((نَصِيحَةُ الْعَلَّامَةِ رَسْلَان لِطُلَّابِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِلَى إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي، وَأَبْنَائِي وَبَنَاتِي مِنْ طُلَّابِ جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَبَعْدُ:
فَأَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ الْخَاتَمِ وَرَسُولِهِ الْأَمِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَأَسْأَلُهُ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى أَنْ يَرْزُقَنَا جَمِيعًا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ، وَالْإِحْسَانَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَنْ يُيَسِّرَ لَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا أَجْمَعِينَ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ- أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ خَيْرُ مَا بُذِلَتْ فِيهِ الْأَعْمَارُ وَأُلْحِقَ فِيهِ اللَّيْلُ بِالنَّهَارِ.
الْعِلْمُ أشْرَفُ مَطْلوبٍ وَطَالِبُهُ * * * للهِ أَكْـرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
الْعِلْمُ نُورٌ مُبِينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ * * * أَهْـلُ السَّعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الظُّلَمِ
الْعِلْمُ أَعْلَى وَأَحْلَى مَا لَهُ اسْتَمَعَتْ * * * أُذْنٌ وَأَعْـرَبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ الْجَهْلَ وَالْجُهَّالَ سَبَبُ الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».
وَمَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ سَبَبُ الْهِدَايَةِ وَالِاهْتِدَاءِ؛ لِذَا كَانَ مِنَ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الدَّفَاعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُدَافِعَ عَنِ الشَّرِيعَةِ، إِنَّمَا يُدَافِعُ عَنِ الشَّرِيعَةِ حَامِلُهَا.
فَيَنْوِي طَالِبُ الْعِلْمِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، لَا يَبْتَغِي عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَوَافَقَهُمَا الْأَلْبَانِيُّ.
وَقَالَ ﷺ: «مَنْ طَلَبَ الْعلم لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ».
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ)).
وَيَنْوِي طَالِبُ الْعِلْمِ رَفْعَ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ؛ لِيَعْلَمَ مُرَادَ اللهِ مِنْهُ فَيَلْتَزِمَ أَمْرَهُ، وَيَجْتَنِبَ نَهْيَهُ، وَيُؤَدِّيَ حَقَّهُ.
فَعَلَيْنَا أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ فِي جَامِعَةِ مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَخْلِيصِ الْقَصْدِ مِنْ شَوَائِبِهِ، وَفِي تَحْرِيرِ الْوَلَاءِ مِنْ قُيُودِ الْأَهْوَاءِ.
وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِآدَابِ الطَّلَبِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِتَطْهِيرِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ شَوَائِبِ الْمُخَالَفَاتِ، وَتَفْرِيغِ الْقَلْبِ لِلْعِلْمِ، وَقَطْعِ الْعَلَائِقِ، وَهَجْرِ الْعَوَائِقِ، وَالْأَخْذِ بِالْوَرَعِ، وَإِدْمَانِ الذِّكْرِ، وَاخْتِيَارِ الصَّاحِبِ وَالرَّفِيقِ.
وَيَعْلَمُ إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي -حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّ الدِّرَاسَةَ الْمُنَظَّمَةَ الْمُتَدَرِّجَةَ خَيْرُ مَا سُلِكَ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَأْمُولِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ».
أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي ((تَارِيخِهِ))، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((الصَّحِيحَةِ)).
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا، فَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-، وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ)).
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ لِيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-: ((يَا يُونُسُ، لَا تُكَابِرِ الْعِلْمَ، فَإِنَّ الْعِلْمَ أَوْدِيَةٌ فَأَيِّهَا أَخَذْتَ فِيهِ قَطَعَ بِكَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ، وَلَكِنْ خُذْهُ مَعَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي. وَلَا تَأْخُذِ الْعِلْمَ جُمْلَةً، فَإِنَّ مَنْ رَامَ أَخْذَهُ جُمْلَةً ذَهَبَ عَنْهُ جُمْلَةً، وَلَكِنِ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ مَعَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي)).
وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ فِي الدِّرَاسَةِ الْمُنَظَّمَةِ مِنَ التَّدَرُّجِ فِي الطَّلَبِ، وَالْبَدْءِ بِالْأَهَمِّ فَالْمُهِمُّ.
فَيَا طُلَّابَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ إِنَّمَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ لِلْعَمَلِ..
وَأَتْبِعِ الْعِلْمَ بِالْأَعْمَالِ وَادْعُ إِلَى ... سَبِيلِ رَبِّكَ بِالتِّبْيَانِ وَالحِكَمِ
فَاسْتَعِينُوا بِاللهِ تَعَالَى وَاصْبِرُوا، وَأَخْلِصُوا نِيَّاتِكُمْ فِي طَلَبِكُمْ، وَخُذُوا بِالْجِدِّ وَطَلَبِ مَعَالِي الْأُمُورِ، وَدَعُوا سَفْسَافَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ تِلْكَ وَيَكْرَهُ هَذِهِ، قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا».
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي ((الْحِلْيَةِ))، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَكَذا وَافَقَهُمَا الْأَلْبَانِيُّ.
وَاخْزِنُوا أَلْسِنَتَكُمْ إِلَّا عَنْ خَيْرٍ، وَأَدْمِنُوا ذِكْرَ اللهِ رَبِّكُمْ، وَأَقْبِلُوا عَلَى كِتَابِهِ الْمَجِيدِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرًا، وَعَمَلًا وَدَعْوَةً وَتَذَكُّرًا، وَلَا تَشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، وَالْخِصَامِ وَالْمِرَاءِ، فَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ إِذَا شَغَلَ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْآفَاتِ لَا يَأْتِي مِنْهُ خَيْرٌ؛ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إِذَا كَانَ نَهَارِي نَهَارَ سَفِيهٍ، وَلَيْلِي لَيْلَ جَاهِلٍ؛ فَمَا أَصْنَعُ بِالْعِلْمِ الَّذِي كَتَبْتُ؟!».
وَقَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَزُهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَطْلُبُ الْبَابَ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ، فَيَعْمَلُ بِهِ، فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ فَجَعَلَهَا فِي الْآخِرَةِ».
يَا طُلَّابَ الْعِلْمِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَلْتُعْرَفُوا بِصَمْتِكُمْ إِذَا ثَرْثَرَ النَّاسُ، وَبِجِدِّكُمْ إِذَا هَزَلَ النَّاسُ، وَبِلَيْلِكُمْ إِذَا هَجَعَ النَّاسُ، وَبِإِقْبَالِكُمْ إِذَا أَدْبَرَ النَّاسُ، وَإِذَا انْشَغَلَ النَّاسُ بِكُمْ فَانْشَغِلُوا بِأَنْفُسِكُمْ، وَإِذَا غَفَلَ النَّاسُ عَنْ عُيُوبِهِمْ وَعَابُوا صَوَابَكُمْ وَهَاجَمُوا رُشْدَكُمْ فَانْشَغِلُوا بِعُيُوبِكُمْ، وَافْزَعُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَكَفَى بِاللهِ هَادِيًا وَنَصِيرًا.
وَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ سَبَقْتُمْ وَتَخَلَّفُوا، وَتَقَدَّمْتُمْ وَتَأَخَّرُوا.
وَاللهَ تَعَالَى أَسْأَلُ أَنْ يُبَارِكَ فِيكُمْ وَفِي سَعْيِكُمْ، وَأَنْ يُعَلِّمَنِي وَإِيَّاكُمْ مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا إِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، وَالْجَوَادُ الرَّحِيمُ.
وَصَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَبَوَيْهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْآلِ وَالصَّحْبِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ؛ الْمُوَافِقِ لِلْعَاشِرِ مِنْ يُولْيُو سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَلْفَيْنِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.