((الْعِلَاجَاتُ النَاجِعَةُ لِلتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
وَمَا نَتَجَ عَنْهُ مِنْ إِرْهَابٍ وَتَدْمِيرٍ وَإِلْحَادٍ))
1*الْقَضَاءُ عَلَى التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالْإِرْهَابِ بِبَثِّ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ فِي الْأُمَّةِ:
إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَوْجَبَ نَشْرَ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُزِيلُ الْغَبَشَ، وَيَمْنَعُ الِانْحِرَافَ، وَكِثيٌر مِمَّا تَرَاهُ الْآنَ مِنْ مَظَاهِرِ الْإِرْهَابِ وَالْقَتْلِ وَالتَّفْجِيرِ وَالتَّدْمِيرِ وَالتَّكْفِيرِ، كُلُّهُ بِسَبَبِ الْجَهْلِ، وَسُوءِ الْفَهْمِ، كَمَا وَقَعَ مِنَ الْخَوَارِجِ، ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ))، فَأَنَّى يَفْهَمُونَ؟!
وَالْخَوَارِجُ الْمُحْدَثُونَ كَالْخَوَارِجِ الْمُتَقَدِّمِينَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ)).
أَوْجَبَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرَّمَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ، مَا لَمْ يُظْهِرُوا كُفْرًا بَوَاحًا بَيِّنًا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ.
وَأَيْضًا لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ الْخُرُوجَ إِلَّا بِإِعْدَادِ الْعُدَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا عَلَى الْأَصْلِ.
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ رَكَّزَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الرَّحْمَةِ، دِينُ الْإِحْسَانِ، وَتِلْكَ نَقِيضَةُ الْإِرْهَابِ:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
وَفِيمَا وَصَفَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]؛ أَيْ: لَعَلَّكَ مُهْلِكٌ نَفْسَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَهْتَدُوا.
فَتَأَمَّلْ فِي وَصْفِ الرَّسُولِ، وَتَأَمَّلْ فِيمَا عَلَيْهِ الْقَوْمُ:
حِرْصُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ!
حِرْصُهُمْ عَلَى الْإِبَادَةِ!
حِرْصُهُمْ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ!
وَأَمَّا الرَّسُولُ فَيُعَاتِبُهُ رَبُّهُ لِشَدِيدِ حُزْنِهِ، وَعَظِيمِ هَمِّهِ لِعَدَمِ اهْتِدَاءِ قَوْمِهِ –صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.
النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ قُوَّادَهُ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ، كَمَا مَرَّ فِي وَصِيَّتِهِ لِقَادَةِ الْجُيُوشِ، أَنْ لَا يَقْتُلُوا شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا رَاهِبًا، وَلَا عَابِدًا.
وَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))- امْرَأَةً مَقْتُولَةً، غَضِبَ، وَقَالَ: ((مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ))، أَيْ: فَلَمْ تُقَاتِلْ هَذِهِ، فَلِمَ تُقْتَلُ؟!
وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهَا بِحَالٍ، لَمْ تَكُنْ مُحَارِبَةً، فَعَاتَبَهُمْ فِي قَتْلِهَا.
حَرَّمَ الْإِسْلَامُ كُلَّ مَا يُغَذِّي الْإِرْهَابَ وَيَنْشُرُهُ مِنْ مَدْحِ الْمُجْرِمِينَ، وَإِضْفَاءِ صِفَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى جَرَائِمِهِمْ، كَوَصْفِ فِعْلِهِمْ بِأَنَّهُ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَوَصْفِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ، كَمَا تَسْمَعُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الَّتِي تُحَارِبُهُمْ، يَقُولُ: مِنَ الْجِهَادِيِّينَ!
يُجَاهِدُونَ الْإِسْلَامَ، أَمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الْإِسْلَامِ؟!
أَيُّ جِهَادٍ هَذَا؟!
هَذَا إِرْهَابٌ، هَذَا عُنْفٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ ﷺ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُتَّبِعُونَ، فَقَدْ أَمَرَهُمُ اللهُ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَنَشْرِ الْإِرْهَابِ بِالْإِشَاعَةِ، وَتَخْوِيفِ النَّاسِ وَتَفْزِيعِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْشُرُ الْإِرْهَابَ، وَيَجْعَلُهُ مَقْبُولًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَيُعَظِّمُ أَثَرَهُ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ.
إِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ خَيْرُ مَا بُذِلَتْ فِيهِ الْأَعْمَارُ وَأُلْحِقَ فِيهِ اللَّيْلُ بِالنَّهَارِ.
الْعِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطَالِبُهُ * * * للهِ أَكْـرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
الْعِلْمُ نُورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ * * * أَهْـلُ السَّعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ
الْعِلْمُ أَعْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ * * * أُذْنٌ وَأَعْـرَبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ الْجَهْلَ وَالْجُهَّالَ سَبَبُ الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، قَالَ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).
وَمَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ سَبَبُ الْهِدَايَةِ وَالِاهْتِدَاءِ؛ لِذَا كَانَ مِنَ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الدَّفَاعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُدَافِعَ عَنِ الشَّرِيعَةِ، إِنَّمَا يُدَافِعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ حَامِلُهَا.
وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْجِهَادِ بِالسَّيْفِ وَالْحُجَّةِ يُسَمَّى سَبِيلَ اللهِ؛ فَسَّرَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- قَوْلَهُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، بِالْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُم الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، هَؤُلَاءِ بِأَيْدِيهِمْ -يَعْنِي: الْأُمَرَاءَ-، وَهَؤُلَاءِ بِأَلْسِنَتِهِمْ -يَعْنِي الْعُلَمَاءَ-.
ذَكَرَ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ((الْجَامِعِ)) عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَدْرِ الْعُلَمَاءِ وَقِيمَتِهِمْ: ((وَمِدَادُ مَا تَجْرِي بِهِ أَقْلَامُهُمْ أَزْكَى وَأَفْضْلُ مِنْ دَمِ الشُّهَدَاءِ *** يَا طَالِبِي عِلْمِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ مَا أَنْتُمْ وَسُوَاكُمْ بِسَوَاءٍ)).
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتِصَمَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الطَّلَبِ عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي هَذَا النَّجَاةُ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا فِيهِ، فَإِنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ النَّجَاةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَأَصْلُهُ، فَمَهْمَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَتَنَكَّبْهُمَا وَاسْتَدْبَرْهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَبْرَ أُذُنيْهِ وَخَلْفَ ظَهْرِهِ؛ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا.
فَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ حَقًّا وَصِدْقًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَمُوجُ بِالْفِتَنِ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَهِيَ تَتَلَاطَمُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَقَد عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ؛ فَتَسَنَّمُوا كُلَّ ذِرْوَةٍ، وَعَلَوْا كُلَّ مِنْبَرٍ، وَصَارَ صَوْتُهُمْ عَالِيًا قَوِيًّا، وَإِنَّمَا هُمْ فِي النِّهَايَةِ غُثَاءٌ، مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ وَالْحَالَ هَذِهِ؛ فَعَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
2*الْقَضَاءُ عَلَى التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ بِِتَصْحِيحِ الْعَقِيدَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ:
إِصْلَاحُ الْعَقِيدَةِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِ الْخِنْصَرُ فِي أَخْذٍ بِأَسْبَابِ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ.
يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أُمُورَ التَّوْحِيدِ، وَأَنْ نَلْتَزِمَ بِالتَّوْحِيدِ فِي كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَلَّغَنَا عَنْ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَبَيَّنَ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ فَضْلَ التَّوْحِيدِ، وَعَظِيمَ أَثَرِهِ فِي النَّفْسِ، وَفِي الْمَآلِ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ ﷺ بِمَا بَعَثَ بِهِ إِخْوَانَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِهِ، بَعَثَهُمْ جَمِيعًا بِرِسَالَةِ التَّوْحِيدِ؛ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ للهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَكُلُّهُمْ -صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- قَالُوا لِأَقْوَامِهِمْ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
إِنَّ التَّوْحِيدَ يُحَرِّرُ الْعَبْدَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ؛ لِيَكُونَ عَبْدًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ رَبِّ الْعِبَادِ.
فَالتَّوْحِيدُ الْمُحَقَّقُ الصَّافِي يُحَرِّرُ الْإِنْسَانَ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ؛ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَالْآلِهَةِ الْمُدَّعَاةِ الْبَاطِلَةِ.
وَيَجْعَلُ التَّوْحِيدُ الْإِنْسَانَ شَاعِرًا بِعِزَّةٍ وَكَرَامَةٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فِي تَحْقِيقِ عُبُودِيَّتِهِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَهُ، وَبَرَأَهُ، وَسَوَّاهُ.
يُحَرِّرُ عَقْلَهُ كَمَا حَرَّرَ قَلْبَهُ، يُحَرِّرُ عَقْلَهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ، مِنَ التُّرَّهَاتِ، مِنَ الْخُزَعْبَلَاتِ، حَتَّى لَا يَخَافَ إِلَّا اللهَ، وَلَا يَرْجُوَ إِلَّا اللهَ، وَلَا يَتَعَلَّقَ إِلَّا بِاللهِ، وَهَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ التَّوْحِيدِ وَأَفْضَالِهِ.
وَالْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَنَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأَعْرَاف: 56].
فَلَا يَتَحَقَّقُ الصَّلَاحُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ مِنْهَا إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ فِيهَا، الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ، فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى مِنَ الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا هُوَ: تَحْقِيقُ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَبِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَصْلَحَةُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْمَفْسَدَةُ.
3*مِنْ أَنْفَعِ الْعِلَاجَاتِ لِلْقَضَاءِ عَلَى التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ: تَمْكِينُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ لِمُحَارَبَتِهِ، وَمُحَارَبَةِ الْإِرْهَابِ وَالْإِلْحَادِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ:
إِنَّ التَّكْفِيرَ شَائِعٌ ذَائِعٌ يَسْرِي فِي شَبَابِ الْأُمَّةِ كَالنَّارِ فِي الْهَشِيمِ، وَقَدْ أَثْبَتَتِ الْحَوَادِثُ فِي التَّارِيخِ كُلِّهِ -تَارِيخِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ- أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّى لِلتَّكْفِيرِيِّينَ أَحَدٌ مِثْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، هُمُ الَّذِينَ يَمْتِلِكُونَ الْحُجَّةَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَدْحَضُونَ الْفِرْيَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَكِرُّونَ بِجَيْشِ الْحُجَّةِ وَرَجْلِهَا وَخَيْلِهَا عَلَى أُولَئِكَ التَّكْفِيرِيِّينَ وَالْمُبْطِلِينَ حَتَّى يَنْسِفُوا حُجَجَهُمْ، لَا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ.
فَمِنْ أَكْبَرِ الْجَرَائِمِ أَلَّا يَكُونَ لِهَؤُلَاءِ صَوْتٌ عَالٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْحَمْلَةِ التَّكْفِيرِيَّةِ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ، مِنْ أَجْلِ صَدِّ هَذَا الزَّحْفِ الْهَائِجِ الْمَائِجِ الَّذِي هُوَ وَلَا كَزَحْفِ التَّتَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ يَغْزُو الْقُلُوبَ وَالنُّفُوسَ وَالْعُقُولَ حَتَّى يُدَمِّرَهَا، وَحَتَّى تَصِيرَ حَرْبًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَحَتَّى يُسَلِّمُوا بِأَيْدِيهِم -وَيَا سُوءَ مَا صَنَعَتْ وَاجْتَرَحَتْ أَيْدِيهُمْ!!- حَتَّى يُسَلِّمُوا بِأَيْدِيهِمْ أَوْطَانَهُمُ الْإِسْلَامِيَّةَ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَحَتَّى تَضِيعَ مَكَاسِبُ الْإِسْلَامِ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَد مَرَّ عَلَيْهَا مِنَ الْقُرُونِ مَا مَرَّ؛ يُرْفَعُ فِيهَا الْأَذَانُ، وَيُرْكَعُ فِيهَا وَيُسْجَدُ لِلرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، وَيُتَعَامَلُ فِيهَا بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَيُدْعَى فِيهَا إِلَى اللهِ، وَيَرْتَفِعُ فِيهَا قَوْلُ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)).
عِبَادَ اللهِ! لَا شَكَّ أَنَّ عَقِيدَةَ الْخَوَارِجِ مُنْتَشِرَةٌ بَيْنَ الشَّبَابِ، فَكَيْفَ نُعَالِجُ هَذَا الِانْحِرَافَ وَنُنَجِّي أَنْفُسَنَا وَأَوْطَانَنَا مِنَ الدَّمَارِ؟
هَذِهِ هِيَ الْقَضِيَّةُ الرَّئِيسَةُ, كَيْفُ يُعَالَجُ هَذَا الْأَمْرُ؟
لَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِمُحَارَبَةِ هَذَا الْفِكْرِ, كَانُوا فِي الْجُمْلَةِ غَيْرَ أَهْلٍ لِذَلِكَ؛ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ لِطَبِيعَةِ فِكْرِ الْخَوَارِجِ، وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِمُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ, مِمَّا جَعَلَهُمْ يَخْلِطُونَ بَيْنَ هَذَا الِانْحِرَافِ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحِ, وَبَيْنَ الْجِهَادِ الْحَقِّ وَبَيْنَ الْإِفْسَادِ بِاسْمِ الْجِهَادِ.
إِنَّ انْتِشَارَ مَظَاهِرِ الْفَسَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّمَاحَ لِدُعَاةِ الْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ بِالتَّعَدِّي وَالظُّهُورِ وَالتَّحَدُّثِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ, عَلَانِيَةً, مَعَ انْتِشَارِ مَظَاهِرِ الِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ, هَذِهِ كُلُّهَا لَا شَكَّ شَجَّعَتْ عَلَى رُدُودِ الْفِعْلِ لَدَى الشَّبَابِ, فَوَجَبَ إِزَالَتُهَا، وَالسَّعْيُ لِتَطْبِيقِ شَرِيعَةِ اللهِ, وَجَعْلُ الدِّينِ الْمُسْيَطَرِ عَلَى الْحَيَاةِ, وَبِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إِنْشَاءُ الْمُوَاطِنِ الصَّالِحِ.
لَقَدْ تَصَدَّى الْعُلَمَاءُ الرَّبَانِيُّونَ لِلْخَوَارِجِ مُنْذُ ظُهُورِهِمْ, فَنَسَفُوا شُبُهَاتِهِمْ, وَأَحْكَمُوا قَبْضَةَ الْأَدِلَّةِ عَلَى رِقَابِ حُجَجِهِمْ, فَهَدَى اللهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَحَمَى كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شِبَاكِهِمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحَرُورِيَّةُ -وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ, خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَنَزَلُوا حَرُورَاءَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَنُسِبُوا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ- لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُرُورِيَّةُ يَخْرُجُونَ عَلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, قَالَ: ((جَعَلَ يَأْتِيهِ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! الْقَوْمُ خَارِجُونَ عَلَيْكَ.
فَيَقُولُ: دَعْهُمْ حَتَّى يَخْرُجُوا.
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ قُلْتُ -وَالْقَائِلُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ -وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ هُوَ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يُتَمَكَّنَ مِنَ الْمَشْيِ فِي الْفَيْحِ- قَالَ: أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَفُوتُنِي حَتَّى آتِيَ الْقَوْمَ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِلُونَ -مِنَ الْقَيْلُولَةِ- فَإِذَا هُمْ مُسَهَّمَةٌ وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ -أَيْ مُتَغَيِّرَةٌ وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ- قَدْ أَثَّرَ السُّجُودُ فِي جِبَاهِهِمْ, كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ ثَفِنُ الْإِبِلِ -وَالثِّفِنُ: جَمْعُ ثَفِنَةٍ وَهِيَ مَا وَلِيَ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ ذَاتِ أَرْبَعٍ إِذَا بَرَكَتْ، كَالرُّكْبَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَحْصُلُ فِيهِمَا غِلَظٌ مِنْ أَثَرِ الْبُرُوكِ- عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ- أَيْ مَغْسُولَةٌ-.
فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: قُلْتُ: مَا تَعِيبُونَ هَذِهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ ثِيَابٍ الْيَمَنِيَّةِ, ثُمَّ قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].
فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ؟
قَالَ: قُلْتُ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ, وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنَ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ, جِئْتُ لِأُبْلَغَهُمْ عَنْكُمْ وَلِأُبْلِغَكُمْ عَنْهُمْ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولَ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلَى فَلْنُكَلِّمْهُ.
قَالَ: فَكَلَّمَنِي مِنْهُمْ رَجَلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- مَاذَا نَقِمْتُمْ عَلَيْهِ -أَيْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؟
قَالُوا: ثَلَاثًا.
قَالَ: فَقُلْتُ مَا هُنَّ؟
قَالُوا: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللهِ, وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: {إِنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40].
قَالَ: قُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، وَمَاذَا أَيْضًا؟
قَالُوا: فَإِنَّهُ قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغنَمْ -يُرِيدُونَ يَوْمَ الْجَمَلِ- فَلَإنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ قِتَالُهْمْ، وَلِإِنْ كَانُوا كَافِرِينَ لَقَدْ حَلَّ قِتَالُهُمْ وَسَبْيُهُمْ.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا أَيْضًا؟
قَالُوا: وَمَحَا نَفْسَهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا يَنقُضُ قَوْلَكُمْ هَذَا، أَتْرْجِعُونَ؟
قَالُوا: وَمَا لَنَا لَا نَرْجِعُ.
قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللهِ, فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 95].
وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35].
فَصَيَّرَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ إِلَى حُكْمِ الرِّجَالِ, فَنَاشَدْتُكُمُ اللهَ أَتْعَلَمُونَ حُكْمَ الرِّجَالِ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي إِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَفْضَلُ أَوْ فِي دَمِ أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، وَفِي بُضْعِ امْرَأَةٍ؟
قَالُوا: بَلَى هَذَا أَفْضَلُ.
قَالَ: أخْرجتُ مِنْ هَذِهِ؟
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ, أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-؟
فَإِنْ قُلْتُمْ نَسْبِيهَا، فَنَسْتَحِلَّ مِنْهَا مَا نَسْتَحِلُّ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ, وَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ, فَأَنْتُمْ تَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ, أخرجتُ مِنْ هَذَا؟
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ، إِنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَّة, حِينَ صَالَحَ أَبَا سُفْيَانَ وَسُهَيْلَ بْنِ عَمْرٍو, قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اُكْتُبْ يَا عَلِيُّ, هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)).
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: مَا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولَ اللهِ، وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولَ اللهِ مَا قَاتَلْنَاكَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ, اُمْحُ يَا عَلِيُّ، وَاُكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ)).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ، فَخَرَجُوا فَقُتِلُوا أَجْمَعُونَ)).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُودَ مُخْتَصَرًا، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي ((السُّنَنِ))، وَعَبْدُ الرَّزَّاقُ فِي ((الْمُصَنَّفِ))، وَالنَّسَائِىُّ فِي ((تَهْذِيبِ خَصَائِصِ الْإِمَامِ عَلِىٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- )).
وَمِنْ إِرْشَادِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَتَعْلِيمِهِمْ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ مَسْأَلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ الْخَوارِجِ وَمَعَ غَيْلَانَ الْقَدَرِيِّ.
وَمِثَالٌ ظَاهِرٌ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ لِمُحَارَبَةِ الْعُلَمَاءِ الْأَكَابِرِ لِلتَّطَرُّفِ وَالْإِرْهَابِ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ:
جَاءَ فِي ((الْقِصَّةِ الْكَامِلَةِ لِخَوَارِجِ عَصْرِنَا)):
دَوْرُ عُلَمَائِنَا فِي إِخْمَادِ فِتْنَةِ الْجَزَائِرِ:
إِنَّ فِتْنَةَ خَوَارِجِ الْجَزَائِرِ لَمْ تَنْتَهِ حَتَّى هَذِهِ السَّاعَة؛ لَكِنْ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِجُهُودِ عُلَمَائِنَا خَمَدَتِ الْفِتْنَةُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، حَيْثُ قَامَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ بِنَشْرِ فَتَاوَى أَكَابِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ -فِي هَذَا الْعَصْرِ- عَنْ مَسَائِلِ الْخُرُوجِ.
فَأَمَّا الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-؛ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَوْلَاتٌ وَجَوْلَاتٌ مَعَ الْمُنَظِّرِينَ وَالْمُنَفِّذِينَ، وَمِنْ أَشْهَرِهَا: أَنَّهُ وَجَّهَ رِسَالَةً إِلَى أَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمُقَاتِلَةِ -وَيُدْعَى حَسَن حَطَّاب- يَنْصَحُهُ فِي عَدَمِ الْخَوْضِ فِي دِمَاءِ الْأُمَّةِ، وَكَانَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ وَقْعٌ كَبِيرٌ فِي نُفُوسِ الشَّبَابِ؛ فَقَدْ اكْتَشَفُوا -بَعْدَ سِنِينَ مِنَ الْمَجَازِرِ- أَنْ فِعْلَهُمْ لَيْسَ جِهَادًا؛ إِنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْخَوَارِجِ؛ فَقَرَّرَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَضْعَ السِّلَاحِ، وَالتَّوْبَةِ، وَعَفَتِ الدَّوْلَةُ عَنْهُمْ، وَأَوَّلُ التَّائِبِينَ كَبِيرُهُمْ حَطَّاب)).
وَمِنْ نَفْعِ اللهِ الشَّبَابَ بِكَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِينَ: أَنَّهُ قَامَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْقَوْمِ -الَّذِينَ غُرِّرَ بِهِمْ- بِالِاتِّصَالِ هَاتِفِيًّا بِالشَّيْخِ، وَالشَّرِيطُ مَعْرُوفٌ بِاسْمِ: ((لِقَاءُ ثُوَّارِ الْجَزَائِرِ بِالشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِينَ هَاتِفِيًّا))، وَكَانَ مِحْوَرُ الْأَسْئِلَةِ تَدُورُ حَوْلَ شَرْعِيَّةِ قِتَالِهِمْ.
وَمِمَّا قَالَهُ الشَّيْخُ -نَاصِحًا لَهُمْ- أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ سَفْكٍ الدِّمَاءِ، وَاسْتِبَاحَةٍ لِلْأَعْرَاضِ: سَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِجِهَادٍ.
عِبَادَ اللهِ! يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُخَالِفِ شَيْءٌ وَالْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ وَالْخُصُومَةَ شَيْءٌ آخَرُ, هَذَا مَنْهيٌّ عَنْهُ، وَذَاكَ مُرَغَّبٌ فِيهِ.
كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ لَمْ يَتَمَكَّنِ الضَّلَالُ مِنْ قُلُوبِهِمْ بَعْدُ، أَعْنِي النَّاشِئَةَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ سَرَتِ الْعَدْوَى إِلَيْهِمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا تَوْبَتُهُ رَاجِحَةٌ وَأَوْبَتُهُ مُمْكِنَةٌ, وَمُنَاظَرَتُهُ نَافِعَةٌ, وَلَكِنَّ الَّذِي يُقْدِمُ عَلَى مُنَاظَرَةِ هَؤُلَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْعِلْمِ الْقَوِيِّ الْقَائِمِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَسُرْعَةِ الْبَدِيهَةِ كَمَا يُلَاحَظُ مِنْ مُنَاظَرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَأَنْ يَكُونَ مِمَنْ حَظِيَ بِالْقَبُولِ وَالْإِمَامَةِ, ذَلِكُمْ أَنَّ إِرْسَالَ أَيِّ رَجُلٍ كَانَ لِمُنَاظَرَةِ هَؤُلَاءِ كَمَا حَصَلَ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ, فَتَغَلَّبَ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِ بِالْحُجَةِ الدَّاحِضَةِ وَالْبَيَانِ الظَّاهِرِيِّ, هَذَا جَعَلَهُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُنَاظِرُهُمْ أَنْ يَكُونَ مُتَثَبِّتًا نَاطِقًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, أَمَّا أَنْ يُقَدَّمَ إِلَى هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِمَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, فَهَذَا هُوَ الْعَبَثُ بِعَيْنِهِ, وَهَذَا يُمَكِّنُ لِهَؤُلَاءِ فِي ضَلَالَاتِهِمْ.
إِذَنْ، مُنَاظَرَةُ نَاشِئَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ نَافِعَةٌ, وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَلَيْسَ يَنْفَعُ مَعَهُمْ إِلَّا مَا نَفَعَ صَبِيغَ بْنِ عِسْلٍ التَّمِيمِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ صَبِيغٌ.
فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَضَرَبَهُ، وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ عُمَرُ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى شَجَّهُ، وَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَنْ وَجْهِهِ.
فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ وَاللهِ ذَهَبَ الَّذِي أَجِدُ فِي رَأْسِي!
فَنَفَاهُ إِلَى الْبَصْرَةِ, وَأَمَر بِعَدَمِ مُجَالَسَتِهِ، ثُمَّ صَلُحَ حَالُهُ، فَعَفَا عَنْهُ)). أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ، وَالْآجُرِيُّ، وَاللَّالَكَائِيُّ، وَابْنُ وَضَّاحٍ فِي ((الْبِدَعِ)).
فَخَلُّوا -عِبَادَ اللهِ- عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا مَعَ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ الْمَعْرَكَةَ مَعْرَكَةُ عَقِيدَةٍ، لَا يُفْلِحُ فِي خَوْضِهَا الزَّائِغُونَ، وَلَا الْمُنْحَرِفُونَ، وَلَا الْمُتَحَلِّلُونَ، وَلَا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الدِّينَ، وَلَا الَّذِينَ يَنْسِفُونَ تُرَاثَ الْمُسْلِمِينَ، هَؤُلَاءِ يَزِيدُونَ النَّارَ اشْتِعَالًا.
*آخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ: مُعَالَجَةُ التَّطَرُّفِ وَالْإِرْهَابِ بِتَطْبِيقِ حَدِّ الْحِرَابَةِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ:
عَالَجَ الْإِسْلَامُ الْإِرْهَابَ بِعِلَاجٍ حَاسِمٍ، آخَرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، فَشَرَعَ حَدَّ الْحِرَابَةِ، هُوَ حَدٌّ شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلِلْقَضَاءِ عَلَى جَرِيمَةِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، الَّتِي تُرَوِّعُ الْأَبْرِيَاءَ وَتَقْتُلُهُمْ، وَتُخِيفُ سُبُلَهُمْ، وَتُضْعِفُ أَمْنَهُمْ، وَتُفَجِّرُ دُورَهُمْ وَمُنْشَآتِهِمْ، وَتُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِمْ، وَتُضَيِّعُ أَوْطَانَ الْمُسْلِمِينَ، فَشَرَعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ حَدًّا، آخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].
المُحَارِبُونَ للهِ وَرَسُولِهِ هُمُ الذينَ بَارَزُوهُ بِالعَدَاوَةِ، وَأَفْسَدُوا في الأَرْضِ؛ بِالكُفرِ، والقَتْلِ، وَأَخْذِ الأَمْوَالِ، وَإِخَافَةِ السُّبُلِ، وَالمَشْهُورُ أَنَّ هذه الآيَةَ الكَرِيمَةَ في أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الذينَ يَعْرِضُونَ للنَّاسِ في القُرَى والبَوَادِي، فَيَغْصِبُونَهُم أَمْوَالَهُم، وَيَقْتُلُونَهُم، وَيُخِيفُونَهُم فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ سُلُوكِ الطريقِ التي هُم بها، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ.
فَأَخْبَرَ اللهُ أنَّ جَزَاءَهُم وَنَكَالَهُم عند إِقَامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِم أَنْ يُفْعَلَ بهم وَاحِدٌ مِنْ هذه الأُمُورِ.
وَهَذِهِ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ:
مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ وَصُلِبَ.
وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ، قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ.
وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا، نُفِيَ فِي الْأَرْضِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهَذَا هُوَ الْحَسْمُ الْقَاطِعُ، وَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ النَّاجِعُ، وَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
فَقَطْعُ الطَّرِيقِ، وَتَرْوِيعُ الآمِنِينَ وَالسَّابِلَةِ، وَإِخَافَةُ النَّاسِ، وَتَخْرِيبُ المُنْشَآتِ، وَتَفْجِيرُ الأَبْرَاجِ الكَهْرُبَائِيَّةِ والأَكْشَاكِ، والاعْتِدَاءُ عَلَى المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ؛ كلُّ ذَلِكَ مِنْ الحِرَابَةِ؛ مِنْ الإِفْسَادِ في الأَرْضِ، مِمَّا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ العَارَ وَالشَّنَارَ في الدُّنْيَا مَعَ مَا لَهُ مِن العَذَابِ الأَلِيمِ العَظِيمِ في الآخرَةِ.
يَدْخُلُ في الإِفْسَادِ في الأرضِ وَفِي المُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ تَخْرِيبُ المُنْشَآتِ وَتَحْرِيقُ المُمْتَلَكَاتِ، والاعْتِدَاءُ عَلَى الحُرُمَاتِ، وَتَبْدِيدُ ثَرْوَاتِ الأُمَّةِ وَمُقَدَّرَاتِهَا.
كلُّ هذا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَ حَدُّ الحِرَابَةِ والإِفْسَادِ في الأرضِ كَمَا بَيَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- في كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَكَمَا طَبَّقَهُ النبيُّ ﷺ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّهُ.
*خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ وَالْمُجْرِمِينَ:
وَلْنَعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَسَتَّرَ عَلَى فَاجِرٍ مِنْ أُولَئِكَ الْفَجَرَةِ؛ سَهَّلَ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْهُرُوبِ وَمُغَادَرَةِ الْبِلَادِ، أَوْ آوَاهُ بِحَيْثُ لَا يُطْلُبُ، أَوْ تَسَتَّرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَعْلَمُ حَالَهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ فَهُوَ مَلْعُونٌ بِلَعْنَةِ اللهِ، ((مَلْعُونٌ مَنْ آوَى مُحْدِثًا))؛ لِأَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، بَلْ يُفْسِدُونَ الدِّينَ اسْتِقْلَالًا وَابْتِدَاءً.
حَتَّى إِنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ إِنَّ أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعَةَ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ انْتَشَرُوا فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، فَأَفْسَدُوهُ عَلَى أَهْلِهَا، وَدَمَّرُوا عَلَيْهِمْ حَيَاتَهُمْ وَاقْتِصَادَهُمْ وَمُسْتَقْبَلَهُمْ وَمُسْتَقْبَلَ أَبْنَائِهِمْ، وَأَمْنَهُمْ وَأَمْنَ أَحْفَادِهِمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْمَخَاطِرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانُوا سَبَبًا فِيهَا.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَأَنْ يَرُدَّ الشَّارِدِينَ، وَأَنْ يُعَلِّمَ الْجَاهِلِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ الدَّاعِينَ إِلَى دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: مَخَاطِرُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانِفْلَاتِ الْأَخْلَاقِيِّ