حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ

حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ

((حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((نِعْمَةُ الزَّوَاجِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

فَإِنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَا الْكَوْنَ مَبْنِيًّا عَلَى قَانُونٍ لَا يَتَخَلَّفُ، وَهُوَ قَانُونُ الزَّوْجِيَّةِ ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ خَلَقْنَا صِنْفَيْنِ، نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ فِي النَّاسِ، وَالنَّبَاتَاتِ، وَالْكَهْرُبَاءِ، وَالْمَغْنَاطِيسِ، وَالذَّرَّاتِ، نُبَيِّنُ لَكُمْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ التَّكْوِينِيَّةَ، رَاغِبِينَ أَنْ تَضَعُوهَا فِي ذَاكِرَتِكُمْ أَيُّهَا الْمُتَلَقُّونَ الْمُتَدَبِّرُونَ.

وَكُلَّمَا اكْتَشَفْتُمْ وُجُودَ نِظَامِ الزَّوْجِيَّةِ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَفِيًّا عَلَيْكُمْ؛ تَذَكَّرْتُمْ هَذَا الْبَيَانَ: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، فَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ لَدُنْهُ، وَعَلِمْتُمْ أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ فَرْدٌ لَا نَظِيرَ وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ.

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [النجم: 45].

وَأَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ -مِنْ كُلِّ حَيٍّ.

وَقَدْ سَمَّى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْقُرْآنِ الزَّوَاجَ مِيثَاقًا غَلِيظًا؛ فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20-21].

وَإِنْ أَرَدْتُمْ -يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ- طَلَاقَ زَوْجَةٍ وَاسْتِبْدَالَ زَوْجَةٍ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَكَانَ صَدَاقُ مَنْ تُرِيدُونَ طَلَاقَهَا مَالًا كَثِيرًا؛ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ وَسُوءُ عِشْرَةٍ.

أَفَتَأْخُذُونَهُ مُفْتَرِينَ فَاعِلِينَ فِعْلًا تَتَحَيَّرُ الْعُقُولُ فِي سَبَبِهِ، آثِمِينَ بِفِعْلِهِ إِثْمًا وَاضِحًا مُعْلَنَ الْوُضُوحِ، مُسْتَنْكَرَ الْوُقُوعِ.

فَلَا تَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ مَعَ ظُهُورِ قُبْحِهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.

وَلِأَيِّ وَجْهٍ تَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا بَذَلَهُ لِزَوْجَتِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَدْ وَصَلَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْجِمَاعِ وَالْخَلْوَةِ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ عَهْدًا شَدِيدًا مُؤَكَّدًا وَهِيَ كَلِمَةُ النِّكَاحِ الَّتِي تُسْتَحَلُّ بِهَا فُرُوجُ النِّسَاءِ.

وَالزَّوَاجُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

وَنُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّنَا لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ -يَا رَسُولَ اللهِ- مِنَ الْبَشَرِ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً، فَلَيْسَ أَمْرُكَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.

وَالزَّوَاجُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مِنْ آيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ -أَيُّهَا الرِّجَالُ- أَزْوَاجًا؛ لِتَمِيلُوا إِلَيْهِنَّ وَتَأْلَفُوهُنَّ، وَتُصِيبُوا مِنْهُنَّ مُتْعَةً وَلَذَّةً، وَجَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ نَوْعًا مِنَ الْحُبِّ الْهَادِئِ الثَّابِتِ، وَعَاطِفَةً نَفْسِيَّةً تَدْفَعُكُمْ إِلَى الْعَطَاءِ وَالْمُسَاعَدَةِ، وَمُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ فِي آلَامِهِ وَآمَالِهِ.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لِعَلَامَاتٍ مُتَعَدِّدَاتٍ جَلِيلَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ تَفْكِيرًا عَمِيقًا مُتَأَنِّيًا فِيمَا خَلَقَ اللهُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ مَوَدَّةٍ وَرَحْمَةٍ وَسَكَنٍ نَفْسِيٍّ.

وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى النِّكَاحِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ، وَمَا يُدْفَعُ بِهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْجَسِيمَةِ، بَلْ إِنَّ الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ حَثَّ عَلَى النِّكَاحِ -أَيْضًا- كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} [النور: 32].. وَهَذَا أَمْرٌ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232].. وهذا نَهْيٌ.

وَقَالَ ﷺ: ((النِّكَاحُ سُنَّتِي؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)) .

وَقَالَ: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ)) .

وَالنُّصُوصُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ» .

((مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ الزَّوَاجِ الذُّرِّيَّةُ))

إِنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ -نِعْمَةَ الزَّوَاجِ- الَّتِي يُنْعِمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ نِعْمَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا آثَارٌ فِي الدُّنْيَا وَآثَارٌ فِي الْآخِرَةِ.

فَمِنْ نَتَائِجِهَا فِي الدُّنْيَا: أَنْ يَكُونَ مُعَانًا عَلَى طَاعَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ بِغَضِّ بَصَرِهِ، وَهُدُوءِ خَاطِرِهِ، وَاسْتِقْرَارِ نَفْسِهِ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَحَصَّلُ عَلَيْهَا فِي دُنْيَاهُ.

اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُخْبِرُ عَنْ مِنَّتِهِ الْعَظِيمَةِ عَلَى عِبَادِهِ، حَيْثُ جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا لِيَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ أَوْلَادًا تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ وَيَخْدِمُونَهُمْ، وَيَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَرَزَقَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْمَآكِلِ وَالْمُشَارِبِ، وَالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْعِبَادُ أَنْ يُحْصُوهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72].

وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلَ لَكُمْ ضِمْنَ نِظَامِ التَّنَاسُلِ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ أَوْلَادًا وَبَنَاتٍ، وَمِنْ نَسْلِهِنَّ أَوْلَادَ أَوْلَادٍ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَنَاكِحِ وَسَائِرِ مَا يَطِيبُ وَيَلَذُّ.

وَمِنْ مِنَنِ اللهِ الْعَظِيمَةِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ أَزْوَاجًا لِيَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ أَوْلَادًا تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ وَيَخْدُمُونَهُمْ وَيَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.

وَقَالَ تَعَالَى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].

الْمَالُ الْكَثِيرُ الْوَفِيرُ وَالْبَنُونَ الْكَثِيرُونَ زِينَةُ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ.

وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ: فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَجْعَلُ لَلْعَبْدِ وَلَدًا صَالِحًا فِي الدُّنْيَا يَتَأَتَّى مِنْهُ دُعَاءٌ صَالِحٌ فِي الْآخِرَةِ يَصِلُ إِلَيْهِ فِيهَا أَجْرُهُ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، -مِنْهَا-: أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو اللهَ لَهُ)) .

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ بِالدُّعَاءِ لِأَبَوَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا هُوَ اسْتِمْرَارٌ لِحَيَاتِهِ هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ.

فَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ, وَزُخْرًا لَهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ.

((الْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-))

إِنَّ الْأَوْلَادَ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ الَّذِي يُعْطِي الْعِبَادَ مِنَ الْأَوْلَادِ مَا يَشَاءُ.

فَمِنَ الْخَلْقِ مَنْ يَهَبُ لَهُ إِنَاثًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهَبُ لَهُ ذُكُورًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُزَوِّجُهُ -أَيْ: يَجْمَعُ لَهُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ؛ قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49].

مِنْ خَلْقِ اللهِ خَلْقُ الذُّرِّيَّاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ ضِمْنَ نِظَامِ التَّنَاسُلِ.

يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا؛ فَلَا يُولَدُ لَهُ ذَكَرٌ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ؛ فَلَا يُولَدُ لَهُ أُنْثَى، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ فَيُولَدُ لَهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا؛ لَا يُولَدُ لَهُ.

وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].

دَعَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: رَبِّ هَبْ لِي وَلَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِي يَكُونُ صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، يَبْلُغُ أَوَانَ الْحُلُمِ.

فَأَجَبْنَا دَعْوَتَهُ، وَبَشَّرْنَاهُ بِابْنٍ يَتَحَلَّى بِالْعَقْلِ، وَالْأَنَاةِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ، فَوَلَدَتْ هَاجَرُ الْغُلَامَ الْحَلِيمَ إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَهَذَا زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَأَلَ اللَّهَ وَلَدًا ذَكَرًا صَالِحًا، يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَكُونُ وَلِيًّا مِنْ بَعْدِهِ، وَيَكُونُ نَبِيًّا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، وَهَذَا أَفْضَلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَوْلَادِ.

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعَبْدِهِ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صَالِحًا، جَامِعًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَامِدِ الشِّيَمِ، فَرَحِمَهُ رَبُّهُ وَاسْتَجَابَ دَعْوَتَهُ.

فَبَشَّرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى يَدِ الْمَلَائِكَةِ بِيَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَسَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ (يَحْيَى)، وَكَانَ اسْمًا مُوَافِقًا لِمُسَمَّاهُ: يَحْيَا حَيَاةً حِسِّيَّةً، فَتَتِمُّ بِهِ الْمِنَّةُ، وَيَحْيَا حَيَاةً مَعْنَوِيَّةً وَهِيَ حَيَاةُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ بِالْوَحْيِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 4-7].

قَالَ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: وَإِنِّي خِفْتُ أَقَارِبِي وَعَصَبَتِي أَلَّا يُحْسِنُوا خِلَافَتِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي، فَيُفْسِدُوا فِي مَرَاكِزِ السُّلْطَةِ الدِّينِيَّةِ، وَلَا أَجِدُ فِيهِمْ رَجُلًا صَالِحًا مُؤَهَّلًا لِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا مُحَافِظًا عَلَى شَرَائِعِ الدِّينِ وَتَعْلِيمَاتِهِ.

وَكَانَتِ امْرَأَتِي فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهَا عَاقِرًا لَا تَلِدُ؛ فَأَعْطِنِي مِنْ مَحْضِ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ، وَقُدْرَتِكَ الْبَاهِرَةِ وَارِثًا مِنْ ذُرِّيَّتِي، وَمُعِينًا يَتَوَلَّانِي.

يَرِثُ الْعِلْمَ وَالْقِيَامَ بِأُمُورِ الدِّينِ مِنْ بَعْدِي، وَيَرِثُ -مِنْ بَعْضِ آلِ يَعْقُوبَ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ- النُّبُوَّةَ وَالْعِلْمَ، وَاجْعَلْهُ رَبِّ بَرًّا تَقِيًّا كَثِيرَ الرِّضَا عَنْكَ فِيمَا تَجْرِي بِهِ مَقَادِيرُكَ، مَرْضِيًّا عِنْدَكَ قَوْلًا وَفِعْلًا.

فَاسْتَجَابَ اللهُ -تَعَالَى- دُعَاءَهُ؛ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا! إِنَّا لِعَظِيمِ رُبُوبِيَّتِنَا نُبَشِّرُكَ بِوَلَدٍ ذَكَرٍ اسْمُهُ يَحْيَى، لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ بِاسْمِهِ، وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ شَبِيهًا فِي صِفَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ.

* وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ قُرَنَائِنَا -مِنْ أَصْحَابٍ وَزَوْجَاتٍ- وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ -أَيْ: تَقَرُّ بِهِمْ أَعْيُنُنَا-.

دُعَاءٌ لِأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ فِي صَلَاحِهِمْ؛ فَإِنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَعَلُوا ذَلِكَ هِبَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: هَبْ لَنَا.

بَلْ دُعَاؤُهُمْ يَعُودُ إِلَى نَفْعِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ بِصَلَاحِ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَنْتَفِعُ بِهِمْ.

قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ تَكُونَ أَزْوَاجُهُمْ وَذُرِّيَّاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى.

وَبِذَلِكَ تَمْتَلِئُ قُلُوبُهُمْ سُرُورًا، وَيَكُونُوا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَيَطْمَحُونَ إِلَى الِارْتِقَاءِ إِلَى دَرَجَاتِ الْأَبْرَارِ وَالْمُحْسِنِينَ، حَتَّى يَكُونُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى.

((اهْتِمَامُ الْإِسْلَامِ بِالطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ))

لَقَدِ اهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِالنَّسْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ الزَّوَاجِ اهْتِمَامًا بَالِغًا فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ؛ فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ شَبَابُ الْغَدِ، وَهُمْ قَادَةُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَقَدْ بَلَغَ مِنَ اهْتِمَامِ الْإِسْلَامِ بِالنَّسْلِ أَنْ جَعَلَ لِلطِّفْلِ حُقُوقًا قَبْلَ مَوْلِدِهِ، بَلْ وَقَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ؛ لِتَتَحَقَّقَ لَهُ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ كَرِيمَةٌ وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ.

 

وَمِنْ دَلَائِلِ اهْتِمَامِ الْإِسْلَامِ بِالطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ؛ حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) .

فَمَوْضُوعُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحَثِّ عَلَى النِّكَاحِ، أَوْ فِي وُجُوبِ النِّكَاحِ لِمَنْ وَجَدَ مَؤُونَتَهُ.

((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ)): الْمُرَادُ بِهَا النِّكَاحُ، أَوْ تَكَالِيفُ النِّكَاحِ، أَوِ اسْتِطَاعَتُهُ اسْتِطَاعَةً ذَاتِيَّةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّارِعَ ﷺ أَمَرَ الشَّبَابَ بِالتَّزَوُّجِ إِذَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى مَؤُونَةِ الزَّوَاجِ قُدْرَةً ذَاتِيَّةً وَقُدْرَةً مَالِيَّةً.

وَالشَّبَابُ: جَمْعُ شَابٍّ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالنَّشَاطِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ يَكُونُ أَكْثَرَ حَرَكَةً وَنَشَاطًا مِنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَالشَّبَابُ مَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْأَرْبَعِينَ، وَلَيْسَ بَعْدَ مَرِّ الْأَرْبَعِينَ شَبَابٌ.

قَوْلُهُ ﷺ ((فَلْيَتَزَوَّجْ)): هَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ هُنَا أَمْرُ إِرْشَادٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ، وَجَعَلُوا النِّكَاحَ سُنَّةً فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَشِيَ بِتَرْكِ الزَّوَاجِ الزِّنَى؛ فَحِينَئِذٍ يَأْتِي بِالزَّوَاجِ وُجُوبًا، فَيَصِيرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ.

((وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ)): يَعُمُّ النَّفْيُ هُنَا الِاسْتِطَاعَةَ الْمَالِيَّةَ وَالِاسْتِطَاعَةَ الْبَدَنِيَّةَ.

((وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ)): أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ تَبَعًا لِهَذَا الْأَمْرِ.. أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الصَّوْمِ؛ ((فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)): الْفَاءُ تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يُخَفِّفُ مِنْ وَطْأَةِ الرَّغْبَةِ الْجَامِحَةِ فِيهِ الَّتِي رُبَّمَا أَدَّتْ بِالْعَبْدِ إِلَى الْوُقُوعِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ.

فَالصِّيَامُ وِجَاءٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْوِجَاءُ (كَمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ): هُوَ رَضُّ عُرُوقِ الْخُصْيَتَيْنِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْفَحْلِ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، ثُمَّ يَقَعُ الرَّضُّ مِنْ أَجْلِ أَنْ تَخِفَّ الشَّهْوَةُ أَوْ تَنْقَطِعَ.

فَحَثَّ النَّبِيُّ ﷺ الَّذِينَ عِنْدَهُمُ الْقُدْرَةُ الذَّاتِيَّةُ وَالْقُدْرَةُ الْمَالِيَّةُ عَلَى فِعْلِ الزَّوَاجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنَ الصَّوْمِ، وَلْيَلْزَمْ الِاسْتِعْفَافَ، وَلْيَسْأَلْ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي طَائِلَةِ الزِّنَى؛ لِأَنَّ التَّحَصُّنَ وَالتَّعَفُّفَ وَاجِبٌ، وَضِدُّهُمَا حَرَامٌ، وَهُوَ آتٍ مِنْ قِبَلِ شِدَّةِ الشَّهْوَةِ مَعَ ضَعْفِ الْإِيمَانِ.

وَالشَّبَابُ أَشَدُّ شَهْوَةً، فَخَاطَبَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ مُرْشِدًا لَهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْعَفَافِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَؤُونَةَ النِّكَاحِ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالسَّكَنِ، فَلْيَتْزَوَّجْ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ يَغُضُّ الْبَصَرَ عَنِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ، وَيُحَصِّنُ الْفَرْجَ عَنِ الْفَوَاحِشِ.

وَأَغْرَى النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْهُمْ مَؤُونَةَ النِّكَاحِ وَهُوَ تَائِقٌ إِلَيْهِ.. أَغْرَاهُ بِالصَّوْمِ؛ فَفِيهِ الْأَجْرُ، وَفِيهِ قَمْعُ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ وَإِضْعَافُهَا بِتَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَتَضْعُفُ النَّفْسُ، وَتَنْسَدُّ مَجَارِي الدَّمِ الَّتِي يَنْفُذُ مَعَهَا الشَّيْطَانُ، فَالصَّوْمُ يَكْسِرُ الشَّهْوَةَ كَالْوِجَاءِ لِلْخُصْيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُصْلِحَانِ الْمَنِيَّ فَتَهِيجُ الشَّهْوَةُ.

فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ ﷺ مَنِ اسْتَطَاعَ الزَّوَاجَ إِلَى الزَّوَاجِ، لِكَيْ يُحَصِّلَ أَسْبَابَ الْخَيْرِ؛ مِنَ اسْتِقْرَارِ النَّفْسِ، وَهَنَاءَةِ الْخَاطِرِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَزَوَّجَ حَصَلَ عِنْدَهُ الِاسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ، وَيَتِمُّ التَّعَاوُنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْمَصَالِحِ الَّتِي يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ.

الرَّجُلُ يَكُونُ مَكْفِيًّا فِي بَيْتِهِ بِالزَّوْجَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتَهْيِئَةِ الْمَنَافِعِ فِي الْبَيْتِ.

وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مَكْفِيَّةً بِزَوْجِهَا عَنْ تَحْصِيلِ الرِّزْقِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ.

* وَمِنْ دَلَائِلِ اهْتِمَامِ الْإِسْلَامِ بِالْأَوْلَادِ قَبْلَ وِلَادَتِهِمْ: اسْتِحْبَابُ الْبِشَارَةِ بِالْمَوْلُودِ؛ فَهَذَا الدِّينُ فِيهِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ الْمَشَاعِرِ مَا فِيهِ!!

وَلَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي تَعَالِيمَ.. سَوَاءٌ كَانَتْ فِي دِينٍ قَدْ جَاءَ بِهِ مَنْ جَاءَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ نَبِيِّنَا ﷺ، أَمْ كَانَتْ -وَهُوَ مَعْلُومٌ- فِيمَا أَتَى بِهِ الْبَشَرُ مِنْ قُمَامَاتِ الْأَفْكَارِ وَزِبَالَاتِ الْعُقُولِ؛ فَجَعَلُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دِينًا وَمَنْهَجًا.

هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ فِيهِ مِنَ الْمَشَاعِرِ مَا فِيهِ.

فِي هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ اسْتِحْبَابُ الْبِشَارَةِ بِالْمَوْلُودِ وَكُلِّ مَا هُوَ خَيْرٌ؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ} [مريم: 7].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53].

وَقَالَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ} [آل عمران: 39].

فَهَذِهِ الْبِشَارَةُ الَّتِي هِيَ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

وَيُشْرَعُ لِلْمُبَشَّرِ أَنْ يُهْدِيَ لِلْمُبَشِّرِ شَيْئًا كَمَا أَهْدَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِلرَّجُلِ الَّذِي بَشَّرَهُ بِالتَّوْبَةِ رِدَاءَهُ وَقَمِيصَهُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي ((صَحِيحَيْهِمَا)) -.

فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ الْخَيْرَ لِإِخْوَانِنَا، وَأَنْ نَسْعَى بِالْبِشَارَةِ لِمَنْ رَزَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِخَيْرٍ، وَمَنْ آتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رِزْقًا حَسَنًا.

((جُمْلَةٌ مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ))

إِنَّ الْوَلَدَ ثَمَرَةُ الْفُؤَادِ، وفِلْذَةُ الْكَبِدِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَا تُنْتِجُهُ الشَّجَرَةُ، وَالْوَلَدُ يُنْتِجُهُ الْأَبُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمًا: «وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ رَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عُمَرَ».

فَلَمَّا خَرَجَ رَجَعَ فَقَالَ: كَيْفَ حَلَفْتُ أَيْ بُنَيَّةُ؟

فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «أَعَزُّ عَلَيَّ، وَالْوَلَدُ أَلْوَطُ». الْحَدِيثُ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)).

قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: «أَعَزُّ عَلَيَّ»؛ أَيْ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجَلٌ أَعَزُّ عَلَيَّ.

«وَالْوَلَدُ أَلْوَطُ»؛ أَيْ: أَلْصَقُ بِالْقَلْبِ، وَأَحَبُّ إِلَى النَّفْسِ.

«فَقُلْتُ لَهُ»؛ أَيْ: قُلْتُ لَهُ الَّذِي قَالَهُ.

فَخَرَجَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَمَّا قَالَ: كَيْفَ حَلَفْتُ أَيْ بُنَيَّةُ؟

فقُلْتُ لَهُ -أَيْ: قُلْتُ لَهُ الَّذِي قَالَ- فقَالَ: «أَعَزُّ عَلَيَّ، وَالْوَلَدُ أَلْوَطُ».

فِي هَذَا الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ تَعَلُّقِ قَلْبِ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ؛ مَحَبَّةً، وَتَمَنِّيًا لَهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ خُلُقًا، وَأَوْسَعِهِمْ رِزْقًا.

لَقَدْ جَعَلَ الْإِسْلَامُ لِلْأَطْفَالِ كَثِيرًا مِنَ الْحُقُوقِ، وَمِنْهَا حُقُوقٌ قَبْلَ وِلَادَتِهِ؛ وَمِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ: الْكِفَايَةُ الْمَادِّيَّةُ؛ فَقَدْ أَلْزَمَ الْإِسْلَامُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَحَمُّلِ تَكَالِيفِ الزَّوَاجِ الْمَادِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَاجِ؛ ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) .

النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ الشَّبَابَ بِالتَّزَوُّجِ إِذَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى مَؤُونَةِ الزَّوَاجِ قُدْرَةً ذَاتِيَّةً وَقُدْرَةً مَالِيَّةً.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

الرِّجَالُ قَائِمُونَ عَلَى تَوْجِيهِ النِّسَاءِ وَرِعَايَتِهِنَّ وَحِفْظِهِنَّ لِسَبَبَيْنِ:

الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ مَا فَضَّلَ اللهُ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ خَصَائِصَ نَفْسِيَّةٍ وَجَسَدِيَّةٍ.

وَالسَّبَبُ الثَّانِي: بِمَا أَعْطَوْا مِنْ مُهُورِ النِّسَاءِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ.

إِنَّ الزَّوَاجَ مَسْئُولِيَّةٌ مَادِّيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ يَتَحَمَّلُهَا الشَّابُّ؛ فَإِنِ اسْتَعَدَّ لَهَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَفَّفَ، وَلَا يُقْحِمْ نَفْسَهُ فِيمَا يَجْلِبُ الضَّرَرَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ؛ قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 33].

يَعْنِي: وَلْيَلْزَمْ جَانِبَ الْعِفَّةِ بِضَبْطِ النَّفْسِ وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي طَرِيقِ الشَّهَوَاتِ، وَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ وَسَائِلَ النِّكَاحِ الْمُوصِلَةَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ إِلَى أَنْ يُوَسِّعَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ.

فَإِذَا الْتَزَمُوا جَانِبَ الْعِفَّةِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا مَا لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِهِ؛ أَغْنَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَهَيَّأَ لَهُمُ الْقُدْرَةَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الزَّوَاجِ.

* وَمِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ: إِحْسَانُ اخْتِيَارِ وَالِدَيْهِ، حَتَّى يَنْشَأَ فِي أُسْرَةٍ صَالِحَةٍ تُحْسِنُ تَقْوِيمَهُ وَتَأْدِيبَهُ وَتَرْبِيَتَهُ؛ فَفِي ظِلَالِ الْأُسْرَةِ الْمُتَمَاسِكَةِ تُغْرَسُ الْعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ، وَتَنْمُو الْخِلَالُ الطَّيِّبَةُ، وَتَنْشَأُ الْخِصَالُ الْكَرِيمَةُ، وَيَعِيشُ النَّشْءُ الصَّالِحُ حَيْثُ تَسُودُ الْمَوَدَّةُ، وَتَنْتَشِرُ الرَّحْمَةُ فِي جَنَبَاتِ هَذَا الْبَيْتِ الْكَرِيمِ، لِذَا حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ.

وَأَسَاسُ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ: التَّقْوَى وَالصَّلَاحُ؛ قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

إِنَّ أَرْفَعَكُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَتْقَاكُمْ لَهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].

وَزَوِّجُوا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَزَوِّجُوا -أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ- مَنْ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ وَخَيْرٌ مِنْ عَبِيدِكُمْ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَرَّرَ الْمَرْأَةَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَقَدْ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا ﷺ وَالْمَرْأَةُ مَظْلُومَةٌ مَهْضُومَةٌ، تُعَامَلُ كَمَا يُعَامَلُ سَقَطُ الْمَتَاعِ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ -تَعَالَى- فِيهِنَّ مَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ بِهَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ، فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ دُرَّةً مَصُونَةً وَجَوْهَرَةً مَكْنُونَةً، حَرَّرَهَا مِنْ ظُلْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَعْطَاهَا حُقُوقَهَا الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي تُنَاسِبُ فِطْرَتَهَا وَطَبِيعَتَهَا؛ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ.

كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُزَوِّجُونَ الْمَرْأَةَ بِدُونِ عِلْمِهَا وَلَا إِذْنِهَا وَلَا رِضَاهَا؛ فَجَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَأَعْطَتِ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا فِي ذَلِكَ.

فِي الزَّوَاجِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يُزَوِّجَ الْوَلِيُّ وَلِيَّتَهُ إِطْلَاقًا مِنْ غَيْرِ مَا رِضًى مِنْهَا، وَلَوْ حَدَثَ فَهَذَا الزَّوَاجُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَمْ بِكْرًا، ثَيِّبًا كَانَتْ أَمْ بِكْرًا لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا، وَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا.

لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ رَاضِيَةً، بِالْإِقْنَاعِ وَبِالْحُسْنَى، وَهِيَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا مُطْلَقًا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ رِضَى وَلِيِّهَا، «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا الرَّسُولُ ﷺ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ -أَيِ الثَّيِّبُ- حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ حَثَّ الْإِسْلَامُ الرَّجُلَ أَنْ يُحْسِنَ اخْتِيَارَ الزَّوْجَةِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّه كَمَا يَجِبُ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يَبَرَّهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ -هُوَ أَيْضًا- أَنْ يَبَرَّ ابْنَهُ؛ بِإِحْسَانِ اخْتِيَارِ أُمِّهِ.

وَلَا يَقِفُ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ حُدُودِ النَّظَرِ.

بِمَعْنَى: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَمَّلُ فِي الْمَرْأَةِ فَتُعْجِبُهُ؛ فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا وَيَتَمَسَّكُ بِهَا, وَتَكُونُ كَخَضْرَاءِ الدِّمَنِ -وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ , وَلَكِنْ أَنَا أَسْتَعْمِلُ الْمُصْطَلَحَ- فَإِنَّهَا -حِينَئِذٍ- لَا تَكُونُ صَالِحَةً, وَسَيَظْهَرُ مِنْهَا بَعْدَ حِيْنٍ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ مَا يَزَالُ دَسِيسَةً فِي قَلْبِهَا حَتَّى يَظْهَرَ فِي لَفْظِهَا وَلِسَانِهَا, وَفِي حَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتِهَا.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيَانِ صِفَاتِ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» , «الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» , هَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ صِفَاتُ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ.

المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا سَرَّتْهُ, وَلَيْسَ السُّرُورُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا دَلِيلًا عَلَى التَّأنُّقِ في الْمَظْهَرِ مِنَ الْمَلْبَسِ والزِّينَةِ, وَإِنَّمَا أَنْ تَكُونَ طَيِّبَةً, طَيِّبَةً فِي مَلْبَسِهَا, طَيِّبَةً فِي كَلَامِهَا, طَيِّبَةً فِي نَفْسِهَا, طَيِّبَةً فِي حَرَكَتِهَا, طَيِّبَةً فِي سَكَنَاتِهَا, طَيِّبَةً فِي إِشَارَاتِهَا.

إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الطِّيبَةَ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَنْعَكِسُ بِالسُّرُورِ عَلَى النَّاظِرِ إِلَيْهَا، الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي إِذَا نَظَرَ إَلَيْهَا سَرَّتْهُ.

وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ -أَيْضًا- أَنْ تَكُونَ بَارِعَةً فِي جَمَالِهَا, وَلَا فَائِقَةً فِي حُسْنِهَا, وَإِنَّمَا تَكُونُ جَمِيلَةَ الطَّبْعِ, حَسَنَةَ الْبَّاطِنِ, طَيِّبَةَ النَّفْسِ, فَهَذَا هُوَ الْجَمَالُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَعْكِسُ الْأُمُورَ كَمَا هُوَ فِي الغِنَى, كَثِيرٌ مِن النَّاسِ يَحسَبُ أنَّ الغِنَى امْتِلَاكُ الأَمْوالِ مَعَ تَحَصِيلِهَا بِكَثْرَتِهَا!! فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ؛ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .

فَتَكُونُ غَنِيًّا لأَنَّ نَفْسَكَ غَنِيَّةٌ وَلَا تَمْلِكُ شَيْئًا, وَلَكِنْ أَغْنَاكَ اللهُ ربُّ العَالَمِينَ عَنْ خَلْقِهِ, نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- دَوَامَ الغِنَى عَنِ النَّاسِ.

فَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ يَعْكِسُ المَسَائِلَ, وَيَجْعَلُ الحَسَنَ قَبيحًا والقَبِيحَ حَسَنًا!!

كَثِيرٌ مِن النِّسَاءِ تَكُونُ حَسَنَةَ المَظْهَرِ, جَمِيلَةَ الطَّلْعَةِ, بَهِيَّةَ الصُّورَةِ, وَهِيَ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى نَفْسٍ خَبِيثَةٍ!!

فَالطِّيبَةُ لَيْسَتْ بِالظَّاهِرِ، وَإنَّمَا الطِّيبَةُ طِيبَةُ الْبَاطِنِ, فَتَنْعَكِسُ طِيبَةُ الْبَاطِنِ عَلَى الظَّاهِرِ حَتَّى يَصِيرَ طَيِّبًا, فَيَصِيرُ الظَّاهِرُ طَيِّبًا فِي اللَّفْظِ, طَيِّبًا فِي الْإِشَارَةِ, طَيِّبًا فِي الْكَلَامِ, طَيِّبًا فِي الْحَرَكَةِ, طَيِّبًا فِي السُّكُونِ, طَيِّبًا فِي الْقِيَامِ, طَيِّبًا فِي الْقُعُودِ, يَصِيرُ طَيِّبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ, إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ.

وَأَعْظَمُ أُسُسِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ: الدِّينُ؛ ((فَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ دَيِّنَةٍ)).

قَالَ الْعَلَّامَةُ الصَّالِحُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْعُثَيْمِينُ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((«دَيِّنَةٍ»؛ أَيْ: صَاحِبَةِ دِينٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَدِينِهَا.. فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ  مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

التَّرَبُ: اللَّصَقُ بِالتُّرَابِ، وَهُوَ هُنَا دُعَاءٌ بِمَعْنَى: أَصَبْتَ خَيْرًا.

فَالدَّيِّنَةُ تُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَتُصْلِحُ مَنْ يَتَرَبَّى عَلَى يَدَيْهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، وَتَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَتَحْفَظُ مَالَهُ، وَتَحْفَظُ بَيْتَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّيِّنَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَضُرُّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ».

فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الدِّينِ جَمَالٌ وَمَالٌ وَحَسَبٌ؛ فَذَلِكَ نُورٌ عَلَى نُورٍ، وَإِلَّا فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ الدَّيِّنَةُ.

فَلَوِ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْمَرْءِ امْرَأَتَانِ: إِحْدَاهُمَا جَمِيلَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا فِسْقٌ أَوْ فُجُورٌ، وَالْأُخْرَى دُونَهَا فِي الْجَمَالِ لَكِنَّهَا أَدْيَنُ مِنْهَا، فَأَيُّهُمَا يَخْتَارُ؟

يَخْتَارُ الْأَدْيَنَ.

لَكِنْ أَحْيَانًا بَعْضُ النَّاسِ يَكُونُ مُولَعًا بِالْجَمَالِ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ هُنَاكَ امْرَأَةً جَمِيلَةً لَا تَطِيبُ نَفْسُهُ بِنِكَاحِ مَنْ دُونَهَا فِي الْجَمَالِ، وَلَوْ كَانَتْ أَدْيَنَ، فَهَلْ نَقُولُ: إِنَّكَ تُكْرِهُ نَفْسَكَ عَلَى هَذِهِ دُونَ هَذِهِ؛ أَيْ عَلَى الْأَدْيَنِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ مَبْلَغَهَا مِنَ الْجَمَالِ -أَيْ مَبْلَغَ الَّتِي لَيْسَتْ بِدَيِّنَةٍ وَلَكِنْ لَا فِسْقَ فِيهَا وَلَا فُجُورَ، وَلَكِنْ هِيَ أَجْمَلُ مِنَ الَّتِي هِيَ أَدْيَنُ.

فَهَلْ يُقَالُ: يَنْبَغِي عَلَيْكَ أَنْ تُكْرِهَ نَفْسَكَ عَلَى هَذِهِ دُونَ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ تَرْتَحْ إِلَيْهَا؟ أَوْ نَقُولُ: خُذْ مَنْ تَرْتَاحُ لَهَا مَا دَامَتْ غَيْرَ فَاجِرَةٍ وَلَا فَاسِقَةٍ؟

الظَّاهِرُ الثَّانِي، إِلَّا إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَمِيلَةُ غَيْرَ دَيِّنَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّهَا فَاسِقَةٌ، فَهَذِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهَا.

وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً غَيْرَ دَيِّنَةٍ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهَا عَلَى يَدَيَّ!!

وَنَقُولُ لَهُ: نَحْنُ لَا نُكَلَّفُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ لَا نَدْرِي عَنْهُ، فَرُبَّمَا تَتَزَوَّجُهَا تُرِيدُ أَنْ يَهْدِيَهَا اللهُ عَلَى يَدِكَ، وَلَكِنَّهَا هِيَ تُحَوِّلُكَ إِلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَتَشْقَى وَتَضِلَّ أَنْتَ عَلَى يَدَيْهَا.

وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ بَعْضُ النَّاسِ يَخْطُبُ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الْفَاسِقُ، لَكِنْ يَقُولُونَ: لَعَّلَ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعْرَفَ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ، فَيَقُولُونَ: لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُ، فَنَقُولُ: نَحْنُ لَا نُكَلَّفُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنْ نُكَلَّفُ بِمَا بَيْنَ أَيْدِينَا- بِالْحَاضِرِ-، فَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي ظَنَنْتَ أَنْ يَسْتَقِيمَ لَعَلَّهُ يُعَوِّجُ ابْنَتَكُمْ وَيُضِلُّهَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ سَيْطَرَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ.

وَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ مُلْتَزِمَةٍ تَزَوَّجَتْ شَخْصًا تَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ دَيِّنٍ، فَتَتْعَبُ مَعَهُ التَّعَبَ الْعَظِيمَ، وَنَحْنُ دَائِمًا يُشْكَى إِلَيْنَا هَذَا الْأَمْرُ مِنَ النِّسَاءِ، حَتَّى تَوَدُّ أَنْ تَفِرَّ بِدِينِهَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَوْ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ مِنَ الْمَالِ، وَلِهَذَا يَجِبُ التَّحَرُّزُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، سَوَاءٌ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ الرَّجُلَ)).

* وَمِنْ أُسُسِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا:

((بِكْرٌ)): وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ مِنْ قَبْلُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لَمَّا سَأَلَهُ: ((تَزَوَّجْتَ؟))

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟».

قَالَ: بَلْ ثَيِّبًا.

فَقَالَ: «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا». وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

فَالْبِكْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَحْ إِلَى رِجَالٍ سَابِقِينَ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ قَلْبُهَا بِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ يُبَاشِرُهَا مِنَ الرِّجَالِ هَذَا الرَّجُلُ، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرَ.

لَكِنْ قَدْ يَخْتَارُ الْإِنْسَانُ الثَّيِّبَ لِأَسْبَابٍ، مِثْلَمَا فَعَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ فَإِنَّهُ اخْتَارَ الثَّيِّبَ لِأَنَّ وَالِدَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَرَامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اسْتُشْهِدَ فِي أُحُدٍ، وَخَلَّفَ بَنَاتًا يَحْتَجْنَ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَلَوْ تَزَوَّجَ جَابِرٌ بِكْرًا لَمْ تَقُمْ بِخِدْمَتِهِنَّ وَمَؤُونَتِهِنَّ، فَاخْتَارَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ، وَلِهَذَا لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَإِذَا اخْتَارَ الْإِنْسَانُ ثَيِّبًا لِأَغْرَاضٍ أُخْرَى فَإِنَّهَا تَكُونُ أَفْضَلَ.

* وَمِنْ أُسُسِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ وَلُودًا:

«وَلُودٌ»: أَيْ كَثِيرَةُ الْوِلَادَةِ، وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ هَذَا بِمَعْرِفَةِ قَرِيبَاتِهَا؛ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ نِسَاءٍ عُرِفْنَ بِكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ مِثْلَهُنَّ.

فَيَخْتَارُ الْمَرْأَةَ الَّتِي عُرِفَتْ قَرِيبَاتُهَا بِكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَلِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُمَّةِ عِزٌّ لَهَا.

*مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ: حَقُّهُ فِي الْحَيَاةِ:

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ أَلَّا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ بِسَبَبِ الْفَقْرِ وَضِيقِكُمْ مِنْ رِزْقِهِمْ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْقَاسِيَةِ الظَّالِمَةِ.

نَحْنُ تَكَفَّلْنَا بِرِزْقِ الْجَمِيعِ، فَلَسْتُمُ الَّذِينَ تَرْزُقُونَ أَوْلَادَكُمْ، بَلْ وَلَا أَنْفُسَكُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ ضِيقٌ.

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ تَخَلُّصًا مِنْ أَزْمَةِ الْفَقْرِ الْوَاقِعِ، فَإِنِّي رَازِقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.

وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31]: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ لِتَتَخَلَّصُوا مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ خَوْفَ حُدُوثِ فَقْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، نَحْنُ نَتَكَفَّلُ بِرِزْقِ الْأَوْلَادِ، وَرِزْقِ آبَائِهِمُ الْمُنْفِقِينَ عَلَيْهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 32].

وَالْإِنْسَانُ يَرَى الرِّزْقَ يَنْفَتِحُ إِذَا وُلِدَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُولُ {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ ذِي حَيَاةٍ تَمْشِي بِهُدُوءٍ رُوَيْدًا رُوَيْدًا فِي الْأَرْضِ مِنْ أَكْبَرِ حَيَوَانٍ يَدِبُّ فِيهَا حَتَّى أَصْغَرِ حَيَوانٍ كَالْفَيْرُوسَاتِ؛ إِلَّا أَوْجَبَ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَرْزُقَهَا بِوَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِهِ الَّتِي يَخْتَارُهَا.

لَقَدْ حَرَّمَ الْإِسْلَامُ الْإِجْهَاضَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنَّهُ اسْـتَشَارَ النَّاسَ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: شَهِدْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ؛ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.

فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ.

فَشَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ)) .

إِمْلَاصُ الْمَرْأَةِ: أَنْ تُلْقِيَ جَنِينَهَا مَيِّتًا.

اسْتَشَارَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- النَّاسَ فِي الْجَنِينِ إِذَا سَقَطَ بِجِنَايَةٍ؛ يَعْنِي: امْرَأَةٌ حَامِلٌ ضَرَبَهَا إِنْسَانٌ فَكَانَ سَبَبًا لِإِمْلَاصِهَا؛ أَيْ لِوَضْعِ جَنِينِهَا مَيِّتًا بِغَيْرِ تَمَامٍ، فَسَقَطَ الْجَنِينُ -حِينَئِذٍ- بِجِنَايَةٍ، فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟

لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَضَعَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا قَبْلَ أَوَانِ الْوِلَادَةِ عَلَى إِثْرِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ.

وَكَانَ مِنْ عَادَةِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَسْتَشِيرَ أَصْحَابَهُ وَعُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ فِي الْأُمُورِ وَالْقَضَايَا خَاصَّةً مَا يَسْتَجِدُّ، مَعَ مَا أُوتِيَ مِنْ وَاسِعِ الْعِلْمِ، وَقُوَّةِ الْفِكْرِ، وَقُوَّةِ الْعَقْلِ.

فَلَمَّا أَخَذَ رَأْيَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ حِينَ أَسْقَطَتِ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا لِغَيْرِ تَمَامٍ بِجِنَايَةٍ، فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي دِيَتِهِ، فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِي ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ؛ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ.

وَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَتَثَبَّتَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ تَشْرِيعًا عَامًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَكَّدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ وَصِحَّةِ نَقْلِهِ، فَشَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى صِدْقِ مَا قَالَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.

اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، فَنَهَى الْوَالِدَيْنِ عَنْ هَذَا الْخُلُقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَرْذَلِ الْأَخْلَاقِ وَأَسْقَطِهَا.. قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ؛ خَشْيَةً مِنَ الْفَقْرِ وَالْإِمْلَاقِ، فَفِيهِ عِدَّةُ جِنَايَاتٍ:

قَتْلُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ.

وَأَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ هُمْ فِلَذُ الْأَكْبَادِ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَجَهْلُهُمْ وَضَلَالُهُمُ الْبَلِيغُ؛ إِذْ ظَنُّوا أَنَّ وُجُودَهُمْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ، فَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِقِيَامِهِ بِرِزْقِ الْجَمِيعِ.

فَأَيْنَ هَذَا الْخُلُقُ الشَّنِيعُ مِنْ أَخْلَاقِ خَوَاصِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كُلَّمَا كَثُرَتْ أَوْلَادُهُمْ وَعَوَائِلُهُمْ قَوِيَ ظَنُّهُمْ بِاللهِ، وَرَجَوْا زِيَادَةَ فَضْلِهِ، وَقَامُوا بِمَؤُنَتِهِمْ مُطْمِئَنَّةً نُفُوسُهُمْ، حَامِدِينَ رَبَّهُمْ أَنْ جَعَلَ رِزْقَهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَمُثْنِينَ عَلَى رَبِّهِمْ؛ إِذْ أَقْدَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَرَاجِينَ ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَمُشَاهِدِينَ لِمِنَّةِ اللهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ؟!!

قَالَ ﷺ: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)).

وَفِي رِوَايَةٍ: «... بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ» .

* وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ: الْتِزَامُ وَالِدَيْهِ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ سَبَبٌ فِي حِفْظِ الطِّفْلِ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا قَدَّرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ وَلَدًا؛ فَالْمُسْلِمُ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ فِي كَوْنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَتَّى عِنْدَ الشَّهْوَةِ لَا يَنْسَى نَفْسَهُ، وَالرَّسُولُ ﷺ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ.. إِذَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَهْلِهِ فِي حَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ الَّتِي يُقَدِّرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهَا الْوَلَدَ، فَهَذِهِ مَسْئُولِيَّةٌ عُظْمَى، وَلَيْسَتْ شَهْوَةً تُقْضَى.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنْ قَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا)) .

وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ: الْحِفَاظُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمِنْ سُبُلِ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ أَنْ تُفْطِرَا وَإِنْ لَمْ تَكُونَا مَرِيضَتَيْنِ، وَهَذَا يَشْمَلُ أَوَّلَ الْحَمْلِ وَآخِرَ الْحَمْلِ وَأَوَّلَ الْإِرْضَاعِ وَآخِرَ الْإِرْضَاعِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَامِلَ يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ، لَا سِيَّمَا فِي الْأَشْهُرِ الْأَخِيرَةِ، وَلِأَنَّ صِيَامَهَا رُبَّمَا يُؤَثِّرُ عَلَى نُمُوِّ الْجَنِينِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جِسْمِهَا غِذَاءٌ، فَرُبَّمَا يَضْمُرُ الْحَمْلُ وَيَضْعُفُ.

وَكَذَلِكَ فِي الْمُرْضِعِ إِذَا صَامَتْ يَقِلُّ لَبَنُهَا فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَلِيدُهَا وَطِفْلُهَا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ رَخَّصَ لَهُمَا -يَعْنِي رَخَّصَ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ- فِي الْفِطْرِ، وَإِفْطَارُهُمَا قَدْ يَكُونُ مُرَاعَاةً لِحَالِهِمَا، وَقَدْ يَكُونُ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْوَلَدِ الْحَمْلِ أَوِ الطِّفْلِ، وَقَدْ يَكُونُ مُرَاعَاةً لِحَالِهِمَا مَعَ الْوَلَدِ -حَمْلًا أَوْ مَوْلُودًا-.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مَعَ أَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ بِعُذْرٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ عَمَّنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، فَعَدَمُ سُقُوطِهِ عَمَّنْ أَفْطَرَتْ لِمُجَرَّدِ الرَّاحَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

((كَثْرَةُ الْأُمَّةِ عِزٌّ لَهَا وَقَضِيَّةُ تَنْظِيمِ النَّسْلِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ كَثْرَةَ الْأُمَّةِ عِزٌّ لَهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

فَإِيَّاكَ وَقَوْلَ الْمَادِّيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ كَثْرَةَ الْأُمَّةِ تُوجِبُ الْفَقْرَ وَالْبَطَالَةَ.

فَكَثْرَةُ الْأُمَّةِ عِزٌّ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ أَرْضُهُمْ قَابِلَةً لِلْحِرَاثَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهَا مَوَادُّ خَامٌ لِلصِّنَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَيْسَ -وَاللهِ- كَثْرَةُ الْأُمَّةِ سَبَبًا لِلْفَقْرِ وَالْبَطَالَةِ أَبَدًا!!

قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أُحِبُّ أَنْ تَبْقَى زَوْجَتِي شَابَّةً، فَلَا أُحِبُّ أَنْ تَلِدَ!!

فَنَقُولُ: هَذَا غَرَضٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنَّ الْوِلَادَةَ أَوْ كَثْرَةَ الْأَوْلَادِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أُنَظِّمَ النَّسْلَ؛ بِمَعْنَى أَنْ أَجْعَلَ امْرَأَتِي تَلِدُ كُلَّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً، فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟

هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَعْزِلُونَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْعَزْلُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْحَمْلِ غَالِبًا.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرْزَقْ وَلَدًا، فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دُعَاءِ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْوَلَدَ الصَّالِحَ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ؛ فَقَدْ أَصْلَحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمَرْأَةَ الْعَقِيمَ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَرَزَقَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي يُظَنُّ أَلَّا يُنْجِبَ.

وَإِذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَابْتَهَلَ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِدُعَاءِ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].

فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَعَسَى أَنْ يَمُنَّ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالْوَلَدِ الصَّالِحِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ.

إِنَّ قُلُوبَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَمْتَلِئُ سُرُورًا إِذَا كَانَتْ ذُرِّيَّاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَيَكُونُوا قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.

إِنَّ الْوَلَدَ الصَّالِحَ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لَلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ, وَزُخْرًا لَهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ, ثُمَّ يَكُونُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَفْعًا فِي الدَّرَجَاتِ.

فَاتَّقِ اللهَ رَبَّكَ!

اتَّقِ اللهَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي نَفْسِكَ!

وَاتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَنْ تَحْتَ يَدِكَ؛ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ.

فَإِذَا سَأَلَكَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ فَجَهِّزْ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا.

إِذَا قَالَ لَكَ: لِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ فَأَحْضِرْ لِهَذَا السُّؤَالِ جَوَابًا صَوَابًا.

اتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَنْ تَعُولُ, وَاتَّقِ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي أَهْلِكَ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر:حُقُوقُ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  وا خوفاه على مصر !!
  الْقُوَّةُ وَالثَّبَاتُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ
  إِتْقَانُ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ وَالْمِهَنِ سَبِيلُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ
  حب الوطن الإسلامي، وفضل الدفاع عنه، ومنزلة الشهادة في سبيل الله
  داعش وذبح الأقباط المصريين
  عَلَى أَبْوَابِ رَمَضَانَ
  رد الاعتداء على السنة النبوية
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالتَّعَرُّضِ لِرَحَمَاتِ اللهِ
  أَعْمَالُ وَفَضَائِلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان