((حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ!!))
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُوَدِّعُ الْمُسْلِمُونَ عَامًا هِجْرِيًّا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَسُرُورٍ وَحُزْنٍ، وَخَوْفٍ وَأَمَانٍ، وَسَعَةٍ فِي الْعَيْشِ وَضِيقٍ، وَيَسْتَقْبِلُونَ عَامًا جَدِيدًا لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ سِوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مُسْتَقْبَلَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَالَ مُخِيفَةٌ تُنْذِرُ بِنَتَائِجَ مُدَمِّرَةٍ، فَإِنَّ سُنَّةَ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَاحِدَةٌ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: 10].
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ فِي حَالٍ يُرْثَى لَهَا؛ إِضَاعَةٍ لِلصَّلَوَاتِ، وَاتِّبَاعٍ لِلشَّهَوَاتِ، وَمَنْعٍ لِلزَّكَوَاتِ، وَانْتِهَاكٍ لِلْحُرُمَاتِ، وَتَفْرِيطٍ فِي الْوَاجِبَاتِ!!
كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَضَاعَ شَبَابَهُ فِي اللَّهْوِ، وَإِهْدَارِ الْوَقْتِ، وَالتَّسَكُّعِ فِي الْبِلَادِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ كَأَنَّهُ حَيْرَانُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ الْوَقْتَ بِإِضَاعَتِهِ هُنَا وَهُنَاكَ!!
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ نَسُوا آخِرَتَهُمْ بِمَا انْشَغَلُوا بِهِ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، فَآثَرُوا مَا خُلِقَ لَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا لَهُ، آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، كَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غَالِبًا: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17].
تَجِدُهُمْ مُنْشَغِلِينَ غَايَةَ الِانْشِغَالِ بِالْمُضَارَبَاتِ التِّجَارِيَّةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَتَأْجِيرٍ وَبِنَاءٍ، جَعَلُوا هَذَا أَكْبَرَ هَمِّهِمْ، حَتَّى وَإِنْ حَضَرُوا لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّ غَالَبَهُمْ حَاضِرُ الْجِسْمِ غَائِبُ الْقَلْبِ!!
وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَنْ قَامَ بِمُحَادَّةِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ﷺ، يَدْعُو إِلَى ضِدِّ مَا دَعَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ!!
تَجِدُهُ يَدْعُو إِلَى أَسْبَابِ الْفُحْشِ وَالْفُجُورِ، يَدْعُو إِلَى اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَإِلْغَاءِ الْفَوَارِقِ إِمَّا بِصَرِيحِ الْقَوْلِ وَإِمَّا بِالتَّخْطِيطِ الْمَاكِرِ الْبَعِيدِ وَالْعَمَلِ مِنْ وَرَاءِ السِّتَارِ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُحَادَّةِ لِلشَّرِيعَةِ، وَهَذَا فَتْحٌ لِبَابِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ.
وَلَوْ تَأَمَّلْتَ حَالَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ لَرَأَيْتَ أَمْرًا مُرَوِّعًا مُحْزِنًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ غَيُورٍ عَلَى دِينِهِ، خَائِفٍ مِنْ عُقُوبَةِ رَبِّهِ، وَلِهَذَا ظَهَرَتْ بَوَادِرُ الْعُقُوبَاتِ، فَكَثُرَتِ الْحَوَادِثُ الْكَوْنِيَّةُ مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْفَيَضَانَاتِ وَالْإِعْصَارَاتِ وَالْأَوْبِئَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَثُرَتِ الْفِتَنُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَحَاقَ بِبَعْضِ النَّاسِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].
وَنَحْنُ مُقْبِلُونَ عَلَى عَامٍ جَدِيدٍ -عَلَى الرَّغْمِ مِمَّا عَلَيْهِ حَالُ الْمُسْلِمِينَ- نَرَى فِي الْمُسْلِمِينَ طَلِيعَةَ خَيْرٍ وَإِقْبَالٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَجْدِيدٍ لِمَا انْدَرَسَ مِنْهُ، وَتَقَدُّمٍ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيُّهُمْ ﷺ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، يَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للهِ تَعَالَى، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ، يَدْعُونَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِمْ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَيُجَادِلُونَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مَنْ جَادَلَ.
وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَإِنَّنَا لَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَعُمَّ شُعُوبَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ وَالنَّصْرِ الْعَزِيزِ وَالْفَتْحِ الْمُبِينِ.
المصدر:الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ