دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ
*اضْمحِلَالُ الشِّرْكِ وَإِعْلَاءُ رَايَةِ التَّوْحِيدِ:
النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا هَذِه الْحَجَّةَ، وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَ هَذِهِ الْحَجَّةِ الْعَظِيمَةِ الْأَذَانَ مِنْهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَبْرَؤُونَ وَيَتَبَرَّؤُونَ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَمِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي تَلْكَ الْحَجَّةِ أَعْلَنَ اضْمِحْلَالَ الشِّرْكِ فِي هَذَا الْوُجُودِ، وَأَعْلَنَ ﷺ رَفْعَ رَايَةِ التَّوْحِيدِ.
*كُلُّ النَّاسِ لِآَدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ!!
النَّبِيُّ ﷺ فِي فِقْرَةِ مِنْ فِقْرَاتِ خُطْبَةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضٍ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى غَيْرِهِ)).
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَولَئِكَ الْمُفْتَخِرِينَ كَالْجُعَلِ -وَهِيَ دُوَيْبَةٌ كَالْخُنْفِسَاءِ- الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخُرْأَ بِفِيهِ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ)).
*دَرْسٌ لِلْأُمَّةِ الْيَوْمَ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ:
فَدَلَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجْعَلُهُمْ سَوَاسِيَةً كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَلَكِنَّ الْقُدُرَاتِ وَمَا أَعْطَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِلنَّاسِ مِنَ الْعَطِيَّاتِ، فَذَلِكَ شَيْءٌ يَرْفَعِ اللهُ بِهِ بَعْضَ النَّاسِ فَوْقَ بَعْضٍ؛ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتُّقَى، مِنَ الْعِلْمِ وَالْهُدَى، مِمَّا آتَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْضَ النَّاسِ مِنْ عَظِيمِ الْخِلَالِ وَمَوْفُورِ الصِّفَاتِ.
إِنَّ نَبِيَّنَا ﷺ قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَامِعَةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَلْبٌ يَنْبِضُ فِي أَجْسَادِ شَتَّى، بَيَّنَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْعَظِيمَ قَدْ وَحَّدَ الْمُسْلِمِينَ بِتَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ.
*حُرْمَةُ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ:
النَّبِيُّ ﷺ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ -وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّفَرِ- ﷺ خَطَبَ النَّاسُ خُطْبَةً عَظِيمَةً عِنْدَ الْجَمَرَاتِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو بَكْرَةٍ كَمَا فِي ((صَحِيحَيِّ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ))، يَقُولُ لِلنَّاسِ: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ، وَأَعْرَاضُكُمْ، وَدِمَاؤُكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)).
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الدِّمَاءِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ حُرْمَةَ الْأَمْوَالِ، وَبَيَّنَ حُرْمَةَ الْأَعْرَاضِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، لَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ تَغْلِيظَ تَحْرِيمِهَا، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَفِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحَرَمِ، هَذِهِ الْأُمُورِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظِيمَ حُرْمَتِهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ جُمْلَةً مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ: ((أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، لَقَدْ أَيِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِيمَا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ)).
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ دَمًا وَعِرْضًا وَمَالًا، لَقَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بِيْنَهُمْ.
المصدر :قِصَّةُ الذَّبِيحِ وَمَظَاهِرُ الِاسْتِسْلَامِ للهِ فِي الْحَجِّ