((حُبُّ الْوَطَنِ وَمَنْزِلَتُهُ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ))
فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- ذَاكِرًا الْأَوْطَانَ وَمَوَاقِعَهَا فِي الْقُلُوبِ: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النساء: 66].
فَسَوَّى -تَعَالَى- بَيْنَ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَالْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِهِمْ, وَأَخْبَرَ -تَعَالَى- أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى عِبَادِهِ الْأَوَامِرَ الشَّاقَّةَ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الدِّيَارِ؛ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ وَالنَّادِرُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246].
فَأَخْبَرَ -تَعَالَى- أَنَّ أَهْلَ الرَّأْيِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَصْحَابَ الْكَلِمَةِ النَّافِذَةِ تَرَاوَدُوا فِي شَأْنِ الْجِهَادِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ مَلِكًا; لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بِتَعْيِينِهِ، وَتَحْصُلَ الطَّاعَةُ التَّامَّةُ، وَلَا يَبْقَى لِقَائِلٍ مَقَالٌ.
وَأَنَّ نَبِيَّهُمْ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُمْ هَذَا مُجَرَّدَ كَلَامٍ لَا فِعْلَ مَعَهُ، فَأَجَابُوا نَبِيَّهُمْ بِالْعَزْمِ الْجَازِمِ، وَأَنَّهُمُ الْتَزَمُوا ذَلِكَ الْتِزَامًا تَامًّا، وَأَنَّ الْقِتَالَ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً لِاسْتِرْجَاعِ دِيَارِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَى مَقَرِّهِمْ وَوَطَنِهِمْ.
وَقَدْ نَسَبَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- الدُّورَ وَالْأَوْطَانَ إِلَى أَهْلِهَا وَأَصْحَابِهَا؛ فَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ} [الحشر: 8]؛ فَنَسَبَ الدِّيَارَ إِلَى مُلَّاكِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40]؛ فَنَسَبَ الدِّيَارَ إِلَى أَهْلِهَا.
وَلَوْ قَنِعَ النَّاسُ بِأَرْزَاقِهِمْ قَنَاعَتَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ مَا اشْتَكَى عَبْدٌ الرِّزْقَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ بِأَوْطَانِهِمْ أَقْنَعُ مِنْهُمْ بِأَرْزَاقِهِمْ, فَتَرَى الْأَعْرَابَ تَسْتَوْخِمُ الرِّيفَ وَالْحَضَرَ وَتَحِنُّ إِلَى الْبَلَدِ الْجَدْبِ وَالْمَحَلِّ الْقَفْرِ وَالْحَجَرِ الصَّلْدِ, وَتَرَى الْحَضَرِيَّ يُولَدُ بِأَرْضِ وَبَاءٍ وَمَوَتَانٍ وَقِلَّةِ خِصْبٍ؛ فَإِذَا وَقَعَ بِبِلَادٍ أَرْيَفَ مِنْ بِلَادِهِ, وَجَنَابٍ أَخْصَبَ مِنْ جَنَابِهِ, وَاسْتَفَادَ غِنًى؛ حَنَّ إِلَى وَطَنِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ, وَقَدْ قَالُوا فِي ذَلِكَ: الْكَرِيمُ يَحِنُّ إِلَى جَنَابِهِ كَمَا يَحِنُّ الْأَسَدُ إِلَى غَابِهِ.
وَقَدْ دَعَا بِلَالٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الَّذِينَ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَرْضِهِمْ أَنْ يُخْرِجَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- مِنْ رَحْمَتِهِ كَمَا أَخْرَجُوهُمْ, وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَلِكَ؛ بَلْ دَعَا رَبَّهُ -تَعَالَى- أَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِمُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبَ إِلَيْهِمْ وَطَنَهُمْ أَوْ أَشَدَّ.
فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ))، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ وَعَكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ, فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ=وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شَرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً=بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ=وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
وَالْإِذْخِرُ: نَوْعٌ مِنَ الْحَشِيشِ, وَالْجَلِيلُ: نَوْعٌ مِنَ النَّبَاتِ, وَمِيَاهُ مَجَنَّةٍ: مَاءٌ عِنْدَ عُكَاظٍ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ, وَشَامَةٌ وَطَفِيلُ: جَبَلَانِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَالَ -أَيْ: بِلَالٌ-: ((اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ دِيَارِنَا)).
وَاللَّعْنُ: الطَّرْدُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْإِبْعَادُ.
فَدَعَا أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ رَحْمَتِهِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِهِ, وَأَنْ يُبْعِدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ وَطَنِهِ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ)).
وَمِنْ ذَلِكَ -أَيْضًا-: شَفَقَتُهُ ﷺ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ أَرْضِهِ وَوَطَنِهِ؛ فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ))، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا أَخْبَرَ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْوَحْيِ, وَعَلِمَ وَرَقَةُ أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُنْتَظَرُ, قَالَ لَهُ وَرَقَةُ: ((لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ)).
فَقَالَ: ((أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟)).
قَالَ: ((نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ)).
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ))، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي ((الْمُسْتَدْرَكِ))، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ: ((وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)). وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: ((وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِليَّ)). وَهَذِهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((بِسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا)).
فَبِسْمِ اللهِ رَبِّنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا, بِتُرْبَةِ أَرْضِنَا يُشْفَى مَرِيضُنَا.
((وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ نَفْسِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنَ التُّرَابِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ أَوِ الْعَلِيلِ, وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ الْمَسْحِ.
وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِرِيقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَتُرْبَةِ الْمَدِينَةِ)). قَالَهُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَالْأَصَحُّ: الْعُمُومُ، وَالشِّفَاءُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- يَجْعَلُهُ فِيمَا يَشَاءُ مِنَ الْأَسْبَابِ.
وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8].
فَمَعَ مَا لِلْأَنْصَارِ مِنْ عَظِيمِ الرُّتْبَةِ وَجَلِيلِ الْمَنْزِلَةِ قَدَّمَ اللهُ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضَّلَهُمْ, وَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ عَلَى الْأَنْصَارِ, وَهُوَ مُغَادَرَةُ الْوَطَنِ وَالدِّيَارِ, وَمُفَارَقَةُ الْمَحْبُوبَاتِ وَالْمَأْلُوفَاتِ وَالْأَحِبَّاءِ وَالْخِلَّانِ؛ رَغْبَةً فِي اللهِ، وَنُصْرَةً لِدِينِ اللهِ، وَمَحَبَّةً لِرَسُولِ اللهِ ﷺ.
قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيَانِ وَجْهِ تَفْضِيلِ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ: ((وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ)).
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- النَّفْيَ مِنَ الْأَرْضِ فِي عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ, الَّذِينَ بَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ بِالْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَإِخَافَةِ السُّبُلِ.
فَذَكَرَ أَنَّ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ؛ أَنْ يُطْرَدُوا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الْقَرَارِ فِي مَوْضِعٍ, وَالتَّغْرِيبُ عَنِ الْأَوْطَانِ نَوْعٌ مِنَ الْعُقُوبَةِ, كَمَا يُفْعَلُ بِالزَّانِي الْبِكْرِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- مَا قَضَى عَلَى بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْوَطَنِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْهُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ قَضَاهُ عَلَيْهِمْ وَقَدَّرَهُ بِقَدَرِهِ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ, وَلَوْلَا هَذَا الْجَلَاءُ لَكَانَ لَهُمْ شَأْنٌ آخَرُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَنَكَالِهَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [الحشر: 2].
وَقَالَ -تَعَالَى- عَنْ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49].
قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَمَّا كَانَتْ مُفَارَقَةُ الْإِنْسَانِ وَطَنَهُ وَمَأْلَفَهُ وَأَهْلَهُ وَقَوْمَهُ مِنْ أَشَقِّ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَمِنْهَا انْفِرَادُهُ عَمَّنْ يَتَعَزَّزُ بِهِمْ وَيَتَكَثَّرُ، وَكَانَ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَاعْتَزَلَ إِبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي حَقِّهِ: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا} مِنْ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ {جَعَلْنَا نَبِيًّا}؛ فَحَصَلَ لَهُ هِبَةُ هَؤُلَاءِ الصَّالِحِينَ الْمُرْسَلِينَ إِلَى النَّاسِ، الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِوَحْيِهِ، وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ)).
فَعَوَّضَ اللهُ الْخَلِيلَ إِبْرَاهِيمَ ﷺ هَذَا الْخَيْرَ الْعَمِيمَ عَنْ مُفَارَقَةِ قَوْمِهِ, وَاعْتِزَالِهِ إِيَّاهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ.
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) ذِكْرُ وِفَادَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ, فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً, وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَحِيمًا رَفِيقًا, فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا؛ فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: ((ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ, وَعَلِّمُوهُمْ, وَمُرُوهُمْ)).
وَالشَّبَبَةُ: الشَّبَابُ, جَمْعُ شَابٍّ, مُتَقَارِبُونَ؛ أَيْ فِي السِّنِّ.
فَرَاعَى رَسُولُ اللهِ ﷺ اشْتِيَاقَهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((فَلَمَّا رَآنَا قَدِ اشْتَقْنَا إِلَى أَهْلِنَا))؛ فَأَذِنَ لَهُمْ بِالْعَوْدَةِ إِلَى أَهْلِهِمْ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ التَّغْرِيبَ عَنِ الْأَوْطَانِ عُقُوبَةً وَزَجْرًا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَهِيَ الزِّنَى؛ فَفِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)): عَنْ عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((خُذُوا عَنِّي, خُذُوا عَنِّي, قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا, الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ)).
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((فَإِنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ وَطَنِهِ مِمَّا يُضْعِفُ هِمَّتَهُ وَبَدَنَهُ, وَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُعَاقَبٌ)).
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي ((الشُّعَبِ)), وَالْمَقْدِسِيُّ فِي ((الْمُخْتَارَةِ)) بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي حَقِّ مَكَّةَ عِنْدَ هِجْرَتِهِ مِنْهَا: ((مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ, وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ حُبَّ الْمَدِينَةِ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهَا؛ فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ)).
وَحَيْثُ أَنَّ حُبَّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي الْإِنْسَانِ؛ فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ حُبَّ الْمَدِينَةِ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْ حَنِينِ الْإِنْسَانِ إِلَى بَلَدِهِ أَنَّهُ إِذَا غَابَ عَنْهَا وَقَدِمَ عَلَيْهِ شَخْصٌ مِنْهَا سَأَلَهُ عَنْهَا يَتَلَمَّسُ أَخْبَارَهَا, وَهَذَا كَلِيمُ اللهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حَنَّ إِلَى وَطَنِهِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهُ مُجْبَرًا, قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29].
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي ((أَحْكَامِ الْقُرْآنِ)): ((قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ وَحَنَّ إِلَى وَطَنِهِ, وَفِي الرُّجُوعِ إِلَى الْأَوْطَانِ تُقْتَحَمُ الْأَغْرَارُ، وَتُرْكَبُ الْأَخْطَارُ، وَتُعَلَّلُ الْخَوَاطِرُ، وَيَقُولُ: لَمَّا طَالَتِ الْمُدَّةُ لَعَلَّهُ قَدْ نُسِيَتِ التُّهْمَةُ وَبَلِيَتِ الْقِصَّةُ)).
وَهَذِهِ الْمَعَانِي الْكَبِيرَةُ تُوجَدُ دَاخِلَنَا, وَتَظْهَرُ أَقْوَى مَا تَكُونُ فِي صُوَرٍ..
الصُّورَةُ الْأُولَى: إِذَا سَافَرَ الْإِنْسَانُ مِنَّا؛ فَإِنَّنَا مَهْمَا ذَهَبْنَا إِلَى أَرْضٍ هِيَ أَجْمَلُ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ أَغْنَى مِنْ أَرْضِنَا، فَإِنَّ مَشَاعِرَ الْحُبِّ لِلْوَطَنِ يَنْفَدُ صَبْرُهَا عَنِ الْكِتْمَانِ, فَتَبُوحُ بِالْحَنِينِ إِلَى الْوَطَنِ, وَالتَّشَوُّقِ إِلَيْهِ فِي عِبَارَاتٍ يَتْلُوهَا الْإِنْسَانُ أَوْ دُمُوعٍ تَذْرِفُهَا الْعَيْنَانِ, وَهَذَا مِنْ عَلَامَةِ كَمَالِ الْعَقْلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: ((مِنْ أَمَارَةِ الْعَاقِلِ: بِرُّهُ بِإِخْوَانِهِ، وَحَنِينُهُ إِلَى أَوْطَانِهِ، وَمُدَارَاتُهُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ)).
قَالَ أَعْرَابِيٌّ يَتَشَوَّقُ إِلَى وَطَنِهِ:
ذَكَرْتُ بِلَادِي فَاسْتَهَلَّتْ مَدَامِعِي=بِشَوْقِي إِلَى عَهْدِ الصِّبَا الْمُتَقَادِمِ
حَنَنْتُ إِلَى أَرْضٍ بِهَا اخْضَرَّ شَارِبِي=وَحُلَّتْ بِهَا عَنِّي عُقُودُ التَّمَائِمِ
وَالتَّمَائِمُ: جَمْعُ تَمِيمَةٍ؛ وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى صِبْيَانِهَا يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ -فِي زَعْمِهِمْ- فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ, فَهَذَا يَذْكُرُ مَا كَانَ.
أَخَذَ ابْنُ الرُّومِيِّ هَذَا الْبَيْتَ فَقَالَ:
بَلَدٌ صَحِبْتُ بِهِ الشَّبِيبَةَ وَالصِّبَا=وَلَبِسْتُ فِيهِ الْعَيْشَ وَهْوَ جَدِيدُ
فَإِذَا تَمَثَّلَ فِي الضَّمِيرِ رَأَيْتُهُ=وَعَلَيْهِ أَفْنَانُ الشَّبَابِ تَمِيدُ
فَتَأَمَّلْ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً عَلَّلَهَا الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ مَا فِي مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ مِنَ الشِّدَّةِ عَلَى النَّفْسِ.
فَالتَّعْزِيرُ -مَثَلًا- قَدْ يَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنِ الْوَطَنِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((وَالنَّفْسُ تَحِنُّ إِلَى الْوَطَنِ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَ الْمُقَامِ بِهِ, أَوْ أَنَّهُ مَضَرَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ)).
وَأَيْضًا ذَكَرُوا فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ: ((أَنَّ مَنْ خُوِّفَ بِالنَّفْيِ عَنِ الْبَلَدِ فَذَلِكَ إِكْرَاهٌ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْوَطَنِ شَدِيدَةٌ)). ذَكَرَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَفِي حَدِّ الْحِرَابَةِ؛ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]؛ أَيْ: يُخْرَجُونَ مِنْ وَطَنِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ.
قَالَ: يَكْفِيهِ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ وَالْعَشِيرَةِ خِذْلَانًا وَذِلَّةً؛ فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِتَرْكِ وَطَنِهِ, أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ بِتَرْكِ وَطَنِهِ؛ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَتَمَنَّوْنَ الرُّجُوعَ إِلَى الْوَطَنِ.
فَالَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْوَطَنِ سَوَاءٌ كَانَ لِسَفَرٍ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ خَرَجَ مُرْغَمًا؛ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ إِلَيْهِ, وَيَتَأَلَّمُ بِالْبُعْدِ عَنْهُ, فَفِي حَالِ الْخُرُوجِ بِأَيِّ صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ يَثُورُ التَّعَلُّقُ الْعَاطِفِيُّ بِالْبَلَدِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ, أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ.
وَالصُّورَةُ الْأُخْرَى الَّتِي تَظْهَرُ أَقْوَى مَا تَكُونُ لِأَنَّهَا مُسْتَقِرَّةٌ دَاخِلَنَا: أَنَّهُ إِذَا مُسَّتْ بَلَدُكَ بِسُوءٍ صَغِيرًا كَانَ هَذَا السُّوءُ أَوْ كَبِيرًا -مَثَلًا إِذَا سَبَّهَا أَحَدٌ-؛ تَحَرَّكَتْ فِيكَ مَشَاعِرُ الْحُبِّ فَدَافَعْتَ عَنْهَا.
وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا احْتِلَالٌ أَوْ عَبَثَ بِأَمْنِهَا مُفْسِدٌ؛ فَهُنَا تَتَفَجَّرُ جَمِيعُ الْمَشَاعِرِ الْكَامِنَةِ فِيكَ، فَلَا تَرَى نَفْسَكَ الْغَالِيَةَ إِلَّا بِأَرْخَصِ عُهُودِهَا، تَجُودُ بِهَا, تَحْمِلُهَا عَلَى رَاحَتَيْكَ لَعَلَّ وَطَنَكَ الْإِسْلَامِيَّ لَا يُصَابُ بِأَذًى, وَلَا يَغْصِبُهُ مُغْتَصِبٌ؛ وَفِي هَذَا يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]
وَهَذَا أَمْرٌ مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَقُولُ ابْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتِ فِي مَدْحِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَوْ مَدْحِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-:
إِنَّ الْبِلَادَ سِوَى بِلَادِكَ=ضَاقَ عَرْضُ فَضَائِهَا
فَاجْمَعْ بَنِيَّ إِلَى بَنِيكَ=فَأَنْتَ خَيْرُ رِعَائِهَا
نُشْهِدْكَ مِنَّا مَشْهَدًا=ضَنْكًا عَلَى أَعْدَائِهَا
نَحْنُ الْفَوَارِسُ مِنْ قُرَيْشٍ=يَوْمَ جِدِّ لِقَائِهَا
فَانْظُرْ إِلَى التَّضْحِيَةِ الْعَظِيمَةِ بِبَذْلِ النَّفْسِ وَالْأَوْلَادِ فِي سَبِيلِ الدِّفَاعِ عَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
فَهَذِهِ بَعْضُ الصُّوَرِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ خِلَالِهَا مَشَاعِرُ الْحُبِّ لِلْوَطَنِ فِي صِدْقٍ وَوُضُوحٍ وَجَلَاءٍ، وَهُنَاكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا تَشْهَدُ بِأَنَّ حُبَّ الْوَطَنِ مِنَ الْإِيمَانِ.
المصدر: سِمَاتُ وَسُلُوكُ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ