مَخَاطِرُ إِدْمَانِ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ


 ((مَخَاطِرُ إِدْمَانِ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))

*مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ عَلَى فِي الدُّنْيَا:

لَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَصُدُّ بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ يَزُولُ عَقْلُهُ أَوْ يَخْتَلُّ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَذْكُرَ اللهَ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ، وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: ((إِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ تَمُرُّ عَلَيْهِ سَاعَةٌ لَا يَعْرِفُ فِيهَا رَبَّهُ)) .

وَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ؛ لِيَعْرِفُوهُ، وَيَذْكُرُوهُ، وَيَعْبُدُوهُ، وَيُطِيعُوهُ، فَمَا أَدَّى إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ وَحَالَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَعْرِفَةِ رَبِّهِ وَذِكْرِهِ وَمُنَاجَاتِهِ كَانَ مُحَرَّمًا وَهُوَ السُّكْرُ.

وَهَذَا بِخِلَافِ النَّوْمِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَبَلَ الْعِبَادَ عَلَيْهِ، وَاضْطَرَّهُمْ إِلَيْهِ وَلَا قِوَامَ لِأَبْدَانِهِمْ إِلَّا بِالنَّوْمِ، إِذْ هُوَ رَاحَةٌ لَهُمْ مِنَ السَّعْيِ وَالنَّصَبِ، فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْعُمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ.

فَإِذَا نَامَ الْمُؤْمِنُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَمُنَاجَاتِهِ وَدُعَائِهِ كَانَ نَوْمُهُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((إِنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي)).

وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

إنَّ مُرَوِّجِي الْمُخَدِّرَاتِ يُدَمِّرُونَ عَلَى النَّاسِ طَاقَاتِهِمْ، يَسْتَلِبُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَيُدَمِّرُونَ عَلَى الْأُمَّةِ إِسْلَامَهَا وَدِينَها؛ حَتَّى تَصِيرَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْمَهَازِيلِ لَا تَسْتَطِيعُ دِفَاعًا؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَقُومَ بِمَسْئُولِيَّةٍ.

وَالمُدْمِنُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ، وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ؛ بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!!

لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْخَمْرَ سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ، وَأَنَّهَا عَائِقٌ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].

وَقَالَ ﷺ: ((الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ)) .

فَجَعَلَهَا أُمًّا وَأَسَاسًا لِكُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ.

وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى مَضَرَّتِهَا الْأَطِبَّاءُ، وَقَدْ وَجَدُوا أَنَّهَا سَبَبٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْخَطِرَةِ الْمُسْتَعْصِيَةِ.

حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْخَمْرَ، وَبَيَّنَ مَا تَجُرُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَطُولُ عَدُّهُ، وَيَصْعُبُ حَصْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَمْرِ إِلَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ؛ لَكَفَى سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَكَيْفَ يَشْرَبُ الْمَرْءُ تِلْكَ الْآثِمَةَ الَّتِي تُزِيلُ عَقْلَهُ، حَتَّى يَكُونَ ضُحَكَةً لِلصِّبْيَانِ، وَحَتَّى يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْمَجَانِينِ؟!!

فَدَاءٌ هَذَا بَعْضُ أَمْرَاضِهِ، كَيْفَ يَرْضَاهُ عَاقِلٌ لِنَفْسِهِ؟!!

وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّهُ لَمْ يَذُقْهَا قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ)). 

فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، أَخْبَرَ: ((أَنَّهُ رَأَى أَنَّهَا تُذْهِبُ مُرُوءَةَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تُذْهِبُ عَقْلَهُ)) .

وَهُوَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَكَانَ يَضِنُّ بِعَقْلِهِ، فَامْتَنَعَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَبْلَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ.

*وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ مِنْ أَسْبَابِ تَدْمِيرِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي خَمْسًا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ؛ إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ)) .

وَأَكْثَرُ هَذَا قَدْ ظَهَرَ فِي الْأُمَّةِ -نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ- فَقَدْ ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، فَيَلْعَنُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَتَلَاعَنُونَ، ((إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ))، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَيَّدَ التَّلَاعُنَ بِالظُّهُورِ، فَكَيْفَ إِذَا فَشَا؟!!

((إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ)): هُمْ يَشْرَبُونَهَا!!

((وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ)): وَقَدْ ظَهَرَ هَذَا أَيْضًا، فَقَدْ ظَهَرَ مَا يُسْمَّى الْيَوْمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ! يَأْتِي بِهِ بَعْضُ الْمَخَابِيلِ، وَيُرَوِّجُهُ بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَيَقُولُ: هِيَ تَصِيرُ مِلْكَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ نَفْسَهَا قَيْنَةً عِنْدَ رَجُلٍ يَتَمَلَّكُهَا، فَأَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُظْهِرَ هَذَا كُلَّهُ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَعَلَيْهُمُ الدَّمَارُ)).

((وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ)): الشَّوَاذُّ يُرِيدُونَ حَقَّهُمْ كَمَا هُوَ فِي الدُّوَلِ الْغَرْبِيَّةِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ!! بَلْ إِنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ!! وَلَا رَجُلَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا رَجُلَ، وَأَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَأَنْ يَكْتَفِي الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ!!

هُمْ يُبِيحُونَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَمَنِ اعْتَرَضَ وَقَعَ تَحْتَ طَائِلَةِ الْقَانُونِ؛ لِأَنَّ الْقَانُونَ مُبِيحٌ لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَإِذَا اعْتَرَضْتَ فَلَا بُدَّ أَنْ تُحَاسَبَ!!

مَا لَنَا وَلِهَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ الْكَفَرَةِ؟!!

لَنَا دِينُنَا وَلَهُمْ دِينُهُمْ، وَلَكِنَّا نَسْتَقِي دِينَنَا مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا بِفَهْمِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا ﷺ.

فبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ الدَّمَارِ بِالْأُمَّةِ -وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ-.

*الْخَمْرُ وَالْمُخَدِّرَاتُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ فِي الدُّنْيَا:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)) .

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ: ((أَلَا تُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِأَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)) .

وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَاسًا جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلُونِي إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي ((أَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ)).

فَأَتَيْتُهُمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا، مِنْهُمْ -كَمَا تَرَى فِي كَلَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ-، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، جَلَسُوا يَتَذَاكَرُونَ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ غَضَاضَةٌ أَنْ يَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا، لَا بَأْسَ.

جَلَسُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَعْظَمِهَا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، يَعْنِي لَمْ يَسْمَعُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، لَعَلَّ عِنْدَهُ عِلْمًا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُمْ ((بِأَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ)).

فَلَمَّا أَخْبَرَهُمُ الَّذِي أَرْسَلُوهُ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَارِهِ، ذَهَبُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، يُرَاجِعُونَهُ، يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ مِنْ أَيْنَ؟!! هَذَا شَيْءٌ لَا نَعْلَمُهُ، نُنْكِرُهُ.

فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى -إِنْ أَبَى أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا، خَيَّرُوهُ بَيْنَ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَالزِّنَا، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، اخْتَرْ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَتَلُوهُ- فَاخْتَارَ الْخَمْرَ.

وَإِنَّهُ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ))؛ يَعْنِي لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ قَتَلَ النَّفْسَ، وَزَنَا، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ ذَهَبَ، فَوَقَعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ.

كَذَلِكَ الْخَمْرُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ ..

وَمَا فِي حُكْمِهَا كَمِثْلِهَا مِنْ تِلْكَ الْمُخَدِّرَاتِ الذَّائِعَةِ الْمُنْتَشِرَةِ بَيْنَ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ غَسِيلُ أَمْوَالٍ لِكَثِيرٍ مِنَ السَّارِقِينَ الْمُجْرِمِينَ، فَيَتُاجِرُونَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَيُدْخِلُونَهَا إِلَى دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِإِفْسَادِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، وَتَدْمِيرِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ يَعْرِفُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَرْجُو رِضَاهُ، حَتَّى يَصِيرَ كَعَابِدِ الْوَثَنِ، لَا يُبَالِي؛ لِأَنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- وَأَدْمَنَهَا يَبِيعُ عِرْضَهُ، يُفَرِّطُ فِي شَرَفِهِ، لَا يَتَمَسَّكُ بِشَيْءٍ، لَيْسَ مَعَهُ عَقْلُهُ!!

قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ لَنَا حِينَئِذٍ -هَذَا مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، يَقُولُهُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَ لَهُمُ الْمِثَالَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ : ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْربُهَا فَتُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَا يَمُوتُ وَفِي مَثَانَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا حُرِّمَتْ بِهَا عَلَيْهِ الْجَنَّةُ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) .

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْقِلُونَ، يَتَهَافَتُونَ عَلَى الْخَمْرِ؛ لِتُذْهِبَ عُقُولَهُمْ، وَأَدْيَانَهُمْ، وَأَعْرَاضَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَصِحَّتَهُمْ!!

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُذْنِبِينَ أَجْمَعِينَ.

*مَخَاطِرُ إِدْمَانِ الْخُمُورِ وَالْمُخَدِّرَاتِ عَلَى الْمُدْمِنِ فِي الْآخِرَةِ:

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)).

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ)) .

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).

 ((وَهَذَا وَعِيدٌ بِأَلَّا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ)) ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَا يُحْرَمُ شَرَابَهَا، فَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ.

فَإِذَا قِيلَ: ((حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)): لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُ قَدْ يُحْرَمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَهُولٌ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ، يَعْنِي لَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَفِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَقْرَبْهَا، لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا.

فَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ)): هَذَا وَعِيدٌ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْخَطَابِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- .

وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ)).

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ؛ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)) .

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الدَّيُّوثُ وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ)) .

الرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ: يَعْنِي الَّتِي تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، هَذِهِ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ، وَتَنْزِيلُ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ يَتَطَلَّبُ تَوَفُّرَ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ، يَعْنِي الرَّسُولُ ﷺ أَخْبَرَ عَنْ ((صِنْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَرَهُمَا، أَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ بِأَيْدِيهِمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَأَخْبَرَ عَنْ نِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ))، يَقُولُ: ((لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا)) .

فَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ.

فَإِذَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَاسِيَةً عَارِيَةً، مَائِلَةً مُمِيلَةً، وَرَأَيْنَا رَأْسَهَا كَسَنَامِ الْبُخْتِيِّ -وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجِمَالِ، قَالُوا: لَهُ سَنَامَانِ، وَقَالُوا: سَنَامٌ وَاحِدٌ- وَلَكِنَّهَا تَجْعَلُ رَأْسَهَا جُمَّةً كَأَنَّهَا سَنَامُ الْبَعِيرِ.

فَإِذَا رَأَيْنَا امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ؛ لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَ لَهَا عَقْدُ الْإِسْلَامِ بَاقِيًا، وَلَمْ تَمُتْ، فَلَا تَدْرِي لَعَلَّهَا تُحْدِثُ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ تَوْبَةً.

وَمِنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى أَحَدٍ بِنَارٍ وَلَا لِأَحَدٍ بِجَنَّةٍ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ، لَا يَجُوزُ، حَتَّى إِنه لا يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

النَّبِيُّ ﷺ سُئِلَ: ((الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟))

قَالَ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)) .

هَذَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ، فَالَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَمُوتُ، فَهُوَ الشَّهِيدُ، مَنْ أَدْرَانَا أَنَّهُ كَانَ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟!! لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْكُمَ بِذَلِكَ.

وَمَنْ أَدْرَاكَ أَنَّهُ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ؟!!

لَا يُحْرَمُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا فَاعِلُ الْكَبَائِرِ الْمُسْتَحِلُّ لَهَا.

أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ فِي مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ، فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ .

إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُخَالِفُونَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْكَبِيرَةِ وَيُخَلِّدُونَ بِهَا فِي النَّارِ .

مَنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ فَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِتَكْذِيبِهِ.

قَالَ ﷺ: ((شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)) .

وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ قَدْ كَفَرُوا، فَإِنَّهُ لَا شَفَاعَةَ فِي الْكَافِرِينَ، فَكَذَّبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، بَلْ كَذَّبَهُمُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي قَوْلِهِ : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاء : 48].

هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ أَيْنَ هُمْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((أُرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي بَعْدِي ، فَشَقَّ عَلَيَّ وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُوَلِّيَنِي شَفَاعَةً فِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَفَعَلَ)) ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .

هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ وَأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ عُصَاةٌ لَيْسُوا بِكُفَّارٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا عَلَى الضِّدِّ مِمَّا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ الْغُلَاةُ.

وَعَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ((أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَ الذَّنْبَ شِرْكًا؟))

قَالَ: «لَا ، إِلَّا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ».

إِذًا فَاعِلُ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرًا مُخْرِجًا مِنَ الْمِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِهِمْ فُسَّاقٌ بِكَبَائِرِهِمْ، وَهَذَا حُكْمُ الْفَاسِقِ الْمِلِّيِّ.

قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ فِي ((شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ)) : «أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ، إِذْ لَوْ كَفَرَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ لَكَانَ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَلَا تَجْرِي الْحُدُودُ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ .

وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ».

 فَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ قُطِعَ ، وَمَنْ زَنَا حُدَّ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ كُفَّارٌ، إِذَنْ تُعَطَّلُ الْحُدُودُ، لَيْسَ هُنَاكَ حُدُودٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي كَبِيرَةٍ تَسْتَوْجِبُ حَدًّا فَقَدْ كَفَرَ وَسَارَ مُرْتَدًّا عِنْدَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ، وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ رِدَّةً، لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ رِدَّةً، فَأَيُّ فَسَادٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ!!

هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ مَعَ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَوْلُهُمْ بَاطِلٌ أَيْضًا، إِذْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا إِنَّمَا هُوَ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ لَا هُوَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا هُوَ مَعَ الْكَافِرِينَ! هَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.

وَالْخَوَارِجُ قَالُوا خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِي الْكُفْرِ .

*شَارِبُ الْخَمْرِ مُتَوَعَّدٌ بِالشُّرْبِ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ!!

عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ -وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ- فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟))

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَإِنَّ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ أَوْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟

قَالَ: ((عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ)) .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللهُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللهُ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا)) .

وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا -وَهَذَا شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَهُوَ مِنْ آيَاتِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ- يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُضْرَبُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ اللهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ)) .

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ)) .

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّمَا كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهِ فَسُلِبَهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُكْرًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ)).

قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟

قَالَ: ((عُصَارَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ))  

سَقَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ، مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْبَرُّ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ.

الْفَرْقُ؛ وَهُوَ إِنَاءٌ وَاسِعٌ يَسَعُ شَيْئًا عَظِيمًا مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ ، «لَوْ أَسْكَرَ هَذَا الْفَرْقُ رَجُلًا لَكَانَ مِلْأُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» .

وَهِيَ قَاعِدَةُ سَدِّ الذَّرَائِعِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَأْتِي لَكَ قَصْدًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُكَ مُطْلَقَ عَاصٍ، وَبِهَذَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ نَفْسِكَ وَالْمَعْصِيَةِ الَّتِي يَؤُزُّكَ عَلَيْهَا شَيْطَانُكَ.

فَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ مُلِحَّةً عَلَى مَعْصِيَةٍ بِذَاتِهَا فَهَذِهِ مِنَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ كَالطِّفْلِ، إِنْ أَهْمَلْتَهُ شَبَّ عَلَى حُبِّ الرَّضَاعِ، وَإِنْ فَطَمْتَهُ فُطِمَ.

فَالنَّفْسُ تُرِيدُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَتَهْلِكُ دُونَهُ كَالطِّفْلِ يَتَمَسَّكُ بِلُعْبَةٍ بِعَيْنِهَا، تَقُولُ لَهُ: خُذْ هَذِهِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا، يَأْبَى إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الدُّونَ، وَكَذَلِكَ النَّفْسُ.

وَأَمَّا الشَّيْطَانُ فَإِنَّمَا يَأْتِيكَ مِنْ بَابٍ، فَإِنْ أَوْصَدْتَهُ دُونَهُ؛ أَتَى مِنْ بَابٍ آخَرَ، وَلِذَلِكَ يَتَوَرَّطُ الْمَرْءُ فِي أُمُورٍ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ كُنْتُ أَبْعَدَ الْخَلْقِ عَنْ هَذَا، فَمَا الَّذِي وَرَّطَنِي فِيهِ؟!!

لِأَنَّكَ اتَّبَعْتَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، فَشَيْءٌ مِنْ بَعْدِ شَيْءٍ، وَخُطْوَةٌ مِنْ بَعْدِ خُطْوَةٍ حَتَّى يَقَعَ الرَّجُلُ فِي سَوَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، ثُمَّ إِذَا مَا أَفَاقَ، قَالَ: كَيْفَ؟!!

اتَّبَعْتَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا أَجْمَعِينَ.

هَذَا بَعْضُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّرْهِيبِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي اجْتِنَابِهَا.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنَا هَذَا الْمُنْكَرَ وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

 

المصدر: مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الظُّلْمُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ
  قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ وَفَوَائِدُ الْكَلَامِ عَنْهَا
  ثَمَرَاتُ حُسْنِ الْخُلُقِ
  جُمْلَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ سُبُلِ تَحْقِيقِ خَيْرِيَّةِ الْأُمَّةِ
  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ
  الْمَوْعِظَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((التَّوْحِيدُ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ))
  مَبْنَى الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ
  النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  حُكْمُ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ
  ثَمَرَاتُ الْمَاءِ الْعَظِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ
  مِنْ سُبُلِ التَّنْمِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  الدَّرْسُ الرَّابِعُ ((فِي كُلِّ مِحْنَةٍ مِنْحَةٌ))
  آثَارُ السَّلَفِ فِي مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان