الوَحْيُ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ


 ((الوَحْيُ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ، وَقَطَعَ عَنْهُمُ العُذْرَ.. بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالِ الكُتُبِ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى كُلِّ قَوْمٍ رَسُولًا: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فَاطِر: 24]؛ لِكَيْ لَا يَقُومَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمَ القِيَامَةِ حُجَّةٌ، فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ!

وَخَتَمَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الأُمَمَ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، وَخَتَمَ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ بِسَيِّدِهِمْ وَمُقَدَّمِهِمْ وَخَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ ، وَكَانَ كُلُّ رَسُولٍ يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَأُرْسِلَ النَّبِيُّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فِي عُمُومِ الزَّمَانِ وَعُمُومِ الْمَكَانِ، فَأَقَامَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ الحُجَّةَ، وَقَطَعَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ المَعْذِرَةَ.

وَلَمَّا كَانَتْ رِسَالَةُ الْإِسْلَامِ آخِرَ بَلَاغَاتِ السَّمَاءِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ؛ كَانَ حَتْمًا أَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً قَائِمَةً دَائِمَةً إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

وَتَوَلَّى اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حِفْظَ الْوَحْيِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَكَانَت الْأُمَمُ قَبْلَنَا يُسْتَحْفَظُونَ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَيْهِمْ؛ فَبَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا مِنْهُ، فَتَوَلَّى اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حِفْظَ الرِّسَالَةِ الخَاتِمَةِ، فَتَوَلَّى حِفْظَ القُرْآنِ بِنَفْسِهِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ حِفْظَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ القُرْآنَ هُوَ المُبَيَّنُ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ المُبَيِّنُ.

وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- حَفِظَ المُبَيَّنَ وَلَمْ يَحْفَظِ المُبَيِّنَ؛ لَأَحَالَنَا عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَهُ وَلَا أَنْ نَسْتَوعِبَ مَعَانِيَهُ.

يَعْنِي: إِذَا قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَنَا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196]، وَقَالَ لَنَا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البَقَرَة: 43]، فَهَذَا مُبَيَّنٌ؛ تَأْتِي السُّنَّةُ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُبَيِّنَهُ.

فَنَقُولُ: إِذَا لَمْ يَحْفَظْ لَنَا السُّنَّةَ.. كَيْفَ نُصَلِّي؟! وَكَيْفَ نُزَكِّي؟! وَكَيْفَ نَحُجُّ؟! وَكَيْفَ نَعْتَمِرُ؟! إِلَى آخِرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ التَّكْلِيفَاتِ.

إِذَنْ؛ يَقُولُ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجْر: 9].

وَالذِّكْرُ هُوَ القُرْآنُ بِالقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَيَشْمَلُ السُّنَّةَ -أَيْضًا- بِفَضْلِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ حَتْمًا لِإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَى الْخَلْقِ فِي الْأَرْضِ؛ مِنْ حِفْظِ الذِّكْرِ وَالوَحْيِ الذِي يُقِيمُ تِلْكَ الحُجَّةَ.

وَالوَحْيُ هُوَ رُوحُ العَالَمِ وَنُورُهُ وَحَيَاتُهُ، وَإِذَا خَلَا العَالَمُ مِنَ الرُّوحِ وَالنُّورِ وَالحَيَاةِ أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ القُرْآنَ يُرْفَعُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ آيَةٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَذَلِكَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ.

وَحِينَئِذٍ -عِنْدَمَا يَخْلُو الْعَالَمُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالنُّورِ وَمَادَّةِ هَذَا الوُجُودِ الحَقِّ- فَإِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُقِيمُ السَّاعَةَ.

 

المصدر:الْإِسْلَامُ مَصْدَرُ السَّعَادَةِ وَالصَّلَاحِ لِلْعَالَمِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ
  مْلَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ الْكَرِيمَةِ وَصِفَاتِهِ النَّبِيلَةِ
  خَطَرُ الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  لِمَنْ تَكُونُ الْبَيْعَةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ؟
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ
  رِسَالَةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْبُشْرَيَاتِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
  فَضْلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْقُرْآنِ
  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  حَثُّ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  سَبَبُ النَّصْرِ الْأَعْظَمُ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّبَاعِ
  إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ
  جُمْلَةٌ مِنْ آثَارِ السَّلَفِ فِي طُولِ الْأَمَلِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: تَعْلِيمُ الشَّبَابِ سُبُلَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  آدَابُ الطُّرُقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان