نِدَاءٌ إِلَى أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَتَحَابُّوا
عِبَادَ اللهِ! النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِتَمَاسُكِ الصُّفُوفِ...
الرَّسُولُ ﷺ يُحَرِّمُ التَّدَابُرَ، وَيُحَرِّمُ التَّقَاطُعَ، وَيُحَرِّمُ التَّشَاجُرَ...
النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ...
وَيَأْمُرُنَا النَّبِيُّ ﷺ بِصِلَةِ الرَّحِمِ الْأَمَسِّ الْأَقْرَبِ، فَيَأْمُرُ النَّبِيُّ ﷺ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَيَنْهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْعُقُوقِ.
النَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ لَنَا عِظَمَ حَقِّ الْأُمِّ عَلَى الْعَبْدِ...
عِبَادَ اللهِ! كَمْ مِنْ أُمُورٍ مُحَرَّمَةٍ نَتَوَرَّطُ فِيهَا تَوَرُّطًا وَنَقْتَحِمُهَا اقْتِحَامًا، ثُمَّ نَرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَى السَّمَاءِ طَالِبِينَ النَّصْرَ مِنَ اللهِ، وَأَيْدِينَا مُلَوَّثَةٌ بِمَعَاصِي اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!!
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ النَّصْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا مَعَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ الَّتِي لَا تَشُوبُهَا شَائِبَةٌ، إِلَّا بِالْعَوْدَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ اللهَ قَضَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40]، فَمَنْ نَصَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ؛ نَصَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَنَصْرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَكُونُ بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ.
أَمَّا إِذَا مَا خَذَلْنَا دِينَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَانَدْنَا سُنَّةَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَشَاقَقْنَا رَسُولَهُ الْأَمِينَ، ثُمَّ طَلَبْنَا النَّصْرَ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَهَذَا هُوَ الْمُسْتَحِيلُ بِعَيْنِهِ!! وَلَيُسَلِّطِنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لَا يَخَافُهُ وَلَا يَرْحَمْنَا حَتَّى نَعُودَ إِلَى دِينِنَا، فَعُودُوا إِلَى اللهِ عَوْدًا حَمِيدًا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ بِنَوَاصِيِكُمْ -وَهُوَ بِهَا آخِذٌ-، فَيُقِيمُكُمْ قَهْرًا عَلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ مَعَ مَا يَمَسُّكُمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْعَنَاءِ.
عُودُوا إِلَى اللهِ عَوْدًا حَمِيدًا، تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَبِرُّوا آبَائَكُمْ، وَبِرُّوا أُمَّهَاتِكُمْ، وَدَعُوا الشِّجَارَ وَالْخِصَامَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِكُمْ، آتُوا أَصْحَابَ الْحُقُوقِ حُقُوقَهُمْ، وَرُدُّوا إِلَى مَنْ ظَلَمْتُمُوهُمْ مَا ظَلَمْتُمُوهُمْ إِيَّاهُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ.
عِنْدَئِذٍ وَعِنْدَ صِدْقِ النِّيَّةِ مَعَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ يُسَلِّطُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جُنْدَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَعِنْدَئِذٍ تَسْتَقِيمُ الْمَوَازِينُ فِي دُنْيَا اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]، لَا يَخَافُونَ كَلَامَ النَّاسِ، وَلَا يَخَافُونَ أَفْعَالَ النَّاسِ، وَلَا يَخَافُونَ أَعْرَافَ النَّاسِ، وَلَا يَخَافُونَ مُوَاضَعَاتِ النَّاسِ، وَلَا يَخَافُونَ مَوَازِينَ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمِيزَانٍ، وَلَا قِيمَةَ لِعُرْفٍ، وَلَا قِيمَةَ لِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ يُحَادُّ مَنْهَجَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبَالِي وَلَا يَلْتَفِتْ إِلَّا إِلَى مَا أَثْبَتَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مِنْهَاجِهِ الْمُسْتَقِيمِ.
{وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، يُيَمِّمُونَ صَوْبَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لَا يَلْتَفِتُونَ وَإِنَّمَا إِلَى أَمَامَ أَمَامَ، لَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، لَا يُعَوِّلُونَ عَلَى شَيْءٍ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ ثَابِتَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ بِالْحَقِّ مَوْصُولَةٌ، وَأَلْسِنَتُهُمْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ذَاكِرَةٌ، فَأَعْضَاؤُهُمْ وَجَوَارِحُهُمْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَامِدَةٌ، وَحَيَاتُهُمْ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَصْرُوفَةٌ، وَأَمْوَالُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُنْفَقَةٌ، وَأَرْوَاحُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِسَاقِ الْعَرْشِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَمَنُّونَ الشَّهَادَةَ مُصْبِحِينَ وَمُمْسِينَ، ((وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بُلِّغَهَا وَلَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)) كَمَا قَالَ الْكَرِيمُ ﷺ.
تُوبُوا إِلَى اللهِ -عِبَادَ اللهِ- وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَارْجِعُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ، عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَنْصُرَنَا نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَأَنْ يَكْبِتَ أَعْدَاءَنَا بِقُدْرَتِهِ وَحَوْلِهِ وَطَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.
اللهم خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ وَرُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.
اللهم أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا.
اللهم ارْفَعِ الْخِصَامَ مِنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
اللهم ارْفَعِ الْهِجْرَانَ مِنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَاجْعَلْهُمْ أُخْوَةً مُتَحَابِّينَ.
اللهم ارْزُقْنَا بِرَّ وَالِدِينَا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا.
اللهم اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَصِلُونَ الْأَرْحَامَ، اللهم ارْزُقْنَا صِلَةَ الْأَرْحَامِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمعِين.
المصدر :صِلَةُ الرَّحِمِ وَأَثَرُهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ