((عقائد
الكُفر تغزو الشباب))
((خطبة
الجمعة 5 جمادى الآخرة 1430 هـ -
29/5/2009م))
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ،
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ
سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ
كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم-،
وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا،
وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ الدينَ الذي رَضِيَهُ اللهُ لنا، وأتَّمَّ
علينا به النعمة، والذي أكملهُ اللهُ ربُّ العالمين، فلا يلحقهُ زيادةً ولا يعتريه
نُقصان؛ وهو دينُ الإسلامِ العظيم: وهو الاستسلامُ للهِ -تبارك وتعالى- بالتوحيد
والانقيادُ له بالطاعة والبراءةُ مِن الشِّركِ وأهلهِ, دينُ الإسلامِ العظيم أكملَهُ
اللهُ رب العالمين وأتَّمَّ على الأمةِ به النعمة ورَضيَهُ لخلقهِ في أرضهِ دينًا.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}
[المائدة : 3] .
وهو الدينُ الذي لا يقبلُ اللهُ ربُّ العالمين دينًا سواه, {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. [آل عمران : 85] .
وهو الدينُ الذي أرسلَ اللهُ ربُّ العالمين به
الأنبياء؛ إذ اصطفاهُم لتبليغهِ لخَلْقهِ ودعوتِهم إليه, وتحقيقِهم له, فدينُ
الإسلامِ العظيمِ هو الدينُ الحقُّ الوحيد الذي رَضيَهُ اللهُ ربُّ العالمين لخلقهِ
في أرضه، لا يقبلُ اللهُ رب العالمين من أحدٍ دينًا سواه، وكلُّ مَنْ انتحلَ نِحلةً أو اعتقد مِلَّةً أو صار في طريق؛ فإنه
لا يُقبل منه شيئُا من عدلٍ ولا صَرف حتى يكونَ آتيًا خَلْفَ رسولِ الله -صلى الله
عليه وعلى آله وسلم-.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كما أخرج مسلم
في ((صحيحه)) عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ
هَذِهِ الأُمَّةِ؛ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُم لا يُؤْمِنْ بِالَّذِي
أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا دَخلَ النَّارِ)).
فأرسل اللهُ ربُّ العالمين نبيَّهُ محمدًا -صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- إلي الإنسِ والجن, وجعلهُ خاتمَ رسلهِ وصفوةَ أنبيائِهِ,
وأنزلَ عليه القرآنَ العظيم, واختصه اللهُ ربُّ العالمين بخصائصَ لم يؤتِها اللهُ
ربُّ العالمين أحدًا من العالمين، وآتى أُمَّتَهُ من تلك الخصائصِ ما شرَّفَها به،
ورفعَ به قَدْرَها، وأعَلى به مَنزلتَها، فهم الآخرونَ الأولونَ السَّابقونَ يومَ
القيامة, وهُم أكثرُ أهلِ الجنَّةِ كما أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم-.
ودينُ الإسلامِ العظيم؛ لأنه الحق الذي لا باطلَ فيه
ولا شَكَّ يعتريه, والذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خَلْفِهِ، لمَّا كان
دينُ الإسلام كذلك؛ اجتمعت عليه قوى الشر، وأجلبَ عليه إبليسُ بخَيْلِهِ ورَجْلِهِ,
وحاولَ أعداءُ الحقِّ والخيرِ والهُدَى في كلِّ زمانٍ مُنذ بعثَ اللهُ محمدًا -صلى
الله عليه وعلى آله وسلم- إلى يومِ النَّاسِ هذا, إلى مُستقبلِ الأيام، حاولوا
ويحاولونَ وسيحاولونَ أنْ يَشَوِّهوا صورتَهُ وأنْ يصرفوا عنهم مُعتنقيه وحَمَلَتَهُ,
ولكنَّ اللهَ ربَّ العالمين حافظٌ دينَهُ وناصرَهُ, واللهُ رب العالمين مُثبِّتٌ
أوليائَهُ وناصرُهم، فلا يضرُّهم كَيْدُ مَن كادهم ما آمنوا باللهِ ربهم وتَبِعوا
نبيَّهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
وكانوا على الحقِّ المبين .
إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حذَّرَ
الأمةَ من الافتراق ودعاها إلى الائتلافِ والاجتماع، ونفَّرَها من الاختلافِ
والتباغُضِ والتشاحُنِ والتحاسدِ والتدابرِ والتقاطعِ، وأخبر أنَّ لُحمةَ الإسلامِ
والإيمان هي أَشَدُّ عملًا في النفوسِ والقلوبِ والأبدانِ مما يتعلقُ بالأنسابِ
والأرحام، وأخبر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ ((الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ
بَعْضُهُ بَعْضًا)), ((وأنَّ الْمُؤْمِنِينَ
فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُهُم كَمَثَلِ الْجَسَدِ
الوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
فبيَّن النبيُّ
-صلى الله عليه وسلم- أنَّ دينَ الإسلامِ العظيم يُغيِّرُ القلوبَ ويُصفِّي
الأرواح ويُهذِّبُ النفوس، ويجعلُ الإنسان قائمًا على الصراطِ المستقيم لا يحيد
ولا ينحني, بل إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبر كما في ((الصحيحين)),
أنَّ البدنَ الإنساني يصلُح حاله ويعتدل مِزاجُه ويستقيم في أداءِ وظيفتهِ على دينِ
الإسلامِ العظيم.
إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمَّا أُخبرَ
على الرجلِ وكان كافرًا، فقُدِّم إليه حِلابٌ من لبن؛ فشربه وشَرِبَ آخر وآخر إلى
سبع، ثم أسلمَ من يومه؛ فأصبح مسلمًا, فقُدِّم إليه اللبنُ فشَرِبَ واحدًا, فقُدِّمَ
إليه ثانٍ فلم يستطع أنْ يُتِمَّهُ, فلما أُخبر الرسول -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم- قال: ((إنَّ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى
وَاحِدٍ وإن الكافر -فى رواية على
الشكِّ- أو المنافق؛ يَأكُلُ أو يَشربُ فِي
سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)), والبدنُ واحد وما مرَّ إلا سوادُ الليلِ
انفجر عن سوائِه الصُّبح المبين؛ فإذا الرجل قد قام على الصراط المستقيم, فاستقامَ
بدنُهُ على هذه الحالةِ السَّويةِ المستقيمة, ومَعِدَتُه مَعِدَتُه وأمعائُهُ
أمعائُهُ، ولكنَّ قلبَهُ ليس بقلبهِ الذي كان, ولكنَّ روحَهُ قد أشرقت في جوانبِها
أنوارُ الإيمان؛ ولذلك يقول النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله مسلم- ((إنَّ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ والْكَافِرُ
أو المنافق يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ))
كان ابنُ عمر -رضي الله عنهما- لا يأكلُ واحدة كما
أخرج ذلك البخاري في ((صحيحه)), فكان دائمًا إذا ما قُدِّمَ إليه الطعام؛ التمسَ
عن طريق مَن يكون عنده, مَن يأكلُ معه مشاركًا إيَّاه في طعامه, فجيء برجلٍ كان
يأكلُ كثيرًا، ثم تكرر ذلك منهم مِرارًا، فأمر بألَّا يدخل عليه, وقال هذا الذي
يأكل كثيرًا على هذا النحو سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم يقول-: ((وإن الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)).
فالبدنُ الإنسانيُّ يستقيمُ حالُهُ ويعتدلُ مِزَاجُهُ
ويؤدي وظيفتهُ التي خلقهُ اللهُ ربُّ العالمين لأجلِ أدائهِا إذا استقام على دينِ
الإسلامِ العظيم.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أرسلَهُ اللهُ
ربُّ العالمين بالهُدى ودينِ الحق، أرسلهُ اللهُ ربُّ العالمين بالحقِّ الذي أنزله
اللهُ ربُّ العالمين إليه، وأمرَهُ بالقيامِ عليه, فأدَّى النبي -صلى الله عليه
وعلى آله وسلم- الأمانةَ في نفسهِ, وقامَ بدينِ الإسلامِ العظيمِ على قلبهِ ورُوحهِ
وذاتهِ, وبلَّغَ دينَ اللهِ ربِّ العالمين للعالمين, ولم يُرسل ربُّنا -تبارك
وتعالى- نبيَّنا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لنَشْقَى به, فكثيرٌ من الناسِ إذا
ما التزمَ دينَ اللهِ ربِّ العالمين ظاهرًا, أو تمسكَ بالهَدْي النبوي في ظاهرهِ
وحالهِ أو تمسكَ بدينِ اللهِ رب العالمين باطنًا, لا يدخلُ المَدْخَلَ الصحيحَ الذي
أمرَ اللهُ رب العالمين بالدخولِ منه؛ فتجده يَشقى.
ولم يُنزِل ربُّنا -تبارك وتعالى- القرآنَ على نبيِّنا
ليَشقى به, بل ليسعدَ به في الدنيا بهناءِ الرُّوحِ في إقبالِها على ربِّها, وباستقامةِ
القلبِ على توحيدِ مولاها وبارِيها؛ لأنَّ النفسَ والروحَ إذا ما استقامَ القلبُ
على ذلك؛ استقامت واعتدل حالُها وصلُح أمرُها, فحينئذٍ تجد الاستقرار في الحياة, ينتفي
القلقُ ناحيةً ويذهب الاضطرابُ جانبًا, ويصيرُ المرءُ مُستعليًا بدينهِ فوق مطامعِ
الحياة ومطالبِ المادة, وحينئذٍ يكون مُحقِّقًا لوظيفةِ الإنسان في الحياةِ على
النحوِ الصحيح.
إذا ما غابَ عنه معرفةُ دينِهِ معرفةً صحيحةً؛ فإنه يَشْقَى
بتلك الأمشاجِ والأخلاطِ التي عَرَفَها عن دينِ الإسلامِ العظيم؛ لأنه لا يستطيع
أنْ يعرفَ الدينَ معرفةً صحيحةً وحينئذٍ؛ فإنه يَضِلَّ هاهنا وهاهنا يَحْسَبُ أنه
على خير.
ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ إذا كان مُتحركًا بدينهِ في
داخلِ الإطارِ المُكلَّفِ بأنْ يكونَ داخله؛ فإنه لا يجدُ النَّصَبَ ولا يَلقى التَّعَبَ,
ومعلومٌ وهي حقيقةٌ قائمةٌ جَزمًا بأنَّ الإنسانَ إذا تمسك بدينِ ربهِ؛ فأصابه عنَت
أو وجد في حياتهِ النَّصَب؛ فعليه أنْ يُراجعَ نفسَهُ؛ لأنه ليس هكذا دينُ الله الذي
أنزلهُ على نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وتصديقُ ذلك أنَّ موسى -عليه
السلام- لمَّا قام خطيبًا في بني إسرائيل, فسأله رجل فقال: ((هل تعلم أحد على ظهرِ الأرض هو أعلم منك؟))
قال: ((لا)).
وكان -عليه السلام- صادقًا فيما قال, فَعَتبَ عليه
اللهُ إذ لم يَرُدَّ العِلم إليه, وكان الذي ينبغي أنْ يقول: لا والله أعلم, فأوحى
اللهُ ربُّ العالمين إليه أنَّ لنا عبدًا بمَجْمعِ البحرين هو أعلمُ منه, واستأذن
موسى في أنْ يَسْعى إليه لكي يتعلم منه ومما أفاضَ اللهُ ربُّ العالمين به عليه مِن
العلمِ الذي علَّمَهُ, وأَذِنَ اللهُ ربُّ العالمين لموسى بالرحلةِ وأعلمهُ
بالعلامةِ التي إذا ما وجدها؛ فالعبدُ الصالح ثَمَّةَ, ((خُذ حُوتًا في مِكتل،
فإذا فَقَدْتَ الحوتَ فهو ثَمَّةَ)) أي فهو هناك.
ومرَّ معه فتاهُ ((يوشع بن نون)) يحملُ المِكتل فيه
الحوت وأويا إلى الصخرة؛ ففقدَ الحوتَ وهما لا يعلمان, فجاوز الميقاتَ المفروض؛
فوجدَ النَّصبَ والتعب، ولم يذكره قبلُ, لم يذكر موسى -عليه السلام- التعبَ إلا
بعد أنَّ جاوزَ الميقاتَ المفروض, {فَلَمَّا جَاوَزَا
قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}.
[الكهف: 62].
لم يذكر النَّصَبَ إلى بعد أنْ جاوزَ الميقات {فَلَمَّا جَاوَزَا}، ثم إنهما لمَّا عادا؛ وجدا العبدَ
الصالحَ، وكان ما كان مما هو معلوم؛ قَصَّهُ القرآنُ العظيم والنبيُّ الكريم في {قصةِ
موسى والخَضر}.
الشاهدُ أنَّ الإنسانَ إذا كان مُتحركًا في داخلِ
الإطار الذي كُلِّفَ بأنْ يكونَ داخلَهُ ولم يتجاوَزْهُ، فتوقف عند حدودِ ما أنزل
اللهُ على نبيهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وأخذ بدينِ اللهِ ربِّ العالمين على بصيرةٍ مِن أخْذِهِ به، فإنه لا يلقى نَصَبًا
ولا يجد تَعَبًا, وإنما تحيا الروحُ حياتَها ويجدُ القلبُ استقرارَهُ ومقرَّهُ,
ويستقيمُ جسدُهُ على الحقِّ والخير, وكذا كان الأنبياءُ والمُرسلون، وكذا كان
أصحابُ نبيِّنا المأمون -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وكان يُعلِّمُ بعضُهم
بعضًا إذا كانوا بعيدًا عن النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، كما روى أبو جُحيفة
أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- آخى بين سلمانَ وأبي الدرداء, فذهب
سلمانُ لزيارةِ أخيه؛ فلم يجده, وجد أم الدرداء مُتبذَّلة -يعنى في ثياب المهنة-
كأنها ليست بذات بَعل.
فقال لها:
ما هذا يا أم الدرداء؟
فقالت: أخوك أبو الدرداء ليست له حاجةٌ في الدنيا.
فكَنَّت عن اعتزالهِ إياها وعدم قُربانهِ منها بهذه اللغةِ
الشفيفة التي لا تخدشُ ولا يفعلُ فِعْلَها النسيم، فقالت: إنَّ أخاك ليست له حاجةٌ في الدنيا.
فلمَّا جاء أبو الدرداء؛ قَدَّم إليه طعامًا, فقال: كُل.
فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
قال: إني صائمٌ.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
فأكل معه وبقيَ معه حتى صلَّيَا العشاء الآخرة، فلمَّا
رجعَ؛ قام أبو الدرداء لكي يُصَليَ.
فقال له سلمان:نَم,
فنام.
ثم قام ليصلي؛ فقال: نَم, حتى إذا كان في السحر
الأعلى, قال: الآن فقُم، فصليا ما شاء
الله رب العالمين أنْ يُصليا، ثم أخبره سلمانُ -رضوان الله عليه- بهذه الحقيقة التي
صدَّق عليها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ((إنَّ
لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لأَهْلِكَ
عَلَيْكَ حَقًّا، فَآتِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).
فلما أخبر بها أبو الدرداء رسولَ الله -صلى الله عليه
وعلى آله وسلم- قال: ((صَدَقَ سَلْمَان)).
فاعتمدها رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-،
بل إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبرَ بها عبدَ الله بن عمرو -رضي
الله عنهما- وكان أبوهُ قد زَوَّجَهُ فلم يكشف لأهلهِ سِتْرًا, ثم ذهب عمروٌ
-رضوان الله عليه- ليتفقدَ أحوالَه، ثم أَعَلَمَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-
بحالهِ، وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنَّ
لربك عليك حقًّا, إنَّ لبدنك عليك حقًّا, إنَّ لعينك عليك حقًا, إنَّ لأهلك عليك
حقًّا, إن لزَوْرِك -أي: لضيفانك وزائريك-
عليك حقًّا, فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ)).
فدينُ الإسلامِ العظيم إذا التزمهُ الإنسانُ ببصيرةٍ
ووعي؛ فإنه لا يُمكنُ أن يجد نصبًا في الأخذِ به وفي العملِ بتعاليمهِ, والنبيُّ
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان معهُ أصحابهُ وكانوا في الفترةِ المكيةِ يجدون
العَنَتَ؛ فمنهم مَن يُعَذَّبُ ومنهم مَن يُشَرَّدُ ومنهم يُضطهدُ إلى غيرِ ذلك
مما هو معلوم, من تجويعٍ وحصارٍ وتشريدٍ وتعذيب, ولكنَّهم لما يرتدَّ منهم واحدٌ
عن دينِ اللهِ -تبارك وتعالى- وقد سألَ هرقل أبا سفيان -ولم يكن قد أسلمَ بعد-: ((هل يرتدُّ منهم أحدٌ –أي:
ممن تَبِعوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هل يرتدُّ
منهم أحدٌ عن دينهِ تَسَخُّطًا عليه؟!))
فقال: ((لا)).
لأنَّ حلاوةَ الإيمانِ إذا ما خالطت القلوبَ مُمازجةً
إياها؛ فإنها تحيا بها، وبها حياتُها، فلا يُمكن أنْ تَحيدَ عنها, وأين يمضى هاربٌ
من دمِهِ؟! لأنها تدور في الدماء ولأنها
تحيا بها خلاياه, ولأنها بعضٌ من ذاتهِ, ولأنها شيءٌ في ضميرهِ، بل إنها لتستحوذُ
على هذا الضمير.
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- علَّمَهم وضبطَ
لهم النِّسَبَ وأقامَ لهم الصَّرحَ العظيم، ثم خَلَفَ من بعدِهم خُلُوف, ثم صار
الناس في مَسَارِ التاريخ المُمتدِ الطويل إلى يومِ الناسِ هذا، وتهرَّأت العقيدةُ
في أنفسِ المسلمين إلا من رَحم ربُّك، وصارت باهتًة دارسًة مَعالِمُها, وصارَ
الناسُ لا يَعْلمونَ من دينِ اللهِ ربِّ العالمين ما يَنبغي أنْ يَعْلَموهُ إلَّا
مَن رَحِم اللهُ رب العالمين.
وأعداءُ دينِ الله -تبارك وتعالى- لا يريدون المسلمين
في مراحلِ الصِدامِ الأولى معهم لا يريدونهم على دينهم, كثيرٌ من المسلمون يظنونَ
أنَّ أعداءَ الإسلامِ يريدونَ المسلمين على دينِهم, هكذا بدأ؟!
لا, وإنما يريدون تشتيتَ المسلمِ في عقيدتهِ وفى
حياتهِ وعبادتهِ، وفي معاملاتهِ، وفي أخلاقِهِ، وفي سلوكِهِ؛ لكي لا يصيرَ لا مُسلمًا
ولا كافرًا.
هم يريدونَ المسلمَ خارجًا من إطارِ إسلامهِ إلى شيءٍ
لا يَمُتُّ للإسلامِ بسببٍ وثيق, ولذلك يَغْزُونَ المسلمينَ في عقائدِهم وتنتشرُ
تلكَ الأفكارُ الإلحاديةُ الكافرةُ الفاجرة: مِنْ ((القاديانيةِ)) و((التِّيجانيةِ))
ومِنْ ((دينِ الروافض))، وما أشبَهَ من المِلل والنِّحلِ الفاسدة، حتى إنهم زَيَّنُوا
لفِئامٍ من المسلمينَ ((عبادةَ الشيطان))، حتى وُجِدَ في المسلمينَ مَن يعبدُ
الشيطانَ الرجيم، فهم يريدونَ المسلمين مُشَتَّتين، والعِصْمُةُ من هذا كلِّه؛ أنْ
يعرفَ المسلمُ عقيدتهِ، فهي طَوْقُ النجاةِ في يَمِّ الحياة, فالعقيدةُ الصحيحةُ طَوْقُ
النجاةِ في يَمِّ الحياة، فلا يمكنُ أنْ يُصيبَهُ أذى ولا أنْ يَلحقَهُ غَرق, ولا
أنْ يصيبَهُ شيءٌ يكرههُ ما دامت عقيدتهُ معه, وهذا هو الذي بدأَ به رسولُ الله
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يَعلمُ بِعِلمِ
اللهِ -تبارك وتعالى- الذي عَلَّمَهُ؛ أنَّ الإنسانَ له قلبٌ وله رُوحٌ وجسد، وأنَّ
الإنسانَ لقلبهِ مُتطلبات، ولروحهِ كذلك حاجات، ولجسدهِ ما يَقُوتُهُ ويحيا به.
والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأمرُ
المسلمينَ بأنْ يكونوا وسطًا؛ لأنهم وسطٌ في الأممِ، فعقيدتُهم الوسط الذي لا يزيغُ
ولا ينحرفُ، فلا غُلُوَّ ولا تقصير، لا إفراطَ ولا تفريط, الآخرونَ يُجسِّمون
وآخرون يُنزِّهون حتى يعبدوا العَدَمَ؛ يزعمون أنهم في التنزيهِ يسيرون، وهم إنهم
يعبدونَ عَدمًا, فمِن الناسِ مَن يعبدُ عدمًا ومِن الناس مَن يعبدُ صَنمًا,
والمسلمُ المُوحِّدُ القائمُ على قدمِ نبيِّهِ يعبدُ إلهًا واحدًا أحدًا فردًا
صمدًا؛ ليس كمِثلهِ شيء وهو السميعُ البصير.
أرادَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنْ يَوضِّحَ
للأمةِ هذه الأمور؛ فعَلَّمَ الأصحابَ بمشهدٍ وكان الأمر واضحًا حتى لا يلتبسَ على
أحد, كان يخطبُ؛ فرأى رجلًا ضاحيًا قائمًا في الشمسِ لا يستظلُّ ولا يقعد, فقال: ((من هذا؟!))
قالوا: أبو إسرائيل، نذَرَ أنْ يقومَ ولا يقعد، ولا يستظلَّ ولا
يتكلمَ ويصوم.
فقال: ((مُروه فليقعد
وليستظلَّ وليتكلمَ, وليُتِمَّ صَومَه)).
فأمرهُ بإتمامِ
ما للهِ عليه فيه طاعة، وأَمَرَهُ بألَّا يُعّذِّبَ نفسَه في غير جَدوى؛ ولأن هذه
الأمور إذا وقعت على هذا النحو؛ فإنها لا تَمُرُّ بغيرِ قبولٍ عند اللهِ -تبارك
وتعالى- فقط، وإنما يُعذِّبُ اللهُ - ربُّ العالمين- عليها؛ لأنه لا يُعْبَدُ اللهُ
ربُّ العالمين إلا بما شرع، ومهما تعبَّدَ العبدُ لربِّهِ بعبادةٍ لم يَشْرَعْهَا؛
فقد ابتدع في دينِ اللهِ ربِّ العالمين، والمبتدعُ في دينِ اللهِ ربِّ العالمين؛
لسانُ حالهِ يقول: إنَّ الدينَ لم يَكْمُل وأنه مُستدركٌ على الشرعِ الأغرِّ, فإنه
يقول: إنَّ الشريعةَ لم تَكْمُل وإنَّ قولَ اللهِ -تبارك وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة :3]
ليس على حقِّهِ وحقيقتهِ، لسانُ حالهِ يأتي بهذا الأمرِ الكبير مُستدرِكًا
على الشرعِ الأغرِّ, والنبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بلَّغَ عن ربِّهِ ما
أمرهُ به وما أنزلهُ إليه, ولم يَكتُم مِنْ أمرِ البلاغِ شيئًا، وإنما أدَّى
الرسالةَ وافيةً بعملهِ ثم بدعوتهِ وإرشادِهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
اللهُ ربُّ العالمين أكملَ لنا الدين, ولكنَّ الإنسانَ
أحيانًا يأتي قُصُورُهُ به دونَ الغاية، فلا يستطيعُ أنْ يعرفَ ما وراءَ الغايةِ
من الفضاءِ الفَسيح, يتوقف هنالك في حدودٍ محصورًا، لا يستطيعُ أنْ يفهمَ دينَ
اللهِ ربِّ العالمين على وجههِ الذي أرادهُ لخلقهِ في أرضِهِ, واللهُ رب العالمين
لم يُنزل هذا القرآن العظيم ليَشْقَى به الناس وإنما ليسعدوا به, فجعلَ اللهُ ربُّ
العالمين القرآنَ هُدىً ونورًا، وجعله بُشرى وروحًا تمسُّ المواتَ فَتُحييه, جعل
اللهُ ربُّ العالمين ما أنزله على نبيِّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- روحًا يُحيي به من مَواتِ الكفر والجهل لكي تحيا
هذه القلوب بما ينبغي أنْ تحيا به؛ بتوحيدِ اللهِ ربِّ العالمين وإخلاصِ العبادةِ
لوجههِ الكريم.
إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخبرُ أنَّ
الإنسانَ ينبغي عليه أنْ يعبدَ اللهَ -تبارك وتعالى- العبادةَ التي رَضِيَها اللهُ
رب العالمين له, ما يفعلُ اللهُ ربُّ العالمين بعذابكم أنْ تقوموا في الشمس ضاحين
ولا يستظل الواحد منكم ولا يقعدُ ولا يتكلم، ما يفعلُ اللهُ رب العالمين بهذا ولم
يشْرَعْهُ على لسانِ نبيِّه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-!
((مُروه فليقعُد وليَستظل وليتكلم، وليُتِمَّ صومَهُ
-فهذا أمرٌ محبوبٌ لله -تبارك وتعالى-)).
ودخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما أخرجَ الشيخان
من روايةِ أنسٍ -رضي الله تبارك وتعالى عنه- دخلَ؛ فوجدَ حبلًا ممدودًا بين
ساريتين -يعني في مسجدهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((ما هذا؟))
قالوا: هذا حبْلٌ لزينب -هي بنتُ جحشٍ أم
المؤمنين كما قرر ذلك أكثر شُراح الحديث-, قالوا: هذا
حبل لزينب تصلي عنده، فإذا فترت -فإذا كسلت- تعلقت به.
قال: ((لا، حُلُّوه، ليُصَلَّيَ أحدُكم نشاطَهُ)).
فأمرَ النبيُّ
-صلى الله عليه وسلم- بأن يصليَ الإنسانُ زمانَ نشاطِه -نشاطَهُ منصوبٌ على الظَّرفية-
((ليُصَليَ أحدُكم نشاطَهُ، فإذا فَتَرَ فليقعُد)).
حتى إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى
أنْ يذهبَ الرجلُ في دعاءِ ربِّه -تبارك وتعالى- والوَسَنُ يأخذُ بمعاقدِ أجفانهِ؛
لأنه لا يدري؛ فإنه رُبما ذهب يدعو لنفسهِ فدعا على نفسهِ، إذ لا يدري ما يخرجُ مِن
رأسهِ.
دينُ الإسلامِ العظيم الذي جاءَ به النبيُّ -صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- هو دينُ اللهِ ربِّ العالمين الذي أكملهُ اللهُ -تبارك
وتعالى-، لا يحتاجُ إلى زيادةٍ ولا يلحقهُ نُقصان, ولذلك عظُمُت جنايةُ المبتدعِ الذي
يبتدعُ في دينِ الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه بلسانِ حاله مُستدركٌ على الشرعِ الأغرِّ,
ولأنه مُتَّبِعٌ لهواه، إذ إنه ليس له أنْ يُعْمِلَ عقلهُ ولا أن يأخذَ بقواعدِ فِكْرِهِ
في دينٍ أنزله الله رب العالمين كاملًا, ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ إذا كان عنده عبدٌ
أو خادمٌ، ثم كَلَّفَهُ بما ينبغي أنْ يفعلهُ وأرشدهُ إلى ذلك ووضَّحَهُ له، ثم
وجدهُ يأتي بأمورٍ لم يُكلِّفه به، وهو يَدَعُ في الوقتِ عينهِ كل ما كلفه به، لا
شك أنه يعاقبه، ولا يرضى الإنسانُ من نفسهِ لنفسهِ من فِعلِ عبدهِ أن يفعلَ معه
هذا، مع أنه لم يَخْلُقْهُ، وهو لا يرزقهُ، وهو لا يملكُ له ولا لنفسهِ حولًا ولا
حيلة, ولا نفعًا ولا ضرًا، ولا مَوتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.
فاللهُ ربُّ العالمين هو السيدُ, اللهُ ربُّ العالمين
هو الإلهُ الصَّمَدُ الواحدُ الأحد, وإذا كان ملوكُ الدنيا لا يقبلُ الواحدُ منهم
من عبدهِ إذا ما كلَّفَهُ بأمر أنْ يخالفَهُ فيه ولو أتى بأضعافِ أضعافِ ما كلفه
به، وإنما يقبلُ منه أن يلتزم أمره وأنْ يكون عند حدودِ ما أمره به لا يجاوزُهُ
ولا يقعُ دونه, فكيف بربِّ العالمين؟!
فكيف بخالقِ الأولين والآخرين؟!
فكيف بالإلهِ
الواحدِ الأحد؟!
الذي يبتدعُ في دينِ اللهِ -تبارك وتعالى- مُتَّبِعٌ
لهواه، ثم إنه إذا ما فعلَ ذلك؛ فإنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يُؤسِهُ من أنْ يقبلَ
له توبةً يأتي بها إنْ جاء.
كما بيَّنَ
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ المبتدعَ لا يتوبُ اللهُ ربُّ
العالمين عليه، فإنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- لا يقبلُ من مبتدعٍ توبةً والحديثُ
ثابتٌ عن رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والإنسانُ إذا ما أخذَ بالدينِ الحقِّ؛ فإنهُ يرتاحُ
راحةً ليسَ بَعْدَها راحة, وكأنما يُؤتيه اللهُ ربُّ العالمين مِنْ رَوْحِ الجَنَّةِ
ورَيْحَانِها ما يجعلهُ في اشتياقٍ دائمًا وأبدًا إليها، كما قال الصالحون: ((إنه ليأتي على
قلبي ساعاتٌ أقولُ فيها: لو كان أهل الجنة في مثلِ ما أنا فيه؛ والله إنهم لفي
نعيمٍ وعَيْشٍ طيب)).
لو كان أهلُ
الجنة في مِثلِ ما أنا فيه، يأتي على القلبِ حالات وتعتوره من الساعاتِ ساعات؛ يُقْبِلُ
فيها على ربِّهِ -جلَّ وعلا- يسجدُ سجدته عند ساقِ العرش لا يرفعُ منها إلا يوم
اللقاء, ثم إنه يجدُ انشراحَ الصدر وانفساحه ويجدُ استقامةً في منهاجهِ وفى لفظهِ
وفى حركةِ حياتهِ حتى يُصبحَ مُسَدَّدًا، وأما المنافقُ؛ فإنَّ المنافق كما هو
معلوم لا يُقبل منه عمل.
وقد أخرجَ مسلم في ((صحيحه)) عن عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما- عندما أُخبر بالذين نبتوا نابتةً يأخذون بنِحلةِ القدر:
يقولون: ((الأمر أُنُف، والعبدُ هو فاعلُ ما يأتي به
في حياته من قولٍ وعمل، والله رب العالمين لا يعلم ذلك حتى يقع في مُلكه -تعالى
الله عما يظنون علوًا كبيرًا-)).
قال عبد الله بن عمر:
((فإذا لقيتَهُم؛ فأخبرهم أنى برئٌ منهم وأنهم بُرآءُ
منِّي, والذي يحلفُ به ابن عمر لو أنَّ لأحدِهم مِثلَ أُحِدٍ ذهبًا فأنفقه؛ لم
يُتقبل منه حتى يؤمنَ بالقدر)).
فالإنسان إذا كان مُبتدعًا؛ فإنه لا يُقبلُ منه عملٌ
يَصلُح هذا العمل أنْ يكونَ في حالِ استقامتهِ عملًا صالحًا متقبلًا عند ربِّ
القوى والقدر، أما إذا كان مبتدعًا؛ فإنَّ اللهَ يرُدُّ عليه عَمَلَهُ؛ ((والذي يحلفُ به ابن عمر لو أنَّ لأحدِهم مِثلَ أُحِدٍ
ذهبًا فأنفقه؛ لم يُتقبل منه حتى يؤمن بالقدر -حتى يخرج من بدعته-)).
أما إذا ما ظلَّ على حالهِ في بدعته؛ فإنه لا يُقبلُ
منه عمل.
الخوارج؛ يقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
لأصحابه: ((يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ
صَلاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وقراءته مع قراءتهم, يَمْرُقُونَ مِنَ
الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ))، والرَّميةُ:
المَرمية، فهؤلاء لا يُقبل منهم عمل.
*والعلماء في هذا على أقوال:
*((لا يُقبل منهم عملٌ بمطلقِ عمل))؛
هذا قول، وهو قولٌ قويٌ متين.
*وبعضُهم يقول: ((لا
يُقبلُ منه عملٌ يرجعُ إلى بدعتهِ التي ابتدعها))؛ لأنَّ البدعةَ قد
تكونُ كليةً وقد تكونُ جزئيةً:
*البدعةُ الكليةُ: تنتظمُ كثيرًا من أصولِ
الديانةِ:
*الذي يقول بالتحسينِ والتقبيحِ
العقليين: وهي بدعةٌ أصليةٌ ليست بإضافية.
*الذي يقول إنه لا يأخذٌ بأحاديث
الآحاد: ينكرُها أن تكون مأخوذًا بها في أمر الاعتقاد
فإنه يرد أصولًا في الشريعة وفي الاعتقاد, فهذا لا يُقبل منه شيء.
وأما أنه لا
يتوب؛ فلأن اللهَ ربَّ العالمين لما زُيِّنَ لهذا سوءُ عملِهِ؛ جعله اللهُ رب
العالمين ملعونًا, لعنهُ اللهُ ربُّ العالمين ولعنتهُ ملائكةُ اللهِ ربِّ العالمين
ولعنهُ المؤمنون, كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبلَّغنا ذلك عن
نبينا -صلى الله عليه وسلم- عليٌّ -رضي الله عنه-, وهو يتكلم عن المدينة: ((مَنْ آوَى فيها مُحْدِثًا أَو أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).
فالمبتدعُ ملعون, ملعونٌ على لسانِ النبيِّ المأمون
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، بل أخبرنا أنَّ اللهَ ربَّ العالمين يلعنُ المبتدع, ((مَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا –يعنى:
في المدنية النبوية- أَوْ آوَى فيها مُحْدِثًا))؛ ولأنَّ الذي يؤوي
المحدثُ المبتدع يكونُ مُوقِّرًا لأهلِ البدع, ((ومَن
وَقَّرَ صاحبَ بدعةٍ؛ فقد أعان على هدم الإسلام)), من وقَّرَ صاحبَ
بدعةٍ فقد أعانَ على هدمِ الإسلام, حقُّهُ أنْ يُهان؛ لا أنْ يُكرَّمَ ولا أنْ يُصان,
حقُّهُ أن يُهان، كما فعلَ عمر -رضوان الله عليه- مع صبيغِ بن عِسْل، وكان يتكلم في
المتشابهات في القرآن, ينشرُ هذا بين المسلمين فلمَّا أُشخصَ إليه؛ فكان بين يديه
وكان لا يعرفه.
قال: ((مَن أنت؟))
قَالَ: ((عَبْد اللَّهِ صبيغ)).
قَالَ: ((وأنا عَبْدُ اللَّهِ عمر)), ثم دعا بعراجينِ
النَّخلِ، فما زالَ يضربهُ حتى شَجَّهُ.
قال: ((اضرب رأسَه، فإنَّ الشيطانَ إنما يكونُ في الرأس)).
فما زال يضربهُ حتى دَمَّاه، ثم أمر به فحُبِس, ثم
تذكره, فدعا به فجيء فضربه, ثم أمر به فحُبس, حتى قال له صبيغ: ((يا أمير المؤمنين إنْ كنتَ قاتلي فاقتلني قتلًا جميلًا, فوالله لقد ذهب عني الذي كنت أجِد)).
وعمرُ ذو فِراسة -رضوان الله عليه- فعَلِمَ صِدْقَه
وحُسْنَ توبتهِ، ثم إنه أُشْخِصَ، فكان في مكانهِ وعزمةُ أميرِ المؤمنينَ تُلاحقُهُ,
كلمَّا أَمَّ –أي:
قصد- حلقةً في مجلسِ؛ في مسجدِ أو غيره، إذا ما رآه المُتَحَلِّقُونَ جائيًا؛ قال
بعضُهم لبعض: ((عزمةُ أميرِ المؤمنين))؛
فيتفرقون ويُترك وحيدًا.
فحقُّ المبتدعِ أنْ يُهانَ، لا أنْ يُكَرَّمَ؛ إذ هو
ملعونٌ بلعنةِ اللهِ، ملعونٌ بلعنةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يلعنهُ الناسُ
أجمعون، ((مَنْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا أو أَحْدَثَ
فِيها حَدَثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ))، لو كان هذا إخبارًا؛ فهو كذلك، وإذا ما كان دعاءً؛
فدعاءُ النبيِّ مُستجاب -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
دينُ اللهِ ربِّ العالمين دينٌ كاملٌ، وعلى العبدِ أنْ
يتعلمَ مِن دينِ اللهِ رب العالمين ما يُريدهُ اللهُ ربُّ العالمين منه, إذ مِن
العِلمِ ما هو فرضُ عَيْنٍ على كلِّ مُكَلَّفٍ؛ إذا لم يتعلمهُ؛ عُذِّبَ وعُوقِب، مِن
العلمِ الشرعيِّ ما هو فرضُ عَيْنٍ على كلِّ مُكَلَّفٍ, ما لا يَصِحُّ الواجبُ إلا
به فهو واجب, ينبغي عليه أنْ يعلمَ من أصولِ الاعتقادِ ما يحمي به قلبَهُ وما يصونَ
به فؤادَهُ وما يجعلُ ضميرَهُ وتَصَوَّرَهُ مِن ضلالاتِ أهلِ الضلال وزَيْغِ أهلِ
الزَيْغِ في حِصْنٍ حَصين؛ وإلَّا فما أكثرَ الشُّبهات وما أكثرَ الزائغين الذين
يريدونَ أنْ يَحرِفوا المسلمين، والشبابُ ضائعٌ مسكين, فما أكثرَ الشبابَ الذين
يتركونَ دينَ اللهِ رب العالمين!
إنَّ التِّيجانيَّةَ:
وهي نِحلةٌ كُفرية يَدَّعي أهلُها أنهم من أهلِ التَّصَوفِ ومن محبي آل البيت -وكذبوا
عليهم لعائنُ الله-, هؤلاء ينتشرون في القرى والمدن المصرية, ينتشرون كانتشارِ الذُّبابِ
على القُمامةِ في بواكيرِ الصَّيْفِ، والناسُ لا يعلمون، هؤلاء التِيجانية يُخرِّبونَ
العقائدَ ويصيرُ المسلمُ بسببهم كافرًا، و((القَاديانية)) و((عبادة الشيطان)) على اختلافِ
شُعَبِها؛ تسري في الشبابِ كسريانِ النار في الهَشيم.
أيها المُسلمون؛ إنَّ دينَ اللهِ ربِّ العالمينَ
أمانةٌ في أعناقِكم, تَعَلَّموا العقيدةَ وعَلِّمُوها, دَعُوكم مِنْ خِلافاتِكم
جانبًا، فإننا نريدُ اليومَ أنْ يعلمَ المسلمُ أنه مُسلم.
يا لله! ما أكثرَ ما تقهقرنا!!
ما أكثرَ ما تراجعنا!!
إنَّا لله وإنَّا لله راجعون, نريدُ أنْ يعرفَ المسلمُ
أنه مُسلم وأنَّ اللهَ كَرَّمَهُ.
يَسْرِي اليومَ كسريانِ السَّرَطَانِ
في الجَسَدِ الحيِّ أفكارٌ كُفرية مِنها:
*ما يتسللُ إلى كثيرٍ مِن الطيبين, يقول:
الأديانُ كلُّها حقٌّ وكلٌّ يعبدُ ربَّهُ, والمعبودُ في المُنتهى هو المعبود,
فسواءٌ كان العابدُ مُسلمًا أم كان عابدًا على أي نِحلةٍ تكون؛ فهو عابدٌ لخالقِ
الكَوْنِ، لمالكهِ، للذي يُدبرُ أمْرَهُ، هكذا؟!!
هذا كُفْرٌ بدينِ الإسلام، هذا كُفْرٌ بدينِ مُحَمَّدٍ
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
*فينتشرُ بين كثيرٍ من المسلمين، كثيرٌ من المسلمين يُقرِّرونَ
جازمينَ: بأنَّ من ماتَ على كُفرِهِ مُدافعًا عن أرضهِ أو عن عِرضهِ، وقد مات
كافرًا؛ فهو شهيد وهو من أهلِ الجنَّةِ, وقد لا يلحقُ به في درجتهِ فيها مُسلمٌ
مُوَحِّدٌ, هذه أمورٌ عجيبة وكلُّها نَسْفٌ لقواعدِ اعتقادِ أهلِ الحقِّ أهلِ السُّنَّة.
يا أيها المسلمون، حمايتُكم مِن الضَّلال, حمايتُكم
من الفساد, حمايةُ أبنائِكم من الانحراف, حمايتُكم من الشُّبهات, حمايةُ أجسادِكم
من الأمراضِ التي تفتكُ في أهلِ الباطلِ الذين لا تَحجزُهم عقيدةٌ سويَّةٌ عن مواقعةِ
الانحرافات الجسدية، حمايتُكم في هذا كلِّهِ, ونجاتُكم من الدَّمارِ والضلالِ
والهلاكِ والكُفرِ والشِّركِ والزَّيْغِ ونجاتُكم في الآخرةِ مِن النار, كلُّ ذلك
بأنْ تَعرفوا وأنْ تَعلموا وأنْ تُحقِّقوا العقيدةَ التي جاءَ بها النبيُّ
المُختار؛ نبيُّكم -صلى الله عليه وسلم-.
ولا حرجَ
عليك أنْ يصيبكَ جهلٌ في ناحية، فهذا واقعٌ لكلِّ أحد؛ فلا يحيطُ بالسُّنة إلَّا
النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لكنْ علينا أنْ نتعلم، وأنْ نعرفَ أنَّ
هنالك أصولًا ثابتة وقواعدَ راسخة, وأنَّ الإنسانَ ينبغي أنْ يكونَ بها بصيرًا
وبها مُلِّمًا وعليها قائمًا ولها مُحَصِّلًا, أما أنْ يَدَعَ هذا جانبًا ثم يسيرُ
في الحياةِ كما يسيرُ أهلُ الأديانِ الباطلة والمِلل الكُفريةِ الفاسدة والنِّحلِ
الوثنيةِ الفاجرةِ، وهو يقول: وظيفةُ الدين أنْ يُهذِّبَ الطِّباع ويُصفِّيَ
الأخلاق؛ لا، ليست هذه بوظيفةِ الدين، وإنما هي ثمرةٌ لالتزامِ قواعدِ الشرعِ
المتين, إنما هي نتيجةٌ لمن حقَّقَ الاعتقاد الصحيح وعَرَفَ دينَ الإسلامِ الذي
جاءَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
إنَّ نبيَّكم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوضِّحُ
لكم: أنَّ حياتَكم وآخرتَكم رهنٌ باستقامتِكم على ما جاءَ به, وثلاثةُ النَّفر
الذين أرادوا الخِصاءَ لكي يخرجوا من حدِّ الشهواتِ باستعارِها في الدماء؛ هُم من
أصحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فأرادوا أنْ يَتَبَتَّلوا،
ففكروا في الخِّصاءِ؛ لكي تنقطعَ المادةُ بشهوتِها ولكي يصيروا جُملةً وتفصيلًا
للعبادةِ وحدَها, ذهبوا إلى أبياتِ رسولِ الله؛ فسألوا عن عبادتهِ فلمَّا أُخبروا
بها، كأنهم تَقَالُّوها -عَدُّوهَا قليلة-، فقال أحدُهم: ((أَما أنا فأصوم ولا أُفطر, وأما أنا فأقوم ولا أَفْتُر,
وقال الثالث: وأما أنا فلا أَنكح –أي:
أتزوج النساء-)).
إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- غفرَ له ربُّهُ ما
تَقدَّمَ من ذنبهِ وما تَأخر, فعبادتُهُ على حَسَبِ مَقامهِ, ومقامهُ ليس فوقَهُ
لأحدٍ من الناسِ مقام, قد غَفَر له اللهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبهِ وما تأخر, وأما نحن
فالهلاكُ محيطٌ بنا، مُدركٌ لنا بأسبابهِ، شاملٌ لنا بأشطانهِ، إلا لم نَجِدَّ
ونجتهد فوق جِدِّ واجتهادِ وعبادةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك جَمَعَ
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين ما يتعلقُ بأمرِ العبادةِ وما يتعلقُ
بأمرِ العادة, جعلَ ذلك كلَّهُ مجموعًا بترهيبٍ كبير وبِزَجرٍ شديد.
استَدَعاهم
رسولُ الله وعَدَلَ فيهم -وهو الذي لا يجور-, فقال: ((أنتم
الذين قُلتم كذا وكذا؟))، فاستنطقهم حتى يَعرفَ ما قالوا على وجهِ
التحقيق.
فلما أقروا؛ قال:
((أَمَا إني لأتقاكُم لله وأخشاكُم لله, وأنا أقومُ
وأَرْقُد, وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ, وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ))، ثم قال: ((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)).
صيامٌ يَتطوعُ به الرَّجُل, وقيامٌ يتطوعُ به كذلك,
وأمرٌ عاديٌّ قد يعلو فوقهُ المرءُ؛ لا يحتاجه وهو أَمْرُ الزواج؛ لأنه يعتريه مِن
الأحكامِ التكليفيةِ الخمسةِ ما يكونُ به نازلًا، وبه محيطًا، وله بحُكمهِ شاملًا؛
لأنَّ الزواجَ أحيانًا يكون ((حرامًا)) إذا لم يملك المئونةَ أو كان عاجزًا عِزهادًا
لا يستطيعُ أنْ يواقعَ أهلَهُ، أو هو متحققٌ أنه إنْ تزوجَ؛ ظَلَمَ امرأته أو ظلم
مَن يقومُ على أَمْرِهِ من أبٍ أو أُمٍّ؛ ثم هو لا يخشي على نفسه العَنَت, فهذا إنْ
تزوجَ على هذا النحو؛ فإنَّ الزواجَ يكونُ
حرامًا في حقِّهِ, ومع ذلك يقولُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقد جمعَ ما مرَّ: ((مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)).
فدينُ ربِّكم عبادَ الله, تَعَلَّمُوه؛ فيه الصلاح،
وفيه الفَلاح، وفيه الأمْن، وفيه الأمَان، وفيه العَافية، وفيه الاطمئنان، وفيه الاستقامة،
وفيه الخَير، وفيه النُّور، وفيه الهُدى، وفيه البَركة ، فيه الطُّهر، وفيه النَّزاهة،
وفيه العَفاف.
هو دينُ اللهِ ربِّ العالمين الذي رضيَهُ لَكُم, هو
الذي أكملَ لكم هذا الدينَ العظيم, ولم يَقبل مِنْ أحدٍ دينًا سواه، فكلُّ الخَلْقِ
عنه محجوبون إلا إذا جاءوه خَلْفَ النبيِّ المأمون.
نسأل اللهَ ربَّ العالمين أنْ يُفهِّمَنا حقيقةَ
الدين وأنْ يُقيمَنا عليه وأنْ يقبضنا عليه وأنْ يحشرنا في زُمرةِ النبيِّ الذي بُعِثَ
به إنه على كل شيءٍ قدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة
الثانية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- أكَرَمنا بهذا الدين,
اللهم كما قد مَنَنَتَ علينا بالإسلامِ من غيرِ أنْ نسألك، لا تحرمْنَا الجنَّةَ
ونحن نسألُك, اللهم إنَّا نسألُك الجنَّةَ وما قَرَّبَ إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذُ
بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عمل.
إنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- علَّمَ
أصحابَهُ كيف يُوازنون بين القوةِ العِلمية والقوةِ العملية؛ لتهدأَ النَّفس ويرتاحَ
القلبُ ويطمأنَ الضمير, ولا يحدثُ شيءٌ من ذلك إلا بتوازنِ القوتين العِلميةِ
والعَملية, أقوام يُحصلِّون العِلمَ لا يعملون, هؤلاء في قلقٍ بالغٍ لا يستقرون,
هؤلاء جَفافُ أرواحِهم وقساوةُ قلوبِهم وقلقُ ضميرِهم؛ حدِّث عنه ولا حَرَج, مهما
حَصلَّوا، فإنَّ دينَ الإسلام العظيم لا يستقيمُ في قلبٍ إلا بتوازنِ القوتين
علمًا وعملًا, وقد زاوجَ اللهُ ربُّ العالمين بينهما في القرآنِ العظيم في مواضعَ
كثيرة فيذكر: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، إيمانٌ وعملٌ صالح,
وأما العِلم وحدَهُ بجفافِ سياقاته حيثُ لا يُثمرُ عملًا وحيثُ لا يُنتج في القلب
أثرًا، فهي قساوةُ القلبِ لا محالة.
وعالمٌ بعلمهِ لا يَعملنَّ *** مُعَذَّبٌ قَبْلَ عُبَّاد الوَثَن.
وعالمٌ بعلمهِ لا يَعملنَّ *** مُعَذَّبٌ قَبْلَ عُبَّاد الوَثَن.
كما أخبرَ الرسول في حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- في
أول من تُسَعَّرُ بهم النارُ يوم القيامة قبلَ عُبَّاد الوثن.
قال: ((عالِم, يُؤتَى
به فيعرِّفهُ نعمهُ عليه فيَعرفُها)).
فيقول: ما عملت فيها؟
يقول: تعلمتُ العِلمَ
وعلَّمْتُهُ لأجلك, وقرأت فيك القرآن -لأن في رواية: أنَّ قارِئًا
أيضًا هو أولُ من تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة-, فيقول: تَعلمتُ العلم وعلَّمْتُهُ لأجلك وقرأتُ فيك القرآن.
فيقول: كَذَبْت وإنما
تعلمتَ العلم وعلَّمْتَهُ ليُقالَ عالِمُ وقد قيل, ثم يُأمر به فيُسحب على وجهه،
فيُلقى في النار.
والقارئُ يقول:
قرأتُ فيك القرآن.
يقول: كذبتَ وإنما قرأتَ ليُقال قارئٌ وقد قيل, فيفعل به كما مرَّ
في الأول)).
فعالمٌ بعلمهِ لا يَعملنَّ *** مُعَذَّبٌ قَبْلَ عُبَّاد الوَثَن.
هي أمانةٌ، ليسَ عالِمٌ كجهول, ليس من أتاه اللهُ ربُّ
العالمين عِلمًا كمَن هو سادرٌ في ظُلماتِ جهلهِ, لا تشرقُ عليه شمسُ المعرفة بصُبْحِها
المنُير, فهذا في دياجير الظلامِ يتلدد, ليس هذا كهذا، والأصلُ في العلمِ أنْ يرفعَك،
فمن أخلدَ إلى الأرضِ واتَّبَعَ هواه مُنسلخًا منه تحقيقًا له وعملًا به ودعوةً
إليه فمَثَلُهُ كمَثَلِ الكلبِ إنْ تَحمل عليه يَلهث أو تتركهُ يَلهث, فهذا مَثَلُ
عالمِِ السُّوءِ؛ لأنه يَصُدُّ عن سبيلِ الله.
ما عَلمتهُ فاعمل به، لا نجاةَ لك إلا بهذا, مهما
عَلِمتَه من أمرٍ ومهما عرَفتَ من دينِ ربك؛ فقد وَجَبَ عليك أن تعمل به, إنْ فَصَلْت؛
فهو النفاق.
النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- علَّمهم كيف
يوازنون بين القوتين, بين القوة العِلمية والقوة العَملية, الذي يُغَلِّبُ القوةُ
العِلميةُ على القوةِ العَمليةِ؛ لا يُحَصِّلُ شيئًا ويُخشى أنْ يُختمَ له بِشر.
وأئمتُنا -رحمةُ اللهِ عليهم- من الصحابةِ -رضوان
الله عليهم- ومن تلاهم تابعًا إياهم بإحسان يوازنون, فالصحابةُ هم أعلمُ الأمةِ بعد
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكلامُهُم قليلٌ؛ كثيرُ البركة، وكلامُ مَن بعدَهم
كثيرٌ قليلُ البركة, كخُرُّوب الرومي -كالخُرُّوب المعروف- كخروب الرومي, قنطارُ
خشبٍ ودِرهم حلاوة, وأَما كلامُ الصحابة والسلف فقليلٌ كثيرُ البركة، وهم يعبدون
اللهَ -تبارك وتعالى- على بصيرةٍ من أمرِهم وهم الذين حقَّقوا العلمَ أخذًا مِن
نبيِّهم بأعلى إسنادٍ يكون؛ فَمًا لأُذُن -رضوان الله عليهم- أجمعين.
فوَازَنَوا بين
العِلم والعَمل, واليوم فئامٌ كثيرةٌ من
المسلمين فُتحَ عليها أمرُ الكتابةِ والقراءة والسماع؛ فيسمعون ويعرفون، ولكنهم وأسفاه
لا يعملون وبدينِ الإسلام العظيم وأخلاقهِ لا يتخلقون, وهو أمرٌ لا ينبغي أنْ يكون؛
لأنَّ فيه صدًّا عن سبيلِ الله؛ لأن الجاهل إذا رأى المُتَّسِمَ بالعلمِ ظاهرًا
والمتكلمَ به زاعقًا على غير السَّويَّةِ والصراطِ المستقيم؛ حملَهُ ما يراه؛ على
أن يُفَرِّطَ في جنبِ الله وعلى ألا يكونَ قائمًا على صراطِ ربِّهِ, فهذا صدٌّ عن
سبيل الله.
علماءُ السُّوء
قعدوا للناسِ بطريقِ الجنة أو على بابِها؛ يَدْعون الناس إلى الجنة بأقوالهِم
ويصدون الناس عن الجنة بأفعالهِم, كلامٌ بلا عَمل وعِلمٌ بلا أثر، كل هذا مما
يترفعُ عنه كل مؤمنٍ صادقٍ في إيمانه, وفى المقابل قوةُ عَمليةُ بلا قوة عِلمية كالعُبَّاد الجُهَّال
الذين يعبدون على غيرِ بصيرةٍ، فهؤلاء نومهم أزكى لهم من عبادتِهم, هؤلاء يُفسدونَ
أكثر مما يصلحون، هؤلاء يعبدون اللهَ بالتَّشَهي والهوى.
والنبيُّ
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أتى بدينِ الحقِّ, الاعتقادُ مقررٌ واضحٌ،
لا ينبغي مُطلقًا أنْ يَشُوبَهُ شيءٌ، وإلا فهو الشِّركُ، وإلا فهو النِّفاق، وإلا
فهي البِّدع، وإلا فهو الزَّيْغُ والضلال -نسأل الله العافية-, اعتقادًا يحمي اللهُ
به القلبَ مِن كلِّ ذلك؛ لكي يكونَ مستقيمًا على مِنهاجِ النُّبوة, وعبادةٌ
بتوقيت, فلا يَعبدُ اللهُ -تبارك وتعالى- بالتَّشهي, ولا يَعبدُ اللهُ ربُّ
العالمين بالهوى، وإنما يَعبدُ اللهُ ربُّ العالمين بما شَرَعَهُ على لسانِ نبيِّهِ
-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والأمرُ قريب, ولكن هذا الدينُ الذي هو يُسْر صَعَّبَهُ
أهلُه, خافَ منهُ المتلقون؛ لأنهم يظنون أنَّ دينَ الإسلامِ العظيمِ هو تلك
التفريعات التي زَخَرَت به الحواشي والشروح؛ لا، الدين الحنيفية السَّمْحَة مِلة
إبراهيم، أنت تَعبدُ اللهَ مخلصًا له الدين, فإذا ما عرفتَ ربَّكَ بأسمائهِ وصفاتِهِ
ووحَّدْتَهُ في ربوبيته، صَرفتَ العبادةَ لوجههِ مُوحِّدًا إياه في إلوهيته والأمر
قريب، وقد جعل اللهُ ربُّ العالمين دين الإسلام دائرًا على كلمتين: ((لا إله إلا
الله مُحمدٌ رسول الله)):
ألَّا يُعبدَ
إلا الله، وألَّا يُعبدَ اللهُ إلا بما شَرع, التوحيدُ والاتَّبَاعُ, فعليك أنْ
تَعرف اللهَ بأسمائهِ وصفاتِه, ومعرفةُ اللهِ مركوزةٌ فِطرةً في الأنَفُسِ والقلوبِ
والفِطَر, ولكنْ يُغَشِّي على الفِطرةِ ما يُغَشِّي مما ذَخَرَ به مجتمعُ
المسلمين, الكُلُّ يتداعَى إلى القصعةِ بثَريدها، وَيحكم ألا تفيقون؟!!
دَعَوا الخِلاف جانبًا، عندكم أصلٌ مَتين, لا يَصِحُّ
لكم إلَّا به الدين, وهو التوحيدُ توحيدُ ربِّ العالمين؛ حَقِّقوه، فإنَّ أكثرَ
المختلفينَ ليسوا بمُوحِّدين, أكثرُهُم جَهَلَة بما أنزلَ اللهُ على رسولِه, أكثرُهم
لا يعرفُ ربَّه بأسمائهِ وصفاتِهِ، زائغٌ في هذا البابِ، ضالٌ مُنحرف, أكثرُهُم
زائغٌ ضالٌ في بابِ القضاءِ والقَدَرِ, وللواحدِ مِنهم قَدمٌ راسخٌ في مجالهِ وفي
دعوتِهِ وفي اختلافِهِ وخلافهِ وشَغْبِه, ولكن لم يُصحِّح عقيدتَهُ، ولم يُصحح
لأتباعهِ عقيدتَهم، وإنما هو في ضلالٍ مُبين.
تَعَلَّم
عقيدتَك واحرص عليها؛ لأنَّ القصعةَ تتداعى عليها الأمم كما قال رسولُ الله, في
ديارِ المسلمين في مخادعِهم؛ يُدْعَى إلى ((مرزا غلام أحمد القادياني)) -عليه لعنة
الله-، ذلك الكافر الضال الذي أَسَّسَ دينًا؛ أرادوا أن يُروِّجوه, يَرَوِّجوه عند
المسلمين عند السُّذَّج؛ عند المساكين الذين يُخدَعون, فقالوا ((الأحمدية))، حَسَنٌ؛
عند المسلمين الطيبين صنمٌ بطريقة الأحمدية أيضًا، فيظنٌ الواحد منهم هذا هذا, نعم
هذا كهذا حذو النعلِ بالنعل، ولكنَّهُ سواه, هذا ابتدع دينًا وفي مَخدعك, لا أقولُ
تَسَللَ إليك وإنما تُستدعيه لتعرفَ ((عقائد القَاديانية))، ولا حصيلةَ عندك من توحيدٍ
صحيحٍ يحميك، فتأتى الشُّبهات.
والذين زاغوا من أهلِ البدعةِ في داخلِ إطارِ أهلِ
القبلةِ؛ كانَ أهل السُّنةِ من علمائِها لا يسمعونَ منهم نِصف كلمة.
يأتي هذا المبتدع إلى ذلك الإمام يقول:
((أريد أن أسألك سؤالًا)).
يقول: ((لا)).
يقول: ((فاسمع مني كلمة)).
يقول: ((ولا نصف كلمة)), ويضع إصبعيه في أُذنيه حتى
ينصرف.
يُقْبِلُ عليه من هنالك:
((وما يضرُّك لو أنك سمعت منه، وكان يقولُ لك إنه
سيتلو عليك آيةً من كتاب الله؟!))
يقول: ((لا آمن أنْ يُحرِّفها
عن وجهها فتقع الشُّبهة في قلبي؛ فلا تخرج -نسأل
الله العافية-)).
أبنائٌك وإخوانُك حَفَدُتُك وصِحَابُك يُقْبِلُون على
هذه الكُفريات ومنها يَعبُّون وينهلون, حتى الذين يشتمونَ النبي -صلى الله عليه
وعلى آله وسلم- يُسمعُ لهم, ويقول القائل لكي نستنكر عليه، أنت تريدُ أن تسمعه لترُدَّ
عليه في ذات الوقت!
كيف ترد؟!
هذا يشتم نبيك, ويلعن دينك هذا يُسفِّهُ عقلك!
هذا يُزري برُوحك!
تسمعه!...
ولماذا تسمعه؟!
من أجلِ ماذا تسمعه؟!
من أجل أن ترد عليه!
من أجل أن ترد عليه عند مَنْ؟!
هذه الأمور؛ ((البهائية)):
هذه النِحلةُ الكُفرية منتشرةٌ بين المسلمين.
((عقيدة الروافض)):
باسم حُب أهل البيت والحُسين الشهيد وعليٍّ المظلوم؛ يَرَوَّجُ لباطلِهم، وكلهُ
خروج عن دين الإسلام العظيم إلا في مفرداٍت يسيرة سَلِمَت من هذا الخروج, ومع ذلك
تنازعَ أهلُ السُّنة من العلماء في تكفيرهم وعدمِه, وكذلك تنازعوا في القَدرية وفى
المُرجئة وفى أهل الضلال وطوائف أهل البدعة.
تَعَلَّم عقيدتَك وعَلِّمْهَا أولادَك؛ لأنك لا تأمن
وقد وقع.
والذي يَدْعُو إلى اللهِ رَبِّ العَالمِينَ في هَذَا الزَّمَان،
إذا عَرفَ مِنْهَاجَ النُّبُوَّة؛ فهو مُعَذَّبٌ مِسْكِين؛ لأنَّهُ يُؤتَمْنُ على أمورِ
الخَلْقِ وهُمُومِهم، وكانَ الإنْسَانُ رُبَّمَا ظَنَّ أنَّ هُمُومَهُ قَد رَاحَت فأَرَاحَت،
فإذا هيَ مُستَعِرَةٌ بِلظَاهَا بَيْنَ الحَنَايَا والجَوَانِحِ والضُّلُوعِ، فيَسْمَعُ
ولا يَجِدُ حَلًّا, حتى لتَجِدَ ابنك قد صار شيعيًا رافضيًا يحيا معك تحت سقفِك
ويأكلُ خبزك يكسرُ رغيفك يشرب ماءك وهو يلعنُ أصحابَ نبيِّك ويُكفِّرهم وأمهات
المؤمنين ويطعن في كتابِك, بل يُسَفِّه نبيك -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل
يقضي عليك بأنك نَجِسُ العَيْنِ وأنت لا تدري لأنكَ مُغيَّبٌ مسكين.
وكيف تكتشف ما عليه الولد من الضلال وأنت لا تعرفُ
هذا الأمر أصلًا؟!
كيف تكتشفهُ؟!
لعلك تحسبُ ذلك مما منَّ اللهُ به عليك, وأنَّ الخيرَ
الذي كان في أسلافك قد حطَّ في أبنائك وسيستمرُ في حفدتِك فإذا هو الكُفرُ الأصلعُ
والضلالُ المبين.
وَيحك انتبه!
قد يصير بهائيًا، وقد يصير قاديانيًا، وقد يصير عابدًا للشيطانِ الرجيم.
نعم، ما أكثر الشُعَب التي خرجت عن هذه النِحلة؟!
وإنَّ كثيرًا منهم ليخرجَ في العاصمةِ بِزيِّهِ المعروف, جهارًا نهارًا؛ يتحركون بذلك
في شوارعِها ويدعون الناس إليها، حتى تخرج أنت من شُبهاتِك من عَذاباتِك إلى واحةِ
الراحة حيثُ الظلُّ الظِليل والماء العذبِ النمير، حيثُ سكونُ القلب واطمئنانُ
الروح، ولا يكون ولا يكون إلا بالتوحيد, وإنَّ الصحابةَ -رضوان الله عليهم- منهم
من يأتيه الرُّمُح من خلفٍ لا من جُبن وإنما من غدر, وينفجر شلَّالُ الدماء مُنفجرًا
يحفنُ منه؛ يرفع يديه بدماه إلى السماء، والدماءُ مُنفجراتٌ من حَواياه ومن حنايا
ضميرهِ وقلبهِ؛ فيحفنُ ذلك؛ يدفعُ به إلى السماء يقول فُزت ورب الكعبة, فُزت ورب
الكعبة.
أي شيء هذا؟!
أين الألم؟!
أين أعصابنا الملتهبة من غير شيء؟!
المُعَذَّبة من غير مَسٍّ؟ّ
تقول لا مِسَاس, كل هذا يكون تحت مواطئ الأقدام إنْ
عَلت الروح فوق جسدها بإيمانها,
إنْ استعلت
فوق حاجات غريزاتها, تلك الأنفسُ الطاهرة من أتباعِ مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-
تستطيعُ إن استقامت على منهاج النبوة أن تَقلعَ الجبال من أماكنِها, وأن تُزلزلها
من نواحيِها وكلُّ ذلك بــ (لا إله إلا الله .. مُحمدٍ رسول الله).
يا له من دين لو كان له رجال.
في سكرات الموت! والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إِنَّ لِلْمَوْتِ لسَكَرَاتٍ)).
يقول قائلهم مُحْتَضَرًا:
((غدًا ألقى الأحبة محمدًا وحِزبه, غدًا ألقى
الأحبة)).
فأين أنتِ يا سكرات الموت؟!
أين أنتِ! أين أنتِ يا سكرات الموت؟ّ!
ليس لها وجود، وإنما هو انعتاقُ الروحِ من جسدها,
غدًا ألقى الأحبة محمدًا وحِزبه, الذي أثبتَ أبا جهل وقد ضربه فأثبته, حَملَ عليه
عِكرمةُ فأطار ذراعَهُ إلا جِلدةً؛ ظلَّ الذراعُ محمولًا بها يروح ويجيء, فآذاه
لأنه كان في المعركة، وهذا يَشْغَلُ عن المعركةِ والجلادِ والجهادِ في سبيل الله,
فجعله تحت رُكبته أو تحت قَدمهِ، ثم تمطَّى؛ ففصل ذراعه، ثم يا خيل الله اركبي, يا
خيل الله اركبي.
هؤلاء صَنَعَهُم
اللهُ ربُّ العالمين على عَيْنِ هذا الدين فتَعَلَّمُوا العقيدةَ الصحيحة وتحققوا
بالاتَّباعِ المتين خَلْفَ محمدٍ الأمين.
يا أمتي ! يا
أمتي المرحومة!
يا أمةَ مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-
يا لمكانكِ
بين نجومِ السماءِ عاليًا فوق الذُّرَى
لو عَرَفْتِ
مكانكِ، لو حَقَّقَتِ وجودكِ, لو تمسكتِ بمنهاجِ النبوة وبما جاءَ به مُحمدٌ -صلى
الله عليه وسلم-، تعلموا العقيدة وعَلِّموها يُحمى المجتمعُ من هذه الأفكارِ
الشاذة, والنِحلِ الباطلة, والدياناتِ الوافدة, فإنهم يريدونك, ويريدون أبناءَك,
ويريدون حفدتَك, ويريدون إخوانَك, ويريدون جيرانك, يريدون أباك وأمك وأخاك وأختك
وعمتك وعمك وخالتك وخالك, يريدون كلَّ ذلك من المسلمين؛ لا مُسلمًا ولا كافرًا وإنما
تائهًا وحينئذٍ يكون لكلِّ ضالٍّ في الأمة نصيب.
نسأل الله أن يَرُدَّنا والمسلمين أجمعين إلى الحق ردًّا
جميلًا.
وأنْ يُحسنَ ختامنا.
وأنْ يُحسنَ ختامنا
اللهم أَحسن ختامنا, أَحسن ختامنا, وأصلح ذات بين
المسلمين يا رب العالمين.
واجمع المسلمين أجمعين حكامًا ومحكومين على طاعتك يـــــا
أكرم الأكرمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-.