مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الْعِيدِ: اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ


 ((مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الْعِيدِ: اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الرَّسُولَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّهِ أَبَدًا فِي الْمَسْجِدِ .

 وَأَيْضًا «كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ بِالْخُروجِ إِلَى الْمُصَلَّى -جَمِيعَ النِّسَاءِ-».

يَخْرُجُ الْجَمِيعُ -جَمِيعُ النِّسَاءِ-، الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ تَخْرُجُ إِلَى الْمُصَلَّى، يَخْرُجُ الْحُيَّضُ -يَخْرُجْنَ إِلَى المُصَلَّى-، يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى، يَقِفْنَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ بَعِيدًا؛ ((يَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ))  كَمَا قَالَ الرَّسُولُ .

وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَجِدُ ثَوْبًا لَائِقًا تَخْرُجُ بِهِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَو لِشُهُودِهِ؛ تُعِيرُهَا أُخْتُهَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ثِيَابِهَا.

الرَّسُولُ يَأمُرُ الْمَرْأَةَ بِأَنْ تَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الْمُصَلَّى -وَلَو كَانَتْ حَائِضًا، وَلَو كَانَت لَا ثَوْبَ لَهَا-.

انْظُرْ مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ.

يَأْمُرُ النَّبِيُّ ﷺ الْجَمِيعَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى وَالنِّسَاءَ -وَلَوْ كَانَتِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ حَائِضًا-.

هَذِهِ السُّنَّةُ الْعَظِيمَةُ مَبْنَاهَا عَلَى كَثْرَةِ الْجَمْعِ، مَبْنَاهَا عَلَى اجْتِمَاعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اجْتِمَاعُ أَهْلِ الْبَلَدِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، يَخْرُجُونَ جَمِيعًا حَتَّى النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، يَخْرُجُ الْجَميعُ؛ مِنْ أَجْلِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةَ ائْتِلَافٍ، فَلَا تَخْتَلِفُوا، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةَ مَحَبَّةِ، فَلَا تَبَاغَضُوا.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى)) .

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ)).

إِذَنْ، الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا جَسَدٌ وَاحِدٌ.

إِنَّ الْأُخُوَّةَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

*أُخُوَّةٌ هِيَ أُخوَّةُ النَّسَبِ.

*وَأُخُوَّةٌ هِيَ أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ.

فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ الْأُولَى فَإِنَّهَا هِيَ أَوَّلُ مَا يَحْرِصُ الْمَرْءُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، إِذَا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يَسُوءُ؛ هِيَ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمَرْءُ إِذَا مَا أَتَاهُ مَا يُفْجِعُهُ وَيُفْظِعُهُ كَأَنَّمَا يَدْعُو أَخَاهُ لِيُنْقِذَهُ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي مَكَّنَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا وَمِنْهَا مِمَّا قَدْ أَلَّمَ بِهِ ((أَخ))، هِيَ أَوَّلُ مَا يَأْتِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَمَا يَقَع عَلى الْإِنْسَانِ مَا يَسُوؤُهُ.

*وَأَمَّا أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ عَنْ أُخُوَّةِ الْعَقِيدَةِ لَا نَسَبَ وَلَا رَحِمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟

قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ», وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ})).

أَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقَانُونِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ؟!!

النَّبِيُّ ﷺ نَهَى الْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّبَاغُضِ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ اللهِ تَعَالَى، بَلْ عَلَى  أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَنَهَى عَنِ الْحَسَدِ وَتَمَنِّي الشَّرِّ، وَأَمَرَهُمْ ﷺ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ.

فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِالْهُدَى والرَّشَادِ، وَنَهَانَا عَنْ كُلِّ خُلُقٍ مَذْمُومٍ.

فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «صَحِيحِهِ».

لَا يُبْغِضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لَا تَشْتَغِلُوا بِأَسْبَابِ الْعَدَاوَةِ؛ إِذِ الْعَدَاوَةُ وَالْمَحَبَّةُ مِمَّا لَا اخْتِيَارَ فِيهِ، فَإِنَّ الْبُغْضَ مِنْ نِفَارِ النَّفْسِ عَمَّا يُرْغَبُ عَنْهُ، وَأَوَّلُهُ الْكَرَاهَةُ وَأَوْسَطُهُ النُّفْرَةُ وَآخِرُهُ الْعَدَاوَةُ، كَمَا أَنَّ الْحُبَّ مِنَ انْجِذَابِ النَّفْسِ إِلَى مَا يُرْغَبُ فِيهِ.

«وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»: كُونُوا مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ! حَقُّكُمْ أَنْ تَتَوَحَّدُوا، وَأَنْ تَتَآخَوْا، وَأْنَ تَتَعَامَلُوا مُعَامَلَةَ الْإِخْوَةِ، وَأَنْ تَتَعَاشَرُوا بِمَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ، وَأَنْ تَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالنَّصِيحَةِ.

 

المصدر:الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ
  خُلُقُ الْوَفَاءِ
  جُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَسْوَاقِ
  آمَالُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالتَّابِعِينَ وَآمَالُنَا!!
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  جُمْلَةُ حِكَمٍ عَظِيمَةٍ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ
  الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ مُمْتَدَّانِ طُوَالَ الْعَامِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالصِّغَارِ
  نَمَاذِجُ مِنْ وَرَعِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَالتَّابِعِينَ
  دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ
  اسْتِيعَابُ السُّنَّةِ الْمُسْتَجَدَّاتِ فِي كُلِّ الْعُصُورِ
  الدُّرُوسُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  النِّفَاقُ لُغَةً وَشَرْعًا
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان