تفريغ خطبة جريمة تكفير المجتمعات الإسلامية
خطبة الجمعة 23 من جمادى الآخرة 1437هـ الموافق 1-4-2016م
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَعَن ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إذَا قالَ الرَّجُلُ لِأخِيهِ: يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحدُهُمَا, فَإنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإلَّا رَجَعَت عَلَيهِ)) أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
عَن أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدَوَّ اللهِ، وَلَيسَ كَذَلِك، إِلَّا حَارَ عَلَيهِ)) هَذا لَفْظُ مُسلِمٌ.
وَلَفظُ البُّخَارِيُّ: ((إِلَّا ارتَدَّت عَلَيهِ)), وَحَارَ بِالحَاءِ المُهمَلَةِ وَالرَّاء أَيْ:رَجَعَ.
وَعَن أَبِي هُرَيَّرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَنْ قَالَ لِأخِيهِ: يَا كَافِرُ؛ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَن أَبِي سَعيدٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَا أَكْفَرَ رَجُلٌ رَجُلًا إِلَّا بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا, إِنْ كَانَ كَافِرًا وَإِلَّا كَفَرَ بِتَكْفِيرِهِ)) أَخْرَجَهُ ابنُ حِبَّانَ فِي ((صَحِيحِهِ)) وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيرِهِ.
وَعَن أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ ثَابِتَ بنَ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أَخبَرَهُ أنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺتَحتَ الشَّجَرَة, وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيرِ الإسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَمَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ, وَلَيسَ علَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِك, وَلَعْنُ المُؤمِنِ كَقَتْلِهِ, وَمَن رَمَى مُؤمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ, وَمَن ذَبَحَ نَفسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَة)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَرَواهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسائِيُّ مُختَصَرًا وَالتِّرمِذِي وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: ((لَيسَ عَلَى المَرءِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَملِك, وَلَاعِنُ المُؤمِنِ كَقَاتِلِه, وَمَن قَذَفَ مُؤمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِه, وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عُذَّبَهُ اللهُ بِمَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ يَومَ القِيَامَة)).
وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأخِيهِ يَا كَافِرُ فَهُوَ كَقَتْلِهِ)) رَوَاهُ البَزَّارُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيرِه.
وَعَن مُعَاذ بنِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَن ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا أَوْ أَذَى مُؤمِنًا فَلَا جِهَادَ لَهُ)) أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَأَبو دَاوُدَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَهَذا فِي الجِهَادِ الحَقِّ بَلْ نُودِيَ بِذَلِكَ علَى أَصحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ ﷺ, فَكَيفَ بِالإرهَابِ وَالتَّكفِيرِ بِلَا مُوجِب؟!
((مَن ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا أَوْ أَذَى مُؤمِنًا فَلَا جِهَادَ لَهُ))
وَعَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِت -رَضِيَ اللهُ عنهُ- عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُؤمِنًا فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَل اللهِ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)) أَخْرَجَهُ أَبْو دَاودَ بِإسْنَادٍ صَحِيحٍ.
قَالَ خَالدُ بنُ دِهْقَان: سَأَلتُ يَحيى بنِ يَحيىَ الغَسَّانِي عَن قَوْلِهِ ((فَاغْتَبَطَ بِقَتْلِهِ)) فَقَالَ:
((الذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي الفِتْنَةِ فَيَقتُلُ أَحَدُهُم فَيَرَى أَحَدُهُم أَنَّهُ كَانَ علَى هُدًى فَلَا يَستَغْفِرُ اللهَ –جَلَّ وَعَلَا-))
وَالحَاصِلُ مِنْ هَذهِ الأَحَادِيثِ ((أَنَّ المَقُولَ لَهُ إِذَا كَانَ كَافِرًا كُفرًا شَرعِيًّا فَقَد صَدَقَ القَائِلُ، وَذَهبَ بِهَا المَقُولُ لَه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعَتْ لِلقَائلِ مَعَرَّةُ ذَلِكَ القَوْلِ وَإِثمُهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْدَلِ الأَجْوِبَةِ))كَمَا قَالَ الحَافِظُ بنُ حَجَرٍ.
وَكَذَا مِنْ أَحْسَنِ الأَقْوالِ: ((إِذَا قَالَ ذَلِكَ مُسلِمٌ لِمُسلِمٍ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَينِ:
- إنْ أَرَادَ أنَّ الدِّينَ الذِي يَعتقِدُهُ كُفْر، كَفَرَ بذَلِكَ.
- وإنْ أَرَادَ أنَّه كَافِرٌ في البَاطِنِ، وَلَكِنَّهُ يُظْهِرُ الإيمَانَ نِفَاقًا، لَمْ يَكْفُر.
- وَإنْ لَمْ يُرِدْ شَيئًا لَمْ يَكْفُرْ؛ لِأنَّ ظَاهِرَهُ أنَّهُ رَمَاهُ بِمَا لَا يَعلَمُ فِي نَفسِهِ مِثْلَهُ, وَلَكِنَّه يَبُوءُ بإثمِ هَذهِ الكَبِيرَة)).
وَقَد قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهلِ العِلْمِ فِي قَولِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: 11]: ((هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِأخِيهِ: يَا كَافِرُ, يَا فَاسِقُ، وَهَذا مُوافِقٌ لِلحَدِيثِ، فَالقُرآنُ وَالسُّنَّةُ يَنْهَيَانِ عَن تَفسِيقِ المُسلِمِ وَتَكْفِيرِهِ بِبِيَانٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ)).
وَعَلَى مَا أَرشَدَ إِليهِ الشَّرعُ المُطَهَّرُ مَضَى العُلمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ يُحَذِّرُونَ مِنَ العَجَلَةِ فِي التَّكفِيرِ وَيُرَهِّبُون؛ حِمَايَةً لِأعْرَاضِ المُسلِمِينَ أَنْ تُنْتَهَك وَصِيَانَةً لِدِمَائهِم أَنْ تُسْفَك.
قَالَ العَلَاءُ بنُ زِيَادٍ التَّابِعِيّ: ((مَا يَضُرُّكَ شَهِدتَ عَلَى مُسلِمٍ بِكُفْرٍ أَوْ قَتَلْتَهُ)) أَيْ: فَكِلَاهُمَا سَوَاء.
وَقَالَ غَيْرُه: ((وَالَّذِي يَنبَغِي الاحْتِرَازُ مِنهُ التَّكْفِيرُ مَا وَجَدَ إِلَيهِ سَبِيلًا، فَإنَّ اسْتِبَاحَةَ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ مِنَ المُصَلِّينَ إِلَى القِبْلَةِ، المُصَرِّحِينَ بَقَوْلِ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ خَطَأ، وَالخَطَأُ فِي تَركِ أَلفِ كَافِرٍ فِي الحَيَاةِ, أَهْوَنُ مِنَ الخَطَأِ فِي سَفْكِ دَمٍ لِمُسلِمٍ))
وَقَالَ ابنُ أَبِي العِز : ((وَاعْلَم رَحِمَكَ اللهُ وَإِيَّانَا أَنَّ بَابَ التَّكفِيرِ وَعَدَمِ التَّكفِير، بَابٌ عَظُمَت الفِتنَةُ وَالمِحنَةُ فِيهِ، وَكَثُرَ فِيهِ الافْتِرَاق، وَتَشَتَّت فِيهِ الأَهوَاءُ وَالآرَاء، وَتَعَارَضَتْ فِيهِ دَلَائلُهُم، فَالنَّاسُ فِيهِ فِي جِنسِ تَكفِيرِ أَهلِ المَقَالَاتِ وَالعَقَائدِ الفَاسِدَةِ المُخَالِفَةِ لِلحَقِّ الذِي بَعَثَ اللهُ بهِ رَسُولَه فِي نَفسِ الأَمْر، أَوْ المُخَالِفَةِ لِذلِكَ فِي اعتِقَادِهِم –النَّاسُ فِي ذَلِك- علَى طَرَفَينِ وَوَسَط، مِنْ جِنسِ الاخْتِلَافِ فِي تَكفِيرِ أَهلِ الكَبَائرِ العَمَلِيَّة)).
ثم قال: ((إنَّه لمِنْ أعظَمِ البَغْيِ أنْ يُشْهَدَ عَلَى مُعَيَنٍ أَنَّ اللهَ لَا يَغفِرُ لَهُ وَلَا يَرحَمُه، بَلْ يُخَلِّدهُ فِي النَّارِ، فَإنَّ هَذَا حُكْمُ الكَافِرِ بَعدَ المَوت)).
وَقَالَ ابنُ عَبدِ البَرّ: ((القُرآنُ وَالسُّنَّةُ يَنْهَيانِ عَن تَفسِيقِ المُسلِمِ وَتَكفِيرِه ببَيَانٍ لَا إِشكَالَ فِيهِ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَدفَعَ لَه، أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْدُ الإسْلَامِ فِي وَقتٍ بإجمَاعٍ مِنَ المُسلِمِينَ ثُمَّ أَذنَبَ ذَنبًا أَوْ تَأوَّلَ تَأوِيلًا، فَاختَلَفُوا بَعدُ فِي خُروجِهِ مِنَ الإسْلَامِ، لَمْ يَكُنْ لِاختِلَافِهِم بَعدَ إِجمَاعِهِم مَعْنىً يُوجِبُ حُجَّةً، وَلَا يَخرُجُ مِنَ الإسْلَامِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ إِلَّا باتِّفَاقٍ آخَرَ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا مُعَارِضَ لهَا، وَقَد اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وَهُم أَهْلُ الفِقْهِ وَالأَثَرِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُخرِجُه ذَنبُه وَإِنْ عَظُمَ مِنَ الإسْلَامِ, وَخَالَفَهُم أَهلُ البِدَع، فَالوَاجِبُ فِي النَّظَرِ ألَّا يُكَفَّرَ إلَّا مَنْ اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلَى تَكْفِيرِهِ، أَوْ قَامَ عَلَى تَكفِيرِهِ دَلِيلٌ لَا مَدْفَعَ لَهُ مِنْ كَتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ)).
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ المُسْلِمُونَ التَّكْفِيرَ بِلَا مُوُجِبٍ, وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الخَوَارجِ قَدِيمًا, وَمَا زَالَ وَاقِعًا مِمَّنَ تَبِعَ الخَوَارِجَ وَنَهَجَ نَهْجَهُم, مِنْ حُدَثَاءِ الأَسْنَانِ, سُفَهَاءِ الأَحْلَامِ, وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ خُطُورَةَ النَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّكْفِيرِ؛ وَهِيَ نَتَائِجُ مِنَ الخُطُورَةِ فِي غَايَةٍ، وَمِنَ الشَّنَاعَةِ فِي نهايةٍ وَمِنْهَا:
- وُجُوبُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ المُكَفَّرِ وَزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ المُسْلِمَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِكَافِرٍ بِالإِجْمَاعِ المُتَيَقَّنِ.
- وَمِنهَا أَنَّ أَوْلَادَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَوْا تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَسُلْطَانِهِ؛ لِأَنَّهُ بِكُفْرِهِ أَصْبَحَ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِم، وَقَدْ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِم بِكُفْرِهِ.
- وَمِنهَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي وِلَايَةِ المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ وَنُصْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ وَمَرَقَ مِنْهُ بِالكُفْرِ الصَّرِيحِ وَالرِّدَّةِ البَوَاحِ.
- وَمِنهَا أنَّهُ تَجِبُ مُحَاكَمَتُهُ أَمَامَ القَضَاءِ الإِسْلَامِيِّ لِيُنَفَّذَ فَيهِ حُكْمَ المُرْتَدِّ, بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَإِزَالَةِ الشُّبُهَاتِ عَنْهُ, وَإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ.
- وَمِنهَا أنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ المُسْلِمِينَ, فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ, وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ، وَلَا يُوَرَّثُ.
- وَمِنهَا أنَّه لَا يَرِثُ هُوَ مُوَرِّثَهُ إِذَا مَاتَ مُوَرِّثٌ لَهُ.
- وَمِنهَا أنَّه لَا يُدْعَى لَهُ بِالرَّحمَةِ وَلَا يُستَغْفَرُ لَهُ لِقَولِ اللهِ –جَلَّ وَعَلَا-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113].
- وَمِنْ أَخْطَرِ النَّتَائِج -نَتَائِجِ المَوْتِ عَلَى الكُفْرِ-: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلَعْنَةِ اللهِ وَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَتِهِ, وَمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ.
الَّذِي يُكَفِّرُ أَخَاهُ المُسلِمُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَكفِيرِهِ لَهُ هَذِهِ النَّتَائِج المُفْظِعَة, وَلَكِنَّ الذِينَ يُكَفِّرُونَ فِي الجُملَةِ جُهَّالٌ لَا يَعلَمُونَ, وَالتَّكفِيرُ بِلَا مُوجِبٍ وَلَا دَلِيلٍ مِن أَخْطَرِ البِدَعِ وَأَشَدِّهَا وَبَالًا عَلَى المُسلِمِينَ؛ لِأنَّ التَّكفِيرِيينَ يَستَبِيحُونَ الدِّمَاءَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ المَعْصُومَةَ بِالإسْلَامِ, وَيَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى –بِزَعْمِهِمْ- مُعْتَقِدِينَ أَنَّ لَهُمْ بِهِ أَعْظَمَ الأَجْرِ وَأَجَلَّ المَثُوبَةِ عِنْدَ اللهِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((وَلِهَذا يَجِبُ الاحْتِرَازُ مِنْ تَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ بِالذُّنُوبِ وَالخَطَايَا, فَإِنَّهُ أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ فِي الإِسْلَامِ, فَكَفَّرَ أَهْلُهَا المُسْلِمِينَ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم)).
وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ مِثْلُ: الخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالقَدَرِيَّةِ وَالجَهْمِيَّةِ وَالمُمَثِّلَةِ, يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا هُوَ ضَلَالٌ يَرَوْنَهُ هُوَ الحَقُّ، وَيَرَوْنَ كُفْرَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ)).
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((اعْلَمْ أَنَّ الحُكْمَ عَلَى الرَّجُلِ المُسْلِمِ بِخُرُوجِهِ مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ وَدُخُولِهِ فِي الكُفْرِ, لَا يَنْبَغِيِ لِمُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِلَّا بِبُرْهَانٍ أَوْضَحَ مِنْ شَمْسِ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَرْوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ ((مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ, فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا))، هَكَذَا فِي ((الصَّحِيحِ)), وَفِي لَفْظٍ آَخَرَ فِي ((الصَّحِيحَينِ)) وَغَيْرِهِمَا: ((مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)) أَيْ: رَجَعَ عَلَيْهِ, وَفِي لَفْظٍ فِي ((الصَّحِيحِ)): ((فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا))، -قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ- فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيث وَمَا وَرَدَ مَوْرِدَهَا أَعْظَمُ زَاجِرٍ، وَأَكْبَرُ وَاعِظٍ عَنْ التَّسَرُّعِ فِي التَّكْفِيرِ)).
وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((فَإِنَّ الإِقْدَامَ عَلَى مَا فِيهِ بَعْضُ البَأْسِ لَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَشِحُّ عَلَى دِينِهِ, وَلَا يُسْمَحُ بِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا عَائِدَةَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَخْطَأَ أَنْ يَكُونَ فِي عِدَادِ مَنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ كَافِرًا؟)).
وَعَن التَّكْفِيرِ بِلَا مُوجِبٍ وَبِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((هَاهُنَا تُسْكَبُ العَبَرَاتُ، وَيُنَاحُ عَلَى الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَا جَنَاهُ التَّعَصُّبُ فِي الدِّينِ عَلَى غَالِبِ المُسْلِمِينَ مِنَ التَّرَامِي بِالكُفْرِ، لَا لِسُنَّةٍ وَلَا لِقُرْآنٍ وَلَا لِبَيَانٍ مِنَ اللهِ وَلَا لِبُرْهَانٍ، بَلْ لَمَّا غَلَتْ مَرَاجِلُ العَصَبِيَّةِ فِي الدِّينِ، وَتَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ مِنْ تَفْرِيقِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ؛ لَقَّنَهُم إِلْزَامَاتٍ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَا هُوَ شَبِيهُ الهَبَاءِ فِي الهَوَاءِ، وَالسَّرَابِ بِالقِيعَةِ، فِيَا للهِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الفَاقِرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ فَوَاقِرِ الدِّينِ، وَالرَّزِيَّةِ الَّتِي مَا رُزِئَ بِمِثْلِهَا سَبِيلُ المُؤْمِنِينَ)).
وَهَذَا التَّشْدِيدُ كُلُّهُ فِي تَكْفِيرِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, فَكَيْفَ بِتَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ جَمَاعَاتٍ وَدُوَلًا؟!!
وَكَيْفَ بِتَكْفِيرِ مَنْ فِي الأَرْضِ؟!! سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
فَلِهَذَا يَنبَغِي لِلمُسْلِمِ أَلَّا يَتَعَجَّلَ فِي الحُكْمِ عَلَى الشَّخصِ المُعَيَّنِ أَوْ الجَمَاعَةِ المُعَيَّنَةِ بِالكُفْرِ، حَتَّى يَتَأكَّدَ مِنْ وُجودِ جَمِيعِ شُرُوطِ الحُكْمِ بِالكُفرِ، وَانتِفَاءِ جَمِيعِ مَوانِعِهِ.
فَتَكفِيرُ المُعَيَّنِ يَحتَاجُ إِلَى نَظَرٍ مِن وَجْهَين:
الأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ هَلْ هَذَا القَولُ أَوْ الفِعْلُ الَّذِي صَدَرَ مِنْ هَذَا المُكَلَّفِ؛ مِمَّا يَدْخُلُ فِي أَنوَاعِ الكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ أَمْ لَا؟
وَالثَّانِي : مَعرِفَةُ الحُكْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى هَذَا المُكَلَّفِ، وَهَل وُجِدَت جَمِيعُ أَسبَابِ الحُكْمِ عَلَيهِ بِالكُفْرِ، وَانتَفَت جَمِيعُ المَوَانِعِ مِنْ تَكفِيرِهِ أَمْ لَا؟
وَهَذَا يَجْعَلُ مَسأَلَةَ تَكفِيرِ المُعَيَّنِ مِنَ المَسَائلِ الَّتِي لَا يَحكُمُ فِيهَا عَلَى شَخصٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، إِلَّا أَهلُ العِلْم.
وَالحُكمُ عَلَى المُسلِمِ بِالكُفرِ وَهُوَ لَا يَستَحِقُّه ذَنبٌ عَظِيمٌ؛ لِأنَّهُ حُكْمٌ عَلَيهِ بِالخُروجِ مِنْ مِلَّةِ الإِسلَامِ، وَأنَّهُ حَلَالُ الدَّمِ وَالمَالِ، وَحُكمٌ عَلَيهِ بِالخُلودِ فِي النَّارِ إِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي شَأنِ مَنْ يَحْكُمُ عَلَى مُسلِمٍ بِالكُفْرِ وَهُوَ لَيسَ كَذَلِك؛ فَقَد ثَبَتَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يَرمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفسُوقِ، وَلَا يَرمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارتَدَّتْ عَلَيهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُه كَذَلِك)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَأَكْثَرُ المُجَازِفِينَ بِالتَّكْفِيرِ لَا عِلْمَ لَهُم بالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ العَمَلِيَّةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَخُوضُ لُجَجَ التَّكْفِيرِ لَا يُبَالِي!!
أَكثَرُهُم لَا يَستَطِيعُ أَنْ يُحكِمَ أَمْرَ الوضُوءِ وَلَا الغُسْل فَضْلًا عَن مَا وَرَاء ذَلِك مِن الصَّلاةِ وَغَيرِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَخُوضُ لُجَجَ التَّكْفِيرِ لَا يُبَالِي!!
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
((وَمِنَ العَجَبِ أَنَّ أَحَدَ هَؤلَاءِ لَوْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ البَيْعِ وَنَحْوِهِمَا؛ لَمْ يُفْتِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِ عَقْلِهِ، بَلْ يَبْحَثُ عَنْ كَلَامِ العُلَمَاءِ وَيُفْتِي بِمَا قَالُوهُ؛ فَكَيْفَ يَعْتَمِدُ فِي هَذَا الأَمْرِ العَظِيمِ –يَعنِي: تَكفِيرَ المُسلِمِينَ- الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أُمُورِ الدِّينِ، وَأَشَدُّهَا خَطَرًا, كَيْفَ يَعْتَمِدُ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ؟!)).
وَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَحْمَان:
((وَالعَجَبُ كُلٌّ العَجَبِ مِنْ هَؤلَاءِ الجُهَّالِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ، وَهُمْ مَا بَلَغُوا فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ مِعْشَارَ مَا بَلَغَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِمْ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي جَوَابِهِ الَّذِي مَرَّ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ البَيْعِ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لَمْ يُفْتِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِ عَقْلِهِ، بَلْ يَبْحَثُ عَنْ كَلَامِ العُلَمَاءِ وَيُفْتِي بِمَا قَالُوهُ، فَكَيْفَ يَعْتَمِدُ فِي هَذَا الأَمْرِ العَظِيمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أُمُورِ الدِّينِ، وَأَشَدُّهَا خَطَرًا عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِ عَقْلِهِ؟!)).
وَعُلَمَاءُ الأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَشَدُّ النَّاسِ تَوَقِّيًا فِي هَذَا البَاب، وَأَعْظَمُ النَّاسِ تَثَبُّتًا فِيهِ، مَعَ مَا آتَاهُمُ اللهُ تَعَالَى مِنْ وُفُورِ الفِطْنَةِ، وَرُسُوخِ العِلْمِ، وَقَدَمِ الصِّدْقِ فِي القِيَامِ بِالحَقِّ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- لِأُمَرَاءِ الجَهْمِيَّةِ وَقُضَاتِهِم:
((وَلِهَذا كُنْتُ أَقُولُ لِلجَهْمِيَّةِ مِنَ الحُلُولِيَّةِ وَالنُّفَاةِ, الَّذِينَ نَفَوْا أَنَّ اللهَ تَعَالَى فَوْقَ العَرْشِ، لَمَّا وَقَعَتْ مِحْنَتُهُمْ؛ كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ: أَنَا لَوْ وَافَقْتُكُمْ كُنْتُ كَافِرًا؛ لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَكُمْ كُفْرٌ، وَأَنْتُمْ عِنْدِي لَا تَكْفُرُونَ لِأَنَّكُمْ جُهَّالٌ)).
وَكَانَ هَذَا خِطَابًا لِعُلَمَائِهِم وَقُضَاتِهِم, وَشُيُوخِهِم وَأُمَرَائِهِم.
وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-:
((هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي: أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إِلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ، إِلَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرِّسَالِيَّةُ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً, وَفَاسِقًا أُخْرَى, وَعَاصِيًا أُخْرَى, وَإِنِّي أُقَرِّرُ -يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-- وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ)). –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحمَةً وَاسِعَةً-
وَقَالَ القُرطُبيُّ: ((وَبَابُ التَّكفِيرِ بَابٌ خَطِيرٌ، أَقدَمَ عَلَيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَسَقَطُوا، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الفُحُولُ فَسَلِمُوا، وَلَا نَعدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيئًا)).
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: ((الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدتُ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ)).
وَفِي ((الخُلَاصَةِ)) وَغَيرِهَا:
((إِذَا كَانَ فِي المَسأَلَةِ وُجوهٌ تُوجِبُ الكُفْر، وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمنَعُه، فَعَلَى المُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إِلَى الوَجْهِ الَّذِي يَمنَعُ التَّكفِير، تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالمُسْلِمِ، إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بإِرَادَةِ مُوجِبِ الكُفْرِ فَلَا يَنفَعُهُ التَّأوِيلُ وَلَا يُكْفَّرُ بِالْمُحْتَمَلِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ)).
((وَالَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اختِلَاف وَلَوْ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ, وَعَلَى هَذَا فَأكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ المَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكفِيرِ فِيهَا, وَقَد أَلْزَمْتُ نَفْسِي أَلَّا أُفْتِيَ بِشَيءٍ مِنهَا)) كَمَا قَالَ ابنُ عَابِدِينَ فِي ((الحَاشِيَةِ)).
وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيّ: ((يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي التَّكْفِيرِ مَا أَمْكَنَهُ؛ لِعَظِيمِ خَطَرِهِ وَغَلَبَةِ عَدَمِ قَصْدِهِ سِيَّمَا مِنَ الْعَوَامِّ, وَمَا زَالَ أَئِمَّتُنَا –يَعْنِي: الشَّافِعِيَّةَ– عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا)).
وَقَالَ شَيخُ الإسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((ولَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ، وَمَنْ ثَبَتَ إِسْلامُهُ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ، وإذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ, وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا)).
وَقَالَ ابنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيِّ: ((فَلَعْنُ المُسلِمِ المُعيَّنِ حَرَامٌ, وَأَشَدُّ مِنهُ رَمْيُهُ بِالكُفْرِ وَإِخْرَاجُهُ عَنِ الإِسْلَام, وَفِي ذَلِكَ أُمُورٌ غَيرُ مَرْضِيَّة مِنهَا: أَنَّه إِشْمَاتُ الأَعْدَاءِ بِأَهلِ هَذِهِ المِلَّةِ الزَّكِيَّةِ, وَتَمْكِينُهُم بِذَلِكَ مِنَ القَدْحِ فِي المُسْلِمِينَ وَاستِضْعَافُهُم لِشَرَائعِ هَذَا الدِّين، وَمِنْهَا؛ أَنَّهُ رُبَّمَا يُقْتَدَى بِالرَّامِي فِيمَا رَمَى فَيَتَضَاعَفُ وِزْرُهُ بِعَدَدِ مَنْ تَبِعَهُ مُأَثَّمًا، وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ رَمْى بِالكُفْرِ مُسْلِمًا)).
ثُمَّ ذَكَرَ الأَحَادِيثَ فِي التَّرهِيبِ مِنَ التَّكفِيرِ ثُمَّ قَالَ: ((فَهَل بَعدَ هَذَا الوَعِيد مِنْ مَزِيدٍ فِي التَّهدِيدِ، وَلَعَلَّ الشَّيطَانُ يُزَيِّنُ لِمَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَرَمَى بِالكُفْرِ وَالخُرُوجِ مِنَ الإِسْلَامِ أَخَاهُ, أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ بِحَقٍّ وَرَمَاهُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الجَرْحِ وَالتَّعدِيلِ, لَا يَسَعُهُ السُّكُوتُ عَن القَلِيلِ مِنْ ذَلِك، فَكَيْفَ بِالجَلِيلِ؟!
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، إِنَّ فِي مَجَالِ الكَلَامِ فِي الرِّجَالِ العَقَبَات مُرْتَقِيهَا عَلَى خَطَرٍ، وَمُرْتَقِبُهَا هَوى لَا مَنْجَى لَهُ مِنَ الإِثْمِ وَالوَزَرِ، فَلَوْ حَاسَبَ نَفسَهُ الرَّامِي أَخَاهُ مَا السَّبَبُ الَّذِي هَاجَ ذَلِكَ؟ لِتَحْقِقَ أَنَّه الهَوَى الَّذِي صَاحِبُه هَالِك)).
وَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ البِدَعِ تَكْفِيرُ بَعضِهِم بَعْضًا، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُم يُخَطِّئونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ.
قَالَ ابنُ الوَزِير: ((وَقَد عُوقِبَت الخَوَارِجُ أَشَدَّ عُقُوبَة، وَذُمَّت أَقْبَحَ الذَّمِ عَلَى تَكفِيرِهِم لِعُصَاةِ المُسلِمِينَ مَعَ تَعظِيمِهِم فِي ذَلِكَ لِمَعَاصِي الله تَعَالَى، وَتَعظِيمِهِم اللهَ تَعَالَى بِتَكْفِيرِ عَاصِيهِ، فَلَا يَأمَنُ المُكَفِّرُ أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِ ذَنبِهِم، وَهَذا خَطَرٌ فِي الدِّينِ جَلِيل، فَيَنْبَغِي شَدَّةُ الاحْتِرازِ فِيهِ مِنْ كُلِّ حَلِيمٍ نَبَيلٍ)).
وَقَالَ الشَّيخُ عَبدُ اللَّطِيفِ بنِ عَبدِ الرَّحمَن بنِ حَسَن -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى-:
((التَّجَاسُرُ عَلَى تَكفِيرِ مَنْ ظَاهِرُهُ الإِسْلَامُ مِنْ غَيرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا بُرهَانٍ مَرضِيٍّ يُخَالِفُ مَا عَلَيهِ أَئمَّةُ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَهَذِهِ الطَّريقَة – يَعْنِي: تَكفِيرَ المُسلِمِينَ بِلَا مُسْتَنَدٍ- هِيَ طَرِيقَةُ أَهلِ البِدَعِ وَالضَّلَالِ، وَمَنْ عَدِمَ الخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى فَيمَا يَصدُرُ عَنهُ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ)).
قَالَ شَيخُ الإسْلامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَا بُدَّ لِلمُتكلِّمِ فِي هَذهِ المَبَاحِثِ وَنَحوِهَا، أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أُصُولٌ كُليةٌ، يَرُدُّ إِلَيهَا الجُزئيَّات؛ لِيَتَكَلَّمَ بِعِلمٍ وَعَدلٍ، ثُمَّ يَعرِفُ الجُزئيَّاتِ كَيفَ وَقَعَتْ، وَإِلَّا فَيَبقَى فِي كَذِبٍ وَجَهلٍ فِي الجُزئيَّاتِ، وَجَهلٍ وَظُلمٍ فِي الكُلِّيَّاتِ، وَأَطَالَ الكَلامَ عَلَى الفَرْقِ بَينَ المُتأَوِّلِ وَالمُتعَمِّدِ، وَمَنْ قَامَت عَلَيهِ الحُجَّةُ وَزَالَت عَنهُ الشُّبْهَة، وَالمُخطِئِ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيهِ الأَمْرُ، وَخَفِيَ عَلَيهِ الحُكْم)).
وَقَالَ الشَّيخُ الصَّالِحُ مُحمَّدُ بنُ صَالِح -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الأَصْلُ فِيمَنْ يَنْتَسِبُ لِلإِسْلَامِ بَقَاءُ إِسلَامِه، حتَّى يَتحَقَّقَ زَوَالُ ذَلِكَ عَنهُ بِمُقتَضَى الدَّلِيلِ الشَّرَعِيِّ، وَلَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي تَكفِيرِهِ؛ لِأنَّ فِي ذَلِكَ مَحذُورَيْن:
أَحَدُهُمَا: افتِرَاءُ الكَذِبِ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي الحُكْمِ، وَعَلَى المَحْكُومِ عَلَيهِ فِي الوَصفِ الَّذِي نَبَزَهُ بِهِ.
أمَّا الأَوَّلُ: فَواضِحٌ حَيثُ حَكَمَ بِالكُفْرِ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَفِّرهُ اللهُ تَعَالَى, فَهُوَ كَمَنْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ الله؛ لِأنَّ الحُكمَ بِالتَّكفِيرِ أَوْ عَدَمِه إِلَى اللهِ وَحدَهُ؛ كَالحُكمِ بِالتَّحرِيمِ أَوْ عَدَمِه.
وَأمَّا الثَّانِي: فَلِأنَّهُ وَصَفَ المُسلِمَ بِوَصفٍ مُضَادٍّ، فَقَالَ: إنَّهُ كَافِرٌ، مَعَ أَنَّه بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَعُودَ وَصفُ الكُفرِ عَلَيهِ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي ((صَحِيحِ مُسلِمٍ)) عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: ((إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا))، وَفِي رِوَايَةٍ: ((وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيسَ كَذَلِكَ، إلَّا حَارَ عَلَيهِ))؛ يَعْنِي: رَجَعَ عَلَيهِ.
وَقَولِه فِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا-: ((إنْ كَانَ كَمَا قَالَ))؛ يَعنِي: فِي حُكمِ اللهِ تَعَالَى, وَكَذَلِك قَولُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: ((وَلَيسَ كَذَلِكَ))؛ يَعنِي: فِي حُكمِ اللهِ تَعَالَى, وَهَذَا هُوَ المَحذُورُ الثَّانِي؛ أَعنِي: عَوْدَ وَصفِ الكُفرِ عَلَيهِ إِنْ كَانَ أَخُوهُ بَرِيئًا مِنهُ، وَهُوَ مَحذُورٌ عَظِيمٌ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ بِهِ؛ لِأنَّ الغَالِبَ أَنَّ مَنْ تَسَرَّعَ بِوَصفِ المُسلِمِ بِالكُفْرِ, أَنَّه يَكُونُ مُعْجَبًا بِعَمَلِهِ، مُحتَقِرًا لِغَيرِهِ، فَيَكُونُ جَامِعًا بَينَ الإعْجَابِ بِعَمَلِهِ الَّذِي قَد يُؤدِّي إِلَى حُبُوطِهِ، وَبَينَ الكِبْرِ المُوجِبِ لِعَذَابِ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِي النَّارِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ: ((قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: الكِبرِيَاءُ رِدَائي، وَالعَظَمَةُ إِزارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي أحَدًا مِنهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ)).
فَالوَاجِبُ قَبلَ الحُكْمِ بِالتَّكفِيرِ أَنْ يُنظَرَ فِي أَمرَين:
الأَمْرُ الأَوَّلُ: دَلَالَةُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ هَذَا مُكَفِّر؛ لِئلَّا يَفتَرِي عَلَى اللهِ الكَذِبَ.
وَالثَّانِي: انْطِبَاقُ الحُكْمِ عَلَى الشَّخصِ المُعيَّنِ؛ بِحَيثُ تَتِمُّ شُروطُ التَّكفِيرِ فِي حَقِّهِ، وَتَنتَفِي المَوَانِع)).
لِذَلِكَ كُلِّه، فَإنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ الَّذِي يُريدُ لِنَفسِهِ النَّجَاةَ، أَلَّا يَتَعَجَّلَ فِي إِصدَارِ الحُكمِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُسلِمِينَ بِالكُفْرِ أَوْ الشِّركِ، كَمَا أنَّه يَحْرُمُ عَلَى العَامَّةِ وَصِغَارِ طُلَّابِ العِلمِ أَنْ يَحكُمُوا عَلَى مُسلِمٍ مُعيَّنٍ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعيَّنةٍ مِنَ المُسلِمِينَ، أَوْ عَلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ مِنَ المُسلِمِينَ يَنتَسِبُونَ إِلَى حِزبٍ مُعَيَّنٍ أَنْ يَحكُمُوا عَلَيهِم بِالكُفرِ دُونَ الرّجُوعِ إِلَى أَهلِ العِلمِ فِي ذَلِكَ.
كَمَا أَنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ أَنْ يَجتَنِبَ مُجَالَسَةِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي مَسَائلِ التَّكفِيرِ، وَهُم مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيهِم ذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلمِهِم؛ لِأنَّ كَلَامَهُم فِي هَذهِ المَسَائلِ مِنَ الخَوضِ فِي آيَاتِ اللهِ تَعَالَى, وَقَد قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذين يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ تَسَلُّطَ الجُهَّالِ عَلَى تَكفِيرِ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ مِنْ أَعظَمِ المُنكَرات، وَإِنَّمِا أَصْلُ هَذَا مِنَ الخَوارِجِ وَالرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُكَفِّرونَ أَئِمَّةَ المُسلِمِينَ؛ لِمَا يَعتَقِدُونَ أَنَّهُم أَخطَئوا فِيهِ مِنَ الدِّينِ، وَقَد اتَّفَقَ أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ عُلَمَاءَ المُسلِمِينَ لَا يَجُوزُ تَكفِيرُهُم بِمُجرَّدِ الخَطَأ المَحْض؛ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يُؤخَذُ مِنْ قَولِهِ وَيُتْرَك إِلَّا رَسُولَ اللهِ ﷺ, وَلَيسَ كُلُّ مَنْ يُترَكُ بَعضُ كَلَامِهِ لِخَطَأٍ أَخطَأَه يُكَفَّر أَوْ يُفَسَّق؛ بَلْ وَلَا يُأَثَّم, فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي دُعَاءِ المُؤمِنينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 268].
وَفِي ((صَحِيحِ مُسلِمٍ)) عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: قَدْ فَعَلْت)).
قَالَ الشَّيخُ عَبدُ اللَّطِيفِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ حَسَن -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى-: بَعدَ ذِكْرِهِ أَنَّه قَد أَنْكَرَ عَلَى رَجُلَينِ صَنَعَا مِثْلَ مَا صَنَعَ هَذَا المُتَسَرِّع –يَعنِي: فِي التَّكفِيرِ-.
قَالَ: ((وَأَخبَرتُهُم -يَعنِي: هَذَين الرَّجُلَين- بِبَرَاءَةِ الشَّيخِ مُحمَّد -يَعنِي: الشَّيخَ مُحمَّدَ بنَ عَبدِ الوَهَّاب- مِنْ هَذَا المُعتَقَدِ وَالمَذهَبِ، وَأنَّه لَا يُكَفِّرُ إِلَّا بِمَا أَجمَعَ المُسلِمُونَ عَلَى تَكفِيرِ فَاعِلِهِ مِنَ الشِّركِ الأَكبَرِ وَالكُفرِ بِآيَاتِ اللهِ وَرُسُلِهِ، أَوْ بِشَيءٍ مِنهَا بَعدَ قِيَامِ الحُجَّة وَبِلوغِهَا المُعتَبَر)).
ثُمَّ استَطْرَدَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيَانِ حَالِ هَذَين الرَّجُلَين، وَفِي تَكفِيرِهِمَا لِوُلَاةِ أُمُورِ المُسلِمِينَ، وَلِبَعضِ أَهلِ العِلْم، ثُمَّ قَالَ مُخَاطِبًا هَؤلَاءِ المُتَسَرِّعِينَ فِي التَّكفِيرِ:
((وَقَد بَلَغَنَا عَنكُم نَحوٌ مِنْ هَذَا، وَخُضتُم فِي مَسَائلَ مِنْ هَذَا البَابِ، كَالكَلامِ فِي المُوَالَاةِ وَالمُعَادَاةِ، وَالمُصَالَحَةِ وَالمُكَاتَبَاتِ، وَبَذْلِ الأَموَالِ وَالهَدايَا وَنَحوِ ذَلِك؛ مِنْ مَقَالَةِ أَهلِ الشِّركِ بِاللهِ وَالضَّلَالَاتِ، وَالحُكْمِ بِغَيرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عِندَ البَوَادِي وَنَحوِهِم مِنَ الجُفَاةِ، وَالَّتِي لَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا إِلَّا العُلَمَاءُ مِنْ ذَوِي الأَلْبَاب، وَمَنْ رُزِقَ الفَهمَ عَنِ اللهِ وَأُوتِيَ الحِكمَةَ وَفَصْلَ الخِطَاب.
وَالكَلَامُ فِي هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعرِفَةِ مَا مَرَّ، وَمَعرِفَةِ أُصُولٍ عَامَّةٍ كُلِّيَّةٍ، لَا يَجوزُ الكَلَامُ فِي هَذَا البَّابِ وَفِي غَيرِهِ لِمَنْ جَهِلَهَا وَأَعرَضَ عَنهَا وَعَن تَفَاصِيلِهَا، فَإِنَّ الإِجمَالَ وَالإطْلَاقَ وَعَدَمَ العِلمِ بِمَعرِفَةِ مَواقِعِ الخِطَاب وَتَفَاصِيلِهِ، يَحصُلُ بِهِ مِنَ اللَّبسِ وَالخَطَأ وَعَدَمِ الفِقْهِ عَنِ اللهِ مَا يُفسِدُ الأَديَان وَيُشَتِّتُ الأَذهَانَ، وَيَحُولُ بَينَهَا وَبَينَ فَهْمِ السُّنَّة وَالقُرآن.
قَالَ الإمَامُ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((كَافِيَتِهِ)):
وَعَلَيْكَ بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّبْيِينِ *** فَالْإِطْلاَقُ وَالإِجْمَالُ دُونَ بَيَانِ
قَدْ أَفْسَدَا هَذَا الوُجُودَ وَخَبَّطَا *** الأَذْهَانَ وَالآرَاءَ كُلَّ زَمَانِ)).
وَقَالَ الشَّيخُ عَبدُ اللهِ بنُ عَبدِ الرَّحمَن:
((وَبِالجُمْلَةِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ نَصَحَ نَفسَهُ أَلَّا يَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ المَسأَلَةِ، إِلَّا بِعِلمٍ وَبُرهَانٍ مِنَ اللهِ، وَلْيَحذَر مِنْ إِخرَاجِ رَجُلٍ مِنَ الإِسْلامِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاستِحسَانِ عَقْلِه؛ فَإِنَّ إِخراجَ رَجُلٍ مِنَ الإِسْلَامِ أَوْ إِدْخَالَهُ فِيهِ؛ أَعظَمُ أُمُورِ الدِّينِ)).
هَذَا الَّذِي مَرَّ جَمِيعُهُ فِي حَقِّ مَن كَفَّرَ فَردًّا أَوْ طَائفَةً مِنَ المُسلِمِينَ, فَكَيفَ بِمَنْ يُكَفِّرُ المُجتَمَعَاتِ الإِسْلَامِيَّة كُلَّهَا وَلَا يَسْتَثْنِي؟!
نَسأَلُ اللهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ وَالعَافِيَةَ, وَصَلَّى اللهُ وَسَلَمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
ففي عصرِنا هذا؛ تَوَلَّى سيد قطب كِبْرَ وَصْمِ المُجتمعاتِ الإسلاميةِ بالجاهلية, وكَفَّرَ أهلَ الأرضِ جميعًا، فقال:
((يدخلُ في إطارِ المجتمعِ الجاهليِّ تلكَ المُجتمعاتُ التي تزعمُ لنفسِها أنها مسلمة، لا لأنها تعتقدُ بألوهيةِ أحدٍ غيرِ الله، ولا لأنها تُقدِّمُ الشعائرَ التَّعَبُّديةَ لغيرِ الله، ولكنَّها تدخلُ في هذا الإطار –يعني الإطارَ الجاهليِّ والرِدَّةَ عن دينِ اللهِ –جلَّ وعلا-؛ لأنها لا تَدينُ بالعبوديةِ للهِ وحدَهُ في نظامِ حياتِها.
فهي وإنْ لم تعتقد بألوهيةِ أحدٍ إلا الله؛ تُعطي أخصَّ خصائصِ الألوهيةِ لغيرِ الله، فتدينُ بحاكميةِ غيرِ الله، فتتلقى مِن هذه الحاكميةِ نِظامَها، وشرائعَها وقيمَها، وموازينَها، وعاداتِها وتقالِيدَها.
موقفُ الإسلامِ من هذه المجتمعاتِ الجاهليةِ كلِّها يتحدد في عبارةٍ واحدةٍ: أنْ يَرفضَ الاعترافَ بإسلاميةِ هذه المجتمعات كلِّها!!)).
قال ذلك في كتابه: ((معالم في الطريق)).
وليَحْذَر المُسلم أنْ تسيطرَ عليه فكرةٌ خائبة، حتى يظَلَّ حبيسًا لها، كأنه قد حُبسَ في جِلدهِ، لا يستطيعُ لها تحقيقًا؛ لأنها خائبةٌ فاسدة، ولا يستطيعُ منها خروجًا؛ لأنه صارَ أسيرًا لها.
فهذا الرَّجُلُ صارَ حبيسًا لفكرةٍ خائبةٍ وهي فكرةُ ((الحاكمِية))، ولم تكن من بناتِ أفكارهِ، وإنما تلقاها من (المودودي)؛ فهو أولُّ من دندنَ حولَها في ((المصلحات الأربعة))، ثم أتى سيد فمدَّ الخطَّ على استقامتهِ وأصَّلَ وفرَّع، ووضعَ الأُسسَ والقواعد، وكلُّ ذلك على شفا جُرُفٍ هارٍ؛ فانهار به في تكفيرِ المسلمين بلا مُوجِب.
قال: ((ارتدت البشريةُ إلى عبادةِ العباد، وإلى جَوْرِ الأديان؛ ونَكَصت عن لا إله إلا الله، وإنْ ظلَّ فريقٌ منها يُرَدِّدُ على المآذن: لا إله إلا الله!!)).
وقال عن مشركي الجاهلية: ((إنما كان شِرْكُهم الحقيقيُّ يتمثلُ ابتداءً في تَلَقِّي منهجِ حياتِهم وشرائعِهم مِنْ غيرِ الله –لا في عبادةِ الأصنام تقرُّبًا واستشفاعًا إلى الله مع تقديمِ النُّذورِ وذبحِ الذبائحِ والقرابين لها، مع تقديسِها وطلبِ منها ما لا يجوز طلبُهُ إلا مِن الله، كلُّ هذا لم يلتفت إليه-، يقول: الأمرُ الذي يشاركُهم فيه اليوم أقوامٌ يظنون أنهم مسلمون على دينِ مُحمد كما كان المشركون يظنون أنهم مهتدونَ على دينِ إبراهيم)).
وقال: ((والذين لا يُفرِدُون اللهَ بالحاكميةِ في أيَّ زمانٍ وفي أيَّ مكانٍ؛ هم مُشركون، لا يُخرِجُهم مِن هذا الشِّرك؛ أن يكونَ اعتقادَهم أن: ((لا إله إلا الله)) مجرد اعتقاد، ولا أنْ يُقدِّموا الشعائرَ لله وحدَهُ)).
قال هذا؛ مع أنَّ النجاشيَّ كانَ إسلامُهُ مُجردَ اعتقادِ أن لا إله إلا الله: أي لا معبود بحقٍّ إلا الله، فلم يُطبِّق الحاكميةَ في المعاملات، ولا في الأعيادِ ولا التقاليدِ ولا الأزياء، ولا النظامِ في دولتهِ بالحبشة، ومع ذلك صلى عليه النبي ﷺ وأصحابُه.
أفرأيتَ لو أنه طبَّقَ الحاكميةَ فيما ذُكِر ، ولم يؤمن بعقيدةِ التوحيد؛ أَيُعَدُّ مؤمنًا؟!
قال سيد قطب في تفسير قول الله -جل وعلا-: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] -بعد أنْ قرَّرَ فيما سبق دخول مُسلمي العصر في إطارِ المجتمعِ الجاهليِّ-:
((وهنا يُرشدُهم الله إلى اعتزالِ معابدِ الجاهلية –يعني مساجدها!!-، واتخاذِ بيوتِ العُصبَة المُسلمةِ مساجدَ تُحسُّ فيها بالانعزالِ عن المجتمعِ الجاهليِّ)).
وهو أولُّ مَن قرَّرَ نظريةَ ((العُصْبَةِ المسلمةِ)) في هذا العصر، وهي وَهْمٌ كبيرٌ أدى إلى كثيرٍ من الشرور؛ فكم أُريق بسببِها من دماء؟!
وكم وقعَ بسببِها من فساد؟!
وكم اُنتهِكت بسببِها ومِن جَرَّائها مِن أعراض؟!
وكم اضطربت بسببِها أحوالُ الأمم؟ حتى صِرنا إلى ما وقع؛ مما عُرِفَ بالربيعِ العِبْريِّ، وسقطت بسببِهِ كثيرٌ مِن الدولِ الإسلاميةِ العربية, وإلى الله المشتكى وحده، وهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيل.
قال: ((إنه لا نجاةَ للعُصبةِ المسلمةِ في كلِّ أرضٍ مِن أنْ يقعَ عليها العذاب؛ إلا بأنْ تنفصِلَ عقيديًا وشعوريًا ومنهجَ حياة عن أهلِ الجاهليةِ من قومِهم، حتى يأذنَ اللهُ لها بقيامِ دارِ إسلامٍ تعتصمُ بها، وإلا أنْ تشعرَ شعورًا كاملًا بأنها هي الأمةُ المسلمة، وأنَّ ما حولها ومَن حولها ممن لن يدخلوا فيما دَخَلَت فيه؛ جاهلية وأهلُ جاهلية!!)).
وهذه أيضًا نظريةٌ أخرى من نظرياته؛ وهي: ((العُزلةُ الشُّعورية)).
قال: ((إنه ليس على وجهِ الأرضِ اليومَ دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مُسلم، قاعدةُ التعاملِ فيه: هي شريعةُ الله والفقهُ الإسلاميُّ)).
وقال: ((ونقطةُ البدءِ الصحيحةِ في الطريقِ الصحيحةِ هي: أنْ تَتَبَيَّنَ حركاتُ البعثِ الإسلامي أنَّ وجودَ الإسلام قد توقف، هذا طريق.
والطريقُ الآخر: أنْ تظنَّ هذه الحركاتُ لحظةً واحدةً أنَّ الإسلامَ قائم، وأنَّ هؤلاءِ الذين يَدَّعون الإسلام، ويَتَسَمَّوْنَ بأسماءِ المسلمين هم فعلًا مسلمون.
فإنْ سارت الحركاتُ في الطريقِ الأول؛ سارت على صراطِ الله وهُداه، وإنْ سارت في الطريق الثاني؛ فستسيرُ وراء سرابٍ كاذبٍ، تلوحُ لها فيه عمائمُ تُحَرِّفُ الكَلَمَ عن مواضعِهِ، وتشتري بآياتِ اللهِ ثمنًا قليلًا، وترفعُ رايةَ الإسلامِ على مساجدِ الضِّرار –يعني مساجدَ المسلمين!!-)).
وقال: ((ونحنُ نعلمُ أنَّ الحياةَ الإسلاميةَ على هذا النَّحو قد توقفت منذُ فترةٍ طويلةٍ في جميعِ أنحاءِ الأرض، وأنَّ وجودَ الإسلامِ ذاتهِ مِنْ ثَمَّ قد توقف كذلك)).
وقال: ((البشريةُ عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن ((لا إله إلا الله))، فأعطت لهؤلاءِ العباد الذين شرعوا التقاليدَ والعاداتِ والأعيادَ والأزياء خصائص الألوهية، ولم تَعُد تَوَحِّدُ اللهَ وتُخلصُ له الولاء.
البشريةُ بجُملتِها بما فيها أولئك الذين يُرددون على المآذنِ في مشارقِ الأرض ومغاربها كلماتِ ((لا إله إلا الله)) بلا مدلولٍ ولا واقعٍ، وهؤلاء أثقلُ إثمًا وأشدُّ عذابًا يوم القيامة؛ لأنهم ارتَدُّوا إلى عبادةِ العباد بعدما تبينَ لهم الهُدى، ومن بعدِ أنْ كانوا في دين الله)).
ولا غرابةَ في أقوالهِ السابقةِ عن مُسلمي هذا العصر؛ فقد قال عن الذين زعم أنَّ عثمانَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- آثرَهُم بالمناصبِ والمال من الصحابة والتابعين، قال:
((إنهم الذين لَبِسوا الإسلامَ رِداءً ولم تُخالط بشاشةُ الإسلامِ قلوبَهم، والذين تَجرفُهم مطامعُ الدنيا ويَرَوْنَ الانحدارَ مع التيار)).
يقول هذا عمن ادَّعى أن عثمان آثرهم من الصحابة والتابعين ببعضِ المال، فيقول: ((هؤلاء لم يكونوا مسلمين حقًّا، وإنما تردَّوا وتزيَّوا برداءِ وزيِّ الإسلام وقلوبُهم منه خواءٌ وفضاء)).
وقال في قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106]: -بعد أنْ ذكرَ الشِّركَ الخفيِّ-
((وهناك الشركُ الواضح الظاهر؛ وهو الدينونة لغير الله في شئونِ الحياة –في شئون الحياة الدنيا-، الدينونةُ في شرعٍ يتحاكمُ إليه وهو نصٌّ في الشركِ لا يُجادلُ عليه، والدينونة في تقليدٍ من التقاليد؛ كاتخاذ أعيادٍ ومواسمَ يشرعُها الناس ولم يَشْرَعها الله، والدينونةُ في زيٍّ من الأزياء يخالفُ ما أمر الله به من التستُّر)).
مع أنه كان طولَ عُمرهِ يتزَيَّا بزيِّ الفِرنجة؛ من اتخاذِ القميص الأفرنجي والبنطال، مع اتخاذِ رابطة العُنقِ أحيانًا وحلقِ اللحية، وهذا كلُّه يُكفر به وهو لم يَنفَكَّ عنه يومًا من الأيام -أسألُ اللهَ أنْ يعفو عنَّا وعَنْ المسلمين أجمعين-.
يقول: ((والدينونة في زيٍّ من الأزياء يخالف ما أمر اللهُ به من التستُّر ويكشف أو يُحدِّد العورات –كالبنطال الذي ما انفكَّ عنه-، التي نصَّت شريعةُ الله أن تُستر)).
في هذا الكلامِ أمران خطيران:
أوَّلُهما: تكفيرُ المجتمعاتِ الإسلاميةِ بالمعاصي والمخالفات الواقعة في العاداتِ والتقاليدِ والأزياء، وهذا المذهبُ أشدُّ خطرًا مِنْ مذهبِ الخوارجِ السابقين.
وثانيهِما: تأويلُ القرآن بغيرِ ما أراد اللهُ بالشِّرك؛ إذا المراد بالشركِ هنا: ما استقرَّ في القرآن والسُّنة وعرفهُ المسلمون، وهو الشِّركُ الأكبرُ المُطلق وهو اتخاذ أندادٍ مع الله؛ يُدْعَون ويُستغاثُ بهم ويُذبحُ لهم ويُتقربُ إليهم ويُصْرَفُ لهم شيءٌ من العباداتِ التي أمرَهم اللهُ أنْ يعبدوهُ بها ويُخلصوا بها الدين لله وحده.
فهذا تكفيرٌ للمجتمعاتِ الإسلاميةِ كلِّها، وما مرَّ قبل ذلك إنما كان في تكفيرِ فردٍ!! في تكفيرِ مسلمٍ من المسلمين أو في تكفيرِ طائفةٍ من المسلمين!!
مع ما مرَّ فيه من الوعيدِ الشديد والتحذيرِ الأكيد، حتى لا يتورطَ في ذلك مُسلم مع ما يترتبُ على التَّوَرُّطِ فيه مما توعد اللهُ –تبارك وتعالى- به هذا؛ فكيف بتكفيرِ المسلمين جميعًا في جميعِ ربوعِ الأرض!!
((ليس على ظهرِ الأرض أمةٌ مسلمةٌ اليوم)) يقول ذلك سيد قطب.
مَن أخذ بهذا الفكرِ ثم اعتقده اعتقادًا، ثم سَبَحَ في دمائهِ سَبْحًا طويلًا، فإنه يصيرُ بعد ذلك وحشًا آدميًا، إذ كلُّ مَن يراه كافرٌ مرتدٌ؛ حلالُ الدمِ والعِرضِ والمال!!
وكلُّ امرأة تقعُ في قبضتهِ؛ فهي أَمَةٌ سَبيَّة، إذ هي على دينِ الكُفرِ والرِدَّة، فيحلُّ له منها ما يشاء!!
وهذا مما يؤدي إلى دمارِ المسلمينَ في مجتمعاتِهم وقد وقع إلا ما عصم الله –نسأل اللهَ السلامة والعافية-.
لقد حذَّرَنا الدِّين مِن مُشابهةِ الخوارجِ الآثمين الظالمين:
روى البخاريُّ ومسلم عن عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((سيخرج في آخرِ الزمان قومٌ حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يقولون مِن خيرِ قولِ البريَّة، يَقرأونَ القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، يمرقون من الدينِ كما يَمرقُ السَّهمُ من الرميَّة، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قَتْلِهِم أجرًا لمن قتَلَهم يومَ القيامة)). اللفظ لمُسلِم، والحديثُ كما مرَّ في ((الصحيحين)).
ذكر النبيُّ ﷺ في هذا الحديث بعض صفاتِ الخوارج، وجاء ذِكْرُ صفاتٍ أُخَرَ لهم في أحاديث أخرى في ((الصحيحين)) وغيرِهما.
ظهرت هذه الفِرقة –أعني فِرقَة الخوارج- في أواخرِ عهدِ الخلفاءِ الراشدين –في عهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ--، خرجوا عليهِ فحاربَهم، فهزمَهم اللهُ على يديه في وقعةِ النهروان، ثم كان مِن آخرِ أمرِهِم معه؛ أن قتلَه -رَضِيَ اللهُ عنهُ- واحدٌ منهم؛ هو ((عبدالرحمن بن مُلجَم))، قتلَه غِيلَةً.
ومن أبرز عقائد فرقة الخوارج وأعمالِها:
- الغلو في التكفير
قال شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ-: ((إِنَّ تسَلُّطَ الجُهَّال على تكفيرِ عُلماءِ المسلمين مِنْ أعظمِ المُنكَرات، وإنَّمِا أصلُ هذا مِنْ الخوارجِ والروافضِ، الَّذين يُكفِّرونَ أئمةَ المسلمين؛ لِمَا يعتقِدونَ أنَّهم أخطئوا فيه مِنَ الدِّين)) فهذا من صفاتهم.
والذين يُكفِّرون في هذا العصر مِن خوارجِ العصر، يتصفون بهذه الصفات حذو النعلِ بالنعل بلا نُقصان.
فَلْيَحْذَر المسلمُ أنْ يكونَ فيه شَبَهٌ من الخوارجِ بحال، وليتق اللهَ ربَّه، فإنَّ الإنسانَ قد يكونُ سبئيًّا –من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أعلنَ الإسلام؛ ليُفسدَ الإسلام على أهله- قد يكون الرجلُ سبئيًّا وهو لا يعلم.
كان ابنُ سبأ يقولُ لأتباعهِ: إذا كنتم بين العامة؛ فتكلَّموا عن ظُلمِ وجَورِ الحكامِ واستئْثَارِهِم بالثروات حتى تهيجوهم، فإنَّ العامة لا يأبهون لحُكمِ اللهِ –تبارك وتعالى- ولا يقاتلون دونَه، فإذا كنتم عند العامة، فكلِّموهم عن الغلاء، عن الفساد، عن الاستئثار بالثروة إلى غيرِ ذلك من هذه الأمور، التي تُهيِّجُ الحماسةَ الكامنةَ في صدورِ العامة؛ لأنهم مشغولون ببطونِهم ومَلَذَّاتِهم.
وإذا كنتم عند الخاصة: فكلِّموهم عن مخالفةِ الكتابِ والسنة، فإنَّ الخاصةَ لا يأبهون كثيرًا لِمَا يتعلقُ بالاستئثارِ بالثروات، وإنما يُهمهم دينُ اللهِ –جلَّ وعلا-.
واليوم؛ فأنت تجدُ كثيرًا من السبئِيَّة -يعلمون أوْ لا يعلمون- يُهيِّجونَ العامة، يَؤُزُّونَ المجتمعَ لقلقلةِ القاعدةِ الشعبية؛ لإحداثِ الانهيارِ المُرتَقب، هؤلاء يُكلِّمونَ العامة عن الفساد، يُكلِّمونَ العامة عن الاستئثارِ بالثروات، عن تدميرِ مواردِ البلد، إلى غير ذلك من هذه الأمور، وما يخلو من ذلك قُطْر ولا تخلو منه دولة مهما كانت في القديمِ وفي الحديث.
وأما عند طلابِ العلم: فإنهم يُكلِّمونَهم عن الحُكمِ بغيرِ ما أنزل الله، عن الكُفر بشريعةِ الله، هؤلاء سبئيَّة –عَلِموا أم لم يعلموا-.
- من صفاتِ الخوارج: تَخطئةُ من خالفَهم مهما كانت منزلَتُه في العلم
مع أنه يغلبُ عليهم هم قِلَّةُ العلم، حتى إنهم خطَّئوا جميعَ الصحابة وجميعَ العلماء من التابعين ومَنْ بعدهم من أهل العلم؛ لأن جميعَ الصحابة وجميعَ العلماء مِن بعدِهم قد خالفوهم وحكموا بضلالِهم.
فهؤلاء أصلُ ضلالتهم اعتقادُهم في أئمة الهُدى وجماعةَ المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون، ثم يَعُدُّون ما يرَوْن أنه ظلمٌ عندهم؛ يعدُّونه كُفرًا، ثم يُرتِّبون على الكُفرِ أحكامًا ابتدعوها.
قالوا: عثمانُ وعليُّ ومَن وَالَاهُمَا ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغيرِ ما أنزلَ الله!!
فمَنْ الذي يحكمُ بما أنزل الله بعد عثمانَ وعليّ؟!
ومَن يكونوا على هُدى ورشاد بعد عثمان وعليّ إذا كان عثمان وعليّ لم يُحَكِّما شرع الله؟! وإذا كان عثمان وعليّ على ضلالةٍ لا هُدى فيها؟!
قالوا: عثمانُ وعليٌّ ومَن وَالَاهُمَا ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله!!
- من صفات الخوارجِ قديمًا وحديثًا: الخروج على وُلَاةِ أمورِ المسلمين
خرج أوائلُهم على الخليفة الراشدِ عليِّ بن أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، ثم جاء مَن بعدهم فخرجوا على خلفاءِ بني أُمية، مما ترتبَ عليه قتلٌ لكثيرٍ منَ المسلمين، وحصل منهم مفاسدُ كثيرةٌ؛ من اختلالِ الأمن وحصولِ الفوضى في كثيرٍ من بلادِ المسلمين من أجلِ هذا الأمر، ومن أجل أنَّ النبيَّ ﷺ وَصَفَهم بأنهم يخرجون على حينِ فُرقةٍ منَ المسلمين؛ سُمُّوا خوارج.
وفي هذا العصر؛ ظهر أقوامٌ جُلُّهم من الشباب قَلِيلِ العلم، شابهوا الخوارج المتقدمين في كثيرٍ من آرائهم، وأكبرُ ذلك وأعظمهُ ما مرَّ من تكفير المجتمع، وهؤلاء يُسَلسِلُونَ التكفيرَ سَلْسَلَةً، يُكفِّرون الحاكم، ثم يُكفِّرون مَن كان معه ممَّن يُؤيده ويُناصِرهُ ومن الحاشية، لا يستثنون أحدًا؛ لا من الطباخين ولا الفرَّاشين ولا السائقين، يُكفِّرون الجميع!!
ثم يُكفِّرون المجتمع؛ لرضاهُ بالكُفرِ وعدم اعتراضهِ عليه، ثم يصيرُ المجتمعُ مجتمعًا كافرًا مُرتدًا جاهليًّا، وهو أَكْفَرُ في نظرِ هؤلاءِ الخوارجِ مِن المعاصرين مِن الكفَّارِ مِن أهلِ الكتاب!!
يقولون: لأنَّ الكفَّارَ مِن أهلِ الكتابِ أصحابُ كتاب –كتابٍ مُنزَّل-، وأما هؤلاء فَهُمْ مرتدون، ارتدوا عن دينِ الإسلامِ العظيم.
في هذا العصرِ من المُكَفِّرين مَن شابهوا الخوارج الأولين في التسرُّعِ في التَّكفِيرِ والحرص عليه والغلوِ فيه؛ بالتَّكفِيرِ باللوازم وبالتضييقِ في موانعِ التَّكفِير، مع أنَّ الحُكمَ علَى المُسلمِ بالكُفرِ خطيرٌ جدًا كمَا مرَّ.
- ومن صفاتهم أيضًا -في هذا العصر وفي عصورٍ خَلَت-: ازدراءُ علماءِ المسلمين والدعوةُ إلى عدمِ الأخذِ بآرائِهم
وربما تَجِدُ أحدَهم يتهمُ العلماءَ بأنواعٍ من التُّهم؛ لأنهم لم يوافقوه في آرائهِ، ولم يتَّبِعوا قولَهُ، لذلك أقول: التكفيرُ في هذا العصرِ في جُملتهِ؛ موقفٌ نفسيٌّ، هو حماقةٌ في العقل وضيقٌ في الصَّدرِ, ومُعاناةٌ في الحياة إلى غيرِ ذلك من هذه الأمور، فهو في جُملتهِ في هذا العصر؛ موقفٌ نفسيٌّ لا أكثر؛ لذلك تجدُ الذين يُكفِّرون، الذين يزعمون أنهم يريدون تطبيقَ شرعِ اللهِ –جلَّ وعلا- وإقامةَ الحُكمِ بما أنزلَ الله؛ تجدُهُم أولَّ مَن يُخالف الحُكم بمَا أنزل الله، وهم حَمْقَى ليست لهُم عقول، يخالفون قواعدَهم، وينسِفونَ أصولَهم من حيثُ يشعرون ومن حيث لا يشعرون.
هؤلاء يقولون: إنَّ قَوْلَ ربِّنا –جلَّ وعلا-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، هذه تعني كُفرًا واحدًا، وليست بكُفرٍ دون كُفر، بل لا يعترفون بذلك!!
يقولون: هذه تعني الكُفرَ الأكبر الذِي يُخْرِجُ من المِلَّة!!
فيقولون: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
فيُقال لهم: أيها المُغَفَّلُون؛ ((مَنْ)) مِن ألفاظِ العموم، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}، فـ ((مَنْ)) هاهنا: من ألفاظِ العموم، و((مَا)): من ألفاظِ العمومِ أيضًا.
إذن؛ مَن: تشملُ كلَّ إنسانٍ لا يحكمُ بشيءٍ ما ممَّا أنزل الله، فهذه للعموم وهذه للعموم، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا}: مَنْ للعموم، ومَا للعموم في الأحكام، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}.
مِن حُكمِ الله أن تدخلَ المسجدَ برجِلِكَ اليُمنى وأنْ تخرجَ بشِمالك، فإنْ خالفْت -فعلى قَوْلِ هؤلاءِ المُغفلين-؛ فهذا كُفرٌ أكبر؛ لأنه حُكمٌ بغيرِ ما أنزل الله، وكذلك لو صنعَ ذلك عند الخلاءِ ودخولهِ فيكون كافرًا.
مَن أكلَ بشِمالهِ مع القدرةِ على الأكلِ بيمينهِ يَصْدُقُ عليه الكُفرُ الأكبر عند هؤلاء المُغفلين؛ لأنه يحكمُ بغيرِ ما أنزلَ الله؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ قال: ((كُل بيمينك)) للذي رآه يأكلُ بشمالهِ.
إذن؛ مَن أكل بشمالهِ فقد خالفَ حُكمًا من أحكامِ الله التي فصَّلها وبيَّنها رسول الله، فهو عند هؤلاء ممَّن يَكْفُرُ كُفرًا أكبر يُخْرِجُ من المِلَّة وتترتبُ عليه أحكامُ الرِدَّة التي ذُكرِت في أولِّ هذا الكلام.
هؤلاء لهُم موقفٌ نَفسيٌّ، لا أكثر.
هل هؤلاء يريدون إقامةَ الدولةِ المُسلمة أم يريدون الحُكم؟
ارجع إلى أقوالِ الإخوانِ المسلمين؛ كسيد قطب والقرضاوي ومِنْ قَبْلِهما حسن البنا؛ يقول: خصومتنا مع اليهود على أرض، نحن نخالفُهم لأنهم اغتصبوا أرضنا، لا أكثرَ مِن هذا ولا أقلَّ منه!!
ويُردِّدُ هذا الكلامَ بنصِّهِ وفَصِّهِ القرضاويُّ، المسألة هي في أنْ نصلَ إلى الحُكم بأيِّ وسيلة مهما كانت مخالِفَةً للشرعية, التي يدَّعون أنهم بها يتمسكون وإليها يَدْعون، ويريدون مِن أتباعِهم؛ بل مِن جميعِ المسلمين أنْ يمُوتوا دونها شهداءَ صالحين -كما يزعمون-!!
بأيِّ وسيلة ولو كانت الوسيلةُ كُفرية!! مع أنَّ اللهَ –جلَّ وعلا- كما حدَّدَ الغاية وفَصَّلَها؛ حدَّدَ الوسيلةَ إليها وفَصَّلها، فلا يُتوَصَّلُ إلى غايةٍ صحيحةٍ بوسيلةٍ غيرِ صحيحة، ما عند اللهِ لا يُنالُ إلا بطاعتهِ.
أسألُ اللهَ –جلَّ وعلا- أنْ يَهديَنا والمسلمين أجمعين إلى ما فيه خَيْرُنا وخيْرُ أُمَّتِنَا وخيرُ المسلمين في جميعِ بقاعِ الأرض، وإلى مَا فيه نَجاتُنا مِنَ المهالِكِ في الدنيا والآخرة وأن يُحسِنَ خِتامَنا.
أسألُ اللهَ أنْ يُحسِنَ ختامَنا أجمَعين.
وصلى الله وسلم على نبينا مُحمَّدٍ وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.