((شِدَّةُ إِيذَاءِ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ))
فَمَا أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَسُولَهُ الْكَرِيم ﷺ هِدَايةً وَنُورًا حَتَّى جَاءَهُ الْإِيذَاءُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَطَالَ الْإِيذَاءُ فِيمَنْ طَالَ مُحَمَّدًا ﷺ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ إِلَيْهِ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ عَلَى رَأْسِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ مِنْ مَبْعَثِ الرَّسُولِ ﷺ، وَكَانَ الْأَذَى لَمَّا حَلَّ بِسَاحَةِ الْأَصْحَابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ بِهَا مَلِكًا عَادِلًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ.
فَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَنْ هَاجَرَ، ثُمَّ سَعَتْ قُرَيْشٌ سِعَايَتَهَا مِنْ أَجْلِ أَنْ تَرُدَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَتِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ؛ فَثَبَّتَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ النَّجَاشِيَّ -طَيَّبَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ثَرَاهُ وَأَحْسَنَ فِي الْجَنَّةِ مَثْوَاهُ-، إِذْ أَسْلَمَ بَعْدُ قَلْبَهُ وَزِمَامَهُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَبِعَ النَّبِيَّ الْأَمِينَ ﷺ ، فَثَبَّتَهُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَلَمْ تَبْلُغْ قُرَيْشٌ مِنْ ذَلِكَ مَبْلَغًا.
وَسَمِعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْحَبَشَةِ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ فَاءَتْ إِلَى ظِلِّ الْعَقْلِ وَأَنَّهَا كَفَّتِ الْأَذَى وَالْإِيذَاءَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَحِزْبِهِ ﷺ، فَعَادَ مَنْ عَادَ مَخْدُوعًا بِهَذَا الْبَرْقِ الْخُلَّبِ الَّذِي لَا مَطَرَ فِيهِ وَلَا غَيْثَ، حَتَّى إِذَا مَا كَانُوا عَلَى مَشَارِفِ مَكَّةَ عَلِمُوا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ الْأَذَى قَدِ ازْدَادَ جِدًّا، فَعَادَ إِلَى الْحَبَشَةِ مَنْ عَادَ وَدَخَلَ إِلَى مَكَّةَ مَنْ دَخَلَ.
المصدر: المصدر : دروس من الهجرة النبوية