((رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ))
وَهُنَاكَ فِي ظِلِّ النَّخْلَةِ وَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مُهَاجِرًا فِي آخِرِ شُهُورِ الصَّيْفِ، فِي قَيْظٍ قَائِظٍ وَحَرٍّ شَدِيدٍ لَاهِبٍ وَصَحْرَاءَ مُحْرِقَةٍ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ النَّيِّئُ لَأَنْضَجَتْهُ مِنْ شِدَّةِ حَرَارَتِهَا، وَنَزَلَ النَّبِيُّ فِي الظَّهِيرَةِ فِي حَمَّارَةِ الْقَيْظِ وَمَا انْفَثَأَتْ بَعْدُ، نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ظِلِّ نَخْلَةٍ بِمَبْعَدَةٍ مِنْ قُبَاءَ، وَإِذْ يَرَاهُ الْقَوْمُ وَلَا يَرَوْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَحِبَّائِهِ يَتَوَقَّعُونَ مَقْدَمَهُ وَلَا يَرَوْنَ شَيْئًا إِلَّا الْآلُ وَالسَّرَابُ يَلُوحُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَيْسَ بِهِ مِنْ حَقِيقَةِ وُجُودٍ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً مِنْ الْبَعْثَةِ، جَاءَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ ﷺ وَنَزَلَ هُنَاكَ ﷺ فِي ظِلِّ نَخْلَةٍ -وَمَا ظِلُّ نَخْلَةٍ، وَمَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ-.
وَخَرَجَ يَهُودِيٌّ عَلَى أُطُمٍ لَهُمْ هُنَالِكَ؛ فَرَأَى النَّبِيَّ وَأَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ! هَذَا رَجُلُكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ! فَخَرَجُوا إِلَى النَّبِيِّ يَتَسَابَقُونَ ﷺ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا حَتَّى تَحَوَّلَ الظِّلُّ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظِلُّ النَّبِيَّ بِرِدَائِهِ
وَيَضْحَى هُوَ، فَيَقِفُ هُوَ فِي الشَّمْسِ وَيُظِلُّ النَّبِيَّ بِرِدَائِهِ ﷺ.
دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَحَلَّ بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ مَبْعَثِهِ ﷺ، وَخَرَجَ جَوَارِي الْأَنْصَارِ وَرِجَالُ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءُ الْأَنْصَارِ -حَتَّى الْيَهُودُ- فِي وَقْتِ قَيْلُولَةٍ شَدِيدَةِ الْحَرِّ فِيهَا وَاحَةُ النَّبِيِّ بِظِلٍّ وَبَرَدٍ، وَقَدْ نَزَلَ نُزُولًا بِالسَّكِينَةِ كُلِّهَا عَلَى مَدِينَتِهِ ﷺ، فَلَمَّا أَنْ رَآهُ يَهُودِيٌّ -وَكَانَ عَلَى حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ- قَالَ: يَا بَنِي قَيْلَةَ؛ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، هَذَا عَظِيمُكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ! فَخَرَجَتِ الْمَدِينَةُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهَا لِلِقَاءِ الْحَبِيبِ الْمَحْبُوبِ ﷺ.
فَأَمَّا الْجَوارِي مِنْ وَلَائِدِ الْأَنْصَارِ فَأَخَذْنَ الدُّفُوفَ يَضْرِبْنَ وَيُغَنِّينَ فَرَحًا بِمَقْدَمِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ [بَنِي النَّجَّارِ
|
|
حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
|
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وَلَمْ يَقُلْنَ مَا هُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّتِهِمْ:
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا
|
|
مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ
|
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا
|
|
مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعِ
|
لِأَنَّ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ إِنَّمَا هِيَ فِي قِبَلِ الشَّامِ صَوْبَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَعْلَى مِنْ جِهَةِ الْقَادِمِ مِنَ الشَّامِ ، وَأَمَّا ثَنِيَّاتُ الْوَدَاعِ وَالْغِنَاءُ الَّذِي كَانَ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ فَرَحًا بِقُدُومِ النَّبِيِّ؛ فَكَانَ عِنْدَ عَوْدَتِهِ ﷺ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَأَمَّا فِي الْهِجْرَةِ فَكُنَّ يُغَنِّينَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِلَاتٍ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ
|
|
حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
|
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
المصدر: المصدر : دروس من الهجرة النبوية