تفريغ مقطع : رجب شهر حرام مُعَظَّم عند الله وذِكر أحاديث ضعيفة واردة فيه
((رجب شهر حرام مُعَظَّم عند الله وذِكر
أحاديث ضعيفة واردة فيه))
فرَجَبُ
شهرٌ من أشهرِ اللهِ الحرام، هو مُعظَّمُ القَدْرِ عند اللهِ –ربِّ العالمين-،
واللهُ –ربُّ العالمين-
أمَرَنَا في محكمِ التنزيلِ ألا نظلمَ فيه -لأنه من جُملة الأشهر الحُرُم-
أنفسَنا، ألا نَظلمَ فيه أنفسَنا: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، أي: في الأشهرِ الحُرُمِ على القولِ الراجحِ
مما يُرَدُّ إليه الضمير في قولِ اللهِ –ربِّ
العالمين-: {فِيهِنَّ}.
فرَجَبٌ
نَصًّا لا ينبغي لعبدٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ يظلمَ فيه نَفْسَهُ
بمعصيةِ اللهِ- ربِّ العالمين-، فأمَّا أنْ يكونَ ذلك كذلك، فهو ولا مُشاحةَ في
هذا الذي قال اللهُ –ربُّ العالمين- ولا
جدالَ فيه.
وأمَّا
أنْ يَثْبُتَ لرَجَبٍ فضيلةٌ فوقَ ما ذكرَ اللهُ –ربُّ العالمين- مِن أنه من
الأشهرِ الحُرُمِ؛ فدون ذلك خَرْطُ القتاد، لم يَثْبُت في حقِّ رَجَب كفضيلةٍ
بصيامِ يومٍ منه مُعَيَّنٍ أو بقيامِ ليلةٍ منه بعَيْنِهَا، لم يَثْبُت في ذلك
نصٌّ على الإطلاق.
*وأمَّا
قولُ مَن قال –رفعًا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم- ولا يَصِحُّ: ((رجبُ شهرُ الله، وشعبان شهري، ورمضانُ شهر أمتي))،
فهو ضعيفٌ لا يَثْبُتُ عن رسولِ الله –صلى
الله عليه وعلى آله وسلم-.
*ثم
فيه: ((حديثُ الباهليِّ الذي جاء إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- ثم غاب عن
النبيِّ عامًا –صلى الله عليه وسلم-،
ثم جاءه بعد عامٍ مُتغيرًا، حتى إنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- أنكرَه.
فقال
له:
يا رسول الله؛ أنا الباهليُّ الذي جُئتكَ عامَ أوَّل.
فقال: فما غيَّرك.
قال: والله يا رسول الله،
منذ تركتُك ما نامت لي عينٌ بليل، ولا طَعمتُ في نهارٍ منذ تركتُك يا رسول الله.
فقال
النبيُّ –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-:
عذَّبتَ نفسَك، ثم قال له النبيُّ –صلى
الله عليه وسلم- في بعضِ ما قال: صُم من الحُرُمِ واترك، صُم من الحُرُمِ واترك، صُم
من الحُرُمِ واترك)).
فهو
ضعيفٌ لا يَثْبُتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأمَّا
ما أخرج أحمد –رحمة الله عليه- وما
أخرج النسائيُّ أيضًا: من أنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم- سُألَ: لِمَا تُكثرُ
يا رسول الله من الصيامِ في شهر شعبان؟
فقال
النبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هذا
شهرٌ بين شهري رجب وشهرِ رمضان، ينساهُ الناسُ وتُرفعُ فيه الأعمالُ إلى اللهِ –ربِّ
العالمين-، فأنا أحبُّ أن يُرفعَ لي فيه عملٌ وأنا صائم)).
فهذا
معنى ما قال النبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مما يُمكنُ أنْ يُفهمَ منه
ضِمنًا؛ أنَّ هناك فضيلةٌ لشهر رجبَ هذا الذي نحن فيه؛ لأن قولَ النبيِّ - صلى
الله عليه وسلم-: إنَّ شهرَ شعبان بين شهر رجب وشهرِ رمضان، ورمضان معلومٌ ما له
من الفضيلةِ والفَضْلِ، فلمَّا قرَنَ النبي - صلى الله عليه وسلم- بين شهر رجب
وشهر رمضان ونصَّ على نسيانِ الناسِ لشهرِ شعبانَ بينهما؛ اُستنبطَ من ذلك أنَّ
لشهرِ رجب فضيلةً عند اللهِ –ربِّ العالمين-، وهو
كذلك بلا مُشاحة؛ لأنه من أشهرِ اللهِ الحُرُم.
فدَلَّ
النبي - صلى الله عليه وسلم- أنَّ العبدَ يُمكن أن يصومَ من أشهرِ اللهِ الحُرُم
وأن يَدَع –أي: وأنْ يترك-، أمَّا
أن يقصدَ شهرًا من أشهرِ اللهِ الحُرُم؛ فيصومَ شهرَ رجب كاملًا، ثم يُتبعهُ
شعبان، ثم يُلحقُ بهما رمضان، فليس من هَدْي النبيِّ الهُمام - صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-، ومَن قصدَ ذلك على أنه قُربةٌ للهِ –ربِّ العالمين-؛ فهو أمرُ بِدعةٍ
ابتدَعَهُ في دين اللهِ –ربِّ العالمين-، ما
فعلَ النبيُّ ذلك ولا أحدٌ من أصحابهِ - صلى الله عليه وسلم- و-رضي الله عنهم
أجمعين-.
أما
الصيام في شهرِ رجب: فإذا ما وافق صيامًا
لأحدِنا، فإنه لا عليه في ذلك ولا تثريب، كأنْ يكون صائمًا ليومٍ ومُفطرًا لآخر
كما هو صيامُ داود، أو يكونَ صائمًا لأيامِ البِيض، أو صائمًا الاثنين والخميس، أو
صائمًا لثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر، فهذا لا شيء فيه؛ بل هو من أعظمِ القُرباتِ إلى
اللهِ –ربِّ العالمين-؛ لأن
العبدَ وافقَ أشهرَ اللهِ الحُرُم بعبادةٍ هي في أصلِها مسنونةٌ مشروعة وهو آخذٌ
بها في أشهرِ اللهِ الحُرُم وفي غيرِها كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم-، أمَّا أنْ يُثْبِتَ الإنسانُ لرجب فضيلةً فوق ذلك، فإنَّ دون ذلك كما قلنا
خرطُ القتاد.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك