فَضَائِلُ الِاسْتِغْفَارِ

فَضَائِلُ الِاسْتِغْفَارِ

((فَضَائِلُ الِاسْتِغْفَارِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((فَتْحُ أَبْوَابِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ))

فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ تَطَهُّرٌ وَنَقَاءٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى لَبِيبٍ أَثَرُ الذُّنُوبِ وَأَثَرُ الْأَوْزَارِ فِي حِرْمَانِ الْعَبْدِ مِنَ الرِّزْقِ وَالتَّوْفِيقِ لِلْخَيْرِ؛ فَإِنَّهُ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ شَيْءٍ يَكْرَهُهُ إِلَّا بِذَنْبٍ أَحْدَثَهُ، مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ شَيْءٍ يَكْرَهُهُ إِلَّا بِذَنْبٍ أَحْدَثَهُ.

فَإِذَا تَطَهَّرَتِ النُّفُوسُ، وَتَحَرَّرَتْ مِنْ قُيُودِ الْمَعَاصِي وَأَثْقَالِ الْآثَامِ؛ فَإِنَّهَا سَوْفَ تَنْشَطُ فِي سَعْيِهَا وَبَحْثِهَا عَنْ رِزْقِهَا.

وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِذَنْبِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِقَدْرِ رَبِّهِ؛ لِذَا قَالَ -تَعَالَى- حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].

يُرْسِلُ مَطَرًا مُتَتَابِعًا يَرْوِي الشِّعَابَ وَالْوِهَادَ، وَيُحْيِي الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَحَفِظَ شَأْنَهُ.

إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ -تَعَالَى- وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ: أَنْ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ؛ حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

((هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَعْوَةٌ لِجَمِيعِ الْعُصَاةِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا؛ وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ; لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ)).

((يُخْبِرُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ الْمُسْرِفِينَ بِسَعَةِ كَرَمِهِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْإِنَابَةِ قَبْلَ أَلَّا يُمْكِنَهُمْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: {قُلْ} يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الدُّعَاةِ لِدِينِ اللَّهِ مُخْبِرًا لِلْعِبَادِ عَنْ رَبِّهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} بِاتِّبَاعِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالسَّعْيِ فِي مَسَاخِطِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أَيْ: لَا تَيْأَسُوا مِنْهَا، فَتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَتَقُولُوا: قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُنَا، وَتَرَاكَمَتْ عُيُوبُنَا، فَلَيْسَ لَهَا طَرِيقٌ يُزِيلُهَا وَلَا سَبِيلٌ يَصْرِفُهَا، فَتَبْقُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُصِرِّينَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُتَزَوِّدِينَ مَا يُغْضِبُ عَلَيْكُمُ الرَّحْمَنَ، وَلَكِنِ اعْرِفُوا رَبَّكُمْ بِأَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْقَتْلِ، وَالزِّنَى، وَالرِّبَى، وَالظُّلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ.

{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أَيْ: وَصْفُهُ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ؛ وَصْفَانِ لَازِمَانِ ذَاتِيَّانِ، لَا تَنْفَكُّ ذَاتُهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ تَزَلْ آثَارُهُمَا سَارِيَةً فِي الْوُجُودِ، مَالِئَةً لِلْمَوْجُودِ، تَسِحُّ يَدَاهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيُوَالِي النِّعَمَ عَلَى الْعِبَادِ وَالْفَوَاضِلِ فِي السِّرِّ وَالْجَهَارِ، وَالْعَطَاءُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَنْعِ، وَالرَّحْمَةُ سَبَقَتِ الْغَضَبَ وَغَلَبَتْهُ؛ وَلَكِنْ لِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَنَيْلِهِمَا أَسْبَابٌ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْعَبْدُ فَقَدْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا؛ بَلْ لَا سَبَبَ لَهَا غَيْرُهُ: الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَالتَّأَلُّهِ وَالتَّعَبُّدِ؛ فَهَلُمَّ إِلَى هَذَا السَّبَبِ الْأَجَلِّ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ)).

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3].

((أَيْ : وَآمُرُكُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ، وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ، وَأَنْ تَسْتَمِرُّوا عَلَى ذَلِكَ؛ {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ)).

(({وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}: عَمَّا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أَعْمَارِكُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، بِالْإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فَقَالَ: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} أَيْ: يُعْطِكُمْ مِنْ رِزْقِهِ مَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ وَتَنْتَفِعُونَ {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ: إِلَى وَقْتِ وَفَاتِكُمْ {وَيُؤْتِ} مِنْكُمْ {كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أَيْ: يُعْطِ أَهْلَ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ مِنْ فَضْلِهِ وَبِرِّهِ مَا هُوَ جَزَاءٌ لِإِحْسَانِهِمْ مِنْ حُصُولِ مَا يُحِبُّونَ، وَدَفْعِ مَا يَكْرَهُونَ.

{وَإِنْ تَوَلَّوْا}: عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ؛ بَلْ أَعْرَضْتُمْ عَنْهُ، وَرُبَّمَا كَذَّبْتُمْ بِهِ {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}: وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ)).

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 106].

(({وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} مِمَّا صَدَرَ مِنْكَ إِنْ صَدَرَ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} أَيْ: يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، وَتَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ، وَيُوَفِّقُهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُوجِبِ لِثَوَابِهِ وَزَوَالِ عِقَابِهِ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110].

((مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَعَاصِي، وَاقْتَحَمَ عَلَى الْإِثْمِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ اسْتِغْفَارًا تَامًّا يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ بِالذَّنْبِ، وَالنَّدَمَ عَلَيْهِ، وَالْإِقْلَاعَ وَالْعَزْمَ عَلَى أَلَّا يَعُودَ؛ فَهَذَا قَدْ وَعَدَهُ مَنْ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَيَغْفِرُ لَهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الذَّنْبِ، وَيُزِيلُ عَنْهُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ، وَيُعِيدُ إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيُوَفِّقُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ عُمْرِهِ، وَلَا يَجْعَلُ ذَنْبَهُ حَائِلًا عَنْ تَوْفِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَفَرَهُ، وَإِذَا غَفَرَهُ غَفَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ عَمَلَ السُّوءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَشْمَلُ سَائِرَ الْمَعَاصِي؛ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَسُمِّيَ (سُوءًا)؛ لِكَوْنِهِ يَسُوءُ عَامِلَهُ بِعُقُوبَتِهِ، وَلِكَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ سَيِّئًا غَيْرَ حَسَنٍ.

وَكَذَلِكَ ظُلْمُ النَّفْسِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَشْمَلُ ظُلْمَهَا بِالشِّرْكِ فَمَا دُونَهُ؛ وَلَكِنْ عِنْدَ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَدْ يُفَسَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ، فَيُفَسَّرُ عَمَلُ السُّوءِ هُنَا بِالظُّلْمِ الَّذِي يَسُوءُ النَّاسَ، وَهُوَ ظُلْمُهُمْ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ.

وَيُفَسَّرُ ظُلْمُ النَّفْسِ بِالظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، وَسُمِّيَ ظُلْمُ النَّفْسِ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكٌ لِلَّهِ -تَعَالَى- قَدْ جَعَلَهَا أَمَانَةً عِنْدَ الْعَبْدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى طَرِيقِ الْعَدْلِ، بِإِلْزَامِهَا لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ عِلْمًا وَعَمَلًا، فَيَسْعَى فِي تَعْلِيمِهَا مَا أُمِرَ بِهِ، وَيَسْعَى فِي الْعَمَلِ بِمَا يَجِبُ، فَسَعْيُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ، وَخِيَانَةٌ وَعُدُولٌ بِهَا عَنِ الْعَدْلِ الَّذِي ضِدُّهُ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ)).

((وَأَخْبَرَنَا -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ؛ فَكَانَ صَاحِبَ الرَّحْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الْوَاسِعَةِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133].

وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} [الأنعام: 147].

وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58].

فَلَا مَخْلُوقَ إِلَّا وَقَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ، وَغَمَرَهُ فَضْلُهُ -تَعَالَى- وَإِحْسَانُهُ)).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي)).

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).

((الِاسْتِغْفَارُ لُغَةً وَشَرْعًا))

((الِاسْتِغْفَارُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَوْلِهِمُ: اسْتَغْفَرَ يَسْتَغْفِرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (غ ف ر) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى السَّتْرِ فِي الْغَالِبِ الْأَعَمِّ.

فَالْغَفْرُ: السَّتْرُ، وَالْغَفْرُ وَالْغُفْرَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ: غَفَرَ اللهُ ذَنْبَهُ غَفْرًا وَمَغْفِرَةً وَغُفْرَانًا.

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: ((أَصْلُ الْغَفْرِ: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ.

يُقَالُ: اللهمّ اغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً وَغَفْرًا وَغُفْرَانًا؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الْغَفَّارُ يَا أَهْلَ الْمَغْفِرَةِ.

غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ أَيْ: سَتَرَهَا.

وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْ ذَنْبِهِ وَلِذَنْبِهِ بِمَعْنًى، فَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ مَغْفِرَةً وَغَفْرًا وَغُفْرَانًا.

وَتَغَافَرَا: دَعَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْمَغْفِرَةِ.

وَامْرَأَةٌ غَفُورٌ -بِغَيْرِ هَاءٍ-.

وَقَالَ الرَّاغِبُ: ((الْغَفْرُ: إِلْبَاسُ مَا يَصُونُهُ عَنِ الدَّنَسِ، وَمِنْهُ قِيلَ: اغْفِرْ ثَوْبَكَ فِي الدُّعَاءِ وَاصْبُغْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَغْفَرُ لِلْوَسَخِ، وَالْغُفْرَانُ وَالْمَغْفِرَةُ مِنَ اللهِ هُوَ أَنْ يَصُونَ الْعَبْدَ مِنْ أَنْ يَمَسَّهُ الْعَذَابُ، وَالِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ ذَلِكَ بِالْمَقَالِ وَالْفَعَالِ، وَقِيلَ: اغْفِرُوا هَذَا الْأَمْرَ بِغُفْرَتِهِ أَيِ: اسْتُرُوهُ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَرَ بِهِ)).

الْغَفُورُ وَالْغَفَّارُ وَغَافِرُ الذَّنْبِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ -تَعَالَى-، الْغَفُورُ الْغَفَّارُ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ-، وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُمَا: السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ.

الْغَفَّارُ: هُوَ الَّذِي أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، وَالذُّنُوبُ مِنْ جُمْلَةِ الْقَبَائِحِ الَّتِي سَتَرَهَا اللهُ بِإِسْبَالِ السَّتْرِ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَالتَّجَاوُزِ عَنْ عُقُوبَتِهَا فِي الْآخِرَةِ.

وَالْغَفْرُ هُوَ السَّتْرُ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحَافِظُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الْغَفَّارُ: هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ ذُنُوبَ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كُلَّمَا تَكَرَّرَتِ التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ تَكَرَّرَتِ الْمَغْفِرَةُ.

فَالْغَفَّارُ: السَّتَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَالْمُسْدِلُ عَلَيْهِمْ ثَوْبَ عَطْفِهِ وَرَأْفَتِهِ، وَمَعْنَى السَّتْرِ فِي هَذَا: أَنَّهُ لَا يَكْشِفُ أَمْرَ الْعَبْدِ لِخَلْقِهِ، وَلَا يَهْتِكُ سِتْرَهُ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي تُشَهِّرُهُ فِي عُيُونِهِمْ)).

وَالِاسْتِغْفَارُ اصْطِلَاحًا: مِنْ طَلَبِ الْغُفْرَانِ.

وَالْغُفْرَانُ: تَغْطِيَةُ الذَّنْبِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ.

وَهُوَ -أَيْضًا- طَلَبُ ذَلِكَ بِالْمَقَالِ وَالْفَعَالِ.

الْفَرْقُ بَيْنَ الْغُفْرَانِ وَالْعَفْوِ: قَالَ الْكَفَوِيُّ: ((إِنَّ الْغُفْرَانَ يَقْتَضِي إِسْقَاطَ الْعِقَابِ، وَنَيْلَ الثَّوَابِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي حَقِّ الْبَارِي -تَعَالَى-، وَالْعَفْوُ يَقْتَضِي إِسْقَاطَ اللَّوْمِ وَالنَّدَمِ، وَلَا يَقْتَضِي نَيْلَ الثَّوَابِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَبْدِ -أَيْضًا-.

وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: لَا يُقَالُ: (غَفَرَ زَيْدٌ لَكَ) إِلَّا شَاذًّا قَلِيلًا، وَالشَّاهِدُ عَلَى شُذُوذِهِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي صِفَاتِ اللهِ -تَعَالَى-، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: اسْتَغْفَرْتُ اللهَ -تَعَالَى-، وَلَا يُقَالُ: اسْتَغْفَرْتُ زَيْدًا، وَالْمَحْوُ أَعَمُّ مِنَ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ)).

وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ:

وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ ذِكْرُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مُنْفَرِدَيْنِ وَمُقْتَرِنَيْنِ.

فَأَمَّا وُرُودُ كَلِمَةِ (التَّوْبَةِ) مُنْفَرِدَةً؛ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 73].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

وَأَمَّا كَلِمَةُ (الِاسْتِغْفَارِ) فَقَدْ وَرَدَتْ مُنْفَرِدَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10].

 

وَقَالَ -تَعَالَى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

وَأَمَّا وُرُودُ كَلِمَةِ (التَّوْبَةِ) مُقْتَرِنَةً بِكَلِمَةِ (الِاسْتِغْفَارِ)؛ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 74].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52].

أَمَّا مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ: فَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَالْمَغْفِرَةُ: هِيَ وِقَايَةُ شَرِّ الذُّنُوبِ مَعَ سَتْرِهَا.

وَالِاسْتِغْفَارُ الْمُفْرَدُ كَالتَّوْبَةِ؛ بَلْ هُوَ التَّوْبَةُ بِعَيْنِهَا، مَعَ تَضَمُّنِهِ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مَحْوُ الذَّنْبِ، وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ، وَوِقَايَةُ شَرِّهِ؛ فَالِاسْتِغْفَارُ يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ، وَالتَّوْبَةُ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِغْفَارَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْآخَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

أَمَّا إِذَا اقْتَرَنَتَا فَيَعْنِي الِاسْتِغْفَارُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مِنَ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ بِاللِّسَانِ، وَتَعْنِي التَّوْبَةُ طَلَبَ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ مِنَ الذُّنُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَقْلَعَ عَنْهَا بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ.

فَيَتَّضِحُ مِنْ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَاءَ مُفْرَدًا يُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ التَّوْبَةِ إِذَا جَاءَ مُفْرَدًا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِغْفَارُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135].

فَجَاءَ مَعْنَى كَلِمَة: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أَيْ: أَقْلَعُوا عَنِ الذَّنْبِ، وَتَابُوا وَأَنَابُوا، أَيْ: فُسِّرَ الِاسْتِغْفَارُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ تَتَبَّعْنَا الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَتْ الِاسْتِغْفَارَ مُنْفَرِدًا لَتَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ.

((الِاسْتِغْفَارُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

لَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالِاسْتِغْفَارِ؛ فَاللهُ يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، وَتَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ، وَيُوَفِّقُهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُوجِبِ لِثَوَابِهِ، وَزَوَالِ عِقَابِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 106].

((وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِمَّا هَمَمْتَ بِهِ))، مِمَّا يُعَدُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْصِبِكَ الرَّفِيعِ ذَنْبًا؛ يَغْفِرِ اللهُ لَكَ؛ إِنَّ اللهَ كَانَ كَثِيرَ السَّتْرِ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، دَائِمَ الرَّحْمَةِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَمْرُ فِي ظَاهِرِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ فِي عُمُومِهِ لِكُلِّ أُمَّتِهِ، وَلِكُلِّ قَاضٍ يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].

وَمَنْ يَعْمَلْ عَمَلًا سَيِّئًا مِنَ الصَّغَائِرِ أَوِ الْكَبَائِرِ يُدْرِكُ النَّاسُ قُبْحَهُ، وَيَسُوؤُهُمْ أَنْ يَرْتَكِبَهُ، أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ بِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَظُلْمِ نَفْسِهِ بِمَعْصِيَةِ رَبِّهِ، مَعَ النَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ؛ يَجِدِ اللهَ كَثِيرَ السَّتْرِ لَهُ، دَائِمَ الرَّحْمَةِ بِهِ، يَعْفُو عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ.

وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

 ((اطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ لِذَنْبِكَ؛ بِأَنْ تَفْعَلَ أَسْبَابَ الْمَغْفِرَةِ مِنَ التَّوْبَةِ، وَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَتَرْكِ الذُّنُوبِ، وَالْعَفْوِ عَنِ الْجَرَائِمِ.

وَاسْتَغْفِرْ -أَيْضًا- لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ فَإِنَّهُمْ -بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ- كَانَ لَهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ.

وَمِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِهِمْ: أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ وَيَسْتَغْفِرَ لِذُنُوبِهِمْ، وَإِذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمُ الْمُتَضَمِّنِ لِإِزَالَةِ الذُّنُوبِ وَعُقُوبَاتِهَا عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ: النُّصْحَ لَهُمْ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُمْ مِنَ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا فِيهِ الْخَيْرُ لَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ ضَرَرُهُمْ، وَيَعْفُوَ عَنْ مَسَاوِيهِمْ وَمَعَايِبِهِمْ، وَيَحْرِصَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمُ اجْتِمَاعًا تَتَأَلَّفُ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَيَزُولُ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْأَحْقَادِ الْمُفْضِيَةِ لِلْمُعَادَاةِ وَالشِّقَاقِ الَّذِي بِهِ تَكْثُرُ ذُنُوبُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].

 ((عَهِدَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْأُمُورَ الْفَاضِلَةَ تُخْتَمُ بِالِاسْتِغْفَارِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَأَمْرُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ بِالْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَجَلَهُ قَدِ انْتَهَى؛ فَلْيَسْتَعِدَّ وَيَتَهَيَّأْ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، وَيَخْتِمْ عُمْرَهُ بِأَفْضَلِ مَا يَجِدُهُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-.

((فَكَانَ ﷺ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ، وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ، يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)))).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

(({وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أَيْ: صَدَرَ مِنْهُمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ كَبِيرَةٌ أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ؛ بَادَرُوا إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَذَكَرُوا رَبَّهُمْ وَمَا تَوَعَّدَ بِهِ الْعَاصِينَ، وَوَعَدَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، فَسَأَلُوهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِهِمْ، وَالسَّتْرَ لِعُيُوبِهِمْ، مَعَ إِقْلَاعِهِمْ عَنْهَا، وَنَدَمِهِمْ عَلَيْهَا؛ فَلِهَذَا قَالَ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ})).

وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ:

مِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((وَاللهِ! إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَارًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ )).

قَالَ الْعُلَمَاءُ: ((الِاسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَحُلُّ عُقَدَ الْإِصْرَارِ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لَيْسَ بِالتَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ)).

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ! تُوبُوا إِلَى اللهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

قَوْلُهُ: ((فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ)) قَالَ الطِّيبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الزَّحْفُ: الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الَّذِي يُرَى لِكَثْرَتِهِ كَأَنَّهُ يَزْحَفُ)).

وَقَالَ الْمُظَفَّرُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((هُوَ اجْتِمَاعُ الْجَيْشِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ -أَيْ: مِنْ حَرْبِ الْكُفَّارِ-؛ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ)).

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

قَوْلُهُ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ)): الْحِكْمَةُ فِي قُرْبِ الرَّبِّ مِنَ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْوَقْتِ: أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ وَقْتُ نِدَاءِ الرَّبِّ، أَلَا تَرَى إِلَى حَدِيث: ((يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ))، فَيَكُونُ الرَّبُّ فِي هَذَا الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ عَبْدِهِ، وَلَا يَنَالُ هَذَا الْحَظَّ الْوَافِرَ إِلَّا مَنْ لَهُ اسْتِعْدَادٌ وَتَرَقُّبٌ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْفَائِدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَيْهَا الْمَنَافِعُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ.

وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

وَقَوْلُهُ: ((لَيُغَانُ)) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: (( ((لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي)) أَيْ: لَيُغَطَّى وَيُغْشَى، وَالْمُرَادُ بِهِ: السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ لَا يَزَالُ فِي مَزِيدٍ مِنَ الذِّكْرِ وَالْقُرْبَةِ، وَدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، فَإِذَا سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ نَسِيَ عَدَّهُ ذَنْبًا عَلَى نَفْسِهِ، فَفَزِعَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ فِي الْمَجْلِسِ للنَّبِيِّ ﷺ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» مِئَةَ مَرَّةٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «الصَّحِيحَةِ».

قَوْلُهُ ﷺ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي»: اسْتِغْفَارُ الْأَنْبِيَاءِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَإِِنَّ الْأَنْبِيَاءَ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانُوا يُكْثِرُونَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ لِإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ لِلْعَزِيزِ الْقَهَّارِ.

وكَذَا بِالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الْخَلَّاقِ الْعَظِيمِ، وَلِتَعْلِيمِ أُمَمِهِمْ مَا يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَذَلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالرُّكُونِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَالْخُلُوصِ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ، وَمِنَ الرُّكُونِ إِلَيْهَا.

«رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ»؛ أَيْ: ارْجِعْ عَلَيَّ بِالرَّحْمَةِ، وَوَفِّقْنِي لِلتَّوْبَةِ، أَوِ اقْبَلْ تَوْبَتِي.

«إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»: وَمِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي فِي الدُّعَاءِ، وَمِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِيهِ: أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِنْسَانُ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا يُنَاسِبُ مَا يَطْلُبُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى.

فَإِذَا طَلَبَ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الرِّزْقَ قَالَ: اللهم ارْزُقْنِي يَا رَزَّاقُ يَا كَرِيمُ، وَإِذَا طَلَبَ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- الْحِفْظَ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ ذلِكَ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ «الْحَفِيظ»: يَا حَفِيظُ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.

يَا قَوِيُّ قَوِّنِي، يَا عَلِيمُ عَلِّمْنِي.

فَالنَّبِيُّ ﷺ ذَكَرَ مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ فِي الطَّلَبِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، فَقَالَ ﷺ مُسْتَغْفِرًا وَرَاجِعًا إِلَى اللهِ وَمُنِيبًا إِلَيْهِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ علَيَّ؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

«تُوبُوا إِلَى اللهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

فَكَانَ ﷺ -كَمَا دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ- يُكْثِرُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ؛ شُكْرًا عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي لَا تُحْصَى.

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ.

إِذَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ».

هَذَا سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ، فَهُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا لِمَنْ يَسْتَغْفِرُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَاعِيَ الْمَرْءُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَحْرِصُ عَلَى جَوَامِعِ الْكَلِمِ.

«سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ»؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ هَكَذَا، يَقُولُ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ»، وَيُمْكِنُ أنْ يَقُولَ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ»، فأَتَى بِاسْمٍ مِنْ أَسماءِ اللهِ مُتَضَمِّنٍ لِصِفَةٍ مِنْ صفاتِ رَبِّنَا، وَهِيَ العَظَمَةُ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّ هذا أَعْلَى مِنَ الأَوَّلِ.

فَإِذَا أَتَى بِسَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي...»؛ كَانَ أَعْلَى وَأَجَلَّ، إِذَا قَالَهَ -وَهِيَ مِنْ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ- بِالصَّبَاحِ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ الْمَسَاءِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهِيَ -أَيْضًا- مِنْ أَذْكَارِ الْمَسَاءِ، فَإِذَا قَالَهَا مِنْ لَيْلَتِهِ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ لِمَا تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ مِنَ الْمَعَانِي الْجَلِيلَةِ.

«وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ» أَيْ: أَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ، وَإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ مُقِيمٌ مَا اسْتَطَعْتُ.

 «أَبُوءُ لَكَ» أَيْ: أَعْتَرِفُ.

«أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي»: وَهَذَا فِيهِ جَنَاحَا السُّلُوكِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-؛ لِأَنَّ السَّالِكَ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- يَسْلُكُ بِجَنَاحَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مُطَالَعَةُ الْمِنَّةِ.

الثَّانِي: مُطَالَعَةُ عَيْبِ النَّفْسِ.

«أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي»: الذَّنْبُ ذَنْبِي، والتَّقْصِيرُ تَقْصِيرِي، وَالْإِثْمُ مِنِّي، وَالنِّعْمَةُ مِنْكَ، وَالتَّفَضُّلُ وَالْغُفْرَانُ مِنْكَ وَحْدَكَ، فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ.

مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ: صِحَّةُ النِّيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ: «مُوقِنًا بِهَا» فِي لَفْظٍ فِي «الصَّحِيحِ».

«مَنْ مات مُوقِنًا بِهَا» أيْ: مُخْلِصًا للهِ مِنْ قَلْبِهِ، مُصَدِّقًا بِثَوَابِهَا.

مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:

1*الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَبَيَانُ عَظِيمِ فَضْلِهِ.

2*الْإِقْرَارُ للهِ وَحْدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالعُبُودِيَّةِ.

3*الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ.

4*إِضَافَةُ النَّعْمَاءِ إِلَى مُوجِدِهَا وَالْمُنْعِمِ بِهَا، وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إِلَى نَفْسِهِ.

5*التَّوَجُّهُ إِلَى اللهِ، وَالْأَدَبُ مَعَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، والتَّأَدُّبُ فِي الدُّعَاءِ، وعَدَمُ التَّجَاوُزِ وَالِاعْتِدَاءِ.

((حَقِيقَةُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ))

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ هُمَا بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَانَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى الْمَعَاصِي، أَوْ مُسْتَمِعٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْآثَامِ وَالذُّنُوبِ، أَوْ تَكُونُ جَوَارِحُهُ وَالِغَةً فِيمَا حَرَّمَ اللهُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ!

فَلَا يُوجَدُ لِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَثَرٌ فِي الْقَلْبِ، وَلَا يُشَاهَدُ لَهَا تَأْثِيرٌ عَلَى الْجَوَارِحِ، مِثْلُ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ وَهَذِهِ التَّوْبَةِ عَمَلُ الْكَذَّابِينَ؛ فَقَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ حَقِيقَةَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.

عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: قَالَ الرَّاغِبُ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((التَّوْبَةُ فِي الشَّرْعِ: تَرْكُ الذَّنْبِ لِقُبْحِهِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْمُعَاوَدَةِ، وَتَدَارُكُ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُتَدَارَكَ مِنَ الْأَعْمَالِ بِالْإِعَادَةِ، فَمَتَى اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ فَقَدْ كَمُلَتْ شَرَائِطُ التَّوْبَةِ)).

وَبَيَّنَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَقَالَ: ((قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَتَأْخِيرُ التَّوْبَةِ بَعْدَ الذَّنْبِ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْبَةٍ)).

التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِذَا وَقَعَ فِي ذَنْبٍ فَأَخَّرَ التَّوْبَةَ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ؛ فَهَذَا ذَنْبٌ آخَرُ يَحْتَاجُ تَوْبَةً أُخْرَى.

فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

-أَنْ يُقْلِعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ.

-وَأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.

-وَأَنْ يَعْزِمَ عَلَى أَلَّا يَعُودَ إِلَيْهَا.

فَإِنْ فَقَدَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ.

وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أَرْبَعَةٌ:

هَذِهِ الثَّلَاثَةُ، وَأَنْ يَبْرَأَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَالًا أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَدَّ قَذْفٍ وَنَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ، أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وَإِنْ كَانَتْ غِيبَةً اسْتَحَلَّهُ مِنْهَا.

إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ لَا يُعَدُّ تَائِبًا.

وَهُنَاكَ شَرْطَانِ:

-قَبْلَ هَذَا كُلِّهِ لَا بُدَّ مِنَ الْإِخْلَاصِ؛ أَنْ يَتُوبَ للهِ، لَا لِجَاهٍ، وَلَا لِرِفْعَةِ مَقَامٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَلَا اسْتِحْيَاءً مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا يَتُوبُ للهِ.

شَرْطُ الْإِخْلَاصِ.

-وَشَرْطٌ بَعْدَ هَذِهِ وَهُوَ مَعَهَا -أَيْضًا- مُلَازِمٌ لَهَا: أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ، وَهُمَا وَقْتَانِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ.

فَأَمَّا الْخَاصُّ: فَهُوَ فِي حَقِّ كُلِّ تَائِبٍ، أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ، فَإِذَا كَانَتِ الرُّوحُ فِي الْغَرْغَرَةِ وَقَالَ: إِنِّي تَائِبٌ؛ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، هَذَا لَيْسَ بِوَقْتِ قَبُولِ التَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الْوَقْتُ الْعَامُّ: فَخُرُوجُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.

فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ حَتَّى يَكُونَ تَائِبًا، أَمَّا أَنْ تَقُولَ: تُبْتُ إِلَى اللهِ، تُبْتُ إِلَى اللهِ، تُبْتُ إِلَى اللهِ، وَيَبْقَى الْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ أَسْوَأَ؛ فَهَذَا ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْبَةٍ.

قَالَ الرَّاغِبُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ: ((طَلَبُ ذَلِكَ بِالْمَقَالِ وَالْفِعْلِ، قَوْلُهُ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، لَمْ يُؤْمَرُوا بِأَنْ يَسْأَلُوهُ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، بَلْ بِاللِّسَانِ وَالْفِعْلِ؛ فَقَدْ قِيلَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مِنْ دُونِ ذَلِكَ بِالْفَعَالِ فِعْلُ الْكَذَّابِينَ)).

فَهَذِهِ حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِغْفَارِ.

((الِاسْتِغْفَارُ دَأْبُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ))

إِنَّ الِاسْتِغْفَارَ دَأْبُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُصْطَفَيْنِ؛ حَيْثُ يَقُولُ الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ- عَلَى لِسَانِ أَبَوَيِ الْبَشَرِ آدَمَ وَحَوَّاءَ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

((اعْتَرَفَ آدَمُ وَزَوْجَتُهُ حَوَّاءُ بِالذَّنْبِ، وَسَأَلَا مِنَ اللَّهِ مَغْفِرَتَهُ فَقَالَا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا الذَّنْبَ الَّذِي نَهَيْتَنَا عَنْهُ، وَأَضْرَرْنَا بِأَنْفُسِنَا بِاقْتِرَافِ الذَّنْبِ، وَقَدْ فَعَلْنَا سَبَبَ الْخَسَارِ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا بِمَحْوِ أَثَرِ الذَّنْبِ وَعُقُوبَتِهِ، وَتَرْحَمْنَا بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالْمُعَافَاةِ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْخَطَايَا، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا ذَلِكَ)).

وَيَقُولُ -سُبْحَانَهُ- عَنْ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28].

((قَوْلُهُ: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} دُعَاءٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ; وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ، اقْتِدَاءً بِنُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَبِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَشْرُوعَةِ)).

وَيَقُولُ -تَعَالَى- عَلَى لِسَانِ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41].

((دَعَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِنَفْسِهِ وَلِذُرِّيَّتِهِ فَقَالَ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ إِلَّا أَنَّ دُعَاءَهُ لِأَبِيهِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)).

وَيَقُولُ -سُبْحَانَهُ- عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151].

(({قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي} هَارُونَ {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} أَيْ: فِي وَسَطِهَا، وَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ تُحِيطُ بِنَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَإِنَّهَا حِصْنٌ حَصِينٌ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ، وَثَمَّ كُلُّ خَيْرٍ وَسُرُورٍ.

{وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أَيْ: أَرْحَمُ بِنَا مِنْ كُلِّ رَاحِمٍ، أَرْحَمُ بِنَا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَوْلَادِنَا وَأَنْفُسِنَا)).

وَيَقُولُ تَعَالَى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩} [ص: 24].

(({وَظَنَّ دَاوُدُ} حِينَ حَكَمَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُ وَدَبَّرْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لِيَتَنَبَّهَ {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} لِمَا صَدَرَ مِنْهُ، {وَخَرَّ رَاكِعًا} أَيْ: سَاجِدًا {وَأَنَابَ} لِلَّهِ -تَعَالَى- بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالْعِبَادَةِ)).

وَيَقُولُ -تَعَالَى- لِخَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

((فَاعْلَمْ -أَيُّهَا النَّبِيُّ- أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)).

 ((جُمْلَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الِاسْتِغْفَارِ))

أَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِالِاسْتِغْفَارِ، وَأَخْبَرَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُ كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ، فَرَغَّبَهُمْ بِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ، وَانْدِفَاعِ الْعِقَابِ.

وَرَغَّبَهُمْ -أَيْضًا- بِخَيْرِ الدُّنْيَا الْعَاجِلِ بِإِرْسَالِ الْمَطَرِ الْمُتَتَابِعِ الَّذِي يَرْوِي الشِّعَابَ وَالْوِهَادَ، وَيُحْيِي الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ.

وَكَذَلِكَ يُكْثِرُ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي تُدْرِكُونَ بِهَا مَا تَطْلُبُونَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوْلَادَكُمْ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا، وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ مَا يَكُونُ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِهَا.

وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ: أَنْ يُعْطِيَكُمْ مِنْ رِزْقِهِ مَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ وَتَنْتَفِعُونَ إِلَى وَقْتِ وَفَاتِكُمْ، وَيُعْطِيَ أَهْلَ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ مِنْ فَضْلِهِ وَبِرِّهِ مَا هُوَ جَزَاءٌ لِإِحْسَانِهِمْ؛ مِنْ حُصُولِ مَا يُحِبُّونَ، وَدَفْعِ مَا يَكْرَهُونَ.

قَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3].

وَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّكُمُ السَّتْرَ لِسَالِفِ ذُنُوبِكُمْ، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، وَأَخْلَصْتُمُ الْعِبَادَةَ للهِ -سُبْحَانَهُ-؛ بَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِ الرِّزْقِ مَا تَعِيشُونَ بِهِ فِي أَمْنٍ وَسَعَةٍ وَخَيْرٍ إِلَى حِينِ الْمَوْتِ، وَإِلَى وَقْتِ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ، وَيُعْطِي كُلَّ ذِي زِيَادَةٍ مِنْ إِيمَانٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ فِي الدُّنْيَا أَجْرَهُ، وَثَوَابَهُ فِي الآخِرَةِ.

وَإِنْ تُدِيرُوا ظُهُورَكُمْ كَافِرِينَ، غَيْرَ مُسْتَجِيبِينَ لِمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْهُدَى؛ فَقُلْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ النَّارِ فِي الآخِرَةِ.

وَقَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].

فَقُلْتُ يَعْنِي: نُوحًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-- لِقَوْمِي: اطْلُبُوا مِنْ رَبِّكُمْ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ بِتَوْبَتِكُمْ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَفُسُوقٍ؛ إِنَّهُ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ كَثِيرَ الْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِ مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ.

إِنْ تُؤْمِنُوا وَتُسْلِمُوا، وَتَسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، وَتَتُوبُوا إِلَيْهِ؛ يُرْسِلْ عَلَى أَرْضِكُمْ وَبِلَادِكُمْ مَاءَ السَّمَاءِ كَثِيرًا مُتَتَابِعًا فِي مَنَافِعِكُمْ وَسُقْيَاكُمْ، وَيُكَثِّرْ أَمْوَالَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ بَسَاتِينَ تَنْعَمُونَ بِجَمَالِهَا وَثِمَارِهَا، وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا جَارِيَةً؛ لِإِمْتَاعِ نُفُوسِكُمْ وَأَعْيُنِكُمْ، وَلِسُقْيَا الْأَشْجَارِ وَالزُّرُوعِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ التَّوْبَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ يَحْصُلُ بِهِمَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.

التَّوْبَةُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ يَحْصُلُ بِوُجُودِهِمَا نُزُولُ الْغَيْثِ النَّافِعِ الْمِدْرَارِ، وَحُصُولُ الْقُوَّةِ فِي جَانِبِهَا الْمَادِّيِّ وَالرُّوحِيِّ.

وَهِيَ فِي جَانِبِهَا الْمَادِّيِّ وُجُودُ الْمَالِ وَالرِّجَالِ، وَفِي جَانِبِهَا الرُّوحِيِّ طَهَارَةُ النُّفُوسِ، وَسَلَامَةُ الْقُلُوبِ وَصِحَّتُهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَطْلَبُ الْمُجْتَمَعَاتِ السَّلِيمَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.

قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].

وَإِذَا كَانَتْ حَقَائِقُ الْقُرْآنِ الْغَالِبَةُ الْخَالِدَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ سَبِيلَ تَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الْمُتَّصِفَةِ بِالْخَيْرِ وَالْقُوَّةِ يَبْدَأُ مِنْ بَوَّابَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، بِمَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي وَاسِعَةٍ تَشْمَلُ حَرَكَةَ الْمُؤْمِنِ فِي الْحَيَاةِ، وَصِلَتَهُ بِرَبِّهِ وَبِالْمَخْلُوقَاتِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ عَلَى خَطَرِ وَأَثَرِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَحُصُولِ الْقُوَّةِ فِيهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَرْدِيدِهِمَا بِاللِّسَانِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا: مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ -تَعَالَى- مِنْ شِرْكٍ وَنِفَاقٍ وَمَعَاصٍ، وَالِانْخِلَاعِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ انْخِلَاعًا كَامِلًا؛ إِيمَانًا بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَعُبُودِيَّةً وَطَاعَةً لَهُ، وَاتِّبَاعًا لِشَرْعِهِ الْقَوِيمِ، وَنَبْذًا لِمَا عَدَاهُ.

وَالِاسْتِغْفَارُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةِ هُوَ دَلِيلُ حَسَاسِيَةِ الْقَلْبِ وَانْتِفَاضِهِ، وَشُعُورِهِ بِالْإِثْمِ، وَرَغْبَتِهِ فِي التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الْإِقْلَاعُ الْفِعْلِيُّ عَنِ الذَّنْبِ، وَالْأَخْذُ فِي مُقَابِلِهِ فِي أَعْمَالِ الطَّاعَةِ، وَلَا تَوْبَةَ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ، فَهُمَا التَّرْجَمَةُ الْعَمَلِيَّةُ لِلتَّوْبَةِ، وَبِهِمَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهَا الْفِعْلِيُّ الَّذِي تُرْجَى مَعَهُ الْمَغْفِرَةُ وَالْقَبُولُ.

وَالْمُتَأَمِّلُ فِي الْوُعُودِ الرَّبَّانِيَّةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِسَعَةِ الْحَيَاةِ، وَإِدْرَارِ الْمَطَرِ، وَحُصُولِ الْقُوَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُهُ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِمْ يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِهِ.. هَذَا الْمُتَأَمِّلُ يَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِهِ سُؤَالٌ حَوْلَ عَلَاقَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا سُنَّةُ اللَّهِ -تَعَالَى- وَفْقَ قَوَانِينَ ثَابِتَةٍ فِي نِظَامِ هَذَا الْوُجُودِ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ.

وَالْجَوَابُ يَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْقِيَمِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ فِي الْحَيَاةِ عَلَاقَةٌ أَكِيدَةٌ، أَكَّدَتْهَا نُصُوصٌ قُرْآنِيَّةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا -عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ-: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وَقَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه: 123-124].

وَقَوْلُهُ -جَلَّ مِنْ قَائِلٍ-: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ} [الليل: 10].

فَلَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْكَوْنُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ عَبَثًا أَوْ هَمَلًا، وَلَكِنَّهُ وُجِدَ لِحِكْمَةٍ، وَخُلِقَ فِيهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ لِغَايَةٍ عُظْمَى، تَكُونُ سَعَادَتُهُمَا أَوْ شَقَاوَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى قَدْرِ تَحْقِيقِهِمَا لِهَذِهِ الْغَايَةِ فِي الْحَيَاةِ، أَوْ تَفْرِيطِهِمَا فِيهَا.

قَالَ -تَعَالَى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

وَلْنَنْظُرْ مِنْ قَرِيبٍ فِي تَأْثِيرِ الْقِيَمِ الْإِيمَانِيَّةِ فِي وَاقِعِ حَيَاةِ أَصْحَابِهَا، فَسَنَرَى أَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ مَيْسُورٌ؛ بَلْ وَاقِعٌ؛ فَإِنَّ نَظَافَةَ الْقَلْبِ وَالْعَمَلَ فِي الْأَرْضِ يَزِيدَانِ التَّائِبِينَ الْعَامِلِينَ قُوَّةً وَصِحَّةَ جِسْمٍ بِالِاعْتِدَالِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَرَاحَةَ ضَمِيرٍ وَهُدُوءَ أَعْصَابٍ، وَاطْمِئْنَانًا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَثِقَةً بِرَحْمَتِهِ فِي كُلِّ آنٍ، وَإِحْسَاسًا بِنُصْرَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ، مَعَ أُنْسِ النَّفْسِ بِذَلِكَ أُنْسًا يَتَجَدَّدُ مَعَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي قُوَّةً وَزِيَادَةً.

كُلُّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَبْعَثَ قُوَّةً فِي النَّفْسِ تَتَحَدَّى بِهَا صِعَابَ الدُّنْيَا وَأَهْوَالَهَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ الَّتِي فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ تُشْبِهُ قُوَّةَ الْمُجْتَمَعَاتِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ؛ فَقُوَّةُ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ قُوَّةٌ مَادِّيَّةٌ ظَاهِرَةٌ، لَا تَسْتَمِدُّ وُجُودَهَا مِنْ دِينٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الدِّينُ الصَّحِيحُ إِلَّا دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ فَحَسْبُ؛ فَهِيَ قُوَّةٌ لَا تَسْتَنِدُ إِلَى أَسَاسٍ رَكِينٍ، إِنَّمَا اسْتَنَدَتْ إِلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ مِنَ السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ؛ كَالْعَمَلِ، وَالنِّظَامِ، وَوَفْرَةِ الْإِنْتَاجِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَحْدَهَا لَا تَدُومُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْحَيَاةِ الشُّعُورِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ يَقْضِي عَلَيْهَا بَعْدَ حِينٍ.

وَنُزُولُ الْمَطَرِ الْمِدْرَارِ يَتِمُّ بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَفْقَ سُنَنِهِ فِي كَوْنِهِ، وَاللَّهُ -تَعَالَى- وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الْمَطَرَ مِدْرَارًا عَلَى قَوْمٍ، وَيَجْعَلُهُ شَدِيدًا مُدَمِّرًا عَلَى آخَرِينَ وَفْقَ إِرَادَتِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فَهُوَ بِقُدْرَتِهِ -تَعَالَى- يَتَصَرَّفُ فِي السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ، فَهُوَ خَالِقُهَا، وَخَالِقُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِدُهَا، فَمَشِيئَتُهُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الَّتِي تُصَرِّفُ الْأَسْبَابَ وَالظَّوَاهِرَ بِغَيْرِ مَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ ظَوَاهِرِ النَّوَامِيسِ؛ وَذَلِكَ لِتَحْقِيقِ قَدَرِ اللَّهِ كَيْفَمَا شَاءَ وَحَيْثُمَا شَاءَ، وَذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ؛ فَلِلهِ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ، وَالْعِزَّةُ الشَّامِلَةُ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الِاسْتِغْفَارُ مَعَ التَّوْبَةِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوُدِّ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَلِحُصُولِ الْقُرْبِ وَالْإِجَابَةِ مِنْهُ -تَعَالَى-؛ فَهُوَ -جَلَّ وَعَلَا- الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ الْمُسْتَغْفِرِينَ التَّائِبِينَ، الْوَدُودُ لَهُمْ، الْقَرِيبُ مِنْهُمْ، الْمُجِيبُ لِدُعَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا كُلَّ مَا يُغْضِبُهُ، وَانْخَلَعُوا بِالْكُلِّيَّةِ مِنْهُ، وَأَنَابُوا فِي صِدْقٍ إِلَيْهِ، فَهُوَ -سُبْحَانَهُ- لَا يَرُدُّ مَنْ آوَى إِلَيْهِ وَأَنَابَ إِلَيْهِ؛ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا.

قَالَ -تَعَالَى-: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61].

وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].

قَالَ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْأُولَى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}: ((أَيْ: خَلَقَكُمْ مِنْهَا، وَاسْتَخْلَفَكُمْ فِيهَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، وَمَكَّنَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَبْنُونَ وَتَغْرِسُونَ وَتَزْرَعُونَ وَتَحْرُثُونَ مَا شِئْتُمْ، وَتَنْتَفِعُونَ بِمَنَافِعِهَا، وَتَسْتَغِلُّونَ مَصَالِحَهَا؛ فَكَمَا أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فِي عِبَادَتِهِ.

وَفَسَّرَ -رَحِمَهُ اللهُ- الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ بِالِاسْتِغْفَارِ بِأَنَّهُ الِاسْتِغْفَارُ مِمَّا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي بِالْإِقْلَاعِ عَنْهَا، ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَإِنَابَةً صَادِقَةً إِلَيْهِ -تَعَالَى-؛ فَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّنْ دَعَاهُ دُعَاءَ مَسْأَلَةٍ أَوْ دُعَاءَ عِبَادَةٍ، يُجِيبُهُ بِإِعْطَائِهِ سُؤَالَهُ، وَقَبُولِ عِبَادَتِهِ، وَإِثَابَتِهِ عَلَيْهَا أَجَلَّ ثَوَابٍ.

وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَاعْلَمْ أَنَّ قُرْبَهُ -تَعَالَى- نَوْعَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَالْقُرْبُ الْعَامُّ: قُرْبُهُ بِعِلْمِهِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].

وَالْقُرْبُ الْخَاصُّ: قُرْبُهُ مِنْ عَابِدِيهِ وَسَائِلِيهِ وَمُحِبِّيهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩} [العلق: 19]، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ -يَعْنِي: آيَةَ سُورَةِ هُودٍ-، وَفِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].

 وَهَذَا النَّوْعُ قُرْبٌ يَقْتَضِي أَلْطَافَهُ -تَعَالَى-، وَإِجَابَتَهُ لِدَعَوَاتِهِمْ، وَتَحْقِيقَهُ لِمُرَادِهِمْ)).

وَجَاءَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُقْصَدُ بِهِ تَرْكُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ مِنَ الشِّرْكِ؛ فَقَدْ جَاءَتِ الْآيَاتُ فِي ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْحِوَارِ بَيْنَ أَنْبِيَاءِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُودٍ وَشُعَيْبٍ وَصَالِحٍ وَبَيْنَ أَقْوَامِهِمُ الْكَافِرِينَ؛ حَيْثُ أَمَرُوهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَعْنِي الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَهَلْ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الذِّكْرِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُجُودِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَعْدَهُ التَّوْبَةُ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؛ سَوَاءٌ كَانَتْ شِرْكًا أَوْ غَيْرَهُ؟

الْعِبْرَةُ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ تَقْدِيمَ الِاسْتِغْفَارِ عَلَى التَّوْبَةِ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَرُورَةِ التَّرْتِيبِ فِي كُلِّ حَالٍ؛ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 74].

وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: هُوَ الْأَمْرُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْخَبَرَ، فَهِيَ فِي مَعْرِضِ الْحَدِيثِ عَنِ الْكَافِرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَقَدْ جَاءَ قَبْلَهَا قَوْلُ اللهِ -تَعَالَى-: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

وَجَاءَ الْأَمْرُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِصِيغَةِ الْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ، لَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الْمُبَاشِرِ؛ دَلِيلًا عَلَى مَدَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ.

قَالَ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَصَدَّرَ دَعْوَتِهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ بِالْعَرْضِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ اللُّطْفِ وَاللِّينِ فِي قَوْلِهِ: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}، وَالتَّوْبَةُ هُنَا تَعْنِي الرُّجُوعَ عَنْ هَذَا الْكُفْرِ، وَالْإِقْرَارَ لِلَّهِ -تَعَالَى- بِالْوَحْدَانِيَّةِ، ثُمَّ يَأْتِي الِاسْتِغْفَارُ عَمَّا صَدَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَمِنْ خِلَالِ هَذَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّوْبَةَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ تَرِدُ مُرَادًا بِهَا التَّوْبَةُ مِنَ الشِّرْكِ، كَمَا تَرِدُ مُرَادًا بِهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَذَلِكَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الِاسْتِغْفَارِ -أَيْضًا-)).

وَمِمَّا يَقِي مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الِاسْتِغْفَارُ.

الِاسْتِغْفَارُ: هُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ؛ وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ، فَهُوَ خَاصٌّ بِطَلَبِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ.

قَالَ -تَعَالَى-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

وَمِنْ مَوَانِعِ إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ: التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ.

مِنْ مَوَانِعِ إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ: الِاسْتِغْفَارُ؛ فَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَانِعٌ مِنْ إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ.

وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].

وَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110].

وَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 64].

وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًافَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- ذَنْبًا؛ فَاغْفِرْ لِي.

فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي.

ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ, ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا -أَوْ: أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ: أَصَبْتُ- آخَرَ فَاغْفِرْهُ.

فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي.

ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا-، قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ ذَنْبًا -أَوْ قَالَ: أَذْنَبَ آخَرَ- فَاغْفِرْهُ لِي.

فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلَاثًا-؛ فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ الْمُحْكَمَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَانِعٌ مِنْ إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ.

وَالتَّوْبَةُ مَانِعٌ مِنْ إِنْفَاذِ وَعِيدِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

قَالَ -تَعَالَى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] أَيْ: لِمَنْ تَابَ.

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 38-39].

وَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْكُفْرِ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُوقِنِ الْمَرْءُ بِالْمَوْتِ بِالْمُعَايَنَةِ.

وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ مِنَ الزِّنَى، وَمِنْ فِعْلِ فِعْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ بَيْنَ الْمَرْءِ وَرَبِّهِ -تَعَالَى- مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِي التَّوْبَةِ إِلَى دَفْعِ مَالٍ، وَمِمَّا لَيْسَ مَظْلِمَةً لِلْإِنْسَانِ.

فَالتَّوْبَةُ مَانِعٌ شَامِلٌ يَمْنَعُ إِنْفَاذَ وَعِيدِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ كَالْكُفْرِ وَمَا دُونَهُ، وَهَذَا الشُّمُولُ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْمَانِعِ.

فَالتَّوْبَةُ تَمْحُو جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَغْفِرُ جَمِيعَ الذُّنُوبِ إِلَّا التَّوْبَةُ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الِاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنَ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ، مِنَ الْعَمَلِ النَّاقِصِ إلَى الْعَمَلِ التَّامِّ، وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِنَ الْمَقَامِ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْأَكْمَلِ؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ لِلَّهِ وَالْعَارِفَ بِاللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ.. بَلْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدَادُ عِلْمًا بِاللَّهِ وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ؛ بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ، وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَيَرَى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ، وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دَائِمًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ، فِي الْغَوَائِبِ وَالْمَشَاهِدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَجَلْبِ الْخَيْرَاتِ، وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ، وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ.

وَقَدْ ثَبَتَتْ دَائِرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَاقْتِرَانِهَا بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ، وَمِنْ آخِرِهِمْ إلَى أَوَّلِهِمْ، وَمِنَ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى.

وَشُمُولُ دَائِرَةِ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَهُمْ فِيهَا دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَلِكُلِّ عَامِلٍ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِصِدْقِ وَيَقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، وَتَأْتِي عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَخَفَايَاهُ وَدَقَائِقِهِ.

وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو مَا بَقِيَ مِنْ عَثَرَاتِهِ، وَيَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ.

فَالتَّوْحِيدُ يُذْهِبُ أَصْلَ الشِّرْكِ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو فُرُوعَهُ، فَأَبْلَغُ الثَّنَاءِ قَوْلُ: ((لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ))، وَأَبْلَغُ الدُّعَاءِ قَوْلُ: ((أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ))، فَأَمَرَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَانِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)).

((مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُ الشَّرُّ؛ فَلِهَذَا قَالَ ذُو النُّونِ: {لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وَلِهَذَا يَقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وَقَوْلِهِ: {أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ}، وَقَوْلِهِ: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ}، وَقَوْلِهِ: {فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.

وَخَاتِمَةُ الْمَجْلِسِ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ؛ إنْ كَانَ مَجْلِسَ رَحْمَةٍ كَانَتْ كَالطَّابَعِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ لَغْوٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ))، وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ)).

الِاسْتِغْفَارُ سَبَبُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَذَوْقِ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَإِذَا اجْتَهَدَ، وَاسْتَعَانَ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَلَازَمَ الِاسْتِغْفَارَ وَالِاجْتِهَادَ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالٍ، وَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْشَرِحُ صَدْرُهُ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ وَنُورُ الْهِدَايَةِ؛ فَلْيُكْثِرِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَلْيُلَازِمْ الِاجْتِهَادَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وَعَلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلُزُومِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ، مُتَبَرِّئًا مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا بِهِ)).

الِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو الذُّنُوبَ، وَيُزِيلُ ضَرَرَهَا، وَيُفَرِّجُ الْهُمُومَ، ((الذُّنُوبُ سَبَبٌ لِلضُّرِّ، وَالِاسْتِغْفَارُ يُزِيلُ أَسْبَابَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لَا يُعَذِّبُ مُسْتَغْفِرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَكْثَرَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30])).

((وَأَمَّا تَأْثِيرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضِّيقِ؛ فَلِمَا اشْتَرَكَ فِي الْعِلْمِ بِهِ أَهْلُ الْمِلَلِ وَعُقَلَاءُ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْفَسَادَ تُوجِبُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَالْخَوْفَ وَالْحُزْنَ، وَضِيقَ الصَّدْرِ وَأَمْرَاضَ الْقَلْبِ؛ حَتَّى إنَّ أَهْلَهَا إذَا قَضَوْا مِنْهَا أَوْطَارَهُمْ، وَسَئِمَتْهَا نُفُوسُهُمُ ارْتَكَبُوهَا؛ دَفْعًا لِمَا يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الضِّيقِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا تَأْثِيرَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ فِي الْقُلُوبِ فَلَا دَوَاءَ لَهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ)).

((إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ))

((يَا مَنْ عَزَمَ السَّفَرَ إِلَى اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ, قَدْ رُفِعَ لَكَ عَلَمٌ فَشَمِّرْ إِلَيْهِ فَقَدْ أَمْكَنَ التَّشْمِيرُ، وَاجْعَلْ سَيْرَكَ بَيْنَ مُطَالَعَةِ مِنَّتِهِ وَمُشَاهَدَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ وَالتَّقْصِيرِ، فَمَا أَبْقَى مَشْهَدُ النِّعْمَةِ وَالذَّنْبِ لِلْعَارِفِ مِنْ حَسَنَةٍ يَقُولُ: هَذِهِ مُنْجِيَتِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، مَا الْمُعَوَّلُ إِلَّا عَلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَكُلُّ أَحَدٍ إِلَيْهِمَا فَقِيرٌ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي, أَنَا الْمُذْنِبُ الْمِسْكِينُ وَأَنْتَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.

مَا تُسَاوِي أَعْمَالُكَ لَوْ سَلِمَتْ مِمَّا يُبْطِلُهَا أَدْنَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مُرْتَهَنٌ بِشُكْرِهَا مِنْ حِينَ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْكَ؛ فَهَلْ رَعَيْتَهَا -بِاللهِ- حَقَّ رِعَايَتِهَا وَهِيَ فِي تَصْرِيفِكَ وَطَوْعُ يَدَيْكَ؟!!

فَتَعَلَّقْ بِحَبْلِ الرَّجَاءِ، وَادْخُلْ مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

نَهَجَ لِلْعَبْدِ طَرِيقَ النَّجَاةِ وَفَتَحَ لَهُ أَبْوَابَهَا، وَعَرَّفَهُ طُرُقَ تَحْصِيلِ السَّعَادَةِ وَأَعْطَاهُ أَسْبَابَهَا، وَحَذَّرَهُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِهِ، وَأَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ شُؤْمَهَا وَعِقَابَهَا، وَقَالَ: إِنْ أَطَعْتَ فَبِفَضْلِي وَأَنَا أَشْكُرُ، وَإِنْ عَصَيْتُ فَبِقَضَائِي وَأَنَا أَغْفِرُ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وَأَزَاحَ عَنِ الْعَبْدِ الْعِلَلَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَوَعَدَهُ أَنْ يَشْكُرَ لَهُ الْقَلِيلَ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَغْفِرَ لَهُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَعْطَاهُ مَا يَشْكُرُ عَلَيْهِ, ثُمَّ شَكَرَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَوَعَدَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ لِنَفْسِهِ أَنْ يُحْسِنَ جَزَاءَهُ وَيُقَرِّبَهُ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ إِذَا تَابَ مِنْهَا وَلَا يَفْضَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وَثِقَتْ بِعَفْوِهِ هَفَوَاتُ الْمُذْنِبِينَ فَوَسِعَتْهَا، وَعَكَفَتْ بِكَرَمِهِ آمَالُ الْمُحْسِنِينَ فَمَا قَطَعَ طَمَعَهَا، وَخَرَّقَتِ السَّبْعَ الطِّبَاقَ دَعَوَاتُ التَّائِبِينَ وَالسَّائِلِينَ فَسَمِعَهَا، وَوَسِعَ الْخَلَائِقَ عَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِزْقُهُ, فَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يَجُودُ عَلَى عَبِيدِهِ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَيُعْطِي سَائِلَهُ وَمُؤَمِّلَهُ فَوْقَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْهُمُ الْآمَالُ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَلَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُهُ عَدَدَ الْأَمْوَاجِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ وَالرِّمَالِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَأَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَائِدِ التَّائِبِ مِنَ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إِذَا وَجَدَهَا، وَأَشْكَرُ لِلْقَلِيلِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ, فَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ شَكَرَهَا وَحَمِدَهَا؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

تَعَرَّفَ إِلَى عِبَادِهِ بِأَسْمَائِهِ وَأَوْصَافِهِ، وَتَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ بِحِلْمِهِ وَآلَائِهِ، وَلَمْ تَمْنَعْهُ مَعَاصِيهِمْ بِأَنْ جَادَ عَلَيْهِمْ بِآلَائِهِ، وَوَعَدَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَحْسَنَ طَاعَتَهُ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ يَوْمَ لِقَائِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

السَّعَادَةُ كُلُّهَا فِي طَاعَتِهِ، وَالْأَرْبَاحُ كُلُّهَا فِي مُعَامَلَتِهِ، وَالْمِحَنُ وَالْبَلَايَا كُلُّهَا فِي مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ؛ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْفَعُ مِنْ شُكْرِهِ وَتَوْبَتِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَفَاضَ عَلَى خَلْقِهِ النِّعْمَةَ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَضَمَّنَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ إِنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يُطَاعُ فَيُشْكَرُ؛ وَطَاعَتُهُ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَفَضْلِهِ، وَيُعْصَى فَيَحْلُمُ؛ وَمَعْصِيَةُ الْعَبْدِ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ، وَيَتُوبُ إِلَيْهِ فَاعِلُ الْقَبِيحِ فَيَغْفِرُ لَهُ, حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مِنْ أَهْلِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

الْحَسَنَةُ عِنْدَهُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا أَوْ يُضَاعِفُهَا بِلَا عَدَدٍ وَلَا حُسْبَانٍ، وَالسَّيِّئَةُ عِنْدَهُ بِوَاحِدَةٍ وَمَصِيرُهَا إِلَى الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ لَدَيْهِ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

بَابُهُ الْكَرِيمُ مُنَاخُ الْآمَالِ وَمَحَطُّ الْأَوْزَارِ، وَسَمَاءُ عَطَايَاهُ لَا تُقْلِعُ عَنِ الْغَيْثِ بَلْ هِيَ مِدْرَارٌ، وَيَمِينُهُ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

لَا يَلْقَى وَصَايَاهُ إِلَّا الصَّابِرُونُ، وَلَا يَفُوزُ بِعَطَايَاهُ إِلَّا الشَّاكِرُونَ، وَلَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ إِلَّا الْهَالِكُونَ، وَلَا يَشْقَى بِعَذَابِهِ إِلَّا الْمُتَمَرِّدُونَ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

فَإِيَّاكَ أَيُّهَا الْمُتَمَرِّدُ أَنْ يَأْخُذَكَ عَلَى غِرَّةٍ فَإِنَّهُ غَيُورٌ، وَإِذَا أَقَمْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَهُوَ يَمُدُّكَ بِنِعْمَتِهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُهْمِلْكَ لَكِنَّهُ صَبُورٌ، وَبُشْرَاكَ أَيُّهَا التَّائِبُ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّبَّ شَكُورٌ تَنَوَّعَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ تَعَلَّقَ بِأَذْيَالِ مَغْفِرَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ تَعَلَّقَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَخَذَتْهُ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَارَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصَلَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَكَانَتْ آثَرَ شَيْءٍ لَدَيْهِ.

حَيَاةُ الْقُلُوبِ فِي مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَكَمَالُ الْجَوَارِحِ فِي التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ, وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ، وَكَمَالُ الْأَلْسِنَةِ بِذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِ مَدْحِهِ، فَأَهْلُ شُكْرِهِ أَهْلُ زِيَادَتِهِ، وَأَهْلُ ذِكْرِهِ أَهْلُ مُجَالَسَتِهِ، وَأَهْلُ طَاعَتِهِ أَهْلُ كَرَامَتِهِ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ لَا يُقَنِّطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، إِنْ تَابُوا فَهُوَ حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَهُوَ طَبِيبُهُمْ، يَبْتَلِيهِمْ بِأَنْوَاعِ الْمَصَائِبِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمُ الْخَطَايَا وَيُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَائِبِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)).

((أَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ!))

عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي وَالْمَعَائِبِ.

وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَلْيَتَّخِذِ اللهَ هَادِيًا وَنَصِيرًا وَحَاكِمًا وَوَلِيًّا؛ فَإِنَّهُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا.

عَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نُكْثِرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ.

عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)).

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((قَالَ إِبْلِيسُ: وَعِزَّتِكَ! لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ)).

يَقُولُ لِرَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-.

فَقَالَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ: ((وَعِزَّتِي وَجَلَالِي! لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي)).

اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

المصدر:فَضَائِلُ الِاسْتِغْفَارِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1443هـ
  فَضْلُ الشَّهَادَةِ وَوَاجِبُنَا نَحْوَ أُسَرِ الشُّهَدَاءِ
  الْجَوَانِبُ الْإِيمَانِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ فِي الصَّوْمِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَمَعِيَّةُ وَالْإِنْسَانِيَّةُ وَوَاجِبُنَا تِجَاهَ الْأَقْصَى
  إرهاب الطابور الخامس
  التَّحْذِيرُ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالْبَغْتَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  الْحُقُوقُ وَالْحُرُمَاتُ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  نَصَائِحُ الْنَّبِيِّ الأَمِين لِتُجَّارِ المُسْلِمِين
  حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الميلاد إلى البعثة
  [ طليعة الرد على الحلبي [ الجزء الأول
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان