((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ)) مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب: ((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))

((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ))  مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب:  ((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))

((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ))

مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب:

((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 ((نَهْيُ الْقُرْآنِ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ))

فَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- -وَهُوَ الْقَائِلُ عَنْ نَفْسِهِ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]- أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ بِبَقَاءِ الصَّلَاحِ فِيهَا، وَأَنْ نَمْنَعَ الْفَسَادَ عَنْهَا، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأعراف: 85].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85].

وَلَا تَتَمَادَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بِأَعْمَالِكُمُ الْإِجْرَامِيَّةِ الظَّالِمَةِ، وَمَنْعِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204-205].

أَخْبَرَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ-: أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- جَعَلَ نَعِيمَ  الدَّارِ الْآخِرَةِ لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ تَكَبُّرًا عَنِ الْحَقِّ فِي الْأَرْضِ، وَتَجَبُّرًا عَنْهُ، وَلَا فَسَادًا، وَلَا ظُلْمَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعَمَلًا بِمَعَاصِي اللهِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].

 ((نَمَاذِجُ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ))

لَقَدْ سَاقَ لَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَمْثِلَةً وَنَمَاذِجَ لِأُنَاسٍ خَالَفُوا مَنْهَجَ اللهِ، فَوَصَفَهُمْ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ: فِرْعَوْنُ، يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

وَيَقُولُ -تَعَالَى- فِي حَقِّ عَادٍ، وَثَمُودَ، وَفِرْعَوْنَ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14].

وَيَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي شَأْنِ الْيَهُودِ: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].

وَيَقُولُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204-205].

وَقَدْ وَصَفَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بَعْضَ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهَا: قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].

 ((جُمْلَةٌ مِنْ صِفَاتِ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))

إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يَجِدُ أَنَّهُ قَدْ أَوْلَى الْحَدِيثَ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ عِنَايَةً خَاصَّةً؛ وَذَلِكَ لِبَيَانِ ضَلَالِهِمْ، وَإِظْهَارِ خَطَرِهِمْ عَلَى الدِّينِ وَالْوَطَنِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ، وَيُحَذِّرُونَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، يَقُولُ تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].

وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا الْحَقُّ -سُبْحَانَهُ- صِفَاتِ الْمُفْسِدِينَ وَالْبُغَاةِ، وَمِنْهَا: الْكَذِبُ، وَالتَّدْلِيسُ، وَادِّعَاءُ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ؛ حَيْثُ يَقُولُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204-205].

وَيَقُولُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 10-11].

((مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّمَا يَكُونُ بِعِصْيَانِ اللهِ فِيهَا، وَالسَّيْرِ وَرَاءَ الْأَهْوَاءِ، يَقُولُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].

وَقَدْ تَعَدَّدَتْ مَعَانِي وَصُوَرُ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جُمْلَةً مِنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون} [البقرة: 26-27].

 ((مِنْ أَخْطَرِ صُوَرِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ:

الشِّرْكُ بِاللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ))

إِنَّ صُوَرَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، وَأَعْظَمُهَا وَأَخْطَرُهَا: الشِّرْكُ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ مَدَى قُبْحِ الشِّرْكِ، وَحَذَّرَ مِنْ مَفَاسِدِهِ.

*فَالشِّرْكُ بِاللهِ -تَعَالَى- أَكْبَرُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ؛ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ خَالِدًا فِيهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

 وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].

وَقَالَ النَّبِيُّ : ((مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .               

وَكَمَا قَالَ : ((لَاْ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ -أَيْضًا- .

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ))

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الَّتِي نَهَى الْإِسْلَامُ عَنْهَا، وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى فَاعِلِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللهِ: هُوَ قَتْلُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ كَبِيرٌ، وَهُوَ أَمْرٌ جَلَلٌ، وَجَرِيمَةٌ مُنْكَرَةٌ شَنِيعَةٌ حَذَّرَ مِنْهَا رَبُّنَا -تَعَالَى-، وَحَذَّرَ مِنْهَا نَبِيُّنَا ﷺ ،  إِنَّ احْتِرَامَ دِمَاءِ النَّاسِ، وَاحْتِرَامَ أَمْوَالِهِمْ أَمْرٌ قَرَّرَتْهُ شَرِيعَةُ الإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ شَرَائِعُ اللهِ كُلُّهَا، وَأَكْمَلُهَا شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَعْظِيمُ أَمْرِ القَتْلِ، وَبَيَانُ خَطَرِهِ فِي الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ:

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30].

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

وَقَالَ ﷺ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ -أَيْ: نَصِيبٌ- مِنْ دَمِهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» .

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

نَشْرُ الْبِدْعَةِ))

مِنَ الصُّوَرِ الْخَطِيرَةِ لِلْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ: الِابْتِدَاعُ فِي دِينِ اللهِ وَنَشْرُ الْبِدَعِ؛ فَالْبِدَعُ كُلُّهَا ضَلَالَاتٌ وَزَيْغٌ، وَالشُّؤْمُ لَاحِقٌ الْمُبْتَدِعَ حَالًا وَمَآلًا.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور :63].

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فِيمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ؛ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ منه فَهُوَ رَدٌّ» يَعْنِي: فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.

يَعْنِي: مَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ دِينِ اللهِ؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

إِنَّ نَشْرَ الْبِدَعِ، وَتَوْقِيرَ الْمُبْتَدِعِينَ إِعَانَةٌ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ الْمَدِينَةَ -زَادَهَا اللهُ شَرَفًا- قَالَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) .

وَمِنْ وُجُوهِ إِفْسَادِ الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ: أَنَّهُ يُفَرِّقُ الْأُمَّةَ، وَيُمَزِّقُ وَحْدَتَهَا.

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

ارْتِكَابُ الْمَعَاصِي))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، وَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ».

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي ((سُنَنِهِ)) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ))، وَفِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ))، وَفِي غَيْرِهِمَا.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، وَجَعَلَ الْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ سَبَبًا لِنِقْمَتِهِ وَعَذَابِهِ، وَحُلُولِ عِقَابِهِ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

نَشْرُ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشِ))

إِنَّ مِنْ أَشْنَعِ صُوَرِ الْفَسَادِ: نَشْرَ الْمُنْكَرَاتِ، وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهَا، وَنَشْرَ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَحْبِيبَهُمْ لَهَا، وَتَذْلِيلَ الصُّعُوبَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود: 116].

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

السِّحْرُ))

إِنَّ تَعَاطِيَ السِّحْرَ وَإِتْيَانَ السَّحَرَةِ مِنْ أَشْنَعِ صُوَرِ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّى اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَاعِلَهُ مُفْسِدًا، فَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81].

وَكَمَا نَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنِ السِّحْرِ فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ؛ فَقَالَ ﷺ: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)).

قَالُوا: ((يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا هُنَّ؟)).

قَالَ: ((الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي كَتَبَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ: ((وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ((صَحِيحِهِ)).

وَيَحْمِي الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِنْ أَعْمَالِ السِّحْرِ وَالْمَسِّ وَالْحَسَدِ: بِالْأَخْذِ بِالتَّوكُّلِ عَلَى اللهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللهِ، وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ.

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ))

إِنَّ مِنَ صُوَرِ الْفَسَادِ الْخَطِيرَةِ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ: قَطْعَ الرَّحِمِ، وَإِفْسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَقد بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ بَيَّنَ فِيمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ أَنَّ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ أَرْحَامَهُمْ وَيَهْجُرُونَ إِخْوَانَهُمْ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَبِيحُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، هَؤُلَاءِ لَعَنَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَصَمَّهُمْ، وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22-23].

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

الْإِرْهَابُ زَعْزَعَةُ الْأَمْنِ وَإِشَاعَةُ الْفَوْضَى))

إِنَّ إِشَاعَةَ الْفَوْضَى، وَبَثَّ الْأَرَاجِيفِ، وَالْإِرْهَابَ، وَكُلَّ مَا يَتَسَبَّبُ فِي زَعْزَعَةِ أَمْنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ أَعْظَمِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ.. إِنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ؛ فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ، قَدْ بَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَبَيَّنَهُ لَنَا نَبِيُّنَا الْكَرِيمُ ﷺ

مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ: الْإِرْجَافُ، وَ«قَدْ تَوَعَّدَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَهْلَ الشَّرِّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] أَيْ: مَرَضُ شَكٍّ أَوْ شَهْوَةٍ.

إِنَّ الْأَرَاجِيفَ وَالشَّائِعَاتِ الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ مَصَادِرَ شَتَّى وَمَنَافِذَ مُتَعَدِّدَةٍ إِنَّمَا تَسْتَهْدِفُ التَّآلُفَ وَالتَّكَاتُفَ، وَتَسْعَى إِلَى إِثَارَةِ النَّعْرَاتِ وَالْأَحْقَادِ، وَنَشْرِ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ، وَتَرْوِيجِ السَّلْبِيَّاتِ، وَتَضْخِيمِ الْأَخْطَاءِ.

الْإِشَاعَاتُ وَالْأَرَاجِيفُ سِلَاحٌ بِيَدِ الْمُغْرِضِينَ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْأَعْدَاءِ وَالْعُمَلَاءِ، يَسْلُكُهُ أَصْحَابُهُ؛ لِزَعْزَعَةِ الثَّوَابِتِ، وَهَزِّ الصُّفُوفِ وَخَلْخَلَةِ تَمَاسُكِهَا.

وَالْمُرْجِفُونَ: هُمُ الَّذِينَ يَنْشُرُونَ الشَّائِعَاتِ الْكَاذِبَةَ.

إِنَّ مِنْ أَشْنَعِ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ: تَرْوِيعَ الْآمِنِينَ، وَالِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ..

مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ: التَّخْرِيبُ، وَالتَّحْرِيقُ، وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ، وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، يَقُومُ بِهِ مَنْ يَقُومُ مِنَ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ الْمُنْحَرِفَةِ مِنَ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنَ التَّكْفِيرِيِّينَ مِنَ الْقُطْبِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ الْمُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ الْبَاغِينَ لِهَذَا الْوَطَنِ الضَّيَاعَ وَالسُّقُوطَ فِي هَاوِيَةٍ لَا قَرَارَ لَهَا!!

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

الْخُرُوجُ عَلَى الْحُكَّامِ))

إِنَّ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ وَالْفَوْضَى: الْخُرُوجَ عَلَى الْحُكَّامِ؛ فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ الْقَاعِدَةَ الَّتِي إِذَا مَا أَخَذَ بِهَا الْمُجْتَمَعُ الْمُسْلِمُ، عَاشَ فِي تَوَاؤُمٍ وَسَلَامٍ، وَبَعُدَ عَنْهُ شَبَحُ الْفَوْضَى وَالِانْقِسَامِ، وَمَتَى مَا خُولِفَتِ الْقَاعِدَةُ، دَبَّتِ الْفَوْضَى فِي أَرْجَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، وَانْتُهِكَتِ الْأَعْرَاضُ، وَسُلِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَأُزْهِقَتِ الْأَرْوَاحُ، وَقُطِّعَتِ الطُّرُقُ، فَلَا جُمُعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ؛ مِنْ أَثَرِ هَذِهِ الْفَوْضَى الَّتِي تَعُمُّ الدِّيَارَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، -عَلَيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ- وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ)).

فَأَمَرَ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ مِمَّنْ وَلَّاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلَوْ كَانَ مُتَغَلِّبًا، وَلَكِنْ طَاعَتُهُ فِي الْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)).

 ((مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ:

اعْتِدَاءُ الْجُهَّالِ عَلَى ثَوَابِتِ الدِّينِ))

إِنَّ مِنْ أَجْلَى صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ: التَّعَدِّيَ عَلَى ثَوَابِتِ الدِّينِ، وَالتَّهَجُّمَ عَلَى أُصُولِهِ بِاسْمِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ وَالتَّعْبِيرِ..

إِنَّ قَمْعَ الْكُفْرِ -وَلَوْ تَظَاهَرَ الْإِنْسَانُ بِالْإِسْلَامِ- مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِمَامِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ نُظَرَاءَ يَنْظُرُونَ فِي كُلِّ مَا يُكْتَبُ فِي الصُّحُفِ وَالْمَجَلَّاتِ، وَكُلِّ مَا يُنْشَرُ فِي الْإِذَاعَاتِ الْمَسْمُوعَةِ وَالْمَرْئِيَّةِ، وَكُلِّ مَا يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ الْمُؤَلَّفَةِ، فَيَجْعَلُ أُمَنَاءَ عُلَمَاءَ يُولِيهِمُ الْحَقَّ فِي النَّظَرِ فِي كُلِّ مَا يُنْشَرُ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، وَيَمْنَعُونَ كُلَّ شَيْءٍ يَدْعُو إِلَى الْفُسُوقِ وَالْمُجُونِ وَالْكُفْرِ، وَهَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)).

قَالُوا: ((وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟)).

قَالَ: ((الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَزَّارُ، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

«مِنْ صُوَرِ الْإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ:

الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ والْإِدْمَانُ»

عِبَادَ اللهِ! يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ -تَعَالَى- وَلِرَسُولِهِ ﷺ؛ الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ، وَكُلِّ مَا مِن شَأْنِهِ أَنْ يُغَيِّبَ الْوَعْيَ أَوْ يُذْهِبَهُ، أَوْ يُضْعِفَ الْعَقْلَ أَوْ يَحْجُبَهُ، بَلْ يَدْخُلُ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهَا وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهَا فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهُ؛ إِذْ يُضَيِّعُ الْمُدْمِنُ نَفْسَهُ وَيُضَيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَلْ يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ فِي عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!!

فَمِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ؛ تَضْيِيعُ شَبَابِ الْأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُّرِّيَّةِ وَالْأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ فِي حَقِّ الدِّينِ، وَحَقِّ الْوَطَنِ.

((عَوَاقِبُ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ))

إِنَّ اسْتِفْحَالَ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْعَالَمِ يُؤَدِّي إِلَى مُسَاوِئَ وَآثَارٍ سَلْبِيَّةٍ كَثِيرَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30].

إِنَّ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [ الْأَعْرَافِ: 96].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الْجِنِّ: 16-17].

وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ.

((عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! لَمَّا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَرَائِمِ الْعَظِيمَةِ؛ ذَمَّ اللهُ الْمُفْسِدِينَ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204-206].

{فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}؛ أَيْ : هِيَ كَافِيَتُهُ عُقُوبَةً فِي ذَلِكَ.

وَتَوَعَّدَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25].

وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْ عَدَمِ مَحَبَّتِهِ لِلْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ، وَعَدَمِ رِضَاهُ عَنْهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]؛ أَيْ: لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَلَا مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: ٦٤].

وَأَخْبَرَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ مَنْ سَعَى فِي أَرْضِ اللهِ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَعَمِلَ فِيهَا بِمَعَاصِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81].

وَأَمَّا عُقُوبَاتُ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].

 ((سُبُلُ مُحَارَبَةِ الْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ))

إِنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ حَارَبَ الْفَسَادَ مُنْذُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِبِعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ، بَدْءًا مِنْ فَسَادِ الْعَقِيدَةِ؛ فَقَدْ جَاءَ لِيُحَرِّرَ النَّاسَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَجَاءَ لِيَقْضِيَ عَلَى الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَالْعَصَبِيَّاتِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَنْشُرُ بَدَلًا مِنْهَا الْأَخْلَاقَ الْقَوِيمَةَ الْحَمِيدَةَ، جَاءَ لِيَقْضِيَ عَلَى كُلِّ مَظَاهِرِ الْفَسَادِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَيُؤَصِّلَ بَدَلًا مِنْهَا كُلَّ مَا هُوَ حَسَنٌ، وَكُلَّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْهَضَ بِالْأُمَّةِ، وَيَجْعَلَهَا رَائِدَةَ الْعَالَمِ كُلِّهِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ وَاجِبَنَا تِجَاهَ مَا يَحْصُلُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ أَنْ نُصْلِحَهُ بِقَدْرِ مَا نَسْتَطِيعُ، وَذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ، وَمُجَاهَدَةِ الْأَنْفُسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَبِذَلِكَ يَكْثُرُ الْخَيْرُ وَيَعْظُمُ، وَيَقِلُّ الشَّرُّ وَيَصْغُرُ -بِإِذْنِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا--، قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116-117].

وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكِرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ))؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.

 

إِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ نَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَنَفْيُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأَعْرَاف: 56].

فَلَا يَتَحَقَّقُ الصَّلَاحُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ مِنْهَا إِلَّا بِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ فِيهَا، الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَلْقَ، فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى مِنَ الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا هُوَ: تَحْقِيقُ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَبِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَصْلَحَةُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْمَفْسَدَةُ.

لَا يَجْمَعُ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُوَحِّدُ صُفُوفَهُمْ، وَلَا يُعْلِي شَأْنَهُمْ إِلَّا اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.

وَلَا يَسْتَتِبُّ الْأَمْنُ، وَلَا يَحُلُّ الِاسْتِقْرَارُ إِلَّا إِذَا اسْتَقَرَّ التَّوْحِيدُ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

فَلَا يَسْتَتِبُّ الْأَمْنُ، وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِقْرَارُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، وَنَفْيِ الشِّرْكِ.

وَهَذِهِ الْمَطَالِبُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّمْكِينِ لِلدِّينِ، وَالْإِتْيَانِ بِالْأَمْنِ، كُلُّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.

فَلَا تَجْتَمِعُ كَلِمَةُ الْأُمَّةِ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهَا إِلَّا عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَإِلَّا عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ الصَّحِيحَةِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

المصدر

((الْفَسَادُ صُوَرُهُ وَمَخَاطِرُهُ))

مُهَذَّبٌ مِنْ كِتَاب:

((حَدِيثُ الْقُرْآنِ عَنْ بُغَاةِ الْفِتْنَةِ وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ))


التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  هَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ
  رَكَائِزُ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
  دُرُوسٌ عَظِيمَةٌ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  وَاجِبُ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ
  خِدْمَةُ الْمُجْتَمَعِ بَيْنَ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ وَالْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ وَالْعَيْنِيِّ
  السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفَضَائِلُ الْعَشْرِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان