((فَضَائِلُ رِعَايَةِ الْبَنَاتِ))
لَقَدْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعِيشُ حَيَاةً عَصِيبَةً جِدًّا؛ خُصُوصًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْعَرَبِيِّ.
فَكَانَ الرِّجَالُ يَكْرَهُونَ وِلَادَةَ الْبَنَاتِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَكَمَا وَصَفَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْفِنُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا الْأَمْرَ -يَعْنِي: لَوْ أَنَّ الْبِنْتَ ظَلَّتْ حِيَّةً- يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مُؤَدِيًّا إِلَى حَيَاةِ الْمَذَلَّةِ وَالْمَهَانَةِ.
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58-59].
فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ؛ رَفَعَ هَذِهِ الْمَظَالِمَ، وَأَعْطَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَرْأَةَ حَقَّهَا، وَأَعَادَهَا إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ؛ إِنْسَانَةٌ لَهَا قَلْبٌ تُحِسُّ وَتَشْعَرُ، وَتُحِبُّ وَتَكْرَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَثَّ عَلَى حُسْنِ تَرْبِيَةِ الْبَنَاتِ، وَعَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِنَّ، وَتَعْلِيمِهِنَّ؛ فَالنَّبِيُّ النَّبِيُّ ﷺ بَشَّرَ بِالْجَنَّةِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِرِعَايَةِ الْبَنَاتِ أَوْ بِرِعَايَةِ الْأَخَوَاتِ رِعَايَةً تَامَّةً بِحِيَاطَةٍ كَامِلَةٍ.
فَالْبَنَاتُ قَدْ تُفْتَحُ بِهِنَّ أَبْوَابُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ إِذَا وُلِدَ لِابْنِهِ صَالِحٍ ابْنَةٌ، يَقُولُ: «الْأَنْبِيَاءُ كَانُوا آبَاءَ بَنَاتٍ»، وَيَقُولُ: «قَدْ جَاءَ فِي الْبَنَاتِ مَا قَدْ عَلِمْتَ».
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- فِيهِنَّ بِتَعْلِيمِهِنَّ أُمُورَ دِينِهِنَّ، وَبِالْحِفَاظِ عَلَيْهِنَّ، وَالْإِمْسَاكِ عَلَيْهِنَّ فِي قُعُورِ بُيُوتِهِنَّ مِنْ أَجْل السَّتْرِ، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُسْبِلَهُ وَأَنْ يُسْدِلَهُ عَلَيْهِنَّ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، وَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ كَمَا فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».
«كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ»: يَكُونُ جَزَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ وِقَايَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَارِ جَهَنَّمَ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
المصدر:تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة وَحُقُوقُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ