((رِضَا اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَجَلُّ الْغَايَاتِ))
عِبَادَ اللهِ! مِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صِفَةُ الرِّضَا، فَهُوَ يَرْضَى لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى، وَهُوَ -جَلَّ وَعَلَا- مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الرِّضَا عَلَى مَنْ لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مُقْتَضَى الرِّضَا؛ فَيَرْضَى عَنِ الْعَمَلِ، وَيَرْضَى عَنِ الْعَامِلِ.
يَرْضَى عَنِ الْعَمَلِ؛ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7].
وَيَرْضَى عَنِ الْعَامِلِ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100].
عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ))؛ قَالَهَا ثَلَاثًا.
إِذَا رَضِيَ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنِ الْعَبْدِ؛ قَبِلَ الْيَسِيرَ مِنْ عَمَلِهِ وَنَمَّاهُ، وَغَفَرَ الْكَثِيرَ مِنْ زَلَلِـهِ وَمَحَاهُ.
وَالرِّضَا مِنْهُ -سُبْحَانَهُ- هُوَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ النَّعِيمِ، وَأَعْلَى مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ، وَأَعْظَمُ وَأَكْبَرُ وَأَجَلُّ مِنَ الْجِنَانِ وَمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا صِفَةُ اللهِ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، فَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الرِّضَا وَالْجَنَّةِ كَالنِّسْبَةِ بَيْنَ صِفَاتِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَخَلْقِهِ.
فَهَذَا الرِّضَا مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَعْظَمُ وَأَجَلُّ وَأَكْبَرُ مِنَ الْجِنَانِ وَمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا صِفَةُ اللهِ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَخَلْقُ اللهِ؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72].
فَأَيْسَرُ يَسِيرٍ مِنْ رِضْوَانِهِ -وَلَا يُقَالُ لَهُ يَسِيرٌ- أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ وَمَا حَوَتْهُ مِنَ النَّعِيمِ.
قَلِيلٌ مِنْكَ يُقْنِعُنِي، وَلَكِنْ = قَلِيلُكَ لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ
فَلَا شَيْءَ مِنَ النِّعَمِ -وَإِنْ جَلَّتْ وَعَظُمَتْ- يُمَاثِلُ رِضْوَانَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَلِهَذَا يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) : ((إِنَّ اللهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَيَّكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.
فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟
فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ!
فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ!
فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ! وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟!!
فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا)).
فَرِضْوَانُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ النَّعِيمِ وَإِنْ عَظُمَ.
أَوَمَا عَلِمْتَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ = حَقًّا يُكَلِّمُ حِزْبَهُ بِجِنَانِ
فَيَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ هَلْ أَنْتُمُ = رَاضُونَ قَالُوا نَحْنُ ذُو رِضْوَانِ
أَمْ كَيْفَ لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا = مَا لَمْ يَنَلْهُ قَطُّ مِنْ إِنْسَانِ
هَلْ ثَمَّ شَيْءٌ غَيْرَ ذَا فَيَكُونُ أَفْـ = ـضْلَ مِنْهُ نَسْأَلُهُ مِنَ الْمَنَّانِ
فَيَقُولُ أَفْضَلُ مِنْهُ رِضْوَانِي فَلَا = يَغْشَاكُمُ سَخَطٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ وَالْجَنَّةَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَالنَّارِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ