أَسْبَابُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ


 ((أَسْبَابُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ))

 

*الْجَهْلُ بِدِينِ اللهِ، خَاصَّةً بِالْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ الْوَاجِبِ تَعَلُّمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا:

فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَمُرُّ فِيهَا الْأُمَّةُ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الْأَحْدَاثِ، يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ دِينِ رَبِّهِ، وَفِي الْإِحَاطَةِ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ ﷺ؛ لِأَنَّ الْعْلِمَ فِيهِ الْهِدَايَةُ وَالِاهْتِدَاءُ، وَلِأَنَّ الْجَهْلَ فِيهِ الضَّلَالُ وَالْإِضْلَالُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْقَدِيمُ:

وَمَا يَبْلُغُ الْأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ    مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ.

وَهَذِهِ الْمُمَارَسَاتُ الَّتِي تَتِمُّ، وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي تَقَعُ إِنَّمَا هِيَ فِي نِهَايَتِهَا عَائِدَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِدِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

فَمِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ وَالِانْحِرَافِ عَنْ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: الْجَهْلُ، الْجَهْلُ بَمَعَانِي وَدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ عُلَمَاءِ وَجَهَابِذَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَقَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ ﷺ الْخَوَارِجَ، وَوَصَفَ عِبَادَتَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فَلَا يَصِلُ إِلَى قُلُوبِهِمْ فَيَفْقَهُونَهُ، فَيَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.

وَوَاقِعُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَفْرِضُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ فِيهِ بِدِقَّةٍ وَرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ وَأَنَاةٍ..

إِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ تَتَوَرَّطُ فِي أُمُورٍ مِنْ أُمُورِ مُخَالَفَاتِ الْعَقِيدَةِ الَّتِي تُنْذِرُ بِأَسْوَأِ الْمَآلَاتِ فِي الْآخِرَةِ.

إِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَكَادُ تُحَقِّقُ مِنَ الْعَقِيدَةِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَنْجُوَ بِدِينِهِ وَعِرْضِهِ سَالِمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنَ الْمَعَابَةِ وَالتَّأْثِيمِ وَالْوُلُوغِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَتَّى مِنْ مُسْلِمٍ صَحِيحِ الِاعْتِقَادِ.

إِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَا زَالَتْ تَطْلُبُ الْأُمُورَ الَّتِي لَا تُطْلَبُ إِلَّا مِنَ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اللهِ لَا مِنَ الْأَحْيَاءِ بَلْ مِنَ الْأَمْوَاتِ.

إِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَا تَزَالُ جَاهِلَةً بِأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَسْمَعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَبِكُلِّ سَبِيلٍ مَنْ يَقُولُ مُعْتَقِدًا بِيَقِينٍ: إِنَّ اللهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. يُرِيدُ: بِذَاتِهِ.

مَا أَكْثَرَ مَا يَتَوَرَّطُ الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ فِي مُخَالَفَةِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ!

إِنَّ الْجَمَاهِيرَ الَّتِي هِيَ كَالْقُطْعَانِ الشَّارِدَةِ تَؤُمُّ الرِّمَمَ الْبَالِيَةَ، تَقْصِدُهَا بِالطَّلَبِ، وَتَسْتَغِيثُ عِنْدَهَا بِمَا لَا يُسْتَغَاثُ فِيهِ إِلَّا بِاللهِ، وَمَا أَكْثَرَ الْخُرُوقَاتِ الَّتِي تَعْتَرِضُ وَتَلْحَقُ بِنَسِيجِ الْعَقِيدَةِ! حَتَّى صَارَ مُتَهَرِّئًا لَا يَكَادُ يَقُومُ، وَلَا يَكَادُ يَقِفُ عِنْدَهُ الْبَصَرُ لَا يَنْزَلِقُ عَلَيْهِ.

تَنْقِيَةُ الْعَقِيدَةِ مِنَ الْغَبَشِ وَمِمَّا لَحِقَ بِهَا عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ وَتَطَاوُلِ السِّنِينَ أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الدَّاعِي إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْخِنْصَرَ عِنْدَ بَدْئِهِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.

هَذَا مَا يَدْعُو إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ؛ يُلَخِّصُونَ الدَّعْوَةَ فِي كَلِمَتَيْنِ: فِي التَّصْفِيَةِ وَالتَّرْبِيَةِ.

وَإِنَّكَ لَتَسْمَعُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ -بَلْ مِنْ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ- مَنْ يَقُولُ لَكَ مُتَبَجِّحًا: إِنَّ الصَّلَاةَ هَذِهِ لَيْسَتْ شَيْئًا عِنْدَ اللهِ، وَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا كَانَ نَظِيفَ الْقَلْبِ أَبْيَضَهُ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ طَائِرًا -كَمَا يَقُولُ الْعَوَامُّ!!- مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا زَكَاةٍ وَلَا حَجٍّ!!

هَذَا عَيْنُ الْإِرْجَاءِ.

هَذَا تَعَلَّمَ مِنَ الْعَقِيدَةِ شَيْئًا؟!

مَنْ عَلَّمَهُ؟!

إِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ -وَأَخُصُّ الْمُثَقَّفِينَ وَحَمَلَةَ الشَّهَادَاتِ مِنْهُمْ- قَدْ فُرِّغُوا دِينِيًّا وَثَقَافِيًّا وَعِلْمِيًّا، فَهُمْ كَالطَّبْلِ الْأَجْوَفِ.

أَيْنَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَالْمَرَاحِلُ الِابْتِدَائِيَّةُ وَالْإِعْدَادِيَّةُ وَالثَّانَوِيَّةُ فِي التَّعْلِيمِ الْعَامِّ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا تُعَلِّمُ الدِّينَ، وَلَا تُعَلِّمُ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ؟! لَا يُعَلِّمُونَهُ.

وَأَمَّا الْجَامِعَاتُ؛ فَلَيْسَ فِيهَا مِنْ تَعْلِيمِ الدِّينِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَأَيْنَ يَتَعَلَّمُ هَؤُلَاءِ؟!

هَؤُلَاءِ مَحْسُوبُونَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؛ لِذَلِكَ يَسْهُلُ أَنْ يُقَادُوا كَمَا تُقَادُ الْأَنْعَامُ، أَلَا تَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ الْمُظَاهَرَاتِ وَالِاعْتِصَامَاتِ؟!

أَلَا تَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى، وَالْإِحْرَاقِ، وَالْقَتْلِ، وَالتَّخْرِيبِ، وَالتَّدْمِيرِ؟!

وَلَوْ عَلِمُوا الدِّينَ عِلْمًا صَحِيحًا؛ لَحَجَزَهُمْ عَنْ هَذَا الْبَاطِلِ وَهَذَا الْفَسَادِ.

تَأَمَّلْ؛ إِنَّ هَذَا الدِّينَ الْعَظِيمَ يَنْفِي عَنِ الْعُقُولِ خُرَافَاتِهَا، وَعَنِ الْقُلُوبِ شَعْوَذَاتِهَا، وَيَنْفِي عَنِ الْجَوَارِحِ خَطَأَهَا وَخَطَاءَهَا، وَيُقِيمُ الْأَبْدَانَ وَالْأَرْوَاحَ وَالْقُلُوبَ وَالْأَنْفُسَ عَلَى الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، مِنْ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُهُ قَالَ الصَّحَابَةُ، هَذَا هُوَ الْعِلْمُ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ، وَأَلَّا نُضَيِّعَ الْأَوْقَاتَ.

*وَمِنْ أَسْبَابِ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ: تَصَدُّرُ الْجُهَّالِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ وَوَعْظِهِمْ:

فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ((إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).

هَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَانْظُرْ حَوْلَكَ وَاسْمَعْ تُوقِنْ وَتَقْنَعْ.

هَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ نَبِيُّنَا ﷺ يَتَنَاوَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْبَيَانِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: ((اعْلَمُوا -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ- أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، قَدِ اجْتَهَدُوا أَنْ يُدْخِلُوا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ شَيْئًا مِنْ بِدَعِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِذَبِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَدَفْعِ الْبَاطِلِ، حَتَّى ظَفِرُوا بِقَوْمٍ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِمَّنْ تَصَدَّى لِلْعِلْمِ، وَلَا عِلْمَ لَهُ، وَلَا فَهْمَ لَهُ، وَيَسْتَنْكِفُ وَيَتَكَبَّرُ أَنْ يَتَفَهَّمَ، وَأَنْ يَتَعَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُتَصَدِّرًا مُعَلِّمًا بِزَعْمِهِ- فَيَرَى بِجَهْلِهِ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَارًا وَغَضَاضَةً، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَبَبًا إِلَى ضَلَالِهِ وَضَلَالِ جَمَاعَتِهِ مِنَ الْأُمَّةِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).

وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ: ((لَا شَيْءَ أَوْجَبُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ رِعَايَةِ أَحْوَالِ الْمُتَصَدِّرِينَ لِلرِّيَاسَةِ فِي الْعِلْمِ؛ فَمِنَ الْإِخْلَالِ بِهَا يَنْتَشِرُ الشَّرُّ، وَيَكْثُرُ الْأَشْرَارُ، وَيَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ التَّظَاهُرُ وَالتَّنَافُرُ، وَلَمَّا تَرَشَّحَ قَوْمٌ لِلزَّعَامَةِ فِي الْعِلْمِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَحْدَثُوا بجَهْلِهِمْ بِدَعًا اسْتَغْنَوْا بِهَا عَامَّةً، وَاسْتَجْلَبُوا بِهَا مَنْفَعَةً وَرِيَاسَةً، فَوَجَدُوا مِنَ الْعَامَّةِ مُسَاعَدَةً بِمُشَارَكَةٍ لَهُمْ، وَقُرْبِ جَوْهَرِهِمْ مِنْهُمْ.

وَفَتَحَوُا بِذَلِكَ طُرُقًا مُنْسَدَّةً، وَرَفَعُوا بِهِ سُتُورًا مُسْبَلَةً، وَطَلَبُوا مَنْزِلَةَ الْخَاصَّةِ، فَوَصَلُوهَا بِالْوَقَاحَةِ، وَبِمَا فِيهِمْ مِنَ الشَّرَهِ، فَبَدَّعُوا الْعُلَمَاءَ وَجَهَّلُوهُمُ اغْتِصَابًا لِسُلْطَانِهِمْ وَمُنَازَعَةً لِمَكَانِهِمْ، فَأَغْرَوْا بِهِمْ أَتْبَاعَهُمْ حَتَّى وَطَئُوهُمْ بِأَظْلَافِهِمْ وَأَخْفَافِهِمْ، فَتَوَلَّدَ بِذَلِكَ الْبَوَارُ وَالْجَوْرُ الْعَامُّ وَالْعَارُ)).

تَأَمَّلْ فِي كَلَامِهِ، وَانْظُرْ فِي حَالِ النَّاسِ حَوْلَكَ.

مَا حَلَّ بِالنَّاسِ مَا حَلَّ؛ مِنَ انْحِرَافِ بَعْضِ الشَّبَابِ فِي مُعْتَقَدِهِ، وَظُهُورِ بَوَادِرِ الْفِتَنِ، وَتَجَرُّؤِ الصِّغَارِ عَلَى كِبَارِ الْأَئِمَّةِ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَرِيقَتِهِمُ الْمُسْتَقَاةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَثَرِ مَعَ مَعْرِفَةٍ تَامَّةٍ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَمَوَاقِعِ الْمَصْلَحَةِ - مَا حَلَّ بِالنَّاسِ مَا حَلَّ مِنْ هَذَا إِلَّا لِاخْتِلَالِ الْمِيزَانِ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ الْعُلَمَاءُ، وَارْتِقَاءِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ إِلَى مَصَافِّ الْكِبَارِ زُورًا وَظُلْمًا وَبُهْتَانًا، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى.

عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٍ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٍ خُطَبَاؤُهُ، قَلِيلٍ سُؤَّالُه، كَثِيرٍ مُعْطُوهُ)). هَذَا حَالٌ.

وَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَائِدًا لِلْهَوَى، ((وَسَيَأْتِي مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، كَثِيرٌ سُؤَّالُهُ، قَلِيلٌ مُعْطُوهُ، الْهَوَى فِيهِ قَائِدٌ لِلْعَمَلِ. اعْلَمُوا أَنَّ حُسْنَ الْهَدْيِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ الْعَمَلِ)).

أَخْرَجَ مَالِكٌ هَذَا الْأَثَرَ فِي ((الْمُوَطَّأِ))، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ((الِاسْتِذْكَارِ)): ((هَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ وُجُوهٍ مُتَّصِلَةٍ حِسَانٍ مُتَوَاتِرَةٍ )).

قَالَ: ((وَالْعِيَانُ -يَعْنِي الْمُشَاهَدَةَ- فِي هَذَا الزَّمَانِ -أَيْ فِي زَمَانِهِ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ الْهِجْرِيِّ فَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 463- عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ كَالْبُرْهَانِ)).

يَقُولُ: ((لَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ)). فَكَأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ أَمْرِ الْمُشَاهَدَةِ كَالْبُرْهَانِ عَلَى صِدْقِ مَا قَالَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ فَمَا نَقُولُ فِي زَمَانِنَا؟!

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قَالُوا: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)).

أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى: ((الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)).

 وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ((السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)).

وَفِي بَعْضِهَا: ((مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)).

وَعَلَيْهِ؛ فَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْفَشَلِ الذَّرِيعِ، فَهَذَا اجْتِهَادُ أَقْوَامٍ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَهِدُوا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمْ جُهَّالٌ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.

لِأَنَّهُمْ جُهَّالٌ بِحَقَائِقِ رُوحِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

لِأَنَّهُمْ جُهَّالٌ بِمَآلَاتِ الْأَحْوَالِ.

لِأَنَّهُمْ جُهَّالٌ بِهَذَا الْوَاقِعِ الْمَنْظُورِ الْمُشَاهَدِ.

وَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَحْدَهُمُ الَّذِينَ يَفْهَمُونَهُ.

وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ وَحْدَهُمُ الَّذِينَ لَا يَفْهَمُونَهُ.

وَحْدَهُمُ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَهُ.

وَحْدَهُمُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَهُ.

وَإِنَّمَا لَا يَعْرِفُونَ الْأَمْرَ إِلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالْخَطَأِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنَ اثْنَيْنِ: مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ، فَالطِّفْلُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّمُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْخَطَأِ، وَالْحَيَوَانُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّمُ أَوْ لَا يَتَعَلَّمُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْخَطَأِ.

*مِنْ أَسْبَابِ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ: عَدَمُ لُزُومِ غَرْزِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَانِيِّينَ:

إِنَّ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ بَيَّنَ -كَمَا فِي حَدِيثِ ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- أَنَّ الْجَهْلَ وَالْجُهَّالَ سَبَبُ الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، قَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).

وَمَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ سَبَبُ الْهِدَايَةِ وَالِاهْتِدَاءِ.

وَمِنْ سِمَاتِ الْخَوَارِجِ: إِسْقَاطُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ الصَّادِقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَالْخَيْرِيَّةِ.

فَتَجِدُ مِنْ أَوْجَهِ الشَّبَهِ بَيْنَ خَوَارِجِ عَصْرِنَا وَأَسْلَافِهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ:

عَدَمُ وُجُودِ الْعُلَمَاءِ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي عَابَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَلَيْهِمْ لَمَّا جَاءَ يُنَاظِرُهُمْ -أَيْ: الْخَوَارِجَ- عِنْدَمَا قَالَ لَهُمْ: ((جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ)).

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُودَ وَالنَّسَائِيُّ فِي ((فَضَائِلِ عَلِيٍّ))، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي ((الْمُصَنَّفِ))، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

فَهَذَا الْحَدِيثُ أَفَادَنَا أَنَّ الْخَوَارِجَ لَمْ يَكُنْ يُوجَد فِيهِمْ صَحَابِيٌّ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ: ((وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ)).

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ وُجُودِ الْعُلَمَاءِ فِي صُفُوفِ الْخَوَارِجِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانُوا هُمُ الصَّحَابَةُ، وَالْيَوْمُ الْوَاقِعُ خَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَلَا يُوجَدُ فِي صُفُوفِ الْخَوَارِجِ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ طَالِبُ عِلْمٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ عَالِمٌ.

*مِنْ أَسْبَابِ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ: اتِّبَاعُ الْمُتَشَابِهِ:

قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7].

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ ﷺ هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ} قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)).

قَالَ الشَّاطِبيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَقَدْ عَلِمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ فِيهِ اشْتِبَاهٌ وَإِشْكَالٌ لَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَعْنَاهُ وَيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَلَّا يُعَارِضَهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ لِإِجْمَالٍ أَوِ اشْتِرَاكٍ، أَوْ عَارَضَهُ قَطْعِيٌّ؛ كَظُهُورِ تَشْبِيهٍ؛ فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ، وَدَالًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا؛ احْتِيجَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ؛ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلًا.

وَمَدَارُ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْفَصْلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَعَدَمِ ضَمِّ أَطْرَافِهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؛ فَإِنَّ مَأْخَذَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الرَّاسِخِينَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ الشَّرِيعَةُ كَالصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ بِحَسْبِ مَا ثَبَتَ مِنْ كُلِّيَّاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا، وَعَامِّهَا الْمُرَتَّبِ عَلَى خَاصِّهَا، وَمُطْلَقِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى مُقَيَّدِهَا، وَمُجْمَلِهَا الْمُفَسَّرِ بِبَيِّنِهَا.. إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَنَاحِيهَا)).

*مِنْ أَسْبَابِ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ: اتِّبَاعُ الْهَوَى:

قَالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلرَّسُولِ، وَذَهَبَ إِلَى قَوْلٍ مُخَالِفٍ لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى هُدًى، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى هَوًى، وَالْقِسْمَةُ ثُنَائِيَّةٌ: إِمَّا اتِّبَاعُ الرَّسُولِ ﷺ، وَإِمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((أَيْ: إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهَوَاهُ، فَمَهْمَا رَآهُ حَسَنًا فَعَلَهُ، وَمَهْمَا رَآهُ قَبِيحًا تَرَكَهُ، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَهُ)).

إِذَا حَكَمَ الْهَوَى، اسْتُغِلْقَ الْعَقْلُ، وَسُدَّتْ مَنَافِذُ التَّفْكِيرِ، فَلَا نَظَرَ إِلَى الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَلَا إِلَى الدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ؛ لِأَنَّ الْهَوَى يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، فَيُصْبِحُ الْمَرْءُ أَسِيرًا لِسُلْطَانِ الْهَوَى، تَخْتَلِطُ عَلَيْهِ الْمَسَالِكُ، وَتَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الدُّرُوبُ، وَتُظْلِمُ فِي طَرِيقِهِ سُبُلُ الْحَقِّ وَالْهِدَايَةِ.

*وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ التَّطَرُّفِ فِي هَذَا الْعَصْرِ: الْإِعْلَامُ الْفَاسِدُ:

إِنَّ مِنَ الْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ، وَالْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ: أَنَّ الْمُغَالَاةَ فِي مُحَارَبَةِ انْحِرَافٍ تُوَلِّدُ انْحِرَافًا آخَرَ.

وَمِنَ الْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ أَيْضًا: أَنَّ أَكْثَرَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ التَّطَرُّفَ، وَيُوَاجِهُونَ الْإِرْهَابَ، هُمْ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ازْدِيَادِ اشْتِعَالِ نَارِهِ، وَمِنْ أَكْبَرِ الْعَامِلِينَ عَلَى تَوَهُّجِ أُوَارِهِ.

هَذِهِ الْفِرْقَةُ الَّتِي ظَهَرَتْ تُشَكِّكُ الْمُسْلِمِينَ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ، يَعْتَدُونَ عَلَى ثَوَابِتِ الْأُمَّةِ، يُهَرْطِقُونَ، يُجَدِّفُونَ، يَتَزَنْدَقُونَ فِي الصَّبَاحِ وَفِي الْمَسَاءِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَيُطَالِبُونَ النَّاسَ بِحِفْظِ أَمْنِهِمْ.

النَّاسُ يَمُوتُونَ مِنْ أَجْلِهِمْ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَنُوا فِي الذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ مَرَّةً، وَفِي النَّبِيِّ ﷺ مَرَّةً، وَفِي أَصْحَابِهِ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا فِي الْأَئِمَّةِ؛ فَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مُرَبَّعُ الشَّرِّ، لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ، وَلَا قِيمَةَ لَهُمْ، وَلَا وَزْنَ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَلَا فِي الْخُلُقِ، وَلَا فِي الدِّينِ!

مَنْ يَتَحَمَّلُ هَذَا وَمَنْ يَقْبَلُهُ؟!

عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَ أَلْسِنَتَهُمْ.

*أَمْثَلَةٌ لِبَعْضِ الْإِعْلَامِيِّينَ الْفَاسِدِينَ الطَّاعِنِينَ فِي ثَوَابِتِ الدِّينِ:

وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ تَبَرَّأَ مِنْهُ أَبُوهُ، يَدَّعِي أَنَّهُ مِنَ الْمُنَوِّرِينَ الْمُتَنَوِّرِينَ، فَيَقُولُ إِنَّهُ مُهَدَّدٌ بِالْقَتْلِ مُنْذُ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ فِي قَافِلَةِ التَّنْوِيرِ يَسِيرُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَامًا لَا يُسَاوِي الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَزْنَهُ ذُبَابًا لَا تُرَابًا؛ فَرَج فُودَة، مُحَمَّد سَعِيد العَشْمَاوِي، مُحَمَّد أَحْمَد خَلَفَ الله، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ إِسْلَام بِحِيري إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْمُسُوخِ الشَّائِهَةِ.

هَذَا قَالَ -فِي بَعْضِ مَا قَالَ- إِنَّهُ مُنْكِرٌ لِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَاسْتَهْزَأَ بِكِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، فَمَنْ يُطِيقُ هَذَا ؟

يَقُولُ: ((هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، سُلْطَانِيَه .. سُلْطَانِيَهْ .. سُلْطَنِيَّهْ)). كَذَا قَالَ، وَأَنْكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ، تَبَرَّأَ مِنْهُ أَبُوهُ.

وَالْيَوْمَ .. تَسْمَعُونَ مَنْ يَقُولُ فِي حَقِّ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: ((اللهُ حَتْمًا مَكَنْشِ يِتْخَيِّل إِنْ دَهْ يِحْصَل، وَإِنْ كَانَ هُوَ عَالِمَ الْغَيْبِ، وَلَكِنْ مَكَنْشِ أَبَدًا يِتْخَيِّل إِنْ دَهْ هَيِحْصَلْ، أَكِيد اللِّي حَصَل دَهْ حَصَلَ بِغِير إِرِاَدْتُه!!))

يَتَكَلَّمُ عَنْ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَعَنْ حُقُوقِهَا مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ((مَا دَامَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عِنْدَهُ مُشْكِلَةٌ مَعَ هذَاَ الْجِنْسِ -يَعْنِي النِّسَاءَ- فَلِيهْ مَبِيْوَقْفشِ خَطّ الْإِنْتَاج!!))

هَذَا كَلَامٌ يُقَالُ فِي حَقِّ اللهِ، فِي حَقِّ رَسُولِ اللهِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ فِي حَقِّ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إِنَّهُ يَقْرَأُهُ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ قِرَاءَةً طُولِيَّةً وَقِرَاءَةً عَرْضِيَّةً!

كَلَامُ اللهِ يَتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ رُبَّمَا بِمَا فِيهِ إِنْكَارٌ ..

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَحَدِّثْ عَنْ سَفَاهَتِهِ فِي حَقِّ سَادَتِنَا مِنْهُمْ -وَكُلُّهُمْ مِنْ سَادَتِنَا- فَحَدِّثْ عَنْ سَفَاهَتِهِ فِي الْكَلَامِ عَنْهُمْ، وَلَا حَرَجَ.

هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْكُبُونَ النِّفْطَ عَلَى نَارِ الْإِرْهَابِ وَالتَّطَرُّفِ.

إِذَا سَمِعَ هَذَا شَابٌّ مُسْلِمٌ عِنْدَهُ عَاطِفَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ يُبْغِضُ الْإِخْوَانَ، يُبْغِضُ التَّطَرُّفَ يُبْغِضُ الْإِرْهَابَ، يُبْغِضُ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَبْشَارِ، وَيُبْغِضُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْمُقَدَّسَاتِ عَلَى الذَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعَلَى كَلَامِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَلى نَبِيِّنَا ﷺ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَعَلَى الْأَئِمَّةِ، وَعَلَى السَّلَفِ، وَعَلَى التُّرَاثِ، يُبْغِضُ هَذَا وَيُبْغِضُ ذَلِكَ، إِذَا  سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ مَاذَا يَصْنَعُ؟!

يَتَطَرَّفُ.

هُمُ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ التَّطَرُّفَ، وَهُمْ يُحَصِّلُونَ الْأَمْوَالَ.

جَهَلَةٌ لَا يَعْرِفُونَ الْعَقِيدَةَ، يَعْرِفُونَ مَا جَاءَ بِهِ مَاركِس مِنَ التَّظَاهَرَاتِ، وَالِاعْتِصَامَاتِ، وَالْعِصْيَانِ الْمَدَنِيِّ، وَالْفَوْضَى الْجَالِبَةِ لِلشَّعَارَاتِ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهَا الثَّوْرَةُ الْفَرَنْسِيَّةُ.

فَلَا شَكَّ أَنَّ مِصْرَ -حَفِظَهَا اللهُ تَعَالَى وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ- فِي حَرْبٍ ضَرُوسٍ، وَلَا شَكَّ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ الَّذِينَ يَتَصَدُّونَ لِلْخَائِضِينَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ -بِلِسَانِهِ أَوْ بِبَنَانِهِ- لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ تِلْكَ الْحَرْبِ، وَلَا يَعْرِفُونَ طَبِيعَةَ الْمَعْرَكَةِ.

إِنَّ الْحَرْبَ الَّتِي يُشْعِلُ نَارَهَا التَّكْفِيرِيُّونَ: حَرْبٌ عَقَدِيَّةٌ، حَرْبُ عَقِيدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ فِي أَنْفُسِ هَؤُلَاءِ؛ تَدْفَعُهُمْ تِلْكَ الْعَقِيدَةُ إِلَى التَّضْحِيَةِ بِالدُّنْيَا تَارَةً، وَإِلَى الْجُودِ بِالنَّفْسِ لِطَلَبِ الشَّهَادَةِ تَارَةً أُخْرَى.

إِنَّهُمْ يَصْدُرُونَ جَمِيعًا عَنْ عَقِيدَةٍ رَاسِخَةٍ بِتَكْفِيرِ خُصُومِهِمْ، وَرِدَّةِ مُخَالِفِيهِمْ، وَهِيَ الْعَقِيدَةُ الَّتِي تُبَرِّرُ لَهُمْ قَتْلَ الْمَرْضَى فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَاسْتِهْدَافَ رُكَّابِ الْقِطَارَاتِ، وَالِاعْتِدَاءَ عَلَى الْأَبْرِيَاءِ فِي الْمَدَارِسِ وَالْمَعَاهِدِ وَالْكُلِّيَّاتِ.

وَالسُّؤَالُ الْآنَ: كَيْفَ حُورِبَ هَذَا الِانْحِرَافُ؟!

وَالْجَوَابُ: خَرَجَ أَقْوَامٌ مِنَ الْعَلْمَانِيِّينَ وَالْحَدَاثِيِّينَ، وَالضَّائِعِينَ الْمَمْرُورِينَ مِنَ الْإِعْلَامِيِّينَ وَالصَّحَافِيِّينَ، خَرَجُوا لِيُهَاجِمُوا ثَوَابِتَ الدِّينِ، فَطَعَنُوا فِي الصَّحَابَةِ ، وَرَمَوْهُمْ بِالْعَظَائِمِ، وَوَصَمُوهُمْ بِالْكَبَائِرِ، وَأَنْكَرُوا السُّنَّةَ، وَاسْتَهَانُوا بِالْكِتَابِ، وَوَصَفُوا الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ: أَبَا حَنِفيَةَ، وَمَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَحْمَدَ، بِالنَّصَّابِينَ الْأَرْبَعَةِ، وَرَمَوُا الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا وَعُلَمَاءَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ، وَتَطَاوَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَعَلَى الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ.

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْعِقُ بِهِ أُولَئِكَ فِي خَرَائِبِ الْإِعْلَامِ مِنْ مَسْمُوعٍ وَمَنْظُورٍ وَمَقْرُوءٍ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ التَّطَرُّفَ، وَيُوَاجِهُونَ الْإِرْهَابَ... وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ازْدِيَادِ

إِنَّ الْعَلْمَانِيِّينَ وَالْحَدَاثِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَضِ، وَأَصْحَابِ الْمَرَضِ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْفُرْصَةَ الَّتِي أُتِيحَتْ لَهُمْ، سَيُؤَدِّي اسْتِغْلَالُهُمْ لَهَا إِلَى تَغْيِيرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فِي قُلُوبِ الْمِصْرِيِّينَ وَعُقُولِهِمْ إِلَى دِينِ الْمُسْتَشْرِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرَ سَيَقْبَلُونَ مِنْهُمُ الطَّعْنَ فِي ثَوَابِتِ دِينِهِمْ، وَأُصُولِ اعْتِقَادِهِمْ.

وَيَعْتَقِدُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْبَذَاءَةَ وَالشَّتْمَ وَالِاسْتِطَالَةَ فِي أَعْرَاضِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُمُ اللهُ- سَتُقَابَلُ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّهَا تَجْدِيدٌ وَتَنْوِيرٌ.

وَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ مَخْدُوعُونَ وَاهِمُونَ، وَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْطُونَ الْحُجَّةَ بَعْدَ الْحُجَّةِ لِلَّذِينَ يَخُوضُونَ حَرْبًا عَقَائِدِيَّةً مِنَ التَّكْفِيرِيِّينَ، فَيَذْبَحُونَ، وَيُحْرِقُونَ، وَيَقْتُلُونَ، وَيُفَجِّرُونَ، وَيَنْسِفُونَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَا ازْدَدْنَا فِي الْمُرْتَدِّينَ إِلَّا بَصِيرَةً، وَإِنَّا لَعَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ!!

إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعَلْمَانِيِّينَ وَالْحَدَاثِيِّينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْغَرَضِ وَالْمَرَضِ وَالْهَوَى وَالزَّيْغِ، هَؤُلَاءِ جَمِيعًا عِبْءٌ عَلَى الْقِيَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُبْدُونَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَتَوَجُّهَاتِهِمْ وَمَسَالِكِهِمْ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ الدِّينَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ لِلْإِسْلَامِ فِي مِصْرَ أَنْ تَقُومَ لَهُ قَائِمَةٌ، يُرِيدُونَ حِصَارَهُ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى الْمَحَارِيبِ، وَحَتَّى يُحْبَسَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِي الزَّوَايَا وَالتَّكَايَا، بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُ بِأَمْرٍ وَلَا حُكْمٍ فِي شَأْنٍ مِنَ الشُّئُونِ.

هَؤُلَاءِ يُعْطُونَ الْحُجَّةَ لِلْتَكْفِيرِيِّينَ مِنْ أَجْلِ تَكْفِيرِ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ عَلَى السَّوَاءِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى ذَنَبِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَحِينَئِذٍ تُسْتَبَاحُ الْحُرُمَاتُ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ.

هَؤُلَاءِ عِبْءٌ عَلَى الدَّوْلَةِ، هَؤُلَاءِ خَوَنَةٌ!

إِنَّ مُقَابَلَةَ التَّطَرُّفِ فِي الْفِكْرِ، بِالتَّطَرُّفِ فِي الْفِكْرِ، لَا يَزِيدُ الْمُتَطَرِّفَ إِلَّا تَطَرُّفًا، وَلَا الْمُعْتَقِدَ اعْتِقَادًا خَاطِئًا إِلَّا ثَبَاتًا وَتَصَلُّبًا.

إِنَّ تَرْكَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا سُلْطَانٍ مُنِيرٍ، تَهْدِيدٌ لِلْأَمْنِ الْقَوْمِيِّ الْمِصْرِيِّ فِي صَمِيمِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مُقَوِّضٍ لِدَعَائِمِ وَأَرْكَانِ الدَّوْلَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَجِ التَّكْفِيرِيِّينَ فِي إِقْنَاعِ الشَّبَابِ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِمْ، وَالِانْضِمَامِ إِلَى صُفُوفِهِمْ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَغِلُّونَ حَمَاسَةَ الشَّبَابِ الدِّينِيَّةَ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْكِمُ الْقِتَالُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا، فَيَنْبَغِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْضَمُّوا إِلَيْنَا؛ لِأَنَّنَا نُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ!!!

مِنْ أَكْبَرِ حُجَجِ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا يَأْتِي بِهِ أُولَئِكَ مِنْ خَبْطٍ -بِلَا عِلْمٍ وَلَا وَعْيٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ وَلَا سُلْطَانٍ مُنِيرٍ- فِي ثَوَابِتِ الْأُمَّةِ، فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، غَرَضُهُمْ مَعْرُوفٌ.

إِنَّ الْمُغَالَاةَ فِي مُعَالَجَةِ انْحِرَافٍ تُوَلِّدُ انْحِرَافًا آخَرَ.

إِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَاتُ الَّتِي تُكَفِّرُ وَتُفَجِّرُ وَتُحَرِّقُ تَخُوضُ -فِي اعْتِقَادِهَا- حَرْبًا عَقَائِدِيَّةً تَسْتَحِلُّ بِهَا الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَعْرَاضَ، أَفَتُقَابَلُ هَذِهِ الْحَرْبُ الْعَقَائِدِيَّةُ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى ثَوَابِتِ الدِّينِ، وَالتَّحَلُّلِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَالِانْعِتَاقِ مِنْ قُيُودِ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ، بِحُجَّةِ مُحَارَبَةِ التَّطَرُّفِ وَالتَّصَدِّي لِلْإِرْهَابِ؟!

فَمَنِ الَّذِي أَعْطَى أُولَئِكَ الْإِذْنَ بِأَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا؟!

إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَصْلًا، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَهُمْ يَعِيبُونَ عَلَى كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْكَلَامِ بِالدِّينِ، وَأَمَّا هُمْ فَيَتَكَلَّمُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ فِي شَيْءٍ.

وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ: عِنْدَنَا مُحَمَّدَانِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، بِأَبِّي هُوَ وَأُمِّي وَنَفْسِي-، مُحَمَّدُ الْقُرْآنِ، وَمُحَمَّدُ السُّنَّةِ!!!

وَيَقُولُ بِجَهْلٍ فَاضِحٍ، وَخُبْثٍ ظَاهِرٍ: مَا هِيَ الصُّورَةُ الْحَقَّةُ مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؟!

وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ!

إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَصْنَعُهُ وَيَقُولُهُ الْعَلْمَانِيُّونَ وَالْحَدَاثِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْإِعْلَامِيِّينَ وَأَغْلَبُ الْفَنَّانِينَ تَطَرُّفًا وَإِرْهَابًا فِكْرِيًّا، فَمَا هُوَ التَّطَرُّفُ وَالْإِرْهَابُ إِذَنْ؟!

إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ الْعُظْمَى لِلدِّينِ وَالْوَطَنِ: أَنْ يَتَصَدَّى لِلْإِرْهَابِيِّينَ وَالْمُتَطَرِّفِينَ مَنْ لَا يَفْهَمُ طَبِيعَةَ الْمَعْرَكَةِ مَعَهُمْ، وَلَا يَعِي حَقِيقَةَ الْمُوَاجَهَةِ لَهُمْ.

إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ الْعُظْمَى لِلدِّينِ وَالْوَطَنِ: أَنْ يُغَضَّ الطَّرْفُ عَنِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُذْهِبُوا صُدَاعًا، فَإِذَا هُمْ قَدْ أَحْدَثُوا جُذَامًا.

إِنَّ عِلَاجَ هَؤُلَاءِ لِظَاهِرَةِ التَّطَرُّفِ وَالْإِرْهَابِ يَزِيدُ الدَّاءَ، وَيُبْعِدُ عَنِ الْمَرِيضِ الدَّوَاءَ، وَيُوئِسُهُ مِنْ أَسْبَابِ الشِّفَاءِ.

وَأَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: لَا تَتَكَلَّمُوا فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ، وَلَا تُعْطُوا التَّكْفِيرِيِّينَ الْحُجَجَ وَالْبَرَاهِينَ الَّتِي يَصْطَادُونَ بِهَا الشَّبَابَ وَالصِّبْيَةَ، وَالْأَغْرَارَ وَالْمَفْتُونِينَ، وَيَدْفَعُونَ بِهَا فِي وُجُوهِ مَنْ يُقِيمُونَ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ، وَيُفَنِّدُونَ مَا لَدَيْهِمْ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالْأَضَالِيلِ!

وَلْيَعْلَمِ اْلعَلْمَانِيُّونَ وَالْحَدَاثِيُّونَ وَالْمُنْحَرِفُونَ مِنْ كُلِّ فِئَةٍ وَقَبِيلٍ: أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ بِثَوَابِتِهِ وَمَبَادِئِهِ، وَأَحْكَامِهِ وَعُلَمَائِهِ وَرِجَالِهِ، رَاسِخٌ فِي نُفُوسِ الْمِصْرِيِّينَ وَعُقُولِهِمْ رُسُوخَ الْجِبَالِ، وَدَائِرٌ فِي عُرُوقِ الْمِصْرِيِّينَ دَوَرَانَ الدِّمَاءِ.

فَلْيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَذًى، وَلَنْ يَبْلُغُوا مِنْ إِيمَانِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ مَا يَبْلُغُ مِنَ الْعَيْنِ الْقَذَى.

 

المصدر: مَخَاطِرُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانِفْلَاتِ الْأَخْلَاقِيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَابْتِلَاءٍ!
  يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ
  حَاجَةُ الْعَالَمِ كُلِّهِ إِلَى دِينِنَا الرَّشِيدِ
  الْإِسْلَامُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  احْذَرُوا مِنْ ذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ!!
  مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: زِرَاعَةُ الْأَشْجَارِ، وَسَقْيُ الْمَاءِ
  تَفَاعُلُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ الْقُرْآنِ الكريم
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  الْبَذْلُ وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ عِنْدَ سَادَةِ الْبَشَرِ
  جُمْلَةٌ مِنْ مَظَاهِرِ تَعْظِيمِ اللهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ
  اتَّقُوا اللهَ فِي مِصْرَ وَاحْذَرُوا الْفَوْضَى!!
  الدرس الثاني عشر : «الحَيَاءُ»
  حَضَارَةُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ!!
  تَمْكِينُ اللهِ لِلْأَنْبِيَاءِ بِتَحْقِيقِهِمُ التَّوْحِيدَ
  مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ الزَّوَاجِ الذُّرِّيَّةُ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان