اعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ
((اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَاِعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ)): وَشَهْرُ رَمَضَانَ مَدْرَسَةٌ فِي تَعْلِيمِ الْأُمَّةِ كَيْفَ تَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا -جَلَّ وَعَلَا- سَائِرَ الْعَامِ.
فَهَذَا الْقِيَامُ الَّذِي كَانَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَالَّذِي سَنَّهُ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، هَذَا الْقِيَامُ مَمْدُودٌ طُولَ الْعَامِ.
وَكَثِيرٌ مِنَ المُسْلِمِينَ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَحْرِصُونَ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا، فَيَحْسَبُونَ أَنَّ رَمَضَانَ إِنَّمَا خُصَّ بِالْقِيَامِ دُونَ سَائِرِ لَيَالِي الْعَامِ، وَهَذَا خَطَأٌ شَنِيعٌ!
بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مُعْلَنٌ بِهِ فِي مَسَاجِدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِيَجْتَمِعَ المُسْلِمُونَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلِكَيْ يَسْمَعَ مَنْ لَا يَحْفَظُ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ فِي الْقُرْآنِ يَقْرَأُ؛ لِيَسْمَعَ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى، حَتَّى يَسْتَنِيرَ بِهَا قَلْبُهُ، وَحَتَّى يَطْمَئِنَّ بِهَا فُؤَادُهُ، وَحَتَّى تُشْرِقَ بِهَا رُوحُهُ، إِذَا كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى تِلَاوَتِهَا، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ حَامِلٍ لَهَا.
ثُمَّ إِنَّ الْعِبَادَةَ فِي مَجْمُوعٍ مِنَ الخَلْقِ تَكُونُ أَهْوَنَ.
وَنَزِّلْ ذَلِكَ عَلَى صِيَامِكَ فِي رَمَضَانَ، وَصِيَامِكَ فِي سَائِرِ أَيَّامِ الْعَامِ دُونَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ خِفَّةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ جَمِيعًا، وَهَذَا يُهَوِّنُ الْأَمْرَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَيُخَفِّفُهُ عَلَى الْآتِي بِهِ.
فَسَنَّ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ الْقِيَامَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَهَذَا فِي الْعَامِ كُلِّهِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ يَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَا تَيَسَّرَ لَهُ أَنْ يَقُومَ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُمْ لَيْلَةً لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شُغُلٍ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي ذَلِكَ -رُبَّمَا فِي النَّهَارِ- ﷺ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَبِيرٌ فَهُوَ شَرَفُ المُؤْمِنِ.
وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الشَّرَفِ فَإِنَّهُ لَا شَرَفَ لَهُ، وَمَنْ لَا شَرَفَ لَهُ فَهُوَ وَضِيعٌ مُنْحَطٌّ.
((وَاِعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ)): هَكَذَا بِالتَّأْكِيدِ بِالْجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ وَبِإِدْخَالِ ((إِنَّ)) عَلَيْهَا، وَبِهَذَا الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى شَحْذِ الهِمَّةِ؛ مِنْ أَجْلِ تَلَقِّي مَا يُلْقَى إِلَى الْعَقْلِ وَالرُّوحِ بَعْدُ.
المصدر: وماذا بعد رمضان؟