((كُفَّ لسانَك عما لا يعنيك))
وفي حديثِ رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم-، الذي رواه عنه بلالُ بن الحارثِ –رضي الله عنه-: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ –عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ القيَامَةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ القيَامَةِ)).
رواهُ أحمد والترمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه، وهو حديثٌ صحيح.
وعن الحسن قال: ((يا ابن آدم؛ بُسِطَت لك صحيفة ووُكِّلَ بك مَلَكَانِ كَريمَان يكتُبانِ عَملَك، فأَكثِر ما شئت أو أَقِل)).
وكان رحمه الله يقول: ((مَنْ كَثُرَ مَالُهُ؛ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَ كَلامُهُ؛ كَثُرَ كَذِبُهُ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ؛ عَذَّبَ نَفْسَهُ)).
وكان طاووسٌ يعتذر من طُولِ السكوت؛ ويقول: ((إني جَربتُ لساني)).
يعتذرُ لمُجالسيه من طولِ صمتهِ وقلةِ كلامهِ، فيقول: ((إني جربتُ لساني؛ فوجدتهُ لئيمًا رَضِعًا)).
والرَّضِعُ والرَّضيع: الخسيسُ من الأعراب، الذي إذا نزل به الضيفُ رَضَعَ بِفِيهِ شاتَهُ؛ لئلَّا يسمعهُ الضَّيْفُ؛ فيطلبَ اللبن.
وعن الشَّعبيِّ قال: ((ما مِن خطيبٍ يخطبُ؛ إلَّا عُرضت عليه خُطبتهُ يومَ القيامة)).
وقال عُمر بن عبد العزيز: ((إنه ليمنعني من كثيرٍ من الكلام؛ مخافةُ المُباهاة)).
وكان الربيعُ بن خُثَيمٍ يقول: ((لا خَيْرَ فِي الْكَلامِ إِلا فِي تِسْعٍ: تَهْلِيلٌ، وَتَكْبِيرٌ، وَتَسْبِيحٌ، وَتَحْمِيدٌ، وَسُؤَالُكَ مِنَ الْخَيْرِ، وَتَعَوُّذُكَ مِنَ الشَّرِّ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِرَاءَتُكَ الْقُرْآنَ)).
وقال إبراهيمُ التَّيميِّ: ((إذا أراد المؤمنُ أنْ يتكلَّم نظر؛ فإن كان له تكلَّم، وإلَّا أمسك، والفاجرُ إنما لسانهُ رِسْلًا رِسْلًا)).
الكلامُ على لسانهِ سهلٌ مُتَهاوَنٌ فيه.
أيها المسلمون؛ لو أننا كَفَفنا عن الكلامِ فيما لا يعني؛ فلن نتكلم؛ لأننا لا نتكلمُ في الحقيقةِ إلَّا فيما لا يَعْنينَا، ارجع إلى نَفسكِ صادقًا، وفَتِّش في نَفسكِ واعيًا؛ وسَتَرَى صِدْقَ ما أقول –إنْ شاءَ اللهُ جلَّ وعلا-.
ما نِسبةُ ما يعنيكَ إلى ما لا يَعنيكَ فيما تتكلمُ به إلَّا كتَفْلَةٍ في بحر، إلَّا كرَمْلَةٍ في صحراءَ جرداءَ لا أمدَ لها.
أَمْسِك لسانَك حتى تتوفرَ عليك طاقةُ عقلِك وطاقةُ قلبِك؛ مِن فَهمِك؛ من حِفظِك؛ مِن عِلمِك؛ مِن ذِكْرِك؛ مِن تُقاك وتقواك، فهذا كلُّهُ بسببِ هذه الآفة، فلو أنَّ كلَّ مسلمٍ؛ لو أنَّ كلَّ إنسان، فهذا نافعٌ لكلِّ إنسان، هذا مبدأٌ إنسانيٌّ عام، كقولهِ –صلى الله عليه وسلم-: ((احرِص على ما يَنْفعُك))، هذا ينفعُ الكافر وينفعُ المسلمَ نفعًا مُضاعفًا؛ لأنَّ ما ينفعُهُ بالضرورة وبالأوَّليَّةِ يتعلقُ بآخرتِه، وأمَّا الكافرُ فإنه يحرصُ على ما ينفعُه من أمرِ دُنياه فيستفيدُ أيضًا.
فكذلك لا تتكلم فيما لا يَعنيك، وَفِّر طاقةَ عقلِك وطاقةَ قلبِك واحفظ على نفسِك وقتَك واستثمرهُ؛ لأنه من المعلومِ أنَّ المالَ فرعُ الوقت، ومَنْ تَصَدَّقَ بالوقتِ فقد تَصَدَّقَ بالأصل؛ لأنَّ المالَ إنما هو حصيلةُ عملٍ وبذلِ مجهود في وقت، والوقتُ هو الأصل، وعليه؛ فعليكَ أنْ تتصدقَ بهذا الوقت في مصالحِ المسلمين، في الإصلاحِ بين المُتخَاصِمِين، في تقريبِ ما بينَ المُتنَازعين، في بثِّ العلمِ النافعِ، في الدعوةِ إلى العملِ الصالح.