((الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَبِيلُ الْفَلَاحِ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ, وَلِذَلِكَ لَمَّا أَقْرَأَ شَيْخٌ تِلْمِيذَهُ خَتْمَةً فَجَوَّدَهَا عَلَيْهِ تَجْوِيدًا, وَأَتْقَنَهَا عَلَيْهِ إِتْقَانًا, ثُمَّ جَاءَ لِكَيْ يَقْرَأَهَا عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ: أَتَّخَذْتَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَيَّ عَمَلًا؟!!
قَدْ تَلَوْتَهُ عَلَيَّ فَأَحْكَمْتَهُ, فَالْآنَ فَاذْهَبْ فَاتْلُهُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ يَعْنِي انْظُرْ إِلَى أَوَامِرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُرْآنِ فَاعْمَلْ بِهَا, وَانْظُرْ إِلَى نَوَاهِي اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْقُرْآنِ فَاجْتَنِبْهَا, وَاجْعَلِ الْقُرْآنَ لَكَ دُسْتُورًا وَإِمَامًا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ الْأَكْرَمُ ﷺ.
النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ نُصْبَ عَيْنَيْهَا, وَأَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ إِمَامًا لَهَا, وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي التَّرْكِيزِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ فِي وَسَطِ الظُّلْمَةِ الْمُدْلَهِمَّةِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الْأُمَّةُ, وَفِي وَسَطِ الْخُطُوبِ الْمُتَنَاثِرَاتِ, وَفِي وَسَطِ هَذِهِ الْمُعْتَرَكَاتِ الَّتِي تُعَانِي مِنْهَا الْأُمَّةُ الْيَوْمَ, كَأَنَّمَا هِيَ عَلَى شَفَا الْإِبَادَةِ, نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
وَلَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَوَ فِي هَذَا الظَّرْفِ الْعَصِيبِ وَالْقَدَرِ الَّذِي قُدِّرَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي مَا مَرَّتْ بِمِثْلِهِ قَطُّ؛ يُجْنَحُ إِلَى الْكَلَامِ عَنْ حَمْلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَعَنْ فَضْلِ وَشَرَفِ حَمَلَتِهِ, وَعَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَجْرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْأَخْذِ بِالنَّظَرِ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَمِنْ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ مَعَ التَّغَاضِي عَمَّا تَمُرُّ بِهِ الْأُمَّةُ مِنْ سَيِّئَاتِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهَا مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَهْوَالِ وَمِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ؟!!
لَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ ذَلِكَ, وَلَكِنَّمَا هِيَ النَّظْرَةُ الْأُولَى وَالنَّظْرَةُ الْأُولَى حَمْقَاءُ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُرَبِّي أَصْحَابَهُ عَلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ إِلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ مِنْ حَوْلِهِ لَا يُقَالُ ذَلِكَ دَعْوَةً إِلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ, فَالصِّرَاعُ دَائِرٌ, وَالْجِلَادُ قَائِمٌ, وَالْمَعْرَكَةُ دَائِرَةٌ فِي كُلِّ بَيْتٍ, أَسْتَغْفِرُ اللهَ, بَلِ الْمَعْرَكَةُ دَائِرَةٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ.
الْمَعْرَكَةُ وَصَلَتِ الْآنَ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ, فَقَامَ الْخِصَامُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ, وَقَامَ الْخِصَامُ وَالْجِدَالُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْغَيْرِ, وَلَمْ يَعُدِ اسْتِقْرَارٌ عَلَى قَرَارٍ, وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ .
لَيْسَ هَذَا تَغَاضِيًا, وَلَكِنَّمَا هُوَ عَوْدٌ إِلَى الْمَنْبَعِ الْأَوَّلِ, إِلَى الْأَمْرِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَصِمَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ, إِلَى الْحَبْلِ الْمَتِينِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ تُحَلَّ عُرْوَتُهُ ,وَلَا أَنْ تُفْصَمَ قُوَّتُهُ, إِلَى حَبْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- الَّذِي أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ تَعْتَصِمَ بِهِ الْأُمَّةُ, وَبِخَاصَّةٍ إِذَا مَا اشْتَدَّ الْكَرْبُ, وَإِذَا مَا عَمَّ الظَّلَامُ, وَإِذَا مَا اضْطَرَبَتِ الْأُمُورُ, وَإِذَا مَا أَحَاطَ الْقَلَقُ بِالنُّفُوسِ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ عَلَى الْأُمَّةِ شَخْصِيَّتَهَا.
الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ عَلَى الْأُمَّةِ هُوِيَّتَهَا.
الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي تَفِيءُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِذَا مَا ادْلَهَمَّ الْخَطْبُ, وَعَمَّ الْكَرْبُ, وَوَقَعَ الظَّلَامُ, وَانْتَشَرَ الْقَلَقُ .
الْقُرْآنُ هُوَ الْمَنْبَعُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَرِدَهُ الْأُمَّةُ أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ, أُمَمًا وَكُتَلًا مُتَكَتِّلَاتٍ.
الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ الْأُمَّةَ مِنْ حَالِ التَّفَكُّكِ وَالتَّرَهُّلِ إِلَى حَالِ التَّآزُرِ وَالتَّآصُرِ.
الْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ الْأُمَّةَ مِنَ الشَّتَاتِ, وَيُخْرِجُهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ مِنَ التِّيهِ.
الْعَوْدَةُ إِلَى الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَوَّلُ الطَّرِيقِ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ.
الْعَوْدَةُ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ سِرُّ حَيَاةِ الْأُمَّةِ.
التَّأَمُّلُ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ طَوْقُ النَّجَاةِ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَوَاللَّهِ ثُمَّ وَاللَّهِ ثُمَّ وَاللَّهِ قَسَمًا غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ وَلَا حَانِثٍ, أَلَّا مَخْرَجَ وَلَا مَنْجَى مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ بِالْعَوْدَةِ إِلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؛ لِلْخُرُوجِ مِنْ حَالَةِ الشَّتَاتِ، لِلْعَوْدَةِ مِنَ التِّيهِ إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.
نَسْأَلُ اللهَ - جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ - أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ
اللَّهُمَّ آتِنَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تِلَاوَتَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا فِي الْقُرْآنِ فَتْحًا مُبَارَكًا، افْتَحْ لَنَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فَتْحًا مُبَارَكًا.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر:الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَأَثَرُهُ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَرْسِيخِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ