((الْجَيْشُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ كُلُّ الْأُمَّةِ))
مَاذَا لَوْ تَخَلَّى الشَّعْبُ عَنْ جَيْشِهِ؟!!
أَيُّهَا الْمِصْرِيُّونَ! لَا شَكَّ أَنَّ الْأَيَّامَ الْقَادِمَةَ تُعَدُّ مُنْعَطَفًا حَادًّا خَطِيرًا فِي تَارِيخِ هَذَا الْوَطَنِ وَفِي مُسْتَقْبَلِهِ.
وَالْآنَ لِسَانُ الْمِيزَانِ يَتَذَبْذَبُ بِلَا رُجْحَانٍ بَيْنَ كِفَّتَيْنِ: فَإِمَّا اسْتِقْرَارٌ وَهَنَاءٌ، وَإِمَّا فَوْضَى وَشَقَاءٌ.
وَالَّذِي قَضَى اللهُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا إِحْدَى الْكِفَّتَيْنِ هُوَ هَذَا الشَّعْبُ نَفْسُهُ، فَإِمَّا انْتَبَهَ، وَاجْتَمَعَ، وَأَدْرَكَ الرَّكْبَ فَسَلِمَ، وَإِمَّا غَفَلَ وَاخْتَلَفَ، وَتَخَلَّفَ عَنِ الرَّكْبِ فَضَاعَ وَنَدِمَ، وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ!!
وَمِنْ حَقِّ شَعْبِنَا الْكَرِيمِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ الْإِجَابَةَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: مَاذَا لَوْ تَخَلَّى الشَّعْبُ عَنْ جَيْشِهِ؟
وَالْإِجَابَةُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ تَسْتَدْعِي الْإِجَابَةَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ تُوَضِّحُهُ، وَهُوَ: وَكَيْفَ يَتَخَلَّى الشَّعْبُ عَنْ جَيْشِهِ؟
وَالْجَوَابُ: بِأَنْ يَتْرُكَ الشَّعْبُ جَيْشَهُ بِلَا غِطَاءٍ دَاخِلِيٍّ، وَبِلَا غِطَاءٍ دَوْلِيٍّ، فَأَمَّا الْغِطَاءُ الْمَحَلِيِّ؛ فَتَخَلِّي الشَّعْبِ عَنِ الْجَيْشِ بِأَنْ يَظَلَّ الْجُنُودُ وَالضُّبَّاطُ يُوَاجِهُونَ الْمَوْتَ بِصُدُورٍ عَارِيَةٍ، وَهِمَمٍ عَاتِيَةٍ، يُضْنِيهُمُ السَّهَرُ، وَيَحُفُّهُمُ الْخَطَرُ، تَتَرَاقَصُ حَوْلَهُمْ أَشْبَاحُ عَدُوٍّ يُكَفِّرُهُمْ، وَيَسْتَبِيحُ دِمَاءَهُمْ وَيَقْتُلُهُمْ، وَيَسْعَى جَاهِدًا لِتَدْمِيرِهِمْ وَنَسْفِهِمْ.
وَيَبْقَى الشَّعْبُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ غَيْرَ مُدْرِكٍ لِحَقِيقَةِ الْأُمُورِ، يُطَالِبُ بِالْأَمَانِ، وَلَا يَبْذُلُ لِتَحْصِيلِهِ كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، وَيَطْلُبُ الْحِمَايَةَ، وَلَا يَسْلُكُ لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا سَبِيلًا!!
وَأَنْ يَبْقَى الشَّعْبُ غَيْرَ مُوقِنٍ بِأَنَّ لَهُ عَدُوًّا يُكَفِّرُهُ، وَيَسْتَحِلُّ دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، وَقَدْ تَحَالَفَ هَذَا الْعَدُوُّ مَعَ عَدُوٍّ لِلشَّعْبِ آخَرَ؛ يَطْلُبُ دِيَارَهُ وَنِيلَهُ وَأَرْضَهُ.
أَنْ يَبْقَى الشَّعْبُ مُبَدِّدًا لِوَقْتِهِ، مُنَعَّمًا بِدِفْئِهِ، طَالِبًا لِلَذَّاتِهِ، مُقْبِلًا عَلَى مَلَذَّاتِهِ، غَيْرَ مُقَدِّرٍ تَقْدِيرًا صَحِيحًا حَقِيقَةَ مَا يُبْذَلُ لِيُنَعَّمَ بِذَلِكَ؛ مِنْ أَرْوَاحٍ زَاهِقَةٍ، وَدِمَاءٍ نَازِفَةٍ، وَجِرَاحٍ نِيرَانُ آلَامِهَا مُحْرِقَةٌ، وَآثَارُ جِرَاحِهَا صَاعِقَةٌ.
أَنْ يَبْقَى الشَّعْبُ غَيْرَ مُدْرِكٍ أَنَّهُ يَخُوضُ حَرْبًا حَقِيقَيَّةً مَعَ عَدُوٍّ يَسْتَعْمِلُ كُلَّ وَسَائِلِ الْحَرْبِ الْقَذِرَةِ، مِمَّا لَا تُقِرُّهُ الشَّرَائِعُ وَلَا الْأَخْلَاقُ وَالْأَعْرَافُ.
وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ -يَعْنِي الْعَدُوُّ- يَعْتَقِدُهَا حَرْبًا مُقَدَّسَةً، تُسْتَبَاحُ فِي قُدْسِهَا الْأَنْفُسُ، وَتُرَاقُ الدِّمَاءُ، وَتُنْهَبُ الْأَمْوَالُ، وَتُهْتَكُ الْأَعْرَاضُ.
الْخَطَرُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ أَنْ يَبْقَى الشَّعْبُ غَيْرَ مُدْرِكٍ أَنَّهُ فِي خَطَرٍ، فَإِنَّهُ أَخْطَرُ مِنَ الْخَطَرِ أَلَّا يُحِسَّ بِالْخَطَرِ مَنْ هُوَ فِي الْخَطَرِ، فَإِنَّ الْخَطَرَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ أَنْ يُحِسَّ الْمَرْءُ بِأَنَّهُ فِي أَمَانٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِى هُوَ فِيهِ قَدْ أَحَاطَهُ الْخَطَرُ.
إِذَا لَمْ يَشْكُرِ الشَّعْبُ أَفْرَادًا؛ الَّذِينَ جَعَلُوا النِّعْمَةَ وَاصِلَةً إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ سَبِيلِهِمْ، إِذَا لَمْ يَشْكُرْ أَفْرَادُ الشَّعْبِ نِعْمَةَ الدِّفْءِ الَّتِي لَا يَجِدُهَا مَنْ يُجَمِّدُ الْبَرْدُ أَطْرَافَهُ، وَهُوَ سَاهِرٌ لِحِمَايَتِهِ؛ لِيَنْعَمُوا بِدِفْئِهِمْ وَنَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَشْكُرُوا نِعْمَةَ الْأَمْنِ الَّتِي يَفْقِدُهَا مَنْ يَسْتَهِينُ بِالْخَطَرِ، وَهُوَ مُتَوَقِّعٌ لِلْمَوْتِ، مُرَابِطٌ لِأَجْلِ أَمْنِهِمْ وَأَمَانِهِمْ.
إِذَا لَمْ يُحِسَّ أَفْرَادُ الشَّعْبِ ذَلِكَ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ؛ فَقَدْ تَخَلَّوْا عَنْ حُرَّاسِهِمُ السَّاهِرِينَ وَأَبْطَالِهِمُ الْمُرَابِطِينَ.
إِذَا بَقِيَتْ جُمُوعُ الشَّعْبِ مُسْتَغْرِقَةً فِي الْهُمُومِ الصَّغِيرَةِ، وَالْأَغْرَاضِ الْقَلِيلَةِ، تُبَدِّدُ طَاقَاتِهَا فِي خِلَافَاتِهَا الْقَرِيبَةِ، وَتُبَعْثِرُ جُهُودَهَا فِي مَآرِبِهَا الْيَسِيرَةِ، مُنْشَغِلَةً بِمَعَارِكِ الْحَوَارِي، تَارِكَةً سَاحَةَ النِّزَالِ الْحَقِيقِيَّةِ تَعْبَثُ فِيهَا أَشْبَاحُ الظَّلَامِ إِفْسَادًا وَتَخْرِيبًا، وَتَزْرَعُ فِي أَرْجَائِهَا الْأَحْزَانَ تَرْوِيعًا وَتَرْهِيبًا.
إِذَا بَقِيَ الشَّعْبُ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَخَلَّى عَنْ جَيْشِهِ الْمُنَاضِلِ!!
وَأَمَّا كَيْفَ يَتْرُكُ الشَّعْبُ جَيْشَهُ بِلَا غِطَاءٍ دَوْلِيٍّ، فَذَلِكَ فِي جُمْلَةٍ قَصِيرَةٍ جَامِعَةٍ: بِأَنْ يَدْعُوَ الشَّعْبُ جَيْشَهُ؛ لِيَكُونَ نَاصِرَهُ وَمُعِينَهُ فِي تَحْقِيقِ مُرَادِهِ، فَإِذَا لَبَّاهُ، وَحَقَّقَ مُرَادَهُ، وَتَحَمَّلَ مَسْئُولِيَّةَ ذَلِكَ، وَتَعَرَّضَ لِأَخْطَارِهَا، وَذَاقَ مَرَارَةَ مَخَاطِرِهَا، مَضَى الشَّعْبُ لِطِيَّتِهِ، وَقَدْ حَقَّقَ الْجَيْشُ بُغْيِتَهُ، وَتَرَكَ جَيْشَهُ يُصَوِّرُهُ أَعْدَاءُ الدِّينِ وَالْوَطَنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْغِ إِلَّا مَصْلَحَتَهُ، وَلَمْ يُرِدْ سِوَى مُرَادِهِ لَا مُرَادَ شَعْبِهِ.
إِنَّمَا يُنَاصِرُ الشَّعْبُ جَيْشَهُ فِي حَرْبِهِ وَكِفَاحِهِ بِأَنْ يَكُونَ ظَهِيرَهُ وَحِصْنَهُ، كَمَا أَنَّ جَيْشَهُ دِرْعُهُ وَسَيْفُهُ، وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إِذَا مَا دَعَاهُ لَبَّاهُ، وَإِذَا مَا طَلَبَهُ وَجَدَهُ، وَإِذَا مَا اسْتَمْهَلَهُ أَمْهَلَهُ، وَإِذَا مَا اسْتَنْظَرَهُ أَنْظَرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ جَيْشِهِ بُنْيَانًا مَرْصُوصًا، فَلَا يَجْرُؤُ حَاقِدٌ وَلَا مُعَادٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْجَيْشَ صَنَعَ لِنَفْسِهِ، وَلَا صَنَعَ شَيْئًا بِنَفْسِهِ، بَلْ هُوَ فِي خِدْمَةِ شَعْبِهِ، وَرَهْنَ إِشَارَتِهِ وَأَمْرِهِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ وَهُوَ: مَاذَا لَوْ تَخَلَّى الشَّعْبُ عَنْ جَيْشِهِ، فَتَرَكَهُ بِلَا غِطَاءٍ مَحَلِيٍّ وَلَا غِطَاءٍ دَوْلِيٍّ؟
فَالْجَوَابُ هُوَ: خَرَابُ الْبِلَادِ، وَإِفْسَادُ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْدَاءَ يَتَرَبَّصُونَ كُلَّهُمْ مُنْتَظِرِينَ مَا تُسْفِرُ عَنْهُ الْأَيَّامُ الْمُقْبِلَةُ، وَهُمْ جَادُّونَ فِي مُؤَامَرَاتِهِمْ؛ لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى فِي الْبِلَادِ.
إِنَّ الْجَيْشَ الْمِصْرِيَّ هُوَ حَائِطُ الصَّدِّ الْبَاقِي دُونَ إِنْفَاذِ الْمُخَطَّطِ الصُّهْيُونِيِّ الصَّلِيبِيِّ التُّرْكِيِّ الْقَطَرِيِّ الْحَمَاسِيِّ الْإِخْوَانِيِّ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالتَّخَلِّي عَنْهُ دَاخِلِيًّا أَوْ خَارِجِيًّا خِيَانَةٌ لِلدِّينِ وَخِيَانَةً لِلْوَطَنِ.
إِنَّ الْأَيَّامَ الْقَادِمَةَ أَيَّامٌ حَاسِمَةٌ، لَا فِي تَارِيخِ مِصْرَ وَمُسْتَقْبَلِهَا وَحْدَهَا، بَلْ فِي تَارِيخِ وَمُسْتَقْبَلِ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ كُلِّهَا.
وَالنَّتِيجَةُ إِمَّا أَنْ تَنْحَسِرَ مَوْجَاتُ التَّآمُرِ، وَأَنْ تَنْحَسِرَ مَوْجَاتُ الْإِرْهَابِ عَنِ الْمَنْطِقَةِ كُلِّهَا، وَإِمَّا أَنْ يَنْهَارَ حَائِطُ الصَّدِّ الْبَاقِي -سَلَّمَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ-، وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ التَّفْتِيتُ، بِإِنْفَاذِ (مُخَطَّطِ بِرْنَارَد لِويس) لِتَفْتِيتِ الْعَالِمِ الْإِسْلَامِيِّ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ.
وَكُلُّ مَا تَرَاهُ وَمَا لَا تَرَاهُ، وَكُلُّ مَا تَعْلَمُهُ وَمَا لَا تَعْلَمُهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ الْوُصُولِ إِلَى إِنْفَاذِ هَذَا الْمُخَطَّطِ.
وَ(بِرْنَارَد لِوِيس) هُوَ مُسْتَشْرِقٌ بِرِيطَانِيُّ الْأَصْلِ، يَهُودِيُّ الدِّيَانَةِ، صُهْيُونِيُّ الِانْتِمَاءِ، أَمْرِيكِيُّ الْجِنْسِيَّةِ، وَهُوَ صَاحِبُ أَخْطَرِ مَشْرُوعٍ فِي الْقَرْنِ الْمَاضِي -وَمَا زَالَ مُمْتَدًّا مُسْتَمِرًّا- لِتَفْتِيتِ الْعَالِمِ الْعَرِبِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ مِنْ بَاكِسْتَانَ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَقَدْ نَشَرَتْهُ ((مَجَلَّةُ وَزَارَةِ الدِّفَاعِ الْأَمْرِيكِيَّةِ)).
انْتَبِهُوا -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ حَائِطَ الصَّدِّ الْبَاقِي الْيَوْمَ هُوَ الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ.
يَا أَيُّهَا الشَّعْبُ! إِنَّ أَيَّامَكَ الْمُقْبِلَةَ أَيَّامٌ حَاسِمَةٌ -نَسْأَلُ اللهَ فِيهَا السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.
فَنَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يَحْفَظَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ جَيْشَهَا وَأَمْنَهَا، وَأَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا، وَأَنْ يَرُدَّ عَنْهَا كَيْدَ الْكَائِدِينَ وَمَكْرَ الْمَاكِرِينَ، وَتَآمُرَ الْمُتَآمِرِينَ.
إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر:حِمَايَةُ الْأَوْطَانِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ