عَاقِبَةُ إِهْمَالِ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ


 ((عَاقِبَةُ إِهْمَالِ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ))

فِي مُقَابِلِ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ يَسْتَخْدِمُ أَدَوَاتِ الْوَعْيِ وَالْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ؛ يُخْبِرُنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَمَّنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ فِيمَا جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهَا وَفِيمَا يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَخْدَمَ فِيهِ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 179].

وَأَعْيُنٌ لَا تَرَى.. {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198]، فَفَارِقٌ بَيْنَ النَّظَرِ وَالْإِبْصَارِ.

أَمَّا النَّظَرُ فَمُطْلَقٌ يَسْتَوِي فِيهِ كُلُّ نَاظِرٍ مِنْ شَاخِصٍ إِلَى شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مُنْصَرِفًا عَنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْرِكٍ لِحَقِيقَتِهِ.

النَّظَرُ شَيْءٌ وَالْإِبْصَارُ شَيْءٌ آخَرُ بِنَصِّ الْآيَةِ الْمُكَرَّمَةِ، {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ..} شَاخِصِينَ بِأَبْصَارِهِمْ مُهْطِعِينَ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ، {وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198]، {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: 179].

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَمَّا ذَكَرَ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَفُؤَادٌ.. هَذِهِ أَدَوَاتُ الْفَهْمِ وَأَدَوَاتُ الْإِدْرَاكِ وَأَدَوَاتُ الْمَعْرِفَةِ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

بَيَّنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ حَالَ الْجَاحِدِينَ الَّذِينَ لَا يَشْكُرُونَ وَالَّذِينَ لَا يُصَرِّفُونَ هَذِهِ النِّعَمَ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ تُصَرَّفَ فِيهِ، فَيَقُولُ اللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا}؛ أَيْ: خَلَقْنَا وَأَنْشَأْنَا.

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ}؛ فَذَكَرَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ خَلْقِهِ.. ذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ كَلَّفَهُ وَقَبِلَ تَحْمُّلَ الْأَمَانَةِ بِـ (افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ).. ذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمُكَلَّفِينَ مِمَّنْ آتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْإِدْرَاكَ وَالْفَهْمَ وَالْمَعْرِفَةَ بِأَدَوَاتِهِ، ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ وَتِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ عَقْلٍ يُدْرِكُ وَقَلْبٍ يَعِي، وَمِنْ بَصَرٍ يُبْصِرُ لَا يَنْظُرُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فَيُبْصِرُ، وَمِنْ أُذُنٍ تَسْمَعُ فَتَعِي، وَلَا تَسْمَعُ ثُمَّ لَا تَعِي وَلَا تُدْرِكُ.

بَيَّنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ هَذِهِ النِّعَمَ يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَلَا يُعَدُّ الْمَرْءُ شَاكِرًا رَبَّهُ عَلَيْهَا.

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا}؛ فَبَيَّنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ.

يَقُولُ اللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}.. أَنْشَأْنَا وَخَلَقْنَا وَكَوَّنَّا لِجَهَنَّمَ {كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ}.

هَلْ خَلَقَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلنَّارِ بَدْءًا مِنْ غَيْرِ مَا إِعْطَاءِ إِدْرَاكٍ بِفَهْمٍ وَوَعْيٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَخْتَارُوا بَعْدَمَا بَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ الْحَقِّ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ، وَطَرِيقَ الْهُدَى وَطَرِيقَ الضَّلَالِ، وَطَرِيقَ الْهِدَايَةِ وَطَرِيقَ الْغِوَايَةِ؛ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ لَعُدَّ ظُلْمًا -وَحَاشَا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ}، مِمَّنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَدَوَاتِ الْإِدْرَاكِ وَوَسَائِلَ الْفَهْمِ لَا يَسْتَخْدِمُونَهَا فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْدِمُوهَا فِيهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَوْجِبُونَ دُخُولَ النَّارِ، فَكَتَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ بِسَابِقِ عِلْمِهِ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْعِلْمُ عِنْدَهُ صِفَةُ انْكِشَافٍ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ.

فَهَذَا الْغُلَامُ غُلَامُ الْخَضِرِ وَغُلَامُ مُوسَى الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ كَمَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ((الصَّحِيحِ)) ؛ إِذْ قَلَعَ رَأْسَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ صَنِيعِ الْخَضِرِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عِنْدَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا.

هُوَ مَا زَالَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بَعْدُ، ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا مَا كَبُرَ.. وَإِذَا مَا وَصَلَ إِلَى الْحُلُمِ.. وَإِذَا مَا شَبَّ فَاسْتَوَى عَلَى سَاقَيْهِ سَيَكُونُ ضَالًّا يُرْهِقُ أَبَوَيْهِ عُدْوَانًا وَكُفْرَانًا وَإِثْمًا وَظُلْمًا، فَأَرَادَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُبْدِلَهُمَا خَيْرًا مِنْهُ إِيمَانًا وَأَقْرَبَ إِلَيْهِمَا بِالْإِيمَانِ رَحِمًا وَقُرْبَةً وَقُرْبًا، فَأَرَادَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِهَذَا الْغُلَامِ أَلَّا تَسْتَمِرَّ بِهِ حَيَاةٌ، فَأَمَرَ الْخَضِرَ بِأَنْ يَقْلَعَ رَأْسَهُ كَمَا أَخْبَرَ الرُّسُولُ ﷺ.

هَذَا عِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَحْدُثْ فِي وَاقِعِ النَّاسِ وَفِي دُنْيَا اللهِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَعْلَمُ مَا كَانَ، وَمَا سَيَكُونُ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ.

فَيَقُولُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا}؛ قُلُوبٌ نَابِضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْقِطَعِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ اللَّحْمِيَّةِ تَدُقُّ بَيْنَ الْأَضْلَاعِ مَا تَدُقُّ مُنْذُ الْمَرْحَلَةِ الْجَنِينِيَّةِ إِلَى حِينِ السُّكُوتِ بِهُمُودِ الْوَفَاةِ، ثُمَّ يَصِيرُ بَعْدُ تُرَابًا، وَفِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَجَاوَزَتْ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ لَا تَجِدُ هَذَا الْقَلْبَ النَّابِضَ الْحَيَّ الْمُتَحَرِّكَ يَذْكُرُ شَيْئًا وَلَا يَعِي أَمْرًا، وَلَا يُقْبِلُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُتَفَكِّرًا.

{وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا} سَمَاعًا، لَيْسُوا بِأَصَمِّينَ، وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاعِ؛ وَلَكِنَّهُ سَمَاعٌ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، لَا يَسْمَعُونَ بِهَا سَمَاعًا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى الْحَقِّ، يَفْقَهُونَ بِهِ الرُّشْدَ، يَقْتَرِبُونَ بِهِ مِنْ مَنْهَجِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَسُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.

{وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}؛ فَبَيَّنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنَّ الْأَنْعَامَ الَّتِي خَلَقَهَا سَائِمَةً فِي أَرْضِهِ، سَارِحَةً فِي كَوْنِهِ؛ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهَا مِنَ الْكَثْرَةِ وَمِنَ الْغَرِيزَةِ مَا تَسْعَى بِهِ لِنَفْعِهَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُؤَدِّيَ الْوَظِيفَةَ الَّتِي نَاطَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ أَعْنَاقَهَا، فَهِيَ مُؤَدِّيَةٌ لِلْوَظِيفَةِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى النَّحْوِ، وَآتِيَةٌ بِالْوَظِيفَةِ عَلَى الْوَجْهِ.

وَأَمَّا هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ خَلَقَهُمْ لِوَظِيفَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَمَاذَا صَنَعُوا؟!

عَطَّلُوا وَسَائِلَ الْإِدْرَاكِ، وَنَفَوْا وَسَائِلَ الْفَهْمِ وَأَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ جَانِبًا؛ فَصَارُوا أَحَطَّ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَأَضَلَّ مِنْهَا، فَيَأْتِي الْبَيَانُ الدَّامِغُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} يُضْرِبُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَنِ الْوَصْفِ بِالتَّشْبِيهِ بِالْأَنْعَامِ إِلَى مَا هُوَ أَحَطُّ مِنْ دَرَكَةِ الْأَنْعَامِ.

{أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الَّذِينَ غَفَلُوا عَمَّا يُصْلِحُهُمْ، وَعَمَّا فِيهِ نَفْعُهُمْ، وَعَمَّا فِيهِ فَائِدَتُهُمْ، وَعَمَّا فِيهِ حَيَاتُهُمُ الْحَقِيقِيَّةُ، بِالْإِقْبَالِ عَلَى مَنْهَجِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ، وَعَلَى مَنْهَجِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

إِذَنْ؛ صِحَّةُ الْفَهْمِ، وَسَلَامَةُ الْمُعْتَقَدِ.. صِحَّةُ الْفَهْمِ، وَسَلَامَةُ الْإِدْرَاكِ هُمَا الرَّكِيزَتَانِ اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا يَقُومُ سَاقَا الْإِسْلَامِ، وَإِذَا مَا أَنْعَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِصِحَّةِ الْفَهْمِ عَلَى عَبْدِهِ؛ فَقَدِ اصْطَفَاهُ وَقَرَّبَهُ.

ثُمَّ أَخْبَرَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَدُومُ حَسَرَاتُهُمْ، وَيُعْلِنُونَ نَدَمَهُمْ؛ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا- حِكَايَةً عَنْهُمْ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10-11].

وَقَالُوا -يَعْنِي الَّذِينَ كَفَرُوا- مُعْتَرِفِينَ بِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْهُدَى وَالرَّشَادِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}؛ فَنَفَوْا عَنْ أَنْفُسِهِمْ طُرُقَ الْهُدَى، وَهِيَ السَّمْعُ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَجَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْعَقْلُ الَّذِي يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، وَيُوقِفُهُ عَلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، وَإِيثَارِ الْخَيْرِ، وَالِانْزِجَارِ عَنْ كُلِّ مَا عَاقِبَتُهُ ذَمِيمَةٌ، فَلَا سَمْعَ لَهُمْ وَلَا عَقْلَ.

وَهَذَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالْعِرْفَانِ وَأَرْبَابِ الصِّدْقِ وَالْإِيمَانِ، فَإِنَّهُمْ أَيَّدُوا إِيمَانَهُمْ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، فَسَمِعُوا مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَجَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَعَمَلًا، وَالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُعَرِّفَةِ لِلْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالْحَسَنِ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالْخَيْرِ مِنَ الشَّرِّ، وَهُمْ -فِي الْإِيمَانِ- بِحَسَبِ مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ مِنَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَخْتَصُّ بِفَضْلِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَيَخْذُلُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخَيْرِ.

قَالَ -تَعَالَى- عَنْ هَؤُلَاءِ الدَّاخِلِينَ لِلنَّارِ، الْمُعْتَرِفِينَ بِظُلْمِهِمْ وَعِنَادِهِمْ: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}؛ أَيْ: بُعْدًا لَهُمْ وَخَسَارَةً وَشَقَاءً، فَمَا أَشْقَاهُمْ وَأَرْدَاهُمْ، حَيْثُ فَاتَهُمْ ثَوَابُ اللَّهِ، وَكَانُوا مُلَازِمِينَ لِلسَّعِيرِ الَّتِي تَسْتَعِرُ فِي أَبْدَانِهِمْ، وَتَطَّلِعُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ!!

 

المصدر: بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: بَيَانُ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ
  آدَابُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ: حُسْنُ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ
  اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْحَلِيمُ الْوَدُودُ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَتَغْيِيرُهَا بِدَايَةُ طَرِيقِ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ
  الْوَسَائِلُ الْمُعِينَةُ عَلَى الصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ
  الدَّرْسُ الْأَوَّلُ: رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ
  انْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَاضِ
  إِمْسَاكُ الْعَبْدِ عَنِ الشَّرِّ وَأَذَى الْخَلْقِ صَدَقَةٌ
  حَرْبُ الشَّائِعَاتِ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ
  حُكْمُ الشَّائِعَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان