((مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ صِحِّيًّا))
*أَوَّلًا: رِعَايَةُ صِحَّتِهِ الْجَسَدِيَّةِ:
*يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِصِحَّةِ الْأَطْفَالِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةُ الصِّحَّةِ، فَفِي نُصُوصِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصِّحَّةِ وَفَضْلِ الْعَافِيَةِ، وَجَلَالِ ذَلِكَ؛ لِجَمِيلِ أَثَرِهِ، وَلِعَظِيمِ قَدْرِهِ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِمِ.
*وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ الطِّفْلَ السُّنَنَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ؛ مِنْ أَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَى صِحَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَمْرَاضِنَا هِيَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّلُوكِيَّاتِ الصَّحِيحَةِ، أَمْرَاضُنَا فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ مُخْطِئَةٌ!!
*ثَانِيًا: رِعَايَةُ صِحَّةِ الطِّفْلِ النَّفْسِيَّةِ:
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَمْرَاضَنَا النَّفْسِيَّةَ فِي جُمْلَتِهَا سُلُوكِيَّاتٌ خَاطِئَةٌ.
يَقُولُ النَّفْسِيُّونَ الْمُحْدَثُون: ((إِنَّهُ لَا عُصَابَ فِي الْكِبَرِ إِلَّا بِعُصَابٍ فِي الصِّغَرِ)).
يَعْنِي: الْإِنسَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَابَ بِالْمَرَضِ النَّفْسِيِّ فِي كِبَرِهِ إِلَّا إِذَا كَانَتَ أُصُولُ هَذَا الْمَرَضِ النَّفْسِيِّ قَدْ تَحَصَّلَ عَلَيْهَا فِي صِغَرِهِ.
وَحَدَّدَهَا زَعِيمُ هَؤُلَاءِ (سِيجْمُونْدُ فُرُويِد) بِسِتِّ سَنَوَاتٍ؛ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ السِّتَّ سَنَوَاتِ الْأُولَى خَطِيرَةٌ جِدًّا فِي حِيَاةِ أَيِّ طِفْلٍ.
*خُطُورَةُ الْقَسْوَةِ فِي الصِّغَرِ عَلَى الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ لِلْأَطْفَالِ:
عِنْدَمَا تَأْتِي القَسْوَةُ, وَيَأْتِي الضَّرْبُ فِي هَذِهِ السِّنِّ الْبَاكِرَةِ, وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ ﷺ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
لَمْ يَأْتِ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ -وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِي دِينِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الْأُمُورِ الْعَمَلِيَّةِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الصَّلَاة-.
وَتَرْكُ الصَّلَاةِ هُوَ أَكْبَرُ كَبِيرٍ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَمَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ هِيَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ يُقِرُّ بِهِ الْقَلْبُ، وَيَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.
وَأَمَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَسَدِ، لَيْسَ هُنَاكَ خَطَأٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الطِّفْلُ - وَهُوَ دُونَ العَاشِرَةِ- أَكْبَرَ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ بِالضَّرْبِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إِلَّا عِنْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ.
يَقُولُ ﷺ: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ)): مُجَرَّدُ أَمْرٍ، مَعَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ التَّرْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ.
وَلَكِنَّ الضَّرْبَ هَاهُنَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ، بِنَصِّ حَدِيثِ الرَّسُولِ ﷺ: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ))، ثُمْ: ((وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ)).
يَأْتِي هَذَا الرَّجُلُ -وَهُوَ ضَالٌّ مُنْحَرِفٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (سِيجْمُونْدُ فُرُويِد)- يَقُولُ: ((إِنَّهُ لَا عُصَابَ فِي الْكَبَرِ إِلَّا بِعُصَابٍ فِي الصِّغَرِ))، وَيُحَدِّدُ السِّتَّ سَنَواتٍ الأُولَى.
نَقُولُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ قَدِ اهْتَدَيْتَ لِهَذَا, وَكَانَ صَحِيحًا بِالْفِطْرَةِ أَوْ بِوَسَائِلِ الْعِلْمِ الحَدِيثِ, فَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ قَالَ ذَلِكَ مُنْذُ مَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِئَةِ سَنَةٍ ﷺ.
إِذَنْ؛ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدمَا يُحَدِّدُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ إِنَّمَا يَحْمِي الْإِنْسَانَ مِنْ أَنْ يَتَحَصَّلَ عَلَى الْبَوَادِرِ الَّتِي تُؤَدِّي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمَرَضِ النَّفْسِيِّ.
وَإِذَنْ؛ فَهَذِهِ الْقَسْوَةُ الْمُفْرَطُ فِيهَا، وَهَذِهِ السُّلُوكِيَّاتُ الْخَاطِئَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى النَّفْسِيَّاتِ الْغَضَّةِ الطَّرِيَّةِ, ثُمَّ يَتَأَتَّى بَعْدَ ذَلِكَ الْمَرَضُ النَّفْسِيُّ.
*رَبُّوا الْأَطْفَالَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَإِدْمَانِ ذِكْرِ اللهِ؛ لِتَصِحَّ نُفُوسُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
يَهْدِي إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ الَّذِينَ تَسْكُنُ قُلُوبُهُمْ وَتَخْشَعُ، فَلَا يَبْقَى فِيهَا قَلَقٌ وَلَا اضْطِرَابٌ، وَيُقَوِّي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقِينَهُمْ بِمَا يُوَفِّقُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وَيَتَدَبَّرُونَ فِي صِفَاتِ رَحْمَةِ اللهِ وَعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَمَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ.
المصدر:تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة وَحُقُوقُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ