تفريغ مقطع : حكم زيارة النساء للقبور وضوابطها وآدابها
((حكم
زيارة النساء للقبور وضوابطها وآدابها))
زيارةُ
القبورِ للنساء في رجب وفي غير رجب:
فهو
أمرٌ اختلفَ فيه أهلُ العِلم:
*فقال
بعضُهم بتحريمهِ، وحرَّموا على النساءِ أنْ يخرجنَ إلى المقابرِ بكلِّ حال،
حرَّموا على الشَّوابِّ وغيرِهن أن يخرجُنَ إلى المقابر لا في رجب ولا في غيرِ
رجب، هو عند كثيرٍ من أهلِ العلم: حرامٌ حرامٌ حرام.
*وأما
آخرون؛ فقالوا:
إنّ زيارة النساء للمقابر مبنيٌّ على التفصيل، فإنْ وقعت زيارةُ المقابرِ من
المرأةِ الشَّابةِ التي يُخشَى منها الفتنة أو من المرأةِ العجوزِ الدردبيس
الحيزبون وإنْ كانت لا تُخشَى منها فتنة غير أنها تأتي بما يُنافي الشرع عند
المقابر من لطْمِ الخدودِ وشقِّ الجيوبِ والدعوةِ بالوَيْلِ والثُّبور والإتيانِ
بالشِّركِ الصريحِ أو غيرِ الصريح، فقد نهى العلماءُ عن ذلك في حقِّ كُلٍّ.
وقالوا: إذا لم تَكن الفتنةُ
طارئةً في زيارةِ المرأةِ غير الشابةِ للقبورِ مع الالتزامِ بالآدابِ الشرعيةِ
للزيارة: مِن استئذان الزوجِ أو الوليِّ إنْ كانت غيرَ ذي زوجٍ، ثم خروجِها بعد
ذلك على الهيئةِ الشرعيةِ من السَّتْرِ والعِفَّةِ والتَّحَصُّنِ، وفي وقتٍ لا
يَتعرضُ لها فيه أحدٌ من أهلِ الفسقِ والزَّيْغِ، ثم لا تأتي هناك إلا بما يُرضي
اللهَ –ربَّ العالمين-؛ من
الاتعاظِ بالموتِ وجلالهِ وسكونهِ وخشوعهِ، وما يجعلهُ اللهُ –ربُّ العالمين- في
المقابرِ من الأمورِ الشديدةِ التي تُذَكِّرُ بأمرِ الآخرة، إذا كان الأمرُ
مَبنيًا على مراعاةِ الآدابِ الشرعيةِ الصحيحةِ؛ فالمرأةُ لها أنْ تخرجَ إلى
المقبرةِ زائرةً بتلك الشروط.
إلَّا
أنَّ العلماءَ ذهبوا إلى حديثٍ رواهُ أحمد –رحمةُ الله عليه- في ((مسنده))،
يقول فيه النبي –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-: ((لعنَ اللهُ زائرات القبور
والمُتخذينَ عليها المساجدَ والسُّرُج)).
بهذا
اللفظ ((زائرات)) على اسم الفاعل، إلَّا أنَّ العلماءَ يقولون: إنه بهذا اللفظ
ضعيف.
والذي
صحَّ إنما هو: ((لعنَ اللهُ زوَّاراتِ القبور))
على المبالغة وكثرةِ التَّردادِ في الزيارة، فيقولُ العلماءُ –رحمة الله عليهم-:
لعَنَ النبيُّ –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم- الزوَّارات ولم يلعن الزائرات، فإذا أتت الزيارةُ على النُّدرة من غير
تحديدِ موعد؛ لا في طلعةِ رجب ولا في الخميس الأولِ منه ولا في نِصف شعبان ولا في
العيد ولا في أولِ رمضان، وإنما تأتي كما يُقدِّرُ اللهُ –ربُّ العالمين- أن تأتيَ؛ لأنها
يُمكن –أي: الزيارة- أن تكون
في كلِّ حينٍ وحال ما التزم الإنسانُ بالشروطِ الشرعيةِ الواردةِ في آدابِ زيارةِ
القبور.
إذا
جاءت المرأةُ بتلك الشروط، ولم تكن مُكثرةً للتردادِ على المقابرِ، ولم يأت منها
ما ينافي الآدابَ الشرعية، وكانت ملتزمةً بآدابِ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- التي
وضَّحَها لنا في مسألةِ زيارةِ القبور؛ فلا حَرَج، لقولِ النبيِّ -–صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-: ((كنتُ قد نهيَتكم عن زيارةِ القبور،
ألا فزوروها فإنها تُذَكِّرُ الآخرة)).
ومعلومٌ
أنَّ أَمْرَ التَّذْكرة –تَذكرة الآخرة- مطلوبٌ
للرجلِ وللمرأة على السواء، وربما كان في بعض الأحايين مطلوبًا للمرأةِ على وجهِ
الكَثْرَة.
وعائشةُ
–رضوان الله عليها- كما
يروي عنها عبد الله بن أبي مُليْكَة؛ قال: لمَّا عادت من زيارةِ القبور، قلتُ:
أليس نهَى النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
عن زيارةِ القبور.
قالت عائشة –رضوان الله عليها-: ((بلى؛ كان النبي –صلى
الله عليه وسلم- نهى عن الزيارةِ ثم رخَّصَ فيها بعدُ)).
تقصدُ
حديثه –صلى الله عليه وسلم-: ((كنتُ قد نهيَتكم عن زيارةِ القبور، ألا فزوروها فإنها
تُذَكِّرُ الآخرة)).
بل
إنَّ في الحديثِ أنَّ عائشةَ –رضوان الله عليها-
قالت للنبي –صلى الله عليه وسلم-:
يا رسول الله؛ ما أصنعُ إذا أنا زُرتُ القبور، أو ما أقولُ إذا أنا زُرت القبور.
فعَلَّمَها
الدعاءَ المشهور –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-.
ولو
كانت زيارتُها للقبورِ حرامًا؛ ما عَلَّمَها الدعاء ولنَهَاها عن الزيارةِ صراحةً
لا ضِمنًا –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-.
أيضًا
كان النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
في المقابرِ في ((البَّقيع))، فمَرَّ على امرأةٍ عند قبرٍ تبكي، فقال لها: ((يا أَمَةَ اللهِ اتقِّ اللهَ واصبري)).
ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنَّ الزيارةَ لو كانت حرامًا
ممنوعة؛ ما أقرَّها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
على الجلوس؛ لأنه ليس في الحديثِ نهيٌ عن بقائهِا عند المقبرة، وإنما نهاها
النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
عن الجَزَع ودعاها وأمرها بالصبر –صلى
الله عليه وسلم-، فقال: ((يا أَمَةَ اللهِ اتقِّ
اللهَ واصبري)).
على الجُملة:
فزيارةُ المرأةِ للمقابرِ في غيرِ أوقاتٍ مُعيَّنة، وبالآدابِ الشرعيةِ المرعيةِ،
التي بيَّنَها لنا النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
لا حَرَجَ فيها.
وأمَّ
إذا كانت في أوقاتٍ مخصوصة؛ فهي بدعةٌ قبيحةٌ في دينِ الهِ –ربِّ العالمين-، وإذا
كانت كما يفعلُ النسوةُ اليوم، فهي مُحَرَّمَةٌ بيقين، لأن ما يتأتى من الأمور
المُحَرَمَّةِ في المقابر من النَّدبِ والصياحِ واللطمِ والاختلاطِ بين الرجالِ
والنساء، وبخاصةٍ أنهنَّ لا يحلو لهن الخروج إلا بغَلَس عندما لا يستبينُ الإنسانُ
في فجرِ يومٍ من الأيامِ المُعيَّنة كَفَّهُ؛ يخرُجن حاسراتٍ سافراتٍ مُتبرجات؛
كأنهن قد ذهبن إلى مواعدةِ حبيب، لا إلى زيارةِ قبرٍ حَفَّت به بلايا ورزايا وربما
أهوال لا يعلمُها إلا اللهُ –ربُّ العالمين-، فلا
يُحِدثُ لهن جَزَعًا ولا تذُّكرًا، وإنما هي سياحةٌ داخلية بين المقابر التي أصبحت
اليوم كأنها مدينةٌ مِن مدائنِ الملاهي –وإنَّا
للهِ وإنَّا إليه راجعون-.
على الجُملةِ وخلاصةُ القول عباد الله: فإنه ينبغي علينا أنْ
نُعظِّمَ شعائرَ اللهِ –ربِّ العالمين-، وشهرُ
رجب من شعائرِ اللهِ –ربِّ العالمين-؛ لأنه
من الأشهرِ الحُرُم، فينبغي على الإنسان ألا يواقعُ فيه منكرًا ولا حرامًا وأن
يتقيَ اللهَ –ربَّ العالمين- في هذا
الشهرِ الكريم، فيلتزمَ الجادَّة ويسيرَ على الصواب خلفَ النبيِّ المُهاب –صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-.
وعلينا
أن نجتهدَ في نفي البدعة عن أنفسِنا وعمن جعلهُ اللهُ –ربُّ العالمين- في أعناقِنا وتحت
أيديِنا مما جعل اللهُ لنا وَلايةً عليه؛ من زوجةٍ أو أختٍ أو أُمٍّ أو خالةٍ أو
بنتٍ أو ما أشبه، فينبغي علينا أنْ نمنعهن مما منعَ منه النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-
ومما منعَ منه اللهُ –ربُّ العالمين-، لأنَّ
الرجلَ يوم القيامة عندما يرى الرجلَ في النار كان يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن
المنكر، ثم لا يأتي منه كَفٌّ عن المنكرِ الذي ينهى عنه، ولا يأتي منه فِعْلٌ
للمعروفِ الذي يأمرُ به بين الناس، ثم يَدَعُ خاصةَ بيتهِ، وخاصةَ أهلهِ يواقعون
الحرامَ تحت سمعهِ وبصرهِ، يلعنهُ اللهُ –ربُّ العالمين- كما لعنَ بني
إسرائيل؛ إذ كانوا لا يتناهَون عن منكرٍ فعلوه -نسأل الله السلامة والعافية-،
والأمرُ أمرُ أعراض، فينبغي على الإنسان إذا لم يكن يفعلُ ذلك ديانةً، فليفعله
فحولةً ورجولة.
نسأل
اللهَ –تبارك وتعالى- أن
يُقيمنا على شرعهِ الأغَرِّ حتى نلقاه.
التعليقات
مقاطع قد تعجبك