«الرد على الملحدين»
«دلالة الآيات الكونية على خالقها ومبدعها»
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ،
وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ،
وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فقد مَرَّت الأدلةُ بفضل الله تبارك وتعالى في
الرد على الملحدين بما لا يَدَعُ لهم مَخْرَجًا إلا أن يُقِرُّوا بخالقٍ لهذا الكونِ
الكبير، ثم جاء بعدَ ذلك سؤالٌ، وهو: إذا كان هذا الكون مخلوقًا لخالقٍ؛ فمَنْ هو هذا
الخالق؟
وقد مَرَّت الإجابةُ عن هذا السؤال، وأنَّ ما
يَهْدِي إليه الدليلُ العقليُّ هو ما قرره النصُّ القرآني، وكذا ما وَرَدَ عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بصفات ربنا جل وعلا.
وهذه الطريقةُ التي مَرَّت؛ إنما تَكُونُ في
الرد على الملحدين إذا أنكروا وجودَ الخالقِ جل وعلا بناءً على شبهاتٍ عقلية.
وأما إذا كان إلحادُهم إلحادَ بَطْنٍ وفَرْجٍ؛
فهؤلاء في الحقيقةِ لا يَنْفَعُ معهم إلا النَّعْلُ، وأما العقلُ؛ فَهُمْ بِمَبْعَدَةٍ
عنه!!
على كلٍّ حالٍ؛ منهجُ القرآنِ فِي الاستدلال
بالآيات الكونية على وُجُود الخَالِق الْعَظِيمِ هو المنهجُ الَّذِي تُقِرُّه الفطرةُ،
ويُسَلِّمُ له العقلُ، ويَشْهَدُ به الحس، إلا أن الْمُلْحِدِينَ – كما هو معلوم – ينكرون أصلًا أنْ يكونَ القرآنُ مِن
لَدُنْ ربِّنا جَلَّ وَعَلَا؛ لِأَنَّهُم ينكرون وُجُود الباري سبحانه، وبالتالي ينكرون
الوحيَ، وينكرون الرسالةَ، وينكرون البعثَ، وينكرون الجزاءَ.
في كتاب «العقيدة فِي الله»:
يَأْخُذُنا القرآنُ فِي جَوْلاتٍ وجَوْلَاتٍ
نَرْتَادُ آَفَاقِ السماءِ، ونَجُولُ فِي جَنَبَاتِ الْأَرْضِ، ويَقِفُ بنا عَنْد زَهْرَاتِ
الْحُقُولِ، ويَصْعَدُ بنا إِلَى النُّجُومِ فِي مَدَاراتِهَا، وهو فِي كلِّ ذَلِكَ
يَفْتَحُ أبصارَنا وبصائِرَنَا، فَيُرِيَنَا آثارَ قدرةِ اللهِ وتقديرهِ فِي المخلوقات،
ويَكْشِفُ لنا أسرارَ الخلقِ والتكوينِ، ويَهدِينا إِلَى الحكمةِ من الخلقِ والإيجادِ
والإنشاءِ، ويُبَيِّنُ عَظِيمَ النِّعَمِ التي حَبَانَا بها ربُّنا تبارك وتعالى فِي
ذَوَاتِ أنفسِنا، وفي الكونِ مِنْ حَوْلِنَا.
هو حديثٌ طويلٌ فِي كتابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا
يُطَالِعُنَا فِي طِوالِ سُوَرِ القرآنِ وقِصَارِه، وهو حديثٌ مُشَوِّقٌ تُنْصِتُ إِلَيْهِ
النَّفْسُ، ويَلَذُّهُ السَّمْعُ، ويَسْتَثِيرُ المشاعرَ والأَحَاسِيسَ.
وإذا طَالَعْتَ الكثيرَ مما تَوَصَّلَ إِلَيْهِ
الْعِلْمُ والْعُلَمَاءُ فِي شَتَّى جَوَانِبِ الحياةِ، يُبَيِّنُونَ أَسْرَارَ الخَلْقِ،
ودَلَالةَ الخلقِ على الخَالِقِ، إذا طَالَعْتَ ذلك؛ فَلَنْ تَجِدَ فِي شيءٍ مِنْ ذَلِكَ
كُلِّه ما تَجِدُهُ فِي القرآنِ مِنْ جمالِ وَصْفٍ، وَوَفْرَةِ عِلْمٍ، واسْتِثَارَةِ
مَشَاعِرَ، وحُسْنِ تَوْجِيهٍ، ودِقَّةِ اسْتِنْتَاجٍ، وكيف لا يكونُ كذَلِكَ وهو تَنْزِيلُ
الحكيمِ الحميدِ؟!!
تَعَالَ فَلْنَقُمْ بِجَوْلَةٍ مع الآياتِ القرآنيةِ؛
نَرْتَادُ هذا الكونَ لِيُرِيَنَا كيف تَعْمَلُ هذه القُدْرَةُ العظيمةُ فِي مُخْتَلَفِ
أَرْجَاءِ الكونِ:
فِي الْحَبَّّةِ تُلْقَى فِي التُّرْبَةِ الْمُظْلِمَةِ
فَتَنْفَلِقُ، وتَضْرِبُ بِجُذُورِهَا فِي تلك التُّرْبَةِ، فَيَخْرُجُ مِنَ الْحَبَّةِ
الْجَامِدَةِ حَيَاةٌ تَتَمَثَّلُ فِي سُوقٍ وأَوْرَاقٍ، وأزهارٍ تَفُوحُ بِالشَّذَى،
وثِمَارٍ يَتَغَذَّى بها الإنسانُ والحيوانُ.
وكذلك في الإصباحِ وهو يَنْبَلِجُ، وفي سُكُونِ
الليلِ السَّاجِي، ومَسِيرِ الشَّمْسِ والقمرِ؛ «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96») [الأنعام:
95-96].
وانظر إِلَى السحاب؛ كيف يُنْشِأُهُ اللهُ، والبَرَدِ
كيف يُكَوِّنُهُ ويُصَرِّفُهُ؛ «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ
يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ
(43») [النور: 43].
ويُحَدِّثُنَا اللهُ تبارك وتعالى عَنْ فِعْلِهِ
فِي الظِّلِّ؛ «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ
سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا
قَبْضًا يَسِيرًا (46») [الفرقان: 45-46].
وانْظُرْ إِلَى تَصْرِيفِهِ سبحانه شُؤُونَ الحياةِ
والأحياءِ والليلِ والنهار؛ «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (27»)[آل عمران: 26-27].
لا يكتفي القرآنُ بأنْ يُرِيَنَا قدرةَ اللهِ
وهي تَعْمَلُ فِي الكَوْنِ، وعِلْمَهُ يُحِيطُ بالمخلوقاتِ، وتَصْرِيفَه للشُّؤُونِ
المختلفةِ؛ ولَكِنه مع ذَلِكَ يُعَرِّفُنَا بالغايةِ التي خُلِقَ الكونُ مِنْ أَجْلِهَا.
خَلَقَ اللهُ هذه الْأَرْضَ مِنْ أَجْلِ الإنسان؛
«هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا» [البقرة: 29].
خَلَقَها لنا على نحوٍ يَتَوَافَقُ مع طَبِيعَتِنَا
وتَكْوِينِنَا، ويُحَقِّقُ لنا الصلَاحَ، وهذا ما سماه القرآنُ بالتَّسْخِيرِ.
وهو لا يخبرنا بذَلِكَ مجردَ إخبار، وإنّما يُوقِفُنا
على هذا التسخير الَّذِي جعله الله فِي الكون؛ «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ
لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» [لقمان: 20].
والنجومُ خُلِقَتْ لِنَهْتَدِيَ بها فِي ظُلُمَاتِ
البَرِّ والبَحْرِ؛ «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(97») [الأنعام: 97].
والأرضُ والسماءُ، وإنزالُ الماءِ من السحاب،
والسُّفُنُ السَّابِحَةُ فِي البحرِ، والأنهارُ الجاريةُ فِي جَنَبَاتِ الْأَرْضِ،
والشمسُ والقمرُ، وتَعَاقُبُ الليلِ والنهارِ... كُلُّ ذَلِكَ مخلوقٌ لنا ولِخَيْرِنَا
وَلِصَلَاحِنَا؛ «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ
(32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ»[إبراهيم: 32-35].
عَرَّفَنَا القرآنُ بأنَّ اللهَ خَلَقَ هذا الكونَ
وسَخَّره لنا، فَجَعَلَهُ مُتَوَافِقًا مع جِبِلَّتِنا، وقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا تَصْلُحُ
به حياةُ الإنسانِ، والقرآنُ يَتَّخِذُ مِنْ هذا الْحَدِيثِ والبَيَانِ سَبِيلًا لِيَشْكُرَ
الإِنْسَانُ رَبَّهُ، إذِ الإنسانُ مَفْطُورٌ على حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ؛ «هَلْ
جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60») [الرحمن: 60].
ولِذَلِكَ فقد أَفَاضَ القرآنُ فِي ذِكْرِ النِّعَمِ
التي حَبَاهَا اللهُ عِبَادَه فِي ذَوَاتِ أنفُسِهِمْ؛ «قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ
(23») [الملك: 23]، وكذَلِكَ جَعَلَهَا مَبْثُوثَةً فِي الكونِ مِنْ حَوْلِهِم؛ «الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً
مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ
ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عليه» [الزخرف: 10-13].
وخَلَقَ لنا الشَّمْسَ والقمرَ على نحوٍ يُحَقِّقُ
النَّفْعَ والصَّلَاحَ؛ «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ» [يونس: 5].
والأنعامُ مِنَ الجِمَالِ والأبقارِ والأغنامِ،
وكذَلِكَ خَلَقَ الْخَيْلَ والبِغَالَ والْحَمِيرَ، خَلَقَهَا لَنَا على نَحْوٍ يُفِيدُنَا،
وَيَتَنَاسَبُ مَعَ طَبَائِعِنَا وَتَكْوِينِنَا؛ «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ
فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا
بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
(8») [النحل: 5-8].
والبحرُ مخلوقٌ لنا أَيْضًا، وفي خَلْقِهِ على
ما هو عليه ما يُحَقِّقُ لنا الكثيرَ والكثيرَ؛ «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ
لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا
وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تشْكُرُونَ
(14») [النحل: 14].
والنَّحْلُ خَلَقَهُ اللهُ لِيَقُومَ بذَلِكَ
العَمَلِ الرائِعِ؛ لِيُنْتِجَ لنا ذَلِكَ الشَّرَابَ الْمُخْتَلِفَ الألوانَ، لِيَتَغَذَّى
به البَشَرُ، ويَكُونَ لهم شِفَاءً؛ «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي
مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي
مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا
شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69») [النحل: 68-69].
وقد حَثَّ القرآنُ عبادَ الله على النظر فِي
آيات الله الكونية: الْأَرْضِ، والسماءِ، وما فِيهما وما بينَهما، وجَعَلَ النظرَ والتأملَ
فِي ذَلِكَ مِنَ الذِّكْرَى التي تَنْفَعُ المؤمنينَ، وهذا ما سُمِّيَ ب«قانونِ السَّيْرِ
والنَّظَرِ»؛ لِكَثْرَةِ حَثِّ الآياتِ القرآنيةِ على ذَلِكَ، وقد يكونُ السَّيْرُ
والنَّظَرُ حِسِّيَّانِ، فَيَسِيرُ المرءُ على قدميه، وينتقل من بلدٍ لِآَخَرَ، كما
قد يكون النظر بالبصر، وقد يكونان – يعني السير والنظر - بالفكر والعقل.
وقد جاء الأمر فِي القرآن أمرًا عامًا؛ «قُلِ
انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» [يونس: 101]، وقد يأتي أمرًا خاصًا؛
«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ».
«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ
(24) [عبس: 24].
ويتخذُ القرآنُ مِنَ الآياتِ الكونيةِ مادةً
يناقِشُ بها المشركين، ويُقِيمُ بها الْحُجَّةَ عليهم؛ «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ
أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ
(31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ
(32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33») [الأنبياء: 30-32].
ويُبَيِّنُ لهم فَسَادَ مُعْتَقَدَاتِهِمْ فِي
مَعْبُودَاتِهِمْ، فهي لا تَمْلِكُ شيئًا مِنْ صفاتِ الرُّبُوبِيَّةِ والأُلُوهِيَّةِ
التي تَسْتَحِقُّ أنْ تُعْبَدَ لِأَجْلِهَا، وتُتَّخَذَ آلهةً من دون الله؛ «قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
(59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا
شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ
الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنَّهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ
بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
(61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاءَ الْأَرْض أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا
بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تعالى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
(63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(64») [النمل: 59-64].
إنّ الآياتِ تبين عدم صلاحِيَةِ الآلهة الْمُدَّعَاةِ
للعبادة والتقدير، فالله وحده الخَالِقُ للسماء والأرض، المنْزِلُ للماء من السماء،
الْمُنْبِتُ به الحدائقَ التي تَسُرُّ النفس، وتُبْهِجُ النظرَ، وهو الَّذِي جعل الْأَرْض
قرارًا وسَيَّرَ خلالها الأنهار، وثبتها بالجبال، فهو المعبود الْحَقّ، وغيره لم يفعل
شيئًا، فلا يستحق أن يعبد من دون الله.
وعلينا أن نستخدم هذا النوع من الاستدلال فِي
مواجهة الْكَفَرَةِ والْمُلْحِدِينَ، فقد استخدمه الرسلُ مِنْ قَبْلُ، وأَكْثَرُوا
مِنَ الاحتجاجِ به، فهذا إبراهيمُ خَلِيلُ الرحمنِ – عليه الصلاةُ والسلامُ - يُنَاقِشُ
الملحِدَ، ويُقِيمُ عليه الحجةَ بهذا النوعِ مِنَ الاستدلالِ، بحيث يَخْرَسُ لسانُه
ويَدْهَشُ فِكْرُهُ؛ «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ
آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ
قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ
مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258»)[البقرة: 258].
وهذا موسى كليمُ الله – عليه الصلاة والسلام - يَسْتَخْدِمُ
الاستدلالَ نفسَه فِي مواجهةِ طاغيةِ عصرِه فرعون، ولا يزال يأتيه بالدليل فِي إِثْرِ
الدليلِ حتى يُعْجِزَه، فَيَلْجَأ إِلَى التهديدِ والوعيد؛ «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا
رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي
أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا
بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي
لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29») [الشعراء: 23-29].
الكفر مُستَنْكَرٌ مُتَعَجَّبٌ منه مع وضوحِ
الأدلة، لِذَلِكَ يَسْأَلُ القرآنُ سؤالًا يَشِي بالعَجَبِ مِنْ كفرِ الكافرينَ مع
وضوحِ الأدلة والبراهين؛ «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28») [البقرة:
28].
ويَسْأَلُ فِي آيةٍ أخرى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ
مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8») [الانفطار: 6-8].
إنَّ مُقْتَضَى نَظَرِ الإِنْسَان فِي نفسِه
وفي الكونِ مِنْ حولِهِ يوجِبُ عليه التَّوَجُّهَ إِلَى خالقِه، وتعظيمَه، ولِذَلِكَ
كَانَ غريبًا كُفْرُ الكافرينَ وَجَحْدُ الجاحدين؛ «مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ
وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْس
سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْض نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ
فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18»)[نوح: 13-18].
ولكنَّ آياتِ اللهِ فِي الكونِ لا تَتَجَلَّى
على حقيقتِها الْمُوحِيَةِ إلا للقلوبِ الذاكرةِ العابدة؛ لأنَّ هذه القلوبَ انكشفت
عَنْها الْحُجُبُ، وتَفَتَّحَتْ واتَّصَلَتْ بالكون العجيب، فالقرآنُ أقام الوُصْلَةَ
بين القلبِ البَشَرِيِّ وما في هذا الكونِ الهائلِ الجميل، وهذه الوُصْلَةُ هي التي
تجعل للنظر فِي كتابِ الكونِ والتعرفِ إِلَيْهِ أثرًا فِي هذا القلب البَشَرِيِّ، وقِيمَةً
فِي الحياة البشرية.
هذه
هي الوُصْلَةُ التي يُقِيمُها القرآنُ بَيْنَ المَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ، بَيْنَ الإنسانِ
الَّذِي يَعْلَمُ ويَعْرِفُ، ولِذَلِكَ نَصَّ القرآنُ على أن الَّذِي يَهْتَدِي بِآَيَاتِ
الكَوْنِ هُمْ صِنْفٌ مُعَيَّنٌ مِنَ النَّاسِ؛ «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191»)[آل عمران: 190-191].
هَؤُلَاءِ هم الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِآَيَاتِ
الكونِ؛ لِأَنَّهُم لم يَقِفُوا عَنْد حدودِ الْمَنْظَرِ المَشْهُودِ البَادِي لِلْعِيَانِ.
إنهم يَسْتَخْدِمُونَ أَبْصَارَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ
وَعُقُولَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ فِي هذا المَجَالِ، مُسْتَرْشِدِينَ
بِآَيَاتِ الكتابِ التي تُعِينُ السَّمْعَ والبصرَ والفِكْرَ والعَقْلَ على التَّوَصُّلِ
إِلَى خيرِ ما يُمْكِنُ للإنسانِ أنْ يَصِلَ إِلَيْهِ؛ «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهِا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ
خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
(23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (24») [الروم: 21-24].
فالآيات تَتَكَشَّفُ للذين يتفكرون ويَسْمَعُونَ
ويعقلون؛ أيْ على وجهِ الْحَقِيقَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى المطلوبِ.
أَمَّا الكُفَّارُ؛ فإنهم يُشَاهِدونَ الحَدَثَ
ولا يَتَجَاوَزُونَهُ بِعُقُولِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ إِلَى صَانِعِهِ وَخَالِقِهِ،
ولا يُدْرِكُون الحكمةَ مِنْ وَرَاءِ الخَلْقِ؛ «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا»؛ ولِذَلِكَ لم يَنْتَفِعُوا بالآياتِ الكونية؛ لِأَنَّهُم لم يَنظُرُوا
إِلَيْهِا بالْمِنظَارِ القرآني؛ «قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101»)[يونس:
10].
ولِذَلِكَ فإن القرآن ينكر على الكافرين والجاحدين
تَرْكَهُمُ النظرَ والاعتبارَ؛ «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185»)[الأعراف: 185].
إنَّ الخلقَ يدل على الخَالِق، وعلى صفات الخَالِق
الْعَظِيم.
إذا نَظَرْنَا إِلَى آلةٍ دَقِيقَةِ الصُّنْعِ،
بَدِيعَةِ التكوينِ، غَايةٍ فِي القوةِ وَالمَتَانَةِ، تَقُومُ بِعَمَلِهَا على خيرِ
وَجْهٍ؛ فلا بد أنْ نُدْرِكَ بِلَا كَثِيرِ تَفْكِيرٍ أنَّ صَانِعَهَا يَتَّصِفُ بِصِفَةِ
الحَيَاةِ، بِصِفَةِ الْعِلْمِ، وَنُثْبِتُ له قُدْرَةً وَإِرَادَةً، إِلَى آَخِرِ
تلك الصفاتِ التي تُنْبِأُنَا عَنْها تلك الآلة، وهذا الكونُ يَشِي ويُعَرِّفُ بكثيرٍ
مِنْ صفاتِ الخَالِقِ الْعَظِيمِ، فَمِنْ ذَلِكَ:
قُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ:
هذا الكونُ الهائلُ الضَّخْمُ الشَّاسِعُ الواسعُ،
السائرُ وَفْقَ نِظَامٍ دَقِيقٍ؛ لا بد أنْ يَكُونَ صَانِعُهُ حَيًَّا قديرًا عليمًا
مُرِيدًا، والله خَلَقَ الخلق بهذا التكوين الهائل، وهذا النظامِ الكاملِ؛ لِيُعَرِّفَنَا
بقدرِتِه وعِلْمِهِ؛ «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْض مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12»)، ولا بد أنْ يَكُونَ
الْعِلْمُ الَّذِي يَحْكُمُ هذا الكونَ عِلْمًا شاملًا كاملًا؛ «وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ
فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
(59»)، وهو حكيمٌ؛ بل هو الحكيم.
فالنظر فِي هذا الكون يَشِي بأنه مُحْكَمٌ مُتْقَنٌ،
قد وُضِعَ كُلُّ شيءٍ منه فِي مَوْضِعِه المناسِب، وخُلِقَ بالمقدارِ المناسِب، فِي
غايةِ الجَوْدَةِ والإتقانِ؛ «وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ
مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ».
«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ
خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ»، لِذَلِكَ فإن الناظر المتبصر فِي خلق الله لا يرى
إلا الكمال والإتقان، ولو بحث عَنْ عيب فِي الخلق ما وجده؛ «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ
هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ
الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4»).
ما ذُكِرَ من دلالةِ الخلقِ على بعضِ صفاتِ خَالِقِهِ
يُرَادُ به التمثيلُ، لا الحصرُ والاستقصاءُ، وهو تمثيلٌ يَفْتَحُ البابَ للاستدلالِ
والبحث، وإلا ففي الكونِ الكثيرُ من الآياتِ الدَّالَّةِ على عَظَمَةِ الله وعِزَّتِهِ،
ولُطْفِهِ وحِكْمَتِهِ.
واسْتَمِعْ إِلَى الصفات الإلهية التي ذَكَرَهَا
اللهُ فِي ختامِ كل آية من الآيات التالية؛ «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْض مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
(63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض وَالْفُلْكَ
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْض
إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65»).
والهدايةُ التي يَجْلِبُهَا النَّظَرُ والتَّفَكُّرُ
فِي الآياتِ الكونيةِ تُوَجِّهُ إِلَى عبادة الله وحده، فاللهُ وَحْدَهُ هو الخَالِقُ
الْمُدَبِّرُ، هو الْمُقِيمُ للسماواتِ والأرضِ، الرَّازِقِ؛ هو المُسْتَحِقُّ للعبادةِ
دُونَ سِوَاهُ؛ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْض فِرَاشًا
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ
رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22»)
[البقرة: 21-22].
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3») [فاطر: 3].
بهذا الطريقِ أَثْبَتَ القرآنُ بُطْلَانَ الآَلِهَةِ
الْمُدَّعَاةِ، وَعَدَمَ اسْتِحْقَاقِهَا شيئًا مِنَ العبادةِ؛ «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ
وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ
الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11») [لقمان:
10-11].
ولِذَلِكَ فإنّه – تعالى – يَذْكُرُ خَلْقَهُ ويُذَكِّرُهم بالآيات
الكونية، وتصريفِه الأمورَ، وتدبيرِه الشؤونَ، ثم بَعْدَ أنْ يَذْكُرَ خَلْقَه على
هذا النحو؛ يُعَقِّبُ عليه فِي كثيرٍ مِنْ آَيِ القرآنِ بقوله: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُم)
[الزمر: 6]، أي ذَلِكُمُ الإلهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ العبادةَ دُونَ سِوَاهُ.
وتَأَمَّلْ في هذه الآياتِ، وتَأَمَّلْ في التَّعْقِيبِ
عليها: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي
لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ
فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6»)[الزمر:
5-6].
فهذا مَسْلَكُ القرآنِ الْعَظِيم، وكُلُّ أَحَدٍ
عِنْدَهُ تَجْرِبَتُهُ الخاصةُ فِيما يَتَعَلَّقُ بِإِجَابَةِ رَبِّهِ إِيَّاهُ، فَمَا
مِنْ وَاحِدٍ مِنَّا نَحْنُ المؤمنينَ باللهِ، وَحَتَّى مَنْ كَانَ غَيْرَ مؤمنٍ؛ ما
مِنَّا إلا مَنْ مَرَّتْ فَتْرَةٌ فِيها شدةٌ، فيها اضْطِرَابٌ، فيها قَلَقٌ، تَوَجَّهَ
فِيها إِلَى اللهِ بِقَلْبٍ كُلُّهُ انْكِسَارٌ، وَكُلُّهُ رَجَاءٌ وَأَمَلٌ، وإذا
بالْكَرْبِ يَزُولُ، والشِّدَّةِ تَنْتَهِي، وَيَجْعَلُ اللهُ مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ يُسَرًا،
ويَعُودُ الرَّخَاءُ بَعْدَ الضَّرَّاءِ؛ ولَكِنَّكَ تَجِدُ قُلُوبًا بَقِيَتْ شَاكِرَةً
مُتَذَكِّرَةً زَادَ إِيمَانُهَا، وأُخْرَى عَادَتْ إِلَى غَفْلَتِهَا مُتَنَاسِيَةً
ما ذَكَرَتْهُ سَاعَةَ الْمِحْنَةِ.
إنَّ الأمرَ الْمُسَلَّمَ به: أَنَّهُ ما من
نَفْسٍ إلا وتَلْجَأُ إِلَى اللهِ ساعةَ الخَطَرِ، وقد أشار القرآنُ إِلَى هذا المعنى
كثيرًا، فقال جلَّ وَعَلَا: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ
أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ
إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا
تُشْرِكُونَ (41».
«وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا
لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأن
لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (12»).
«وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ
مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ
الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67»).
«هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا
بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا
مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ
يَبْغُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ».
«قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ
أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64»).
وقد جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ أَنْ يُجِِيبَ الْمُضْطَرَّ
إِذَا دَعَاهُ؛ كائنًا من كَانَ، حتى لو كَانَ كافرًا ما دَامَ تَوَجَّهَ إِلَى الله؛
«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ».
فهذا ما تَيَسَّرَ جَمْعُهُ وتَحْرِيرُهُ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بهذا الأَمْرِ الْجَلَلِ، وهو «الرَّدُّ عَلَى الملحدين».
أسأل اللهَ أَنْ يَنْفَعَ به أقوامًا ضَلَّتْ
أَقْدَامُهُمْ عن الصراطِ المستقيمِ، وأَنْ يُثَبِّتَ به المؤمنين، وأَنْ يَجْعَلَهُ
لنا ذُخْرًَا يَوْمَ الدِّين، إنه تَعَالَى على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ.
وبَعْدُ:
فهذا ما مَنَّ اللهُ تعالى به مِنْ جَمْعٍ وتَرْتِيبٍ،
وَتَحْرِيرٍ وَتَقْرِيبٍ، وَشَرْحٍ وَتَعْلِيقٍ لِهَذَا الْمَوْضُوعِ الْجَلَلِ «الردُّ
على الملحدين».
وقد كان ذلك - بفضل الله تعالى ونِعْمَتِهِ،
وَحَوْلِهِ وَطَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَجُودِهِ سبحانه وَمِنَّتِهِ – في مَجَالِسَ، أَوَّلُهَا: في يومِ
الخميسِ، التاسِعِ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ، سَنَةَ خمسٍ وثلاثينَ وأَرْبَعِمِائَةٍ وأَلْفٍ
مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ وَلَدِ آَدَمَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الْمُوَافِقِ لِلثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ
دِيسَمْبِر، سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَلْفَيْنِ مِنَ التَّارِيخِ الصَّلِيبِيِّ.
وَآَخِرُهَا: في يومِ الخميسِ، السَّادِسَ عَشَرَ
مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ، سَنَةَ خمسٍ وثلاثينَ وأَرْبَعِمِائَةٍ وأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ
سَيِّدِ وَلَدِ آَدَمَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى
آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الْمُوَافِقِ لِلتَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ دِيسَمْبِر،
سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَلْفَيْنِ مِنَ التَّارِيخِ الصَّلِيبِيِّ.
وذَلِكَ - بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ،
وَحَوْلِهِ وَطَوْلِهِ وَنِعْمَتِهِ – فِي الْمَسْجِدِ الشَّرْقِيِّ بِسُبْكِ الْأَحَدِ، مِنْ
أَعْمَالِ مُحَافَظَةِ الْمُنُوفِيَّةِ، بِمِصْرَ حَفِظَهَا اللهُ وَسَائِرَ بِلَادِ
الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالْمُلْحِدِينَ، وَالشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ،
وَالْبِدْعَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ.
وصَلَّى اللهُ تعالى على نَبِيِّنَا محمدٍ، وعَلَى
آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أجمعينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ.
تفريغ
الأخ الفاضل: أبو الفضل محمود بن سيد جابر –وفقه الله وحفظه-.
وهذا
التفريغ بتوفيق الله ومِنتهِ ليكون هذا الموضوع المهم على طرف بنانِ كل طالب علم
وكل مسلم حتى يمُنَّ اللهُ بطباعة الكتاب في أفضل صورة، وما كان من خطأ في التفريغ
فليُدلنا عليه إخواننا وليتواصلوا مع إخواني في صفحة تفريغات خطب الجمعة كاملة
للعلامة رسلان –حفه الله- وموقع تفريغات شيخ المحنة
العلامة رسلان. والله الموفق والمستعان