((أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))
فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ؛ فَأَكْمَلَ لَهَا الدِّينَ، وَحَفِظَ كِتَابَهَا مِنَ التَّحْرِيفِ، وَمِنَ التَّصْحِيفِ، وَمِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَمِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
وَأَكْرَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هَذِهِ الْأُمَّةَ بِنَبِيِّهَا الْخَاتَمِ، امْتَنَّ عَلَى الْأُمَّةِ بِبَعْثَتِهِ، بَلْ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ ﷺ، وَأَتَمَّ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَيْهِ وَعَلَى الْأُمَّةِ النِّعْمَةَ، فَأَدَّى الرَّسُولُ ﷺ الْأَمَانَةَ، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.
اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِأَسْبَابٍ تَمَيَّزُوا بِهَا وَفَاقُوا بِهَا سَائِرَ الْأُمَمِ، وَأَنَّهُمْ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ نُصْحًا، وَمَحَبَّةً لِلْخَيْرِ، وَدَعْوَةً، وَتَعْلِيمًا، وَإِرْشَادًا، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجَمْعًا بَيْنَ تَكْمِيلِ الْخَلْقِ وَالسَّعْيِ فِي مَنَافِعِهِمْ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَ تَكْمِيلِ النَّفْسِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
أَنْتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرُ أُمَّةٍ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ، وَحُمِّلَتْ وَظِيفَةَ الْخُرُوجِ بِتَبْلِيغِ النَّاسِ دِينَ اللهِ لَهُمْ، وَهَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ قَدْ عَلِمَهَا اللهُ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَكُمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يَشْمَلُ مَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا سَيَكُونُ.
وَسَبَبُ بَقَاءِ تِلْكَ الْخَيْرِيَّةِ فِيكُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ أَنَّكُمْ سَتَظَلُّونَ تَأْمُرُونَ دَاخِلَ مُجْتَمَعِكُمُ الْمُسْلِمِ بِمَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ حُسْنُهُ، وَتَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ قُبْحُهُ، فَتَحْمُونَ مُجْتَمَعَكُمْ بِهَذَا -أَيْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الِانْحِرَافِ الْخَطِيرِ، وَالِانْهِيَارِ إِلَى الْحَضِيضِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ.
وَأَنَّكُمْ سَتَظَلُّونَ تُصَدِّقُونَ بِاللهِ، وَتُخْلِصُونَ لَهُ التَّوْحِيدَ وَالْعِبَادَةَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْكُمُ النَّكَبَاتُ مِنَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى؛ بُغْيَةَ إِخْرَاجِكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ.
إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَمًّا وَكَيْفًا، وَاللهُ -تَعَالَى- اخْتَارَ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدًا ﷺ، كَمَا فِي «الْمُسْنَدِ)) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ مَرْفُوعًا: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا».
«أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً»: أَنْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، «خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا».
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْكُمْ مِثْلُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ: «أَمَا إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَفْضَلُ الْأُمَمِ، اخْتَارَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَفْضَلَ الْقِبْلَاتِ، كَمَا اخْتَارَ لَهُمْ أَفْضَلَ الرُّسُلِ، وَأَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ أَفْضَلَ الْكُتُبِ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ، وَخَصَّهُمْ بِأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ، وَمَنَحَهُمْ خَيْرَ الْأَخْلَاقِ، وَأَسْكَنَهُمْ خَيْرَ الْأَرْضِ.
فَمَاذَا تُرِيدُونَ بَعْدُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ؟!!
المصدر:خَيْرِيَّةُ الْأُمَّةِ وَخَيْرِيَّةُ نَبِيِّهَا ﷺ