((الدَّرْسُ الثَّانِي:
أُصُولُ التَّوْحِيدِ وَمَعَالِمُهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
((بَيْنَ يَدَيْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ))
«فَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ مَكِّيَّةٌ، وَآيَاتُهَا سَبْعٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَتُسَمَّى الْفَاتِحَةَ؛ لِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِهَا؛ حَيْثُ إِنَّهَا أَوَّلُ الْقُرْآنِ فِي التَّرْتِيبِ، لَا فِي النُّزُولِ.
وَهِيَ عَلَى قِصَرِهَا وَوَجَازَتِهَا قَدْ حَوَتْ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَى مَقَاصِدِهِ الرَّئِيسَةِ بِالْإِجْمَالِ، فَهِيَ تَتَنَاوَلُ أُصُولَ الدِّينِ وَفُرُوعَهُ؛ تَتَنَاوَلُ الْعَقِيدَةَ، وَالْعِبَادَةَ، وَالتَّشْرِيعَ، وَالِاعْتِقَادَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْإِيمَانَ بِصِفَاتِ اللهِ الْحُسْنَى، وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ، وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالتُّوَجُّهِ إِلَيْهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِطَلَبِ الْهِدَايَةِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَإِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ بِالتَّثْبِيتِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَنَهْجَ سَبِيلِ الصَّالِحِينَ، وَتَجَنُّبَ طَرِيقِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ.
وَفِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: الْإِخْبَارُ عَنْ قِصَصِ الْأُمَمِ السَّابِقِينَ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَعَارِجِ السُّعَدَاءِ وَمَنَازِلِ الْأَشْقِيَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، وَفِيهَا التَّعَبُّدُ بِأَمْرِ اللهِ –سُبْحَانَهُ- وَنَهْيِهِ، إِلَى غَيْرِ مَا هُنَالِكَ مِنْ مَقَاصِدَ وَأَغْرَاضٍ وَأَهْدَافٍ، فَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ كَالْأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي السُّوَرِ الْكَرِيمَةِ؛ وَلِهَذَا تُسَمَّى أُمَّ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا جَمَعَتْ مَقَاصِدَهُ الرَّئِيسَةَ.
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ لَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ؛ تُسَمَّى الْفَاتِحَةَ، وَأُمَّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعَ الْمَثَانِيَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالْوَافِيَةَ، وَالْكَافِيَةَ، وَالْأَسَاسَ، وَالْحَمْدَ.
وَقَدْ عَدَّ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ لِهَذِهِ السُّورَةِ اثْنَيْ عَشَرَ اسْمًا».
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ: ((هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ)).
((مِنْ فَضَائِلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ))
لَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ، ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- بَعْضَهَا، فَقَالَ: ((رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((مُسْنَدِهِ)) عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى صَلَّيْتُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ)).
فَقَالَ: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟)).
قَالَ: قُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي)).
قَالَ: ((أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}) [الأنفال: 24]؟ ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ)).
قَالَ: ((فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ)).
قَالَ: ((نَعَمْ، {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)). وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه.
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ»: كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ)) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ –أَيْ: لَدِيغٌ-، وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ؛ فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟
قَالَ: فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبِنُهُ بِرُقْيَةٍ –نَذْكُرُهُ بِرُقْيَةٍ-، فَرَقَاهُ، فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ؛ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً، أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟
فَقَالَ: لَا، مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ.
قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ وَنَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ؛ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ((وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ)).
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ))، وَالنَّسَائِيُّ فِي ((سُنَنِهِ)) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((بَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَعِنْدَهُ جَبْرَائِيلُ؛ إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ، مَا فُتِحَ قَطُّ.
قَالَ: فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قَدْ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَمْ تَقْرَأْ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتَهُ)). وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا أُمَّ الْقُرْآنِ؛ فَهِيَ خِدَاجٌ -ثَلَاثًا-، غَيْرُ تَمَامٍ)).
فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: ((إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ)).
فَقَالَ: ((اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}؛ قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي-، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}؛ قَالَ اللهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)). وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ: ((فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)).
((مَعَانِي آيَاتِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ))
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 1-7].
«أَيْ: أَبْتَدِئُ بِكُلِّ اسْمٍ للهِ -تَعَالَى-؛ لِأَنَّ لَفْظَ (اسْم) مُفْرَدٌ مُضَافٌ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى؛ فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُسْتَعِينًا بِرَبِّهِ وَبِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْمَطَالِبِ، وَأَجَلُّ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ؛ وَأَجَلُّ ذَلِكَ: الِاسْتِعَانَةُ عَلَى قِرَاءَةِ كَلَامِ اللهِ، وَتَفَهُّمِ مَعَانِيهِ، وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ.
{بِسْمِ اللَّهِ}؛ (اللهُ): هُوَ الْمَأْلُوهُ الْمُسْتَحِقُّ لِإِفْرَادِهِ بِالْمَحَبَّةِ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كُلِّهَا؛ لِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهِيَ الَّتِي تَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَالتَّأَلُّهِ لَهُ.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]؛ اسْمَانِ دَالَّانِ عَلَى أَنَّهُ -تَعَالَى- ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَعَمَّتْ كُلَّ مَخْلُوقٍ، وَكَتَبَ الرَّحْمَةَ الْكَامِلَةَ لِلْمُتَّقِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَهَؤُلَاءِ لَهُمُ الرَّحْمَةُ الْمُطْلَقَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مَحْرُومٌ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَفَعَ هَذِهِ الرَّحْمَةَ وَأَبَاهَا بِتَكْذِيبِهِ لِلْخَبَرِ، وَتَوَلِّيهِ عَنِ الْأَمْرِ؛ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنَ الْإِيمَانِ بِأَسْمَاءِ اللهِ كُلِّهَا، وَصِفَاتِهِ جَمِيعِهَا، وَبِأَحْكَامِ تِلْكَ الصِّفَاتِ».
{الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].
«يُخْبِرُ -تَعَالَى- أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ هِيَ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؛ إِذْ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُهُ، وَمَالِكُهُ، وَأَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمَدَهُ وَنُثْنِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ».
«{الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ الْحَمْدُ: هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَبِأَفْعَالِهِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ، الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحِكْمَةِ التَّامَّةِ؛ وَلَا بُدَّ فِي تَمَامِ حَمْدِ الْحَامِدِ مِنِ اقْتِرَانِ مَحَبَّةِ الْحَامِدِ لِرَبِّهِ، وَخُضُوعِهِ لَهُ، فَالثَّنَاءُ الْمُجَرَّدُ مِنْ مَحَبَّةٍ وَخُضُوعٍ لَيْسَ حَمْدًا كَامِلًا.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ الرَّبُّ: هُوَ الْمُرَبِّي جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ التَّرْبِيَةِ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَرَزَقَهُمْ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَهَذِهِ التَّرْبِيَةُ الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ؛ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ؛ بَلِ الْمُكَلَّفُونَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا التَّرْبِيَةُ الْخَاصَّةُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ؛ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ –أَيْ: مَعَ التَّرْبِيَةِ الْعَامَّةِ- يُرَبِّي إِيمَانَهُمْ فَيُكَمِّلُهُ لَهُمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الصَّوَارِفَ وَالْعَوَائِقَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَلَاحِهِمْ وَسَعَادَتِهِمُ الْأَبَدِيَّةِ، وَتَيْسِيرِهِمْ لِلْيُسْرَى، وَحِفْظِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَكَارِهِ.
وَكَمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْفِرَادِ الرَّبِّ بِالْخَلْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَكَمَالِ الْغِنَى؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ فَقْرِ الْعَالَمِينَ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَاعْتِبَارٍ، فَيَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ -بِلِسَانِ الْمَقَالِ وَلِسَانِ الْحَالِ- جَمِيعَ حَاجَاتِهِمْ، وَيَفْزَعُونَ إِلَيْهِ فِي مُهِمَّاتِهِمْ».
«{الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ تَجِدُ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالٍ لِلرَّبِّ -تَعَالَى-؛ فِعْلًا، وَوَصْفًا، وَاسْمًا، وَتَنْزِيهَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَعَيْبٍ؛ فِعْلًا، وَوَصْفًا، وَاسْمًا، فَهُوَ مَحْمُودٌ فِي أَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ، مُنَزَّهٌ عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَعَدْلٌ، لَا تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَوْصَافُهُ كُلُّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ وَنُعُوتُ جَلَالٍ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وَحَمْدُهُ قَدْ مَلَأَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فِيهِمَا.
فَالْكَوْنُ كُلُّهُ نَاطِقٌ بِحَمْدِهِ.
ثُمَّ لِقَوْلِهِ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} مِنَ الْعُبُودِيَّةِ شُهُودُ تَفَرُّدِهِ -سُبْحَانَهُ- بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ كَمَا أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقُهُمْ، وَرَازِقُهُمْ، وَمُدَبِّرُ أُمُورِهِمْ، وَمُوجِدُهُمْ، وَمُفْنِيهِمْ؛ فَهُوَ وَحْدَهُ إِلَهُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ، وَمَلْجَؤُهُمْ وَمَفْزَعُهُمْ عِنْدَ النَّوَائِبِ، فَلَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ».
«{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3]: اسْمَانِ وُصِفَ بِهِمَا اسْمُ الْجَلَالَةِ (اللهِ)، وَهُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى-؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ كُلَّهُ».
«لِقَوْلِهِ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عُبُودِيَّةٌ تَخُصُّهَا، وَهِيَ شُهُودُ عُمُومِ رَحْمَتِهِ وَسَعَتِهَا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَأَخْذُ كُلِّ مَوْجُودٍ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا؛ وَلَاسِيَّمَا الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ الَّتِي أَقَامَتْ عَبْدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي خِدْمَتِهِ يُنَاجِيهِ بِكَلَامِهِ، وَيَتَمَلَّقُهُ، وَيَسْتَرْحِمُهُ، وَيَسْأَلُهُ هِدَايَتَهُ، وَرَحْمَتَهُ، وَإِتْمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، فَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ بِعَبْدِهِ، فَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، كَمَا أَنَّ حَمْدَهُ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ».
«{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].. وَقَرَأَ نَافِعٌ: (مَلِكِ)، وَاللهُ -تَعَالَى- حَقًّا هُوَ الْمَالِكُ وَالْمَلِكُ.
{مَالِكِ}: الْمَالِكُ: صَاحِبُ الْمُلْكِ، الْمُتَصَرِّفُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَ(مَلِكِ): الْمَلِكُ: هُوَ ذُو السُّلْطَانِ، الْآمِرُ النَّاهِي، الْمُعْطِي الْمَانِعُ بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُنَازِعٍ.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ يَوْمُ الدِّينِ: هُوَ يَوْمُ الْجَزَاءِ، وَيَوْمُ الْحِسَابِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ حَيْثُ يَجْزِي اللهُ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ».
«الْمَالِكُ: هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِهَا الْمِلْكُ، الَّتِي مِنْ آثَارِهَا: أَنَّهُ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الْعَالِمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ التَّصَرُّفَ التَّامَّ الْمُطْلَقَ بِالْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَحْكَامِ الْجَزَاءِ؛ فَلِهَذَا أَضَافَ مُلْكَهُ لِيَوْمِ الدِّينِ، مَعَ أَنَّهُ الْمَالِكُ الْمُطْلَقُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَدِينُ اللهُ فِيهِ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ؛ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهَا جَزَاءَهَا، وَتُشَاهِدُ الْخَلِيقَةُ -مِنْ آثَارِ مُلْكِهِ وَعَظَمَتِهِ وَسَعَتِهِ، وَخُضُوعِ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَاسْتِوَاءِ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فِي نُفُوذِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِمْ- مَا يَعْرِفُونَ بِهِ كَمَالَ مُلْكِهِ، وَعَظَمَةَ سُلْطَانِهِ».
«فَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: تَمْجِيدٌ للهِ -تَعَالَى- بِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِكُلِّ مَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ حَيْثُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا، وَالْمَلِكُ الَّذِي لَا مَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَاهُ هُوَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-».
«وَالْعَبْدُ إِذَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ شَهِدَ الْمَجْدَ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِسِوَى الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، فَيَشْهَدُ مَلِكًا قَاهِرًا قَدْ دَانَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ، وَذَلَّتْ لِعَظَمَتِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَخَضَعَ لِعِزَّتِهِ كُلُّ عَزِيزٍ، فَيَشْهَدُ بِقَلْبِهِ:
مَلِكًا عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنًا = لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ».
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
«{إِيَّاكَ}: ضَمِيرُ نَصْبٍ يُخَاطَبُ بِهِ الْوَاحِدُ {نَعْبُدُ}: نُطِيعُ مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ لَكَ، وَالتَّعْظِيمِ لَكَ وَالْحُبِّ.
{نَسْتَعِينُ}: نَطْلُبُ عَوْنَكَ لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَعَلَى كُلِّ مَا يُهِمُّ الْعَبْدَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ».
«{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ أَيْ: نَخُصُّكَ يَا رَبَّنَا وَحْدَكَ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ، فَلَا نَعْبُدُ غَيْرَكَ، وَلَا نَسْتَعِينُ بِسِوَاكَ.
فَالْعِبَادَةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
فَهِيَ الْقِيَامُ بِعَقَائِدِ الْإِيمَانِ، وَأَخْلَاقِهِ، وَأَعْمَالِهِ؛ مَحَبَّةً للهِ، وَخُضُوعًا لَهُ.
وَالِاسْتِعَانَةُ: هِيَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، مَعَ الثِّقَةِ بِهِ فِي حُصُولِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْتِزَامٌ مِنَ الْعَبْدِ بِعُبُودِيَّةِ رَبِّهِ، وَطَلَبٌ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ، وَبِذَلِكَ يَتَوَسَّلُ إِلَى السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ، فَلَا سَبِيلَ لِذَلِكَ إِلَّا بِالْقِيَامِ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ شِدَّةُ افْتِقَارِ الْعَبْدِ لِعِبَادَةِ اللهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ».
«{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَدُورُ الْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ عَلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ؛ بَلْ يَدُورُ عَلَيْهِمَا الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَتَضَمَّنَتَا أَجَلَّ الْغَايَاتِ وَأَكْمَلَ الْوَسَائِلِ».
«عَلَّمَنَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَيْفَ نَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ فِي قَبُولِ دُعَائِنَا، فَقَالَ: احْمَدُوا اللهَ، وَأَثْنُوا عَلَيْهِ، وَمَجِّدُوهُ، وَالْتَزِمُوا لَهُ بِأَنْ تَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ، وَتَسْتَعِينُوهُ، وَلَا تَسْتَعِينُوا بِغَيْرِهِ.
فَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهَا تُعَلِّمُنَا آدَابَ الدُّعَاءِ؛ حَيْثُ يُقَدِّمُ السَّائِلُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ حَمْدَ اللهِ، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَتَمْجِيدَهُ، وَزَادَتِ السُّنَّةُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ لَهُ.
مِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ الْمُشَرَّفَةِ: أَلَّا يَعْبُدَ الْإِنْسَانُ غَيْرَ رَبِّهِ، وَأَلَّا يَسْتَعِينَ إِلَّا بِرَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَمَعْبُودِهِ وَإِلَهِهِ الْحَقِّ.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6].
{اهْدِنَا}: أَرْشِدْنَا وَأَدِمْ هِدَايَتَنَا.
وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْمُهْتَدِي؛ مَعْنَاهُ: طَلَبُ الزِّيَادَةِ مِنَ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُهْدَى إِلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ يُقْطَعُ بِهِ، فَلَا يَسْتَمِرُّ فِي هِدَايَتِهِ، فَيَقُولُ الْمُهْتَدِي: اهْدِنَا، فَهَذَا طَلَبُ هِدَايَةٍ مِنْ مُهْتَدٍ، وَمَعْنَاهُ: طَلَبُ الزِّيَادَةِ مِنَ الْهِدَايَةِ، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17].
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ}: الطَّرِيقَ الْمُوصِلَ إِلَى رِضَاكَ، وَإِلَى جَنَّتِكَ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ لَكَ {الْمُسْتَقِيمَ}: الَّذِى لَا مَيْلَ فِيهِ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا زَيْغَ عَنِ الْهُدَى، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ.
بِتَعْلِيمٍ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- يَقُولُ الْعَبْدُ فِي جُمْلَةِ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ، سَائِلًا رَبَّهُ بَعْدَ أَنْ تَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِحَمْدِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدِهِ، وَمُعَاهَدَتِهِ أَلَّا يَعْبُدَ هُوَ وَإِخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَّا هُوَ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَلَّا يَسْتَعِينُوا إِلَّا بِهِ -تَعَالَى-؛ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُدِيمَ هِدَايَتَهُمْ لِلْإِسْلَامِ؛ حَتَّى لَا يَنْقَطِعُوا عَنْهُ.
فَفِي الْآيَةِ: التَّرْغِيبُ فِي دُعَاءِ اللهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ)).
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]؛ النِّعْمَةُ: اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ:
*نِعْمَةُ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِمَا أَوْجَبَ الْإِيمَانَ بِهِ.
*وَنِعْمَةُ مَعْرِفَةِ اللهِ -تَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
*وَنِعْمَةُ مَعْرِفَةِ مَحَابِّهِ وَمَكَارِهِهِ.
*وَنِعْمَةُ التَّوْفِيقِ لِفِعْلِ الْمَحَابِّ، وَتَرْكِ الْمَكَارِهِ.
(الصِّرَاطُ): كَمَا مَرَّ؛ الطَّرِيقُ الْمُوصِلُ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِلَى جَنَّتِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
{الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}: هُمُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَكُلُّ مَنْ أَنْعَمَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَبِمَعْرِفَتِهِ -تَعَالَى-، وَمَعْرِفَةِ مَحَابِّهِ وَمَسَاخِطِهِ، وَبِالتَّوْفِيقِ لِفِعْلِ الْمَحَابِّ، وَتَرْكِ الْمَكَارِهِ.
لَمَّا سَأَلَ الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَانِهِ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَكَانَ الصِّرَاطُ مُجْمَلًا؛ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}؛ وَهُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ الْمُفْضِي بِالْعَبْدِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ -تَعَالَى- وَالْجَنَّةِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الْقَائِمُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ، مَعَ اجْتِنَابِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي.
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ: الِاعْتِرَافُ بِنِعْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَطَلَبُ حُسْنِ الْقُدْوَةِ.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ: الْيَهُودُ، وَأَنَّ الضَّالِّينَ: النَّصَارَى، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنْ رَسُولِ اللهِ.
{غَيْرِ}: لَفْظٌ يُسْتَثْنَى بِهِ كَـ (إِلَّا) {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}: مَنْ غَضِبَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِمْ؛ لِكُفْرِهِمْ، وَإِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ؛ كَالْيَهُودِ.
{الضَّالِّينَ}: مَنْ أَخْطَئُوا طَرِيقَ الْحَقِّ، فَعَبَدُوا اللهَ بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ؛ كَالنَّصَارَى.
وَالضَّلَالُ: الذَّهَابُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَسَنَنِ الْقَصْدِ.
فَلَمَّا سَأَلَ الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَبَيَّنَهُ بِأَنَّهُ صِرَاطُ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَمُبَالَغَةً فِي طَلَبِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَخَوْفًا مِنَ الْغِوَايَةِ؛ اسْتَثْنَى كُلًّا مِنْ طَرِيقِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ».
«{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ أَيْ: دُلَّنَا وَأَرْشِدْنَا، وَوَفِّقْنَا لِلْعِلْمِ بِالْحَقِّ، وَالْعَمَلِ بِهِ، الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الْمُعْتَدِلُ الْمُوصِلُ إِلَى اللهِ، وَإِلَى جَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ، وَهِيَ التَّوْفِيقُ لِلُزُومِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ، وَيَشْمَلُ الْهِدَايَةَ فِي الصِّرَاطِ وَقْتَ سُلُوكِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا؛ فَهَذَا الدُّعَاءُ مِنْ أَجْمَعِ الْأَدْعِيَةِ وَأَنْفَعِهَا لِلْعَبْدِ.
وَلِهَذَا أَوْجَبَهُ اللهُ وَيَسَّرَهُ، وَهَذَا الصِّرَاطُ هُوَ طَرِيقُ وَ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بِالنِّعْمَةِ التَّامَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]: وَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَتَرَكُوهُ؛ كَالْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ، {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]: الَّذِينَ ضَلُّوا عَنِ الْحَقِّ؛ كَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ.
وَمَنْ رُزِقَ عِلْمًا وَلَمْ يُرْزَقْ عَمَلًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ فَقَدْ أَشْبَهَ الْيَهُودَ، فَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا؛ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى».
«فَفِي الْآيَةِ: التَّرْغِيبُ فِي سُلُوكِ سَبِيلِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ سُلُوكِ سَبِيلِ الْغَاوِينَ».
«لَمَّا كَانَتْ حَاجَتُهُ إِلَى سُؤَالِ الْهِدَايَةِ أَعْظَمَ الْحَاجَاتِ، وَفَاقَتُهُ إِلَيْهَا أَشَدَّ الْفَاقَاتِ؛ فَرَضَ عَلَيْهِ الرَّبُّ الرَّحِيمُ هَذَا السُّؤَالَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي أَفْضَلِ أَحْوَالِهِ -وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ- مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً؛ لِشِدَّةِ ضَرُورَتِهِ وَفَاقَتِهِ إِلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الْهِدَايَةُ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ سَبِيلَ أَهْلِ هَذِهِ الْهِدَايَةِ مُغَايِرٌ لِسَبِيلِ أَهْلِ الْغَضَبِ وَأَهْلِ الضَّلَالِ، فَانْقَسَمَ الْخَلْقُ –إِذَنْ- ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ:
1- مُنْعَمٌ عَلَيْهِ بِحُصُولِهَا، وَاسْتِمْرَارُ حَظِّهِ مِنَ النِّعَمِ بِحَسَبِ حَظِّهِ مِنْ تَفَاصِيلِهَا وَأَقْسَامِهَا.
2- وَضَالٌّ لَمْ يُعْطَ هَذِهِ الْهِدَايَةَ، وَلَمْ يُوَفَّقْ إِلَيْهَا.
3- وَمَغْضُوبٌ عَلَيْهِ عَرَفَهَا، وَلَمْ يُوَفَّقْ لِلْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا.
فَالْأَوَّلُ: الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، قَامَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَالضَّالُّ مُنْسَلِخٌ عَنْهُ؛ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ عَارِفٌ بِهِ عِلْمًا، مُنْسَلِخٌ مِنْهُ عَمَلًا، وَاللهُ هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ».
(آمِين): اللهم اسْتَجِبْ، وَكَلِمَةُ (آمِين) لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ بِالِاتِّفَاقِ.
((أُصُولُ التَّوْحِيدِ وَالْعَقِيدَةِ مُجْمَلَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ))
«هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى إِيجَازِهَا قَدْ جَمَعَتْ عُلُومًا جَمَّةً، تَضَمَّنَتْ أَنْوَاعَ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةَ:
*تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].
*وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]؛ فَهُوَ الْمَأْلُوهُ بِعِبَادَتِهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ.
*وَتَوْحِيدُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِأَنْ يُثْبِتَ للهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ كُلَّهَا الَّتِي أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ ﷺ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْحَمْدِ للهِ؛ فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا وَأَحْكَامَهَا كُلُّهَا مَحَامِدُ وَمَدَائِحُ للهِ -تَعَالَى-.
*وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]؛ لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ، وَذَلِكَ فَرْعٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ.
*وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ الْجَزَاءِ، وَأَنَّهُ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].
*وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْقَدَرِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ حَقِيقَةً، لَيْسَ مَجْبُورًا عَلَى أَفْعَالِهِ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فَلَوْ لَا أَنَّ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ مُضْطَرٌّ فِيهَا إِلَى إِعَانَةِ رَبِّهِ وَتَوْفِيقِهِ؛ لَمْ يَسْأَلْ الِاسْتِعَانَةَ.
*وَتَضَمَّنَتْ أَصْلَ الْخَيْرِ وَمَادَّتَهُ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الْكَامِلُ للهِ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِهَذِهِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالَةِ؛ أَوْجَبَهَا الشَّارِعُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِمْ؛ فَرْضًا وَنَفْلًا، وَفِيهَا تَعْلِيمُ اللهِ لِعِبَادِهِ كَيْفَ يَحْمَدُونَهُ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيُمَجِّدُونَهُ بِمَحَامِدِهِ، ثُمَّ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ جَمِيعَ مَطَالِبِهِمْ.
فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ فِي الْأَمْرَيْنِ، مُفْتَقِرِينَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَمْلَأَ قُلُوبَهُمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَمُفْتَقِرِينَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَقُومَ بِمَصَالِحِهِمْ، وَيُوَفِّقَهُمْ لِخِدْمَتِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
المصدر: دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ-الجزء الأول