خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1444هـ

خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1444هـ

((خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1444هـ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((حَضَارَاتُ الْعَالَمِ قُبَيْلَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ مَوْهُومَةٌ زَائِفَةٌ))

فَإِنَّ الْعَالَمَ عِنْدَمَا بَعَثَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَبِيَّهُ ﷺ كَانَتْ فِيهِ حَضَارَاتٌ، وَكَانَتْ فِيهِ عُلُومٌ، وَكَانَتْ فِيهِ كُتُبٌ، وَكَانَ فِيهِ قَانُونٌ؛ فَإِنَّ الرُّومَانَ كَانَ عِنْدَهُمْ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ عُلُومِهِمْ وَمِنْ قَانُونِهِمُ الَّذِي مَا زَالَتْ أُورُبَّا تَعِيشُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى امْتِدَادِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

 وَمُخَلَّفَاتُ الْحَضَارَةِ الْإِغْرِيقِيَّةِ مِنْ شِعْرِهَا وَأَسَاطِيرِهَا وَمِنْ فُنُونِهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً، وَما زَالَ الْغَرْبُ إِلَى الْيَوْمَ يَقْتَاتُ عَلَى مَنْطِقِ الْيُونَانِ وَفَلْسَفَتِهِمْ، وَيَسْتَلْهِمُ مَا يَسْتَلْهِمُ مِنْ وَثَنِيَّاتِ أَسَاطِيرِهِمْ.

وَكانَ الْفُرْسُ لَهُمْ حَضَارَةٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُمْ عُلُومٌ وَشِعْرٌ وَفُنُونٌ.

وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْهِنْدُ فِيهَا مَا فِيهَا مِنْ حَضَارَتِهَا وَأَسَاطِيرِهَا وَعُلُومِهَا.

وَكَذَلِكَ الصِّينُ.

وَكَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ فِي قَلْبِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

((قَصْرُ مَصْدَرِ التَّلَقِّي عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

وَبَعَثَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدًا ﷺ، وَقَصَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَصْدَرَ التَّلَقِّي عَلَى الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَحْدَهُ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَرْضَى بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يُنْظَرَ فِي غَيْرِهِ اسْتِلْهَامًا وَتَأَمُّلًا فِي إِصْلَاحٍ أَوْ صَلَاحٍ؛ وَلِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا: ((أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى فِي يَدِ عُمَرَ صَحِيفَةً مِنَ التَّوْرَاةِ، فَغَضِبَ ﷺ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: ((أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ! لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي)).

فَحَدَّدَ مَصْدَرَ التَّلَقِّي فِي كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَفِي الْوَحْيِ الثَّانِي، فَمَصْدَرُ التَّلَقِّي فِي الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ الْجِيلِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِمَا لَا يَخْتَلِطُ فِيهِ شَيْءٌ بِشَيْءٍ هُوَ الْوَحْيُ الْمَعْصُومُ، لَا الْفِكْرُ الْمَوْهُومُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّومَ وَالْفُرْسَ يَكْتَنِفَانِ الْجَزِيرَةَ مِنَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، وَعِنْدَهُمْ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ عُلُومِهِمْ، وَمِنْ قَانُونِهِمْ، وَمِنْ أَسَاطِيرِهِمْ، وَمِنْ شِعْرِهِمْ؛ وَلَكِنَّهَا أَفْكَارٌ وَأَوْهَامٌ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ.

وَأَمَّا دِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَمُنَزَّلٌ مِنْ لَدُنْهُ، فَقَصَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ التَّلَقِّيَ عَلَى كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ ﷺ.

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مَقْصُورِينَ عَلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، حَاجِزِينَ النَّفْسَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، لَا يُتَلَقَّى الْهُدَى إِلَّا مِنْهُ، وَلَا تُتَأَثَّرُ إِلَّا خُطَاهُ، وَالرَّسُولُ ﷺ يَشْرَحُ لَهُمْ مَا غَمُضَ عَلَيْهِمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ﷺ.

تَوْحِيدُ مَصْدَرِ التَّلَقِّي وَقَصْرُهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَكَانَ أَمْرًا مَقْصُودًا؛ حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا تُرْجِمَتِ الْفَلْسَفَةُ الْإِغْرِيقِيَّةُ وَالْمَنْطِقُ الْإِغْرِيقِيُّ الْيُونَانِيُّ بَعْدُ، وَتُرْجِمَتْ أَسَاطِيرُ الْهِنْدِ وَالْفُرْسِ، وَدَخَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ عَلَى دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ أَفْسَدَتْ كَثِيرًا مِنَ الْعَقَائِدِ، وَأَفْسَدَتْ كَثِيرًا مِنْ مَنَاهِجِ الْعَمَلِ.

وَأَمَّا الْجِيلُ الَّذِي رَبَّاهُ الرَّسُولُ ﷺ؛ فَكَانَ مَصْدَرُ التَّلَقِّي عِنْدَهُ مَقْصُورًا عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

وَأَيْضًا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- إِذَا دَخَلَ دِينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ خَلَعَ عَلَى عَتَبَاتِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ كُلَّ مَا كَانَ لَدَيْهِ مِنْ تَصَوُّرَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْ فِكْرِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَيَخْلَعُ جَمِيعَ التَّصَوُّرَاتِ عَلَى عَتَبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَيَدْخُلُ دِينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِيَتَلَقَّى الْهُدَى وَالْحَقَّ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ.

هَذَا الْجِيلُ الْفَرِيدُ الَّذِي كَانَ مُبَرَّزًا بِالْحَقِّ، هَذَا الْجِيلُ الْفَرِيدُ الَّذِي لَمْ يَتَكَرَّرْ بَعْدُ، جِيلُ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-؛ رَبَّاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى تَوْحِيدِ مَصْدَرِ التَّلَقِّي، فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ مَرْجِعِيَّةٍ إِلَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، لَا يَذْهَبُونَ يَتَقَمَّمُونَ الْأَفْكَارَ فِي هَذِهِ الْحَضَارَاتِ الَّتِي صَارَتْ بَعْدُ بَاهِتَةً، لَا وَزْنَ لَهَا وَلَا قِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ نَهْرُ اللهِ بَطُلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ، فَجَاءَ وَحْيُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَقَصَرَ الْأَصْحَابُ أَنْفُسَهُمْ فِي مَصْدَرِ التَّلَقِّي عَلَى هَذَا النَّبْعِ الصَّافِي الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ.

((تَطْبِيقُ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ الْقُرْآنَ فِي الْحَيَاةِ))

وَشَيْءٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَلَقَّى الْوَحْيَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، لَا مِنْ أَجْلِ الْمَتَاعِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ التَّذَوُّقِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ الْعَابِرِ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَنْظُرُونَ فِي كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى أَنَّهُ أَوَامِرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، فَكَانُوا لَا يَسْتَكْثِرُونَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ وَرَاءَهُ مِنَ التَّكَالِيفِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ طَاقَاتُهُمْ -وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللهُ إِلَّا بِمَا يَسْتَطِيعُونَهُ-؛ وَلَكِنْ تَحَوَّلَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِتَعَالِيمِهِ، وَالْهَدْيُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ بِإِرْشَادِهِ إِلَى وَاقِعٍ حَيٍّ يَعِيشُهُ الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

فَلَمْ يَنْظُرُوا فِي كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ أَجْلِ التَّذَوُّقِ، وَلَا مِنْ أَجْلِ الْمَتَاعِ، وَإِنَّمَا حَوَّلُوا دِينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِتَعَالِيمِهِ إِلَى وَاقِعٍ يُعَاشُ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا أَرَادُوا التَّرْجَمَةَ الْفِعْلِيَّةَ لِكِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَظَرُوا فِي وَاقِعِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- رَسُولَ اللهِ ﷺ -وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ-، فَقَالَتْ: ((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ)) ﷺ.

فَهَذِهِ الْأُمُورُ تَمَيَّزَ بِهَا هَذَا الْجِيلُ، وَتَرَبَّى عَلَيْهَا عَلَى يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ.

((رِسَالَةُ الْمُسْلِمِينَ: تَعْبِيدُ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ الْعَظِيمِ))

كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَعْرِفُونَ الْمُهِمَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا ابْتَعَثَهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، لَمْ يُبَرِّرُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِأَنَّنَا نُدَافِعُ عَنْ حُدُودِنَا الْأَعْدَاءَ الْغَاشِمِينَ الْمَارِقِينَ الظَّالِمِينَ، وَلَمْ يُبَرِّرُوا يَوْمًا بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْتَدُونَ عَلَى مَنِ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ ظَالِمًا مُسْتَحْوِذًا لِأَرْضِهِمْ، لَمْ يُبَرِّرُوا يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ جِهَادَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَبَذْلَهُمْ بِأَنَّهُ كَسْبٌ لِأَرْضٍ جَدِيدَةٍ تُضَمُّ إِلَى أَرْضِنَا، وَتُضَافُ إِلَى وَطَنِنَا، وَإِنَّمَا حَدَّدُوا الْمُهِمَّةَ كَمَا حَدَّدَهَا لَهُمْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَبَلَّغَهَا نَبِيُّنَا ﷺ، وَوَضَّحُوهَا، ((إِنَّ اللهَ ابْتَعَثَنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى سَمَاحَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).

وَإِنَّنَا نَعْرِضُ عَلَى الْأَقْوَامِ دِينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ، فَمَنْ قَبِلَهُ مِنَّا قَبِلْنَا مِنْهُ، وَانْصَرَفْنَا عَنْهُ، وَتَرَكْنَاهُ وَأَرْضَهُ؛ تَعْبِيدًا لِلْخَلْقِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَهُمْ.

كَانُوا قَدْ حَدَّدُوا الْمُهِمَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا ابْتَعَثَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَكُونُوا حَالِمِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا أَذِلَّةً وَلَا مُسْتَضْعَفِينَ، وَإِنَّمَا كَانُوا مُسْتَعْلِينَ بِدِينِهِمُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَخْبَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَعْلَوْنَ، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

فَإِذَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا فَإِنَّ اسْتِعْلَاءَ الْإِيمَانِ يَرْتَفِعُ بِكُمْ فَوْقَ تَصَوُّرَاتِ الْأَرْضِ، وَفَوْقَ نَزَوَاتِ الْخَلْقِ، وَاسْتِعْلَاؤُكُمْ بِدِينِكُمْ لَا يَجْعَلُ شَيْئًا يُذْكَرُ أَنْ تَكُونُوا قَلِيلِي الْعَدَدِ، وَلَا أَنْ تَكُونُوا فَقِيرِينَ فِي أَمْرِ الْمَالِ، وَلَا أَنْ تَكُونُوا غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ لِلْقِتَالِ؛ وَلَكِنْ بِاسْتِعْلَائِكُمْ بِدِينِ رَبِّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اخْتَصَّكُمْ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُخْرِجُوا الْعِبَادَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ رَبِّ الْعِبَادِ، لِكَيْ تُخْرِجُوا النَّاسَ مِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى سَمَاحَةِ الْإِسْلَامِ، إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، لِتُخْرِجُوا النَّاسَ مِنْ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ؛ فَالْكُلُّ سَوَاسِيَةٌ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا تُرْفَعُ الْمَقَادِيرُ بِالتَّقْوَى.

((تَرْبِيَةُ النَّبِيِّ ﷺ الصَّحَابَةَ عَلَى التَّوَازُنِ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ))

جِيلُ الْأَصْحَابِ جِيلٌ فَرِيدٌ مُتَفَرِّدٌ، صَنَعَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَيْنِهِ، وَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَوَحَّدَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ مَصْدَرَ التَّلَقِّي فِي النَّبْعِ الصَّافِي الَّذِي لَا يَتَكَدَّرُ، مَحْفُوظٌ هُوَ بِحِفْظِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَضْبِطُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى السَّوَاءِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ قَالَتْ: ((رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ)).

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ حَضَرَ عُثْمَانَ -وَهُوَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-، فَلَمَّا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ غَيْبِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ؛ رَدَّهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، قَالَ: ((وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟)).

فَرَدَّتْ رَدًّا ذَكِيًّا بَلِيغًا، قَالَتْ: ((بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ)).

فَرَدَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ بِرَدٍّ هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، فَقَالَ: ((أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ! إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ! مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي)).

فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى نِصَابِهِ.

فَالْأُمُورُ صَائِرَةٌ بِمَصَائِرِهَا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَالْعِبَادُ فِي الْأَرْضِ خَلْقُ اللهِ يَعْبُدُونَهُ، يُوَحِّدُونَهُ، يُخْلِصُونَ الْعِبَادَةَ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ الَّذِي خَطَّهُ لَهُمْ نَبِيُّهُ الْكَرِيمُ ﷺ.

قَالَتْ: ((وَاللَّهِ! لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا)).

فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَضْبِطُهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ عَلَى مَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ.

يَخْطُبُ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ -كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))-، فَيَقُولُ الْخَطِيبُ -وَالنَّبِيُّ ﷺ شَاهِدٌ يَسْمَعُ-: ((مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى)).

قَالَ: ((بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى)).

فَلَمْ يَقْبَلِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ هَكَذَا، وَأَرْشَدَهُ إِلَى الْفَصْلِ تَمَامًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ))، وَالْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: ((أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ((مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ)).

فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟! قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)).

فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَرُدُّهُمْ إِلَى الْحَقِّ إِنْ وَقَعَ عَنْهُ حُيُودٌ مَا، وَهُمْ فِي حَجْرِ النُّبُوَّةِ يُعَلِّمُهُمُ النَّبِيُّ ﷺ الْعَقِيدَةَ وَالْعَمَلَ، وَيَضْبِطُ لَهُمُ الْمِنْهَاجَ؛ حَتَّى إِذَا مَا رَحَلَ ﷺ وَلَحِقَ بِرَبِّهِ أَبْقَى لِلْأُمَّةِ مَا بَلَّغَهُ عَنْ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كِتَابِهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ ﷺ، فَيَتْرُكَ الْأُمَّةَ -حِينَئِذٍ- عَلَى الْجَادَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.

أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ! إِنَّ نَبِيَّكُمْ ﷺ أَقَامَكُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ عَلَى السَّوَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ -كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--: ((مَرَّ مَنْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ -كَمَا قَالَ أَبُو وَاقِدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- عَلَى سِدْرَةٍ كَانَتْ لِلْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْيَافَهُمْ، وَيَتَحَلَّقُونَ حَوْلَهَا، فَلَمَّا مَرَّ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ قَالَ بَعْضُ حُدَثَاءِ الْإِيمَانِ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)).

((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)).

فَأَرْشَدَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَمَا طَلَبُوا إِلَّا أَنْ تُتَّخَذَ لَهُمْ سِدْرَةٌ -شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ- تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْأَسْيَافُ، وَالرَّسُولُ ﷺ يَقُولُ لَهُمْ: ((قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)).

وَيَا للهِ الْعَجَبُ! إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي شَجَرَةٍ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّقُونَ حَوْلَهَا وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيُعَلِّقُونَ أَسْيَافَهُمْ بِأَغْصَانِهَا، فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)).

فَكَيْفَ بِالَّذِينَ يَتَحَلَّقُونَ عَاكِفِينَ حَوْلَ الْقُبُورِ، حَوْلَ الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ حَوْلًا وَلَا حِيلَةً وَلَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا؟!!

إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ وَأَطَمُّ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَصْرِفُ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّدِيدِ عَنِ اتِّخَاذِ سِدْرَةٍ تُعَلَّقُ بِهَا الْأَسْيَافُ كَمَا كَانَ لِلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِينَ يَتَحَلَّقُونَ حَوْلَ الْأَضْرِحَةِ يَقْصِدُونَهَا، يَطْلُبُونَ مِنْهَا مَا لَا يُطْلَبُ إِلَّا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَالُهُمْ حَالُهُمْ -وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ-.

النَّبِيُّ ﷺ أَقَامَهُمْ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ وَعَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي لَا يَعَوَجُّ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُ فِي السَّفَرِ وَفِي الْحَضَرِ، يُعَلِّمُ فِي الْمَعْرَكَةِ وَفِي السِّلْمِ، يُعَلِّمُ فِي الْحَلِّ وَفِي التَّرْحَالِ، يُعَلِّمُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبٍ، يُرْشِدُ ﷺ إِلَى دِينِ اللهِ.

عِبَادَ اللهِ! أَنْتُمْ مَخْلُوقُونَ للهِ، أَنْتُمْ خَلْقُ اللهِ فِي أَرْضِ اللهِ، خَلَقَكُمْ لِغَايَةٍ، وَحَدَّدَ لَكُمْ وَسِيلَةً إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ، فَحَذَارِ أَنْ تَزِيغُوا عَنِ النَّهْجِ، وَأَنْ تَضِلُّوا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

النَّبِيُّ ﷺ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))-: ((رَأَى رَجُلًا يَمْشِي مُسَنَّدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ: ((مَا بَالُ هَذَا؟)).

قَالُوا: ((يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ مَاشِيًا)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ)).

فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْعَمَلِ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَهُوَ الْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْقَوِيمُ، وَهُوَ النَّهْجُ الْأَحْمَدُ الَّذِي لَا تَزِلُّ الْأَقْدَامُ عَنْهُ إِلَّا بِفِتْنَةٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.

((وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ فِي مَسْجِدِهِ يَوْمًا فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ -رَجُلًا ضَاحِيًا قَائِمًا لَا يَسْتَظِلُّ، هُوَ قَائِمٌ لَا يَقْعُدُ- فَسَأَلَ عَنْهُ.

قَالُوا: ((هَذَا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)).

فَأَعَادَ فِي الْعَمَلِ إِلَى الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَبَطَ لَهُ رَبُّهُ الدِّينَ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ وَلَا يَزِيغُ عَنْهُ إِلَّا زَائِغٌ، وَبَلَّغَ الرَّسُولُ ﷺ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُقَصِّرِينَ -حَاشَاهُ- ، إِنَّمَا كَانَ أَسْرَعَ الْخَلْقِ إِلَى تَنْفِيذِ مَا أَمَرَ بِهِ، وَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ ارْتِكَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَكَانَ تُرْجُمَانًا حَيًّا وَاقِعِيًّا لِكِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَكَانَ قُرْآنًا يَمْشِي وَيَتَحَرَّكُ؛ لِأَنَّهُ طَبَّقَ قُرْآنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَلَامَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَ قُرْآنًا حَيًّا يَتَحَرَّكُ يُتَرْجِمُ كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَحْيَهُ.

دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ حَبْلًا مَشْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، قَالَ: ((مَا هَذَا الْحَبْلُ؟)).

قَالُوا: ((هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ))؛ هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ تُصَلِّي عِنْدَهُ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ حَتَّى تَنْشَطَ.

فَقَالَ: ((لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ))؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إِذَا ذَهَبَ يُغَالِبُ النَّوْمَ وَيُصَارِعُهُ فَيَذْهَبُ وَعْيُهُ، وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ قَدَمُهُ، رُبَّمَا ذَهَبَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ فَدَعَا عَلَيْهَا، وَرُبَّمَا نَدَّتْ مِنْهُ كَلِمَةٌ فِي حَقِّ رَبِّهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَيُعِيدُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْعَمَلِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ كَمَا أَعَادَ النَّاسَ فِي الْعَقِيدَةِ إِلَى النَّهْجِ الْقَوِيمِ.

فَجَاءَ ﷺ بِالْعَقِيدَةِ النَّقِيَّةِ الصَّافِيَةِ الَّتِي لَا غَبَشَ فِيهَا وَلَا تَلْتَبِسُ عَلَى ذِي فِطْنَةٍ بِحَالٍ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ، وَهِيَ مُنَزَّهَةٌ وَخَلِيَّةٌ عَنْ كُلِّ خُرَافَاتِ الْأَقْدَمِينَ وَعَنْ كُلِّ شِرْكِ الْمُشْرِكِينَ، هِيَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهِيَ الْوَحْيُ الْمَعْصُومُ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يُوَضِّحُ الْعَقِيدَةَ وَمِنْهَاجَ الْعَمَلِ عَلَى السَّوَاءِ، يُوَضِّحُ ذَلِكَ بِكَلَامِهِ وَبِأَفْعَالِهِ ﷺ.

لَمَّا جَاءَهُ خَبَرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ زَوَّجَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا، فَلَمْ يَقْرَبْ أَهْلَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ عَمْرٌو بِذَلِكَ شَكَاهُ وَاشْتَكَاهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ مَا قَالَ حَتَّى بَلَغَ بِهِ إِلَى الْقَانُونِ: ((إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ -أَيْ: لِضَيْفِكَ- عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَآتِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).

فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْعَمَلَ عَلَى السَّوِيَّةِ بِمِنْهَاجِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي تَسْتَقِيمُ بِهِ الْقُلُوبُ.

((مَبْنَى الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

وَلَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا لَنَا أَمْرًا يَتَوَرَّطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيَتَوَرَّطُونَ فِي خَطَأٍ بَلْ خَطِيئَةٍ عِنْدَمَا يَظُنُّونَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا هُوَ حَلٌّ لِفَسَادٍ مُؤَقَّتٍ، لَا، دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ حَلًّا مُؤَقَّتًا لِشَيْءٍ، وَلَمْ يُرْسِلِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ ﷺ لِتَبْنِيَ الْأُمَّةُ الْقُصُورَ، وَلَا مِنْ أَجْلِ أَنْ تُشَيِّدَ الْبِنَايَاتِ الْعَالِيَةَ، وَلَا مِنْ أَجْلِ أَنْ تُعَبِّدَ الطُّرُقَ، وَلَكِنْ هَذِهِ أُمُورٌ مُلْحَقَةٌ، مَا كَانَ مِنْهَا مُبَاحًا فَذَاكَ، وَمَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَذَاكَ.

وَإِنَّمَا أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُخْرِجَ الْعِبَادَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى سَمَاحَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ الصَّافِي إِذَا كَانَ مُبَرَّءًا مِنَ الْعَصَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْخُزَعْبَلَاتِ الَّتِي لَا تَمُتُّ إِلَى الدِّينِ بِصِلَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ -حِينَئِذٍ- إِحْيَاءً لِأَمْرِ الرُّوحِ وَأَمْرِ الْحَيَاةِ عَلَى السَّوَاءِ.

وَالْمُسْلِمُونَ الْأَوَائِلُ إِنَّمَا تَقَدَّمُوا فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ لَمَّا ارْتَبَطُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَتَخَلَّفُوا عِنْدَمَا تَرَكُوا الْكِتَابَ وَرَاءَهُمْ ظِهْرِيًّا، وَإِنَّمَا قَامَتِ الْحَضَارَةُ كُلُّهَا -حَضَارَةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَائِلِ- قَامَتْ عَلَى كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا، وَلِأَنَّ الْمَعَارِفَ جَمِيعَهَا إِنَّمَا كَانَتْ مُسْتَقَاةً مِنْ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ هِيَ مِنْ أَجْلِ خِدْمَةِ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَعَلَى كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحَوْلَهُ تَكَوَّنَتِ الْحَضَارَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عِنْدَ أَسْلَافِنَا الْأَوَائِلِ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا ارْتَبَطُوا بِدِينِهِمْ لِأَنَّهُ زَائِفٌ مُحَرَّفٌ، لَمْ تَصِحَّ بِهِ نِسْبَةٌ إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِنَّمَا حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.. لَمَّا تَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ تَخَلَّفُوا إِلَى الْحَضِيضِ الْأَوْهَدِ.

وَعِنْدَمَا كَانَتِ الْأَنْدَلُسُ إِسْلَامِيَّةً يَعْلُو فِيهَا صَوْتُ الْأَذَانِ عَلَى الْمَآذِنِ عَالِيًا يَشُقُّ عَنَانَ الْفَضَاءِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ تَكْبِيرًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَوْحِيدًا لَهُ.. عِنْدَمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّافُورَاتِ الْعَامَّةِ وَمِنَ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ فِي بَعْضِ مُدُنِهِمُ الْكَبِيرَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ أُورُبَّا فِيهِ تَحْيَا فِي ظَلَامِهَا وَفِي جَهْلِهَا مُتَمَسِّكَةً بِزَائِفِ دِينِهَا وَخُزَعْبَلَاتِ تَحْرِيفَاتِ قُسُوسِهَا وَرُهْبَانِهَا، كَانُوا يَعُدُّونَ الِاسْتِحْمَامَ بِالْمَاءِ وَمُعَالَجَةَ الْجَسَدِ بِهِ رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، لَمْ يَعْرِفُوا النَّظَافَةَ يَوْمًا وَلَا الطَّهَارَةَ حَتَّى عَلَّمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ.

وَلَمَّا جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكِتَابَ وَرَاءَهُمْ ظِهْرِيًّا تَخَلَّفُوا، وَسَبَقَ الْآخَرُونَ لَمَّا بَنَوْا عَلَى مَا أَسَّسْنَا، وَصِرْنَا إِلَى مَا صِرْنَا إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخَلَاصُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْمَذَلَّةِ الْوَاقِعَةِ وَمِمَّا نُعَانِيهِ بِالْعَوْدَةِ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَحْدَهُ، بِتَوْحِيدِ مَصْدَرِ التَّلَقِّي، بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنَ الْفَلْسَفَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الشَّرِيفَةِ الثَّابِتَةِ، بِالْعَوْدَةِ إِلَى النَّبْعِ الَّذِي لَا يَظْمَأُ مَنِ ارْتَوَى مِنْهُ، وَلَا يَضِلُّ مَنْ قَصَدَهُ بِحَالٍ.

فَهَذَا هُوَ النَّهْجُ الْأَسَدُّ الَّذِي سَادَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ أَسْلَافِنَا حَتَّى مَلَكُوا الدُّنْيَا جَمِيعَهَا، لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ خُرَافَاتٌ وَلَا خُزَعْبَلَاتٌ وَلَا تُرَهَّاتٌ كَالَّتِي تَسُودُ الْأُمَّةَ؛ إِذْ تَظُنُّ أَنَّ الْأَمْوَاتَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ، فَيُلْقُونَ عَلَى أَعْتَابِ أَضْرِحَتِهِمْ أَحْمَالَهُمُ الثَّقِيلَةَ، عَسَى أَنْ تُحْمَلَ عَنْهُمْ، أَوْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ!!

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((اللهم لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ))، وَلَوْلَا أَنَّهُ خَافَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ ﷺ.

تَوْحِيدُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَعْرِفَةُ الدِّينِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ الْخَاطِئَ لِلدِّينِ يُؤَدِّي إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّلَالِ وَالْحُيُودِ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

((وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ!))

وَالْمُسْلِمُونَ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الْعَالَمِ مِنْ مَنْظُورِ الْإِسْلَامِ، لَا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَنْظُورِ الْعَالَمِ، كَمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي كُتُبِ النَّاسِ، حَتَّى مِنَ الْمُخْلِصِينَ مِنْهُمْ -نَحْسَبُهُمْ وَلَا نُزَكِّيهِمْ عَلَى اللهِ- الَّذِينَ يُدَافِعُونَ عَنِ الدِّينِ الْحَنِيفِ وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ مِنْ مَنْظُورِ الْآخَرِينَ، يَقُولُونَ: مَاذَا أَثَّرَتِ النَّهْضَةُ الْكُبْرَى فِي أُورُبَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟!!

وَمَاذَا أَثَّرَتِ الثَّوْرَةُ الصِّنَاعِيَّةُ الْكُبْرَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟!!

وَمَاذَا أَثَّرَتِ الثَّوْرَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْعَالَمِ عَلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ؟!!

لَا، هَذِهِ نَظْرَةٌ مَعْكُوسَةٌ، نَحْنُ نَحْمِلُ الْحَقَّ وَالْهِدَايَةَ!

نَحْنُ نَحْمِلُ الْخَلَاصَ الْحَقَّ!

نَحْنُ الَّذِينَ نَحْمِلُهُ؛ لِأَنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ نَمْلِكُهُ، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ سِوَى الْمُسْلِمِينَ!

اعْرِفُوا قَدْرَكُمْ، وَاسْتَعْلُوا بِدِينِكُمْ؛ فَقَدْ قَالَ رَبُّكُمْ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ الْمِنْهَاجَ..

 تَمْلِكُونَ الْخَلَاصَ..

تَمْلِكُونَ مَفَاتِيحَ النَّجَاةِ..

أَنْتُمْ تَضَعُونَ الْأَقْدَامَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ..

أَنْتُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ لِلْأُمَمِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُدْخِلُوهُمْ الْجَنَّةَ -جَنَّةَ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ-.

أَنْتُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- صَفْوَةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِدِينِكُمْ، إِنْ نَظَرْتُمْ فِي كِتَابِ رَبِّكُمْ لَا لِلْمَتَاعِ، وَلَا لِلتَّذَوُّقِ، وَلَا لِتَزْجِيَةِ الْوَقْتِ، وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ فِي كِتَابِ اللهِ لِتَحْوِيلِهِ إِلَى وَاقِعٍ يُعَاشُ، بِنَفْيِ جَمِيعِ أُمُورِ الْمُخَالَفَاتِ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ؛ لِيَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى النَّهْجِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَصْلُحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِمَا صَلُحَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا، بِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ.

نَعَمْ، لَقَدْ وَضَعَ الْأَمَانَةَ عَلَى أَكْتَافِكُمْ، وَجَعَلَ الطَّرِيقَ أَمَامَكُمْ؛ فَمَاذَا يَقْعُدُ بِكُمْ؟!!

مَا الَّذِي يُعْجِزُكُمْ وَقَدْ آتَاكُمْ رَبُّكُمْ دِينَهُ الْحَقَّ وَآتَاكُمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلُوهُ؟!!

فَيَا لَهَا مِنْ مِنَّةٍ؛ فَأَيْنَ شُكْرُهَا؟!!

أَيْنَ الْعَمَلُ بِهَا؟!!

وَأَيْنَ الدَّعْوَةُ إِلَيْهَا؟!!

وَأَيْنَ الثَّبَاتُ عَلَيْهَا؟!!

وَأَيْنَ الْكِفَاحُ وَالْجِلَادُ وَالْجِهَادُ دُونَهَا؟!!

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

وَقَدْ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِ انْكِسَارٍ وَاقِعٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ ﷺ، أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الدَّرْسَ وَالدَّرْسَ؛ لِكَيْ يُفِيدَهُمْ مَا وَقَعَ لَهُمْ مَا تَسْتَقِيمُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَقْدَامُهُمْ، وَأَلَّا يَتَوَرَّطُوا بَعْدُ فِي مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ ﷺ، لَا فِي صَغِيرٍ وَلَا فِي كَبِيرٍ، فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَمَاسَكُوا؛ لِأَنَّهُمْ مُتَمَاسِكُونَ بِدِينِ رَبِّهِمْ مُتَمَسِّكُونَ بِهِ، أَمَرَهُمْ أَلَّا يَهِنُوا، وَأَلَّا يَضْعُفُوا، وَأَلَّا يَحْزَنُوا، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُبْشِرُوا؛ لِأَنَّهُمُ الْأَعْلَوْنَ، إِنْ قَلَّ عِنْدَكُمُ الْمَالُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُمْ إِلَى الْعَتَادِ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنُوا مِنْ تَحْصِيلِ الزَّادِ فَلَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أَمَامَ تَصَوُّرَاتِ الْآخَرِينَ بِكُفْرِيَّاتِهَا وَوَثَنِيَّاتِهَا وَشِرْكِيَّاتِهَا وَبِدْعِيَّاتِهَا، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنِ افْتَقَرْتُمْ إِلَى الْمَالِ، وَإِنْ قَلَّ عَدَدُ الرِّجَالِ، فَقَدْ كَانُوا قِلَّةً، وَكَانُوا الْأَعْلَوْنَ، وَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ اسْتَعْلَوْا بِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِدِينِهِمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ! أَنْتَ عَزِيزٌ عَالٍ إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا حَقًّا؛ لِأَنَّكَ تَعْبُدُ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ، وَالْآخَرُونَ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَيُقَدِّسُونَ سِوَاهُ، وَيَنْفِرُونَ لِغَيْرِهِ، وَيُقْبِلُونَ عَلَى سِوَاهُ، أَمَّا أَنْتُمْ -مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ- فَأَنْتُمُ الْمُوَحِّدُونَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

((يَوْمُ الْعِيدِ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ مَحَاسِنِ شَرْعِهِ هَذَا الْيَوْمُ الْأَغَرُّ، تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شَهْرَ الصِّيَامِ، وَافْتَتَحَ بِهِ أَشْهُرَ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَالْيَوْمَ أَوَّلُ أَيَّامِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَا تَوَّجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ صِيَامَ الشَّهْرِ فِيمَا فَرَضَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْنَا.

وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى، وَلَمْ يُعْفِ أَحَدًا مِنْ أَمْرٍ، فَلْيَخْرُجُوا جَمِيعًا كِبَارًا وَصِغَارًا، رِجَالًا وَنِسَاءً، شِيبًا وَشُبَّانًا، حَتَّى الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ إِلَى الْمُصَلَّى يَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ.

أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟

إِنَّهُ بُرْهَانٌ عَلَى شُكْرِ اللهِ الَّذِي أَنْعَمَ، يُكَبِّرُهُ الْعَبْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ الَّذِي مَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ بِهِ، هُوَ أَعْظَمُ مِنَّةٍ تَكُونُ قَطُّ، لَا مِنَّةَ هِيَ أَعْلَى مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مُسْلِمًا، أَنْ تَكُونَ مُوَحِّدًا، أَنْ تَكُونَ لِلنَّبِيِّ مُتَّبِعًا ﷺ.

يَخْرُجُونَ مُكَبِّرِينَ إِلَى الْمُصَلَّى فِي الطُّرُقَاتِ وَالشَّوَارِعِ، يَرْفَعُ الرِّجَالُ أَصْوَاتَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَفْعَلْنَ، وَالْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ الْخَيْرَ وَدَعْوَتَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِلْإِعْرَابِ عَنِ الشُّكْرِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ، خَاضِعِينَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُتَذَكِّرِينَ بِجَمْعِهِمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ؛ إِذْ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ أَنْ صَامُوا وَقَامُوا وَتَصَدَّقُوا بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ -زَكَاةِ الْفِطْرِ-، فَأَتَوْا بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي طَلَبَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهُمْ، فَخَرَجُوا لِكَيْ يَشْهَدُوا الْخَيْرَ وَدَعْوَتَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، يَتَصَافُوا وَيَتَحَابُّوا وَيَتَمَاسَكُوا، وَحَّدَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حَتَّى صَارَتْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَوَحَّدَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَ أَجْسَادِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مُتَلَاصِقِينَ مُتَرَاصِّينَ فِي صُفُوفٍ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ.

دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَهَذَا الْيَوْمُ مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الدِّينِ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا جَعَلَ، وَجَعَلَ فِيهِ مِنَ الْفَرَحِ بِانْقِضَاءِ زَمَانِ طَاعَةٍ عَلَى نَحْوٍ مَفْرُوضٍ مَا جَعَلَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ الَّذِي فَرَضَ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَ، هُوَ وَحْدَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الَّذِي يُوَفِّقُ، وَمِنْ كَرَمِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ وَيُثِيبُ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ مَا وَفَّقَ إِلَيْهِ هُوَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَهَذَا مِنْ أَجْزَلِ النِّعَمِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْعَطَايَا.

((تَفْسِيرُ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرًا سِيَاسِيًّا خَطِيئَةٌ كُبْرَى))

عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَحِّدُوا مَصْدَرَ تَلَقِّيهِمْ، وَأَنْ يَعُودُوا إِلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ.

وَلْيَعْلَمُوا أَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا وَقَعَ فِي خَطَأٍ شَنِيعٍ فَأَثَّرَ فِيهِ وَمَحَقَ دِينَهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي، بَلْ يَحْسَبُ نَفْسَهُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ؛ كَالَّذِي يُفَسِّرُ الْإِسْلَامَ تَفْسِيرًا سِيَاسِيًّا، كَمَا فَعَلَ الْمَوْدُودِيُّ -مَثَلًا-؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّفْسِيرَ لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَلِلدِّينِ الْكَرِيمِ تَفْسِيرًا سِيَاسِيًّا، إِذَا ذَهَبُوا إِلَى الْمُصَلَّى فَهِيَ كَتِيبَةٌ زَاحِفَةٌ مِنْ أَجْلِ لِقَاءٍ، أَوْ مِنْ أَجْلِ اسْتِعْدَادٍ لِلِقَاءٍ، فَإِذَا وَقَفُوا خَلْفَ إِمَامِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالتَّرَاصِّ فَهَذِهِ وَقْفَةٌ عَسْكَرِيَّةٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلَهُ تَفْسِيرًا سِيَاسِيًّا أَوْ تَفْسِيرًا عَسْكَرِيًّا لِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَعَلَى خُطَاهُ مَضَى سَيِّدُ قُطْب -عَفَا اللهُ عَنْهُ-، فَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ تَفْسِيرًا سِيَاسِيًّا مِنْ مَنْظُورِ الْحَاكِمِيَّةِ، وَالْحَاكِمِيَّةُ حَقٌّ، بَلْ نَطَقَ بِهَا قَبْلُ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَكِنْ أَنْ تُصْبَغَ الْحَيَاةُ كُلُّهَا بِهَا، وَأَنْ يُفَسَّرَ الدِّينُ مِنْ خِلَالِهَا فَهَذَا بِالضَّبْطِ كَمَا لَوْ كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى الْكَوْنِ مِنْ ثُقْبِ الْإِبْرَةِ، مِنْ سَمِّ الْخِيَاطِ، فَمَا الَّذِي تَرَاهُ؟!!

وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِهَا فِي دِينِ اللهِ فَهِيَ حَقٌّ حَقِيقٌ، أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، هَذَا أَمْرٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مُسْلِمَانِ، وَأَمَّا الْمُجَازَفَةُ بِأَنْ تَكُونَ هَذِهِ مَنَاطَ الْبَعْثَةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا بُعِثَ لِأَجْلِهَا، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا كَانَ مُقَصِّرًا، وَلِأَنَّ مُوسَى لَمْ يُتِمَّهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَلِأَنَّ عِيسَى رُفِعَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ شَطْرًا، وَقَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَا كَانَ، أَنْ يُفَسَّرَ الدِّينُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَهَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ، هَذِهِ خَطِيئَةٌ، أَنْ يَكُونَ التَّفْسِيرُ لِلدِّينِ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدِّينِ، هَذِهِ خَطِيئَةٌ، إِنَّمَا أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُرْسَلِينَ جَمِيعًا لِتَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَنْتَظِمُ فِي ذَلِكَ مَا يَنْتَظِمُ عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ، وَعَلَى قَدْرِ الْإِطَاقَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَلَا عَلَيْكَ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

وَضْعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي نِصَابِهِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، وَقَدْ شَرَّعَ لَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَيُصْلِحُهُمْ فِي الْحَيَاةِ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَا يُعْلِيهِمْ بِهِ فِي الْجَنَّاتِ دَرَجَاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ لَدُنْ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ وَعَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ.

((تَصْفِيَةُ الدِّينِ مِمَّا عَلَقَ بِهِ سَبِيلُ النَّجَاةِ))

إِنَّ الْأُمَّةَ الْمُسْلِمَةَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَفِّيَ دِينَهَا مِمَّا عَلَقَ بِهِ مِنَ الشَّوَائِبِ فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادِ وَفِي أُمُورِ الْعَمَلِ عَلَى السَّوَاءِ وَفِي جَمِيعِ فُرُوعِ الْمَعْرِفَةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ رَائِدَ الْأُمَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ عَامِلَةً فِي لَيْلِهَا وَنَهَارِهَا وَفِي صَبَاحِهَا وَمَسَائِهَا عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

فَهَذِهِ وَحْدَهَا كَفِيلَةٌ بِإِخْرَاجِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ الْمَذَلَّةِ، ((سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)) الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ ﷺ.

جَاءَ لِيُحَارِبَ الشِّرْكَ فِي جَمِيعِ مَظَاهِرِهِ، ((وَأَرْسَلَ مَنْ أَرْسَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَأْمُرُهُ أَلَّا يَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّاهُ بِالْأَرْضِ، وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسَهُ))؛ لِكَيْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ للهِ وَحْدَهُ، وَلِكَيْ يَكُونَ التَّوَجُّهُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، وَالِاتِّبَاعُ يَنْفَرِدُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ أَمْرًا وَنَهْيًا؛ إِذْ هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كَثِيرٌ مِنَ الْغَبَشِ تَفَشَّى عَلَى وَجْهِ الشَّرْعِ الْأَغَرِّ، وَالنَّاُس لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَظَرٌ، وَالْأَهْوَاءُ لَا تَنْقَضِي وَلَا تَنْحَصِرُ، وَأَمَّا دِينُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ، وَهُوَ قَرِيبُ الْمَنَالِ، لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعِيدًا وَلَا عَسِرًا، وَإِنَّمَا يَسَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، وَيَسَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السُّنَّةَ بِالْحِفْظِ، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدِّينَ قَائِمًا، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَاوَاهُمْ وَعَادَاهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ)).

هُمُ الْأَعْلَوْنَ؛ يَعْلُونَ بِدِينِهِمْ وَيَسْتَعْلُونَ بِهِ فَوْقَ كُلِّ الْقُوَى الَّتِي يُظَنُّ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا وَأَنَّهَا فَاعِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَمْرَ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، فَيُلْقُونَ الزِّمَامَ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ بِافْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ، لَا يَتَحَرَّكُونَ إِلَّا بِأَثَرٍ وَسُنَّةٍ، وَلَا يَسْكُنُونَ إِلَّا بِأَثَرٍ وَسُنَّةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِأَثَرٍ وَسُنَّةٍ، وَلَا يَصْمُتُونَ إِلَّا  بِأَثَرٍ وَسُنَّةٍ.

وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تَحُكَّ جِلْدَكَ بِظُفُرِكَ إِلَّا بِسُنَّةٍ وَأَثَرٍ فَافْعَلْ، فَفِيهَا النَّجَاةُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُتَلَقَّى إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ.

مِنْهَاجُ النُّبُوَّةِ أَنْ تَعُودَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ الَّذِينَ تَضَلَّعُوا بِعُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَامُوا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَسَارُوا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ عَلَى قَدَمِ نَبِيِّهِمْ ﷺ، فَيُعَادُ بِالْأَمْرِ عِنْدَ النَّوَازِلِ إِلَيْهِمْ؛ حَتَّى لَا تَتَفَرَّقَ الْأُمَّةُ، وَحَتَّى لَا تَتَشَرْذَمُ الْأُمَّةُ، وَحَتَّى لَا تَتَشَظَّى الْأُمَّةُ شَظِيَّةً شَظِيَّةً، وَحَتَّى لَا يَتْبَعَ النَّاسُ كُلَّ نَاعِقٍ مِنْ كُلِّ فَجٍّ وَعَلَى كُلِّ صِرَاطٍ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُودَ النَّاسُ أَفْوَاجًا إِلَى دِينِ اللهِ، وَدِينُ اللهِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

لَا يُخْلِي اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ؛ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَعْذَارُ -أَعْذَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ-، وَحَتَّى تَبْطُلَ حُجَجُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ، وَحَتَّى لَا يَقُومَ لِأَحَدٍ حُجَّةٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ بَعْدَ الْبَلَاغِ الْمُبِينِ بَعْدَ الْبَلَاغِ الْمُسْتَفِيضِ.

تَخَلُّوا عَنِ الْأَهْوَاءِ -عِبَادَ اللهِ-!

تَخَلُّوا عَنِ الْمَوْرُوثِ!

طَهِّرُوا عُقُولَكُمْ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-: ((أَنَّ لُقْمَانَ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ يَوْمًا: خُذْ هَذِهِ الشَّاةَ فَاذْبَحْهَا، وَأْتِ بِأَطْيَبِ عُضْوَيْنِ فِيهَا، فَذَبَحَهَا، وَأَتَاهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ: خُذْ هَذِهِ الشَّاةَ وَاذْبَحْهَا وَأْتِنِي بِأَخْبَثِ عُضْوَيْنِ مِنْهَا، فَذَبَحَهَا وَأَتَاهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَا! طَلَبْتُ مِنْكَ أَنْ تَأْتِيَ بِأَطْيَبِ شَيْءٍ فِيهَا فَجِئْتَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَبِأَخْبَثِ شَيْءٍ فِيهَا فَجِئْتَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَمَا هَذَا؟!!

قَالَ: إِنَّهُ مَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا، وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا)). وَهُوَ كَذَلِكَ.

فَلَا أَخْبَثَ مِنَ الْقَلْبِ إِذَا خَبُثَ وَلَا مِنَ اللِّسَانِ إِذَا خَبُثَ، وَخَبَاثَةُ اللِّسَانِ فَرْعُ خُبْثِ الْقَلْبِ وَخَبَاثَتِهِ.

وَلَا أَطْيَبَ مِنَ الْقَلْبِ إِذَا طَابَ، وَلَا أَطْيَبَ مِنَ اللِّسَانِ إِذَا طَابَ، وَطِيبُ اللِّسَانِ فَرْعٌ عَنْ طِيبِ الْقَلْبِ.

طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ!

انْفُوا تَصَوُّرَاتِكُمْ وَنَحُّوهَا جَانِبًا!

تَعَادَلُوا -عِبَادَ اللهِ- أَمَامَ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!

كُونُوا كَالْجُنْدِيِّ فِي الْمَيْدَانِ يَأْتِيهِ الْأُمْرُ الْيَوْمِيُّ الْمُبَاشِرُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ يَتَلَقَّاهُ مِنْ قَائِدِهِ حَتَّى يَكُونَ مُسْرِعًا فِي تَنْفِيذِهِ لَا يَتَلَكَّأُ وَلَا يَتَوَانَى!

خُذُوا الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُخَاطِبُكُمْ بِهِ مِنْهُ إِلَيْكُمْ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَكَ: يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ! افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ!

وَخُذُوا السُّنَّةَ عَلَى أَنَّهَا خِطَابٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ كِفَاحًا مِنْهُ إِلَيْكُمْ كَأَنَّكُمْ وُقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ لَكُمْ: عِبَادَ اللهِ، وَيَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ! افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ، بِهَذَا يَنْفَعُكَ اللهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

((الْعَالَمُ يَنْتَظِرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))

مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! إِنَّ الْعَالَمَ يَنْتَظِرُ الْمُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِمْ حَامِلِينَهُ بِمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، لَا بِالتَّشَرْذُمِ وَالتَّشَظِّي، وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ؛ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِ اللهِ، التَّفَرُّقُ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ، أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْجَمَاعَةُ مَقْرُونَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَالِاجْتِمَاعُ مَقْرُونٌ بِهَا، وَالْبِدْعَةُ مَقْرُونَةٌ بِالْفُرْقَةِ وَالِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَدَعُوا هَذَا جَانِبًا، صَفُّوا قُلُوبَكُمْ، صَفُّوا عُقُولَكُمْ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا عِنْدَكُمْ مِمَّا تَحْسَبُونَهُ مِنْ دِينِ رَبِّكُمْ مَا هُوَ إِلَّا مِنْ مُخَلَّفَاتِ الْقُرُونِ.

نَعَمْ، وَلَا تَفْزَعْ، كَثِيرٌ مِمَّا عِنْدَكَ مِمَّا تَظُنُّهُ دِينًا مَا هُوَ إِلَّا مِنَ الْفُلْكُلُورِ الشَّعْبِيِّ، مِنْ حِكَايَاتِ الْعَجَائِزِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، تُهَدْهِدُ الصِّغَارَ مِنْ أَجْلِ الْمَنَامِ وَلَذِيذِ الْغُمْضِ.

نَحِّ هَذَا جَانِبًا، تَعَادَلْ مِنْ جِهَتِهِ وَكُنْ مُحَايِدًا، وَأَقْبِلْ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَالْحَقُّ وَاضِحٌ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ وَالْبُرْهَانُ فِيهَا لَائِحٌ، وَكُنْ عَبْدَ اللهِ حَقًّا وَصِدْقًا.

((لَا تُمَكِّنْ أَهْلَكَ مِنَ الْمَعَاصِي يَوْمَ الْعِيدِ!))

فِي يَوْمِكَ هَذَا لَا تُمَكِّنْ أَهْلَكَ وَبَنَاتِكَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ بِالسُّفُورِ الْمُزْرِي وَالتَّهَتُّكِ الْفَاضِحِ، اتَّقُوا اللهَ فِيهِنَّ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُحَاسَبُونَ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ إِلَيْهِنَّ، اتَّقُوا اللهَ فِي هَؤُلَاءِ الضَّعِيفَاتِ، خُذُوا بِأَيْدِيهِنَّ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ نُصْحًا وَتَذْكِيرًا وَإِرْشَادًا وَتَعْلِيمًا، وَلَنْ تَكُونَ رَائِدًا فِي هَذَا الْمَجَالِ حَتَّى تُطَبِّقَ عَلَى نَفْسِكَ؛ وَإِلَّا كَذَّبَ لِسَانُ فَعَالِكَ لِسَانَ مَقَالِكَ، وَكَانَ الْأَبْعَدُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ وَيُخَالِفُهُ!

دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى نَبِيِّهِ الْأَمِينِ، فَبَلَّغَهُ لَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا حَرْفًا، وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْكَ كَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْخُذَ بِهِ أَخْذًا كُلِّيًّا، أَلَّا تُنَحِّيَ مِنْهُ شَيْئًا وَتُقْبِلَ بَعْدُ عَلَى أَشْيَاءٍ، وَأَلَّا تَنْفِيَ عَنْكَ مِنْهُ بَعْضًا وَتَتَمَسَّكَ بِبَعْضٍ مِنْهُ، مَنْ أَذِنَ لَكَ بِهَذَا؟!!

آللهُ أَذِنَ لَكُمْ، أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ؟!!

إِذَا جَاءَكَ الْأَمْرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ فَكَيْفَ تُخَالِفُهُ؟!!

أَيُعْقَلُ أَنَّ مُسْلِمًا يُؤْمِنُ إِيمَانًا حَقِيقِيًّا، وَيُحِبُّ النَّبِيَّ ﷺ حُبًّا صَادِقًا، يُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ نَفْسَهُ؛ أَيُعْقَلُ أَنَّ مُسْلِمًا هَذَا حَالُهُ يَسْمَعُ الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ وَيُخَالِفُهُ قَصْدًا وَيُجَانِبُهُ عَمْدًا، أَوْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يُعْطِي لَهُ بَالًا؟!!

أَدِرْ هَذِهِ فِي ذِهْنِكَ، وَاجْعَلْهَا دَائِرَةً فِي عُرُوقِكَ دَوَرَانَ الدِّمَاءِ فِي عُرُوقِهَا، حَتَّى تَصِيرَ شَيْئًا فِي عَقْلِكَ، وَبَعْضًا مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ وَعَظْمِكَ، وَتَأَمَّلْ فِيهَا؛ أَيُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ للهِ عَبْدًا خَلَقَكَ وَسَوَّاكَ وَأَنْشَاكَ، وَمِنَ الظُّلُمَاتِ أَخْرَجَكَ إِلَى النُّورِ -نُورِ الْهِدَايَةِ-، فَأَقَامَكَ عَلَى السَّوِيَّةِ؛ أَيُعْقَلُ أَنْ يَأْتِيَكَ الْأَمْرُ مِنْ رَبِّكَ كَأَنَّمَا يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ! وَأَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُخَاطِبُكَ كِفَاحًا، ثُمَّ تَذْهَبُ مُعْرِضًا؟!!

إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الْآبِقُ وَنَاصِيَتُكَ بِيَدِهِ؟!!

إِلَى أَيْنَ؟!! إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟!! فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!! 

اتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَلَا تُمَكِّنُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الْمَعَاصِي؛ مِنَ السُّفُورِ الْمُزْرِي، مِنَ التَّهَتُّكِ الْفَاضِحِ، مِنْ مُلَامَسَةِ الْأَجَانِبِ، مِنَ الْخُرُوجِ فِي الطُّرُقَاتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْدَى مِنْهُ جَبِينُ الْفَضِيلَةِ إِنْ وَقَعَ عِنْدَ قَوْمٍ ذَوِي مُرُوءَةٍ؛ فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِينَ؟!!

وَمَا تَعَلَّمَ الْعَالَمُ الشَّرَفَ إِلَّا مِنْهُمْ، وَمَا تَعَلَّمَ الْعَالَمُ الْحِفْظَ عَلَى الْعِرْضِ إِلَّا مِنْهُمْ مِنْ دِينِهِمْ، فَدِينُنَا دِينُ الشَّرَفِ، وَدِينُ الْفَضِيلَةِ، وَدِينُ الْحِفَاظِ عَلَى الْأَعْرَاضِ، دِينُنَا يَحْمِي الْأَعْرَاضَ مِنَ الْهَمْسَةِ الْحَالِمَةِ وَالنَّبْرَةِ الْجَارِحَةِ، يَحْمِي مِنَ التَّصَوُّرِ الْفَاسِدِ وَمِنْ فِسْقِ التَّصَوُّرِ عَلَى السَّوَاءِ، دِينُنَا يَحْمِي الْأَعْرَاضَ وَالْعَذَارَى فِي خُدُورِهِنَّ، دِينُنَا جَعَلَ الرَّجُلَ قَائِمًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِأَمْرِ اللهِ؛ حِفَاظًا عَلَيْهَا، وَرِعَايَةً لِحَقِّهَا، وَحِفْظًا لِعِرْضِهَا؛ فَكَيْفَ صِرْنَا إِلَى هَذَا الْحَالِ؟!!

هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ!!

أَذَهَبَتِ الْغَيْرَةُ بَعْدَمَا ذَهَبَ مِنَ الدِّينِ مَا ذَهَبَ؟!!

نَعَمْ وَحَقِيقَةٌ؛ فَإِنَّ الْغَيْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

نَبِيُّكُمْ ﷺ يَقُولُ: ((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)).

((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)).

غَيْرَةُ اللهِ أَنْ تُنْتَهَكَ فِي الْأَرْضِ مَحَارِمُهُ..

إِنَّ اللهَ يَغَارُ فَاحْذَرُوا انْتِقَامَهُ وَسَطْوَتَهُ، إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَطَعَ الْيَدَ فِي رُبُعِ دِرْهَمٍ، وَجَلَدَ الظَّهْرَ -حَدَّ الْخَمْرِ- فِي مِثْلِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنَ الْخَمْرِ، لَا تَغْتَرُّوا بِرَبِّكُمْ -عِبَادَ اللهِ-.

((نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ))

نَبِيُّكُمْ ﷺ بَعَثَهُ اللهُ بِالْكَمَالِ، قَالَ قَائِلٌ مِنْ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ: ((بُعِثَ مُوسَى بِالْجَلَالِ، وَبُعِثَ عِيسَى بِالْجَمَالِ، وَبُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالْكَمَالِ)).

وَتَأَمَّلْ فِي وَصْفِهِ ﷺ: ((الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ)).

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا؛ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- )).

يَقُولُ أَنَسٌ: ((خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ)). هَذَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَرِوَايَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي ((الْمُسْنَدِ)) قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إِذَا عَاتَبَنِي عَلَى أَمْرٍ أُقَصِّرُ فِيهِ يَقُولُ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: ((دَعُوهُ فَإِنَّ مَا قَدَّرَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَسَيَكُونُ)).

تَأَمَّلْ حِلْمَهَ، وَعَطْفَهُ، وَبِرَّهُ، وَحَنَانَهُ، وَشَفَقَتَهُ، وَتَأَمَّلْ فِي حَالِهِ عِنْدَمَا جَاءَ إِلَيْهِ الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -وَالرَّسُولُ هُوَ الرَّسُولُ الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، وَكَذَلِكَ أُمَّتُهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ تَتَعَلَّمُ مِنْهُ-، تَأَمَّلْ فِي حَالِهِ لَمَّا جَاءَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يَشْفَعُ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، وَشَرِيفَةٌ هِيَ مِنْ قَوْمٍ شُرَفَاءَ، فَجَاءَ يَشْفَعُ فِيهَا أَلَّا تُقْطَعَ يَدُهَا حَدًّا، فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ، وَاللهِ -انْظُرْ إِلَى شِدَّتِهِ فِي الْحَقِّ ﷺ مَعَ مَا كَانَ مِنْ وَصْفِ رِفْقِهِ وَحِلْمِهِ، وَمَعَ مَا كَانَ مِنْ حَنَانِهِ وَبِرِّهِ- يَقُولُ: وَاللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)).

((دِينُكُمْ هُوَ الْحَقُّ فَتَعَلَّمُوهُ!))

دِينُكُمْ -عِبَادَ اللهِ- هُوَ الْحَقُّ، تَعَلَّمُوهُ، وَلَنْ تَتَعَلَّمُوهُ وَأَكْوَابُكُمْ مَلْأَى، وَقَدْ قُلْنَا قَدِيمًا: تَأْتُونَ إِلَيَّ وَأَكْوَابُكُمْ مَلْأَى، فَمَهْمَا وَضَعْتُ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ تَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّهَا مَلْأَى.

فَرِّغُوا قُلُوبَكُمْ لِلْحَقِّ!

دَعُوكُمْ مِنَ الْبَاطِلِ، وَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَجَائِزِ، وَمِنْ مُخَلَّفَاتِ الْقُرُونِ!

دَعُوكُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ!

دَعُوكُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ!

دَعُوكُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ!

عُودُوا إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَهْمِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ!

((الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ لَمْ يَنْقَضِيَا))

عِبَادَ اللهِ! اهْنَئُوا بِطَاعَتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إِذَا كَانَ صِيَامُ الْفَرْضِ قَدِ انْقَضَى فَإِنَّ الصِّيَامَ لَا يَنْقَضِي فِي الْعَامِ؛ فَصُومُوا الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ الْبِيضِ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَرَبِيٍّ، وَتَصُومُوا يَوْمًا وَتُفْطِرُوا يَوْمًا عَلَى أَعْدَلِ الصَّوْمِ؛ وَهُوَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَتَصُومُوا عَاشُورَاءَ، وَعَرَفَةَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَغَّبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ قَدِ انْقَضَى فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَائِمٌ طُولَ الْعَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَا كَانَ فِي رَمَضَانَ تَدْرِيبًا لَكُمْ؛ فَالْزَمُوا الْجَادَّةَ وَلَا تَنْحَرِفُوا عَنْهَا، وَلَا تَغْتَرُّوا، وَاسْأَلُوا اللهَ السَّلَامَةَ، وَاسْأَلُوهُ أَنْ يَقْبِضَكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ.

 اللهم اقْبِضْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، اقْبِضْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، اقْبِضْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ.

اللهم أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَتَوَفَّنَا مُؤْمِنِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ.

اللهم ثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَاهْدِ قُلُوبَنَا، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَأَصْلِحْ بَالَنَا، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا.

اللهم أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ.

اللهم رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ! اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

اللهم اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَتَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الْأَعْمَالِ، وَوَفِّقْنَا فِيمَا هُوَ آتٍ، وَهَيِّأْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، هَيِّأْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، هَيِّأْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلَامِنَا مِنَ الدُّنْيَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

المصدر:خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1444هـ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  الْأَسْبَابُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ لِرَفْعِ الْبَلَاءِ وَوُجُوبُ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ
  المخرج من الفتن
  التَّضْحِيَةُ مِنْ أَجْلِ الأَوْطَانِ وَمُرَاعَاةُ المَصْلَحَةِ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  النِّفَاقُ... عَلَامَاتُهُ، وَخُطُورَتُهُ
  ((مِنْ دُرُوسِ شَهْرِ رَمَضَانَ)) رَمَضَان 1444هـ
  الْأَعْيَادُ عِبَادَةٌ
  ((دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ)) ​((الدَّرْسُ الثَّانِي: أُصُولُ التَّوْحِيدِ وَمَعَالِمُهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ))
  عَالَمِيَّةُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهَا
  حِمَايَةُ الشَّأْنِ الْعَامِّ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
  الصائمون المفلسون
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان