تفريغ خطبة المخرج من الفتن

المخرج من الفتن

تفريغ خطبة المخرج من الفتن

خطبة الجمعة 29 من جمادى الأولى 1436هـ الموافق  20-3-2015 م

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ أَلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيث كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَعَن أَبِي وَاقِدٍ اللَيثِيُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَنَحنُ جُلُوسٌ عَلَى بِسَاطٍ (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَة، قَالُوا: وَكَيفَ نَفعَلُ يَا رَسُولَ الله؟ فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى البِسَاطِ فَأمسَكَ بِهِ فَقَالَ: تَفعَلُونَ هَكَذَا)، وَذَكَرَ لَهُم رَسُولُ اللهِ يَومًا (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَة, فَلَمْ يَسْمَعهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَقَالَ مُعَاذُ ابن جَبَلٍ: أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! فَقَالُوا: مَا قَالَ؟ قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَة، فَقَالُوا: فَكَيْفَ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَكَيفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُم الأَوَّل) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي {الكَبِيرِ} وَ{الأَوْسَطِ} وَالهَيْثَمِيُّ فِي {المَجْمَعِ} وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُ فِي {السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ}.

فِي هَذَا الحَدِيث, يُخبِرُنَا أَبُو وَاقِدٍ اللَيْثِيُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُم وَهُم جُلُوسٌ عَلَى بِسَاطٍ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَة، قَالُوا: وَكَيفَ نَفعَلُ يَا رَسُولَ الله؟ فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى البِسَاطِ فَأمسَكَ بِهِ فَقَالَ: تَفعَلُونَ هَكَذَا- أَي أَمْسَكَ البِسَاطَ, أَي أَنَّ المَخْرَجَ لِأُمَّتِهِ عِنْدَمَا تَكُونُ الفِتْنَة, أَنْ تَتَمَسَّكَ بِالدِّينِ - فَلَمْ يَسْمَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَقَالَ مُعَاذُ ابن جَبَلٍ: أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! فَقَالُوا: مَا قَالَ؟ قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَة، فَقَالُوا: فَكَيْفَ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَكَيفَ نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُم الأَوَّل), فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالرِّجُوعِ إِلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ .

فَهَذَا الحَدِيث, يُرْشِدُنَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَخْرَجِ مِنْ الفِتَنِ, وَالمَشَاكِلِ وَالقَلَاقِلِ, وَالمَضَائِقِ وَالإِنْحِرَافَاتِ, وَالتَّفَرُّقِ وَالبِدَعِ، وَيُرْشِدُنَا إِلَى الخُرُوجِ مِنْ الذُّلِ الَّذِي يُصِيبُ الأُمَّة, وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ آخِرُ الأُمَّةِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، فَهُوَ أَهْلُ الأَمْرِ الأَوَّلِ وَأَصْحَابُهُ فِي هَذِهِ الأُمَّة، وَهُم أَهْلُ القَرْنِ الأَوَّلِ، وَهُم خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّة .

قَالَ أَبُو العَالِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (عَلَيْكُم بِالأَمْرِ الأَوَّلِ، الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا) وَهَذَا الحَدِيث يُشْبِهُ بِمَعْنَاهُ, وَيَزِيدُهُ بَيَانًا وَوُضُوحًا, حَدِيثُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُم بَعْدِيِ فَسَيَرَى إِخْتِلَافًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُم بِسُنَّتِي, وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِينَ, عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ) .

وَيُشْبِهُ أَيضًا حَدِيثَ إِفْتِرَاقِ الأُمَّة (وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة, كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَة, قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَومَ وَأَصْحَابِي).

فَبِالجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الأَحَادِيث, يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ الفِتْنَةَ هِيَ: البِدَعُ، وَالتَّفَرُقُ، والاخْتِلَافُ الكَثِير, وَأَنَّ قَوْلَهُ: (تَفعَلُونَ هَكَذَا), وَقَولَهُ: (تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُم الأَوَّل): مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ وَالتَّمَسُّكُ بِسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين, وَمِنْهَاجِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِين, أَي التَّمَسُّكُ بِمِنْهَاجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ .

إِذًا فَالدِّينُ الَّذِي يَجِبُ عَلَينَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَيْهِ, هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، حَيثُ لَا خَارِجِيَّةَ، وَلَا شِيعِيَّةَ، وَلَا قَدَرِيَّةَ، وَلَا صُوفِيَّةَ، وَلَا مَذْهَبِيَّةَ، وَلَا حِزْبِيَّةَ، وَلَا قُطْبِيَّةَ، وَلَا إِخْوَانِيَّةَ، وَلَمَّا خَرَجَتْ أَوَائِلُ الفِرَقِ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّأَ الصَّحَابَةَ مِنْهَم, وَعَادَوْهُم بَلْ وَقَاتَلُوهُم، لِأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ البِدَعِ إِتِّبَاعَ الهَوَى (أَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ..) .

قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وَفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَسْتَجِب لِلرَّسُول, وَذَهَبَ إِلَى قَوْلٍ مُخَالِفٍ لِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى هُدًى، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى هَوًى، وَالقِسْمَةُ ثُنَائِيَّة, إِمَّا اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا اتِّبَاعُ الهَوَى. قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ "أَي: إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهَوَاهُ, فَمَهْمَا رَآهُ حَسَنًا فَعَلَهُ, وَمَهْمَا رَآهُ قَبِيحًا تَرَكَهُ".

وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ " لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَه "

إِذَا حَكَمَ الهَوَى اسْتَغْلَقَ العَقْل, وَسُدَّتْ مَنَافِذُ التَّفْكِير, فَلَا نَظَرَ إِلَى الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، وَلَا إِلَى الدَّلَالَاتِ الوَاضِحَاتِ، لِأَنَّ الهَوَى يَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُعْرِضُ عَنهُ, فَيُصْبِحُ المَرْءُ أَسِيرًا لِسُلطَانِ الهَوَى, تَخْتَلِطُ عَلَيْهِ المَسَالِك, وَتَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الدُّرُوب, وَتُظْلِمُ فِي طَرِيقِهِ سُبُلُ الحَقِ وَالهِدَايَةِ, وَاتِّبَاعُ الهَوَى أَبْرَزُ صِفَاتِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَن لِزُومِ اتِّبَاعِ الهَوَى لِأَهْلِ البِدَعِ, وَأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنهُم بِحَال .

فَعَن أَبِي عَامِرٍ الهَوْزَنِي: أَنَّ مُعَاوِيَةَ ابنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَامَ فِيهِم فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: (أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ, افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةٍ، وَإِنَّ هَذِهِ المِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ، وَهِيَ الجَمَاعَة، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاء, كَمَا يَتَجَارَى الكَلَبُ بِصَاحِبِهِ, لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ) وَالحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِي.

وَالكَلَبُ: دَاءٌ يَعْرِضُ لِلإِنْسَانِ الكَلِبْ.

الكَلَبُ: دَاءٌ يُصِيبُ الكَلْبَ فَيُصِيبُهُ شِبْهُ الجُنُون, فَلَا يَعَضُّ أَحَدًا إِلَّا كَلِبَه.

وَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاء: أَي تَنْتَشِرُ بَيْنَهُم وَتُلَازِمُهُم.

قَالَ الإِمَامُ البَرْبَهَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي {شَرْحِ السُّنَّةِ} "وَاعْلَم أَنَّ الأَهْوَاءَ كُلَّهَا رَدِيَّة, تَدْعُوا كُلُّهَا إِلَى السَّيْفِ", وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللهُ "وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجْلِسُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ فَاحْذَرْهُ، وَعَرِّفْهُ, فَإِنْ جَلَسَ مَعَهُ بَعْدَمَا عَلِمَ فَاتَّقِهِ, فَإِنَّهُ صَاحِبُ هَوًى).

مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ البِدَعِ أَنَّهُم يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ, مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ البِدَعِ أنَّهُم لَا يَؤُلُونَ إِلَى كِتَابٍ مُنِيرٍ وَلَا إِلَى سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ثَابِتَة، وَإِذَا دُعُوا إِلَى ذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنهُ, لِأَنَّهُم إِنَّمَا اتَّخَذُوا أَهْوَاءَهُم مَعْبُودَاتٍ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنهُم, وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ اتِّبَاعِهِم لِأَهْوَائِهِم, يُعَارِضُونَ السُّنَّةَ بِالقُرْءَان, فَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى سَبِيلٍ, وَلَا تَسْتَقِرُّ أَقْدَامُهُم عَلَى صِرَاط, لِأَنَّ التَّنَقُّلَ وَالاخْتِلَافَ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ البِدَعِ, وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَن هَذِهِ السِّمَة مِنْ سِمَاتِ أَهْلِ البِدَعِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: فِي الحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أحمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَة وَاللَّفْظُ لَه, وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيح (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِيءً عَلَى أَرِيكَتِهِ, يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ, وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ, أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ الله), فَفِي الحَدِيثِ تَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَنِ, الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَنَّ هَذِهِ الأُمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَة .

وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم كَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الخَيْرِ, فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَن العَلَامَةِ الفَارِقَة بَيْنَ هَذِهِ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ, وَالفِرَقِ الهَالِكَةِ الضَّالَةِ, فَقَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوم وَأَصْحَابِي .

عَن عَبْدِ اللهِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (كَيفَ أَنتُم إِذَا لَبِسَتْكُم فِتْنَة؟ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِير, وَيَهْرَمُ فِيهَا الكَبِير, إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ: تُرِكَتْ السُّنَّة!!, قِيلَ: وَمَتَى ذَاكَ يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ, وَكَثُرَتْ جُهَّالُكُمْ, وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ, وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم, وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُم, وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم, وَالْتُمِسَت الدُّنيَا بِعَمَلِ الأَخِرَةِ, وَتُفُقِّهَ لِغَيرِ الدِّين) أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُ, وابنُ أُبِي شَيْبَة, وَاللَّالَكَائِيُ, وَهُوَ صَحِيحٌ مَوقُوف, عَلَى ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ, وَلَكِنْ لَهُ حُكْمُ الرَّفعِ, فَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأيِ .

وَهُوَ يُخبِرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث عَن فِتْنَةٍ تَعُمُّ المُسلِمِينَ وَتَلْبِسُهُم, وَيَطُولُ زَمَانُهَا, فَقَالَ: (كَيفَ أَنتُم إِذَا لَبِسَتْكُم فِتْنَة؟) وَالفِتنَةُ: الإِبْتِلَاءُ وَالإِخْتِبَار, وَأُطلِقَت عَلَى كُلِّ مَكْرُوهٍ أَو آيِلٍ إِلَى مَكْرُوهٍ, كَالشِّركِ وَالكُفرِ, وَالإِثْمِ وَالبِدَعِ والاخْتِلَافِ, وَالقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ, وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ الأُمُورِ المَكْرُوهَةِ .

وَقَولُهُ: (يَرْبُو فِيهَا الصَّغِير, وَيَهْرَمُ فِيهَا الكَبِير): أَي أَنَّ زَمَانَهَا يَطُولُ كَثِيرًا, حَتَّى إِنَّهُ يَكبُرُ وَيَتَرَبَّى فِيهَا الصَّغِير, وَيَهرُمُ وَيَشِيخُ فِيهَا الكَبِير .

وَقَولُهُ: (إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ: تُرِكَتْ السُّنَّة!!) أَي تَتَغَيَّرُ المَفَاهِيم, فَيُصبِحُ الحَقُ بَاطِلًا, وَالبَاطِلُ حَقًا, وَالسُّنَّةُ بِدعَة, وَالبِدعَةُ سُنَّة, حَتَّى إِنَّه مَنْ أَحْيَا السُّنَّةَ وَعَمِلَ بِهَا, وَتَرَكَ البِدعَةَ وَنَهَى عَنهَا, أُنْكِرَ عَلَيهِ وَقِيلَ: تُرِكَتْ السُّنَّة, (قِيلَ: وَمَتَى ذَاكَ يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن؟ قَالَ: إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ) وَذَهَابُهُم بِمَوتِهِم, وَعَدَمِ تَفَقُّهِ غَيرِهِم, وَقَولُهُ: (وَكَثُرَتْ جُهَّالُكُمْ) وَهَذِهِ نَتِيجَةٌ طَبْعِيَّةُ لِذَهَابِ العُلَمَاءِ, وَقَولُهُ: (وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ): وَالقُرَّاءُ: هُم حُفَّاظُ القُرءَانِ وَحَامِلُوهُ وَمُجَوِّدُوهُ, وَتَكُونُ هَذِهِ الصِّفَةُ مَذْمُومَةً إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ القُرَّاءُ, قَدْ اتَّخَذُوا القُرْءَانَ مَزَامِيرَ, دُونَ تَدَبُّرٍ لِمَعَانِيهِ, وَلَا عَمَلٍ بِأحْكَامِهِ, وَلَا تَحْلِيلٍ لِحَلَالِهِ, وَلَا تَحْرِيمٍ لِحَرَامِهِ, كَمَا فُصِّلَ ذَلِكَ فِي بَعضِ أَحَادِيثِ المَأْمُونِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

وَقَولُهُ: (وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم) الفُقَهَاءُ: هُم الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ الأَحْكَامَ مِنْ الدِّينِ لِلنَّوَازِلِ وَالمُسْتَجَدَّاتِ وَالمُعْضِلَاتِ, وَقَولُهُ: (وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُم) وَكَثْرَةُ الأُمَرَاءِ دَلِيلٌ عَلَى تَفَرُّقِ المُسلِمِينَ, وَالتَّفَرُّقُ دَلِيلٌ عَلَى الاخْتِلَافِ وَذَهَابِ القُوَّةِ, وَدَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الأُمَّة .

وَقَولُهُ: (وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم) الأُمَنَاءُ: هُم الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الأَنْفُسَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ, وَكُلَّ مَا استُؤمِنُوا عَلَيهِ .

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَيفَ تَرتَفِعُ الأَمَانَةُ مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ, وَبَيَّنَ أَنَّ الأُمَنَاءَ يَقِلُّونَ فِي الأُمَّةِ, حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا .

عَنْ حُذَيفَة ابنِ اليَمَان رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَين, رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا انْتَظِرُ الأَخَرَ, حَدَّثَنَا أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَال, ثُمَّ نَزَلَ القُرءَان, فَعَلِمُوا مِنْ القُرآنِ وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ, ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَة, قَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ, فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلبِهِ, فَيَظَلُ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ – وَهُوَ الأَثَرُ اليَسِيِر- ثُمَّ يَنَامُ النَوْمَةَ فَتُقْبَضُ, فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ – وَهُوَ التَّنَفُطُ الَّذِي يَكُونُ فِي اليَدِ مِنْ العَمَلِ بِفَأسٍ وَنَحْوِهَا, كَالقُبَّةِ فِيهَا مَاءٌ يَسِيِر- فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ – أَيْ صَارَ بَيْنَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ مَاء, فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا -أَيْ مُرْتَفِعًا- وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء, فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ, فَلَا يَكَادُ أَحَدُهُم يُؤَدِّي الأَمَانَة, حَتَّى يُقَال إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا, وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَه, وَمَا أَظْرَفَه, وَمَا أَجْلَدَه, وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَان, وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُم بَايَعْتُه, لَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلَام, وَإنْ كَانَ نَصْرَانِيًا أَوْ يَهُودِيًا, لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيِه – أَي الوَالِي عَلَيْهِ – فَأَمَّا اليَوم فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا) وَالحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَين .

قَالَ الفِرَبْرِيُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحمَدَ ابنِ عَاصِمٍ يَقُول: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُول: قَالَ الأَصْمَعِيُ وَأَبُو عَمْروٍ وَغَيْرُهُمَا:

جَذْرُ قُلُوبِ الرِّجَال: الجَذْرُ: الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيء , وَالوَكْتُ: أَثَرُ الشَيءِ اليَسِيرُ مِنهُ , وَالمَجْلُ: أَثَرُ العَمَلِ فِي الكَفِّ إِذَا غَلُظ .

وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (وَالْتُمِسَت الدُّنيَا بِعَمَلِ الأَخِرَةِ) أَي يَعْمَلُونَ عَمَلَ الأَخِرَةِ يُرِيدُونَ بِهِ الدُّنْيَا, مِنْ مَالٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ مَكَانَةٍ بَيْنَ النَّاس .

وَقَوْلُهُ: (وَتُفُقِّهَ لِغَيرِ الدِّين) أَيْ يَتَعَلَّمُونَ عُلُومَ الدُّنْيَا وَيَتَخَصَّصُونَ فِيهَا, وَيَتْرُكُونَ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ .

وَقَوْلُهُ: (كَيفَ أَنتُم إِذَا لَبِسَتْكُم فِتْنَة؟) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الفِتْنَةَ تَعُمُّ كُلَّ المُسْلِمِينَ, وَتَشْمَلُ كُلَّ مَجَالَاتِ الحَيَاة, الإِجْتِمَاعِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ وَالإِقْتِصَادِيَّةَ وَالعِلْمِيَّةَ, بِحَيْثُ يُصْبِحُ الدَّينُ الصَّحِيحُ المُصَفَّي مِنْ الأَهْوَاءِ وَالشُّبُهَاتِ وَالبِدَعِ, يُصْبِحُ غَرِيبًا, وَحَمَلَتُهُ قِلَّة وَغُرَبَاءَ بَيْنَ النَّاسِ, وَبِسَبَبِ تَغَيُّرِ المَفَاهِيمِ, وَانْقِلَابِ المَوَازِينِ, صُدِّقَ الكَاذِب, وَكُذِّبَ الصَّادِق, وَائْتُمِنَ الخَائِن, وَخُوِّنَ الأَمِين, وَآلَتْ الأُمُورُ إِلَى السُّفَهَاءِ وَالفَاسِقِين .

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَات, يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِب, وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَادِق, وَيُؤْتَمَنُ الخَائِن, وَيُخَوَّنُ الأَمِين, وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَة, فَقِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَة؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّة) الحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَة, وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُ, وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الإِمَامِ أحمَد .

عَن أَنَسِ ابنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِهِ (إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَة..) الحَدِيثَ, إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّة) يَعْنِي الرُّوَيْبِضَةُ, (الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّة), وَفِي حَدِيثِ ابنِ مَاجَة (الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّة), الشَّاهِدُ الَّذِي عِنْدَ أَحمَد رِجَالُهُ ثِقَات لَوْلَا عَنْعَنَةُ ابنِ اسْحَاق, كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ .

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ظُهُورِ الرُّوَيْبِضَات, فَاشٍ مُنْتَشِرٍ, فَإِنَّ النَّاسَ مِنْ العَوَامِ وَمِنْ الفُسَّاقِ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَمْرِ العَامَة, وَيُنَظِّرُونَ لِلنَّاسِ, وَيَضَعُونَ القَوَاعِدَ وَالحِدُودَ, يُفَسِّرُونَ كَلَامَ الله, وَيَتَكَلَّمُونَ فِي شُرُوحِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَيَخُطُّونَ لِلنَّاسِ سُبُلَ الخَلَاصِ مِنْ الأَزْمَةِ, وَسُبُلَ الخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الضَّائِقَةِ الَّتِي نَزَلَت بِالأُمَّةِ .

وَمَا الرُّوَيْبِضَة؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ -لَا يُسَاوِي وَزْنَهُ تُرَابًا- الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَة, وَفِي حَدِيثِ أَحمَد الفُوَيْسِقُ: وَهُوَ تَصْغِيرُ الفَاسِق, فَلَمْ يَبْلُغ أَنْ يَكُونَ كَذِلِكَ لِحَقَارَةِ شَأْنِهِ, وَلِغُلُوِّهِ فِي فِسْقِهِ (الفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّة) .

لَقَدْ أَمَرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا الأُمَّةَ بِالاجْتِمَاعِ وَالائْتِلَاف, وَحَضَّهَا عَلَى اتِّحَادِ الكَلِمَة, عَلَى أَنْ يَكُونَ الأَسَاسُ لِهَذَا الاجْتِمَاع, الاعْتِصَامَ بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا, وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

كَثِيرٌ مِنْ الدَّاعِينَ إِلَى الإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ, وَمِنْ المُنْتَمِينَ إِلَى الجَمَاعَاتِ وَالفِرَقِ, يَدْعُونَ إِلَى الاجْتِمَاعِ, وَدَعْوَتُهُم إِلَى الاجْتِمَاعِ بَاطِلَة, لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ بَاطِلٍ, وَهُوَ أَنَّهُم يَقُولُونَ "يَعْذُرُ بَعْضُنَا بَعْضًا فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ"

وَإِذًا؛ فَإِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي الاعْتِقَادِ, أَوْ كَانَتْ مُخَالَفَةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, فَهَلْ يُقَالُ لَا بَأْس!! يُعِينُ بَعْضُنَا بَعْضًا فِيمَا اتَّفَقْنَا فِيهِ, وَيَعْذُرُ بَعْضُنَا بَعْضًا فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ؟!!

إِذًا هَذَا أَصْلٌ فَاسِدٌ, مَسْأَلَةُ التَّجْمِيع لَمْ يَقْبَلُهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَأَتَى بِالأَمْرِ الوَاضِحِ, حَتَّى قَالُوا: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاس, جَاءَ بِأَمْرٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ, وَهَذَا حَق, لِأَنَّهُ إِمَّا العَقِيدَةُ وَالاتِّبَاعِ, وَإِمَّا الشِّرْكُ وَالزَّيْغُ وَالابْتِدَاع, لَقَد جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالفُرْقَانِ بَيْنَ الحَقِ وَالبَاطِلِ, وَالهُدَى وَالضَّلَال, وَالسُّنَّةِ وَالبِدْعَة, وَالتَّوْحِيدِ وَالشِّرْك, والاتِّبَاعِ وَالابْتِدَاع .

فَمَنْهَجُ التَّجْمِيع عَلَى أَنْ يَعْذِرَ بَعْضُنَا بَعْضًا فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَع, لِأَنَّ الَّذِي لَا يَأْخُذُ بِالجَادَّة, وَلَا يَسِيرُ عَلَى السَّوِيَّةِ, لَا يُمْكِن أَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ خَيْر, وَالوَاقِعُ شَاهِد, كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِخَيْرِ البَرِيَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ, وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ, لَقَدْ دَعَا الدِّينُ الحَنِيفُ إِلَى الاجْتِمَاعِ والائْتِلَاف, وَنَهَى عَنْ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلَاف, قَالَ جَلَّ وَعَلَا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانْتَهُوا) وَقَوْلُهُ (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) يَعْنِي فِي مَسَائِلِ العَقِيدَةِ, وَمَسَائِلِ العَمَلِ وَالعِبَادَةِ, وَهلْ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الأَمْرُ الإِلَهِيُّ الكَرِيمُ؟

الجَوَابُ: لَا, لِأَنَّ هَذَا الأَمْرَ الإِلَهِيَّ شَامِلٌ لِأُصُولِ الدِّينِ, وَلِفُرُوعِهِ الظَّاهِرَةُ وَالبَاطِنَةُ, وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَتَعَيَّنُ عَلَى العِبَادِ الأَخْذُ بِهِ وَاتِّبَاعُهُ وَلَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ, وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُكْمِ شَيْءٍ فَهُوَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه), لَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ قَوْلِ أَحَدٍ عَلَى قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ لَنَا (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانْتَهُوا) فَالشَّرِيعَةُ بِمُفْرَدَاتِهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الأَمْرِ الإِلَهِيِّ الكَرِيمِ, وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ, دَاخِلٌ فِي هَذَا الأَمْرِ الإِلَهِيِّ الكَرِيمِ .

فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَلَقَّى العَقِيدَةَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لَا مِنْ أَفْكَارِ النَّاس, وَلَا مِنْ نَظَرِهِم, وَلَا مِنْ أَذْوَاقِهِم, وَلَا مِنْ مَوَاجِدِيهِم, لَا مِنْ المُتَكَلِّمِين, وَلَا مِنْ القَبْرِييِّن, وَلَا مِنْ الزَّائِغِينَ الضَّالِينَ مِنْ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ وَالقُطْبِييِّن, الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَنَاهِجَ التَّجْمِيعِ فِي مَسَائِلِ الإِعْتِقَاد, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ المَنَاهِجِ المُنْحَرِفَة, وَقَدْ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) وَأَمَرَنَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِ إِلَى كِتَابِه, وِإِلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا (يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ (أَطِيعُوا اللَّهَ) اتَّبِعُوا كِتَابَه, (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) خُذُوا بِسُنَّتِهِ, (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) أَيْ فِيمَا أَمَرُوكُم بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللهِ, لَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ, فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ .

وَقَوْلُهُ (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ, أَيْ إِلَى كِتَابِ اللهِ, وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

هَذَا أَمْرٌ مِنْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, بِأَنْ نَرُدَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ فِيهِ النَّاس مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ, إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) هَذَا شَرْطٌ, وَ (فِي شَيْءٍ) شَيْءٌ: نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ, فَتَدُلُّ عَلَى العُّمُومِ, فَمَهْمَا نَازَعْتَ أَحَد فِي أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ, مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الأَخِرَة, فَرُدَّ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, تَجِدْ قَطْعَ النِّزَاعِ, وَرَفْعَ الشِّقَاقِ, وَإِنَّمَا يَشْقَى النَّاسُ بِالبُعْدِ عَنْ إِمْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا, (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ), فَمَا حَكَمَ فِيهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ, وَشَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ, فَهَذَا هُوَ الحَقُّ, فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَال, وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أَيْ: رُدُّوا الفَصْلَ فِي الخُصُومَاتِ وَالجَهَالَاتِ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَمَنْ لَا يَرْجِعُ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ, فَلَيْسَ يَؤْمِنُ بِاللهِ, وَلَيْسَ يَؤْمِنُ بِاليَوْمِ الأَخِر, وَقَدْ ذَمَّ اللهُ جَلَّ وَعَلَا التَّفَرُّق, وَنَهَى عَنْ الطُّرُقِ وَالأَسْبَابِ الَّتِي تَؤَدِّي إِلَيْهِ, وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الخِذْلَانِ فِي الدُّنْيَا, وَالعَذَابِ فِي الأَخِرَةِ, (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) .

قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " نَهَاهُم اللهُ تَعَالَى عَنْ سُلُوكِ مَسْلَكِ المُتَفَرِّقِين, الَّذِينَ جَاءَهُم الدِّينُ المُوجِبُ لِقِيَامِهِم بِهِ وِاجْتِمَاعِهِم, فَتَفَرَّقُوا, وَاخْتَلَفُوا, وَصَارُوا شِيَعًا, وَلَمْ يَصْدُرْ ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ وَضَلَالٍ, وَإِنَّمَا صَدَرَ عَنْ عِلْمٍ وَقَصْدٍ سَيِّئ, وَبَغْيٍّ مِنْ بَعْضِهِم عَلَى بَعْض, وَلِهَذَا قَالَ (وَأُولَٰئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ), ثُمَّ بَيَّنَ مَتَى يَكُونُ هَذَا العَذَابُ العَظِيمُ, وَيَمَسُّهُم هَذَا العَذَابُ الأَلِيمُ, فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ, يَوْمَ يَتَفَاوَتُ الخَلْقُ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ, يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهُ أَهْلِ السَّعَادَةِ, الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ, وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ, وَامْتَثَلُوا أَمْرَهُ, وَاجْتَنَبُوا نَهْيَهُ, وَيُدْخِلُهُم اللهُ الجَنَّات, وَيُفِيضُ عَلَيْهِم أَنْوَاعَ الكَرَامَات, وَهُم فِيهَا خَالِدُون .

وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ, الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ, وَعَصَوْا أَمْرَهُ, وَفَرَّقُوا دِينَهُم شِيَعًا, وَذَكَرَ تَعَالَى أنَّهُم يُوَبَّخُونَ فَقَالَ (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فَكَيْفَ اخْتَرْتُم الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ؟! (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) "

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم " تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ, وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ البِدْعَةِ وَالفُرْقَةِ" .

قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (إِنَّ الَّذِين فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنهُم فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ) .

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَعَاذَهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ, وَجَعَلَهُ فِي جَانِبٍ, وَهُم فِي جَانِبٍ (إِنَّ الَّذِين فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنهُم فِي شَيْءٍ) فَبَرَّأَهُ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ مِنْهُم, مِنْ أَهْوَائِهِم, مِنْ زَيْغِهِم, مِنْ بِدَعِهِم, فالَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَ الأُمَّةِ, وَجَعَلُوا الأُمَّةَ جَمَاعَاتٍ وَفِرَقًا, قَدْ دَلَّهُم الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَأَلِهِم فِي الأَخِرَةِ, (وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ, ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ, وَوَاحِدَةُ فِي الجّنَّةِ, قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَومَ وَأَصْحَابِي) .

لَمْ يَتَفَرَّقْ الصَّحَابَةُ فِي الاعْتِقَادِ, وَلَا فِي العِبَادَةِ, وَلَا فِي المُعَامَلَاتِ, وَلَا فِي الأَخْلَاقِ, وَلَا فِي السِّلُوكِ, وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ, وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُم مَا وَقَعَ مِنْ الشِّجَارِ, وَلَمْ يَشْهَدْ القِتَال, مَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ مِنهُم, وَالَّذِينَ شَهِدُوا ذَلِكَ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ مُخْطِئيِنَ, فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ, وَلَا يُتَّابَعُونَ عَلَى خَطَئِهِم, وَأَمَّا عَامَّةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, فَهَؤلَاءِ اعْتَزَلُوا الفِتْنَةَ, وَلَمْ يُشَارِكُوا فِي قِتَالِ الفِتْنَةِ, رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُم, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ عَلَّمَهُم, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَينِ مُتَلَازِمَينِ إِلَى يَوْمِ الدَّينِ .

لَقَدْ بَشَّرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المُتَمَسِّكِينَ بِسُنَّتِهِ بِأَعْظَمِ البُشْرَى, وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَحْصِيلَ أَكْبَرِ مَقْصِدٍ يَقْصِدُهُ العَبْدُ, إِنَّمَا يَكُونُ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ, وَأَعْظَمُ غَايَة أَنْ تَدْخُلَ الجَنَّة, أَعْظَمُ غَايَة أَنْ تَفُوزَ بِرِضْوَانِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا, أَنْ تَكُونَ فِي جِوَارِ الرَّحْمَنِ فِي جَنَّةِ الخُلْدِ, أَنْ تَدْخُلَ عُلْيَا الجِنَانِ, أَنْ تَكُونَ مَعَ النَّبِيِّ العَدْنَانِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, هَذَا أَعْظَمُ مَقْصِدٍ .

فَإِذَا سُئِلْتَ مَا غَايَتُكَ؟ قُلْ: الجَنَّةُ .

وَهَذِهِ الجَنَّةُ, وَهَذَا المَقْصِدُ, بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, أَنَّ تَحْصِيلَهُ بِاتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى – أَيْ رَفَضَ وَامْتَنَعَ – قِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ, وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ .

الَّذِي يَرْفُضُ السُّنَّةَ, وَيُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, هُوَ الَّذِي يُجَانِبُ الهَدْيَ النَّبَوِيَّ, الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَأَعْظَمُ مِنهُ مُشَاقَّةً وَمُحَادَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, الَّذِي يُحْدِثُ فِي دِينِ اللهِ وَيَبْتَدِعُ فِيهِ, قَالَ أُبَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (عَلَيْكُم بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ, فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ, ذَكَرَ الرَّحْمَنَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ, فَتَمَسَّهُ النَّارُ أَبَدًا, وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ, خَيْرٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافٍ وَبِدْعَةٍ) أَخْرَجَهُ اللَالَكَائِيُّ فِي {اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ} لِأَنَّ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِي البِدْعَةِ لَا يَزْدَادُ مِنْ اللهِ إِلَّا بُعْدًا, وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَصِدُ فِي السُّنَّةِ فَقَدْ أَتَى بِالعَمَلِ الصَّالِحِ .

الَّذِي يَتَأَمَّلُ نُصُوصَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, يَجِدُ أَنَّ البِدْعَةَ فِي الدَّينِ مُحَرَّمَة, وَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا, كَائِنًا مَا كَانَ, وَكَائِنَةً مَا كَانَتْ, كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ضَلَالَةٌ (وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ) أَخْرَجَهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُ وَابنُ مَاجَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) أَيْ: فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ, كُلُّ مُحْدِثٍ فِي الدِّينِ بِدْعَة, وَكُلُّ مُحْدَثٍ فِي الدِّينِ بِدْعَة, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ, وَكُلُّ ضَلَالَةٍ مَرْدُودَةٍ, وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ البِدَعِ فِي الاعْتِقَادَاتِ وَالعِبَادَاتِ مُحَرَّمَة مَهْمَا كَانَتْ, وَالتَّحْرِيمُ يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ نَوْعِ البِّدْعَةِ, فَمِنْهَا – أَيْ مِنْ البِدَعِ – مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاح, يُخْرِجُ مِنْ المِلَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا, وَمِنْهَا مَا هُوَ وَسَائِلٌ إِلَى الشِّرْكِ, وَمِنْهَا مَا هُوَ فِسْقٌ وَمَعْصِيَة, فَتَتَفَاوَتُ فِي الحُكْمِ, فَيَنْبَغِي عَلَى المَرْءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي قَوْلِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا, وَأَنْ يَحْذَرَ أَهْلَ الزَّيْغِ, وَأَهْلَ الأَهْوَاءِ, وَأَهْلَ البِدَعِ, قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِين فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا رَأَيْتُم الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ, فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُم) الحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .

عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ رَبَّهُ, وَأَنْ يَأْخُذَ بِالأَمْرِ الأَوَّلِ, إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا جَمَاعَاتٍ, لَمْ يَكُونُوا فِرَقًا, إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَتَشَتَّتُوا, إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَتَفَرَّقُوا, بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُم إِلَى اجْتِمَاعِ الأَبْدَانِ, وَكَانَ يُحَذِّرُ مِنْ اخْتِلَافِ الأَبْدَانِ فِي التَّرَاصِّ فِي الصَّفِ فِي الصَّلَاةِ, وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الاخْتِلَافَ فِي الأَجْسَادِ, يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافِ القُلُوبِ, فكَانَ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (لَا تَخْتَلِفُوا, اسْتَقِيمُوا, اسْتَوُوا, وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُم), فَتُؤَدِّي هَذِهِ المُخَالَفَةُ الظَّاهِرَةُ فِي التَّرَاصِّ - تَرَاصِّ الأَجْسَادِ فِي الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ – إِلَى اخْتِلَافِ القُلُوبِ, إِلَى اخْتِلَافِ الوِجْهَاتِ, بِمِثْلِ هَذَا الاخْتِلَافِ الَّذِي يَبْدُو يَسِيرًا فِي أَعْيُنِ كَثِيرٍ مِنْ جَمَاهِيرِ المُسْلِمِين, (اسْتَوُوا, لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُم), وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَصْحَابُهُ إِذَا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فِي دَرْسٍ, أَوْ كَانُوا فِي سَفَرٍ, فَكَانُوا عِنْدَهُ, لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ كِسَاءٌ لَوَسِعَهُم – أَيْ لَغَطَّاهُم – مِنْ تَقَارُبِهِم رِضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِم, لَمَّا كَانُوا فِي سَفَرٍ انْتَشَرُوا وَتَفَرَّقُوا, فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينْ, ثُمَّ دَعَاهُمْ النَّبِيُّ الأَمِينُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الاجْتِمَاعِ .

وَيَأْتِي أَقْوَامٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّة, يَدَّعُونَ كَذِبًا وَزُورًا, وَتَلْفِيقًا وَتَزْوِيرًا, أَنَّ نَجَاةَ الأُمَّةِ فِي تَفَرُّقِهَا, فِي تَشَرْذُمِهَا, فِي كَوْنِهَا جَمَاعَاتٍ, تَتْبِعُ كُلَّ جَمَاعَةٍ أَمِيرًا, أَوْ مُرْشِدًا, أَوْ مَا أَشْبَهُ مِنْ تِلْكَ الأَسْمَاءِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ, "كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صَوْلَةَ الأَسَدِ" .

اجْتَمِعُوا عِبَادَ اللهِ عَلَى كِتَابِ رَبِّكُمْ, وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ, فَفِي هَذَا النَّجَاة, قَالَ: (إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ورَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُمْ أَجْمَعِينْ .

الخطبه الثانية

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَتَى المَقْبُرَة فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ, أَلَّا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وَأَنَا فُرُطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ, أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ  عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ، فَأُنَادِيهِمْ : أَلَا هَلُمَّ . فَيُقَالُ : إِنَّهُم قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا) الحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُه .

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيث, يُخْبِرُنَا أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَتَى المَقَابِرَ قَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) أَيْ: بِالمَوْت, فَإِذَا مَاتَ الحَيُّ لَحِقَ بِالأَمْوَات, وَنَزَلَ بِدَارِهِم, وَكَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ قُرِيبًا فَقَالَ هَذَا, وَأَنَّهُ لَنْ يَرَى فِي حَيَاتِهِ إِخْوَانَهُ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ, وَيُؤْمِنُونَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) أَيْ: تَمَنَّيْتُ وَأَحْبَبْتُ لَوْ أَنَّا رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا فِي حَيَاتِنَا وَقَبْلَ مَمَاتِنَا, فَقَالَ لَهُ الصَّحَابَة: (أوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي - الصُّحْبَةُ: المُعَاشَرَةُ, وَهَذَا لَيْسَ نَفْيًا لِإِخُوَّتِهِمْ, بَلْ هُمْ إِخْوَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُه, وَالَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ, إِخْوَتُهُ وَلَيْسُوا بِصَحَابَتِهِ .

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ الحَدِيث" قَالَ الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي؛ لَيْسَ نَفْيًا لِإخُوَّتِهِمْ؛ وَلَكِنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهُمُ الزَّائِدَةَ بِالصُّحْبَةِ, فَهَؤُلَاءِ إِخْوَةٌ صَحَابَةٌ, وَالَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا إِخْوَةً لَيْسُوا بِصَحَابَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) "

وَالمَعْنَى أَنْتُمْ أَخَصُّ مِنْ إِخْوَانِي, فَأَنْتُمْ إِخْوَانِي وَأَصْحَابِي, وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ – أَيْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهْ, وَيُؤْمِنُ بِهِ, وَيَتَّبِعُهُ, فَهَؤلَاءِ إِخْوَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِيمَانِ, لَكِنَّهُم لَيْسُوا بِأَصْحَابِهِ, فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, (كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ - أَيْ كَيْفَ تَعْرِفُهُمْ وَلَمْ تَرَهُمْ – فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ – أَيْ: أَخْبِرْنِي - لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ – الغُرَّةُ: بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الفَرَسِ, وَالتَّحْجِيلُ: بَيَاضٌ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا – وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ) أَيْ: بَيْنَهُمَا, وَأَمَّا الدُّهْمُ: فَجَمْعُ أَدْهَم وَهُوَ الأَسْوَدُ, وَأَمَّا البُهْمُ:  فَهُوَ الأَسْوَدُ أَيْضًا, وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنُهُ لَوْنًا سِوَاهُ, سَوَاءٌ أَكَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ غَيْرَه, بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ لَوْنًا وَاحِدًا خَالِصًا – فَسَأَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَّا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (فَإِنَّهُمْ – أَيْ: أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ) أَيْ: يَكُونُ فِي أمَاكَنِ وُضُوئِهِم بَيَاضٌ وَنُورٌ, وَسُمِّيَ النُّورُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مَوَاضِعِ الوُضُوءِ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرَّةً وَتَحْجِيلًا, تَشْبِيهًا بِغُرَّةِ وَتَحْجِيلِ الفَرَسِ, وَاسْتُعْمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الجَمَالِ وَالشُّهْرَةِ وَطِيبِ الذِّكْرِ .

وَقَوْلُ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا فُرُطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ) أَيْ: وَأَنَا أَتَقَدَّمُكُمْ عَلَى الحَوْضِ, يُقَالُ فَرَطَ إِذَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَ القَوْمَ, لِيَرْتَادَ لَهُم المَاءَ, وَيُهَيِّءَ لَهُم الدِّلَاءَ وَالأَرْشِيَةَ .

الحَوْضُ: هُوَ حُوْضُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, الَّذِي يُعْطَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ, طُولُهُ مَسِيرَةُ شَهْر, أَوْ كَمَا بَيْنَ عَدَنٍ إِلَى عَمَّان, وَعَرْضُهُ كَطُولِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَن حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ) وَالذَّوْدُ: الطَّرْدُ, وَالمَعْنَى: أَلَا لَيُطْرَدَنَّ وَلَيُمْنَعَنَّ رِجَالٌ عَنْ الوُصُولِ إِلَى حَوْضِي وَالشُّرْبِ مِنْهُ, كَمَا يَطْرُدُ وَيُبْعِدُ الرَّجُلُ بُعْرَانَ غَيْرِهِ الضَّالَةَ الغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِإبِلِهِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (فأُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ) أَيْ: تَعَالَوْا (فَيُقَالُ: إنَّهُم قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ) أَيْ: إِرْتَدُّوا أَوْ نَافَقُوا أَوْ ابْتَدَعُوا بَعْدَك .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا) أَيْ: بُعْدًا بُعْدًا, وَالمَكَانُ السَّحِيقُ: المَكَانُ البَعِيدُ, وَنُصِبَ عَلَى تَقْدِيرِ, أَلْزَمَهُمْ اللهُ سُحْقًا أَوْ سَحَقَهُمْ اللهُ سُحْقًا .

فَتَبَيَّنَ لَنَا مِنْ هَذَا الحَدِيث, أَنَّ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ رَأْفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتَهُ, وَرَحْمَتَهُ, وَأُخُوَّتَهُ, وَشَوْقَهُ, هُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ سُنَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَسُنَّةَ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ, لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ, فَيَكُونُونَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَأصْحَابُهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم, لَمْ يُبَدِّلُوا, لَمْ يُغَيِّرُوا, لَمْ يُحْدِثُوا, لَمْ يَبْتَدِعُوا فِي دِينِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَصَبَرُوا عَلَى ذَلِكَ .

أَمَّا الَّذِينَ بَدَّلُوا, وَأَحْدَثُوا, وَغَيَّرُوا, وَرَجَعُوا القَهْقَرَى وَابْتَدَعُوا فِي دِينِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا مَا لَمْ يُنَزِّلَ بِهِ سُلْطَانًا, فَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بُغْضَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَيُطْرَدُونَ عَنْ حَوْضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي) .

فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَسْحَقَهُمْ سُحْقًا, النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى طَرْدِهِمْ عَنْ حَوْضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بَعْدَهُ, وَيَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ حَوْضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ الحَوْضُ الَّذِي مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً, لَمْ يَظْمَأْ مِنْ بَعْدِهَا أَبدًا .

اخْتَلَفَ العُلَمَاء, هَلْ هُوَ فِي العَرَصَاتِ قَبْلَ الصِّرَاط؟ أَوْ أَنَّهُ بَعْدَ الصِّرَاطِ مِمَّا يَلِي الجَنَّة؟

وَالَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ, أَنَّهُ فِي العَرَصَاتِ قَبْلَ الصِّرَاط, قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ لَا يَدْخُلُ النَّار, قَالَ العُلُمَاءُ: لَا؛ قَدْ يَدْخُلُ النَّارَ, وَلَكِنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ بِالعَطَشِ .

يَعْنِي: إِنْ دَخَلَ النَّارَ دُخُولَ المُوَحِّدِينَ, بِمَعْنَى أَنَّهُ يُهَذَّبُ وَيُنَقَّى وَيُصَفَّي, حَتَّى يَكُونَ أَهْلًا لِمُجَاوَرَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا فِي جَنَّةِ الخُلْد, لِأَنَّ الجَنَّةَ دَارُ الطِّيبِ المَحْض, لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ كَانَ طَيِّبًا مَحْضًا .

فَمَنْ أَتَى يَوْمَ القِيَامَةِ غَيْرَ طَيِّبًا طِيبًا مَحْضًا, إِمَّا أَنْ يَغْفِرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ, وَإِمَّا أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ, لِيُهَذِّبَهُ, لِيُنَقِيَّهُ, لِيُشَذِّبَهُ, لِيُنَظِّفَهُ حَتَّى يَكُونُ أَهْلًا لِمُجَاوَرَتِهِ فِي الجَنَّةِ, ثُمَّ يُخْرِجُهُ بَعْدُ وَيُسْكِنَهُ الجَنَّةَ, فَقَالُوا: إِذَا دَخَلَ النَّارَ عُذِّبَ فِيهَا بِغَيْرِ العَطَشِ .

عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الأُمَمُ, كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا, فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِير, وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ, وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ, وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الوَهْن, قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوَهْنُ؟ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْت) أَخْرَجَهُ أَحمَد, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالبَغَوِيُ فِي {شَرْحِ السُّنَّةِ}, وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ الأَلْبَانِيُ رَحِمَهُ اللهُ كَمَا فِي {السِّلْسِلَةِ الصَّحَيِحَةِ} وَغَيْرِهَا .

يًخْبِرُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيث, أَنَّ الأُمَمَ سَتَتَدَاعَى عَلَى أُمَّتِهِ, وَيُبَيِّنُ سَبَبَ ذَلِكَ, وَهَذَا الحَدِيثُ مِنْ المُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ البَاهِرَةِ لِلنَّبِيِّ الخَاتَمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ, قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ) أَيْ: يُسْرِعُ وَيَقْرُبُ, وَقَوْلُهُ (أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الأُمَمُ) أَيْ: يَدْعُو بَعْضُهَا بَعْضًا, فَتُلَبِّي وَتَسْتَجِيب, وَشَبَّهَ هَذَا التَّدَاعِيَ بِتَدَاعِي الأَكَلَةِ إِلَى طَعَامِهِم, فَقَالَ: (كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) أَيْ: كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا مَعَ حَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْن, فَيَدْعُو بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَى القَصْعَةِ, إِلَى الطَّعَامِ الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِيهِ,الَّذِي أَتَى سَهْلًا, رَهْوًا, بِلَا عَنَاءٍ, وَلَا كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ, (كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) وَالأَكَلَةُ: جَمْعُ آكَلَ, وَالقَصْعَةُ: وِعَاءٌ كَبِيرٌ يَؤْكَلُ فِيهِ وَيُثْرَدُ, فَكَأَنَّهُم يَتَدَاعُونَ لِمَا هُيِّءَ وَنَضِجَ مِنْ طَعَامٍ, وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَنَاوُلِهِ مَانِع, وَتَشْبِيهُ تَدَاعَي الأُمَمِ عَلَى أَمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَدَاعِي الأَكَلَةِ إِلَى قَصْعَتِهَا, إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ تَدَاعِي الأُمَمِ عَلَى أُمَّةِ الإِسْلَامِ وَأَرَاضِيهَا, أَنَّ بِلَادَ الإِسْلَامِ سَتَكُونُ مَنْبَعًا لِلخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ, مِمَّا يُسِيلُ لُعَابَ الأُمَم, وَقَدْ وُجِدَ فِي الأُمَّةِ مِنْ المَعَادِنِ وَالنِّفْطِ, مَا تَقُومُ عَلَيْهِ رُوحُ الصِّنَاعُةِ الغَرْبِيَّةِ وَالشَّرْقِيَّةِ, بَلْ رُوحُ الحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ .

وَالسَّبَبُ الكَبِيرُ الَّذِي جَرَّأَ الأُمَمَّ الكَافِرَةَ, عَلَى القُدُومِ وَالتَّدَاعِي لِاحْتِلَالِ بِلَادِ الإِسْلَام, وَأَكْلِ خَيْرَاتِهَا, لَيْسَ قِلَّةَ عَدَدِ المُسْلِمِينَ, فَهُمْ كَثِيرُونَ يَوْمَئِذ, كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: (وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟) لِأَنَّ القِلَّةَ تُجَرِّأُ الأَعْدَاءَ وَتُطْمِعُهُم فِي البِلَادِ وَالعِبَادِ, وَقَدِيمًا قَالُوا " الذِّلَةُ مَعَ القِلَّةُ" فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِير, وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ) أَمَّا عَنْ كَثْرَةِ عَدَدِ المُسْلِمِينَ, فَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ, لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ, سِعَةُ بِلَادِ المُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا, وَشَمَالًا وَجَنُوبًا, ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْن .

وَالغُثَاءُ الَّذِي هُوَ كَغُثَاءِ السَّيْلِ: هُوَ مَا يَظْهَرُ فَوْقَ السَّيْلِ مِمَّا يَحْمِلُهُ الزَّبَدُ مِنْ الأَوْسَاخِ, وَبَقَايَا الأَشْيَاءِ المُلْقَاةِ عَلَى الأَرْضِ, فَالمُشْكِلَةُ إِذًا لَيْسَتْ فِي قِلَّةِ عَدَدِ المُسْلِمِين, فَهُمْ كَثِير, وَلَكِنَّ المُشْكِلَةَ فِي صِفَةِ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذ, لَيْسَتْ فِي الْكَمِّ, وَإِنَّمَا فِي الكَيْفِ, وَهِيَ كَوْنُهُمْ غُثَاءًا, عَقَائِدُهُمْ خَرَاب, أَخْلَاقُهُمْ فَسَاد, مَنَاهِجَهُمْ تَعَلُّقٌ بِالسَّرَاب .

قَوْلُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ) أَيْ: يُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِكُمْ المَهَابَةَ, وَالإِجْلَالَ, وَالخَوْفَ, وَالرُّعْبَ مِنْكُمْ, لِأَنَّكُمْ لَنْ تَتَّبِعُوا النَّبِيَّ حِينَئِذ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْ خَصَائِصِهِ "وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْر" .

كَانَ الجَيْشُ قَدِيمًا يُقَسَّمُ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ, إِلَى مُقَدِّمَةٍ وَمُؤَخَرَة, وَإِلَى مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَة, وَإِلَى قَلْب, فَهُوَ الخَمِيسْ, لَمَّا ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَر, وَكَانُوا خَارِجَ حُصُونِهِمْ مَعَ نِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ, فَصَبَّحَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا رَأَوْهُ, قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسْ, وَأَسْرَعُوا إِلَى حُصُونِهِمْ, مَنْ نَجَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ هَلَكْ .

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ, فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِين, نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْر) وَلِلأُمَّةِ حَظٌّ مِمَّا أُوتِيَ نَبِيُّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْط أَنْ تَكُونَ عَلَى مِنْهَاجِهِ, فَهَلْ هِيَ اليَوْمَ عَلَى مِنْهَاجِهِ؟!

أَبْنَاءُهَا يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَهَا, (وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ, فَمَنَعَنِيهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا, وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا)

وَالكُلُّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله, مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله, وَيَدَّعِي أَنَّهُ وَحْدَهُ, يَحْتَكِرُ الصَّوَابَ المُطْلَقَ, وَلَا يَعُودُ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَلَا يَأْتِيهُمَا ضَلَالٌ مِنْ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا وَلَا مِنْ خَلْفِهِمَا .

(تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا, كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي), وَالعِصْمَةُ مِنْ الضَّلَالِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّة .

الكِتَابُ لَيْسَ لَهُ لِسَانٌ يَنْطِقُ وَلَا السُّنَّة, فَمِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ مُرَادَ اللهِ وَمُرَادَ رَسُولِ اللهِ؟ مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَنَأْخُذُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَان, لَا نَأْخُذُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بِفَهْمِ مَكْتَبِ الإِرْشَادِ, مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالإِبْعَادِ, وَلَا نَأْخُذُهُ مِنْ حَلْقَاتٍ مُتْجَمِعَةٍ فِي الكُهُوفِ, فِي الظَّلَامِ, مِنْ الأُمَرَاءِ المَخْفِيينَ, الَّذِينَ أَضَلُّوا الأُمَّةَ, وَأَعْطُوا الأَوَامِرَ لِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ, وَتَخْرِيبِ البِلَادِ وَإِفْسَادِ العِبَادِ.

يَقْولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ) اجْتَرَأَ عَلَيْكُمْ شُذَّاذُ الأَفَاق, قُطَّاعُ الطُّرُقِ مِنْ يَهُود, وَهُمْ شِرْذِمَةٌ فَاسِدَةٌ, حَاقِدَةٌ, ضَالَةٌ مُضِلَّة, لَوْ تَجَمَّعَتْ هَذِهِ الأُمَّة فَبَصَقَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُم عَلَيْهَا – أَيْ عَلَى الشِّرْذِمَةِ الضَالَّةِ مِنْ يَهُود - فَبَصَقَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أُمَّةِ مُحَمًّدٍ عَلَى تِلْكَ الشِّرْذِمَةِ بَصْقَةً وَاحِدَةً, لَأَغْرَقُوهُمْ فِي بَحْرٍ مِنْ البُصَاقِ, وَلَكِنْ يَفْعَلُونَ بِكُمْ الأَفَاعِيل, يَسْتَحْوِذُونَ عَلَى مَقَالِيدِ الأُمُورِ فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا, يُسَيِّرُونَ الأُمَمَ, لِأَنَّكُمْ تَفَرَّقْتُمِ, وَهُمْ عَرِفُوا سَبِيلَهُمْ, وَرَكَّزُوا عَلَى هَدَفِهِم, وَرَجَعُوا إِلَى كِتَابٍ حُرِّف, إِلَى كِتَابِ بُدِّل, إِلَى كِتَابٍ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ مِنْهُ, وَكِتَابُكُمْ المَحْفُوظ جَعَلْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًا, وَتَنَازَعَتْهُ الفِرَقُ الضَّالَةْ, وَالجَمَاعَاتُ المُضِلَّةُ عَلَيْهِمْ مِنْ اللهِ مَا يَسْتَحِقُون, فَصَارَ بَأْسُكُمْ بَيْنَكُمْ, يُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ, وَالإِجْلَالَ, وَالخَوْفَ, وَالرُّعْبَ مَنْكُمْ .

(وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الوَهْن, قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوَهْنُ؟ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْت) مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَكَرِهَ المَوْت, ضَعُفَ عَمَلُهُ لِلدِّينِ وَلِلأَخِرَةِ, وَرُبَّمَا زَالَ عَمَلُهُ لِلدِّينِ وَلِلأَخِرَةِ بِالكُلِّيَة, فَهُمْ لِلدُّنْيَا يَتَعَلَّمُونَ وَيَتَفَقَّهُونَ, وَيُوَالُونَ وَيُعَادُونَ, وَيَتَنَاحَرُونَ وَيَتَنَافَسُونَ, وَبِهَا رَاضُونَ, وَعَنْ الدِّينِ وَالمَوْتِ وَالأَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونِ, فَلَا يُبْصِرُونَ, وَلَا يَسْمَعُونَ, وَلَا يُوْقِنُونَ, وَلَا يَتَفَقَّهُونَ, وَلَا يُجَاهِدُونَ ، فَأَضَاعُوا الدِّينَ وَالدُّنْيَا, فَلَبِسَتْهُمْ الفِتْنَة. أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِين .

أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ, وَالفَسَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا, بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ كَمَا فِي {أَحْكَامِ الجَنَائِز} عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَة, إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْر) وَإِنَّهَا لَعَظِيمَة, غَيْرَ أَنَّهَا يَسِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ, (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَة, إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْر) لِأَنَّ النَّاسَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ, وَهَذَا أَمْرٌ كَبِيرٌ كَبِير, فَيَقِي اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى المُسْلِمَ الَّذِي يَمُوتُ فِي يَوْمِ الجُمْعَةِ أَوْ فِي لَيْلَةَ الجُمْعَةِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ .

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (المَبْطُونُ شَهِيد) يَعْنِي: مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ فَهُوَ شَهِيد, مَنْ أَصَابَهُ دَاءٌ فِي بَطْنِهِ, فَأَدَّى إِلَى مَوْتِهِ, فَكَانَ مَقْتُولًا بِبَطْنِهِ, فَهُوَ شَهِيد, لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِه ِعَنْ الشُّهَدَاء, فَأَخْبَرُوا أَنَّهُم الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ, قَالَ: (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًنْ لَقَلِيل!!), ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ (المَبْطُونَ شَهِيد, وَصَاحِبَ السٍّلِ أَوْ صَاحِبَ السُّلِ – وَهُوَ الدَّاءُ المَعْرُوفُ يَكُونُ فِي الرِّئَتَينِ أَوْ فِي غَيْرِهِمَا طِبِّيًا – وَصَاحِبُ السٍّلِ شَهِيد, وَصَاحِبُ الهَدْمِ شَهِيد, الحَرِقُ شَهِيد, الغَرِقُ شَهِيد, مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد, مَنْ مَاتَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيد, مَنْ مَاتَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيد, حَتَّى ذَكَرَ المَرْأَة تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا, فَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ يَجُرُّهَا وَلِيدُهُا بِسَرَرِهِ – أَيْ بِالحَبْلِ السُّرِّيِ – حَتَّى يُدْخِلَهَا الجَنَّة) .

(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمْعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمْعَة, إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْر) (المَبْطُونُ شَهِيد) إِذَا كَانَ مُبْغِضًا لِأَهْلِ البِدَعِ منْ الإِخْوَانِ, وَالقُطْبِيينَ, وَالمُنْحَرِفِينَ المُبْتَدِعِينَ, فَهَذِهِ بُشْرَيَاتٌ فَوْقَ البُشْرَيَاتِ .

فَاسْأَلُ اللهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ, وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ, أَنْ يَرْحَمَ أَمْوَاتَنَا وَأَمْوَاتَ المُسْلِمِينَ, اللَّهُمْ أَرْحَمْ أَمْوَاتَنَا وَأَمْوَاتَ المُسْلِمِينَ, اللَّهُمْ أَرْحَمْ أَمْوَاتَنَا وَأَمْوَاتَ المُسْلِمِينَ, وَاخْلُف مَنْ مَاتَ مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ فِي أَهْلِهِ, إِنَّكَ أَنْتَ الجَوَّادُ الكَرِيمُ, وَالبَرُّ الرَّحِيمُ , وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين .

 

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حَالُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ رَبِّهِ
  مصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء
  لقد صاروا جميعًا من أهل السياسة !!
  الإسلام دين الرحمة والسلام، وفضل شهر الله المحرم وصوم عاشوراء
  مَاذَا بَعْدَ الْحَجِّ؟
  فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ،وَالدُّرُوسُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  السعي في حاجة الآخرين
  أَمَانَةُ الْعَامِلِ وَالصَّانِعِ وَإِتْقَانُهُمَا
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالِانْتِصَارَاتِ
  المخرج من الفتن
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان