((سُنَنٌ مَهْجُورَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأُضْحِيَةِ))
النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الطَّيِّبِينَ, فَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ رَغَّبَ فِي الْأُضْحِيَةِ وَحَثَّ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَإِقْرَارِهِ ﷺ.
وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الْأُضْحِيَةَ -وَالْإِضْحِيَّةَ، وَكَذَلِكَ الضَّحِيَّةُ وَالْأضْحَاةُ، فَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ- وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَادِرِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمَنْ كَانَ قَادِرًا.
وَالصَّوَابُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهَا.
فَرَغَّبَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا، وَأَتَى بِهَا فِعْلًا، وَحَثَّ عَلَيْهَا قَوْلًا، وَأَقَرَّهَا إِقْرَارًا ﷺ، فَثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِالسُّنَّةِ بِجَمِيعِ صُوَرِهَا: قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَإِقْرَارًا، وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
وَحَضَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَمْرٍ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ يَتَعَلَّقُ بَهَذِهِ الشَّعِيرَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج:32]؛ وَمَنْ شَعَائِرِ اللهِ الظَّاهِرَةِ، وَمِنْ سُنَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي سَنَّهَا لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ سُنَّةً شَرْعِيَّةً فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- تُتَّبَعُ -وَهِيَ وَاجِبَةٌ- هَذِهِ الْأُضْحِيَةُ.
النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ -كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) - أَنَّ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا النَّهِيُ لِلتَّحِرِيمِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مُضَحِّيًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْأَخْذَ إِذَا أَهَلَّ هِلَالُ الْحِجَّةِ وَدَخَلَ الشَّهْرُ، أَلَّا يَأْخُذَ مِنْ ظُفُرِهِ وَلَا مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا مَا دَامَ مُضَحِّيًا حَتَّى يُضَحِّيَ.
فَالنَّبِيُّ ﷺ نَهَى عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مُضَحِّيًا وَمَنْ كَانَ مُضَحًّى عَنْهُ؟ أَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ المُضْحِّيَ وَحْدَهُ؟
قَوْلَانِ، وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُضَحِّيًا، وَأَنَّ مَنْ يُضَحَّى عَنْهُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ الْأَخْذِ مِنَ الْأَشْعَارِ وَالْأبْشَارِ وَالْأَظْفَارِ حَتَّى يُضَحِّيَ الْمُضَحِّي.
وَالْأُضْحِيَّةُ إِنَّمَا تَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْأَمْصَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، أَوْ بِمُرُورِ زَمَنٍ يُوَازِي ذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا الْعِيدُ؛ كَأَهْلِ الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ.
فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَذْبَحُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِنَّمَا قَدَّمَ لِأَهْلِهِ لَحْمًا -كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ-: «فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ», وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ -لَمَّا انْصَرَفَ- أَمَرَ مَنْ كَانَ قَدْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ غَيْرَهَا مَكَانَهَا .
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الزَّمَنَ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ هَذِهِ الشَّعِيرَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَبْدَأُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا مَا فَرَغَ قَدَّمَ أُضْحِيَّتَهُ ﷺ، وَكَانَ يَأْتِي بِهَا مَذْبُوحَةً هُنَالِكَ عِنْدَ الْمُصَلَّى، وَيَبْدَأُ النَّاسُ فِي الذَّبْحِ بَعْدُ.
فَالْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْتَظِرَ إِلَى مَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ، إِلَى مَا بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ إِنْ كَانَ ذَابِحًا مُضَحِّيًا عِنْدَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُضَحِّي النَّاسُ بَعْدُ.
وَيَمْتَدُّ أَوَانُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ -وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ-، فَإِنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ هُوَ الْحَادِي عَشَرَ، وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ.
فَزَمَانُ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ رَابِعُ أَيَّامِ الْعِيدِ فِي عُرْفِ الْمُعَاصِرِينَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
كَانَتْ تُذْبَحُ ضُحًى، وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، وَأَنْ يَقَعَ الذَّبْحُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ضُحًى، وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسْمُهَا؛ فَهِيَ الْأُضْحِيَّةُ، وَهِيَ الْأُضْحَاةُ، وَالضَّحِيَّةُ، وَالْإِضْحِيَّةُ، وَكُلّ ذَلِكَ إِنَّمَا اشْتُقَّ مِنْ وَقْتِ الضُّحَى، وَأَدْنَى الْمُلَابَسَاتِ كَانَ الْعَرَبُ يَأْخُذُونَ مِنْهَا تَسْمِيَةً، كَمَا سَمُّوا الدَّفْعَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَمَا يَكُونُ هُنَالِكَ مِنَ الْجَمْعِ، سَمُّوهَا ((جَمْعًا))؛ لِأَنَّ الْحَجِيجَ عِنْدَمَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَجْتَمِعُونَ هُنَالِكَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ؛ فَسُمِّيَتْ ((جمعًا))، وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ.
فَإِذَنْ؛ هَذِهِ تُذْبَحُ ضُحًى.
النَّبِيُّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُضَحِّيًا، وَأَهَلَّ هِلَالُ الْحِجَّةِ وَدَخَلَ الشَّهْرُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ أَظْفَارِهِ وَشَعَرِهِ حَتَّى يُضْحِّيَ؛ فَإِذَا وَقَعَتْ أُضْحِيَتُهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ مَا شَاءَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَيَأْخُذُ مَا شَاءَ مِنْ شَعَرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا سَنَّهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
المصدر:أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا