقْلِهِ وَرُوحِهِ، فَيُعْطِي لِكُلٍّ حَقَّهُ، وَلَا يُغَالِي فِي جَانِبٍ مِنْ هَذِهِ الْجَوَانِبِ عَلَى حِسَابِ جَانِبٍ، مُسْتَهْدِيًا بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْمُتَوَازِنِ الْحَكِيمِ.

وَذَلِكَ فِيمَا يَرْوِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلِمَ بِشَأْنِهِ -أَيْ بِشَأْنِ عَبْدِ اللهِ- فِي الْعِبَادَةِ، فَقَالَ لَهُ: ((أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟!)).

قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: ((فَلَا تَفْعَلْ.. صُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))؛ أَيْ: لِضِيفَانِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ» .

نُرِيدُ اسْتِعَادَةَ التَّوَازُنَ، نُرِيدُ أَنْ نَعُودَ إِلَى السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ؛ فَإِنَّ مَا أَصَابَنَا مِنَ الْخَلَلِ أَصَابَنَا فِي الصَّمِيمِ، وَإِذَا لَمْ نَتَدَارَكْ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَّا خَيْرٌ لَا لِأَنْفُسِنَا وَلَا لِغَيْرِنَا.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَدَارَكَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نُحَاوِلَ اسْتِعَادَةَ الْهُدُوءِ النَّفْسِيِّ، وَالسَّلَامِ الْعَقْلِيِّ، وَاسْتِقْرَارِ الرُّوحِ، وَاطْمِئْنَانِ الضَّمِيرِ، وَسَلَامَةِ التَّصَوُّرِ، وَنَظَافَةِ الشُّعُورِ؛ لِأَنَّنَا بِدُونِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يُمْكِنُ أَنْ نُفْلِحَ فِي شَيْءٍ.

((فَالْمُسْلِمُ يُحَقِّقُ هَذَا التَّوَازُنَ بَيْنَ جِسْمِهِ وَعَقْلِهِ وَرُوحِهِ هَكَذَا.

الْمُسْلِمُ مُعْتَدِلٌ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ؛ فَيَحْرِصُ الْمُسْلِمُ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ الْجِسْمِ قَوِيَّ الْبِنْيَةِ؛ وَلِهَذَا فَهُوَ يَعْتَدِلُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، لَا يُقْبِلُ عَلَى الطَّعَامِ إِقْبَالَ الشَّرِهِ النَّهِمِ، وَإِنَّمَا يُصِيبُ مِنْهُ مَا يُقِيمُ بِهِ صُلْبَهُ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وَقُوَّتَهُ وَنَشَاطَهُ.

وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

* وَمِنْ مَظَاهِرِ حَثِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ: حَثُّ النَّبِيِّ عَلَى نَظَافَةِ الْجِسْمِ وَالثِّيَابِ؛ فالنَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَظِيفَ الْجِسْمِ وَالثِّيَابِ، يَغْتَسِلُ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُرِيدُ الْإِسْلَامَ شَامَةً بَيْنَ النَّاسِ؛ لِكَيْ يَكُونَ نَظِيفَ الْجَسَدِ نَظِيفَ الثَّوْبِ، كَمَا أَنَّهُ نَظِيفُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالضَّمِيرِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَنَا بِهَذَا الْأَمْرِ: ((اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُؤُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

وَبَلَغَ مِنْ شِدَّةِ حَضِّهِ عَلَى النَّظَافَةِ بِالِاسْتِحْمَامِ وَالِاغْتِسَالِ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَاجِبٌ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ -وَهُوَ الْحَقُّ- فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا؛ يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ» .

أَيُّ دِينٍ هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ!!

وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا)).

وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ إِلَّا كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، لَا.. هَذَا أَقْصَى الْمُدَّةِ، كَمَا وَقَّتَ فِي أَخْذِ الظُّفُرِ، وَكَذَلِكَ فِي أَخْذِ الشَّعْرِ مِنَ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ كَمَا وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعِينَ عَلَى أَنَّهُ أَقْصَى الْمُدَّةِ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْهُ ﷺ، فَذَلِكَ أَقْصَى الْمُدَّةِ، لَا أَنَّكَ تَتْرُكُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ، بَلِ السُّنَّةُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِك فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، قَالَ: ((يَغْسِلُ فِيهِ -أَيْ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ- رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

((الْمُسْلِمُ الْحَقُّ نَظِيفٌ فِي ثَوْبِهِ وَجَوْرَبِهِ، يَتَفَقَّدُ ثِيَابَهُ وَجَوْرَبَهُ بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ؛ لَا يَرْضَى أَنْ تَفُوحَ مِنْ أَرْدَانِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ رَائِحَةٌ مُنَفِّرَةٌ، وَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِالطِّيبِ أَيْضًا.

وَيَتَعَهَّدُ الْمُسْلِمُ الْوَاعِي فَمَهُ، فَلَا يَشُمُّ أَحَدٌ مِنْهُ رَائِحَةً مُؤْذِيَةً كَرِيهَةً، وَذَلِكَ بِتَنْظِيفِ أَسْنَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِالسِّوَاكِ مَرَّاتٍ، وَبِغَيْرِهِ مِنَ الْمُطَهِّرَاتِ وَالْمُنَظِّفَاتِ.

يَتَفَقَّدُ فَمَهُ وَيَعْرِضُهُ عَلَى الْمُخْتَصِّ بِعِلَاجِهِ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَى مَنْ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأَسْنَانِهِ مِمَّنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْبَطْنِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ رَائِحَةِ الْفَمِ قَدْ تَكُونُ نَاشِئَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مِنْ بَعْضِهَا؛ فَإِنِ احْتَاجَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ؛ حَتَّى يَبْقَى فَمُهُ نَقِيًّا مُعَطَّرَ الْأَنْفَاسِ.

تَرْوِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ لَا يَرْقُدُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا فَيَسْتَيْقِظُ إِلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَتَبْلُغُ عِنَايَةُ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ بِنَظَافَةِ الْفَمِ حَدًّا يَجْعَلُهُ يَقُولُ: ((لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ ﷺ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ فَقَالَتْ: ((السِّوَاكُ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنْ تَرَى بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يُهْمِلُونَ هَذِهِ الْجَوَانِبَ، وَإِنَّهَا مِنَ الدِّينِ لَفِي الصَّمِيمِ!!

لَا يَعْتَنُونَ بِنَظَافَةِ أَفْوَاهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ وَجَوَارِبِهِمْ، وَتَرَاهُمْ يَغْشَوْنَ الْمَسَاجِدَ وَغَيْرَهَا مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَحَلْقَاتِ الدَّرْسِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَرَوَائِحُهُمُ الْبَشِعَةُ تُؤْذِي إِخْوَانَهُمُ الْحَاضِرِينَ، وَتُنَفِّرُ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَحُفُّ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الْجَلِيلَةَ الْمُبَارَكَةَ.

وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيُرَدِّدُونَ قَوْلَ النَّبِيِّ الْمَأْمُونِ ﷺ فِيمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَلَّا يَقْرَبَ الْمَسَاجِدَ؛ لِكَيْ لَا يُؤْذِيَ بِرَائِحَةِ فَمِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّاسَ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((الصَّحِيحِ))  عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)).

حَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الَّذِينَ أَكَلُوا بَعْضَ الْبُقُولِ ذَاتِ الرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ الِاقْتِرَابَ مِنَ الْمَسْجِدِ؛ لِئَلَّا تَتَأَذَّى الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ مِنْ أَنْفَاسِهِمُ الْمُشْبَعَةِ بِتِلْكَ الرَّوَائِحِ؛ وَإِنَّهَا لَأَهْوَنُ شَأْنًا وَأَخَفُّ وَقْعًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ رَوَائِحِ الْمَلَابِسِ وَالْجَوَارِبِ الْمُتَّسِخَةِ وَالْأَبْدَانِ الْمُنْتِنَةِ وَالْأَفْوَاهِ الْبُخْرِ الَّتِي تَفُوحُ مِنْ بَعْضِ الْمُتَسَاهِلِينَ أَوِ الْغَافِلِينَ عَنِ النَّظَافَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَيَتَأَذَّى النَّاسُ مِنْهَا فِي مَجَامِعِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: ((مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟!)).

فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَظْهَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْمَلَأِ بِثِيَابٍ وَسِخَةٍ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِهَا وَتَنْظِيفِهَا؛ إِشْعَارًا مِنْهُ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ- لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ يَكُونَ دَوْمًا نَظِيفَ الثِّيَابِ حَسَنَ الْمَظْهَرِ مُحَبَّبَهُ.

كَانَ يَقُولُ ﷺ -كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ-: ((مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ)) .

فَيَتَجَمَّلُ لِغِشْيَانِ الْمَجَامِعِ الْعَظِيمَةِ يَغْشَاهَا الْمُسْلِمُونَ.

* النَّبِيُّ ﷺ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي الطَّهَارَةِ:

الْإِسْلَامُ يَحُضُّ أَبْنَاءَهُ جَمِيعًا فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى النَّظَافَةِ؛ يُرِيدُ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا نَظِيفِينَ دَوْمًا، تَضُوعُ مِنْهُمْ رَائِحَةُ الطِّيبِ، وَتَفُوحُ مِنْ أَجْسَامِهِمُ الرَّوَائِحُ الْعَطِرَةُ، وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فيِ ((صَحِيحَيْهِمَا)) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ ﷺ)) .

وَالْأَحَادِيثُ وَالْأَخْبَارُ فِي نَظَافَةِ جِسْمِهِ ﷺ وَمَلَابِسِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَعَرَقِهِ ﷺ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ؛ مِنْهَا:

أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَافَحَ الْمُصَافِحَ ظَلَّ يَوْمَهُ يَجِدُ رِيحَ الطِّيبِ فِي يَدِهِ، فَمَنْ وَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الرَّسُولِ ﷺ ظَلَّ يَوْمَهُ يَجِدُ رَائِحَةَ الطِّيبِ فِي يَدِهِ.

وَإِذَا وَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ عُرِفَ مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ بِالرَّائِحَةِ الزَّكِيَّةِ.

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي ((تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ))  عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيَتْبَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَ أَنَّهُ سَلَكَهُ؛ أَيْ سَلَكَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، مِنْ طِيبِهِ ﷺ)).

وَنَامَ ﷺ مَرَّةً فِي دَارِ أَنَسٍ فَعَرِقَ، فَجَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ -وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ- بِقَارُورَةٍ وَعُودٍ تَسْلُتُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْعُودِ فِي قَارُورَتِهَا، فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ فَزِعًا، فَقَالَ: ((مَا هَذَا يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟!)).

قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ.

هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) .

مَا أَحْوَجَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَبَسَاتٍ مِنْ هَدْيِ الرَّسُولِ الْعَظِيمِ.

* وَمِنْ مَظَاهِرِ حَثِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ: أَمْرُهُ بِرِعَايَةِ الشَّعْرِ وَإِصْلَاحِهِ وَتَجْمِيلِهِ التَّجْمِيلَ الْمَشْرُوعَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ مَا تَأَنُّقٍ وَلَا إِسْرَافٍ؛ كَمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ)).

وَإِكْرَامُ الشَّعْرِ فِي الْإِسْلَامِ يَكُونُ بِتَنْظِيفِهِ.. بِتَمْشِيطِهِ.. بِتَطْيِيبِهِ.. بِتَحْسِينِ شَكْلِهِ وَهَيْئَتِهِ، بِغَيْرِ إِغْرَاقٍ؛ فَإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَتَرَجَّلَ غِبًّا؛ أَيْ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالتَّرَجُّلِ غِبًّا؛ أَيْ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَاءَ بِالْوَسَطِ الْخِيَارِ ﷺ.

كَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَدَعَ الْإِنْسَانُ شَعْرَهُ مُرْسَلًا مُهْمَلًا شَعِثًا مَنْفُوشًا بِحَيْثُ يَبْدُو لِلْأَعْيُنِ كَأَنَّهُ الْغُولُ الْهَائِجُ، وَشَبَّهَهُ الرَّسُولُ ﷺ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ بِالشَّيْطَانِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) مُرْسَلًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِإِصْلَاحِ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ثَائِرُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ؟!)).

وَوَاضِحٌ أَنَّ فِي تَشْبِيهِ النَّبِيِّ ﷺ الْمُنْتَفِشَ الشَّعْرِ بِالشَّيْطَانِ.. أَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْبِيرًا عَنْ شِدَّةِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِحُسْنِ الْمَنْظَرِ وَجَمَالِ الْهَيْئَةِ، وَفِيهِ إِنْكَارُهُ التَّبَذُّلَ وَقُبْحَ الْمَنْظَرِ.

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ دَائِمَ التَّنْبِيهِ إِلَى هَذِهِ الْمَلَاحِظِ الْجَمَالِيَّةِ فِي هَيْئَةِ الْإِنْسَانِ؛ مَا رَأَى رَجُلًا رَدِيءَ الْهَيْئَةِ مُهْمِلًا شَعْرَهُ إِلَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ إِهْمَالَهُ وَتَقْصِيرَهُ وَزِرَايَتَهُ بِنَفْسِهِ.

رَوَى الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ زَائِرًا، فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: ((مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ؟!)) ﷺ.

حُسْنُ الْهَيْئَةِ مِمَّا يُعْنَى بِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

الْمُسْلِمُ الْحَقُّ يُعْنَى بِلِبَاسِهِ وَهِنْدَامِهِ فِي غَيْرِ مَا غُلُوٍّ وَلَا إِسْرَافٍ؛ فَتَرَاهُ حَسَنَ الْهَيْئَةِ نَظِيفًا فِي قَصْدٍ مِنْ غَيْرِ مَا مُغَالَاةٍ وَلَا إِسْرَافٍ.

لَا يَغْدُو عَلَى النَّاسِ فِي هَيْئَةٍ رَدِيَّةٍ قَمِيئَةٍ قَبِيحَةٍ؛ بَلْ يَتَفَقَّدُ نَفْسَهُ دَوْمًا قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَى النَّاسِ، يَتَجَمَّلُ بِاعْتِدَالٍ.

كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَجَمَّلُ لِأَصْحَابِهِ، فَضْلًا عَنْ تَجَمُّلِهِ لِأَهْلِهِ.

الْمُسْلِمُ يَفْعَلُ هَذَا كُلَّهُ وَفْقَ تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ الْوَسَطِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَهِيَ طَرِيقَةُ الِاعْتِدَالِ الَّتِي لَا إِفْرَاطَ فِيهَا وَلَا تَفْرِيطَ؛ {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].

أَرَادَ الْإِسْلَامُ لِأَبْنَائِهِ وَدُعَاتِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ أَنْ يَغْشَوُا الْمُجْتَمَعَاتِ وَهُمْ شَامَاتٌ مُشْتَهَاةٌ، لَا مَنَاظِرُ مُؤْذِيَةٌ تَقْتَحِمُهَا الْأَعْيُنُ وَتَصُدُّ عَنْهَا النُّفُوسُ.

فَلَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ أَنْ يُسِفَّ الْإِنْسَانُ فِي مَظْهَرِهِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِهْمَالِ الْمُزْرِي بِصَاحِبِهِ بِدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ؛ فَرَسُولُ اللهِ ﷺ -وَهُوَ سَيِّدُ الزُّهَّادِ وَالْمُتَوَاضِعِينَ- كَانَ يَلْبَسُ اللِّبَاسَ الْحَسَنَ، وَيَتَجَمَّلُ لِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَيَرَى هَذَا التَّجَمُّلَ وَحُسْنَ الْهِنْدَامِ إِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ)).

مَا دَامَ التَّجَمُّلُ لَا يَبْلُغُ حَدَّ التَّأَنُّقِ الْمُفْرِطِ فَهُوَ مِنَ الزِّينَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِعِبَادِهِ، وَحَضَّ عَلَيْهَا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31-32].

فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))  عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)).

فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا؟

كَأَنَّهُ يُرِيدُ: أَيُعَدُّ هَذَا مِنَ الْكِبْرِ؟

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) » .

فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا شَامَاتٍ بَيْنَ النَّاسِ بِقَصْدٍ لَا إِفْرَاطَ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطَ، وَأَنْ يُقْبِلُوا عَلَى اللهِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْأَنْفُسِ وَاسْتِقَامَةَ الْفِطْرَةِ تَنْضَحُ عَلَى الْوُجُوهِ.

وَقَدْ كَانَ عَطَاءٌ -رَحِمَهُ اللهُ- -كَانَ- أَسْوَدَ كَاللَّيْلِ الْبَهِيمِ، وَكَانَ أَعْوَرَ أَشَلَّ أَعْرَجَ مُفَلْفَلَ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ وَاصِفُوهُ: ((كُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ فِي وَجْهِهِ رَأَيْتَ كَأَنَّ الشَّمْسَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ -رَحِمَهُ اللهُ-)).

((النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)): ((خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ)) .

رِعَايَةُ جَمَالِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِمَّا حُبِّبَ فِي هَذَا الدِّينِ، وَرَغَّبَ فِيهِ كُلُّ ذِي طَبْعٍ رَاقٍ وَذَوْقٍ سَلِيمٍ.

عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِنَايَةَ بِالْمَظْهَرِ لَا تَنْزَلِقُ بِالْمُسْلِمِ الْحَقِّ الصَّادِقِ إِلَى الْمُغَالَاةِ فِي التَّزَيُّنِ وَالْإِفْرَاطِ فِي التَّأَنُّقِ إِلَى حَدٍّ يَخْتَلُّ فِيهِ التَّوَازُنُ الَّذِي أَقَامَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ تَشْرِيعَاتِهِ جَمِيعًا)) .

* وَمِنْ مَظَاهِرِ حَثِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ: حَثُّهُ ﷺ أَلَّا يَسْتَنْجِيَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((نَهَانَا ﷺ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ)).

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى، وَكَانَتِ الْيُمْنَى لِوُضُوئِهِ وَلِمَطْعَمِهِ)) . الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ تَجِدُهُ فِي ((الْإِرْوَاءِ))  لِلشَّيْخِ الْأَلْبَانِيِّ.

((كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ))، الْإِنْسَانُ يَسْتَعْمِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى لِلْخَلَاءِ، لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، ((وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى)) فِي أَنْفِهِ، فِي أُذُنِهِ، تَحْتَ إِبْطِهِ، كَمَا يَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، ((وَكَانَتِ الْيُمْنَى لِوُضُوئِهِ وَلِمَطْعَمِهِ)).

هَذِهِ أُمُورٌ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي بَيَّنَهَا دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمُ، وَهِيَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ عَظِيمٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَا كَانَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ كَانَ مَأْمُونًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَأْمُونًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَابِعٌ لِسُنَّةِ الْأَمِينِ الْمَأْمُونِ ﷺ.

* وَمِنْ مَظَاهِرِ حَثِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الخَلاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَمَسَّحْ -أَيْ: لَا يَسْتَنْجِ- بِيَمِينِهِ». الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .

تَمَسَّكْ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ ﷺ، وَالنَّبِيُّ ﷺ دَعَانَا إِلَى التَّمَسُّكِ بِسُنَنِ الْفِطْرَةِ، هِيَ مُلَامِسَةٌ لِلْفِطْرَةِ، وَهِيَ مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذْتَ بِهَا فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْفِطْرَةُ.

وَالرَّسُولُ ﷺ أَمَرَنَا بِأَنْ نَتَعَاهَدَ أَنْفُسَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ إِغْرَاقٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ الَّذِي حَضَّنَا عَلَى التَّنَظُّفِ، وَالَّذِي كَانَ يَكْرَهُ ﷺ أَنْ تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ غَيْرُ طَيِّبَةٍ، وَالَّذِي كَانَ يُحِبُّ الطِّيبَ، وَحُبِّبَ إِلَيْنَا مِنْ دُنْيَانَا الطِّيبُ فِيمَا حُبِّبَ إِلَيْهِ.. الرَّسُولُ ﷺ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى ذَلِكَ وَعَمِلَهُ؛ هُوَ الَّذِي قَالَ: ((الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ)) .

وَالْبَذَاذَةُ: رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ.

يَعْنِي: يَتَطَهَّرُ الْإِنْسَانُ، وَيَتَنَظَّفُ، وَيَتَجَمَّلُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، مِنْ غَيْرِ إِغْرَاقٍ، وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَوَازِنًا، وَأَنْ يَكُونَ وَسَطًا.

* وَمِنْ مَظَاهِرِ حَثِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ: أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ حَضَّنَا عَلَى تَنْظِيفِ الْفَمِ خَاصَّةً، وَكَانَ ﷺ شَدِيدَ الْحَسَاسِيَةِ لِهَذَا الْأَمْرِ، فَكَانَ يَتَسَوَّكُ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ تَتَقَارَبُ الْأَنْفَاسُ، فَرُبَّمَا قَبَّلَ زَوْجَةً، فَلَا يُحِبُّ أَنْ تَشُمَّ مِنْهُ رَائِحَةً خَبِيثَةً ﷺ.

فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)) . وَهَذَا رَوَاهُ مَرْفُوعًا كُلٌّ مِنْ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيُّ -وَلَكِنْ هُوَ مُعَلَّقٌ عِنْدَهُ- وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَمَا فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ النَّسَائِيِّ)).

((السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)).

طَهَارَةُ الْفَمِ وَمَرْضَاةُ الرَّبِّ تَكُونُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى سُنِّيَّةِ السِّوَاكِ الْمُطْلَقَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي مَرَّ: ((السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ))، فَطَهَارَةُ الْفَمِ وَمَرْضَاةُ الرَّبِّ تَكُونُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ.

فَهَذَا كُلُّهُ -كَمَا تَرَى- مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، وَحَثَّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَالْتِزَامِهِ، وَكُلُّهُ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَأَعَزَّنَا بِهِ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- الْمُسْؤُولُ أَنْ يُمَسِّكَنَا كِتَابَهُ وَحَبْلَهُ، حَتَّى يَقْبِضَنَا عَلَى ذَلِكَ.

 ((ضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَى نَظَافَةِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مِمَّا يَحْرُمُ فِعْلُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ: الْبَوْلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» .

وَ((الرَّاكِدُ)): السَّاكِنُ الَّذِي لَا يَجْرِي.

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَسَائِرِ مَسَائِلِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ مِنْ مَحَاسِنِهِ، فَالنَّبِيُّ ﷺ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الشَّأْنُ مَعَ الْمَاءِ الْجَارِي، الْإِنْسَانُ لَا يُلَوِّثُ الْمَوَارِدَ، وَكَمَا سَيَأْتِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَاعِنِ الَّتِي يَتَّقِيهَا الْإِنْسَانُ مِنْ ظِلِّ النَّاسِ وَطَرِيقِهِمْ وَمَوَارِدِهِمْ -مَوَاضِعِ شُرْبِهِمْ-.

هَذَا شَيْءٌ مُهِمٌّ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ -أَيْضًا- بِالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ وَمُتَعَلِّقٌ -أَيْضًا- بِالثِّقَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ، فَالْمَرْأَةُ مَثَلًا مَسْؤُولَةٌ عَنْ إِعْدَادِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهِيَ لَا تُتَابَعُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ وَحْدَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى دَرَجَةٍ بِوَعْيٍ يَقِظٍ فِي اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمْ تُؤْمَنْ أَنْ تُبَاشِرَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ تَضَعَ يَدَهَا الَّتِي بَاشَرَتِ النَّجَاسَةَ فِي طَعَامِ أَوْلَادِهَا وَزَوْجِهَا، وَهَلْ يَرَاهَا مِنْ أَحَدٍ سِوَى اللهِ؟!

وَأَمَّا الْتِزَامُ السُّنَّةِ فَشَيْءٌ آخَرُ.. هَذَا مُهِمٌّ!

يَحْرُمُ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ الْبَوْلُ أَوِ الْغَائِطُ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الظِّلِّ، أَوْ فِي الْحَدَائِقِ الْعَامَّةِ، أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، أَوْ مَوَارِدِ الْمِيَاهِ.. لِمَا رَوَى مُعَاذٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ)) .

مَا الَّذِي أَتَى بِهِ أَهْلُ الْعَصْرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَهُ؟!!

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا النَّظَافَةَ..

وَنَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا النِّظَامَ..

وَمَا عِنْدَ الْآخَرِينَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آثَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِمَّا أَخَذُوهُ مِنَّا..

نَحْنُ عَلَّمْنَا الدُّنْيَا كُلَّهَا النَّظَافَةَ وَالنِّظَامَ..

وَعَلَّمْنَا الدُّنْيَا كُلَّهَا هَذِهِ الْأُصُولَ الْعَامَّةَ الَّتِي يَسْلَمُ الْإِنْسَانُ بِهَا فِي الْحَيَاةِ..

((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ -وَهِيَ طُرُقُ الْمَاءِ- وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ -قَارِعَةُ الطَّرِيقِ: وَسَطُهَا- وَالظِّلِّ)).

وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ)).

قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟

اللَّاعِنَانِ: الْأَمْرَانِ الْمُوجِبَانِ لِلَّعْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا لُعِنَ وَشُتِمَ، فَصَارَ هَذَا سَبَبًا، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِمَا الْفِعْلُ فَكَانَا كَأَنَّهُمَا اللَّاعِنَانِ، وَإِنَّمَا هُمَا مُسْتَجْلِبَانِ لِلَّعْنِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لُعِنَ وَشُتِمَ.

((قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!))؛ وَمَا الْأَمْرَانِ الْمُسْتَجْلِبَانِ لِلَعْنِ مَنْ فَعَلَهُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟!!

قَالَ ﷺ: ((الَّذِي يَتَخَلَّى -أَيْ يَقْضِي حَاجَتَهُ- فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ)) ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ لَعَنُوا فَاعِلَهُ وَشَتَمُوهُ وَسَبُّوهُ.

فَيَأْتِي الْإِنْسَانُ لِكَيْ يَمُرَّ عَلَى الْأَذَى وَالْقَذَرِ، رُبَّمَا وَهُوَ يَدْرِي وَرُبَّمَا لَا يَدْرِي، وَيُصِيبُهُ مَا يُصِيبُهُ إِنْ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ فِي بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ وَبِغَيْرِ حَاجَةٍ!!

الرَّسُولُ ﷺ يَنْهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.

هُنَاكَ نَصٌّ -أَيْضًا- عَنِ التَّبَوُّلِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْبَرَازِ فِي مَوَارِدِ النَّاسِ، مَوَارِدِ النَّاسِ فِي شِرْعَاتِهِمْ، فِي مَوَارِدِهِمُ الْمَائِيَّةِ، فَالنَّبِيُّ ﷺ يَنْهَى أَنْ يُبَالَ أَوْ يُتَغَوَّطَ فِي الطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى تِلْكَ الْمَوَارِدِ أَوْ فِيهَا.

الرَّسُولُ ﷺ يَأْتِي بِالْفِطْرَةِ دِينًا، يَأْتِي بِدِينِ الْفِطْرَةِ بِالْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ فَيَنْهَى أَنْ يُتَبَوَّلَ أَوْ يُتَغَوَّطَ فِي هَذِهِ الْمَوَارِدِ وَفِي الطُّرُقَاتِ وَتَحْتَ الظِّلَالِ، فِي مَقِيلِ النَّاسِ يَفْزَعُونَ إِلَى الظِّلِّ عِنْدَ الْحَرِّ.. عِنْدَ السَّفَرِ، عِنْدَمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُرِيحُوا الْأَجْسَادَ الْمَكْدُودَةَ وَالْأَبْدَانَ الْمُتْعَبَةَ وَالْأَرْوَاحَ الْمُنْهَكَةَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِالظِّلِّ الظَّلِيلِ وَالْمَاءِ الْعَذْبِ النَّمِيرِ فِي وَهَجِ الشَّمْسِ وَفِي شِدَّةِ حَرِّهَا، فَمَاذَا يَجِدُونَ؟!!

بَوْلًا وَغَائِطًا..!!

قِلَّةُ ذَوْقٍ، وَانْعِدَامُ أَدَبٍ.. وَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ فِي شَيْءٍ!

أَلَمْ أَقُلْ لَكَ.. دِينُ مَشَاعِرَ، دِينُ ذَوْقٍ، دِينُ أَحَاسِيسَ، وَمَهْمَا رَأَيْتَ مِنْ حِسٍّ حَسَنٍ، وَمَهْمَا رَأَيْتَ مِنْ ذَوْقٍ عَالٍ؛ فَسَتَجِدُ أَصْلَهُ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آيَةً تُتْلَى وَسُنَّةً تُرْوَى وَتُحْكَى، وَأَنَا لَكَ بِذَلِكَ زَعِيمٌ إِنْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

وَأَمَّا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَقَدْ رَأَيْتَ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ)) . مُتَّفَقُّ عَلَيْهِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: ((كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))، فَلَا يَذْهَبَنَّ أَحَدٌ إِلَى شَجَرَةٍ لَهَا ظِلٌّ يَفِيِءُ إِلَيْهِ النَّاسُ، ثُمَّ يَقُولُ: لَئِنْ قَطَعْتُ هَذِهِ؛ فَلَأَتَحَصَّلَنَّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ! بَلْ إِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا!

وَأَمَّا التَّلَوُّثُ السَّمْعِيُّ؛ فَهَذَا التَّلَوُّثُ السَّمْعِيُّ الَّذِي يَشْكُو مِنْهُ الْخَلْقُ -بَلْ يَشْكُو مِنْهُ الْعَالَمُ- الْيَوْمَ، نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الرَّسُولُ ﷺ يَتْلُو عَلَيْنَا آيَاتِ رَبِّنَا فِي قَوْلِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي وَصِيَّةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِابْنِهِ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، ثُمَّ أَتْبَعَهَا وَشَفَعَهَا بِالتَّنْفِيرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَجْعَلُ النَّفْسَ الصَّالِحَةَ.. وَالَّذِي يَجْعَلُ الْعَقْلَ السَّوِيَّ وَالْبَدَنَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ عَلَى سَنَنِ الْحَيَوَانَاتِ، بَلْ عَلَى سَنَنٍ أَقْبَحَ مِنْ أَقْبَحِهَا، يَأْتِي هَذَا التَّفْسِيرُ فِي التَّعْقِيبِ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- لَمَّا سَاقَ الْوَصِيَّةَ: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}، عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].

فَلْيَكُنْ صَوْتُكَ عَلَى قَدْرِ سَمَاعِ سَامِعِكَ، لَا يَتَعَدَّاهُ، فِي صَوْتِكَ الَّذِي هُوَ صَوْتُكَ، وَفِي صَوْتِكَ الَّذِي لَيْسَ بِصَوْتِكَ بَلْ أَنْتَ مُتَحَكِّمٌ فِيهِ؛ مِنْ مِذْيَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، فَهُوَ صَوْتُكَ؛ لِأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي بِهِ تَتَحَكَّمُ وَفِيهِ.

 ((عَوَاقِبُ وَخِيمَةٌ لِإِهْمَالِ النَّظَافَةِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مُعْظَمَ أَمْرَاضِنَا هِيَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّلُوكِيَّاتِ الصَّحِيحَةِ، أَمْرَاضُنَا فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ مُخْطِئَةٌ!!

لَوْ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَخَذُوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ لَنَجَّاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ؛ لِأَنَّ الْبِلْهَارِسْيَا -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- قَوَاقِعُهَا تَكُونُ فِي التُّرَعِ وَالْمَجَارِي الْبَوْلِيَّةِ.

فَإِذَا مَا بَالَ الْإِنْسَانُ فِي تِلْكَ الْمَوَارِدِ اتَّصَلَتِ الْحَلْقَةُ، فَإِذَا لَمْ يَبُلِ النَّاسُ فِي مَوَارِدِهِمْ نَجَّى اللهُ أَهْلَ مِصْرَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْوَبِيلِ الَّذِي يَفْتِكُ بِمَسَالِكِهِمُ الْبَوْلِيَّةِ، وَكَذَلِكَ يَحْطِمُ أَكْبَادَهُمْ.

كُلُّ ذَلِكَ بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ ﷺ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَمُخَالَفَتُهُ ﷺ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا هَذَا الشُّؤْمُ الَّذِي تَرَاهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ، وَهَذَا الدَّمَارُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْخَلْقِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِي حَيَوَاتِهِمْ، شُؤْمُ الْمُخَالَفَةِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ.

كَذَلِكَ جَعْلُ الْيُمْنَى لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْمُنَاوَلَةِ، وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَأَمَّا الْيُسْرَى فَلِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا أَشْبَهَ.. هَذَا مُهِمٌّ!

لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِهِ لَنَجَّاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُنْقَلُ عَنْ طَرِيقِ مُبَاشَرَةِ الْيَدِ الْيُمْنَى لِتِلْكَ الْقَاذُورَاتِ ثُمَّ اسْتِعْمَالِهَا بَعْدُ فِي الطَّعَامِ وَفِي الشَّرَابِ، وَفِي الْمُنَاوَلَةِ، وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ.

فَنَحْنُ نُعَانِي فِي مِصْرَ مِنْ مَرَضِ ((الْبِلْهَارِسْيَا))، وَهَذَا الْمَرَضُ مَا هُوَ إِلَّا سُلُوكٌ خَاطِئٌ، رَجُلٌ يُخَالِفُ السُّلُوكَ السَّوِيَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَيَتَوَرَّطُ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَيَحْدُثُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ آثَارٍ مُدَمِّرَةٍ لِهَذَا السُّلُوكِ الْخَاطِئِ!

فَأَمْرَاضُنَا سُلُوكِيَّاتٌ!

* إِنْسَانٌ يَتَبَوَّلُ أَوْ يَتَبَرَّزُ فِي الْمِيَاهِ رَاكِدَةً أَوْ جَارِيَةً!! قَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنِ التَّبَوُّلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ -وَذَكَرَ مِنْهَا-: الْبَرَازَ)) .

يَعْنِي: أَنْ يَتَبَرَّزَ الْإِنْسَانُ فِي ظِلِّ النَّاسِ، وَفِي مَوَارِدِهِمْ، وَفِي الْمِيَاهِ، هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِذَا مَا خُولِفَ وَجَاءَ السُّلُوكُ الْخَاطِئُ الْمُخْطِئُ؛ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ إِهْدَارٍ لِحَيَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمِنْ إِهْدَارٍ لِمِلْيَارَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْ تَدْمِيرٍ لِطَاقَاتِ بَلَدٍ هِيَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنْ قُوَّةٍ، وَإِلَى كُلِّ ذَرَّةٍ مِنَ اقْتِدَارٍ، وَمَعَ ذَلِكَ.. كُلُّ ذَلِكَ يُهْدَرُ بِسَبَبِ السُّلُوكِ الْخَاطِئِ.

* الْإِنْسَانُ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ!! وَفِي الدِّينِ أَنَّ الشِّمَالَ مَقْصُورَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ تُبَاشِرُهَا، وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي هِيَ لِلْمُصَافَحَةِ، وَلِلطَّعَامِ، وَلِلشَّرَابِ، وَلِلْمُنَاوَلَةِ.. هَذِهِ الْيَمِينُ لَا تُبَاشِرُ تِلْكَ النَّجَاسَاتِ؛ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ))؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا عَلَّمَنَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ الْإِنْسَانُ، وَأَنْ يَسْتَجْمِرَ، وَأَنْ يُبَاشِرَ النَّجَاسَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ بِيُسْرَاهُ.

فَهَذِهِ لَا تُصَافِحْ بِهَا، وَلَا تَأْكُلْ بِهَا؛ ((إِنَّمَا يَأْكُلُ الشَّيْطَانُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ نَهَى عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ لِهَذَا الْغَرَضِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ بِالشَّيْطَانِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْعِلْمُ الَّذِي تُسْتَجَدُّ وَقَائِعُهُ وَمَعْلُومَاتُهُ عَلَى امْتِدَادِ الدُّهُورِ وَالْأَعْصَارِ.

* الْإِنْسَانُ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ فَيَتَنَفَّسُ فِيهِ، فَيُصِيبُ السُّلُّ مِنَ الْمَسْلُولِ كُلَّ شَارِبٍ بَعْدُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

* الْمَرْأَةُ تُبَاشِرُ حَلْبَ دَابَّتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ آخِذَةً بِأُهْبَةِ نَظَافَتِهَا، فَيَأْتِي السُّلُّ، وَتَأْتِي الْأَمْرَاضُ مُخَالِطَةً لِذَلِكَ اللَّبَنِ، ثُمَّ تُوَزَّعُ الْأَمْرَاضُ بَعْدُ عَلَى خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْمَسَاكِينِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سُلُوكٍ خَاطِئٍ.

إِذَنْ.. هِيَ سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ، وَالْأَمْرُ الصَّحِيحُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ سُلُوكًا إِلَّا إِذَا تَحَصَّلْتَ عَلَى الْمَرْحَلَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ التَّصَوُّرِيَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ الْمَعْلُومَةَ بَدْءًا، وَأَنْ تُحِيطَ بِهَا عِلْمًا، وَإِلَّا فَالنَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.

* وَالرَّسُولُ ﷺ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ﷺ، ثُمَّ شَرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً قَائِمًا لِيَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَكِنْ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا فَلَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّبِعُ السُّنَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ يَأْخُذُ بِالْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، أَوْ هُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا سُنَّةُ الرَّسُولِ ﷺ فَهِيَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ قُعُودٍ.

هَلْ تَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَتْ فِيهِ فَائِدَةٌ؟

أَنَا أَعْتَقِدُ -لَا أَظُنُّ- أَنَّ فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ مَا دَامَ الرَّسُولُ ﷺ قَدْ فَعَلَهُ وَنَهَى عَنْ ضِدِّهِ ﷺ.

إِذَنْ.. أَمْرَاضُنَا الْمَادِّيَّةُ الْجَسَدِيَّةُ هِيَ فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُرَاعِيَ حُدُودَ دِينِنَا، وَأَنْ نَحْتَرِمَ شَعَائِرَهُ، وَأَنْ نُعَظِّمَ تِلْكَ الشَّعَائِرَ، فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.

إِذَا عَظَّمْنَا شَعَائِرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِلتُّقَى يَحُلُّ بِالْقَلْبِ، أَوْ هَذَا التَّعْظِيمُ إِنَّمَا هُوَ ثَمَرَةٌ عَنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.

قَاضِي الْحَاجَةِ يَتَحَفَّظُ مِنَ الْبَوْلِ كَيْ لَا يُصِيبَ الْبَدَنَ وَالثِّيَابَ، مَنْ تَرَكَ غَسْلَ ذَلِكَ إِذَا أَصَابَ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ فَقَدْ وَقَعَ فِي خَطْبٍ جَلِيلٍ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ مَكَّةَ -الْحَائِطُ: الْبُسْتَانُ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -ثُمَّ قَالَ:- بَلَى؛ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) . الْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) وَغَيْرِهِمَا.

((لَا يَسْتَتِرُ))؛ أَيْ: لَا يَسْتَبْرِئُ، لَا يَسْتَنْزِهُ، لَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ؛ يَبُولُ، ثُمَّ لَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، فَيَقُومُ وَبَوْلُهُ يَتَقَاطَرُ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَيُلَوِّثُ وَيُدَنِّسُ وَيُنَجِّسُ ثِيَابَهُ.. لَا يُبَالِي!!

فَهَذَا أَمْرٌ كَبِيرٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْعَذَابِ فِي الْقَبْرِ: ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، بَلَى))؛ إِنَّهُ لَكَبِيرٌ.

((وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) فِعْلُهُ؛ يَعْنِي هُوَ أَمْرٌ سَهْلٌ يَسِيرٌ، وَهُوَ كَبِيرٌ عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ عُذِّبَ فِي قَبْرِهِ، ((يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)) فِعْلُهُ وَالتَّطَهُّرُ مِنْهُ، وَهُوَ هَذَا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْبَوْلِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بِالنَّمِيمَةِ.

((بَلَى؛ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ)): لَا يَسْتَبْرِئُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ مِنْ بَوْلِهِ، ((وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) فَيُفْسِدُ بَيْنَ النَّاسِ.

عِبَادَ اللهِ! لَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْتَزَمَ هَذِهِ الْآدَابَ لَآتَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَضْلًا عَظِيمًا، وَحَبَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ فَشُؤْمٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْ وَرَائِهَا إِلَّا كُلُّ شَرٍّ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا التَّوْحِيدَ وَالِاتِّبَاعَ، إِنَّهُ -تَعَالَى- هُوَ الْبَرُّ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر:الْإِسْلَامُ دِينُ النَّظَافَةِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  نَصِيحَةٌ إِلَى أَهْلِ الْجَزَائِرِ الْحَبِيبَةِ
  عَوَامِلُ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ وَعَوَامِلُ سُقُوطِهَا
  ضَوَابِطُ بِنَاءِ الْأُسْرَةِ وَسُبُلُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا
  شَعْبَانُ وَحَصَادُ الْعَامِ
  السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفَضَائِلُ الْعَشْرِ
  بِنَاءُ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ الْقَوِيَّةِ وَحِمَايَتُهَا
  خِدْمَةُ الْمُجْتَمَعِ بَيْنَ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَالْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ وَالْعَيْنِيِّ
  إِتْقَانُ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ وَالْمِهَنِ سَبِيلُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ
  ((اغْتِنَامُ عَهْدِ الشَّبَابِ فِي بِنَاءِ الذَّاتِ)) -إِتْقَانُ الْعِبَادَةِ وَإِتْقَانُ الْعَمَلِ-
  حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان