((الدَّرْسُ السَّابِعُ:
دَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا إِلَى التَّوْحِيدِ))
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَدْخُلُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ دُخُولِه إِلَّا إِذَا أَفْرَدَ اللهَ -تَعَالَى- بِالْعِبَادَةِ، فَلَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا أَمْرَ إِيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ إِلَّا للهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا ظَهِيرَ وَلَا مُعِينَ لَهُ، وَلَا شَفَاعَةَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِلشَّافِعِ، وَرِضَاهُ بِهَا لِلْمَشْفُوعِ لَهُ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].
وَأَنَّ السُّجُودَ وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ وَذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- للهِ وَحْدَهُ؛ فَلَا تَعْبُدُوا -أَيُّهَا الْإِنْسُ وَالْجِنُّ- مَعَ اللهِ -تَعَالَى- أَحَدًا، وَأَخْلِصُوا الدُّعَاءَ لَهُ.
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22-23].
قُلْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَيَا كُلَّ دَاعٍ إِلَى اللهِ مِنْ أُمَّتِكَ! فِي حِوَارٍ دَعَوِيٍّ مَعَ الْمُشْرِكِينَ: اسْأَلُوا لِتَحْقِيقِ مَنَافِعَ لَكُمْ، أَوْ لِكَشْفِ ضُرٍّ عَنْكُمْ؛ اسْأَلُوا الَّذِينَ جَعَلْتُمُوهُمْ آلِهَةً تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ غَيْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهُمْ مِنْ دُونِهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، خَاضِعُونَ لِتَصَارِيفِهِ، فَجَعَلْتُمُوهُمْ كَذِبًا وَزُورًا وَافْتِرَاءً شُرَكَاءَ للهِ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَفِي بَعْضِ رُبُوبِيَّتِهِ!!
((إِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِقْدَارَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِآلِهَتِكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مُشَارَكَةٍ لِلرَّبِّ الْخَالِقِ الْمَالِكِ فِي خَلْقِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَلَا فِي امْتِلَاكِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَلَا فِي التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا)).
وَلَيْسَ للهِ -سُبْحَانَهُ- مِنْ آلِهَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللهِ؛ لَيْسَ لَهُ -سُبْحَانَهُ- مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ مُعِينٍ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَصَارِيفِهِ فِي كَوْنِهِ.
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى- إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللهُ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ؛ كَالْمَلَائِكَةِ، وَالرُّسُلِ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُسْتَأْهِلِينَ لِمَقَامِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ؛ فَلَا تَطْمَعُوا -أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ- بِأَنْ تَشْفَعَ لَكُمْ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 80].
اسْتَغْفَرْتَ -يَا رَسُولَ اللهِ وَيَا كُلَّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ- لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَوْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ؛ مَهْمَا كَثُرَ اسْتِغْفَارُكَ لَهُمْ وَتَكَرَّرَ؛ بِسَبَبِ أَنَّهُمُ اخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ.
وَهَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي أَرْسَلَ اللهُ بِهِ جَمِيعَ رُسُلِهِ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ-.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا}؛ أَيْ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا {فِي كُلِّ أُمَّةٍ}: فِي كُلِّ طَائِفَةٍ، وَقَرْنٍ، وَجِيلٍ مِنَ النَّاسِ {رَسُولًا}: الرَّسُولُ: مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، {أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ}: أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ، {وَاجْتَنِبُوا}: وَاتْرُكُوا وَفَارِقُوا {الطَّاغُوتَ}: مِنَ الطُّغْيَانِ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ؛ مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ.
الطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ؛ مِنْ مَعْبُودٍ -كَالْأَصْنَامِ-، أَوْ مَتْبُوعٍ -كَالْكُهَّانِ، وَالسَّحَرَةِ-، أَوْ مُطَاعٍ -كَمَنْ تَوَلَّى أَمْرًا وَأَمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ--؛ فَلَا يُنَفَّذُ أَمْرُهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَتَنْبَغِي طَاعَتُهُ فِيمَا سِوَاهُ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ يُعْبَدُ بِحَقٍّ إِلَّا أَنَا؛ فَوَحِّدُونِي وَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لِي)).
هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الرُّسُلِ وَأُمَمِهِمْ؛ إِذْ قَالُوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
أَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْآلِهَةَ الْمُتَعَدِّدَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟!! إِنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ وَدَعَا إِلَيْهِ لَشَيْءٌ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَشَدَّ التَّعَجُّبِ.
هَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ، وَأَهَمُّ الْمُهِمَّاتِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِهِ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِنَبِيِّهِ ﷺ قُدْوَةً لِأُمَّتِهِ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65-66].
وَنُؤَكِّدُ بِشِدَّةٍ أَنَّهُ ((قَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأُوحِيَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مِنَ الرُّسُلِ؛ قَائِلِينَ لِكُلِّ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ: نُقْسِمُ لَكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ بِاللهِ غَيْرَهُ؛ لَيَبْطُلَنَّ عَمَلُكَ الصَّالِحُ الَّذِي عَمِلْتَهُ قَبْلَ الشِّرْكِ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الْخَاسِرِينَ)).
وَهَذَا خِطَابٌ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ لِلرَّسُولِ ﷺ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ لِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ أَنْ يَحْذَرُوا مِنَ الشِّرْكِ؛ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُهُمْ وَيَكُونُوا مِنَ الْخَاسِرِينَ.
فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ ﷺ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ رَبِّهِ الْحِمَايَةَ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَيَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِذَا أَشْرَكَ، وَهُوَ ذُو الْمَكَانَةِ الْعَالِيَةِ عِنْدَ رَبِّهِ، وَالْمَخْصُوصُ بِالِاصْطِفَاءِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ سَائِرِ النَّاسِ الَّذِينَ لَيْسَ لَدَيْهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ مِثْلُ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَالْمَكَانَةِ؟!!
لَا تُجِبْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَى مَا طَلَبُوهُ مِنْكَ، بَلِ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَاعْبُدْ مُخْلِصًا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَكُنْ مِنَ الْعَامِلِينَ بِمَا يُرْضِي رَبَّكَ عَنْكَ، وَالشَّاكِرِينَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكَ.
اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَحْدَهُ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَالْمُلْكِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الحديد: 2].
وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ الْمُسَمَّى بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نُفُوسِ الْخَلْقِ، لَا يَكَادُ يُنَازِعُ الْخَالِقَ فِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ خَلَقَ؛ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31].
فَلَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ الْكَافِرُونَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ تُشَارِكُ اللهَ فِي الْخَلْقِ، أَوِ الرِّزْقِ، أَوِ الْإِحْيَاءِ، أَوِ الْإِمَاتَةِ، أَوِ الْمُلْكِ، أَوِ التَّدْبِيرِ؛ بَلْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ للهِ وَحْدَهُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مُفَصَّلًا، وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا آلِهَتَهُمْ قُرْبَةً وَوَسِيلَةً لَهُمْ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَشُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَهُ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ الْيَوْمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ، يَدْعُونَ أَوْلِيَاءَهُمْ، وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ؛ بَلْ يَذْبَحُونَ وَيَنْذِرُونَ لَهُمْ، وَيَطُوفُونَ بِأَضْرِحَتِهِمْ؛ بَلْ يَطْلُبُونَ مِنْهُمُ الْمَدَدَ بِحُجَّةِ التَّقَرُّبِ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِهِمْ إِلَى اللهِ.
وبَيَّنَ اللهُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ إِقْرَارَهُمْ بِأَنَّ اللهَ وَحْدَهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ للهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ لَهُمْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ؛ إِذْ لَمْ يُفْرِدُوهُ -تَعَالَى- بِالْعُبُودِيَّةِ، وَلَمْ يُخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لَهُ وَحْدَهُ.
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِعِبَادِهِ: أَنْ أَرْسَلَ لَهُمُ الرُّسُلَ، بَدْءًا بِنُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَانْتِهَاءً بِمُحَمَّدٍ ﷺ، أَرْسَلَهُمْ لِلدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالنَّـهْيِ عَنِ الشِّرْكِ.
إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَرْسَلَ هَذَا الرَّكْبَ الْمُبَارَكَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ؛ مِنْ أَجْلِ هِدَايَةِ الْبَشَرِيَّةِ لَمَّا حَادَتْ عَنِ الطَّرِيقِ وَضَلَّتْ، وَدَخَلَ الشِّرْكُ عَلَيْهَا فِي قَوْمِ نُوحٍ، فَأَرْسَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نُوحًا وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، إِلَى أَنْ جَاءَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٌ ﷺ.
وَدَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ: عِبَادَةُ اللهِ، وَاجْتِنَابُ الطَّاغُوتِ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يُحَقِّقُونَ التَّوْحِيدَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَمَنْهَجًا وَدَعْوَةً وَسُلُوكًا، وَأَنْ يَقْبِضَنَا عَلَى ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر: دُرُوسٌ وَعِظَاتٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ-الجزء الأول