تفريغ مقطع : عقوبات أخروية وعقوبات دنيوية للخارج على الإمام
((عقوبات أخروية وعقوبات دنيوية
للخارج على الإمام))
رتَّب الشارع الحكيم عقوبات صارمة منها ما هو
أخروي ومنها ما هو دنيوي:
فأما العقوبة الأخروية فمن ذلك:
*أنَّ المفارق للجماعة قد خلع رِبقةَ الإسلامِ من
عنقهِ؛ والمعنى أنَّ الإسلام كالطوق في العُنق، فإذا فارق المسلمُ جماعةَ المسلمين؛
انفلت الطَّوْقُ الذي كان محفوظًا به وأصبح كالدابةِ التي انفلتت من زِمامها؛
فكانت عُرضةً للهلاك والضياع، دليلُ ذلك: حديث الحارثُ الأشعري -رضي الله عنه- أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من خرجَ من
الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقةَ الإسلام من عنقه إلى أن يرجع )). أخرجه
أحمد في ((المسند)) وهو حديث صحيح.
((ومن مات خارجًا عن الطاعة مات ميتة جاهلية)):
كحال أهل الجاهلية، جاء ذلك في عدة أحاديث صحيحة فتقدم منها حديث ابن عباس ومنها
حديث ابن عمر: ((من خلع يدًا من طاعة؛ لقيَ اللهُ
يوم القيامة لا حُجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتةً جاهلية)).
أخرجه مسلم.
عن معاوية -رضي الله عنه- يرفعه: ((من مات بغيرِ إمام مات مِيتةً جاهلية )). أخرجه
أحمد.
*وأنَّ من فارق الجماعة فإنه لا يُسأل عنه؛ بمعنى أنه
من الهالكين لحديث فَضَالة بن عبيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ثلاثةٌ لا تَسألُ عنهم؛ رجلٌ فارقَ الجماعةَ وعصا إمامَهُ
وماتَ عاصيًا))؛ كأولئك اللذين ولَّوا الأدبار وانتشروا في الأرضِ
كالخلايا السرطانية في جسدِ الأمة؛ فمنهم من هو في قَطر ومنهم من هو في السودان ومنهم
مَن هو في تركيا إلى غير تلك الديار التي آوت المُحْدِثين والنبي -صلى الله عليه
وسلم- يقول: ((لعنَ اللهُ من آوى مُحدِثًا)).
فتتنزل اللعناتُ عليهم بدعوةِ رسول الله -صلى الله
عليه و آله و سلم-، رجلٌ فارق الجماعة وعصا إمامه ومات عاصيًا.
*الخارج على الإمام لا حُجة له يوم القيامة، لا حجة
له في فِعله ولا عذر له ينفعه، فهذا من العقوبة الأخروية للذي يخرج على الإمام.
وأما العقوبة الدنيوية:
*فهي القتل إنْ أصرَّ على هذا الجُرم ولم يرجع عنه؛
لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه ستكون
هَنَاتٌ وهنات، فمن أراد أن يُفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائنًا
من كان))، وفي روايةٍ: ((فاقتلوه))،
وفي روايةٍ: ((من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجلٍ
واحد يريد أنْ يشقَّ عصاكم أو يُفرقَ جماعتكم فاقتلوه)).
أخرجه مسلم في الصحيح عن عرفجة الأشجعي -رضي الله عنه-.
والقتلُ إنما يكون بيدِ ولي الأمر أو من يُنيبه في
ذلك، لا تُطلَق أيدي الناس في دماء الناس ولا في أبشارهم.
قال النووي -رحمه الله-:
((فيه الأمر بقتال من خرج عن الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين أو نحو ذلك ويُنهى
عن ذلك، فإن لم ينتهي قُوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتلهِ؛ فقُتل؛ كان هدرًا)).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
((دلَّت الألفاظُ على أنَّ مَن خرج على إمامٍ قد اجتمعت عليه كلمةُ المسلمين -والمراد
أهل قُطرٍ- فإنه قد استحق القتل؛ لإدخالهِ الضررِ على العباد)).
هذا إذا خرج عليه.
وأما المُثَبِّطُ عن الإمام فقد ألحق به علماء الأمة
عقوبةً تتناسب مع حجم تثبيطه:
إذ التثبيطُ عن الإمام مقدمة للخروج عليه وقد مرَّ
حكم الخروج عليه وعقوبة الخارج، فكل وسيلة أدت إلى الخروج فهي وسيلة سوء تستحق
عقوبةً ملائمةً لسوءِ الخروج نفسه.
قال الشوكاني -رحمه الله-:
((الواجب دفعُهُ -يعني المُثبط عن الإمام- الواجب دفعه عن هذا التثبيط فإن كفَّ
وإلا كان مستحقًا لتغليظِ العقوبة والحيلولةِ بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط
بحبسٍ أو غيرِه؛ لأنه مرتكبٌ لمُحرَّمٍ عظيم وساع في إثارة فتنة تُراق بسببها
الدماء وتهتُّك عندها الحُرُم، وفي التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام)).
هذا هو منهاجُ النبوة، هذا هو منهجُ السلف، هذا ما عليه
أهلُ السُّنة والجماعة دون ما عليه أهل الأهواء من الفِرق الضالة والجماعات
المنحرفة وهؤلاء الشياطين من شياطين الإنس الذين يجتالون أهل الحقِّ عن حقِّهم
ويحرفونَ المسلمينَ عن صراطهم.
فعلى كل مسلم أنْ يتعلمَ هذا وأنْ يعيَه، وأنْ يجتهدَ
في تحقيقه، فإنَّ للإمام عليك حقًا أحقه الله -رب العالمين- عليك، وبيَّنه لك
رسوله -صلى الله عليه و آله وسلم-، وما عُرف هذا الاستهتار في معاملة الأئمة إلا
لما ظهرت تلك الجماعةُ الضالة الماسونية المنحرفة -جماعة الإخوان المسلمين-، فهي التي
جَرَّأت المسلمين على الخروجِ على الأئمة، وهي التي سعت إلى إحداثِ الفوضى في
الأرض، حتى وقع ما وقع في مصر ومازالت آثارهُ قائمة، ووقع ما وقع في ليبيا -سلمها
الله من كل سوء-، ووقع ما وقع في سوريا، حتى إنَّ بعضَ المراقبين يقول :إن الذين قُتلوا
تجاوزوا المليون من السوريين مع من اُنتهك من الأعراض ومع ما دُكَّ من البلدان؛ سُوِّيت
بالأرض، ومع ما شُرِّدَ وهُجِّر؛ وقد بلغوا سبعة ملايين، ومع ما وقع في اليمن من
تقسيمها إلى ست دويلات.
فماذا تنتظرون؟
خذوا على أيديهم، كونوا حازمين، كونوا حاسمين؛ وإلا
ضاع وطنُكم وضِعتم، ودُمِّرت مكاسبُ الإسلام في مصر على مدار أربعة عشر من الزمان،
ومصرُ –حَفِظَها-
اللهُ هي واسطةُ العِقْدِ وحائطُ الصَّدِ، فإنْ انهارَ هذا الحائطُ انهارت الأمةُ
إلا ما رَحِم ربك.
فاللهم سلِّمنا وسلِّم أوطاننا وجميع أوطان المسلمين
وعليك بالخوارج الضالين المضلين.
اللهم أحصهم عددًا وأهلكهم بددًا ولا تُبقي منهم أحدًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
التعليقات
مقاطع قد تعجبك