ضَوَابِطُ تَرْبِيَةِ الْيَتِيمِ وَتَأْدِيبِهِ


 ((ضَوَابِطُ تَرْبِيَةِ الْيَتِيمِ وَتَأْدِيبِهِ))

*عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ: فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: قَالَ دَاوُدُ: «كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ كَمَا تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ، مَا أَقْبَحَ الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَي، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ الضَّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى. وَإِذَا وَعَدْتَ صَاحِبَكَ فَأَنْجِزْ لَهُ مَا وَعَدْتَهُ، فَإِن لَا تَفْعَلْ يُؤَرَّثْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ صَاحِبٍ إِنْ ذَكَرْتَ لَمْ يُعِنْكَ وَإِنْ نَسِيتَ لَمْ يُذَكِّرْكَ» . وَهَذَا الْأَثَرُ صَحِيحٌ.

«وَاعْلَمْ أَنَّكَ كَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ...» الْحَدِيثَ:

هَذِهِ مِنَ الْحِكَمِ الْبَلِيغَةِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِيهَا مَلِيًّا، وَأَنْ يَجْعَلَهَا دَائِمًا شِعَارَهُ وَرَائِدَهُ.

«وَاعْلَمْ أَنَّكَ كَمَا تَزْرَعُ كَذَلِكَ تَحْصُدُ»: فَإِنَّهُ لَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبُ.

كَمَا يَزْرَعُ الزَّارِعُ يَحْصُدُ الثَّمَرَةَ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عَامَّةٌ بِكَفَالَةِ الْيَتِيمِ، وَبِغَيْرِهَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ، فَالْجَزَاءُ عِنْدَ اللهِ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، مَنْ بَذَرَ الْخَيْرَ حَصَدَ خَيْرًا جَزَاءً حَسَنًا مِنَ اللهِ، وَمَنْ بَذَرَ الشَّرَّ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- مِنْ كُفْرٍ وَشِرْكٍ وَبِدْعَةٍ وَكَبِيرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُدُ إِلَّا النَّارَ وَبِئْسَ الْقَرَارُ، وَغَضَبَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ.

*عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَامِلَ الْيَتِيمَ وَيَرْعَاهُ كَمَا يَرْعَى وَلَدَهُ، فَعَنْ أَسْمَاءِ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ سِيرِينَ: عِنْدِي يَتِيمٌ.

قَالَ: «اصْنَعْ بِهِ مَا تَصْنَعُ بِوَلَدِكَ، اضْرِبْهُ مَا تَضْرِبُ وَلَدَكَ» . وَالْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

«عِنْدِي يَتِيمٌ»؛ يَعْنِي: مَاذَا أَصْنَعُ مَعَهُ؟

«اضْرِبْهُ»؛ أَيْ: كَيْ لَا يَفْسُدَ؛ لِأَنَّكَ لَا تَضْرِبُ وَلَدَكَ إِلَّا وَتَرَى فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً وَمَصْلَحَةً لِوَلَدِكَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَافْعَلْ هَذَا مَعَ يَتِيمِكَ.

فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَرْعَى يَتِيمَهُ كَمَا يَرْعَى وَلَدَهُ، وَابْنُ سِيرِينَ -رَحِمَهُ اللهُ- -وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ- يُوَجِّهُ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى رِعَايَةِ الْأَيْتَامِ، وَأَنْ يُعَامِلُوا الْأَيْتَامَ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامِلَ الْأَبْنَاءَ.

فَكَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامِلَ وَلَدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا يُعَامِلُ وَلَدَهُ كَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ فَيَدَعُهُ فِي غَيِّهِ، وَلَا يُحَاسِبُهُ عَلَى شَيْءٍ أَتَاهُ، وَهَذَا خَطَأٌ، وَإِنَّمَا تُعَلِّقُ سَوْطَكَ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ «عَلِّقْ سَوْطَكَ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ» ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمِنَ الْعُقُوبَةَ أَسَاءَ الْأَدَبَ.

عَامِلِ الْيَتِيمَ كَمَا تُعَامِلُ وَلَدَكَ، أَدِّبْهُ كَمَا تُؤَدِّبُ وَلَدَكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ لَهُ الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَيَفْسُدُ الْيَتِيمُ تَبَعًا لِذَلِكَ، فَيَكُونُ وَلِيُّهُ، وَمَنْ قَامَ عَلَى شَأْنِهِ وَكَفَلَهُ يَكُونُ قَدْ أَسَاءَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَيْهِ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَفْضَلَ مَا أَعْطَاهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَوَرَّثَهُ لِوَلَدِهِ الْأَدَبُ الْحَسَنُ، أَنْ يُؤَدِّبَهُ أَدَبًا حَسَنًا؛ لِكَي يَسْتَقِيمَ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ، وَلِكَي يَكُونَ قَرِيبًا مِنَ الدِّينِ، قَائِمًا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، قَرِيبًا مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ يَتِيمُكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

*ضَوَابِطُ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا عِنْدَ تَأْدِيبِ الْيَتِيمِ:

عِبَادَ اللهِ! على الرَّجُلِ أَلَّا يَفْحُشَ، وَلَا يُعَاقِبَ بِعِقَابٍ مُرِيعٍ، وَلَا يَضْرِبَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْحَزْمَ، فَيَأْتِيَ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَيَلِينَ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، وَيَأْتِيَ بِالْحَسْمِ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَبِذَلِكَ يَسْتَقِيمُ أَمْرُهُ فِي التَّرْبِيَةِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

فَعَنْ شُمَيْسَةَ الْعَتَكِيَّةِ ، قَالَتْ: ذُكِرَ أَدَبُ الْيَتِيمِ عِنْدَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقَالَتْ: «إِنِّي لَأَضْرِبُ الْيَتِيمَ حَتَّى يَنْبَسِطَ» . وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

«حَتَّى يَنْبَسِطَ»: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنَ الِانْبِسَاطِ هَاهُنَا: الِامْتِدَادُ وَالِانْبِطَاحُ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الصِّبْيَانِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَغْضَبَهُمْ أَحَدٌ يَنْبَطِحُونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَتَمَرَّغُونَ، وَيَبْكُونَ، وَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا أُوجِعُوا بِالضَّرْبِ.

فَالِانْبِسَاطُ هَاهُنَا: الِامْتِدَادُ وَالِانْبِطَاحُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْغَضَبِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِمَا يُعَامَلُ بِهِ.

عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ فِي ضَرْبِ الْيَتِيمِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُوْجِعًا، إِذَا كَانَ يَرَى فِيهِ مَصْلَحَتَهُ، وَيَعْرِفَ مِنْ نَفْسِهِ صِدْقَ الْمَحَبَّةِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ خَالِصَ النِّيَّةِ، وَكَانَ مُؤَدِّبًا لَهُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ يَعْنِي: يُؤَدِّبُ الْيَتِيمَ لِلَّهِ تَعَالَى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ حِينَئِذٍ أَنْ يَضْرِبَهُ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُعَامِلَ يَتِيمَهُ كَمَا يُعَامِلُ وَلَدَهُ، وَيَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُعَامِلَ وَلَدَهُ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ الشَّرِيعَةُ، لَا أَنَّهُ يَأْخُذُ يَتِيمَهُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ وَلَدَهُ -وَهُوَ قَدْ تَرَكَ الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ- فَلَا يُؤَدِّبُ وَلَدًا وَلَا يَتِيمًا، قَدْ أَسَاءَ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الشَّرْعَ فِي الْحَالَيْنِ كِلَيْهِمَا.

*وِقَايَةُ الْأَيْتَامِ النَّارَ كَالْأَبْنَاءِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ:

إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ، وَوَصَفَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِبَعْضِ صِفَاتِهَا كَمَا وَصَفَ الْقَائِمِينَ عَلَيْهَا بِبَعْضِ صِفَاتِهِمْ، وَحَذَّرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا ذَلِكَ الْأَمْرَ الْكَبِيرَ، وَهُوَ وُرُودُ النَّارِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَادَانَا بِوَصْفِ الْإِيمَانِ؛ لَكِيْ يَكُونَ ذَلِكَ حَافِزًا لَنَا عَلَى إِلْقَاءِ سَمْعِ الْقَلْبِ لِمَا يَأْمُرُنَا بِهِ وَمَا يَنْهَانَا عَنْهُ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: يَا مَنْ أَعْلَنْتُمْ إِيمَانَكُمْ بِرَبِّكِمْ -جَلَّ وَعَلَا-، فَآمَنْتُمْ بِهِ وَبِمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابٍ، وَبِالرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا؛ فَاسْمَعُوا وَعُوا، وَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاجْتَنِبُوا مَسَاخِطَهُ.

{قُوا أَنفُسَكُمْ}: اجْعَلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ وَبَيْنَ نَارِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وِقَايَةً وَجُنَّةً، {وَأَهْلِيكُمْ}: فَإِنَّكُمْ رُعَاةٌ فِيهِمْ، وَكُلُّ رَاعٍ فِي رَعِيَّةٍ هُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.

*عَلِّمُوا الْأَيْتَامَ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ كَتَعْلِيمِكُمْ أَبْنَائِكُمْ:

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «اصْنَعْ بِالْيَتِيمِ مَا تَصْنَعُ بِوَلَدِكَ)).

عِبَادَ اللهِ! عَلِّمُوهُمْ دِينَ رَبِّهِمْ: عَقِيدَتَهُ، وَعِبَادَتَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ، وَأَخْلَاقَهُ، وَسُلُوكَهُ؛ لِيَفُوزُوا بِالرِّضْوَانِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا.

تَعَلَّمُوا أُصُولَ الِاعْتِقَادِ وَعَلِّمُوهَا، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي يُوَرِّطُ الْخَلْقَ فِي النَّارِ تَوَرُّطًا، وَاللهُ لَا يَغْفِرُهُ {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النِّسَاء: 48].

عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَنْذِروا للهِ، إِنْ نَذَرُوا.

عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَذْبَحُوا إِلَّا للهِ، وَأَلَّا يَتَوَكَّلُوا إِلَّا عَلَى اللهِ، أَلَّا يُحِبُّوا إِلَّا فِي اللهِ، وَأَلَّا يُبْغِضُوا إِلَّا فِي اللهِ.

عَلِّمُوهُمْ أَسْمَاءَ اللهِ وَصِفَاتِهِ.

دُلُّوهُمْ عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِيقَةِ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، ألَّا يَكُونُوا مُرْجِئَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا خَوَارِجَ؛ فَيَخْسَرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.

عَلِّمُوهُمْ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَإِلَّا صَارُوا مُتَوَاكِلِينَ، لَا يَنْهَضُونَ لِهِمَّةٍ، وَلَا يَأْتُونَ بِعَزْمٍ فِي مُلِمَّةٍ.

عَلِّمُوهُمُ الْوَاجِبَ تِجَاهَ آلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِﷺ، وَأَلَّا يَكُونُوا رَافِضَةً، وَأَلَّا يَكُونُوا نَاصِبَةً؛ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ.

عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ في أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، حَتَّى يُجَانِبُوا الشِّيعَةَ الرَّوَافِضَ الْمَلَاعِينَ فِي سَبِّهِمْ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ الْأَمِينِﷺ، وَفِي تَكْفِيرِهِمْ لَهُمْ، وَفِي رَمْيِهِمْ بِالْخِيَانَةِ لِلدِّينِ، وَارْتِدَادِهِمْ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ؛ حَتَّى لَا يَنْجُمَ فِي بَيْتِكَ مَنْ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ إِخْوَانُنَا، وَهَؤُلَاءِ نَتَقَارَبُ مَعَهُمْ!!

عَلِّمُوهُمُ الْحَقَّ الْحَقِيقَ فِي كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

عَلِّمُوهُمْ أَلَّا يَنْظُرُوا إِلَى كِتَابِ رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلَا- نَظْرَةَ السُّوءِ؛ فَيَرَوْهُ مُفَكَّكًا لَا يَتَمَاسَكُ كَمَا يَزْعُمُ الْعَلْمَانِيُّونَ وَالْمُسْتَشْرِقُونَ، وَكَمَا يَزْعُمُ الْمُكَفِّرُونَ الْمُنَصِّرُونَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا وَكَثِيرًا.

عَلِّمُوهُمْ حَقَّ رَسُولِ اللهِ، وَعَرِّفُوهُمْ بِهِ.

فَمَا وَقَيْتَهُ النَّارَ، وَأَسَأْتَ، وَتَعَدَّيْتَ، وَظَلَمْتَ! وَلَمْ تَرْعَ فِيهِ أَمَانَةَ اللهِ!

عَلِّمْهُ دِينَ اللهِ، وَدِينُ اللهِ لَا فُرْقَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَامٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِﷺ.

*عَلِّمُوا الْيَتَامَى صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ:

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي فَرَضَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى عِبَادِهِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَأَعْظَمُ رُكْنٍ عَمَلِيٍّ فِيهِ، هَذِهِ الصَّلَاةُ ضَيَّعَهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، إِمَّا إِضَاعَةً كَامِلَةٌ بِحَيْثُ لَا يُصَلُّونَ، وَإِمَّا إِضَاعَةً جُزْئِيَّةً بِحَيْثُ إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَيَتْرُكُونَ أَوْ عَنِ الصَّلَاةِ يَتَهَاوَنُونَ.

وَالرَّسُولُ ﷺ قَدْ بَيَّنَ عَظِيمَ قَدْرِهَا، فَقَالَ: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)) .

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُوصِي سَرَايَاهُ وَأُمَرَاءَ السَّرَايَا إِذَا بَعَثَهُمْ أَلَّا يَدْهَمُوا مَحَلَّةً وَلَا قَرْيَةً وَلَا تَجَمُّعًا حَتَّى يَتَلَبَّثُوا، فَإِنْ سَمِعُوا الْأَذَانَ كَفُّوا، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا الْأَذَانَ صَبَّحُوهُمْ .

فَجَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَذِهِ الشَّعِيرَةَ الْعَظِيمَةَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ الْعَظِيمِ وَهِيَ شَعِيرَةُ الْأَذَانِ، وَلَهُ مَا لَهُ مِنَ الْقَدْرِ فِي دِينِ اللهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ كَثُرَ الْخَيْرُ، فَإِنَّ الْمُؤَذِّنَ يشْهَدَ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ، وَحَجَرٍ وَشَجَرٍ وَنَبَاتٍ .

جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْأَذَانَ مَطْرَدَةً لِلشَّيْطَانِ ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الشَّعَائِرِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِذْعَانِ.

الصَّلَاةُ أَعْظَمُ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهَا، وَأَنْ يُصَحِّحَ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ الْعَظِيمَةَ؛ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَأَدَاءً وَدَعْوَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا صَلَّى عُمُرَهُ كُلَّهُ وَلَا يُعَدُّ مُصَلِّيًا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلرَّجُلِ الَّذِى قَامَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ -هُوَ يُصَلِّي فِي مَحْضَرٍ عَظِيمٍ، هُوَ مَحْضَرُ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ﷺ، وَفِي مَكَانٍ جَلِيلٍ فَخِيمٍ وَهُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ- هُوَ يُصَلِّي وَجَاءَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَأَهَّبَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِذْ كَانَ مُسِيئًا لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا أَتَى بِهِ مِمَّا لَا يُسَمَّى فِي الشَّرْعِ صَلَاةً، قَالَ: ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)).

فَصَلَّى كَمَا صَلَّى قَبْلُ، قَالَ ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))، فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ قَالَ لَمَّا رُوجِعَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَعْرِفُ سِوَى مَا رَأَيْتَ، فَعَلَّمَهُ رَسُولَ اللهِ ﷺ .

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي وَلَا يُصَلِّي!! ((ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))، هُوَ يُعَنِّي نَفْسَهُ زَمَانًا طَوِيلًا وَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ كَمَا يُرِيدُهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

هَذِهِ الصَّلَاةُ عَلَّمَنَا إِيَّاهَا رَسُولُ اللهُ ﷺ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَلَّا يَكُونَ مُصَلِّيًا فَقَطْ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

عِبَادَ اللهِ! عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ الصَّلَاةِ مَعْرِفَةً عِلْمِيَّةً؛ لِيَعْرِفَ كَيْفَ يُصَلِّي كَمَا كَانَ يُصَلِّي رَسُولُ اللهِ ﷺ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) .

بَلْ إِنَّهُ ﷺ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْبَيَانِ لِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ كَانَ أَحْيَانًا يُصَلِّي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَيُصَلِّي عَلَى الْمِنْبَرِ؛ لِيَرَاهُ مَنْ هُوَ قَاصٍ كَمَا يَرَاهُ مَنْ هُوَ دَانٍ، وَلِيَكُونَ عَمَلُهُ فِي الصَّلَاةِ ﷺ مَنْظُورًا مَرْئِيًّا لِجَمِيعِ مَنْ حَضَرَ حَتَّى يَتَأَسُّوا بِهِ فِي الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ وَهِيَ الصَّلَاةُ.

فَكَانَ ﷺ أَحْيَانًا يُصَلِّي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ؛ رَجَعَ الْقَهْقَرَى؛ حَتَّى لَا يَخْرُجَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدُ فِي أَصْلِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ قَامَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَصَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَقُولُ ﷺ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).

*اتَّقُوا اللهَ فِي أَبْنَائِكُمْ، وَفِي الْيَتَامَى، وَعَلِّمُوهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَقَدْ قَالَ ﷺ: ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ, وَاضْرِبُوهُم عَلَيْهَا لِعَشْرٍ, وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ)) .

  

المصدر:رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَمُجْتَمَعِيٌّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْحَثُّ عَلَى تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: لُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ
  مُؤَامَرَةُ الْيَهُودِ الْمَكْشُوفَةُ وَغَفْلَةُ الْمُسْلِمِينَ!!
  مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ: تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ
  كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ ﷺ دِيمَةً
  الْأُمُورُ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْإِيمَانُ وَأَسْبَابُ زِيَادَتِهِ
  أَمْرُ النَّبِيِّ ﷺ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَتَرْغِيبُهُ فِيهَا
  سُنَنٌ مَهْجُورَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأُضْحِيَةِ
  نِدَاءٌ إِلَى أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَتَحَابُّوا
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  دِينُ الرَّحْمَةِ وَالْأَخْلَاقِ
  رِسَالَةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْبُشْرَيَاتِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
  حَضُّ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ
  النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  الدرس الثامن والعشرون : «الاسْتِغْفَــــارُ وَالتَّوْبَةُ»
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان