وَسَائِلُ مُفِيدَةٌ لِسَعَادَةِ الْأُسْرَةِ وَالْحِفَاظِ عَلَيْهَا


((وَسَائِلُ مُفِيدَةٌ لِسَعَادَةِ الْأُسْرَةِ وَالْحِفَاظِ عَلَيْهَا))

إِنَّ رَاحَةَ الْقَلْبِ، وَطُمْأَنِينَتَهُ، وَسُرُورَهُ، وَزَوَالَ هُمُومِهِ وَغُمُومِهِ، هُوَ الْمَطْلَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، وَيَتِمُّ السُّرُورُ وَالِابْتِهَاجُ، وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ دِينِيَّةٌ، وَأَسْبَابٌ طَبِيعِيَّةٌ، وَأَسْبَابٌ عَمَلِيَّةٌ.

وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا كَلُّهَا إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ، فَإِنَّهَا وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُمْ مِنْ وَجْهٍ وَسَبَبٍ يُجَاهِدُ عُقَلَاؤُهُمْ عَلَيْهِ، فَاتَتْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ أَنْفَعَ وَأَثْبَتَ وَأَحْسَنَ حَالًا وَمَآلًا.

*أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ هُوَ ((الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)):

وَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِذَلِكَ -أَيْ لِتَحْصِيلِ الْحَيَاةِ الْمُطْمَئِنَّةِ السَّعِيدَةِ- وَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِذَلِكَ وَأَصْلُهَا وَأُسُّهَا هُوَ ((الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)).

قَالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

فَأَخْبَرَ تَعَالَى وَوَعَدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، بِالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَبِالْجَزَاءِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَفِي دَارِ الْقَرَارِ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ، الْمُثْمِرَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُصْلِحِ لِلْقُلُوبِ وَالْأَخْلَاقِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَعَهُمْ أُصُولٌ وَأُسُسٌ يَتَلَقُّونَ فِيهَا جَمِيعَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ السُّرُورِ وَالِابْتِهَاجِ، وَأَسْبَابِ الْقَلَقِ وَالْهَمِّ وَالْأَحْزَانِ.

يَتَلَقُّونَ الْمَحَابَّ وَالْمَسَارَّ بِقَبُولٍ لَهَا، وَشُكْرٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِعْمَالٍ لَهَا فِيمَا يَنْفَعُ، فَإِذَا اسْتَعْمَلُوهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ أَحْدَثَ لَهُمْ مِنِ الِابْتِهَاجِ بِهَا، وَالطَّمَعِ فِي بَقَائِهَا وَبَرَكَتِهَا، وَرَجَاءِ ثَوَابِ الشَّاكِرِينَ، أُمُورًا عَظِيمَةً تَفُوقُ بِخَيْرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا هَذِهِ الْمَسَرَّاتِ الَّتِي هَذِهِ ثَمَرَاتُهَا.

وَيَتَلَقُّونَ الْمَكَارِهَ وَالْمَضَارَّ وَالْهَمَّ وَالْغَمَّ بِالْمُقَاوَمَةِ لَهَا بِمَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهُ بِهِ، وَبِتَخْفِيفِ مَا يُمْكِنُهُمْ تَخْفِيفَه، وَالصَّبْرِ الْجَمِيلِ لِمَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ بُدٌّ.

وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ آثَارِ الْمَكَارِهِ مِنَ الْمُقَاوِمَاتِ النَّافِعَةِ، وَالتَّجَارِبِ وَالْقُوَّةِ، وَمِنَ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ أُمُورًا عَظِيمَةً تَضْمَحِلُّ مَعَهَا الْمَكَارِهُ، وَتَحُلُّ مَحَلَّهَا الْمَسَارُّ وَالْآمَالُ الطَّيِّبَةُ، وَالطَّمَعُ فِي فَضْلِ اللهِ وَثَوَابِهِ، كَمَا عَبَّرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ)). انْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-.

هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ مِنَ الْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ تِلْكَ الْوَسَائِلِ، بَلْ هُوَ أَصْلُ تِلْكَ الْوَسَائِلِ، وَكُلُّ مَا يَأْتِ مِنَ الْوَسَائِلِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ ((الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)).

*وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ: الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى:

*وَمِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ لِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطُمَأْنِينَتِهِ: الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، فَإِنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَطُمْأْنِينَتِهِ، وَزَوَالِ هَمِّهِ وَغَمِّهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

فَلِذِكْرِ اللهِ أَثَرٌ عَظِيمٌ فِي حُصُولِ هَذَا الْمَطْلُوبِ لِخَاصِيَّتِهِ، وَلِمَا يَرْجُوهُ الْعَبْدُ مِنْ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ.

*وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ: التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ اللهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ:

وَكَذَلِكَ التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ اللهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَإِنَّ مَعْرِفَتَهَا وَالتَّحَدُّثَ بِهَا يَدْفَعُ اللهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَيَحُثُّ الْعَبْدَ عَلَى الشُّكْرِ الَّذِي هُوَ أَرْفَعُ الْمَرَاتِبِ وَأَعْلَاهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ فَقْرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَايَا.

فَإِنَّهُ إِذَا قَابَلَ بَيْنَ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ -الَّتِي لَا يُحْصَى لَهَا عَدٌّ وَلَا حِسَابٌ- وَبَيْنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْرُوهِ إِلَى النِّعَمِ نِسْبَةٌ.

*التَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الْحِفَاظِ عَلَى أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْعَصَبِيَّةِ:

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَمِنْ أَعْظَمِ الْعِلَاجَاتِ لِأَمْرَاضِ الْقَلْبِ الْعَصَبِيَّةِ، بَلْ وَأَيْضًا لِلْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ: قُوَّةُ الْقَلْبِ وَعَدَمُ انْزِعَاجِهِ وَانْفِعَالِهِ لِلْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ الَّتِي تَجْلِبُهَا الْأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ)).

وَهَلْ لِلْقَلْبِ أَمْرَاضٌ عَصَبِيَّةٌ؟

نَعَمْ، هَذِهِ هِيَ الَّتِي يَقُولُ عَنْهَا الْأَطِبَّاءُ هِيَ ((الْأَمْرَاضُ النَّفْسُ جِسْمِيَّةٌ))، يَعْنِي الْأَمْرَاضَ الْجَسَدِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْ اخْتِلَالَاتٍ نَفْسِيَّةٍ.

وَأَبْرَزُ ذَلِكَ وَأَوْضَحُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِارْتِفَاعِ ضَغْطِ الدَّمِ، وَمَرَضِ السُّكَّرِيِّ، وَكَذِلَكَ قُرْحَةُ الْمَعِدَةِ، إِلَى أَمُورٍ كَثِيرَةٍ.

فَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْقَلَقُ الزَّائِدُ، وَالْاضْطِرَابُ، وَالْعَصَبِيَّةُ، وَعَدَمُ التَّمَاسُكِ النَّفْسِيِّ، فَتُؤَدِّي هَذِهِ الْحَالُ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ، إِنْ لَمْ تُؤَدِّ إِلَيْهَا كُلِّهَا.

فَيَقُولُ: ((وَمِنْ أَعْظَمِ الْعِلَاجَاتِ لِأَمْرَاضِ الْقَلْبِ الْعَصَبِيَّةِ، بَلْ وَأَيْضًا لِلْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ: قُوَّةُ الْقَلْبِ وَعَدَمُ انْزِعَاجِهِ وَانْفِعَالِهِ لِلْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ الَّتِي تَجْلِبُهَا الْأَفْكَارُ السَّيِّئَةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى اسْتَسْلَمَ لِلْخَيَالَاتِ، وَانْفَعَلَ قَلْبُهُ لِلْمُؤَثِّرَاتِ؛ مِنَ الْخَوْفِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَغَيْرِهَا، وَمِنَ الْغَضَبُ وَالتَّشْوُّشِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَةِ، وَمِنْ تَوَقُّعِ حُدُوثِ الْمَكَارِهِ وَزَوَالِ الْمَحَابِّ، أَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَالِانْهِيَارِ الْعَصَبِيِّ الَّذِي لَهُ آثَارُهُ السَّيِّئَةُ الَّتِي قَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مَضَارَّهَا الْكَثِيرَةَ.

وَمَتَى اعْتَمَدَ الْقَلْبُ عَلَى اللهِ، وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلْأَوْهَامِ وَلَا مَلَكَتْهُ الْخَيَالَاتُ السَّيِّئَةُ، وَوَثِقَ بِاللهِ، وَطَمِعَ فِي فَضْلِهِ، انْدَفَعَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ الْهُمُومُ وَالْغُمُومُ، وَزَالَتْ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَسْقَامِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ، وَحَصَلَ لِلْقَلْبِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالِانْشِرَاحِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ.

فَكَمْ مُلِئَتِ الْمُسْتَشْفِيَاتُ مِنْ مَرْضَى الْأَوْهَامِ وَالْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَكَمْ أَثَّرَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ عَلَى قُلُوبِ كَثِيرِينَ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ، فَضْلًا عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَكَمْ أَدَّتْ إِلَى الْحُمْقِ وَالْجُنُونِ، وَالْمُعَافَى مَنْ عَافَاهُ اللهُ وَوَفَّقَهُ لِجِهَادِ نَفْسِهِ لِتَحْصِيلِ الْأَسْبَابِ النَّافِعَةِ الْمُقَوِّيَةِ لِلْقَلْبِ، الدَّافِعَةِ لِقَلَقِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}؛ أَيْ كَافِيهِ جَمِيعَ مَا يَهُمُّهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

فَالْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللهِ قَوِيُّ الْقَلْبِ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْأَوْهَامُ، وَلَا تُزْعِجُهُ الْحَوَادِثُ لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَعْفِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْخَوَرِ وَالْخَوْفِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ.

وَيَعْلَمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ بِالْكِفَايَةِ التَّامَّةِ، فَيَثِقُ بِاللهِ وَيَطْمَئِنُّ لِوَعْدِهِ، فَيَزُولُ هَمُّهُ وَقَلَقُهُ، وَيَتَبَدَّلُ عُسْرُهُ يُسْرًا، وَتَرَحُهُ فَرَحًا، وَخَوْفُهُ أَمْنًا.

فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى الْعَافِيَةَ وَأَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِقُوَّةِ الْقَلْبِ وَثَبَاتِهِ بِالتَّوَكُّلِ الْكَامِلِ الَّذِي تَكَفَّلَ اللهُ لِأَهْلِهِ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَدَفْعِ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَضَيْرٍ)).

**وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَيَاةِ السَّعِيدَةِ: مُلَاحَظَةُ الْمَحَاسِنِ وَالْإِغْضَاءُ عَنِ الْمَسَاوِئِ مَعَ مَنْ تُعَامِلُ:

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقَا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ -أَوْ قَالَ-: غَيْرَهُ».

وَفَرِكَهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ يَفْرَكُهُ بِفَتْحِهَا إِذَا أَبْغَضَهُ، وَالْفَرْكُ: الْبُغْضُ.

فِي هَذَا الْقَوْلُ النَّبَوِيُّ فَائِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْإِرْشَادُ إِلَى مُعَامَلَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَالصَّاحِبِ وَالْمُعَامَلِ، وَكُلُّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ وَاتِّصَالٌ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُوَطِّنَ نَفْسَكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ.

فَإِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ، فَقَارِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَوْ يَنْبَغِي لَكَ مِنْ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ وَالْإِبْقَاءِ عَلَى الْمَحَبَّةِ، بِتَذَكُّرِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ، وَالْمَقَاصِدِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.

وَبِهَذَا الْإِغْضَاءِ عَنِ الْمَسَاوَئِ وَمُلَاحَظَةِ الْمَحَاسِنِ، تَدُومُ الصُّحْبَةُ وَالِاتِّصَالُ وَتَتِمُّ الرَّاحَةُ وَتَحْصُلُ لَكَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ زَوَالُ الْهَمِّ وَالْقَلَقِ، وَبَقَاءُ الصَّفَاءِ، وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ، وَحُصُولُ الرَّاحَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَرْشِدْ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ، بَلْ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ فَلَحَظَ الْمَسَاوِئَ، وَعَمِيَ عَنِ الْمَحَاسِنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْلَقَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَكَدَّرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ، وَيَتَقَطَّعُ كَثِيرٌ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا. 

 

المصدر: بِنَاءُ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ الْقَوِيَّةِ وَحِمَايَتُهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ فِي دِينِ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ
  الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ، وَاعْتِقَادٌ، وَعَمَلٌ وَأَنَّهُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ
  فَضَائِلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
  الِاسْتِعْدَادُ لِرَمَضَانَ لَا يَكُونُ بِالْإِسْرَافِ!!
  فَلْنَتَّقِ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلْنُحَقِّقْ مَقْصُودَ الصِّيَامِ -التَّقْوَى-
  حَثُّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الزَّوَاجِ فِي سُنَّتِهِ الْمُطَهَّرَةِ
  ثَمَرَاتُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَيْتَامِ وَرِعَايَتُهُمْ
  مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَةِ
  شِدَّةُ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ
  إِقَامَةُ الدُّنْيَا وَتَعْمِيرُهَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  نَمَاذِجُ لِلْإِيجَابِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  وُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِخْدَامِهَا
  أَفْضَلُ الصُّوَّامِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ
  مُرَاقَبَةُ اللهِ وَالضَّمِيرُ الْحَيُّ فِي الْعَمَلِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان