مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ

مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ

((مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ))

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ »

فَإنَّ نِعَمَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-عَلَى عِبَادِهِ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَأَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: أَنْ بَعَثَ فِيهِمْ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ وَخَلِيلَهُ وَحَبِيبَهُ وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدًا ؛ لِيُخْرِجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيَنْقُلَهُمْ بِهِ مِنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ لِلْمَخْلُوقِ إِلَى عِزِّ الْعُبُودِيَّةِ لِلْخَالِقِ الْكَرِيمِ، وَيُرْشِدَهُمْ إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ، وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ سُبُلِ الْهَلَاكِ وَالشَّقَاوَةِ.

وَقَدْ نَوَّهَ اللهُ تَعَالَى بِهَذهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْمِنَّةِ الْجَسِيمَةِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].

وَقَد قَامَ ﷺ  بِإبلَاغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأمَانَةِ وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَدَلَّ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَليْهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ  ﷺ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ  حَرِيصًا عَلَى سَعَادَةِ الْأُمَّةِ غَايَةَ الْحِرْصِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى مُنَوِّهًا بِمَا حَبَاهُ اللهُ بِهِ مِنْ صِفَاتٍ جَلِيلَةٍ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

وَهَذَا الَّذِي قَامَ بِهِ ﷺ مِنْ إِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ هُوَ حَقُّ الْأُمَّةِ عَليْهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليْهِ-، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين} [النور: 54].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35].

وَرَوَى البُخَارِيُّ فِي «صَحِيحِهِ» عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَليْنَا التَّسْلِيمُ».

وَعَلَامَةُ سَعَادَةِ المُسْلِمِ: أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيَنْقَادَ لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، كَمَا قَالَ-جَلَّ وَعَلَا-  : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. 

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

((مُحَمَّدٌ  ﷺ  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ))

عِبَادَ اللهِ! إنَّ مَنْ سَبَرَ أَحْوَالَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ فَإِنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الرَّحْمَةَ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ-، وَمَنْ سَبَرَ أَحْوَالَهُمْ؛ وَجَدَ الرَّحْمَةَ مِنْ أَخَصِّ أَوْصَافِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ الَّتِي كَانَتْ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَلَهُ مِنْهَا الْحَظُّ الْأَوْفَى.

فَإِنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ لِذَلِكَ، كَمَا قَالَ-جَلَّ وَعَلَا- : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]

وَلَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ مِنْ سِيرَتِهِ وَسُنَّتِهِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَمَا جَاءَ عَنْهُ مِنَ الْأَمْرِ بِهَا، وَالْحَثِّ عَلَى امْتِثَالِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ يَعْسُرُ حَصْرُهُ وَاسْتِقْصَاؤُهُ؛ لِذَلِكَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْدَانُ، قَالَ رَبُّنَا-جَلَّ وَعَلَا- : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]

وَقَدْ شَهِدَ لَهُ ﷺ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ شَهِدَوا لَهُ بِأَنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ.

فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، قَالَ: «خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ-يَعْنِي: فِي صِبَاهُ- فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ.

قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟

فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ العَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ حَجَرٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ». الْحَدِيثَ.

أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيحِ السِّيرَةِ».

*نَبِيُّنَا ﷺ عَلَّمَ الدُّنْيَا الرَّحْمَةَ:

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ سَبَبَ رَحْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَرْحَمَ الْإِنْسَانُ خَلْقَ اللهِ-جَلَّ وَعَلَا-، فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَبْصَرَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ.

فَقَالَ: إِنَّ لِي مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةً مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «إنه مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ؛ يَعْنِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي «الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ».

فَكُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ الرَّحْمَةِ فِي نَفْسِهِ ﷺ ، حَتَّى كَانَتْ دَيْدَنُهُ فِي الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ، وَلِكَمَالِ رَحْمَتِهِ وَلِينِهِ وَرِفْقِهِ؛ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُ الْعِبَادِ وَالْتَفَتَ حَوْلَهُ أَبْدَانُهُمْ، وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ مِنْ أَذَى النَّاسِ الشَّيْءَ الْعَظِيمَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِمُ، بَلْ وَلَا يَضْجَرُ، فَرَحْمَتُهُ تَسْبِقُ غَضَبَهُ ﷺ.

فَهُوَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ دَاعٍ إِلَى الرَّحْمَةِ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

 ((رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالصِّغَارِ))

*حَثَّ النَّبِيُّ   الْكَبِيرَ أَنْ يَرْحَمَ الصَّغِيرَ:

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ  قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ ﷺ: «فَلَيْسَ مِنَّا»: أَيْ: لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا.

فِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَوُجُوبِ الرَّحْمَةِ، مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ لِبَعْضٍ، وَمِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يُوَقِّرَ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، لِوُجُودِ حُسْنِ الْخُلُقِ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ عَقَلَ مَا لَا يَعْقِلُ الصَّغِيرُ، وَعَلِمَ مَا لَا يَعْلَمُ الصَّغِيرُ.

*مِنْ رَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْأَطْفَالِ: مُضَاحَكَتُهُمْ وَمُمَازَحَتُهُمْ، وَاعْتِنَاقُهُمْ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ:

عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ، وَدُعِينَا إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا، يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ فِي ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ اعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ».

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَلَكَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

قَوْلُهُ: «سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ»: «السَّبْطُ»: الْأُمَّةُ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْخَيْرِ، وَالْأَسْبَاطُ فِي أَوْلَادِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبَائِلِ فِي وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَحَدُ الْأَسْبَاطِ «سِبْطٌ»، وَهُوَ وَاقِعٌ عَلى الْأُمَّةِ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ.

«سِبْطَانِ»: «السِّبْطُ»: وَلَدُ الْبِنْتِ، مَأْخَذُهُ مِنَ «السَّبَطِ» بِالْفَتْحِ وَهِيَ شَجَرَةٌ لَهَا أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ وَأَصْلُهَا وَاحِدٌ، كَأَنَّ الْوَالِدَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ، وَكَأَنَّ الْأَوْلَادَ بِمَنْزِلَةِ الْأَغْصَانِ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: «السِّبْطُ»: الْأُمَّةُ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْخَيْرِ.

قَالَ الْقَاضِي: «السِّبْطُ»: وَلَدُ الْوَلَدِ؛ أَيْ: هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ.

حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَسْرَعَ ﷺ  أَمَامَ الْقَوْمِ، ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ: يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَ الْحُسَيْنَ مِنَ الْحَرَكَةِ.

فِيهِ: تَوَاضُعُ النَّبِيِّ ﷺ  وَشَفَقَتُهُ وَرَحْمَتُهُ بِالْأَطْفَالِ.

فِيهِ: صِلَتُهُ بِأَرْحَامِهِ.

«جَعَلَ الْغُلَامَ يَمُرُّ مَرَّةً هَاهُنَا وَمَرَّةً هَاهُنَا»: أَيْ: يُحَاوِلُ الْفِرَارَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فِيهِ: مُضَاحَكَةُ الصَّبِيِّ وَمُمَازَحَتُهُ وَاعْتِنَاقُهُ وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ.

فِي الْحَدِيثِ: اسْتِحْبَابِ مُلَاطَفَةِ الصِّبِيِّ، وَاسْتِحْبَابِ مُدَاعَبَتِهِ رَحْمَةً لَهُ وَلُطْفًا بِهِ، وَبيَانُ خُلُقِ التَّوَاضُعِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ.

فَهَذا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ ﷺ مَعَ عَظِيمِ مَسْئُولِيَّتِهِ، وَمَعَ جَلِيلِ مَا نَاطَهُ اللهُ تَعَالَى بِعُنُقِهِ، وَمَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الدَّعْوَةِ وَالْبَلَاغِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، يَجِدُ فِي صَدْرِهِ فُسْحَةً، وَمَا أَوْسَعَ صَدْرَهُ! لِكَيْ يُلَاطِفَ حُسَيْنًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ صُورَةٌ مُحَبَّبَةٌ، فِيهَا شَفَقَةٌ، وَفِيهَا رِقَّةٌ، وَفِيهَا رَحْمَةٌ، وَفِيهَا رَأْفَةٌ، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى مَنْ وَصَفَهُ رَبُّهُ بِأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

*وَمِنْ رَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْأَطْفَالِ وَمُلَاطَفَتِهِ لَهُمْ: إِقْعَادُهُمْ عَلَى حِجْرِهِ، وَمَسْحُهُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ:

عَنْ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: سَمَّانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ يُوسُفَ، وَأَقْعَدَنِي عَلَى حِجْرِهِ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي «الْمُسْنَدِ»، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي «الشَّمَائِلِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

قَوْلُهُ: «وَأَقْعَدَنِي.. وَمَسَحَ...»: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِقْعَادَ وَالْمَسْحَ كَانَا فِي مَجْلِسِ التَّسْمِيَةِ.

قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: وَكَيْفَ عَرَفَ ذَلِكَ؟!

يُقَالُ: خُبِّرَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وُلِدَ حُمِلَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَمَّاهُ يُوسُفَ، وَجَعَلَهُ فِي حَجْرِهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ.

«عَلَى حِجْرِهِ»: «الْحِجْرُ»: الْحِضْنُ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مُلَاطَفَةُ الصَّبْيِّ وَالرِّفْقُ بِهِ، وَحُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَظِيمُ تَوَاضُعِهِ، وَجَوَازُ جُلُوسِ الصَّبِيِّ عَلَى حِجْرِ الرَّجُلِ، وَاسْتِحْبَابُ مَسْحِ الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ.

لَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصِّبْيَانِ مِمَّنْ يُحْمَلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَجَعْلُهُ فِي حِجْرِهِ يَبُولُ عَلَى ثِيَابِ الرَّسُولِ ﷺ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَأْتُونَ بِأَطْفَالِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيَحَنِّكَهُمْ، ولِيَمْسَحَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَلِيُسَمِّيَهُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي كَانُوا يُؤَمِّلُونَ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا بِتِلْكَ الْوَسَائِلِ الَّتِي يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَيْهَا.

 ((رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحَيَوَانَاتِ))

الْإسْلَامُ دِينُ الرَّحْمَةِ، إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَقْبَلْ أَنْ تُحْرَقَ قَرْيَةُ النَّمْلِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ «لَا يُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللهِ إِلَّا اللهُ».

النَّبيُّ ﷺ لَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَنْزِلَ الْعِقَابَ بِغَيْرِ النَّمْلَةِ الْجَانِيَةِ، فَأَخْبَرَ: «أَنَّ نَبيًّا نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَقَرَصَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِمَتَاعِهِ أنْ يُنْقَلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِحَرْقِ قَرْيَةِ النَمْلِ، فقَاَلَ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً -يَعْنِي: عَاقِبْ الَّتِي قَرَصَتْكَ-، أَهْلَكْتَ أُمَّةً تُسَبِّحُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- لأنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْكَ».

هَذَا هُوَ نَّبِيُّكُمْ ﷺ.

لَا شَكَّ أَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ الدِّينِ وَالْإِرْهَابِ سَبَبُهُ الْجَهْلُ بِالدِّينِ، كَيْفَ لِدِينٍ يَجْعَلُ فِي كِتَابِهِ الْخَالِدِ عُقُوبَةً وَحَدًّا لِلْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْإرْهَابِ؟!!

كَيْفَ لِدِينٍ جَاءَ رَحْمَةً لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} أَنَّ يُقِرَّ تَرْوِيعَ الْآمِنِينَ أَوْ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ؟!!

قَالَ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»، إنَّهُ دِينُ الرَّحْمَةِ، الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ التي تَشْمَلُ كُلَّ الْأَحْيَاءِ.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -أَيْ: خُفَّهَا- فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ -أَيْ: بِالْخُفِّ-، فَسَقَتْهُ -أَيْ: فسَقَتِ الْكَلْبَ- فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ دِينٍ يَرْحَمُ رَبُّهُ مَنْ رَحِمَتْ كَلْبًا، وَهِيَ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ دِينٍ يَرْحَمُ مَنْ أَنْزَلَهُ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِرَحْمَتِهَا كَلْبًا أَنَّ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ لَا يَحُثُّ عَلَى رَحْمَةِ الْإنْسَانِ؟!! 

عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضَ»؛ أَيْ: مِنْ هَوَامِّهَا، هَذِهِ امْرَأَةٌ يُعذِّبُهَا اللهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْحَمْ هَذَا الْحَيَوَانَ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَرْحَمْ إِنْسَانًا مِنْ بَنِي آدَمَ؟!

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلَّذِي كَانَ يَذْبَحُ شَاةً وَأُخْتُهَا تَنْظُرُ إليْهَا: «أنُزِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِكَ، تُرِيدُ أنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ».

وَعَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالْقِتْلَةَ وَالذِّبْحَةَ بِالْكَسْرِ: أَيِ الْهَيْئَةُ، وَالْمَعْنَى: أَحْسِنُوا هَيْئَةَ الذَّبْحِ، وَهَيْئَةَ الْقَتْلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِسْرَاعِ فِي إِزْهَاقِ النُّفُوسِ الَّتِي يُبَاحُ إِزْهَاقُهَا عَلَى أَسْهَلِ الْوُجُوهِ.

وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))، وَ صَبْرِ الْبَهَائِمِ: أَنْ تُحْبَسَ الْبَهِيمَةُ، ثُمَّ تُضْرَبَ بِالنَّبْلِ وَنَحْوِهِ حَتَّى تَمُوتَ، هَذَا مَنْهِيٌ عَنْهُ.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا - يَعْنِي: بِالسِّهَامِ -، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا))، أَيْ: هَدَفًا يُرْمَى، يُتَعَلَّمُ فِيهِ الرَّمْيُ أَوْ مَا أَشْبَهَ.

وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٌ فِي ((الصَّحِيحِ)).

الْغَرَضُ: الَّذِي يُرْمَى فِيهِ بِالسِّهَامِ.

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ فَأَرْحَمُهَا، أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا.

قَالَ: «وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا، رَحِمَكَ اللَّهُ» مَرَّتَيْنِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «الصَّحِيحَةِ» وَفِي غَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: «وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا، رَحِمَكَ اللهُ»: كَمَا قَالَ ﷺ «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». فَمَنْ رَحِمَ رُحِمَ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ حَيَوانٍ أَوْ طَائِرٍ أَوْ نَحْوِهِ.

وَالرَّحْمَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ ذَبْحِ الشَّاةِ بِحَضْرَةِ أُخْرَى، وَأَلَّا يُحِدَّ الشَّفْرَةَ أَمَامَهَا فَهَذَا مِنْ الرَّحْمَةِ بِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

هَذَا الْخُلُقُ لَا يَتَجَزَّأُ -خُلُقُ الرَّحْمَةِ لَا يتَجَزَّأُ- كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فِي خُلُقِ الرَّحْمَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَتْ رَحْمَتُهُ عَامَّةً وَغَامِرَةً وَشَامِلَةً، وَقَدْ شَمِلَتِ الطُّيُورَ وَالْحَيَوَانَاتِ، بَلْ شَمَلَتِ الْحَشَرَاتِ لَمَّا نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِ الْحَشَرَاتِ حَرْقًا، وَدُونَ ذَلِكَ فِي الْإْثِم أَنْ تُقْتَلَ بِالْمَاءِ إِغْرَاقًا، فَهَذَا إِثْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ تَبْدُو مَظَاهِرُ رَحْمَتِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ ﷺ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَزَلَ مَنْزِلًا فَأَخَذَ رَجُلٌ بَيْضَ حُمَّرَةٍ، فَجَاءَتْ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ بِبَيْضَتِهَا؟»

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ارْدُدْ، رَحْمَةً لَهَا». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

«حُمَّرَةٌ»: طَائِرٌ صَغِيرٌ كَالْعُصْفُورِ.

«تَرِفُّ»؛ أَيْ: تَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهَا تَعَطُّفًا وَإِظْهَارًا لِتَعَلُّقِهَا بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «ارْدُدْ، رَحْمَةً لَهَا»: تَأَمَّلْ فِي تَكَامُلِ هَذَا الدِّينِ، إِذْ هُوَ الدِّينُ الْخَاتَمُ دِينُ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لَقَدِ اتَّسَعَ وَقْتُ وَاهْتِمَامُ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى الْإِرْشَادِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْحُمَّرَةِ بِذَلِكَ الطَّائِرِ، وَيَأْمُرُ بِرَدِّ بَيْضَةِ الْحُمَّرَةِ إِلَيْهَا رَحْمَةً لَهَا، وَالنَّبِيُّ ﷺ مَعَ ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَفِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَفِي إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَفِي مُجَالَدَةِ الْكَافِرِينَ الْمُشْرِكِينَ؛ إِقَامَةً لِلدِّينِ، وَتَأْسِيسًا لِدَعَائِمِ الْمِلَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصْرِفُ هَذَا الْوَقْتَ لِذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحُمَّرَةِ، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَهِّمَنَا حَقِيقَةَ الدِّينِ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

«فَجَاءَتْ تَرِفُّ»: جَعَلَتْ تَفْرُشُ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى «تَعْرُشُ»؛ أَيْ: بِجَنَاحَيْهَا بِفَرْشِ الْجَنَاحِ وَبَسْطِهِ، وَ«التَّعْرِيشُ»: أَنْ يَرْتَفِعَ الطَّائِرُ، ويُظَلِّلَ بِجَنَاحَيْهِ.

«فَجَعَ هَذِهِ بَيْضَتُهَا»؛ أَيْ: وَجَعَ قَلْبَهَا وَأَقْلَقَهَا وَأَوْحَشَهَا. 

وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا مَعَ الْجَمَلِ الَّذِي حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ حِينَ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ ، فَقَالَ ص: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟» لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟

فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ ﷺ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ كَدَّهُ وَتُتْعِبُهُ».

لِأَنَّ هَذَا الْجَمَلَ كَانَ نَافِرًا، وَكَانَ فِي حَائِطٍ، فَتَحَاشَاهُ النَّاسُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا نَخْشَى عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَدَخَلَ فَلَمَّا رَأَى الْجَمَلُ النَّبِيَّ ﷺ، جَاءَ حَتَّى جَعَلَ رَأْسَهُ عَلَى كَتِفِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَخَذَ يَبْكِي، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى رَأسِهِ وَدِفْرَاهُ قَدْ وَضَعَ ﷺ عَلَيْهِمَا يَدَهُ وَقَالَ: «لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»

فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ ﷺ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ».

فِي الْحَدِيثِ: بَيَانُ أَنَّ الرَّحْمَةَ بِالْبَهَائِمِ وَبِالطُّيُورِ وَبِالْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْمَطْلُوبَاتِ في دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، بَيَانُ كَمَالِ رَحْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِكُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ، تَحْرِيمُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْغَيْرِ بِدُونِ دَلِيلٍ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكُمُ الْغَيْرُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ أَوْ عَالَمِ الطَّيْرِ.

((رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَشَرْعِهِ بِالْأُمَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ))

لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ الصَّبْرَ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُصَابِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُدُودِ الصَّبْرِ مَخْرَجًا.

وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ هَذَا الصَّبْرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى؛ فَإِذَا وَقَعَتْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ فَالصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى بِمَعْرِفَةِ النَّبَأِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ أَوْ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ وَمُشَاهَدَتِهِ.

فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَصْبِرَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ؛ فَإِذَا وَقَعَتِ الْمُصِيبَةُ قَالَ: ((إِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))؛ ثُمَّ يَأْتِي بِمَا قَالَ النَّبِيُّ الْمَأْمُونُ ﷺ: ((اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا)).

وَكَانَ هَدْيُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنَائِزِ أَكْمَلَ الْهَدْيِ، مُشْتَمِلًا عَلَى الْإِحْسَانِ لِلْمَيِّتِ، وَمُعَامَلَتِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ فِي قَبْرِهِ، وَيَوْمَ مَعَادِهِ، وَعَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَعَلَى إِقَامَةِ عُبُودِيَّةِ الْحَيِّ للهِ وَحْدَهُ فِيمَا يُعَامِلُ بِهِ الْمَيِّتَ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِ اللهِ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ لَهُ، وَالتَّجَاوُزِ عَنْهُ، ثُمَّ تَشْيِيعه إِلَى أَنْ يُودَعَ قَبْرَهُ، ثُمَّ سُؤَاله الله لَهُ التَّثْبِيتَ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ، ثُمَّ تَعَاهده بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَالدُّعَاء لَهُ كَمَا يَتَعَاهَدُ الْحَيُّ صَاحِبَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا.

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ: الْخُشُوعُ، وَحُزْنُ الْقَلْبِ، وَدَمْعُ الْعَيْنِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: ((تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي الرَّبَّ)). الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَسَنَّ لِأُمَّتِهِ الْحَمْدَ وَالِاسْتِرْجَاعَ وَالرِّضَا عَنِ اللهِ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ يَوْمَ مَاتَ وَلَدُهُ إِبْرَاهِيم، رَأْفَةً مِنْهُ، وَرَحْمَةً لِلْوَلَدِ، وَرِقَّةً عَلَيْهِ، وَالْقَلْبُ مُمْتَلِئٌ بِالرِّضَا عَنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالشُّكْرُ لَهُ، وَاللِّسَانُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرِهِ وَحَمْدِهِ.

 ((رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ))

*رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي السِّلْمِ:

وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَثِيرٌ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي تُحَذِّرُ مِنْ أَذِيِّةِ المُسْلِمِينَ:

لَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺعَنِ الإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ، أَوِ الحَدِيدِ إِلَى المُسْلِمِ، جَادًّا، أَوْ مَازِحًا، أَوْ مُمَثِّلًا، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُوقِعُ فَاعِلَهُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ, وَأَنَّ ذَلِكَ مَلْعُونٌ إِذَا فَعَلَ, فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَمْدًا؟!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ».

فَهَذَا لَا يَجُوزُ، لَا عَلَى سَبِيلِ الجِدِّ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ المُزَاحِ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ مَلْعُونًا إِذَا أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِالحَدِيدَةِ؛ أي: بِالسِّلَاحِ، وَلَوْ كَانَ مَازِحًا, وَلَوْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ.

وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ دُخُولِ المَسَاجِدِ، وَالأَسْوَاقِ، وَأَمَاكِنِ تَجَمُّعِ النَّاسِ بِالأَسْلِحَةِ؛ إِذَا كَانَ فِي حَمْلِهَا ضَرَرٌ عَلَى المُسْلِمِينَ.

عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا، أَوْ أَسْوَاقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ قَالَ: فَلْيَأْخُذْ، أَوْ: لِيَقْبِضْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيءٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ جَابِرِ بِنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ فِي المَسْجِدِ، وَمَعَهُ سِهَامٌ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأَسْهُمٍ فِي المَسْجِدِ، قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا؛ فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا؛ كَيْ لَا يَخْدِشَ مُسْلِمًا».

بَلْ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ إِخَافَةِ المُسْلِمِينَ، وَعَنْ إِرْهَابِهِمْ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَخَافَ أَهْلَ المَدِينَةِ؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، مَنْ أَخَافَهَا، فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ ﷺ ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ الكَبِيرِ», وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ ص فَنَامَ رَجُلٌ مِنهُمْ؛ فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ -مَعَ النَّائِمِ- فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ص: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».

تَأَمَّلْ فِي دِينِكَ، وَدَعْكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى الَّذِينَ يُشَوِّهُونَهُ، الَّذِينَ يُنَفِّرُونَ حَتَّى المُسْلِمِينَ مِنْ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

((رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْغَزَوَاتِ وَالْحُرُوبِ))

*رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ امْتَدَّتْ إِلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى فِي الحُرُوبِ عَنْ قَتْلِ النَّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ, وَعَنْ قَتْلِ الأُجَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَبْرِيَاءِ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ بِالمُسْلِمِينَ؟!

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ ﷺ مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ ص عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». مُتَّفَقٌ عَليهِ.

وَعَنْ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ المُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا؛ حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ فَانْفَرَجُوا عَنْهَا؛ فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!»، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: «الْحَقْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا».

وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ بِشَوَاهِدِهِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا»، وَالْعَسِيفُ: هُوَ الأَجِيرُ.

هَذَا دِينُ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ خَاتَمَ الرُّسُلِ مُحَمَّدًا ﷺ.

دِينُ الرَّحْمَةِ هُوَ دِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ، رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ، وَرَحْمَةٌ فِي الحَرْبِ.

مَا جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِظُلْمٍ، وَلَا عَسْفٍ، وَلَا جَوْرٍ، حَاشَاهُ ﷺ.

لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالشُّيُوخِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي العَالِيَةِ: «المُرَادُ بِذَلِكَ: النَّهْيُ عَنْ قِتَالِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ».

وَعَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ: «المُرَادُ بِذَلِكَ: النَّهْيُ عَنِ ارْتِكَابِ المَنَاهِي مِنَ المُثْلَةِ، والغُلُولِ، وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالشُّيُوخِ الَّذِينَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى القِتَالِ، وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الرُّهْبَانِ، وَتَحْرِيقِ الأَشْجَارِ، وَقَتْلِ الحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ».

قَالَ النَّوَوَيُّ: «أجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا».

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ».

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وَلَا تَعْتَدُواْ، يَقُولُ: «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ، وَالشَّيْخَ الكَبِيرَ, وَلَا يُقْتَلُ الزَّمْنَى، وَلَا الْأَعْمَى، وَلَا الرَّاهِبُ، وَلَا يُقْتَلُ العَبْدُ».

وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَدْرِكُوا خَالِدًا فَمُرُوهُ أَلَّا يَقْتُلَ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا»؛ وَهُمُ العَبِيدُ.

قَالَ مَالِكٌ: «لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، وَالشَّيْخُ الكَبِيرُ, وَالرُّهْبَانُ المَحْبُوسُونَ فِي الصَّوَامِعِ وَالدَّيَّارَاتِ».

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «إِذَا ظَفَرَ بِالكُفَّارِ؛ لَمْ يَجُزْ قَتْلُ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا تُقْتَلُ امْرَأَةٌ، وَلَا هَرِمٌ وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ».

أَمَّا الفَلَّاحُ الَّذِي لَا يُقَاتِلُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاتَلَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: «اتَّقُوا اللهَ فِي الفَّلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يُنَاصِبوُنَكُمُ الحَرْبَ».

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «لَا يُقْتَلُ الحُرَّاثُ».

هَذَا كُلُّهُ في القِتَالِ مَعَ الكُفَّارِ، فَكَيْفَ بِالقِتَالِ مَعَ المُسْلِمِينَ؟!

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: «لَا يَجُوزُ، مِثْلَ مَنْ كَانَ مُتَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ مِنَ الكُفَّارِ كَالرُّهْبَانِ؛ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ ضَرَرِ المُسْلِمِينَ».

وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ «الهِدَايَةِ» الحَنَفِيُّ: «لَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا مُقْعَدًا، وَلَا أَعْمَى؛ لِأَنَّ المُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الحَرْبُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ -بِأُسْلُوبِهِ وَمُصْطَلَحِهِ فِي عَصْرِهِ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ مُصَابًا بِالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ؛ فَهُوَ يَابِسُ الشِّقِّ-؛ فَلَا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، وَالمَقْطُوعُ اليُمْنَى، وَالمقْطُوعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا».

وَالمَشْهُورُ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ: أَنَّ الصُّنَّاعَ لَا يُقْتَلُونَ.

فَحُرْمَةُ قَتْلِ المَدَنِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ المُقَاتَلَةِ وَالمُمَانَعَةِ، مِمَّا قَرَّرَهُ هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ؛ لِأَنَّ العُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ قِتَالِ المُشْرِكِينَ: هَلْ هِيَ الكُفْرُ، أَوْ هِيَ الانْتِصَابُ لِلْقِتَالِ؟!

أَمَّا الجُمْهُورُ فَيَرَوْنَ العِلَّةَ: الانْتِصَابَ لِلْقِتَالِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ العِلَّةَ: هِيَ الكُفْرُ.

فَإِذَا نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الجُمْهُورِ وَجَدْنَا أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ العِلَّةُ: الكُفْرَ, فَإِنَّ هَذِهِ العِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي النِّسَاءِ، وَالرُّهْبَانِ، وَالشُّيُوخِ، وَالزَّمْنَى، وَالأَعْمى، وَهَؤُلَاءِ وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِمَنْعِ قَتْلِهِمْ فِي الحَرْبِ -كَمَا مَرَّ-.

وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الجُمْهُورِ:

- قَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عِنْدَمَا مَرَّ عَلَى المَرْأَةِ المَقْتُولَةِ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ»، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ص عِلَّةَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا أَنَّهَا لَا تُقاتِلُ, وَلَوْ كَانَتْ عِلَّةُ قَتْلِ الكُفَّارِ كُفْرَهُمْ؛ لَأَمَرَ النَّبِيُّ ص بِقَتْلِهَا؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ.

- وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «اتَّقُوا اللهَ فِي الفَلَّاحِينَ الَّذِينَ لَا يَنْصِبُونَ لَكُمُ الحَرْبَ»، فَجَعَلَ عِلَّةَ عَدَمِ قَتْلِهِمْ: أَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَ فِي الحَرْبِ.

فَكُلُّ الأَصْنَافِ السَّابِقَةِ المَنْهِيِّ عَنْ قِتَالِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالزَّمْنَى وَالرُّهْبَانِ؛ كُلُّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ, هِيَ عَدَمُ مُشَارَكَتِهِمْ فِي القِتَالِ، وَعَدَمُ انْتِصَابِهِمْ لَهُ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَإِذَا كَانَ أَصْلُ القِتَالِ المَشْرُوعِ الجِهَادَ، وَمَقْصُودُهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العَلَيا؛ فمَنْ مَنَعَ هَذَا قُوتِلَ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ, وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ المُمَانَعَةِ وَالمُقَاتَلَةِ كَالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالرَّاهِبِ، وَالشَّيْخِ الكَبِيرِ، وَالأَعْمَى، وَالزَّمْنَى، وَنَحْوِهِمْ؛ فَلَا يُقْتَلُونَ عِنْدَ الجُمْهُورِ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ.

وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى إِبَاحَةَ قَتْلِ الجَمِيعِ؛ لِمُجَرَّدِ الكُفْرِ إِلَّا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ -يَعْنِي: قَوْلَ الجُمْهُورِ- لِأَنَّ القِتَالَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُقَاتِلُنَا؛ إِذَا أَرَدْنَا إِظْهَارَ دِينِ اللهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَبَاحَ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي صَلَاحِ الخَلْقِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191]، أَيْ أَنَّ القَتْلَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ وَفَسَادٌ؛ فَفِي فِتْنَةِ الكُفَّارِ مِنَ الشَّرِّ وَالفَسَادِ مَا هُوَ أَكْبَرُ، فَمَنْ لَمْ يَمْنَعِ المُسْلِمِينَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ، لَمْ تَكُنْ مَضَرَّةُ كُفْرِهِ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ». انْتَهَى كَلَامُ شَيْخِ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

إِذَنْ: بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ المَدَنِيِّينَ الَّذِينَ لَا يُشَارِكُونَ فِي القِتَالِ، وَلَا يَنْصِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَيْهِ.

لَيْسَ هُنَالِكَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ قَانُونٌ يُبِيحُ قَتْلَ المَدَنِيِّينَ -فَضْلًا عَنْ دِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ-.

*وَنَهْيُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْجُثَثِ:

وَلَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِجُثَثِ القَتْلَى.

فَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا».

أَخْرَجَهُ مَالِكٌ بَلَاغًا، وَيَشْهَدُ لَهُ: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ»: «اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا».

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيْرِهِمَا النَّهْيُ عَنِ المُثْلَةِ».

وَقَالَ: «لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ كَافِرٍ حَالَ قِيَامِ الحَرْبِ؛ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ».

وَالتَّمْثِيلُ: قَطْعُ الأَطْرَافِ أَوِ الآذَانِ وَالأَنْفِ، هُوَ تَشْوِيهُ جُثَّةِ القَتِيلِ.

*لَا يُقَاتَلُ الكُفَّارُ وَالمُشْرِكُونَ قَبْلَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الإِسْلَامِ:

لَا يُقَاتَلُ الكُفَّارُ وَالمُشْرِكُونَ قَبْلَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الإِسْلَامِ؛ فَعَنْ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ص إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ؛ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ لَهُ: «إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ؛ فَأَيَّتُهَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا؛ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ؛ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ؛ يُدْعَى قَبْلَ القِتَالِ، وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ قَبْلَ الدُّعَاءِ».

فدِينُ مُحَمَّدٍ ﷺ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ، وَرَحْمَةٌ فِي الحَرْبِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ

بِرَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْإِسْلَامِ))

فَهَذِهِ شَهَادَاتٌ لِرِجَالٍ غَرْبِيِّينَ مُسْتَشْرِقِينَ بَاحِثِينَ فِي حَضَارَةِ الْإِسْلَامِ لَا يُشَكُّ فِي تَحَيُّزِهِمْ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ يَنْطِقُ فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مَا فِيهِ.

قَالَ (لِيبرِي) فِي كِتَابِهِ ((رُوحُ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ صـ 270)): ((وَالْمُنْصِفُ مِنَ الْغَرْبِيِّينَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرِ الْعَرَبُ عَلَى مَسْرَحِ التَّارِيخِ لَتَأَخَّرَتْ نَهْضَةُ أُورُوبَّا الْحَدِيثَةِ عِدَّةَ قُرُونٍ)).

وَهَذِهِ شَهَادَةُ الْمُسْتَشْرِقِ الْغَرْبِيِّ (جُوستَاف لُوبُون) : الَّذِي تَمَنَّى لَوْ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَوْلَوْا عَلَى فَرَنْسَا لِتَغْدُوَ بَارِيسُ مِثْلَ قُرْطُبَةَ فِيْ إِسْبَانيَا، مَرْكَزًا لِلْحَضَارَةِ وَالْعِلْمِ، حَيْثُ كَانَ رَجُلُ الشَّارِعِ فِي قُرْطُبَةَ يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ وَيَقْرِضُ الشِّعْرَ أَحْيَانًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مُلُوكُ أُورُوبَّا لَا يَعْرِفُونَ كِتَابَةَ أَسْمَائِهِمْ، وَيَبْصُمُونَ بِأَخْتَامِهِمْ.

وَيُضِيفُ (لُوبُون) -سَاخِرًا مِمَّنْ يُقَارِنُ الْعَرَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى بِالْأُورُوبِّيِّينَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ-: ((قَدْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى عَكْسِ الْوَقْتِ الْحَاضِرِ تَمَامًا؛ الْعَرَبُ هُمُ الْمُتَحَضِّرُونَ وَالْأُورُوبِّيُّونَ هُمُ الْمُتَخَلِّفُونَ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّنَا -هَذَا كَلَامُهُ-  نُسَمِّي تَارِيخَ أُورُوبَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْعُصُورَ الْمُظْلِمَةَ)).

إِنَّ الْعَهْدَ الذَّهَبِيَّ لِأُمَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ كَانَ فِيمَا سُمِّيَ بِالْعُصُورِ الْوُسْطَى حَيْثُ كَانَ الْكِتَابُ يُوزَنُ بِالذَّهَبِ، وَحِينَمَا مَلَكَ أَجْدَادُنَا نَاصِيَةَ الْعِلْمِ مَلَكُوا نَاصِيَةَ الْعَالَمِ.

*انْتَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى السَّيْفِ، وَنَشَرَ دِينَ اللهِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ:

يَقُولُ (جِيبُول) فِي كِتَابِهِ ((عَنِ اضْمِحْلَالِ وَسُقُوطِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ)):

((مِنَ الطَّبِيعِيِّ وَنُزُولًا عَلَى مُقْتَضَيَاتِ قَانُونِ الطَّبِيعَةِ الَّتِي لَا جِدَالَ فِيهَا؛ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ الْحَقَّ فِي أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْ مُمْتَلَكَاتِهِ، وَأَنْ تَصِلَ مُقْتَضَيَاتُ دِفَاعِهِ عَنْ نَفْسِهِ إِلَى كُلِّ الْآفَاقِ الْمَعْقُولَةِ الَّتِي تُوَفِّرُ لَهُ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى رَدِّ الْأَعْدَاءِ عَنْ مَوْطِنِهِ)).

إِنَّ جِهَادَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَانْتِصَارَهُ عَلَى جُيُوشِ أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ الْأَشْرَارِ قَدْ جَعَلَتْ مُحَرِّرِي ((دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ)) يُعْلِنُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ هُوَ أَعْظَمُ الشَّخْصِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ نَجَاحًا فِي التَّارِيخِ -فَهَذَا كَلَامُهُمْ-.

كَيْفَ يَحِقُّ إِذَنْ لِخُصُومِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَعْتَبِرُوا أَنَّ انْتِصَارَاتِ مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيُّ هَدَفٍ أَوْ أَيُّ قِيمَةٍ سِوَى أَنَّهَا قَدْ أَتَاحَتْ لَهُ أَنْ يَنْشُرَ دِينَهُ الْإِسْلَامِيَّ اعْتِمَادًا عَلَى السَّيْفِ، وَغَلَبَتِ الْجُيُوشَ وَالرِّمَاحَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ؟

هَلْ فَرَضَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْإِسْلَامَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ بِأَنْ قَطَعَ رِقَابَ النَّاسِ؟!

الْمُسْلِمُونَ كُثُرٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْبِلَادِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ بِقَطْعِ رِقَابِ النَّاسِ؟!

يَقُولُ (دِي لَاسِي أُولِيرِي) مَا نَصُّهُ: ((إِنَّ التَّارِيخَ يُؤَكِّدُ بِمَا لَا يَدَعُ مَجَالًا لَأَيِّ شَكٍّ أَنَّ خُرَافَةَ الِاجْتِيَاحِ الْبَرْبَرِيِّ لِمِسَاحَاتٍ شَاسِعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِجْبَارِ النَّاسِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِقُوَّةِ السِّلَاحِ فَوْقَ رِقَابِ الشُّعُوبِ الْمَغْلُوبَةِ عَلَى أَمْرِهَا؛ إِنَّمَا هِيَ خُرَافَةٌ خَيَالِيَّةٌ مُضْحِكَةٌ عَارِيَةٌ تَمَامًا مِنَ الصِّحَّةِ وَبَعِيدَةٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِيقَةِ عَلَى نَحْوٍ نَادِرِ الْمِثَالِ فِي دُنْيَا التَّارِيخِ وَفِي عَالَمِ الْمُؤَرِّخِينَ)).

كِتَابُ ((الْإِسْلَامُ فِي مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ - لَدَي لَاسِي أُولِيرِي طَبْعَةُ لَنْدَن سَنَةَ 1923 الصَّفْحَةُ 8))

وَلَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَكُونَ مُؤَرِّخِينَ مِثْلَ (أُولِيرِي) لِكَيْ نَعْرِفَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَدْ حَكَمُوا إِسْبَانيَا لِمُدَّةِ 736 عَامٍ، وَبَعْدَ قُرَابَةِ ثَمَانِيَةِ قُرُونٍ تَمَّ إِقْصَاءُ وَإِبْعَادُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ إِسْبَانيَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ يُقِيمُ الْأَذَانَ مُعْلِنًا وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اسْتَخْدَمُوا الْقُوَّةَ عَسْكَرِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا فِي إِسْبَانيَا بَعْدَمَا فَتَحُوهَا لَمَا بَقِيَ فَوْقَ أَرْضِ إِسْبَانيَا أَيُّ نَصْرَانِيٍّ لِيَقُومَ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرْدِ الْمُسْلِمِينَ خَارِجَ إِسْبَانيَا.

رُبَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَصِفَ الْإِنْسَانُ -لَوْ شَاءَ- الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَفَادُوا مِنْ خِبْرَاتِ وَثَرْوَاتِ الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحُوهَا، وَلَكِنْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَّهِمَهُمْ أَحَدٌ بِأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَخْدَمُوا السَّيْفَ لِكَيْ يُحَوِّلُوا الْإِسْبَانِيِّينَ إِلَى مُسْلِمِينَ يَعْتَنِقُونَ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ خَوْفًا مِنْ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ.

*يَقُولُ (بَاندِكْت جييانا نيترا ديب شاستري) أَثْنَاءَ لِقَاءٍ تَمَّ عَقْدُهُ فِي جورافور بِالْهِنْدِ سَنَةَ (ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِئَةٍ وَأَلْفٍ 1928)، يَقُولُ:

((إِنَّ مُنْتَقِدِي مُحَمَّدٍ ﷺ يَرَوْنَ النَّارَ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُشَاهِدُوا النُّورَ، وَيَسْتَسِيغُونَ الْقُبْحَ بَدَلًا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَمَالِ، إِنَّهُمْ يُخَرِّفُونَ، وَيَعْتَبِرُونَ كُلَّ فَضِيلَةٍ وَمَيْزَةٍ وَكَأَنَّهَا رَذِيلَةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ؛ إِنَّ ذَلِكَ إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْ نِعْمَةِ التَّمْيِيزِ وَحُسْنِ الْإِدْرَاكِ؛ إِنَّ مُنْتَقِدِي مُحَمَّدٍ ﷺ إِنَّمَا هُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُمْيَانِ-كَلَامُهُ- إِنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ أَنَّ السَّيْفَ الْوَحِيدَ الَّذِي شَهَرَهُ وَشَرَعَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ إِنَّمَا كَانَ هُوَ سَيْفُ الرَّحْمَةِ وَسَيْفُ التَّعَاطُفِ وَالصَّدَاقَةِ وَالتَّسَامُحِ إِنَّهُ السَّيْفُ الَّذِي يَهْزِمُ الْأَعْدَاءَ وَيُنَظِّفُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْغَضَبِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْكَرَاهِيَةِ.

لَقَدْ كَانَ سَيْفُهُ أَمْضَى مِنَ السَّيْفِ الْمَصْنُوعِ مِنَ الْحَدِيدِ الصُّلْبِ، لَقَدْ فَضَّلَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْهِجْرَةَ عَلَى قِتَالِ أَبْنَاءِ بَلَدِهِ، وَلَكِنْ عِنْدَمَا تَجَاوَزَ الْعُدْوَانُ كُلَّ حُدُودِ إِمْكَانَاتِ التَّسَامُحِ؛ امْتَشَقَ سَيْفَهُ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَيَّ دِينٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ نَشْرُهُ بِالسَّيْفِ إِنَّهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَمْقَى، لَا يَعْرِفُونَ الطُّرُقَ السَّلِيمَةَ لِنَشْرِ الدِّينِ، وَلَا يَعْرِفُونَ فِيمَا تُسْتَخْدَمُ السُّيُوفُ، وَلَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ شُئُونِ الدُّنْيَا بِوَجْهٍ عَامٍّ إِنَّهُمْ مَزْهُوُّونَ فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ الْخَاطِئِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الْحَقِّ بِمَسَافَاتٍ كَبِيرَةٍ شَاسِعَةٍ)).

قَالَ هَذَا الْكَلَامَ صَحَفِيٌّ مِنْ طَائِفَةِ السِّيخِ فِي جَرِيدَةٍ تَصْدُرُ فِي دِلْهِي فِي 17 نُوفَمْبِر سَنَةَ 1947م.

((الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ  الْأَمِينِ ))

*الرَّدُّ عَلَى شُبْهَةِ حَدِيثِ: «أتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ»:

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَأَنَا الْمُقَفِّي، وَأَنَا الْحَاشِرُ وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ».

نَفْهَمُ هَذَا فِي الضَّوَابِطِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَى الْقِتَالِ؛ تَكُونُ الشَّجَاعَةُ، وَتَكُونُ التَّضْحِيَةُ، وَتَكُونُ الْمَلْحَمَةُ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ»، وَهَذَا مَا يَتَمَسَّكُوَنَ بِهِ، فَيَا تُرَى كَمْ ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ؟! 

فَلْيَدُلُّونَا!!

قَاَلَ النَّبيُّ ﷺ لِرَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ -كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--: «تَعْلَمُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

فَكَمْ ذَبَحَ نَّبيُّنَا مُحَمَّدٌ لِيُهِينُوا سُنَّتَهُ، وَيُشَوِّهُوا سِيرَتَهُ، وَليَجْعَلُوهُ فِي مَصَافِّ مَصَّاصِي الدِّمَاءِ ﷺ -بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَنَفْسِي ﷺ-؟!!

عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ يَحْيَى بْنُ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْن عَمْرِو، قُلْتُ لَهُ: «مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا نَالَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟

قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، ولَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ.

قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رسولِ اللهِ ﷺ ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ، غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَمَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى وَقَفَ، ثُمَّ قَالَ: «أتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

قَالَ: فَأَطْرَقَ القَوْمُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ، لَا يَتَحَرَّكُ حَتَّى لَا يُهيِّجَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَءَكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ! فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَثَبُوا علَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ بْلُغُهُمْ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ.

قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ». قَالَ: فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ رَجُلًا آخَذًا بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، قَالَ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: «وَيْلَكُم أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ».

قال: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ».

ما الذي كانَ؟!! 

قُتِلُوا؟!! 

أين قُتِلُوا؟!!

أَخَذَهُمْ فَجَاءَ بِهِمْ، ثُمَّ عَرضَهُمْ؟!!

لَا، وَإِنَّمَا قَصَدُوهُ في بَدْرٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَاتِلُوهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ غَيْرَ مُسْتَعِدٍّ لِقِتَالٍ، مَعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَا يَرْجُونَ أَنْ يَجِدُوا إِلَّا الْعِيرَ، وَمَا عَلَى بِالِهِمُ النَّفِيرَ، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَقَتَلَهُمُ اللهُ، فَكَانَ مَاذَا؟

أالذَّبْحُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ؟!!

هَؤُلَاءِ أَتَوْا لِذَبْحِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لَا مُقَاتِلًا وَلَا مُسْتَعِدًّا لِقِتَالٍ، فَرَدَّ اعْتِدَاءَهُمْ، فَمَا كَانَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا لَمْزًا لهُ إِلَّا قُتِلَ، فَكَانَ مَاذَا؟!! هَذَا قِتَالٌ فِي مَعْرَكَةٍ؛ فِي حَرْبٍ، فِي جِهَادٍ، وَمَنِ الَّذِي لَا يَقُولُ إِنَّهُ مَشْرُوعٌ؟!

أَيُّ عَاقِلٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ آتَاهُ اللهُ ذَرْوًا مِنْ عَقْلٍ يَقُولُ هَذَا لَا يَجُوزُ؟!!

فَمَا الَّذِي يَجُوزُ إِذَنْ؟!! 

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ رَبُّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وَقَالَ: {إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاة} ﷺ.

*الرَّدُّ عَلَى شُبْهَةِ الطَّاعِنِينَ فِي حَدِيثِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ...)):

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ضَالٌّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ!!

لِمَاذَا؟!!

قَالَ: الْبُخَارِيُّ رَوَاهُ، هَذَا حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ فِي الْبُخَارِيِّ، نَقُّوا الْبُخَارِيَّ مِمَّا فِيهِ!!

قَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)).

فَالنَّبيُّ سَيَذْبَحُ النَّاسَ جَمِيعًا ((حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ))، لَفْظُ النَّاسِ هُنَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ الْمُحَارِبُونَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ طَبَّقَ تَعَالِيمَ الْقُرْآنِ: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

وَإِلَّا فَهَؤُلَاءِ النَّصَارَى بِمِصْرَ؛ لِمَاذَا بَقَوْا عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ؟!!

لِمَاذَا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُقْتَلُوا؟!!

وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّمَا كَانَتِ الْحَرْبُ فِي جِهَادِ الطَّلَبِ مِنْ أَجْلِ إِزَالَةِ الْأَنْظِمَةِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَكَلِمَةِ اللهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ هَذِهِ الشُّعُوبُ كَلِمَةَ اللهِ فَذَلِكَ، إِخْوَانُنَا فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنْ آثَرَتْ أَنْ تَبْقَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَهُمْ دِينُهُمْ، ثُمَّ الْجِزْيَةُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُمْ حُقُوقُهُمْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

((النَّاسُ)) هَاهُنَا فِيهَا (ال)، وَ(ال) هَاهُنَا لِلْعَهْدِ وَلَيْسَتْ لِلْجِنْسِ، فَالْمَقْصُودُ إِذَنْ قَوْمٌ مَعْهُودُونَ مَعْرُوفُونَ وَلَيْسَتْ لِجِنْسِ النَّاسِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ بَقِيَ الْيَهُودُ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى دِينِهِمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْمَجُوسِ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَكَذَلِكَ الرُّومُ، عِنْدَمَا فُتِحَتْ فَارِسُ وَفُتِحَتْ كَذَلِكَ دِيَارُ وَبِلَادُ الرُّومِ، فَهَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَا يَفْهَمُونَ الْحَدِيثَ؟!!

((وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ))

يَا مَنْ لَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ مَا تَهْوَى الْعُلَا               مِنْهَـا وَمَـا يَتَعَشَّقُ الْكُـُبَراءُ

فَإِذَا سَخَوْتَ بَلَغْتَ بِالْجُودِ الْمَدَى                     وَفَعَلْـتَ مَا لَا تَـفْعَلُ الْبُـذَلَاءُ

وَإِذَا عَفَوْتَ فَقادِرًا وَمُقَــدَّرًا                            لَا يَستَهِــينُ بِعَفْوِكَ الْجُهَــلَاءُ

وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ                                هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُحَماءُ

وَإِذَا غَضِبْتَ فَإِنَّما هِيَ غَضْبَةٌ                             فِي الْحَقِّ لَا ضِغْنٌ وَلَا بَغْضَاءُ

وَإِذَا رَضِيتَ فَذَاكَ فِي مَرْضَاتِهِ                             وَرِضَا الْكَثِيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

وَإِذَا خَطَبْتَ فَلِلْمَنَابِرِ هِــزَّةٌ                                تَعْرُو الْنَدِيَّ وَلِلْقُلُوبِ بُكَاءُ

وَإِذَا قَضَيْتَ فَلَا ارْتِيَابَ كَأَنَّمَا                          جَاءَ الْخُصُومَ مِنَ السَّمَاءِ قَضَاءُ

وَإِذَا حَمَيْتَ الْمَاءَ لَمْ يُورَدْ وَلَوْ                                  أَنَّ الْقَيَاصِرَ وَالْمُلُوكَ ظِمَاءُ

وَإِذَا أَجَرْتَ فَأَنْتَ بَيْتُ اللهِ لَمْ                              يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْمُسْتَجِيرَ عَدَاءُ

وَإِذَا مَلَكْتَ النَّفْسَ قُمْتَ بِبِرِّهَا                            وَلَوَ اَنَّ مَا مَلَكَتْ يَدَاكَ الشَّاءُ

وَإِذَا بَنَيْتَ فَخَيرُ زَوْجٍ عِشْرَةً                                 وَإِذَا ابْتَنَيْتَ فَدُونَكَ الْآبَاءُ

وَإِذَا صَحِبْتَ رَأَى الْوَفَاءَ مُجَسَّمًا                           فِي بُرْدِكَ الْأَصْحَابُ وَالْخُلَطَاءُ

وَإِذَا أَخَذْتَ الْعَهْدَ أَوْ أَعْطَيْتَهُ                               فَجَمِيعُ عَهْدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفَاءُ

وَإِذَا مَشَيْتَ إِلَى الْعِدا فَغَضَنْفَرٌ                               وَإِذَا جَرَيْتَ فَإِنَّكَ النَكْبَاءُ

وَتَمُدُّ حِلْمَكَ لِلسَّفِيهِ مُدَارِيًا                               حَتَّى يَضِيقَ بِعَرضِكَ السُّفَهَاءُ

فِي كُلِّ نَفْسٍ مِنْ سُطَاكَ مَهَابَةٌ                                 وَلِكُلِّ نَفْسٍ فِي نَدَاكَ رَجَاءُ

وَالرَّأْيُ لَمْ يُنْضَ الْمُهَنَّدُ دُونَهُ                             كَالسَّيفِ لَمْ تُضْرب بِهِ الْآرَاءُ

الْحَرْبُ فِي حَقٍّ لَدَيْكَ شَرِيعَةٌ                              وَمِنَ السُّمُومِ النَّاقِعَاتِ دَوَاءُ

وَالْبِرُّ عِنْدَكَ ذِمَّةٌ وَفَرِيضَةٌ                                 لَا مِنَّةٌ مَمْنُونَةٌ وَجَبَاءُ

جَاءَتْ فَوَحَّدَتِ الزَكاةُ سَبِيلَهُ                             حَتَّى الْتَقَى الْكُرَمَاءُ وَالْبُخَلَاءُ

أَنْصَفَتَ أَهْلَ الْفَقْرِ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى                    فَالْكُلُّ فِي حَقِّ الْحَيَاةِ سَوَاءُ

مِنْ كُلِّ دَاعِي الْحَقِّ هِمَّةُ سَيْفِــهِ                         فَلِسَيفِهِ فِي الرَّاسِيَاتِ مَضَاءُ

سَاقِي الْجَريحِ وَمُطْعِمُ الْأَسْرَى وَمَنْ                     مِنَتْ سَنَابِكَ خَيْلِهِ الْأَشْلَاءُ

إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الرِّجَالِ غِلَاظَــةٌ                        مَا لَمْ تَزِنْهَا رَأْفَةٌ وَسَخَاءُ

وَالْحَربُ مِنْ شَرَفِ الشُّعُوبِ فَإِنْ بَغَوْا                  فَالْمَجْدُ مِمَّا يَدَّعُونَ بَرَاءُ

وَالْحَـــرْبُ يَبْعَثُهَــا الْقَوِيُّ تَجَبُّرًا                          وَيَنُوءُ تَحْتَ بَلَائِهَا الضُّعَفاءُ

كَمْ مِنْ غَزَاةٍ لِلرَّسُولِ كَرِيمَةٍ                              فِيهَا رِضًى لِلْحَقِّ أَوْ إِعْلَاءُ

كَانَتْ لِجُنْــدِ اللهِ فِـيهَا شِـــدَّةٌ                            فِي إِثْرِهَا لِلْعَالَمِينَ رَخَاءُ

ضَرَبُوا الضَّلَالَةَ ضَرْبَةً ذَهَبَتْ بِهَا                         فَعَلَى الْجَهَالَةِ وَالضَلَالِ عَفَاءُ

دَعَمُوا عَلَى الْحَرْبِ السَّلَامَ وَطَالَمَا                          حَقَنَتْ دِمَاءٌ فِي الزَّمَانِ دِمَاءُ

 ((مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ الرَّحْمَةُ))

إِنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةٌ مُهِمَّةٌ، مَحْبُوبَةٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، اتَّصَفَ بِهَا بِكَمَالِهَا الرَّسُولُ الْأَمُينُ.

وَالصِّفَةُ الْبَارِزَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةُ هِيَ الرَّحْمَةُ، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]؛ فَهِيَ صِفَةٌ بَارِزَةٌ مِنْ صِفَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَالْقَسَاوَةُ لَا يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى، وَهِيَ عُقُوبَةٌ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ، وَأَبْعَدُ الْقُلُوبِ عَنِ اللهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22].

أَبْعَدُ الْقُلُوبِ عَنِ اللهِ تَعَالَى الْقَلْبُ الْقَاسِي، وَأَحَبُّ الْقُلُوبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الْقَلْبُ السَّلِيمُ؛ وَهُوَ الْقَلْبُ الْمُوَحِّدُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ: صِفَةُ الرَّحْمَةِ.

وَمِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَمِنْ سُوءِ حَظِّهِ وَشَقَاوَتِهِ الْحِرْمَانُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ الْجَلِيلَةِ.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ.

قَوْلُهُ: «لَا تُنْزَعُ»: بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ؛ أَيْ: لَا تُسْلَبُ الشَّفَقَةُ، وَأَصْلُ النَّزْعِ: الْجَذْبُ وَالْقَلْعُ.

النَّبْيُّ ﷺ يُبَيِّنُ أَنَّ الرَّحْمَةَ فِي الْخَلْقِ هِيَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ، وَرِقَّةُ الْقَلْبِ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ، وَمِنْ لَا رِقَّةَ لَهُ فِي قَلْبِهِ فَلَا إِيمَانَ لَهُ، وَمَنْ لَا إِيمَانَ لَهُ شَقِيٌّ، فَمَنْ لَمْ يُرْزَقِ الرِّقَّةَ فِي الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةَ فِي الْفُؤَادِ شَقِيَ.

وَحَقِيقَةُ الرَّحْمَةِ إِرَادَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا ذَهَبَتْ إِرَادَتُهَا مِنْ قَلْبِهِ شَقِيَ بِإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ لِغَيْرِهِ؛ فَذَهَبَ عَنْهُ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ.

قَوْلُهُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ»: هَلِ الْمُرَادُ فِيهِ: تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةٌ؟

لِأَنَّ حَقِيقَةَ النَّزْعِ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ مَكَانٍ كَانَ فِيهِ، فَهَلِ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ ذَلِكَ؟ أَوِ الْمُرَادُ: لَمْ يُجْعَلْ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةٌ أَصْلًا ويَكُونُ كَقَوْلِهِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ»؟.

وَالْمُرَادُ: شَقَاءُ الْآخِرَةِ أَوِ الدُّنْيَا أَوِ الدَّارَيْنِ مَعًا.

«الرَّحْمَةُ»: رِقَّةٌ وَحُنُوٌّ يَجِدُ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى أَوْ صَغِيرٍ أَوْ ضَعِيفٍ، يَحْمِلُهُ مَا يَجِدُهُ عَلَى الْإِحْسَانِ لَهُ، وَاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ بِهِ، وَالسَّعْيِ فِي كَشْفِ مَا بِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ هَذِهِ الرَّحْمَةَ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ، يَعْطِفُ الْحَيَوانُ عَلَى نَوْعِهِ وَوَلَدِهِ، وَيُحْسِنُ عَلَيْهِ حَالَ ضَعْفِهِ وَصِغَرِهِ.

وَحِكْمَتُهَا: تَسْخِيرُ الْقَوِيِّ لِلضَّعِيفِ.

وَهَذِهِ الرَّحْمَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي الْقُلُوبِ فِي هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي ثَمَرَتُهَا الْمَصْلَحَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي هِيَ حِفْظُ النَّوْعِ رَحْمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ مِئَةٍ ادَّخَرَهَا اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى الرِّفْقِ وَكَشْفِ ضُرِّ الْمُبْتَلَى فَقَدْ رَحِمَهُ اللهُ بِذَلِكَ فِي قَلْبِهِ بِمَا جعَلَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الرَّحْمَةِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى رَحْمَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمَآلِ، فَمَنْ سَلَبَهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَابْتَلَاهُ بِنَقِيضِهِ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ، وَلَمْ يَلْطُفْ بِضَعِيفٍ، وَلَا أَشْفَقَ عَلَى مُبْتَلًى فَقَدْ أَشْقَاهُ حَالًا، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَمًا عَلَى شِقْوَتِهِ مَآلًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ»: مِنْ كَافِرٍ أَوْ فَاجِرٍ أَوْ عَاصٍ،  فَيَتْعَبُ فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ.

قَوْلُهُ: «إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ»: وَالْمُرَادُ بِالشَّقِيِّ: مَنْ كَانَ شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ، ولَكِنَّهُ يُشْقِي نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فِي الدُّنْيَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}  [طه: 124].

فِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ مِنَ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ، لِذَا وَصَفَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِالرَّحْمَةِ؛ لِجَلَالَةِ قَدْرِهَا، وَلِعِظَمِ شَأْنِهَا؛ فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، فَوَصَفَهُ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ.

إِذَنْ: فَهُمَا مِنْ صِفَاتِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ وَمَنْ تَأَسَّى بِهِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، وَالَّذِي لَا تُوجَدُ فِيهِ رَحْمَةٌ فَهَذَا مِنَ الْأَشْقِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ رَحْمَةٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْحَمَ، فَالْكَبِيرُ يَرْحَمُ الصَّغِيرَ كَمَا سَبَقَ، وَالْقَوِيُّ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ، وَالصَّحِيحُ يَرْحَمُ الْمَرِيضَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

فَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّحْمَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَمِنَ الْخِصَالِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنَ الْأَشْقِيَاءِ، وَالْأَشْقِيَاءُ غَيْرُ السُّعَدَاءِ.

 ((ثَمَرَاتُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَسْبَابِ رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ بَيْنَهُمْ، وَالْإِسْلَامُ يَحُثُّ عَلَى غَرْزِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَصِفَةِ الرَّحْمَةِ فِي النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ.

فَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: ((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، وَلا يُغْفَرُ مَنْ لَا يَغْفِرُ، وَلَا يُعْفَ عَمَّنْ لَمْ يَعْفُ، وَلَا يُوَقَّ مَنْ لَا يَتَوَقَّ)). وَهَذَا حَدِيثُ صَحِيحٌ.

((مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ))، «وَلَا يُغْفَرُ لِمْنَ لَا يَغْفِرُ»: يُغْفَرُ؛ أَيْ: يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْ خَطَايَاهُ وَذُنُوبِهِ، وَأَصْلُ «الْغَفْرِ» التَّغْطِيَةُ، وَمِنْهُ «الْمِغْفَرُ»؛ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الرَّأْسَ.

وَالْمَعْنَى: مَنْ لَا يَتَجَاوَزُ عَنْ خَطَايَا النَّاسِ وَإِسَاءَتِهِمْ لَا يَغْفِرُ اللهُ تَعَالَى لَهُ؛ إِذِ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي «الصَّحِيحَةِ».

يَعْنِي: كُنْ سَمْحًا حَتَّى تُعَامَلَ بِالسَّمَاحَةِ.

«وَلَا يُعْفَ عَمَّنْ لَمْ يَعْفُ»: الْعَفْوُ: التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ.

صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَقُلِ الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ.

فِي رِوَايَةٍ: «ولَا يُتَابُ عَلَى مَنْ لَا يَتُوبُ»: مَنْ لَا يَتُبْ لَا يُتَبْ عَلَيْهِ فَلَابُدَّ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ لِلتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى يُوَفَّقَ لِذَلِكَ «وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ» كَمَا قَالَ ﷺ.

«وَلَا يُوَقَّ مَنْ لَا يَتَوَقَّ»: وُقِيْتُ الشَّيْءَ وَوَقَيْتُهُ أَقِيهِ إِذَا صُنْتُهُ وَسَتَرْتُهُ عَنِ الْأَذَى.

وَالْمَعْنَى: لَا يُحْفَظُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَالْآثَامِ مَنْ لَا يَجْتَنِبُهَا، وَهَذا كَقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: «وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ»، وَأَمَّا مَنْ لَا يُوَقَّهُ فَإِنَّهُ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ، فَهَذَا الَّذِي لَا يَتَوَقَّى لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ فِي الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ.

فَالَّذِي يَطْمَعُ فِي رَحْمَةِ رَبِّهِ وَمَغْفِرَتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَمَ النَّاسَ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ، وَأَنْ يُسَامِحَهُمْ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَبَّرَ قَوْلَ اللهِ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: ٢٢].

 ((يَا أَبْنَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ! احْمِلُوا رَحْمَةَ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعَالَمِ أَجْمَعِ))

عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ». هَذَا الْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

قَوْلُهُ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ»: بِالرَّأْفَةِ بِهِمْ وَالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُغِيثُ الْمَلْهُوفَ، وَيُطْعِمُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعُرْيَانَ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ؛ فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَهَائِمُ وَالْمَمْلُوكُ مَنْها وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ، وَيَدْخُلُ فِي الرَّحْمَةِ التَّعَاهُدُ بِالْإِطْعَامِ وَالسَّقْيِ، وَفِيهَا التَّخْفِيفُ فِي الْحِمْلِ وَتَرْكُ التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ».

بَيَانُ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَأُمِرَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَنْ تَكُونَ فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةٌ لِإِخْوَانِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، لِذَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].

أَذِلَّةٍ: يَعْنِي مُتَوَاضِعِينَ وَرَاحِمِينَ لَهُمْ، وَعَاطِفِينَ عَلَيْهِمْ وَمُحِبِّينَ إِلَيْهِمْ، فَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِمْ رَحْمَةٌ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَادَلًا وَمُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، مَنْ تَعَارَفُوا وَمَنْ لَمْ يَتَعَارَفُوا، أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَرْحَمُ بَعْضًا، وَيُوَقِّرُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَيَرْحَمُ كَبِيرُهُمْ صَغِيرَهُمْ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ  لِلْمُؤْمِنِينَ مَثَلًا بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، أَنْ يَكُونَ مِنْ أَخْلَاقِهِمُ الرَّحْمَةُ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّوْقِيرُ، وَالتَّعَاطُفُ، وَالْمَحَبَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهَذِهِ صِفَاتُ أَهْلِ الْإِيمَانِ.

*رِسَالَةُ الْمُسْلِمِينَ: دَعْوَةُ الْعَالَمِ إِلَى التَّوْحِيدِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ:

إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَتَبَ كُتُبَهُ، وَطَيَّرَ رَسَائِلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي الْأَرْضِ: ادْخُلُوا فِي دِينِ اللهِ، لَا تَحُولُوا دُونَ النُّورِ وَأْقَوامِكُمْ وَشُعُوبِكُمْ، كُفُّوا عَنِ التَّضْلِيلِ، وَانْزِعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، آمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ، وَنَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ.

هَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ السَّوَاءُ، فَسَّرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو بِهَا الْمُلُوكَ، وَيُرْسِلُ بِهَا الْكُتُبَ، وَيَخُطُّ بِهَا الرَّسَائِلَ، وَيَدْعُو بِهَا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِلَى تَوْحِيدِهِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الدَّعْوَةَ إِلَى تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادٌ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَبِيدٌ، هُوَ الَّذِي يُشَرِّعُ لَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِمْ، لَا يَسْتَغِلُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَعْتَدِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِنَّمَا الْحُكْمُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ خَيْرُ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةُ النَّبِيِّينَ، لَمْ يُحِلَّ لَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا- الظُّلْمَ بِحَالٍ أَبَدًا -حَاشَا وَكَلَّا-، لَمْ  يُبِحْهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَحَدٍ، كَيْفَ وَقَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!!

((إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا)) .

عِبَادَ اللهِ! دِينُكُمْ لَحْمُكُمْ وَعَظْمُكُمْ، دِينُكُمْ حَيَاتُكُمُ الدُّنْيَا وَآخِرَتُكُمْ، دِينُكُمْ شَرَفُكُمْ وَعِرْضُكُمْ، عَقِيدَتُكُمْ فِيهَا نَجَاتُكُمْ وَفِيهَا عِزُّكُمْ، وَلَا تَحْتَاجُونَ -أَيُّتَهَا الْأُمَّةُ- إِلَى مَنْ يَرْسُمُ لَكِ الطَّرِيقَ، فَقَدْ رَسَمَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَهُوَ طَرِيقُ اللهِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ.

وَنَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا نَتَحَلَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ))، وَلَا نَكْتَفِي بِهِ، بَلْ نَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى يَمِينًا وَيَسَارًا، نَحْنُ فِي صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا فِي التَّشَهُّدِ؛ نَقُولُ: ((السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ)).

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ السَّلَامَ بِشَرَائِطِهِ، بِأَحْكَامِهِ وَقَوَاعِدِهِ، لَيْسَ بِالْمَذَلَّةِ يُسْتَجْلَبُ وَلَا بِالذُّلِّ وَالْعَارِ، وَمَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ.

نَحْنُ الَّذِينَ عَلَّمْنَا الْعَالَمَ كُلَّهُ قِيَمَ الْخَيْرِ، قِيَمَ الصِّدْقِ، الْقِيَمُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا بِحَقٍّ، وَلَوْلَا هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ مَا عُرِفَ شَرَفٌ وَلَا رُوعِيَ عِرْضٌ.

أَيُّ قِيَمٍ عِنْدَ الْآخَرِينَ يُمْكِنُ أَنْ نَتَحَصَّلَ عَلَيْهَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ؟!!

إِنَّ الْحَقَّ وَالْخَيْرَ، وَالْهُدَى وَالْعَدْلَ، وَالحَقَّ وَالسَّلَامَ فِي دِينِ نَبِيِّ السَّلَامِ مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَأَزْكَى السَّلَامِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.

النَّبِيُّ ﷺ بُعِثَ بِدِينِ السَّلَامِ، بِدِينِ الرَّحْمَةِ، بِالدِّينِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُؤَلِّفُ وَيُجَمِّعُ، وَلَا يُنَفِّرُ وَلَا يُفَرِّقُ، هُوَ دِينُ الْحَقِّ دِينُ اللهِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ دَعْوَةٌ لِلتَّأَمُّلِ فِي عَظَمَةِ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  وَحْدَةُ الْوَطَنِ سَبِيلُ قُوَّتِهِ
  كيف تصحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
  تَكْرِيمُ الْمَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَرَدُّ الشُّبُهَاتِ الْمُثَارَةِ حَوْلَهَا
  الْمَفَاهِيمُ الصَّحِيحَةُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
  الرد على الملحدين:دليل العناية، وبيان ما يتعلق بهداية بعض الحيوان
  خُطُورَةُ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الرد على الملحدين:دليل العناية على وجود الله عز وجل
  مسألة اختلاف المطالع
  الزَّارِعُ الْمُجِدُّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان