آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ


آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

* مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ يَتَبَيَّنُ:

أَنَّنَا نُفَرِّطُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُصُولِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْخَبْطِ وَالْخَلْطِ وَالتَّعَثُّرِ إِنَّمَا هُوَ بِذُنُوبٍ لَا نَدْرِيهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِهِمْ، وَقَامَ فِي قُلُوبِهِمُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَّا مَنْ وَصَلَهُ، وَأَنْ مَنْ قَطَعَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْدَأَهُ بِإِحْسَانِهِ، وَيَحْسَبُ أَنَّهُ بذَلِكَ مِمَّنْ يَصِلُ الرَّحِمَ، فَإِذَا رُوجِعَ يَقُولُ: أَنَا أَصِلُهُ وَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ الزِّيَارَةَ إِلِيَّ، وَأَنَا أُعْطِيهِ وَهُوَ يَحْرِمُنِي، فَحِينَئِذٍ انْقَطَعْتَ عَنْهُ، هَذَا كَمَا تَرَى إِنَّمَا يُرِيدُ الْمُكَافَأَةَ وَلَا يُرِيدُ الصِّلَةَ؛ لِأَنَّهُ «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».

وَهَذِهِ الصِّلَةُ لِلْأَرْحَامِ وَاجِبَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَثِمَ، بَلْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ، بَلْ أَتَتْهُ الْعُقُوبَةُ سَرِيعةً فِي الدُّنْيَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ فِي الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ».

وَهُوَ سَبَبُ لِعَدَمِ نُزُولِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْجَدْبِ وَالْمَصَائِبِ بِالْأُمَّةِ، إِذَا تَفَشَّتْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ بَيْنَ أَبْنَائِهَا، فَهَذَا كُلُّهُ -كَمَا تَرَى- مِنَ الْأُصُولِ الْجَلِيلَةِ فِي دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

* قَدْ يَحْسَبُ الْمَرْءُ أَنَّهُ مُحْسِنٌ وَهُوَ مُسِيءٌ؛ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُحْسِنٌ عِنْدَمَا يَنْظُرُ إِلَى الْأُمُورِ بِالنَّظْرَةِ الَّتِي لَا تَمُتُّ إِلَى الشَّرْعِ بِصِلَةٍ، فَيُدْخِلُ عِزَّةَ النَّفْسِ وَكَرَامَتَهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَيَحْسَبُ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ هِيَ الْمُكَافَأَةُ، وَأَنَّهُ إِذَا وَصَلَ ذَا رَحِمٍ فَلَمْ يَصِلْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ، هَذَا لَيْسَ بِوَاصِلٍ هَذَا رَجُلٌ مُكَافِئٌ، هَذَا يُرِيدُ عَلَى الْإِحْسَانِ إِحْسَانًا الْوَاصِلُ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ص.

* أَيْضًا: نُفَرِّطُ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْكَرِيمِ الَّذِي أَمَرنَا فِيهِ الرَّسُولُ بِتَتَبُّعِ الْقَرَابَاتِ، وَأَنْ نَحْفَظَ الْأَنْسَابَ، وَأَنْ نَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَى أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ نَصِلَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ، وَأَنْ نَجْتَهِدَ فِي وَصْلِ تِلْكَ الْأَرْحَامِ الَّتِي قُطِّعَتْ.

 وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْأَصْهَارُ أَيْضًا؛ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَكُونُ فِي الْأُصُولِ، وَتَكُونُ فِي الصِّهْرِيَّةِ أَيْضًا، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِوَصْلِهِ، فَقَطَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَيُرِيدُونَ -مَعَ ذَلِكَ- أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مُوَفَّقًا فِي الْحَيَاةِ: فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، أَوْ تَحْصِيلِ رِزْقٍ، أَوْ عَافِيَةٍ بِبَدَنٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطْلُبُهُ، وَمَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

فَإِذَا ضُيِّقَ عَلَى الْإِنْسَانِ في الرِّزْقِ فَلْيَتَتَبَّعْ أَرْحَامَهُ بِالصِّلَةِ يُوَسِّعِ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ص، بَلْ وَيَنْسَأُ لَهُ فِي أَثَرِهِ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.

 ((آثَارُ صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ))

*من الآثار الحميدة لصلة الرحم على الفرد في الدنيا والآخرة: أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تُقَرِّبُ الْعَبْدَ مِنَ الْجَنَّةِ وَتُبَاعِدُهُ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّ مَنْ وَصَلَ الرَّحِمَ؛ وَصَلَهُ اللهُ -يَعْنِي: رَاعَى حُقُوقَهُ وَوَفَّاهُ ثَوَابَهُ-، وَأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِبَسْطِ الرِّزْقِ وَسَعَتِهِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ.  

وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يُصِيبُ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ بِشَرٍّ، وَلَا يُخْزِيهِ أَبَدًا كَمَا فِي قَوْلِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لِلنَّبِيِّ : ((لَا وَاللهِ، لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا)).

فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَوَصَلَ أَهْلَهُ، أَيْ: قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؛ فَازَ بِهَذِهِ الْفَضَائِلَ الْعَظِيمَةَ، وَمِنْهَا الْبَسْطُ فِي الرِّزْقِ، فَيَكُونُ مَسْتُورَ الْحَالِ مَكْفِيًّا، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ، وَبَارَكَ اللهُ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ، وَهُوَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكَذَلِكَ أَحَبَّهُ أَهْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَاصِلِينَ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ.

*صِلَةُ الرَّحِمِ سَبَبٌ فِي سَعَادَةِ الْمُجْتَمَعِ وَتَمَاسُكِ بُنْيَانِهِ:

عِبَادَ اللهِ؛ بِصِلَةِ الرَّحِمِ تَصْلُحُ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَيَحْصُلُ التَّآلُفُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ فِي النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ الْأَقَارِبُ بِالْجِوَارِ وَالْأَصْحَابُ، فَالْمُجْتَمَعُ لَا يَكُونُ سَعِيدًا إِلَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِهِ التَّوَاصُلُ وَالتَّوَادُّ وَالتَّرَاحُمُ وَالْمَحَبَّةُ الشَّرْعِيَّةُ.

وَأَمَّا الْقَطِيعَةُ فَكُلُّهَا شَرٌّ، وَالِانْتِقَامُ لِلنَّفْسِ كَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى شَرٍّ كَبِيرٍ، وَالصَّبْرُ وَالتَّرَاضِي ثَمَرَاتُهُ طَيِّبَةٌ، وَعَوَاقِبُهُ حَمِيدَةٌ.

وَقَدْ قِيلَ: اصْبِرْ وَصَابِرْ تُدْرِكِ الْمَكَارِمَ.


 

المصدر :صِلَةُ الرَّحِمِ وَأَثَرُهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اللهُ لَا يُخْزِي مَنْ يُسَاعِدُ النَّاسَ
  المَوْعِظَةُ الْعِشْرُونَ : ((فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))
  مَتَى فُرِضَتِ الزَّكَاةُ؟
  فَوَائِدُ الزَّكَاةِ
  الِاجْتِمَاعُ وَالْأُخُوَّةُ الصَّادِقَةُ مِنْ عَوَامِلِ بِنَاءِ الدُّوَلِ
  عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
  خَوَارِجِ الْعَصْرِ وَتَفْجِيرُ الْمَسَاجِدِ!!
  حَثُّ اللهِ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ
  الدرس الثاني والعشرون : «مَعَانِي الإِيثَارِ فِي الإِسْلَامِ»
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  مَنْزِلَةُ الْعَقْلِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  حُبُّ الوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  وُجُوبُ الْتِزَامِ النِّظَامِ الْعَامِّ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ
  الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ سَادَةُ الدُّنْيَا بِالْإِسْلَامِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان