وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ

((وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

((الْإِسْلَامُ دِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَرْضِهِ))

فَإِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِخَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، وَأَرْسَلَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَنَبَّأَ بِهِ النَّبِيِّينَ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ الْمُطَهَّرَةَ؛ لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

وَفِي تَعْرِيفٍ جَلِيلٍ جَمِيلٍ لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.. يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَعْرِيفِ دِينِنَا الَّذِي مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا رَبُّنَا وَأَرْسَلَ بِهِ إِلَيْنَا نَبِيَّنَا.. يَقُولُ: الْإِسْلَامُ: ((هُوَ الصِّدْقُ مَعَ الْحَقِّ، وَالْخُلُقُ مَعَ الْخَلْقِ)).

وَلَوْ أَنَّكَ نَظَرْتَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ نَظْرَةً مُتَأَنِّيَةً لَظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَاطِنٌ وَظَاهِرٌ، أَنَّ الْإِسْلَامَ عَقِيدَةٌ وَشَرِيعَةٌ، أَنَّ الْإِسْلَامَ إِيمَانٌ وَعَمَلٌ، أَنَّ الْإِسْلَامَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ نَشَاطَاتِ الْحَيَاةِ؛ نَفْسِيَّةً وَعَمَلِيَّةً، ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً.

الْإِسْلَامُ: ((الصِّدْقُ مَعَ الْحَقِّ)): وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالْجَنَانِ وَالْفُؤَادِ، ((وَالْخُلُقُ مَعَ الْخَلْقِ)): وَالْخَلْقُ هَاهُنَا -كَمَا تَرَى- قَدْ جِيءَ بِـ (ال) فِيهَا -هَكَذَا- وَكَأَنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى أَنَّ جِنْسَ الْخَلْقِ مَعْنِيٌّ بِهَذَا التَّعْرِيفِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْجَلِيلِ وَهَذَا الْمَعْنَى الشَّامِلِ الْجَمِيلِ.

الْإِسْلَامُ: ((هُوَ الصِّدْقُ مَعَ الْحَقِّ، وَالْخُلُقُ مَعَ الْخَلْقِ))، فَحَوَى نَشَاطَاتِ الْحَيَاةِ جَمِيعَهَا، وَحَازَهَا مِنْ أَقْطَارِهَا، وَلَمْ يَدَعْ فِيهَا شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً وَلَا شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً إِلَّا وَانْتَظَمَهَا فِي سِلْكِهِ، وَأَحَاطَ بِهَا فِي إِطَارِهِ.

وَهَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي مَنَّ بِهِ رَبُّنَا عَلَى الْبَشَرِيَّةِ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ آدَمَ هُوَ دِينٌ وَاحِدٌ فِي عَقِيدَتِهِ، فِي يَقِينِهِ، فِي اسْتِسْلَامِ الْقَلْبِ بِهِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، دِينٌ وَاحِدٌ؛ وَ ((الْأَنْبِيَاءُ أَخَوَاتٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ))، يَقُولُ ذَلِكَ نَبِيُّنَا ﷺ: ((الْأَنْبِيَاءُ أَخَوَاتٌ لِعَلَّاتٍ)): وَأَخَوَاتُ الْعَلَّاتِ: مَنْ كَانَ أَبُوهُمْ وَاحِدًا وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، فَكَذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((الْأَنْبِيَاءُ أَخَوَاتٌ لِعَلَّاتٍ)): تَخْتَلِفُ شَرَائِعُهُمُ الْعَمَلِيَّةُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَحَاجَاتِ النَّاسِ، وَأَمَّا أَصْلُ الدِّينِ فَوَاحِدٌ، وَهُوَ اسْتِسْلَامُ الْمَرْءِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صِدْقًا وَانْتِمَاءً حَقًّا، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ نَبِيِّنَا ﷺ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ارْتَضَى الْإِسْلَامَ الْعَظِيمَ لِخَلْقِهِ دِينًا، وَأَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَنَبَّأَ بِهِ النَّبِيِّينَ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ، كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَاحِدٌ، عَلَى أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا تَعَدُّدَ يَشْمَلُهُ، وَلَا تَجْزِئَةَ تَلْحَقُهُ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَمَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَأَمَّا الَّذِينَ وَحَّدُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَأَفْعَالًا، وَالَّذِينَ دَانُوا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَهُمْ أَهْلُ النَّجَاةِ وَأَهْلُ السَّعَادَةِ دُنْيَا وَآخِرَةً.

وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَقِدُوهُ فَهُمْ أَهْلُ الْكُفْرَانِ وَأَهْلُ الْخُسْرَانِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، كَمَا بَيَّنَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ.

وَهَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ كَالْجَسَدِ الْحَيِّ، وَالْجَسَدُ الْحَيُّ لَهُ أَعْضَاؤُهُ وَلَهُ مُكَوِّنَاتُهُ، وَلَهُ أَجْزَاؤُهُ، وَهَذِهِ الْأَجْزَاءُ وَالْمُكَوِّنَاتُ وَالْأَعْضَاءُ تَخْتَلِفُ بَيْنَهَا قِيمَةً وَأَهَمِّيَّةً، وَتَخْتَلِفُ بَيْنَهَا حَيَوِيَّةً وَنِسْبَةً، وَلَيْسَتْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْجَسَدِ الْحَيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَسَدِ بِنِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ الْبَصَرُ كَالْأُصْبُعِ، وَلَيْسَ الْجِلْدُ كَالْمُخِّ، وَلَيْسَ الْقَلْبُ كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ أَهَمِّيَّةً وَحَيَوِيَّةً وَنِسْبَةً وَانْتِمَاءً، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ كَالْجَسَدِ الْحَيِّ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ فِيهِ مَوْضِعُهُ إِذَا مَا جُعِلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَصَابَ الْخَلَلُ النَّاظِرَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَقَعَ مِنَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِحَسَبِ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ.

وَلِذَلِكَ لَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ ﷺ.. أَرْسَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِقَوَاعِدَ عَامَّةٍ وَأُصُولٍ شَامِلَاتٍ مَا وَرَاءَهَا مُحِيطَاتٍ بِمَا خَلْفَهَا، حَتَّى إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ الْكُبْرَى لَمْ تُفْرَضْ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ، وَوَقَعَ الْجِلَادُ وَالصِّرَاعُ وَتَمَّ النِّزَاعُ وَالْجِهَادُ وَالْكِفَاحُ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَصَحْبِهِ مِنْ جِهَةٍ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ مِنْ أَجْلِ أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ الْقَوْمُ بِحَقٍّ أَنَّهُ ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ))، بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ الْفَاذَّةِ الَّتِي قَدْ حَوَتْ مَا وَرَاءَهَا مِنْ تَعَالِيمِ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَاءَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَجَاءَ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ أَجْلِ إِعْلَانِ الدَّيْنُونَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي أَرْضِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَبْدًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، فَإِذَا مَا كَانَ الْإِنْسَانُ للهِ عَبْدًا كَانَ لِلْكَوْنِ سَيِّدًا، وَإِذَا مَا كَانَ الْإِنْسَانُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَبْدًا بِصِدْقٍ فَقَدْ تَحَرَّرَ مِنْ جَمِيعِ عُبُودِيَّاتِ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ وَجَسَدِهِ لِغَيْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

النَّاسُ أَمَامَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَوَاسِيَةٌ، كُلُّهُمْ عَبِيدٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَتَمَيَّزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمِيزَاتٍ آتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِيَّاهَا، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُؤْتِي مَنْ يَشَاءُ مَا يَشَاءُ كَمَا يَشَاءُ وَكَيْفَمَا يَشَاءُ وَوَقْتَمَا يَشَاءُ وَلِعِلَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ وَجَاءَ مَعَهُ ﷺ الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ..

((ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً تُنْصَرُوا!))

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَخْبَرَ بِالْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ كِتَابًا وَسُنَّةً، وَأَخَذَ بِهَا الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَعَقَدُوا عَلَيْهَا قُلُوبَهُمْ، وَجَعَلُوهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْهَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، فَأَجَاءَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى بَرِّ السَّلَامَةِ وَإِلَى مَرْفَأِ الْأَمَانِ.

وَأَمَّا إِذَا مَا تَخَلَّتِ الْأُمَّةُ فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ تَارِيخِهَا عَنِ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ، وَأَخَذَتْ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ وَأَخَذَتْ بِهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ، وَأَخَذَتْ تُفَرِّعُ عَلَى الْأُصُولِ فُرُوعًا تَجْعَلُهَا أُصُولًا، وَضَلَّتْ بِذَلِكَ ضَلَالًا مُبِينًا فَهُوَ الضَّلَالُ دُنْيَا وَآخِرَةً، وَهُوَ الِانْدِحَارُ وَالِانْكِسَارُ؛ لِأَنَّ رَبَّكَ -جَلَّ وَعَلَا- أَبَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ النَّصْرُ إِلَّا لِمَنْ نَصَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40].

وَالَّذِينَ يَنْصُرُونَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُمُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ دِينَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ كَافَّةً كَمَا أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] يَعْنِي: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ أَجْمَعُونَ، ادْخُلُوا جَمِيعًا فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ حَالًا؛ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّهَا حَالٌ لِلْفَاعِلِ فَقَوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُولَ: هِيَ حَالٌ لِلْمَفْعُولِ فَآخَرُ.

وَإِذَنْ؛ {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} يَعْنِي: فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَعَقِيدَتِهِ، وَلَا تَدَعُوا شَيْئًا مِنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا وَدَخَلْتُمْ فِيهِ اعْتِقَادًا وَتَطْبِيقًا وَعَمَلًا.

{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}، فَلَا تُجَزِّئُوا الْإِسْلَامَ أَجْزَاءً وَلَا تُبَعِّضُوهُ أَبْعَاضًا فَتَأْخُذُونَ -حِينَئِذٍ- بِمَا يَلَذُّ وَمَا يَرُوقُ لِأَعْيُنِكُمْ، وَتُهْمِلُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِحَيَوَاتِكُمُ الَّتِي قَدْ تَدَنَّتْ بِمُوَاضَعَاتِ حَيَاةٍ قَدِ اسْتُمِدَّتْ مِنْ غَيْرِكُمْ مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ رَبًّا، وَلَا بِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَلَا بِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا وَرَسُولًا.

{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} أَيِ: ادْخُلُوا جَمِيعًا فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللهِ أَحَدٌ وَلَا وَاحِدٌ.

أَوْ: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}: فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَعَ عَقِيدَتِهِ، فَلَا تَتْرُكُوا شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَّا وَأَخَذْتُمْ بِهِ.

((زُهُوقُ الْبَاطِلِ وَنَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ))

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ وَجَاءَتِ الْأُصُولُ الْعَامَّةُ، وَالرَّسُولُ ﷺ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَلْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ فِي وَاقِعِ الْحَالِ تَحَقُّقًا ظَاهِرًا يَقُولُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ -وَكَانَ قَدْ قَرَأَ كُتُبَ الْأَقْدَمِينَ- يَقُولُ لِلنَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.. وَالنَّبِيُّ ﷺ لَا يَدْرِي بَعْدُ مَا الَّذِي نَابَهُ، وَمَا الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِجَنَابِهِ، وَأَخَذَتْ بِهِ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- إِلَى وَرَقَةَ، فَلَمَّا حَكَى لَهُ الْمُخْتَارُ ﷺ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَدْءِ الْوَحْيِ قَالَ وَرَقَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ((قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، لَئِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا))؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي هِيَ مَبْنَى هَذَا الْعَالَمِ، وَهِيَ الْمِحْوَرُ الَّذِي يَدُورُ حَوْلَهُ الْوُجُودُ.. هَذِهِ الْحَقِيقَةُ هِيَ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ يَأْتِيهِ بَيَانُ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].

إِذَنْ؛ هَذِهِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَكَوْنِيَّةٌ مَعًا، كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ تُشْرِقُ مِنْ هَاهُنَا وَتَغْرُبُ هَاهُنَا، كَمَا أَنَّ النَّهَارَ يَطْلُعُ مِنْ هَاهُنَا، وَكَمَا أَنَّ اللَّيْلَ يُدْبِرُ مِنْ هَاهُنَا، كَذَلِكَ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا-، بَلْ هَذَا أَوْضَحُ مِنْ هَذَا؛ فَهَذَا كَلَامُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ بَيَانًا وَتَوْضِيحًا: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].

انْظُرْ إِلَى قَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {بَلْ نَقْذِفُ}، لَمْ يَقُلْ: بَلْ نَدْفَعُ أَوْ نَسُوقُ، بَلْ هُوَ الْقَذْفُ بِكُلِّ مَا فِي الْقَذْفِ مِنْ عُنْفٍ وَشِدَّةٍ، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ}.

وَانْظُرْ إِلَى اسْتِخْدَامِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِحَرْفِ الْجَرِّ (عَلَى) مَعَ مَا يُفِيدُهُ مِنَ الِاسْتِعْلَاءِ، مَعَ مَا يُفِيدُهُ مِنَ الْعُلُوِّ وَالشُّمُوخِ، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}: وَالدَّمْغُ: هُوَ شَجُّ عَظْمِ الرَّأْسِ لِلْوُصُولِ إِلَى حَقِيقَةِ الدِّمَاغِ، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ قَائِمَةً فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَائِمَةً فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَكِنِ النَّاسُ يَسْتَعْجِلُونَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَقْتَمَا يَشَاءُ وَوَقْتَمَا يُرِيدُ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا تَسْتَفِزُّ فِعْلَهُ -سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ- أَهْوَاءُ النَّاسِ وَلَا أَحْوَالُهُمْ، بَلِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.

وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.. هَذِهِ الْحَقِيقَةُ الثَّابِتَةُ ثَبَاتَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَلْ هِيَ أَثْبَتُ.. هَذِهِ الْحَقِيقَةُ الْمَسُوقَةُ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ قُرْآنًا يُتْلَى فِي الْمَحَارِيبِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، هِيَ بُشْرَى مِنْ بُشْرَيَاتِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، لِأَصْحَابِ الْحَقِّ، لِلَّذِينَ جَانَبُوا الْبَاطِلَ وَعَانَدُوهُ وَكَافَحُوهُ وَجَالَدُوهُ، وَلَا يُخَالِطَنَّ خَلَدَ إِنْسَانٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنَّ مَرْحَلَةً مِنْ مَرَاحِلِ الصِّرَاعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَاصِلَةً فِي الصِّرَاعِ كُلِّهِ وَفِي نَتِيجَتِهِ!

وَإِنَّمَا النَّتِيجَةُ الْمَحْسُومَةُ سَلَفًا.. النَّتِيجَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَتْمًا.. هَذِهِ النَّتِيجَةُ هِيَ أَنَّ النَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا نِزَاعٍ، وَلَكِنْ يَأْتِي النَّصْرُ لِلْمُؤْمِنِينَ -بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- عِنْدَمَا يَتَحَقَّقُ الْمُؤْمِنُونَ بِشَرَائِطِ النَّصْرِ وَبِأَسْبَابِهِ، وَعِنْدَمَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ بِقَوَاعِدِ الْوُصُولِ إِلَى نَصْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَإِلَّا كَانَتْ فِتْنَةً فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَوْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعْفِ قُوَّتِهِمْ، وَقِلَّةِ حِيلَتِهِمْ، وَهَوَانِ شَأْنِهِمْ دَخَلُوا وَهُمْ يَشْتَمِلُونَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ.. يَشْتَمِلُونَ مَعَ الضَّعْفِ وَالْهَوَانِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ ظَاهِرًا.. يَشْتَمِلُونَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْمُبَارَزَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالْعَظَائِمِ، وَالْمُحَارَبَةِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي شَرْعِهِ وَدِينِهِ، وَمُحَارَبَةِ أَوْلِيَاءِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ دَخَلُوا الْمَعْرَكَةَ وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَنَصَرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَكَانَتْ فِتْنَةً وَكَانَتْ مِحْنَةً تَنْزِلُ بِالْبَشَرِ، وَإِنَّمَا يُمَحِّصُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

لَوْ تَزَيَّلَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَانْفَصَلَ هَؤُلَاءِ عَنْ هَؤُلَاءِ لَجَاءَ نَصْرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِسَبَبٍ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ، وَجَاءَ نَصْرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَمْكِينًا فِي الْأَرْضِ مِنْ أَجْلِ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةً لِلصَّلَاةِ، وَإِيتَاءً لِلزَّكَاةِ، وَنَشْرًا لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ فِي دُنْيَا اللهِ.

أَمَّا أَنْ يَشْتَمِلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُلِّ مُخْزِيَةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ.. أَمَّا أَنْ يُشَاكِلَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي هَيْئَاتِهِمْ وَفِي حَرَكَاتِ حَيَاتِهِمْ، بَلْ فِي اعْتِقَادَاتِهِمْ وَفِي تَصَوُّرَاتِهِمْ، ثُمَّ يَتَدَنَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْوَهْدَةِ إِلَى الْحَضِيضِ، وَلَا يَمْتَلِكُونَ أَسْبَابَ النَّصْرِ بِقُوَّةِ الْمَادَّةِ، مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّدَنِّي فِي الْأَخْلَاقِ، وَالْبُعْدِ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمُ النَّصْرُ، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي كَوْنِهِ.

أَبَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَ مَنْ يَنْصُرُهُ، لَا يَنْصُرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ يَخْذُلُهُ، بَلِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُؤْتِي النَّصْرَ الْمُؤْمِنِينَ، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].

وَالنَّصْرُ -أَيْضًا- إِذَا تَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ الْقُوَّةِ ظَاهِرًا وَحَازُوهَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَحَصَّلُونَ عَلَى النَّصْرِ فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ تَمْحِيصًا مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَاخْتِبَارًا وَابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا؛ لِيُمَحِّصَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيُذْهِبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الزَّيْفَ وَالشَّوَائِبَ عَنْ صُفُوفِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الصَّابِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ.

وَأَمَّا الْعَقِيدَةُ الْحَقَّةُ فَإِنَّهَا لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ تَهْتَزَّ فِي نَفْسِ مُؤْمِنٍ لِاخْتِلَافِ أُمُورِ الدُّنْيَا، فَالدُّنْيَا قَدَرٌ مِنْ قَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَهَا، وَلَا عَلَيْهِ مِنْ نَتَائِجِهَا، تَأْتِي النَّتَائِجُ كَمَا يَشَاءُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يُحَاسِبُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّتَائِجِ فِي دُنْيَا اللهِ، وَإِنَّمَا يُحَاسِبُهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى إِتْقَانِ الْعَمَلِ، يُحَاسِبُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِحْسَانِ الصُّنْعِ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الصِّرَاعَ الدَّائِمَ بَيْنَ الْأُمَمِ كَالصِّرَاعِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

إِنَّ الصِّرَاعَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ حَقٍّ وَحَقٍّ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ تَمَامًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ حَقٍّ وَحَقٍّ لَاجْتَمَعَ الْمُتَصَارِعُونَ؛ لِأَنَّ التَّطَابُقَ فِي الْغَايَةِ وَالْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ يَتَصَارَعُونَ كَفِيلٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا تَزِيدُ.

إِنَّ الصِّرَاعَ لَا يَكُونُ فِي الْحَيَاةِ بَيْنَ حَقٍّ وَحَقٍّ أَبَدًا، الصِّرَاعُ إِمَّا بَيْنَ بَاطِلٍ وَحَقٍّ، وَإِمَّا بَيْنَ بَاطِلٍ وَبَاطِلٍ، وَالصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لَا يَدُومُ، فَإِذَا رَأَيْتَ صِرَاعًا يَمْتَدُّ أَزْمَانًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ صِرَاعٌ بَيْنَ بَاطِلٍ وَبَاطِلٍ، وَأَمَّا الصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَيَقُولُ فِيهِ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].

الْبَاطِلُ قَصِيرُ النَّفَسِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَشَّى مَعَ الْحَقِّ فِي صِرَاعٍ يَطُولُ، إِنْ هِيَ إِلَّا جَوْلَةٌ أَوْ جَوْلَتَانِ أَوْ جَوْلَاتٌ لَا تَتَعَدَّى أَصَابِعَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ إِذَا هُوَ زَاهِقٌ مَدْحُورٌ، كَمَا أَخْبَرَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ.

وَأَمَّا الصِّرَاعُ إِذَا مَا طَالَ فَاعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ الصِّرَاعَ هَاهُنَا بَيْنَ بَاطِلٍ وَبَاطِلٍ، قَدْ يَكُونُ الْحَقُّ فِي جَانِبِ بَعْضِ الْمُتَصَارِعِينَ، وَلَكِنَّ الْوَسِيلَةَ الَّتِي تُوَصِّلُ إِلَى هَذَا الْحَقِّ وَسِيلَةٌ لَا حَقَّ فِيهَا، بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقَّ فِيهِ وَلَا مَعَهُ.

((الْمَعَاصِي سَبَبُ هَزِيمَةِ الْأُمَّةِ وَكَسْرَتِهَا))

إِنَّ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي هَذَا الْكَوْنِ الْعَرِيضِ سُنَنًا لَا تُحَابِي أَحَدًا وَلَا تُجَامِلُهُ، وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدًا ﷺ.

وَمِنْ سُنَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْكَوْنِيَّةِ فِي كَوْنِهِ الْعَرِيضِ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

{ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].

فَهَذِهِ سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي كَوْنِهِ الْعَرِيضِ، عَامِلَةٌ فِي هَذَا الْكَوْنِ -بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحِكْمَتِهِ-، وَهَذِهِ السُّنَّةُ لَا تُجَامِلُ أَحَدًا وَلَا تُحَابِيهِ، حَتَّى إِنَّ وُجُودَ شَخْصِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ فِي مَوْقِعَةِ (أُحُدٍ) وَغَزْوَتِهَا.. وُجُودَ شَخْصِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لَمْ يَمْنَعْ هَذِهِ السُّنَّةَ مِنَ النَّفَاذِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَمَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ ﷺ بِأَنْ يَلْزَمُوا مَوَاقِعَهُمْ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ الرُّمَاةِ، وَأَلَّا يُغَادِرُوا مَوَاقِعَهُمْ وَلَوْ رَأَوُا الْمُشْرِكِينَ يَرْكَبُونَ أَكْتَافَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

فَخَالَفُوا أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُودُ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَيْنَهُمْ مِنْ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَصْرَهُمْ هَزِيمَةً، وَأَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، كُلُّ ذَلِكَ بِشُؤْمِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ ﷺ.

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

وَمِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَانُونِ وَهَذِهِ السُّنَّةِ قَالَ وَكِيلُ الْأَزْهَرِ فِي عَامِ أَلْفٍ وَثَلَاثِ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانٍ مِنْ هِجْرَةِ الْعَدْنَانِ ﷺ (1388هـ): ((إِنَّنَا لَوِ انْتَصَرْنَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ (1967م) عَلَى مَا كَانَ بِنَا مِنَ انْحِرَافٍ وَشَطَطٍ، وَخُرُوجٍ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا زَادَنَا ذَلِكَ إِلَّا عُتُوًّا فِي الْأَرْضِ وَاسْتِكْبَارًا)).

فِي ((الزُّهْدِ)) لِأَحْمَدَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ؛ فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا، فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟)).

فَقَالَ: ((وَيْحَكَ! مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللهِ إِذَا أَضَاعُوا أَمْرَهُ، بَيْنَمَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ، تَرَكُوا أَمْرَ اللهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى!)).

لَمَّا فَتَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُبْرُصَ، وَنَصَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُسْلِمِينَ نَصْرًا عَزِيزًا، وَأَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِزَّةً ظَاهِرَةً عَالِيَةً غَالِبَةً، جَلَسَ أَبُو الدَّرْدَاءِ نَاحِيَةً يَبْكِي وَيَنْتَحِبُ.

قَالَ جُبَيْرٌ: فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَنَصَرَ الْمُسْلِمِينَ تَجْلِسُ نَاحِيَةً تَبْكِي؟!

فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ! بَيْنَمَا هِيَ أُمَّةٌ ظَاهِرَةٌ عَالِيَةٌ لَهَا الْأَمْرُ؛ إِذْ خَالَفُوا أَمْرَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَصَيَّرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى مَا تَرَى!

وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا فَتَحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ قُبْرُصَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَهْلِهَا، فَبَكَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بُكَاءً يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ وَيُذِيبُ الْقُلُوبَ، وَهُوَ الَّذِي دَعَا فِي بَادِئِ الْأَمْرِ أَبَا الدَّرْدَاءِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَبْكِيَ مُنْتَحِيًا نَاحِيَةً يَرَى سُنَّةَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْكَوْنِيَّةَ عَامِلَةً فِي خَلْقِهِ، وَهُوَ يَخْشَى أَنْ تَدُورَ الدَّائِرَةُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ! بَيْنَمَا هِيَ أُمَّةٌ ظَاهِرَةٌ غَالِبَةٌ لَهَا الْأَمْرُ؛ إِذْ خَالَفُوا أَمْرَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَصَيَّرَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى مَا تَرَى!

وَالرَّسُولُ ﷺ يُحَذِّرُنَا مِنْ عَمَلِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْكَوْنِيَّةِ فِي أَوْصَالِ أُمَّتِنَا، فَيُصِيبُنَا ذُلٌّ مِنْ بَعْدِ عِزٍّ، وَضَعَةٌ مِنْ بَعْدِ رِفْعَةٍ، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم

يَقُولُ النَّبِيُّ الْمَأْمُونُ ﷺ: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).

يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)): وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّعَامُلِ الرِّبَوِيِّ؛ أَنْ يَذْهَبَ الرَّجُلُ إِلَى رَجُلٍ فَيَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَةً إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَبِيعُهَا لَهُ نَقْدًا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرُدَّ وَأَنْ يَدْفَعَ لَهُ شَيْئًا مِمَّا أُجِّلَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهَا، يَبِيعُهَا لَهُ نَقْدًا بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ مِنْهُ نَسِيئَةً، فَيَأْخُذُ النَّقْدَ أَقَلَّ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ دَيْنًا إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدْ رَدَّ السِّلْعَةَ، وَهُوَ تَعَامُلٌ هَكَذَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ دَخَلَتِ السِّلْعَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ رِبًا فِيهِ مِنَ الْحِيلَةِ مَا فِيهِ، يَضْرِبُهُ النَّبِيُّ ﷺ مَثَلًا.. مَثَلًا مَضْرُوبًا لِتَعَامُلٍ اقْتِصَادِيٍّ تُجْمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ أَوْ تَكَادُ، حَتَّى إِنَّهَا إِذَا لَمْ يُصِبْهَا شَيْءٌ مِنَ الرِّبَا أَصَابَهَا كَثِيرٌ مِنْ دُخَانِهِ وَغُبَارِهِ -وَالْأَمْرُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.

((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ)): وَقَدْ دَعَا دَاعِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: أَنْ يَا خَيْلَ اللهِ! ارْكَبِي، فَرَضِيتُمْ بِالدَّنِيئَةِ وَالْحِطَّةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ تَمْتَطُونَ صَهْوَاتِ الْجِيَادِ، تُثِيرُونَ الْغُبَارَ الَّذِي لَا يُشَقُّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

((وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ)): وَأَخْلَدْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذْتُمْ بِالدَّعَةِ وَالْخَفْضِ، وَلَمْ تَخْشَوْشِنُوا كَمَا أَمَرَ الْفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَدُومُ.

يَقُولُ النَّبِيُّ الْمَأْمُونُ ﷺ: ((وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا، لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).

وَوَاللهِ! إِنَّ الذُّلَّ لَمُحِيطٌ بِمَنْ بَدَّلَ دِينَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَغَيَّرَ سُنَّةَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.

وَهَلْ ذُلٌّ فَوْقَ أَنْ يُسَلِّطَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شُذَّاذَ الطُّرُقِ وَقُطَّاعَهَا مِنْ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ عَلَى خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَرْبَى عَدَدُهَا عَلَى الْمِلْيَارِ، وَهَؤُلَاءِ الشُّذَّاذُ وَاللُّصُوصُ لَا يَبْلُغُونَ بِجِوَارِهَا شَيْئًا؛ لَا عَدَدًا وَلَا عَتَادًا، وَلَا قُوَّةً وَلَا نَفَاذًا، وَلَا مَنْهَجًا وَلَا مِنْهَاجًا، وَلَكِنَّمَا هُوَ قَدَرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ الْأَمِينُ ﷺ: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)).

فَقَالَ قَائِلٌ: ((وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ مُعَلِّلًا وَمُفَسِّرًا: إِنَّ تَدَاعِيَ الْأُمَمِ كَمَا تَتَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا.. تَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَيْكُمْ لَيْسَ مِنْ قِلَّةٍ فِيكُمْ، قَالَ: ((بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ)).

فَقَالَ قَائِلٌ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الْوَهَنُ؟)).

قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)).

وَمَا كَذَلِكَ يَكُونُ جُنْدُ مُحَمَّدٍ ﷺ.

مِنْ أَجْلِهَا سَلَّطَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْأُمَّةِ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ جَعَلَ سُنَّةً كَوْنِيَّةً مِنْ سُنَنِهِ الْكَوْنِيَّاتِ الْعَامِلَاتِ بِقَدَرِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي كَوْنِهِ الْعَرِيضِ عَامِلَةً فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأَنَّ سُنَنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا تُحَابِي أَحَدًا وَلَا تُجَامِلُهُ.

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

وَقَالَ تَعَالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}: وَلَيْسَ الْبَحْرُ هَاهُنَا مَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ الذِّهْنُ بَدْءًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَوَاضِرُ وَالْقُرَى، وَكُلُّ مَا كَانَ عَلَى مَاءٍ، وَالْبَرُّ هَاهُنَا: الْبَرَارِي كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- فِي أَظْهَرِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لِهَذَا الْقَوْلِ الشَّرِيفِ.

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}: عِنْدَمَا يَأْتِي مِنَ النَّاسِ الْمَعَاصِي، وَعِنْدَمَا يَتَأَتَّى مِنَ النَّاسِ الْمُخَالَفَاتُ؛ فَلَا تَنْتَظِرْ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْمُخَالِفِينَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَلَا عِزَّةً غَالِبَةً، وَلَا رِفْعَةً دَائِمَةً، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ فَإِنَّمَا هُوَ الِاسْتِدْرَاجُ كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْصِي اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَفْجُرُ عَنْ أَمْرِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ﷺ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَفِي عَطَاءٍ مُتَوَاتِرٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182-183].

يَقُولُ الرَّسُولُ الْأَمِينُ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، وَكَمْ مِنْ أُمَّةٍ ظَاهِرَةٍ غَالِبَةٍ يَنْخَرُ السُّوسُ فِي أَوْصَالِهَا بِمَعَاصِي اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبِالْبُعْدِ عَنْ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

* مِصْرُ بَيْنَ الْهَزِيمَةِ وَالنَّصْرِ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ:

وَانْظُرْ إِلَى حَالِ الْأُمَّةِ قَبْلَ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، إِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ -وَجُزْءٌ مِنْهَا الْأُمَّةُ الْمِصْرِيَّةُ قَبْلَ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ- كَانَتْ فِي غَفْلَةٍ مُطْبِقَةٍ عَنْ دِينِ نَبِيِّهَا ﷺ، وَصَارَ بَأْسُهَا بَيْنَهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا بَعُدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ صَارَتْ أُمَمًا وَقَوْمِيَّاتٍ وَأَعْرَاقًا وَنَزْعَاتٍ وَتَصَوُّرَاتٍ، وَلَا يَلُمُّ الْأُمَّةَ وَلَا يَجْمَعُ شَمْلَهَا إِلَّا دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مُقْتَضَى هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

إِنَّ الْأُمَّةَ فَقَدَتْ مَا يَرْبُو عَلَى سِتِّ مِائَةِ مِلْيُون مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا دَعَتْ إِلَى الْعِرْقِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَنَازَعَتْ بَيْنَهَا إِلَى الْيَمِينِ حِينًا وَإِلَى الْيَسَارِ حِينًا، وَإِلَى يَمِينِ الْيَمِينِ وَيَسَارِ الْيَسَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَمِينَ لَيْسَ لَوْنًا وَاحِدًا، بَلْ هُوَ أَلْوَانٌ تَخْتَلِفُ مِنْ وَاشُنْطُنَ إِلَى بَارِيسَ إِلَى لُنْدُنَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَوَاصِمِ الْغَرْبِ عَلَى انْتِمَاءَاتِهَا إِلَى الْيَمِينِ، وَأَيْضًا الْيَسَارُ يَخْتَلِفُ بِأَلْوَانِهِ مِنَ الْأَحْمَرِ إِلَى الْأَصْفَرِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ مُوسْكُو إِلَى بِكِين.

وَالْأُمَّةُ عِنْدَمَا تُهْمِلُ دِينَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِهْمَالًا غَيْرَ حَمِيدٍ، وَتَجْعَلُ الدِّينَ دَبْرَ الْآذَانِ؛ يُصِيبُهَا مَا أَصَابَ الْأُمَمَ قَبْلَهَا -بِقَدَرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، بَلْ إِنَّهَا تَنَازَعَتْ بَيْنَهَا -وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَفِي السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ جَاءَتْ نَكْبَةٌ مَرِيرَةٌ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تَحْمِلَهُ اللَّفْظَةُ مِنَ الْمَعَانِي، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَفَجَّرَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الثَّنَايَا وَالْحَنَايَا بِالْقَيْحِ وَبِالصَّدِيدِ، إِنَّهُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ دُمِّرَتْ جَمِيعُ قُوَّةِ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الطَّيَرَانِ الرَّاكِدِ عَلَى أَرْضِهِ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ لَا تَزِيدُ، وَكُنَّا نَتَوَقَّعُ يَوْمَهَا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْنَا الْهُجُومُ مِنْ قِبَلِ يَهُودٍ مِنَ الشَّمَالِ أَوْ مِنَ الشَّرْقِ، فَجَاءَنَا مِنَ الْغَرْبِ، وَالْأَصْلُ أَنْ نَتَوَقَّعَ الْهُجُومَ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ تَحْتِ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَلَكِنَّمَا هُوَ فَقْدُ الْبَصَرِ مِنْ بَعْدِ فَقْدِ الْبَصِيرَةِ لِغَلَبَةِ الْمَعَاصِي عَلَى الْقَوْمِ -وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ-.

كَانَ الْمُذِيعُونَ فِي وَقْتِهَا يُحَرِّضُونَ الْجُنُودَ فِي الْمَيَادِينِ بِهَذَا التَّحْرِيضِ الْعَجِيبِ: لَا دِينَ إِلَّا الْقُوَّةُ، وَلَا عَقِيدَةَ إِلَّا السِّلَاحُ، يَقُولُونَ: تَقَدَّمُوا -أَيُّهَا الْجُنُودُ- فَإِنَّ الْفَنَّانَةَ فُلَانَةً وَرَاءَكُمْ، وَإِنَّ الْمُطْرِبَةَ عِلَّانَةً بِجَانِبِكُمْ؛ فَتَقَدَّمُوا وَاخْتَرِقُوا الصُّفُوفَ، وَمَا هَكَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ الْقَدِيمُ:

أَوْرَدَهَا سَعْدٌ وَسَعْدٌ مُشْتَمِل    =   مَا هَكَذَا تُورَدُ يَا سَعْدُ الْإِبِل

إِنَّ الْأَمْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَكْبَةٌ وَلَا مِنْ مُجِيرٍ مِنْهَا وَلَا عَاصِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُجِيرَ وَالْعَاصِمَ جَعَلَهُ الْقَوْمُ دَبْرَ الْآذَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

دُمِّرَتْ قُوَّةُ الطَّيَرَانِ الضَّارِبَةُ بِجَمِيعِهَا، وَتَحَطَّمَتْ مَا يَقْرُبُ مِنْ ثَمَانِينَ بِالْمِائَةِ (80%) مِنْ قُوَّةِ الْمِصْرِيِّينَ الْعَسْكَرِيَّةِ، وَهِيَ أَكْبَرُ قُوَّةٍ ضَارِبَةٍ عَرَبِيَّةٍ قَطُّ -بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.

وَغَنِمَ الْيَهُودُ الْمَلَاعِينُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الْعَتَادِ وَمِنَ الذَّخِيرَةِ وَمِنَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْلُمُونَ بِهِ مُنْذُ أَنْ جَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَحْوَذُوا عَلَى سَيْنَاءَ وَغَزَّةَ وَمُرْتَفَعَاتِ الْجُولَانِ وَالضِّفَّةِ وَالْقُدْسِ، وَدَخَلُوا إِلَى مَسْجِدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْمُطَهَّرِ، وَوَقَفُوا يَنْتَحِبُونَ هُنَاكَ عِنْدَ حَائِطِ الْمَبْكَى كَفِعْلِ الْبَهَالِيلِ!

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدَّرَ مَا قَدَّرَ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِكَيْ يَعُودَ النَّاسُ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبِالْفِعْلِ عَادُوا صَاغِرِينَ رَاغِمِينَ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِالْعَوْدَةِ الْحَمِيدَةِ إِلَى دِينِهِ الْمَجِيدِ، لَا مُوسْكُو وَلَا وَاشُنْطُن وَلَا مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].

لَمَّا عَادَ الْقَوْمُ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَارَ الشِّعَارُ: اللهُ أَكْبَرُ؛ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَقُوَّتُهُ الْعَزِيزَةُ الْغَالِبَةُ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ، لَمَّا عَادَ الْأَمْرُ إِلَى سَوَائِهِ، وَاسْتَقَرَّ عَلَى قَرَارِهِ جَاءَ النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفُوجِئَ الْيَهُودُ مِنْ إِخْوَانِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ فِي الْعَاشِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّذِي تُحْيَا فِيهِ الذِّكْرَى، لَا ذِكْرَى النَّصْرِ، وَإِنَّمَا ذِكْرَى أَسْبَابِ النَّصْرِ، الذِّكْرَى الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَنَّ النَّصْرَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ عِنْدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَّا لِمَنْ إِذَا مَكَّنَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ.

((هَزِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ حِقَبِ التَّارِيخِ..

الْأَسْبَابُ وَالْعِبَرُ))

فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ الصِّرَاعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ تَكَالَبَ الْكُفَّارُ الْمُجْرِمُونَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى دِيَارِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ الشَّامِخَةِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.. تَكَالَبَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا، فَجَاءَ الصَّلِيبِيُّونَ وَظَلُّوا يُجَالِدُونَ وَيُكَافِحُونَ فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ الضَّعْفِ.. فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ تَخَلِّي الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، وَعَدَمِ أَخْذِهِمْ بِأَسْبَابِ رَبِّهِمْ فِي دُنْيَا رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلَا-.

فَجَاءَتِ الْكَسْرَةُ، وَظَلُّوا مُحْتَلِّينَ لِأَرْضِ الْإِسْلَامِ قَرْنَيْنِ كَامِلَيْنِ.. مِائَتَيْ عَامٍ كَامِلَاتٍ وَهُمْ مُحْتَلُّونَ لِأَرْضِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَاحْتَلُّوا (بَيْتَ الْمَقْدِسِ)، فَدَخَلَتِ الْخَيْلُ تَخُوضُ فِي الدِّمَاءِ إِلَى الرُّكَبِ، وَقَتَلُوا عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَالَتِ الدِّمَاءُ فَوْقَ الْأَسْطُحِ وَفِي الطُّرُقَاتِ حَتَّى كَانَتِ الدِّمَاءُ تَنْزِلُ مِنَ الْمَيَازِيبِ -تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ تُجْعَلُ وَمَا زَالَتْ فَوْقَ الْأَسْقُفِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ مَاءُ الْمَطَرِ فَوْقَهَا، ثُمَّ يَنْزِلُ مَاءُ الْمَطَرِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الشَّوَارِعِ بَعِيدًا عَنِ الدُّورِ-، فَكَانَتِ الدِّمَاءُ تَسِيلُ مِنَ الْمَيَازِيبِ، وَدَخَلَتِ الْخَيْلُ تَخُوضُ إِلَى الرُّكَبِ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَظَلُّوا مُحْتَلِّينَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ تِسْعِينَ عَامًا، حَتَّى بَعَثَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ صَحْوَةً، وَحَتَّى نَبَّهَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رِقْدَتِهِمْ، وَأَفَاقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ غَفْوَتِهِمْ، وَصَحَى الْمُسْلِمُونَ فَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَخْرَجَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ أَخْرَجَ؛ عِمَادُ الدِّين زَنْكِي، ثُمَّ نُورُ الدِّين مَحْمُود، ثُمَّ تِلْمِيذَهُ أَخْرَجَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ صَلَاحَ الدِّين.

وَلَمْ يَكُنِ الشَّأْنُ قَائِمًا حَوْلَ هَذَا الْمِحْوَرِ وَحْدَهُ، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَنْصُرِ الْمُسْلِمِينَ -حِينَئِذٍ- بِرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمَّةٌ بُعِثَتْ فِيهَا رُوحُ الْجِهَادِ مِنْ جَدِيدٍ، أَيْقَظَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الرِّقْدَةِ، وَنَبَّهَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْغَفْوَةِ، ثُمَّ كَانَتِ الْمَقَادَةُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْأُمَّةِ عَلَى قَدَرٍ، فَسَاقَ الْأُمَّةَ أَوْ قَادَهَا -مَا شِئْتَ فَقُلْ- حَتَّى كَانَتِ الْكَسْرَةُ لِلْمُجْرِمِينَ، ثُمَّ الْجَلَاءُ مَخْزِيِّينَ مَطْرُودِينَ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

وَمَا هِيَ إِلَّا حِقْبَةٌ يَسِيرَةٌ مِنَ الزَّمَانِ حَتَّى غَارَ الْمَشْرِقُ مِنَ الْمَغْرِبِ؛ فَأَرْسَلَ الْمَشْرِقُ جُمُوعَ التَّتَارِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَدْخُلُوا بَغْدَادَ الْحَبِيبَةَ.

وَالْمُلَاحَظُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكَسْرَاتِ الَّتِي تُحِيطُ بِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا عَلَى جِسْرٍ مِنَ الْخِيَانَةِ، لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَتَمَكَّنَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَنْ يَضَعُوا يَدَهُمْ عَلَى شِبْرٍ بَلْ عَلَى قِيدِ أُنْمُلَةٍ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ الْحَبِيبَةِ إِلَّا عَلَى جِسْرٍ مِنَ الْخِيَانَةِ.. إِلَّا عَلَى جِسْرٍ مِنَ الْغَدْرِ وَالنَّذَالَةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ؛ وُزَرَاءُ الْمُسْتَعْصِمِ كَانُوا يُعَامِلُونَ التَّتَارَ بِلَيْلٍ، وَيُرَاسِلُونَهُمْ سِرًّا، وَيَخُونُونَ الْأُمَّةَ فِي حَبَّةِ قَلْبِهَا، وَفِي سُوَيْدَاءِ فُؤَادِهَا، حَتَّى كَانَ مَا كَانَ، وَاسْتُبِيحَتْ بَغْدَادُ الْحَبِيبَةُ.

وَهَذَا -كَمَا تَرَى- يَظَلُّ مَا شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يُفِيقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ غَفْوَتِهِمْ، وَحَتَّى يَنْتَبِهُوا مِنْ رِقْدَتِهِمْ، وَالْقَدَرُ الْكَائِنُ شَرْعًا هُوَ الْقَدَرُ الْكَائِنُ كَوْنًا فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

((أَسْبَابُ النَّصْرِ وَشُرُوطُهُ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ مَنُوطٌ بِنُصْرَتِهِ لِلدِّينِ وَالْحَقِّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْجَزَاءِ بِجِنْسِ الْعَمَلِ.

قَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21].

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].

وَهَذَا النَّصْرُ الْإِلَهِيُّ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ وَنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

((هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ -تَعَالَى- لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرُوا اللَّهَ؛ بِالْقِيَامِ بِدِينِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ، أَيْ: يَرْبِطُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالصَّبْرِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّبَاتِ، وَيُصَبِّرُ أَجْسَامَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعِينُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَهَذَا وَعْدٌ مِنْ كَرِيمٍ صَادِقِ الْوَعْدِ أَنَّ الَّذِي يَنْصُرُهُ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ سَيَنْصُرُهُ مَوْلَاهُ، وَيُيَسِّرُ لَهُ أَسْبَابَ النَّصْرِ مِنَ الثَّبَاتِ وَغَيْرِهِ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40].

قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَمْلِكُ النَّصْرَ، وَلَا يَأْتِي النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَكِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ النَّصْرَ الَّذِي لَا يَأْتِي إِلَّا مِنْ عِنْدِهِ وَحْدَهُ -سُبْحَانَهُ-.. جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ.

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40-41].

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُقَرِّرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ أَنَّهُ يَنْصُرُ الَّذِينَ إِذَا مَا مَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

وَلَمْ يَقُلِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا مَسَارِحَ الْفِسْقِ، وَمَوَاخِيرَ الْمُجُونِ، وَشَوَاطِئَ الْعُرْيِ، وَجَعَلُوا الْأَمْرَ شُيُوعِيَّةً فِي الْجِنْسِ وَفِي النِّسَاءِ -وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ-.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَيَأْبَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَّا أَنْ يَخْذُلَ مَنْ خَذَلَ دِينَهُ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَنْصُرُ مَنْ نَصَرَهُ، اللهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَلَكِنَّ نَصْرَكَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ الْغَالِبُ لَا يَحْتَاجُ نَصْرًا مِنْ أَحَدٍ وَلَا مَعُونَةً، وَلَكِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ الَّذِي يُعِينُ وَيَنْصُرُ، بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الْقُوَى وَالْقُدَرِ، وَلَكِنَّ نَصْرَ النَّاسِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هُوَ نَصْرُهُمْ لِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ بِإِقَامَةِ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

وَانْظُرْ إِلَى الشُّرُوطِ بَدْءًا وَمُنْتَهًى، انْظُرْ إِلَى الشُّرُوطِ صَدْرًا وَعَجُزًا، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذَا الْوَعْدِ الْإِلَهِيِّ الرَّبَّانِيِّ الْجَلِيلِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: مُؤْمِنُونَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ.

ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الْمُنْتَهَى وَانْظُرْ إِلَى الْعَجُزِ وَانْظُرْ إِلَى التَّذْيِيلِ، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}: عِبَادَةً صَحِيحَةً للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا عَلَى مُقْتَضَى إِيمَانٍ لَا شِرْكَ مَعَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ يَقِينٌ صَادِقٌ بِاللهِ وَعَلَى اللهِ وَفِي اللهِ.

هَذِهِ الشُّرُوطُ مَتَى مَا اسْتَكْمَلَتْهَا الْأُمَّةُ، مَتَى مَا اسْتَكْمَلَتْهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهِيَ مُسْتَكْمَلَةٌ بِبُشْرَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) وَغَيْرِهِمَا: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)). وَفِي رِوَايَةٍ: ((وَهُمْ كَذَلِكَ)).

يَقُولُ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الطَّائِفَةَ الْمَنْصُورَةَ هِيَ: مِنْ مُجَاهِدٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعَالِمٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، هَذَا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِسِنَانِهِ، وَهَذَا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِقَلَمِهِ وَلِسَانِهِ، وَهَذَا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي أَرْضِهِ فَلْحًا لَهَا وَإِخْرَاجًا لِمَكْنُونِهَا، وَهَذَا صَانِعٌ فِي مَصْنَعِهِ، وَهَذَا عَامِلٌ فِي مَعْمَلِهِ، كُلٌّ آخِذٌ بِمَا آتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ عَمَلٍ هُوَ عِبَادَةٌ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنَ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ -إِنْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-.

((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)).

فَأَسْرِعْ أَسْرِعْ.. أَسْرِعْ وَأَسْرِعْ، وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ التَّهَاوُنِ، حَذَارِ حَذَارِ مِنَ التَّكَاسُلِ وَالْهَوَانِ؛ فَإِنَّ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الرَّكْبِ الْمُبَارَكِ.. فَإِنَّ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ الْهَوَانَ وَالْمَذَلَّةَ وَالضَّيَاعَ وَالدَّمَارَ!

أَسْرِعْ أَسْرِعْ وَالْحَقْ بِهَذَا الرَّكْبِ الْمُبَارَكِ!

حَذَارِ حَذَارِ مِنَ التَّخَلُّفِ، وَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ مُؤْمِنًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عَامِلًا لِلصَّالِحَاتِ، عَابِدًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شَيْئًا.

((وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ))

إِنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَكَذَلِكَ التَّمْكِينَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].

(({وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ}: فَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى مَا مَعَكُمْ مِنَ الْأَسْبَابِ، بَلِ الْأَسْبَابُ فِيهَا طُمَأْنِينَةٌ لِقُلُوبِكُمْ، وَأَمَّا النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ فَهُوَ مَشِيئَةُ اللهِ لِنَصْرِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ؛ فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ نَصَرَ مَنْ مَعَهُ الْأَسْبَابُ كَمَا هِيَ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ، وَإِنْ شَاءَ نَصَرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْأَذَلِّينَ؛ لِيُبَيِّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدَيْهِ، وَمَرْجِعَ الْأُمُورِ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ}: فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَخْلُوقٌ، بَلِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ أَذِلَّاءُ مُدَبَّرُونَ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَقَهْرِهِ {الْحَكِيمِ}: الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي إِدَالَةِ الْكُفَّارِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِدَالَةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، قَالَ تَعَالَى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد: 4])).

وَقَالَ تَعَالَى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].

((إِنْ يَمْدُدْكُمُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ وَمَعُونَتِهِ فَلا غَالِبَ لَكُمْ، فَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مَنْ فِي أَقْطَارِهَا وَمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا مُغَالِبَ لَهُ، وَقَدْ قَهَرَ الْعِبَادَ وَأَخَذَ بِنَوَاصِيهِمْ، فَلَا تَتَحَرَّكُ دَابَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَسْكُنُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

{وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} وَيَكِلْكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}، فَلَا بُدَّ أَنْ تَنْخَذِلُوا وَلَوْ أَعَانَكُمْ جَمِيعُ الْخَلْقِ.

وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِنْصَارِ بِاللَّهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}: تَقَدُّمُ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْحَصْرِ، أَيْ: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلُوا لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ النَّاصِرُ وَحْدَهُ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَوْحِيدٌ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِهِ شِرْكٌ غَيْرُ نَافِعٍ لِصَاحِبِهِ، بَلْ ضَارٌّ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ بِحَسْبِ إِيمَانِ الْعَبْدِ يَكُونُ تَوَكُّلُهُ)).

وَقَالَ تَعَالَى: {بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 5].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].

وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5-6].

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84].

((النَّصْرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُخْبِرُنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ أَمْرًا مُحَدَّدًا؛ {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32-33].

آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى اخْتِلَافِ النَّظْمِ بَيْنَهُمَا، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، لِذَلِكَ يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي آيَةٍ أُخْرَى تَحْمِلُ ذَاتَ النَّظْمِ الَّذِي ذَيَّلَ بِهِ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَعَقَّبَ بِهِ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى إِرَادَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِ، عَلَى فِعْلِهِمْ وَعَاقِبَةِ مَكْرِهِمْ، اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ إِنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ بِغَايَةٍ، وَأَرْسَلَهُ بِوَسِيلَةٍ تُؤَدِّي إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ، يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ}: بِهَذَا الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ، بِالتَّوْحِيدِ الشَّفِيفِ الرَّفِيفِ، بِهَذَا التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ إِسْلَامُ الْقَلْبِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَاطِنًا.

اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- يَقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ ﷺ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ}: بِهَذَا الْجَانِبِ الْعَمَلِيِّ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِالشَّرَائِعِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ، لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي تَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يُقِيمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَهُوَ الرَّسُولُ الْخَاتَمُ، وَكِتَابُهُ هُوَ الْكِتَابُ الْخَاتَمُ، وَشِرْعَتُهُ هِيَ الشِّرْعَةُ الْخَاتِمَةُ، وَمُحَمَّدٌ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}: لِيَجْعَلَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ظَاهِرًا، لِيُعْلِيَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ؛ حُجَّةً وَمَنْطِقًا، لِيَجْعَلَهُ ظَاهِرًا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ جِلَادًا وَجِهَادًا وَسَيْفًا وَسَوْقًا، لِيَجْعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}، كَمَا قَالَ فِي (الْفَتْحِ) -سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ-: {وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28]، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَشْهَدُونَ شَيْئًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا لَا فِي عَالَمِ الْغَيْبِ وَلَا فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا رَبُّكُمُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.. فَرَبُّكُمْ عَلَّامُ الْغُيُوبِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَقْضِي بِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَعُرْوَتُكُمُ الْوُثْقَى هِيَ الْإِيمَانُ، وَلَا عَلَيْكُمْ.. لَا عَلَيْكُمْ مِنَ النَّصْرِ، يَأْتِي النَّصْرُ وَقْتَمَا يَشَاءُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَعَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يُرِيدُ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ.

لَا عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا فَلَسْتُمْ مُطَالَبِينَ بِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا مَا عَلَيْكُمْ، الَّذِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ بِحَقٍّ، وَالْإِسْلَامُ: ((الصِّدْقُ مَعَ الْحَقِّ، وَالْخُلُقُ مَعَ الْخَلْقِ))، فَإِذَا تَحَقَّقْتُمْ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، إِذَا مَا تَحَقَّقْتُمْ بِهِ عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً جَاءَكُمْ نَصْرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.

قُضِيَ الْأَمْرُ، وَلَا مُعَقِّبَ لِقَوْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، انْتَهَتِ الْمَسْأَلَةُ، قَدْ طُوِيَتِ الصُّحُفُ وَجَفَّتْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ كَمَا قَدَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَزَلًا.

النَّصْرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَلَكِنِ الْمُسْلِمُونَ يَتَرَاوَحُونَ نَصْرًا وَهَزِيمَةً، تَثْبِيتًا وَإِحْبَاطًا، قِيَامًا وَقُعُودًا، تَقَدُّمًا وَتَخَلُّفًا، عُلُوًّا وَتَدَنِّيًا، الْمُسْلِمُونَ يَتَرَاوَحُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا عَلَى قَدْرِ التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

وَأَمَّا مَا قَدَّرَهُ اللهُ وَقَضَاهُ فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَةٍ مُحْكَمَةٍ لَا يَأْتِيهَا الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَلَا مِنْ خَلْفِهَا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الحشر: 36].

لَا تَبْتَئِسُوا؛ فَقَدَرُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَافِذٌ، {وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 138].

 لَا تَبْتَئِسُوا وَلَا تُحْبَطُوا، وَإِنَّمَا اسْتَعْلُوا بِدِينِكُمْ؛ فَالْمُسْلِمُ كَائِنًا مَا كَانَ أَمْرُهُ فِي ذِلَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَحِطَّةٍ بَادِيَةٍ هُوَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ أَعْلَى قَدَمًا وَأَعْلَى كَعْبًا مِنْ أَعْلَى هَامَةٍ فِي الْعَالَمِ مَا دَامَتْ كَافِرَةً، بَلْ إِنَّ أَعْلَى هَامَةٍ فِي الْعَالَمِ مَا دَامَتْ كَافِرَةً مُشْرِكَةً هِيَ أَقَلُّ مِنَ الذُّبَابِ وَأَحَطُّ مِنَ الْحَمِيرِ، بِذَا قَضَى رَبُّكَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَنَّ الْكُفَّارَ الْمُجْرِمِينَ الْمُشْرِكِينَ {أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179]، قَضَى رَبُّكَ وَقَدَّرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَالْهَبَاءِ.

وَإِنَّمَا تَأْتِي الْكَسْرَةُ عِنْدَمَا يَتَخَلَّفُ الْمُسْلِمُونَ عَنِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الصَّحِيحَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى النَّتِيجَةِ الصَّحِيحَةِ، إِذَا مَا تَخَلَّفَتِ الْمُقَدِّمَاتُ الصَّحِيحَةُ فَقُلْ لِي بِرَبِّكَ: كَيْفَ تَنْتُجُ النَّتَائِجُ الصَّحِيحَةُ، وَالنَّتَائِجُ الصَّحِيحَةُ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أَنْ تَنْتُجَ مِنَ الْهَبَاءِ وَلَا مِنَ الْخَطَأِ وَلَا مِنَ الْعَدَمِ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَى النَّتَائِجِ الصَّحِيحَةِ مُقَدِّمَاتٌ صَحِيحَةٌ، ذَلِكَ بِذَلِكَ، قَضَى رَبُّكَ بِذَلِكَ وَقَدَّرَ، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.

وَلَكِنْ غَايَةُ مَا هُنَالِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَاسَكَ!

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَزَّ بِإِسْلَامِهِ!

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَزَّ بِدِينِهِ وَيَقِينِهِ!

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَرْءَ مُسْلِمًا، وَالَّذِي رَفَعَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ حِطَّةِ الْكُفْرِ وَمِنْ وَهْدَةِ الشِّرْكِ إِلَى سُمُوقِ الْإِسْلَامِ وَعِزَّةِ الْإِيمَانِ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَفْرَحَ بِنِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَهِيَ أَجَلُّ نِعْمَةٍ يُنْعِمُ بِهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَبْدٍ دُنْيَا وَآخِرَةً، بِذَلِكَ قَضَى رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

وَجَاءَتِ الْمُفَارَقَةُ الْبَاهِرَةُ إِلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ كَالْأَطْفَالِ عُقُولًا وَغَرَارَةً وَسَذَاجَةً وَحِطَّةَ عَقْلٍ وَفُسُولَةَ رَأْيٍ، وَانْظُرْ إِلَى تَعْبِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يُصَوِّرُهُمْ -هَكَذَا- وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الشَّمْسِ بِأَيِّ شَيْءٍ؟!!

بِأَفْوَاهِهِمْ، مَعَاذَ اللهِ! بَلْ إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الْعَالَمِ، وَأَنَّى مِنْ نُورِ الْعَالَمِ مِنْ نُورِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ نُورُ الشَّمْسِ إِنَّمَا هِيَ كَذُبَالَةٍ حَقِيرَةٍ بِجَانِبِ نُورِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بَلْ هِيَ مِنْ نُورِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُسْتَمَدَّةٌ بِأَمْرِهِ قَالَ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ، وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

انْظُرْ إِلَيْهِمْ فِي فُسُولَةِ الرَّأْيِ وَضَحَالَةِ الْفِكْرِ: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}: أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَيِّ شَيْءٍ؟!! بِأَفْوَاهِهِمْ، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

 

 

 

 

أَبْشِرْ وَلَا تَبْتَأِسْ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى مَرْضَاةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِيَتَحَقَّقَ فِي كَوْنِ اللهِ وَعْدُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

النَّصْرُ آتٍ لَا مَحَالَةَ، قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْ جِيلٍ مِنْ أَجْيَالِ الْأُمَّةِ، لَا بَأْسَ وَلَا غَضَاضَةَ، وَلَكِنَّهُ آتٍ لَا مَحَالَةَ، وَالْأُمَّةُ هِيَ لُحْمَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَهِيَ سَلَاسِلُ مُتَمَاسِكَاتٌ فِي حَلْقَاتٍ مُتَشَابِكَاتٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَاسِطَةِ الْعِقْدِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَظَلُّ سَارِيَةً فِي الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَأَمَّا الطَّرَفُ الْآخَرُ فَإِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُرِيدُ مِنَّا عَمَلًا عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْأَغَرِّ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا يُطَالِبُنَا بِالنَّتَائِجِ، يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِمَا يُرِيدُ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُؤْتِي النَّصْرَ مَنْ يَشَاءُ، وَالنَّصْرُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ طَالَمَا آتَى الْمُؤْمِنِينَ تَمَاسُكًا، وَنَحَّى عَنِ الْمُسْلِمِينَ التَّخَاذُلَ؛ فَقَدِ انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ.

وَأَمَّا الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.. وَأَمَّا الْكَبْوَةُ الْبَادِيَةُ فَإِنَّ لِكُلِّ سَيْفٍ نَبْوَةً، وَلَكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةً، وَلَا عَلَى الْمَرْءِ إِذَا مَا كَبَا أَنْ يَقُومَ وَأَنْ يَسْتَوِيَ مُعْتَدِلًا، وَأَنْ يُثَبِّتَ الْأَقْدَامَ عَلَى نَهْجِ الطَّرِيقِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَاصِرُهُ مَا تَمَسَّكَ بِنُصْرَةِ رَبِّهِ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُؤْتِيهِ مَا آتَى السَّابِقِينَ مِنَ التَّثْبِيتِ وَالتَّمْكِينِ.

وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ الْقَدِيمُ:

اشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرَجِي    =     قَدْ آذَنَ صُبْحُكِ بِالْبَلَجِ

وَاللَّيْلُ يَكُونُ سَوَادًا وَأَعْظَمُ مَا يَكُونُ بُهْمَةً قَبْلَ انْبِلَاجِ الْفَجْرِ بِنُورِهِ الشَّفِيفِ.

فَلَا تَيْأَسُوا وَلَا تُحْبَطُوا -عِبَادَ اللهِ-، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، فَأَنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ.

وَهَذِهِ أُمَّةٌ مَنْصُورَةٌ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَذَلَهَا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

((طَرِيقُ النَّصْرِ وَالْعِزَّةِ))

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! النَّصْرُ بِأَسْبَابِهِ، وَالطَّرِيقُ مَعْهُودٌ وَمَعْرُوفٌ؛ تَخَلٍّ عَنِ الْمَعَاصِي بِجُمْلَتِهَا، وَعَوْدَةٌ إِلَى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِجُمْلَتِهِ، وَتَآلُفٌ وَتَحَابٌّ، وَتَنَاصُرٌ وَتَآزُرٌ، وَرِفْقٌ وَلِينٌ، وَرَحْمَةٌ وَسَمَاحَةٌ، وَحُبٌّ وَمَوَدَّةٌ، وَتَطْلِيقٌ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالشَّحْنَاءِ، وَتَمَسُّكٌ بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، أَمَا وَإِلَّا فَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.

اللهم ثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَاهْدِ قُلُوبَنَا، وَاجْبِرْ كَسْرَنَا، وَارْحَمْ ضَعْفَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

المصدر: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى وَأَثَرُهُ فِي اسْتِقَامَةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ
  بيان حول حادث المنيا الإرهابي
  تحذير الشباب من مشابهة الخوارج
  مَعَانِي الرِّزْقِ وَمَفَاتِيحُهُ
  أَهَمِّيَّةُ الْعَمَلِ وَالتَّخْطِيطِ فِي الْإِسْلَامِ وَسُبُلُ التَّغْيِيرِ
  حرب الشائعات
  ضَوَابِطُ الْأَسْوَاقِ وَآدَابُهَا
  اسْمُ اللهِ الْوَلِيُّ
  التَّحْذِيرُ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالْبَغْتَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  التَّضْحِيَةُ مِنْ أَجْلِ الأَوْطَانِ وَمُرَاعَاةُ المَصْلَحَةِ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان