((سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ))
إِذَا آمَنَ الْإِنْسَانُ إِيمَانًا صَحِيحًا بِصِفَةِ الْعَفْوِ سَأَلَ اللهَ الْعَفْوَ؛ فَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَامَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: ((سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ -اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ-؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ)) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَأَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُومُ حَيْثَ قَامَ رَسُولُ اللهِ، وَيَبْكِي كَمَا بَكَى!!
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).
ثُمَّ أَتَاهُ الْغَدَاةَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)).
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟
قَالَ: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ الدُّعَاءَ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْعُمْدَةَ الْكُبْرَى فِي نَيْلِ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ هِيَ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وَعَفْوُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْهُ.
هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِيهَا مَا يَبْعَثُ رَغَبَاتِ الرَّاغِبِينَ إِلَى إِدَامَةِ الطَّلَبِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ اخْتَارَ لِأَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ.. وَهِيَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: ((عَائِشَةُ)).
قَالَ: قُلْتُ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟
قَالَ: ((أَبُوهَا)) .
فَاخْتَارَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ -وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ- أَحَبَّ الدُّعَاءِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ سُؤَالًا مُحَدَّدًا، لَيْلَةُ الْقَدْرِ إِنْ عُلِمَتْ، وَفِيهَا الدُّعَاءُ يُسْتَجَابُ، وَفِيهَا تَتَحَقَّقُ الرَّغَائِبُ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، فَقَالَتْ: لَوْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَمَا أَقُولُ؟
فَاخْتَارَ لَهَا الرَّسُولُ ﷺ: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)).
لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَفْضَلَ مِنْهُ لَدَلَّهَا عَلَيْهِ.. لَوْ كَانَ يَعْلَمُ مَا هُوَ فَوْقَ هَذَا لَدَلَّهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ دَلَّهَا عَلَى أَفْضَلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ؛ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)).
فَهَذَا يَحْفِزُكَ وَيَؤُزُّكَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ طَلَبِ الْعَفْوِ مِنَ الْعَفُوِّ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ لِلْعَفْوِ أَهْلٌ.
فَمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَقَدْ أَفْلَحَ وَفَازَ، وَرَبِحَ أَعْظَمَ الرِّبْحِ، وَأُوتِيَ الْخَيْرَ بِحَذَافِيرِهِ.
الْعَفْوُ يُرْجَى مِنْ بَنِي آدَمَ = فَكَيْفَ لَا يُرْجَى مِنَ الرَّبِّ
يَا رَبِّ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً = فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ = فَمَنِ الَّذِي يَرْجُو وَيَدْعُو الْمُجْرِمُ
مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا = وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُذْنِبُ
اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ، وَأَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْإِيمَانِ، وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الْإِحْسَانِ يَا كَرِيمُ يَا مَنَّانُ.
المصدر: عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ