تفريغ محاضرة مَوْقِفُ الْأُرْدُنّ مِنْ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقِرَاءَةٌ فِي بَيَانِ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَوِيِّ

مَوْقِفُ الْأُرْدُنّ مِنْ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقِرَاءَةٌ فِي بَيَانِ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَوِيِّ

مَوْقِفُ الْأُرْدُنّ مِنْ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ

وَقِرَاءَةٌ فِي بَيَانِ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَوِيِّ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((مَوْقِفُ مَلِكِ الْأُرْدُنّ مِنْ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ))

فَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: مَا هُوَ التَّعْلِيقُ أَوِ التَّفْسِيرُ لِمَوْقِفِ مَلِكِ الْأُرْدُنّ عِنْدَ الزِّيَارَةِ إِلَى أَمِرِيكَا؟

وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: إِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ مَلِكَ الْأُرْدُنّ لَا يُرِيدُ إِطْلَاقًا تَهْجِيرَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى الْأُرْدُنّ.

فِي الْأُرْدُنّ حَوَالَيْ أَرْبَعَةِ مَلَايِينَ فِلْسِطِينِيٍّ؛ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُجَنَّسٌ بِالْجِنْسِيَّةِ الْأُرْدُنِيَّةِ؛ وَلَكِنَّ الْأُصُولَ أُصُولٌ فِلِسْطِينِيَّةٌ، فَعِنْدَ إِضَافَةِ مِلْيُون فِلِسْطِينِيٍّ إِلَى هَذَا الْعَدَدِ فِي الْأُرْدُنّ -وَعَدَدُ السُّكَّانِ لَيْسَ بِكَبِيرٍ-؛ فَمَعْنَى ذَلِكَ هُوَ تَغْيِيرُ التَّرْكِيبَةِ السُّكَّانِيَّةِ فِي الْأُرْدُنّ، وَهَذَا خَطَرٌ جِدًّا، وَقَدْ يُؤَدِّي عَلَى الْمَدَى الْمُتَوَسِّطِ أَوِ الْمَدَى الْبَعِيدِ إِلَى تَغْيِيرِ شَكْلِ الْحُكْمِ فِي الْمَمْلَكَةِ.

فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ عِلْمَ يَقِينٍ، وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَبَدًا تَهْجِيرَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى الْأُرْدُنّ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ هُنَالِكَ تَهْدِيدَاتٍ مَصِيرِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلْمَمْلَكَةِ الْأُرْدُنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ الْآنَ اسْتَطَاعُوا فِي سُورِيَّةَ أَنْ يَحْتَلُّوا عَشْرَةً بِالْمِائَةِ (10%) مِنَ الْأَرَاضِي السُّورِيَّةِ، فَعَشْرَةٌ بِالْمِائَةِ (10%) مِنْ أَرَاضِي سُورِيَّةَ يَحْتَلُّهَا الْيَهُودُ، وَمِنْ أَخْطَرِ الْمَوَاقِعِ الَّتِي يَحْتَلُّونَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأُرْدُنّ، وَيُمَثِّلُ تَهْدِيدًا وَخَطَرًا مُبَاشِرًا: هُوَ (وَادِي الْيَرْمُوك)؛ فَهُمْ يُسَيْطِرُونَ الْآنَ عَلَى أَغْلَبِ مِيَاهِ نَهْرِ الْيَرْمُوكِ، وَالْأُرْدُنّ يَعْتَمِدُ اعْتِمَادًا كَبِيرًا جِدًّا عَلَى مِيَاهِ نَهْرِ الْيَرْمُوك.

فَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُدِّدَ فِي حَالِ الرَّفْضِ الْمُبَاشِرِ بِقَطْعِ هَذِهِ الْإِمْدَادَاتِ الْمَائِيَّةِ مِنْ نَهْرِ الْيَرْمُوكِ إِلَى الْأُرْدُنّ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ مَصِيرِيٌّ.

لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ مَلِكَ الْأُرْدُنّ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ فِي حَالِ الْمُوَافَقَةِ يَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّهْدِيدِ الْمُبَاشِرِ لِمُلْكِهِ وَلِلْمَمْلَكَةِ؛ تَغْيِيرُ التَّرْكِيبَةِ السُّكَّانِيَّةِ، فَتَصِيرُ الْأُرْدُنّ فِلِسْطِينَ.

وَشَيْءٌ آخَرُ؛ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِلَا خِلَافٍ وَبِيَقِينٍ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى الْأُرْدُنّ سَيَتَعَرَّضُ لِرَفْضٍ عَارِمٍ وَشَجْبٍ كَامِلٍ عَلَى الْمُسْتَوَى الْمَحَلِّيِّ، وَعَلَى الْمُسْتَوَى الدَّوْلِيِّ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ كَالسَّابِحِ ضِدَّ التَّيَّارِ، لَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مُوَافَقَةٌ صَرِيحَةٌ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الدِّبْلُومَاسِيَّةَ فِي الْخِطَابِ، وَأَرْجَأَ الْقَرَارَ إِلَى مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الْعَرَبُ بَعْدُ، وَهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ جَيِّدٌ جِدًّا.

فَمَا الَّذِي فِيهِ!!

وَهُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ؛ هُوَ أَنَّ السِّيَاسَةَ -بَعِيدًا عَنِ التَّحْرِيفَاتِ الَّتِي يُطْلِقُهَا السِّيَاسِيُّونَ أَنَّهَا فَنُّ الْمُمْكِنِ، وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ- السِّيَاسَةَ كَجَبَلِ الْجَلِيدِ الْعَائِمِ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَيْنَيْنِ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ قِمَّتُهُ، وَأَمَّا الْجَبَلُ فِي حَقِيقَتِهِ وَفِي مُعْظَمِهِ وَفِي كُتْلَتِهِ؛ مَخْفِيٌّ تَحْتَ الْمَاءِ، فَالسِّيَاسَةُ كَذَلِكَ.

فَأَنْتَ رُبَّمَا تَسْمَعُ كَلَامًا كَقَرَارٍ يَصْدُرُ، أَوْ كَبَيَانٍ يُذَاعُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْتَ تَجْتَهِدُ فِي التَّحْلِيلِ، وَفِي التَّنْظِيرِ، وَفِي الْبَحْثِ وَفِي التَّنْقِيبِ، وَتَكُونُ الْحَقِيقَةُ بَعِيدَةً تَمَامًا عَمَّا تُفَكِّرُ أَنْتَ فِيهِ، كَذَلِكَ السِّيَاسَةُ؛ خَاصَّةً فِي هَذَا الْعَصْرِ.

هَذَا الْكَلَامُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ -فِيمَا عَلِمْتُ- ثَارَتْ ثَوْرَةٌ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ فِي الْهُجُومِ عَلَى مَلِكِ الْأُرْدُنّ، وَشَجْبِ الْمَوْقِفِ الْأُرْدُنِيِّ، وَالرَّمْيِ بِالْخِيَانَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ.

وَهَذَا لَيْسَ بِوَقْتِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَرَّطَ فِيهَا رَجُلٌ عَاقِلٌ؛ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ وَاعٍ.

فَهَذَا الْوَقْتُ هُوَ وَقْتُ التَّلَاحُمِ وَالتَّكَاتُفِ، وَلَيْسَ هُوَ وَقْتَ الْوَقِيعَةِ بَيْنَ الشُّعُوبِ.

وَهَذَا يُعَزِّزُ مَا كُنْتُ قُلْتُهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلذَّاهِبِ لِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ الرَّابِضِ فِي الْبَيْتِ الْأَبْيَضِ كَأَنَّهُ يَحْكُمُ الْعَالَمَ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ سَيَتَعَرَّضُ لِكَشْفِ هَيْئَةٍ، أَوْ لِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِبَارِ وَاللِّيَاقَةِ، عَبَثٌ! لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ الذَّاهِبُ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّحًا بِإِرَادَةٍ شَعْبِيَّةٍ، أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ إِرَادَةِ شَعْبِهِ، لَا أَنْ يُؤَيِّدَهُ شَعْبُهُ فِي قَرَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، لَا؛ نَعْكِسُ، لَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَلَا بُدَّ -أَيْضًا- مِنْ أَنْ يَذْهَبَ الذَّاهِبُ وَهُوَ مُسَلَّحٌ بِقَرَارٍ جَمَاعِيٍّ وَبَيَانٍ قَاطِعٍ حَاسِمٍ مِنَ (الْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ)؛ أَنَّ الْعَرَبَ كُلَّهُمْ عَلَى هَذَا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَنْ أَشِذَّ عَنْ هَذَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشِذَّ عَنْهُ.

وَ(مُنَظَّمَةُ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ) الَّتِي لَا أَظُنُّ أَنَّهَا سَتَجْتَمِعُ، وَإِذَا لَمْ تَجْتَمِعْ (مُنَظَّمَةُ الْمُؤْتَمَرِ الْإِسْلَامِيِّ) مِنْ أَجْلِ قَضِيَّةِ فِلِسْطِينَ؛ فَلِأَيِّ قَضِيَّةٍ سَوْفَ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْمُنَظَّمَةُ؟!!

وَلَكِنْ فِيهَا أَعْضَاءٌ هُمْ مِمَّا يَرْتَمِي فِي أَحْضَانِ أَمِرِيكَا، وَلَا يُرِيدُونَ أَنْ يَظْهَرُوا بِمَظْهَرِ الْمُعَادِي لَهَا؛ وَلِذَلِكَ فَفِي الْغَالِبِ الْأَعَمِّ أَنَّهَا لَنْ تَجْتَمِعَ، مَعَ أَنَّ اجْتِمَاعَهَا كَانَ أَوْجَبَ مِنَ اجْتِمَاعِ (الْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ).

فَمَلِكُ الْأُرْدُنّ ذَهَبَ وَحِيدًا، وَمَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ دِبْلُومَاسِيٍّ فِيهِ مُنَاوَرَةٌ، وَلَمْ يُعْطِ قَرَارًا حَاسِمًا.

فَالَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَرَفَّعَ أَنْ تَثُورَ ثَائِرَةُ أَقْوَامٍ لَا لَهُمْ فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النَّفِيرِ، وَلَا هُمْ يَفْقَهُونَ شَيْئًا لَا فِي دِينٍ وَلَا فِي سِيَاسَةٍ، وَلَا يَتَمَتَّعُونَ بِالْخُلُقِ الْكَرِيمِ مِنْ أَجْلِ التَّخْوِينِ، وَالشَّتْمِ، وَالشَّجْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَاسْتِدْعَاءُ الْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ بَيْنَ الشُّعُوبِ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ.

هَذَا الْوَقْتُ مِنْ أَخْطَرِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ فِي هَذَا التَّارِيخِ الْمُعَاصِرِ.

هَذَا وَقْتٌ عَصِيبٌ جِدًّا يَسْتَدْعِي التَّلَاحُمَ، يَنْبَغِي أَنْ نَتَلَاحَمَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَمُرَّ هَذِهِ الْأَزْمَةُ عَلَى خَيْرٍ -إِنْ شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى--.

((جُنُونُ الرَّئِيسِ الْأَمِرِيكِيِّ

وَالتَّهْدِيدُ بِإِشْعَالِ الْجَحِيمِ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ))

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي بِهِ جِنَّةٌ وَصَارَ جُنُونُهُ عَلَيْنَا -بِقَدَرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-- هَذَا الرَّجُلُ لَا يَكُفُّ عَنْ إِصْدَارِ الْبَيَانَاتِ وَالتَّصْرِيحَاتِ؛ كَأَنَّمَا اخْتَارَهُ الْأَمِرِيكِيُّونَ مِنْ أَجْلِ إِصْدَارِ الْبَيَانَاتِ، لَا يَرْجِعُ فِيهَا إِلَى (الْبِنْتَاجُون)، وَلَا إِلَى (مَجْلِسِ الشُّيُوخِ)، وَلَا يَرْجِعُ فِيهَا إِلَى (الْكُونْجِرِس) بِغُرْفَتَيْهِ، يَعْنِي: هُوَ لَا يَرْجِعُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا حَتَّى إِلَى لَجْنَةِ الْأَزْمَةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُشَكِّلَهَا مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ فِي الْقَرَارِ الَّذِي سَوْفَ يُصْدِرُهُ مِنَ الْمَعْنِيِّينَ بِإِصْدَارِ الْقَرَارِ الَّذِي سَيُصْدِرُهُ، أَوِ الْبَيَانِ الَّذِي سَيُذِيعُهُ، لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ أَمِرِيكَا فِي الْأَصْلِ دَوْلَةُ مُؤَسَّسَاتٍ، وَأَنَّ هُنَالِكَ قُيُودًا حَتَّى عَلَى رَئِيسِهَا نَفْسِهِ، فَـ(الْبِنْتَاجُون) -مَثَلًا وَزَارَةُ الدِّفَاعِ الْأَمِرِيكِيَّةُ- عِنْدَهُ الصَّلَاحِيَةُ -بِنَصِّ الدُّسْتُورِ الْأَمِرِيكِيِّ- عَلَى أَنْ يُعَارِضَ قَرَارَاتِ رَئِيسِ الْجُمْهُورِيَّةِ -أَيِ: الرَّئِيسِ الْأَمِرِيكِيِّ- إِذَا كَانَتْ فِي ضِدِّ الصَّالِحِ الْقَوْمِيِّ الْأَمِرِيكِيِّ، فَيُصْدِرُ الْقَرَارَ وَيُبْطِلُهُ (الْبِنْتَاجُون)؛ لَكِنَّ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ مُنْفَرِدًا؛ وَلِذَلِكَ تَجِدُ مُعْظَمَ تَصْرِيحَاتِهِ فِي الطَّائِرَةِ، يَسْتَدْعِي بَعْضَ الصَّحَفِيِّينَ ثُمَّ يُلْقِي بِبَيَانَاتٍ، أَوْ فِي مَكْتَبٍ مِنَ الْمَكَاتِبِ، يَسْتَدْعِي بَعْضَ الصَّحَفِيِّينَ، ثُمَّ يُلْقِي بِمَا يُلْقِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْعَنْتَرِيَّاتِ الْفَارِغَةِ، فَتَرَاهُ -مَثَلًا- يَقُولُ: دَعِ الْجَحِيمَ يَنْدَلِعُ!

مَا هَذَا؟!! دَعِ الْجَحِيمَ يَنْدَلِعُ؛ لِمَاذَا؟!!

يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَتِمَّ إِطْلَاقُ سَرَاحِ جَمِيعِ الرَّهَائِنِ -يَعْنِي: فِي غَزَّةَ- بِحُدُودِ السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَيَجِبُ إِلْغَاءُ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَسَيَشْتَعِلُ الْجَحِيمُ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ!

لَا يَقُولُ فِي غَزَّةَ؛ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ!

هَذِهِ لَيْسَتْ سِيَاسَةً.. هَذِهِ لَيْسَتْ مِمَّا يَلِيقُ بِرَئِيسِ أَكْبَرِ دَوْلَةٍ فِي الْعَالَمِ سِيَاسِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا، هَذِهِ إِنَّمَا تَلِيقُ بِالْمَجَانِينِ!

فَيَقُولُ: إِذَا لَمْ يَتِمَّ إِطْلَاقُ سَرَاحِ جَمِيعِ الرَّهَائِنِ بِحُلُولِ السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ؛ فَيَجِبُ إِلْغَاءُ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَسَيَشْتَعِلُ الْجَحِيمُ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ!

مَعَ أَنَّ هُنَالِكَ مَرَاحِلَ، وَهُوَ -كَأَمِرِيكَا- مَعَ مِصْرَ وَقَطَر، هُمْ رُعَاةٌ لِوَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَالْبُنُودُ الَّتِي تَمَّتِ الْمُوَافَقَةُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْجَانِبِ الْفِلِسْطِينِيِّ وَالْجَانِبِ الْيَهُودِيِّ، فَيَكُونُ رَاعِيًا لِهَذَا الِاتِّفَاقِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ، وَأَيْنَ هِيَ الْمَرَاحِلُ الَّتِي تَمَّ التَّوَافُقُ عَلَيْهَا؟!!

لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، وَيَضْرِبُ بِهَا عَرْضَ الْحَائِطِ!

ثُمَّ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ إِمَّا إِطْلَاقُ جَمِيعِ الرَّهَائِنِ، وَإِمَّا اشْتِعَالُ الْجَحِيمِ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ!

وَيَقُولُ: رُبَّمَا أُوقِفُ الْمُسَاعَدَاتِ لِلْأُرْدُنّ وَمِصْرَ إِذَا لَمْ يَسْتَقْبِلَا اللَّاجِئِينَ!

صَارُوا لَاجِئِينَ، الْآنَ يُسَمِّيهِمْ لَاجِئِينَ، وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا مُهَجَّرِينَ؛ فَالْآنَ صَارُوا لَاجِئِينَ!

يَقُولُ: الْفِلِسْطِينِيُّونَ لَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَقُّ الْعَوْدَةِ فِي غَزَّةَ فِي إِطَارِ خُطَّتِي لِشِرَائِهَا!

وَالْمَرْءُ يَتَعَجَّبُ يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ؟!!

سَيَشْتَرِي غَزَّةَ مِمَّنْ؟!!

هَذَا شِرَاءٌ!

وَالرَّجُلُ فِي الْأَصْلِ تَاجِرٌ فِي الْعَقَارَاتِ، يَعْقِدُ صَفْقَاتٍ، فَيَقُولُ: سَأَشْتَرِيهَا!

مَنْ هُوَ الْبَائِعُ؟!!

سَيَشْتَرِي مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟

إِذَنْ؛ أَنْتَ تَعْتَرِفُ بِحَقِّهِمْ فِي امْتِلَاكِ غَزَّةَ.

لَا يُرِيدُونَ بَيْعَهَا.

إِنَّمَا يَقُولُ: لَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَقُّ الْعَوْدَةِ إِلَى غَزَّةَ فِي إِطَارِ خُطَّتِي لِشِرَائِهَا!!

وَأَنْتَ مُلْتَزِمٌ بِشِرَاءِ غَزَّةَ وَامْتِلَاكِهَا!!

وَرُبَّمَا أَعْطَى أَجْزَاءً مِنْهَا لِدُوَلٍ أُخْرَى فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ؛ لِبِنَائِهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُرِيدُ هُوَ أَنْ تَكُونَ مُنْتَجَعًا سِيَاحِيًّا عَالَمِيًّا!

مَعَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، هُوَ يُرِيدُ النِّفْطَ الْمَوْجُودَ فِي الْبَحْرِ فِي مُقَابِلِ غَزَّةَ، وَهُوَ يُرِيدُ -أَيْضًا- الْمَمَرَّ الِاقْتِصَادِيَّ، وَيُرِيدُ -أَيْضًا- شَقَّ (قَنَاةِ بِنْ جُورْيُون)، يَعْنِي: هِيَ مَسْأَلَةٌ اقْتِصَادِيَّةٌ، هُوَ نَهْبٌ عَصْرِيٌّ، اسْتِعْمَارٌ حَدِيثٌ، هَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَارُ بِعَيْنِهِ؛ وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُغَلَّفَةِ؛ أَشْتَرِيهَا، أُطَوِّرُهَا، أُعِيدُ بِنَاءَهَا، أُهَجِّرُ النَّاسَ!

بِأَيِّ حَقٍّ تُهَجِّرُ النَّاسَ؟!!

بِأَيِّ حَقٍّ تَسْتَعْبِدُونَ النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ أَحْرَارًا؟!!

مَنْ أَنْتُمْ؟!!

أَنْتُمْ شُذَّاذُ الْآفَاقِ؛ هَذَا جَدُّهُ وَهُوَ مُهَاجِرٌ بَافَارِيٌّ مِنْ أَلْمَانْيَا هَذَا الرَّجُلُ، لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُسَمَّى (الْأُصُولُ الْأَمِرِيكِيَّةُ)، أَهْلُ أَمِرِيكَا أُبِيدَ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْهُنُودِ الْحُمْرِ، هُمُ السُّكَّانُ الْأَصْلِيُّونَ؛ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ مِنَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَأَكْثَرُهُمْ كَانَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ، وَمِنَ الْخَارِجِينَ مِنَ السُّجُونِ الْإِسْبَانِيَّةِ وَالْبُرْتُغَالِيَّةِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، فَرَحَّلُوهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الْجَدِيدَةِ، إِلَى الْعَالَمِ الْجَدِيدِ؛ إِلَى أَمِرِيكَا، فَرَحَّلُوهُمْ، وَكَانَتْ مُسْتَعْمَرَاتٍ؛ إِمَّا لِإِنْجِلْتِرَا، وَإِمَّا لِإِسْبَانْيَا، وَإِمَّا لِفَرَنْسَا، ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ مِمَّا يُسَمَّى بالتَّحْرِيرِ عِنْدَهُمْ، فَهَذِهِ الْأُصُولُ لَيْسَتْ مُتَجَانِسَةً، هَذَا لَيْسَ بِعِرْقٍ صَافٍ.

مَنْ هَؤُلَاءِ؟!!

هَؤُلَاءِ شُذَّاذُ الْآفَاقِ.

وَأَمَّا الْفِلِسْطِينِيُّونَ؛ فَهَؤُلَاءِ مُتَجَذِّرُونَ فِي الْأَرْضِ، هَؤُلَاءِ تَارِيخٌ، وَتُرَاثٌ، وَشَعْبٌ، وَأَصْحَابُ قَضِيَّةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا جَعَلَ مَلِكَ الْأُرْدُنّ يَكُونُ مُدَارِيًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ التَّهْجِيرِ.

الْفِلِسْطِينِيُّونَ جُمْلَةً -أَنَا لَا أَقْصِدُ طَائِفَةً وَلَا فَصِيلًا- الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَصْحَابُ قَضِيَّةٍ، وَهُمْ مُشَتَّتُونَ فِي الْأَرْضِ، الَّذِينَ خَرَجُوا لَمْ يُسْمَحْ لَهُمْ بِالْعَوْدَةِ مُنْذُ عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ (1948م)، وَهُمْ مَلَايِينُ مُتَنَاثِرَةٌ فِي الْعَالَمِ، شَتَاتٌ؛ لَكِنَّهُمْ أَصْحَابُ قَضِيَّةٍ، وَلَنْ يَتَنَازَلُوا عَنِ الْقَضِيَّةِ حَتَّى لَوْ هُجِّرُوا قَسْرًا مِنْ فِلِسْطِينَ، فِلِسْطِينُ أَرْضُهُمْ، وَبَلَدُهُمْ، وَوَطَنُهُمْ، وَتَارِيخُهُمْ، وَتُرَاثُهُمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَصْنَعُوا مَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُزِيحُوا مَنِ احْتَلَّ أَرْضَهُمْ، هُمْ أَصْحَابُ قَضِيَّةٍ، وَلَنْ يَتَوَقَّفُوا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا -أَيْضًا- مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى سَيْنَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ لَنْ يَتَوَقَّفُوا، وَسَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً مِنْ أَجْلِ احْتِلَالِ سَيْنَاءَ مِنْ قِبَلِ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ الْإِرْهَابَ فِي سَيْنَاءَ.

الْيَهُودُ -عَلَيْهِمْ مِنَ اللهِ مَا يَسْتَحِقُّونَ- شَرٌّ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ أَبَدًا إِلَّا أَصْحَابَ بَلَايَا وَرَزَايَا عَلَى الْإِنْسَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَرِفُونَ بِالْإِنْسَانِيَّةِ لِلْبَشَرِ.

فَالرَّجُلُ يَقُولُ هَذِهِ التَّصْرِيحَاتِ: سَأَبْحَثُ السَّمَاحَ لِلَّاجِئِينَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ بِدُخُولِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ -كَلَوْنٍ مِنْ أَلْوَانِ الْإِغْرَاءِ-؛ يَذْهَبُونَ إِلَى النَّعِيمِ؟!

سَتَسْقُطُ قَرِيبًا -إِنْ شَاءَ اللهُ-، وَهُنَاكَ بَوَادِرُ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، الْوِلَايَةُ الَّتِي انْدَلَعَتْ فِيهَا الْحَرَائِقُ -وَهِيَ كَالِيفُورْنِيَا- مِنْ قَدِيمٍ وَهِيَ تُحَاوِلُ الِانْفِصَالَ، وَهِيَ خَامِسُ اقْتِصَادٍ كَوِلَايَةٍ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ، لَيْسَ عَلَى مُسْتَوَى الْوِلَايَاتِ الْأَمِرِيكِيَّةِ، لَا؛ عَلَى مُسْتَوَى دُوَلِ الْعَالَمِ، مِنَ الصِّينِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدُّوَلِ الْعُظْمَى أَوِ الْكُبْرَى.

وِلَايَةُ كَالِيفُورْنِيَا يَسْعَوْنَ لِلِانْفِصَالِ، وَهُنَاكَ خُطُوَاتٌ جَادَّةٌ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْفَصِلُوا؛ لِيَصِيرُوا دَوْلَةً مُسْتَقِلَّةً.

وَبَعْضُ الْوِلَايَاتِ الْأُخْرَى -أَيْضًا- تُرِيدُ ذَلِكَ.

((قِرَاءَةٌ فِي بَيَانِ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَوِيِّ))

هُوَ يُهَدِّدُ بِقَطْعِ الْمَعُونَةِ!

مَا الَّذِي يَنْتَظِرُ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الرَّئِيسِ الْمِصْرِيِّ -مَثَلًا-؟!

يُضَيِّعُ دَوْلَةً عُمُرُهَا عَشْرَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَشَعْبًا هُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ يَتَخَطَّى الْمِائَةَ مِلْيُون مِنَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُجَامِلَ هَذَا الْإِنْسَانَ، وَذَلِكَ الْكِيَانَ الْغَاصِبَ الْمُحْتَلَّ؟!!

يُضَيِّعُ هَذَا التَّارِيخَ، وَهَذِهِ الْأُمَّةَ، وَهَذَا الشَّعْبَ مِنْ أَجْلِ مِثْلِ هَذِهِ النَّزَوَاتِ الْفَارِغَةِ، وَالْمُعْتَقَدَاتِ الْبَاطِلَةِ؟!!

وَمَعَ ذَلِكَ -فَللهِ الْحَمْدُ- مَا زَالَ مَوْقِفُنَا صُلْبًا -وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَزِيدَهُ صَلَابَةً-؛ فَوَزِيرُ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيُّ -وَهُوَ فِي أَمِرِيكَا- يُصْدِرُ بَيَانَ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ فِي جُمْلَةٍ فِي آخِرِ الْبَيَانِ؛ لَكِنَّهَا مِنَ الْعَظَمَةِ بِمَكَانٍ، يَعْنِي هُوَ يَقُولُ: ((إِنَّ مِصْرَ مُصِرَّةٌ عَلَى إِقَامَةِ دَوْلَةٍ فِلِسْطِينِيَّةٍ عَلَى حُدُودِ الرَّابِعِ مِنْ يُونْيُو سَنَةَ سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ (1967م)، وَعَاصِمَتُهَا الْقُدْسُ الشَّرِيفُ)).

غَيْرُنَا يَقُولُ: نَحْنُ نُرِيدُ حَلَّ الدَّوْلَتَيْنِ؛ الدَّوْلَةُ الثَّانِيَةُ هَذِهِ مَنْ هِيَ؟!! وَمَا تَكُونُ؟!!

نَحْنُ نُرِيدُ حَلَّ الدَّوْلَةِ الْوَاحِدَةِ؛ الدَّوْلَةِ الْفِلِسْطِينِيَّةِ عَلَى حُدُودِ الرَّابِعِ مِنْ يُونْيُو قَبْلَ الِاعْتِدَاءِ فِي الْخَامِسِ مِنْ يُونْيُو عَامَ سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ.

فَيَقُولُ بَيَانُ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ: ((دَوْلَةٌ فِلِسْطِينِيَّةٌ عَلَى حُدُودِ الرَّابِعِ مِنْ يُونْيُو سَنَةَ سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ (1967م)، وَعَاصِمَتُهَا الْقُدْسُ الشَّرِيفُ))، لَا الْقُدْسَ الشَّرْقِيَّةَ، تُقَسَّمَ الْقُدْسُ إِلَى قُدْسٍ شَرْقِيَّةٍ وَقُدْسٍ غَرْبِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ كُلَّهَا عِنْدَ الْيَهُودِ عَلَى الْقُدْسِ؛ عَاصِمَةٌ أَبَدِيَّةٌ لِإِسْرَائِيلَ!! وَهَذَا -أَيْضًا- مِمَّا وُضِعَ فِي مُعْتَقَدِ وَأَذْهَانِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى (الصُّهْيُونِيَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ) الَّتِي يُقَالُ لَهَا (الصُّهْيُونِيَّةُ الْمَسِيحِيَّةُ)، فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْقُدْسِ، وَجَعْلِهَا عَاصِمَةً أَبَدِيَّةً لِإِسْرَائِيلَ، وَنَقْلِ كُلِّ سِفَارَاتِ الدُّوَلِ، كَمَا فَعَلَتْ أَمِرِيكَا فِي الْوِلَايَةِ الْأُولَى لِهَذَا الرَّجُلِ الْحَاكِمِ فِي أَمِرِيكَا الْآنَ؛ فَقَدْ أَمَرَ بِنَقْلِ السِّفَارَةِ الْأَمِرِيكِيَّةِ إِلَى الْقُدْسِ.

هَذَا يُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى  نَسْفِ مُعَاهَدَةِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَلَقَّى مَعُونَةً مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةٌ أَوْ مِنَّةٌ، هَذَا كَانَ بَنْدًا مِنَ الْبُنُودِ فِي الِاتِّفَاقِيَّةِ فِي (مُعَاهَدَةِ كَامْب دِيفِيد)، هَذَا بَنْدٌ مِنْ بُنُودِ الِاتِّفَاقِ فِي مُعَاهَدَةِ السَّلَامِ، وَالْأَمِرِيكَانُ يَتَحَصَّلُونَ عَلَى فَوَائِدَ كَبِيرَةٍ جِدًّا مِنْ مِصْرَ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي تَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَدَثَ فِي التَّضَخُّمِ وَارْتِفَاعِ أَسْعَارِ الْعُمْلَاتِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا الْآنَ، يُعْطُونَا مِلْيَارًا وَنِصْفَ الْمِلْيَارِ وَبَعْضَ الْمَلَايِينِ فِي الْمَعُونَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، وَمِلْيَارًا وَنِصْف يُعْطُونَهُ فِي الْمُسَاعَدَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ، هَذَا لَا يُسَاوِي شَيْئًا الْآنَ.

((عَقِيدَةُ مِصْرَ الْعَسْكَرِيَّةُ الْآنَ الْهُجُومُ الدِّفَاعِيُّ))

وَمِصْرُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- غَيَّرَتِ الْعَقِيدَةَ الْعَسْكَرِيَّةَ مِنَ الدِّفَاعِ الْهُجُومِيِّ إِلَى الْهُجُومِ الدِّفَاعِيِّ، كَانَتِ الْعَقِيدَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ الْمِصْرِيَّةُ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ الْعَشْرِ الَّتِي مَرَّتْ.. كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الدِّفَاعِ الْهُجُومِيِّ، فَغُيِّرَتْ إِلَى الْهُجُومِ الدِّفَاعِيِّ فِي مَنْظُومَةِ الرَّدْعِ الْعَسْكَرِيِّ، يَعْنِي: تَصُدُّ الْهُجُومَ عَلَيْكَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِمْ، فَتَكُونُ الْمَعْرَكَةُ فِي أَرْضِهِمْ لَا فِي أَرْضِكَ، تَكُونُ مُرَاقِبًا جَيِّدًا بِالرَّادَارَاتِ الْحَدِيثَةِ، وَبِالْأَسْلِحَةِ الْمُتَطَوِّرَةِ لِمَا يَحْدُثُ؛ فَبِمُجَرَّدِ مَا يَنْطَلِقُ صَارُوخٌ -مَثَلًا- مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ تَكُونُ رَاصِدًا لَهُ، فَيُدَمَّرُ فِي أَرْضِهِ، يُعْتَرَضُ فِي أَرْضِهِ، وَيُدَمَّرُ عَلَى أَرْضِهِ، هَذَا هُوَ الْهُجُومُ الدِّفَاعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْهُجُومَ عَلَيْكَ، فَأَنْتَ تُدَافِعُ؛ وَلَكِنْ تُدَافِعُ بِهُجُومٍ، لَا أَنَّكَ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُصَابَ، ثُمَّ تَهْجِمُ بَعْدَ وُقُوعِ الْأَمْرِ عَلَيْكَ، لَا، غُيِّرَتِ الْعَقِيدَةُ الْعَسْكَرِيَّةُ الْمِصْرِيَّةُ مِنَ الدِّفَاعِ الْهُجُومِيِّ إِلَى الْهُجُومِ الدِّفَاعِيِّ.

((رِعَايَةُ أَمِرِيكَا رَئِيسَ وُزَرَاءِ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمَ))

الْأَمْرِيكَانُ مُمَثَّلُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، يَأْتُونَ بِأُمُورٍ عَجِيبَةٍ جِدًّا الْآنَ، يَعْنِي: مِنْ ضِمْنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا: أَنَّهُمُ انْسَحَبُوا مِنْ مَجْلِسِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ التَّابِعِ لِلْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، وَتَبِعَهُمُ الْيَهُودُ، فَانْسَحَبُوا -أَيْضًا- مِنْ مَجْلِسِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ.

فَرَضُوا عُقُوبَاتٍ عَلَى (الْمَحْكَمَةِ الْجِنَائِيَّةِ) الَّتِي حَكَمَتْ عَلَى رَئِيسِ وُزَرَاءِ الْكِيَانِ الْمُحْتَلِّ بِأَنَّهُ مُجْرِمُ حَرْبٍ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيفِهِ.

هُنَاكَ قَرَارٌ صَادِرٌ مِنَ (الْمَحْكَمَةِ الْجِنَائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ) بِإِلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ حَيْثُمَا يَكُونُ؛ وَلِذَلِكَ عِنْدَمَا سَافَرَ سَفْرَتَهُ الْأَخِيرَةَ إِلَى أَمِرِيكَا لَمْ يُسَافِرْ بِالطَّرِيقَةِ الْعَادِيَّةِ، وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ أَمِرِيكَا طَائِرَةً أَمِرِيكِيَّةً حَرْبِيَّةً؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْتَقِلَّهَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى أَمِرِيكَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ فِي أَيِّ بَلَدٍ أُورُبِّيٍّ يُلْقَى الْقَبْضُ عَلَيْهِ بِقَرَارٍ مِنَ (الْمَحْكَمَةِ الْجِنَائِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ).

فَأَمِرِيكَا تُحَارِبُ الْمَحْكَمَةَ الْآنَ، وَهِيَ الَّتِي وَصَفَتْ نِتِنْيَاهُو بِأَنَّهُ مُجْرِمُ حَرْبٍ -وَهُوَ كَذَلِكَ-، هَذَا مُجْرِمُ حَرْبٍ وَيُطْلَبُ مِنْهُ السَّلَامُ؛ أَيُّ سَلَامٍ؟!!

((مُؤَامَرَةُ الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ الثَّانِي عَلَى الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ))

الدُّوَلُ الْإِسْلَامِيَّةُ فِي مُؤَامَرَةِ الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ الثَّانِي الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، الْمُؤَامَرَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَهَذَا هُوَ الْفَصْلُ الثَّانِي مِنْهَا؛ لَكِنَّهُ لَيْسَ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ مُظَاهَرَاتٌ، وَشَجْبٌ وَمَا أَشْبَهَ، وَإِسْقَاطٌ لِلنُّظُمِ بِالطُّرُقِ الَّتِي مَرَّتْ، لَكِنِ الْآنَ عَلَى طَرِيقَةِ إِسْقَاطِ النِّظَامِ الْحَاكِمِ فِي سُورِيَّةَ.

مَا الَّذِي حَدَثَ؟!!

تِسْعُ مَوَاقِعَ عَسْكَرِيَّةٍ يَهُودِيَّةٍ فِي الْأَرْضِ السُّورِيَّةِ؛ احْتِلَالُ الْجُولَانِ، وَجَبَلِ الشَّيْخِ، وَوَادِي الْيَرْمُوكِ، وَالتَّحَكُّمُ فِي الْمَاءِ، مَعَ أَنَّ سُورِيَّةَ تَحْتَاجُهُ احْتِيَاجًا شَدِيدًا، وَكَذَلِكَ الْأُرْدُنّ، فَيُسَيْطِرُونَ عَلَى نَهْرِ الْيَرْمُوكِ.

الْيَهُودُ يَحْتَلُّونَ عِشْرِينَ بِالْمِائَةِ (20%) مِنْ مَسَاحَةِ لُبْنَان، وَعَشْرَةً بِالْمِائَةِ (10%) مِنْ مَسَاحَةِ سُورِيَّةَ.

((تَهْدِيدُ الشَّيَاطِينِ مِصْرَ بِالتَّعْطِيشِ أَوِ الْإِغْرَاقِ))

هُمُ الْآنَ يُهَدِّدُونَنَا بِضَرْبِ السَّدِّ الْعَالِي، وَيَتَحَالَفُونَ مَعَ الْأَثْيُوبِيِّينَ بِشَأْنِ سَدِّ النَّهْضَةِ؛ مِنْ أَجْلِ تَعْطِيشِ الشَّعْبِ الْمِصْرِيِّ، إِمَّا بِتَعْطِيشِهِ، وَإِمَّا بِإِغْرَاقِهِ، يُهَدِّدُونَ بِضَرْبِ السَّدِّ، مَعَ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَحْظُرُهُ الْقَوَانِينُ الدَّوْلِيَّةُ؛ فَفِي حَالِ الْحَرْبِ يُحْظَرُ ضَرْبُ السُّدُودِ، وَالْجُسُورِ، وَمَحَطَّاتِ الْكَهْرُبَاءِ، وَمَحَطَّاتِ الْمِيَاهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدَنِيِّينَ؛ فَلِمَاذَا يَتِمُّ الْإِضْرَارُ بِالْمَدَنِيِّينَ؟!!

أَنْتَ تُحَارِبُ أَقْوَامًا يُحَارِبُونَكَ، جُيُوشًا نِظَامِيَّةً أَوْ غَيْرَ نِظَامِيَّةٍ؛ وَلَكِنِ الْمَسَاسُ بِهَذَا مِمَّا لَا تَأْذَنُ بِهِ الْأَعْرَافُ وَالْقَوَانِينُ الدَّوْلِيَّةُ؛ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، وَهُمْ يُحَاوِلُونَ جَاهِدِينَ أَنْ يُؤَثِّرُوا عَلَى اقْتِصَادِنَا.

((ضَرُورَةُ فَهْمِ صِفَةِ الْحَرْبِ الصُّهْيُوأَمِرِيكِيَّة))

اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ نَاصِرُنَا؛ وَلَكِنْ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ وَاعِينَ، أَنْ نَفْهَمَ الْمَسْأَلَةَ فَهْمًا صَحِيحًا؛ هَؤُلَاءِ يُحَارِبُونَنَا بِأَيِّ صِفَةٍ؟!!

وَلِمَاذَا يُسَانِدُهُمُ الْأَمِرِيكِيُّونَ هَذِهِ الْمُسَانَدَةَ؟!!

لَا بُدَّ أَنْ نَفْهَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ.

فَنَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا وَيَنْصُرَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَنْ يُخْزِيَ أَعْدَاءَنَا، وَأَنْ يَكْبِتَهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ؛ إِنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْعَلِيُّ الْكَرِيمُ وَالْجَوَادُ الرَّحِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر:

مَوْقِفُ الْأُرْدُنّ مِنْ تَهْجِيرِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ

وَقِرَاءَةٌ فِي بَيَانِ الْخَارِجِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَوِيِّ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  مُوَاجَهَةُ الْفَسَادِ.. مَسْؤُولِيَّةٌ دِينِيَّةٌ وَوَطَنِيَّةٌ وَمُجْتَمَعِيَّةٌ
  وَحْدَةُ الْوَطَنِ سَبِيلُ قُوَّتِهِ
  ((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ)) مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب: ((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))
  عقائد الكفر تغزو الشباب
  الْأُسْرَةُ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ
  مَفْهُومُ الْعِرْضِ وَالشَّرَفِ
  اغْتِنَامُ الْأَوْقَاتِ وَمَخَاطِرُ إِضَاعَتِهَا
  الْأَمَلُ حَيَاةٌ
  رَكَائِزُ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان