((حَضَّ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَنَبَذَ الْكَرَاهِيَةَ))
*حَثَّ الِإْسَلَامُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالتَّرَاحُمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ:
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةُ ائْتِلَافٍ، فَلَا تَخْتَلِفُوا، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةُ مَحَبَّةِ، فَلَا تَبَاغَضُوا.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى)).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ)).
إِذَنْ، الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا جَسَدٌ وَاحِدٌ.
إِنَّ الْأُخُوَّةَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
*أُخُوَّةٌ هِيَ أُخوَّةُ النَّسَبِ.
*وَأُخُوَّةٌ هِيَ أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ.
فَأَمَّا الْأُخُوَّةُ الْأُولَى فَإِنَّهَا هِيَ أَوَّلُ مَا يَحْرِصُ الْمَرْءُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، إِذَا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يَسُوءُ؛ هِيَ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمَرْءُ إِذَا مَا أَتَاهُ مَا يُفْجِعُهُ وَيُفْظِعُهُ كَأَنَّمَا يَدْعُو أَخَاهُ لِيُنْقِذَهُ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي مَكَّنَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا وَمِنْهَا مِمَّا قَدْ أَلَّمَ بِهِ ((أَخ))، هِيَ أَوَّلُ مَا يَأْتِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَمَا يَقَع عَلىٰ الْإِنْسَانِ مَا يَسُوؤُهُ.
*وَأَمَّا أُخُوَّةُ الْعَقِيدَةِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ عَنْ أُخُوَّةِ الْعَقِيدَةِ لَا نَسَبَ وَلَا رَحِمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَأُنَاسٍ مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا بِشُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ بِمَقَامِهِمْ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «هُمْ أَقْوَامٌ تَحَابُّوا عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَعَلَى غَيْرِ أَمْوَالٍ يَتَعَاطُونَهَا».
أَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقَانُونِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ؟!!
*نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ التَّبَاغُضِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ:
النَّبِيُّ ﷺ نَهَى الْمُسْلِمِينَ عَنِ التَّبَاغُضِ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ اللهِ تَعَالَى، بَلْ عَلَى أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَنَهَى عَنِ الْحَسَدِ وَتَمَنِّي الشَّرِّ، وَأَمَرَهُمْ ﷺ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ.
فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِالْهُدَى والرَّشَادِ، وَنَهَانَا عَنْ كُلِّ خُلُقٍ مَذْمُومٍ.
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «صَحِيحِهِ».
قَوْلُهُ: «لَا تَبَاغَضُوا»؛ أَيْ: لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ بَيْنَكُمْ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تَحَاسَدُوا»؛ أَيْ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ زَوَالَ النِّعْمَةِ مِنَ الْبَعْضِ، أَوْ لَا يَكْرَهَنَّ أَحَدُكُمْ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَخِيهِ، فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الْحَسَدِ، فَحَقِيقَةُ الْحَسَدِ أَنْ تَكْرَهَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَخِيكَ، فَمَهْمَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَخِيكَ مِنْ نِعْمَةٍ فَكَرِهْتَهَا فَأَنْتَ لَهُ حَاسِدٌ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تَدَابَرُوا»: وَالْمُدَابَرَةُ: الْمُصَارَمَةُ بِالْهِجْرَانِ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ دُبُرَهُ، وَيُعْرِضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ: «التَّقَاطُعُ».
وَقَوْلُهُ: «لَا تَبَاغَضُوا»: لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ، تَحَابُّوا فِي اللهِ، الْبُغْضُ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا بِأَسْبَابِهِ، فَلَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ، لَا تَخْتَلِفُوا فِي الْأَهْوَاءِ وَالْمَذَاهِبِ، فَالْبِدْعَةُ فِي الدِّينِ، وَالضَّلَالُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يُوجِبُ الْبُغْضَ.
وَالنَّهْيُ عَنِ التَّبَاغُضِ تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالتَّحَابُبِ مُطْلَقًا؛ إِلَّا مَا يَخْتَلُّ بِهِ الدِّينُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ التَّحَابُبُ، وَيَجُوزُ التَّبَاغُضُ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ اجْتِمَاعُ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وَالتَّحَابُبُ سَبَبٌ لِلِاجْتِمَاعِ، وَالتَّبَاغُضُ سَبَبٌ لِلِافْتِرَاقِ.
وَالْمَعْنَى: لَا يُبْغِضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لَا تَشْتَغِلُوا بِأَسْبَابِ الْعَدَاوَةِ؛ إِذِ الْعَدَاوَةُ وَالْمَحَبَّةُ مِمَّا لَا اخْتِيَارَ فِيهِ، فَإِنَّ الْبُغْضَ مِنْ نِفَارِ النَّفْسِ عَمَّا يُرْغَبُ عَنْهُ، وَأَوَّلُهُ الْكَرَاهَةُ وَأَوْسَطُهُ النُّفْرَةُ وَآخِرُهُ الْعَدَاوَةُ، كَمَا أَنَّ الْحُبَّ مِنَ انْجِذَابِ النَّفْسِ إِلَى مَا يُرْغَبُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا»: كُونُوا مُتَوَاصِلِينَ مُتَرَاحِمِينَ.
وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: «عِبَادَ اللهِ» -بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ- إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّكُمْ عَبِيدٌ للهِ وَمِلَّتُكُمْ وَاحِدَةٌ، وَالتَّحَاسُدُ وَالتَّقَاطُعُ وَالتَّدَابُرُ مُنَافٍ لِحَالِكُمْ، فَحَقُّكُمْ أَنْ تَتَوَحَّدُوا، وَأَنْ تَتَآخَوْا، وَأْنَ تَتَعَامَلُوا مُعَامَلَةَ الْإِخْوَةِ، وَأَنْ تَتَعَاشَرُوا بِمَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ، وَأَنْ تَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالنَّصِيحَةِ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ»؛ أَيْ: بِأَيَّامِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ الْهَجْرُ فِي ثَلَاثٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ مِنَ الْغَضَبِ فَسُومِحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ؛ لِيَرْجِعَ مِنْ ذَلِكَ الْغَضَبِ وَلِيَزُولَ ذَلِكَ الْعَرَضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَهْجُرَ فَوْقَ تِلْكَ الْمُدَّةِ.
وَهَذا فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَتْبٍ وَمَوْجِدَةٍ أَوْ تَقْصِيرٍ يَقَعُ فِي حُقُوقِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الدِّينِ؛ فَإِنَّ هِجْرَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَرِّ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ.
*حَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى إِزَالَةِ الْهِجْرَانِ، وَالتَّسَابُقِ إِلَى نَبْذِ الْخِلَافِ:
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «الصَّحِيحِ»، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ».
قَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ»: لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ»: فَلا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفُسَّاقِ الْمُدْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ.
وَالتَّحْرِيمُ هُوَ الْأَرْجَحُ؛ يَعْنِي: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.
فَهَذَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ أَنْ يَهْجُرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لِيَالٍ، إِلَّا لِمَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ مَضَرَّةَ دِينٍ أَوْ دُنْيَا.
قَوْلُهُ: «فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا»: يُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا؛ أَيْ: يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ -وَهُوَ جَانِبُهُ-.
قَوْلُهُ: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ»؛ أَيْ: هُوَ أفْضَلُهُمَا.
فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى إِزَالَةِ الْهِجْرَانِ، وَأَنَّ السَّلَامَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ، فَإِذَا سَلَّمَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْهِجْرَةِ، لِقَوْلِهِ ص: «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ».
وَفِيهِ: فَضْلُ الَّذِي يَتَسَابَقُ إِلَى نَبْذِ الْخِلَافِ، وَإِنْشَاءِ التَّآخِي فِي الدِّينِ وَإِيجَادِ التَّآلُفِ وَالتَّوَادِّ وَالْمَحَبَّةِ بِتَقْديمِ السَّلَامِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْإِزْرَاءِ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْحَطِّ عَلَيْهَا بِحَالٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَذَلَّةِ، بَلْ إِنَّ الْعِزَّ الْحَقِيقِيَّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَذَلَّةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي امْتِثَالِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ الْكَرِيمِ.
فَإِذَا خَضَعَ الْإِنْسَانُ لِدِينِ اللهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ عَزِيزًا، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ فَإِنَّها تُورِثُ الْمَذَلَّةَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي».
فَإِذَا الْتَقَى الْمُتَهَاجِرَانِ يَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، خَيْرُهُمَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَفِي دِينِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي يَبْدَأُ أَخَاهُ بِالسَّلَامِ، وَأَمَّا الشُّمُوخُ وَعِزَّةُ النَّفْسِ بِالْبَاطِلِ فَذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.
يَا للهِ الْعَجَب! إِنَّ النَّاسَ إِذَا مَا خَرَجُوا مِنْ ذَوَاتِهِمْ، وَإِذَا مَا أَخْرَجُوا ذَوَاتَهُمْ مِنْ ذَوَاتِهِمْ، وَإِذَا مَا عَادُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى هَيْئَةِ الْإِنْسَانِ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ، لَا عَلَى هَيْئَةِ الْمُسُوخِ الْمُشَوَّهَةِ، الَّتِي عَدَا عَلَيْهَا الْحِرْصُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالطَّمَعُ، فَأَصَبَحَتْ مُشَوَّهَةَ الصُّورَةِ وَمُشَوَّهَةَ الْبَاطِنِ، مُشَوَّهَةَ الْقَلْبِ وَمُشَوَّهَةَ الْقَالِبِ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَدْعُو الْأُمَّةَ لِكَيْ تَكُونَ جَسَدًا وَاحِدًا.
* الْأُمَّةُ الْيَوْمَ تَحْتَاجُ جَمِيعَ أَفْرَادِهَا أَنْ يَكُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ:
يَا جُزُرًا مُتَنَائِيَةً مُتَبَاعِدَةً، هَلُمُّوا تَقَارَبُوا، فَإِنَّ الْمَوْجَةَ عَاتِيَةٌ، وَإِنَّ الْخَطَرَ دَاهِمٌ، وَإِنَّ أَخْطَرَ مِنَ الْخَطَرِ أَلَّا يُحِسَّ مَنْ كَانَ فِي الْخَطَرِ أَنَّهُ فِي خَطَرٍ.
وَالْأُمَّةُ الْيَوْمَ تَحْتَاجُ جَمِيعَ أَفْرَادِهَا أَنْ يَكُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَجْعَلُوا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ، تَحْتَ أَحْذِيَتِهِمْ وَدَبْرَ آذَانِهِمْ، أَنْ يَجْعَلُوا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ أَحْقَادَهُمُ الصَّغِيرَةَ، وَأَطْمَاعَهُمُ الرَّدِيئَةَ، وَتَصَوُّرَاتِهِمْ الْمَرِيضَةَ، أَنْ يَعُودُوا إِلَى التَّمَسُّكِ بِشِرْعَةِ الْمَحَبَّةِ -شِرْعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ-، وَإِلَّا فَإِنَّ النَّذِيرَ قَائِمٌ مُسَلَّطٌ كَالسَّيْفِ الْمُسْلَطِ عَلَى الرِّقَابِ.
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا».
إِذَنْ، لَنْ تُحَصِّلُوا الْإِيمَانَ حَتَّىٰ تَحَابُّوا، وَلَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا، فَعَلَّقَ الْأَمْرَ عَلَى شَرْطِهِ -شَرْطُهُ الثَّانِي-، فَلَا إِيمَانَ بِغَيْرِ مَحَبَّةٍ، وَلَا دُخُولَ لِجَنَّةٍ بِغَيْرِ إِيمَانٍ، وَإِذنْ، فَمِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ: لَا دُخُولَ لِلْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ حُبٍّ.
«أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
إِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ دَاعِيَةُ مَحَبَّةٍ، فَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، دَعُوا مَرَّةً وَاحِدَةً أَحْقَادَكُمُ الصَّغِيرَةَ، وَهُمُومَكُمَ الرَّدِيئَةَ، وَتَصَوُّرَاتِكُمْ الْمَرِيضَةَ، دَعُوهَا تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَأَنَا زَعِيمٌ لَكُمْ -بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- بِانْطِلَاقَةٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ، بِفُسْحَةِ أُفُقٍ لَيْسَ لَهُ مُنْتَهَى، وَأَنَا زَعِيمٌ لَكُمْ -بِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- بِسَعَةِ رُوحٍ لَا انْتِهَاءَ لَهَا، وَأَنَا زَعِيمٌ لَكُمْ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- بِجَنَّةٍ فِي الدُّنْيَا لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ الَآخِرَةَ إِلَّا إِذَا دَخَلْتُمُوهَا.
عِبَادَ اللهِ! النبيُّ ﷺ بُعِثَ بِدِينِ السَّلَامِ، بِدِينِ الرَّحْمَةِ، بِالدِّينِ العَظِيمِ الَّذِي يُؤَلِّفُ وَيُجَمِّعُ، وَلَا يُنَفِّرُ وَلَا يُفَرِّقُ، هُوَ دِينُ الْحَقِّ دِينُ اللهِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر:نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ