تفريغ مقطع : حقيقة الإيمان

    «قل آمنت بالله ثم استقم» فأمَّا الإيمانُ فإنه متعلقٌ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، والذين أخرجوا العملَ مِن مُسَمَّى الإيمان؛ هؤلاء أهلُ الإرجاءِ، هؤلاء يقولون إنَّ إيمانَ أَفْجَرِ الفاجرين مِن القَتَلَةِ السَّرَقَةِ الزَّانينَ الشاربينَ للخمرِ كإيمانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله علبه وآله وسلم- وكإيمانِ جبريل -عليه السلام-، فأَخَّرُوا العملَ ولم يعتبروه ونَفَوه مِن مُسَمَّى الإيمان، وهؤلاء أَضَرُّ شيءٍ على دينِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأن الناسَ إذا أخرجوا العملَ مِن مُسَمَّى الإيمان؛ أهملوه، فلا قيمةَ له حينَئذ؛ لأنه إذا كان الإيمانُ يَتَحَصَّلُ بدونِ صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا بِرٍّ ولا تُقَى، فما قيمته إذن، هذا قولٌ فاسدٌ في غايةِ الفسادِ.

    فالإيمانُ هو عَمَلُ القلبِ وقولُهُ وتصديقُهُ واعترافُهُ وقَصْدُهُ ونيَّتُهُ، لابد من هذا، وهو نُطْقُ اللسانِ بشهادةِ أن لا إله إلا الله مُحمدٌ رسولُ الله، ثم ما يتأتى بعدُ مِن تلاوةِ القرآنِ والذِّكْرِ، وما يكونُ من الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكر، إلى غيرِ ذلك مِن عَمَل اللسانِ الصالح، وكذلك ما يتعلقُ بالجوارحِ، فالعملُ داخلٌ في مُسَمَّى بالإيمان: «قل آمنت بالله»، هذا أولُ شيءٍ؛ أنْ تُصَحِّحَ العقيدة؛ لأنَّ الناسَ اختلفوا والنبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: «ستفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فِرْقة كلُّها في النارِ إلَّا واحدة»، وهذه الفِرَقُ قديمةٌ وحديثة، ومِن عَجَب أنك تَجِدُها مُتشابهة حَذْو النعلِ بالنعلِ، في المخالفاتِ والبدع.

    فإنَّ الذين يُشابهونَ الخوارجَ في العصرِ الحديثِ أخذوا مِن أصولِهِم، وكذلك الذين شَابهوا المعتزلة في نَفْي الصفات وما أَشْبَهُ من تكفيرِ المسلمين، وكذلك الذين شَابهوا الجبرية؛ في أنَّ الإنسانَ مجبورًا على الفِعْلِ، فَنَفَوا المسئوليةَ عن الإنسانِ واعتقد جماهيرُ المسلمينَ على هذه العقيدة الضالة وهي عقيدةُ الجَبْر؛ أننا هكذا لا يُمكنُ أنْ نفعلَ شيئًا يُرَقِّينا عمَّا نحن فيه، هذا ليس مِن دينِ مُحَمدٍ -صلى الله عليه وآلهِ وسلم-، وما أنزلَ اللهُ به وحيًا ولا ثَبَتَ به عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حديثٌ ولا أَثَر ولا أَخَدَ بذلك أصحابُهُ ومَن تَبِعَهم بإحسان، هذا القول الخبيث من أنَّ تَخَلَّفْنَا أَمْرٌ مضروبٌ علينا قدرًا يا صاحبي ما نصنعُ، هذا مكتوبٌ على الجَبين ولابدَّ أنْ تَرَاهُ العيون، هذا كلُّهُ مِن عقيدةِ الجَبْرِ.

المسئولية قائمةٌ على الأفرادِ والمجتمعاتِ المُسلمة، ينبغي أن تَرَقِّي الحياة وأنْ تتحملَ مسئوليتَها مِن أجلِ تَمَلُّكِ مقاديرِ القُوَى في الأرضِ مِن أَجلِ إرهابِ عَدوِّ اللهِ ربِّ العالمين وعدوِّ المسلمين، لا مِن أجلِ سَحْقِ الناسِ وتدميرِهم وتدميرِ الأرضِ وإشاعة الفسادَ في جَنَبَاتِها -حاشا وكلَّا- فَمَا هذا مِن دينِ مُحمدٍ -صلى اللهُ عليه وآله وسلم-.

الناسُ اختلفوا وتنوَّعت مشاربُهم، فما هو المَخْرَجُ مِن هذه المِحْنَة وما سبيلُ الخروجِ مِن الفتنةِ؟

الأمرُ قريبٌ قريب؛ آيةٌ في كتابِ اللهِ وحديثٌ مِن أحاديثِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ وسلم وبَارَكَ عليه- يضعُ قدميْكَ على الصراطِ المستقيمِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾ [فصلت: 30-32].

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: 13].

وَعَدَ اللهُ ربُّ العالمينَ مَن آمَنَ بِهِ واستقامَ على الطريقة؛ وَعَدَهُ اللهُ ربُّ العالمين هذا الوعدَ الحق الذي لا يتخلف بتثبيتٍ في الحياةِ وثوابٍ بعد الممات.

﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾: عند قَبْضِ أرواحِهم لا تخافوا مِمَّا أنتم مُقْدِمُونَ مُقْبِلُونَ عليه، ولا تحزنوا على ما خَلَّفْتُم ورائَكم مِن الأهلِ والولدِ، سيحفظُكُم اللهُ ربُّ العالمين فيه، ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.

التعليقات


مقاطع قد تعجبك


  إِلَى أَهْلِ الْجَزَائِرِ الْحَبِيبَة
  حرب العاشر من رمضان مفخرة المسلمين فى هذا العصر
  لا تَعْمَل لتُذكر
  هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها كل مسلم
  دفع البهتان حول عبارة (يُدَوِّخُ الله رب العالمين المشركين)
  النــــاس يسألـــون فــــى أى جماعـــة ! ! ! ! نكـــــــــون؟
  العلماء منارات الهداية للناس
  مَا حُكْمُ الِابْتِهَالَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْأَنَاشِيدِ الْإِسْلَامِيَّةِ
  الشِّرْكُ
  من حقوق الحاكم: توقيره وعدم سَبِّهِ وإهانتهِ
  حافظوا على شباب الأمة فهم صمام الأمان
  لماذا لا تتوب الآن؟!
  حَتَّى وَلَوْ بَكَى عِنْدَكَ حَتَّى غَسَلَ قَدَمَيْكَ بِبُكَائِهِ وَدُمُوعِهِ لَنْ يَصْنَعَ لَكَ شَيْء
  هل سيفرح الناس بموتك؟ هل سيستريح الناس منك؟!
  كُفَّ لسانَك عما لا يعنيك
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان