الْأَمَلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ


((الْأَمَلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ))

أَخْبَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَمَلِ وَرَجَاءِ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَرْزُقَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِالْوَلَدِ الصَّالِحِ، فَكَانَتِ الْبُشْرَى مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} [الصافات: 100-101].

قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: رَبِّ هَبْ لِي وَلَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِي يَكُونُ صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، يَبْلُغُ أَوَانَ الْحُلُمِ، فَأَجَبْنَا دَعْوَتَهُ، وَبَشَّرْنَاهُ بِابْنٍ يَتَحَلَّى بِالْعَقْلِ وَالْأَنَاةِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ، فَوَلَدَتْ هَاجَرُ الْغُلَامَ الْحَلِيمَ إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

*وَيَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ فِي أَمَلِهِ وَرَجَائِهِ فِي رَبِّهِ، رَغْمَ مِحْنَتِهِ الشَّدِيدَةِ بِفَقْدِ يُوسُفَ وَأَخِيهِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف: 83-87].

قَالَ نَبِيُّ اللهِ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: فَصَبْرِي عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ صَبْرٌ جَمِيلٌ، لَا شَكْوَى مَعَهُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا أَعْمَلُ عَمَلًا لَا يَرْضَى عَنْهُ رَبِّي، عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِيُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَالْأَخِ الثَّالِثِ الَّذِي أَقَامَ بِمِصْرَ، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بِحُزْنِي وَوَجْدِي عَلَيْهِمْ، الْحَكِيمُ بِمَا يُدَبِّرُهُ وَيَقْضِيهِ.

 

وَابْتَعَدَ يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَنْ بَنِيهِ، وَاشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَتَجَدَّدَ حُزْنُهُ عَلَى يُوسُفَ، وَقَالَ: يَا حُزْنِيَ الشَّدِيدَ عَلَى يُوسُفَ دُمْ، وَصَارَ يَبْكِي بُكَاءً كَثِيرًا، وَانْقَلَبَ سَوَادُ عَيْنَيْهِ بَيَاضًا، وَضَعُفَ بَصَرُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحُزْنِ، وَكَثْرَةِ الْبُكَاءِ عَلَى يُوسُفَ، فَهُوَ مُمْتَلِئُ مِنَ الْحُزْنِ، مُمْسِكٌ عَلَيْهِ دَاخِلَ نَفْسِهِ لَا يَبُثُّهُ.

وَلَا يَتَنَافَى هَذَا الْحُزْنُ مَعَ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ نَفْسِيٌّ غَيْرُ إِرَادِيٌّ، لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ وَلَا رَفْعَهُ، لَكِنْ يَمْلِكُ أَلَّا يَعْمَلَ أَوْ يَقُولَ مَا لَا يُرْضِي اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.

فَهُوَ مُطَالَبٌ بِمَا يَمْلِكُ، وَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ خَاضِعٍ لِإِرَادَتِهِ.

قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ يَعْقُوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: تَاللهِ لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ تَفَجُّعًا، وَلَا تَفْتُرُ عَنْ حُبِّهِ، وَيَشْتَدُّ حُزْنُكَ عَلَيْهِ، حَتَّى تَكُونَ شَدِيدَ الْمَرَضِ، مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِنَفْسِكَ، أَوْ تَكُونَ مِنَ الْأَمْوَاتِ؛ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالْأَسَى.

قَالَ يَعْقُوبُ مُجِيبًا لِأَبْنَائِهِ: مَا أَشْكُو مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ نَفْسِي مِنَ الضَّعْفِ وَالْمَرَضِ، وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ إِلَّا إِلَى اللهِ تَعَالَى، لَا إِلَيْكُمْ، فَهُوَ وَحْدَهُ كَاشِفُ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ.

وَإِنْ كُنْتُمْ تَلُومُونَنِي عَلَى شَكْوَايَ لِرَبِّي عَلَى حَالِي الَّتِي لَا أَمْلِكُ التَّغْيِيرَ فِيهَا، وَعَلَى حُزْنِي الَّذِي لَا أَمْلِكُ صَرْفَهُ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَإِحْسَانِهِ وَفَرَجِهِ مَا لَا تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ، وَسَيَأْتِينِي بِالْفَرَجِ الْقَرِيبِ مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.

فَقَالَ يَعْقُوبُ: يَا أَبْنَائِي! اذْهَبُوا فَتَتَبَّعُوا بِكُلِّ حَوَاسِّكُمْ، مُلْتَقِطِينَ مِنْ أَخْبَارِ يُوسُفَ وَأَخِيهِ بِنْيَامِينَ مَا يَكْشِفُ لَكُمْ أُمُورًا يَقْضِي اللهُ بِهَا الْفَرَجَ الَّذِي أَطْمَعُ فِيهِ.

وَلَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَهُوَ قَرِيبٌ، إِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الرَّجَاءَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَإِذَا لَجَئُوا إِلَيْهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ؛ رَحِمَهُمْ، وَأَغَاثَهُمْ، وَأَسْعَفَهُمْ بِالْفَرَجِ مِنْ لَدُنْهُ، وَكَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُمْ، وَسَهَّلَ الشَّدَائِدَ عَلَيْهِمْ.

*وَهَذَا دُعَاءُ أَيُّوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِرَبِّهِ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ الضُّرَّ الَّذِي مَسَّهُ، وَأَمَلُهُ وَقُوَّةُ رَجَائِهِ فِي اللهِ، وَاسْتِجَابَةُ اللهِ لَهُ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83- 84].

وَضَعْ فِي ذَاكِرَتِكَ -أَيُّهَا الْمُتَلَقِّي لِبَيَانِنَا- مَا دَعَا بِهِ أَيُّوبُ رَبَّهُ؛ لِيَرْفَعَ عَنْهُ الضُّرَّ الَّذِي مَسَّهُ، وَطَالَ أَمَدُهُ فِيهِ، حَتَّى قَالَ فِي دُعَائِهِ لِرَبِّهِ؛ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَنَفْسِهِ: أَنِّيَ مَسَّنِيَ الضُّرُّ، فَاكْشِفْهُ عَنِّي، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ، فَأَزَلْنَا مَا بِهِ مِنْ سُوءِ الْحَالِ فِي جَسَدِهِ، وَرَفَعْنَا عَنْهُ الْبَلَاءَ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ مَا فَقَدَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَأَعْطَيْنَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.

فَعَلْنَا بِهِ ذَلِكَ؛ رَحْمَةً عَظِيمَةً مِنْ عِنْدِنَا، وَلِيَكُونَ قُدْوَةً لِكُلِّ صَابِرٍ عَلَى الْبَلَاءِ، رَاجٍ رَحْمَةَ رَبِّهِ، مُنْقَادٍ لَهُ سُبْحَانَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالتَّذَلُّلِ.

*وَهَذِهِ بُشْرَى الْمَلَائِكَةِ لِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَنَّ اللهَ سَيَرْزُقُهُ وَلَدًا عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ*قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 51-56].

وَأَخْبِرْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ الْخَبَرَ الْهَامَّ وَقْتَ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَقَالُوا لَهُ: نُسَلِّمُ سَلَامًا.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّا مِنْكُمْ خَائِفُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا الْعِجْلَ السَّمِينَ الَّذِي قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ؛ إِذْ كَانَ مَظْهَرُهُمْ لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَلَا يَنِمُّ عَلَيْهِ.

قَالَ الرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- -وَهُوَ يَتَصَوَّرُ أَنَّهُمْ ضَيْفٌ مِنَ الْبَشَرِ-: لَا تَخَفْ مِنَّا، إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ، غُلَامٍ فِي صِغَرِهِ، عَلِيمٍ فِي كِبَرِهِ، سَيَأْتِيكَ مِنْ زَوْجِكَ سَارَّةَ، وَهُوَ إِسْحَاقُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَنَحْنُ مَلَائِكَةٌ رُسُلٌ مُرْسَلُونَ مِنْ رَبِّكَ؛ لِنُقَدِّمَ لَكَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ.

فَلَمَّا بَشَّرُوهُ بِالْوَلَدِ، عَجِبَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ كِبَرِهِ وَكِبَرِ امْرَأَتِهِ، قَالَ: أَبَشَّرْتُمُونِي بِالْوَلَدِ مَعَ مَسِّ الْكِبَرِ بِي وَالشَّيْخُوخَةِ الْمُضْعِفَةِ عَادَةً عَنِ الْإِنْجَابِ، فَبِأَيِّ سَبَبٍ لَدَيَّ أَمْلِكُهُ يَكُونُ مِنْ آثَارِهِ أَنْ أُنْجِبَ وَلَدًا، فَأَنْتُمْ تُبَشِّرُونَنِي بِهِ؟!!

قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِإِبْرَاهِيمَ: بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ الثَّابِتِ الَّذِي قَضَاهُ اللهُ، بِأَنْ يُخْرِجَ مِنْكَ وَلَدًا ذَكَرًا تَكْثُرُ ذُرِّيَّتُهُ، وَهُوَ إِسْحَاقُ، فَلَا تَكُنْ مِنَ الْآيِسِينَ مِنَ الْخَيْرِ.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَحَدَ يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ الْجَاهِلُونَ بِقُدْرَةِ اللهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَخَلْقِ مَا يَشَاءُ.

*اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَخْبَرَ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا كَثِيرًا، فَلْيَكُنِ الْمُسْلِمُ عَلَى أَمَلٍ دَائِمٍ بِتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 1-6].

قَدْ فَتَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ وَوَسَّعْنَاهُ لِلْإِيمَانِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، وَجَعَلْنَاهُ مُنَبَسِطًا رَاضِيًا، وَمُتَحَمِّلًا لِأَعْبَاءِ حَمْلِ الرِّسَالَةِ وَتَبْلِيغِهَا لِلنَّاسِ، وَمُتَحَمِّلًا أَخْلَاقَهُمْ.

وَحَطَطْنَا عَنْكَ مَا أَثْقَلَ ظَهْرَكَ مِنْ هُمُومٍ كُبْرَى لِإِصْلَاحِ قَوْمِكَ، وَإِنْقَاذِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ خَبَائِثِهَا وَظُلْمِهَا وَفَسَادِهَا.

فَبَيَّنَ لَكَ وَسَائِلَ التَّبْلِيغِ، وَأَسَالِيبَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ، فَأَلْقَى عَنْكَ كُلَّ هُمُومِكَ بِمَا أَوْحَى إِلَيْكَ مِنْ تَعْلِيمَاتٍ وَأَوَامِرَ رَبَانِيَّةٍ تُوَضِّحُ لَكَ مَنْهَجَ دَعْوَتِكَ.

وَأَعْلَيْنَا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ذِكْرَكَ الْحَسَنَ؛ إِذْ جَعَلْتُكَ رَسُولًا، وَاسْتَمَرَّ عَطَائِي لَكَ حَتَّى إِذَا ذُكِرْتُ ذُكْرِتَ مَعِي فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَإِنَّ مَعَ الشِّدَّةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مِنْ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ يُسْرًا وَرَخَاءً عَاجِلًا، فَإِنْ يُظْهِرْكَ اللهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْقَادُوا لِلْحَقِّ الَّذِي جِئْتَهُمْ بِهِ، فَذَلِكَ تَيْسِيرٌ مِنْ بَعْدِ التَّعْسِيرِ.

إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا كَثِيرًا كَذَلِكَ، فَكُنْ عَلَى أَمَلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَلَقَّى الْأَحْدَاثَ الْحَاضِرَةَ الْمُؤْلِمَةَ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، وَبِنَفْسٍ مُنْشَرِحَةٍ مَشْحُونَةٍ بِالْأَمَلِ فِيمَا سَيَأْتِي، صَابِرَةٍ عَلَى الْعُسْرِ الْوَاقِعِ.

فَالنَّفْسُ الْمَشْحُونَةُ بِأَمَلِ الْيُسْرِ الْقَادِمِ يَضْمُرُ لَدَيْهَا أَلَمُ الْعُسْرِ الْقَائِمِ، وَمُنْتَظِرُ الْفَجْرِ الْقَرِيبِ لَا يَشْعُرُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْقَاتِمِ.

 

 

المصدر:الْأَمَلُ

 

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَثَرُ كَلَامِ الرَّحْمَنِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  الْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ؛ فَأَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ!
  الْعِبَادَةُ الثَّابِتَةُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
  الْوَعْيُ بِخَطَرِ الِانْحِرَافِ الْفِكْرِيِّ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهِ
  ثَمَرَاتُ كَثْرَةِ الْأُمَّةِ وَحُكْمُ تَنْظِيمِ النَّسْلِ وَتَحْدِيدِهِ
  مَعَانِي الْأَمَلِ
  فَضْلُ صَوْمِ عَاشُوَرَاءَ
  التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  الصَّائِمُونَ الْمُفْلِسُونَ
  أَنْوَاعُ الْوَفَاءِ
  الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّلَاةِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان