تفريغ محاضرة [ طليعة الرد على الحلبي [ الجزء الأول

[ طليعة الرد على الحلبي [ الجزء الأول


[ طليعة الرد على الحلبي [ الجزء الأول

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا -بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ- هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ (طَلِيعَةِ الرَّدِّ عَلَى الْحَلَبِيِّ).
فَقَدْ قَامَ بَعْضُ رُوَّادِ «مُنْتَدَى الضِّرَارِ»، الَّذِي اتَّخَذَهُ الْحَلَبِيُّ تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ السُّنَّةَ وَأَهْلَهَا، بِكِتَابَةِ مَقَالٍ يَرْمِينِي فِيهِ بِالْكُفْرِ، فَتَكَلَّمْتُ بِجُمْلَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ لِيَحْمِلَ صَاحِبُ «مُنْتَدَى الضِّرَارِ» مَسْئُولِيَّتَهُ، وَيَتُوبَ مِنْ ذَنْبِهِ، فَانْفَجَرَ مِنْ جُمْلَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ؛ قَيْحًا وَصَدِيدًا، وَرَاحَ يَتَقَمَّمُ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ وكَلَامِهِمْ مَا يُطِيلُ بِهِ الْكَلَامَ، وَيَتَفَاصَحُ بِهِ لِيَغُرَّ الرَّعَاعَ وَالطَّغَامَ، وَمَا زَالَتْ تَغْلِي بِهِ مَرَاجِلُ غَضَبِهِ وَحَمَاقَتِهِ وَتَفَاصُحِهِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْإِرْجَاءِ إِلَى التَّكْفِيرِ، فَرَاحَ يَزْعُمُ: أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الْحَوْبَةِ الَّتِي لَا يَغْسِلُهَا مَاءُ زَمْزَمَ، عَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ خَاضِعًا صَاحِبَ الْعَوَالِي، لِيَقُدِّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ الصَّدَقَاتِ، وَيَمْسَخَ!! بَيْنَ يَدَيْهِ الْقُرُبَاتِ!! فَادَّعَى -كَاذِبًا- أَنَّ سَاكِنَ الْعَوَالِي: إِلَهٌ يُعْبَدُ، وَمَنْ قَصَدَهُ قَصَدَهُ خَاضِعًا، يَذْبَحُ عَلَى الْمَذْبَحِ الْقُرُبَاتِ، وَيُقَدِّمُ الصَّدَقَاتِ!!
وَلَمْ يَكْتَفِ هَذَا الْأُحَيْمَقُ الْمُجَازِفُ بِهَذَا، بَلْ أَتْحَفَ (عَبْدَ اللهِ) بِالتَّكْفِيرِ أَيْضًا، فَقَالَ: «لَيْسَ لَهُ مِنَ اسْمِهِ مِنْ نَصِيبٍ»، هَكَذَا!!
وَالْمُسْلِمُ الَّذِي اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، إِذَا قِيلَ: «لَيْسَ لَهُ مِنَ اسْمِهِ مِنْ نَصِيبٍ»، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَبَّدٍ لِشَيْءٍ؛ فَيَكُونَ مُلْحِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَابِدًا لِغَيْرِ اللهِ فَيَكُونَ كَافِرًا!!
وَهَكَذَا رَاحَ الْحَلَبِيُّ زَعِيمُ الْغُلَاةِ، وَمُفَرِّقُ الْمُسْلِمِينَ، يَهْذِي بِمِثْلِ هَذَا، حَتَّى إِنَّهُ نَظَمَ كَلَامًا، لَا هُوَ شِعْرٌ، وَلَا هُوَ نَثْرٌ، يَهْجُونِي بِهِ!! إِي وَاللهِ! يَهْجُونِي بِهِ.
وَاللهُ تَعَالَى لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، وَمِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى: أَنْ سَاقَ لَنَا هَذَا الْمُتَشَاعِرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، الَّتِي عُبِّئَتْ بِالْكُرُوبِ وَالْهُمُومِ، وَشُحِنَتْ بِالْأَحْزَانِ وَالْغُمُومِ، لِيَسْتَخْرِجَ نَظْمُهُ مِنْ أَعْمَاقِ هُمُومِ أُمَّتِنَا ضَحِكَةً وَلَوْ مُقْتَسَرَةً، وَلِيُخْرِجَ مِنْ أَرْحَامِ الْأَحْزَانِ فَرْحَةً وَلَوْ مُبْتَسَرَةً.
يَقُولُ فِي بَيْتٍ مِنْ هِجَائِهِ:

بِجَهْلٍ قُلْ وَتَقْلِيدٍ تَعَالَى عَنِ الْحَقِّ التَّلِيدِ، أَيَا زَمَانِي


«أَيَا زَمَانِي»!! أَهُنَاكَ شَاعِرٌ مُحْتَرَمٌ يَقُولُ: أَيَا زَمَانِي؟!!
هَذِهِ يَقُولُهَا كُتَّابُ الْأَغَاِني!!
انْتَ هَتْغَنِّي عَلِينَا يَا سِي عَلِي؟!!
وَيَقُولُ فِي قَافِيَةِ بَعْضِ أَبْيَاتِهِ: أَنْوَارُ الْمَكَانِ، قَدْ كَفَانِي، لَفَانِ...
وَلِو اسْتَشَارَنِي لَدَلَلْتُهُ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَيْضًا قَافِيَةً لِبَعْضِ أَبْيَاتِ نَظْمِهِ مِثْلَ: كَانِي، وَمَانِي، وَعَلِي الزَّلَبَانِي... وَغَيْرِهَا.
الْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا الْهَاذِي لَمَّا أَتَى بِتِلْكَ الطَّامَّاتِ وَأَضْعَافِهَا فِي مَقَالِهِ ذَاكَ، وَجَّهْتُ إِلَيْهِ رِسَالَةً عَاجِلَةً، وَصَفْتُ لَهُ فِيهَا الْحَالَ، وَذَكَرْتُ لَهُ فِيهَا اخْتِلَافَ النَّاسِ فيِهِ وَفِي مَقَالِهِ، وَقَوْلَ بَعْضِهِمْ فِيهِ وَفِي مُنْتَدَاهُ كُلَّ سَيِّءٍ وَقَبِيحٍ، وَنَقَلْتُ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، مُتَجَاهِلًا مَا قَالَ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ، بَلْ ذَمَمْتُهُ بِمَا يُشْبِهُ الْمَدْحَ، وَهَذَا كُلُّهُ لِأَتْرُكَ لَهُ الْبَابَ مُوَارَبًا، لِكَيْ يَعُودَ إِلَى رُشْدِهِ، وَيَثُوبَ إِلَى عَقْلِهِ، وَيَكُفَّ عَنْ غَيِّهِ، فَلَمْ يَفْهَمْ مُرَادِي، وَرَاحَ يَهْذِي مَرَّةً أُخْرَى وَيَسُبُّ، ثُمَّ أَزَّهُ شَيْطَانُهُ فَكَفَّرَنِي.
وَهَكَذَا: مِنَ الْإِرْجَاءِ إِلَى التَّكْفِيرِ! يَا قَلْبِي لَا تَحْزَنْ!!
وَقَدْ صَدَقَ السَّلَفُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ: «كُلُّ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ تَنَاقَضَ».
وَالْحَلَبِيُّ يَطْعَنُ فِي الْإِدَارَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَيَرْمِي الْجَيْشَ الْمِصْرِيَّ وَقَائِدَهُ بِأَنَّهُمْ خَوَارِجُ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَكُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَهُ: «إِنَّ مِصْرَ الَّتِي تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لَكَ إِذَا زُرْتَهَا، يَنْبَغِي أَنْ تَقِفَ فِي وَجْهِكَ، بَلْ أَنْ تَصْفَعَكَ عَلَى قَفَاكَ».
فَفَزِعَ، فَرَاحَ يَتَمَلَّقُ بِكَلَامٍ يَقِفُ فِيهِ مَوْقِفًا يُتِيحُ لَهُ: أَنْ يَتَراجَعَ وَأَنْ يَتَقَدَّمَ مَتَى شَاءَ.
فَإِذَا عَاتَبَهُ أَذْنَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْغُلُوِّ بِقَوْلِهِمْ: كَيْفَ تَمْدَحُ قَائِدَ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ؟!
قَالَ: إِنَّهُ يَسْتَهْزِئُ لَا يَمْدَحُ.
وَإِذَا رُوجِعَ فِي مَوْقِفِه فِي مِصْرَ، قَالَ: إِنَّهُ يَمْدَحُ لَا يَسْتَهْزِئُ!!
قَالَ -قَطَعَ اللهُ لِسَانَهُ-: «إِنِّي لَعَلَى مِثْلِ الْيَقِينِ أَنَّ أَهْلَ «السِّيَاسَةِ» بِتَصْرِيفَاتِهَا الثَّلاَثَةِ: (سَاسَا - سُوسُو - سِيسِي) ».
هَكَذَا، قَالَ، فِي عَبَثٍ عَابِثٍ، وَتَهْرِيجٍ مَكْشُوفٍ (سَاسَا، سُوسُو)!!
انْتَ بِتِشْتَغَلْ إِيهْ بِالضَّبْطِ يَا حَجْ؟!!
ثُمَّ قَالَ: «هُمْ أَرْحَمُ وَأَرْأَفُ وَأَعْرَفُ بِرَعَايَا الْبَلَدِ..».
مَعَ أَنَّهُ مُسَجَّلُ عَلَيْهِ بِصَوْتِهِ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَى قَائِدِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي سُجُودِهِ!!
فَمَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمُحَرِّضُ مِنْ مِصْرَ وَأَهْلِهَا؟!
أَلَا يَكْفِي مَا أُرِيقَ مِنَ الدِّمَاءِ، وَهُتِكَ مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَدُمِّرَ مِنَ الْمُدُنِ وَالْقُرَى فِي سُورِيَّا بِسَبَبِ تَحْرِيضِهِ، وَتَهْيِيجِهِ، وَفَتَاوَاهُ؟!!
لَمَّا كَانَ هَذَا كُلُّهُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الرَّدِّ عَلَى ضَلَالَاتِهِ، لَكِنْ، نَظَرًا لِمَا أَثَارَهُ مِنَ الْأُمُورِ فِيمَا سَمَّاهُ «مَقَالَاتِهِ»، كَانَ لَابُدَّ مِنْ طَلِيعَةٍ بَيْنَ يَدَيْ الرَّدِّ.
وَهَذِهِ هِيَ طَلِيعَةُ الرَّدِّ عَلَى الْحَلَبِيِّ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ:
فَقَدْ أَقَرَّ الْحَلَبِيُّ -شَيْخُ عَلَامَاتِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ- أَنَّهُ مَنْ سَوَّدَ مَقَالَ الْعَارِ وَالْكَذِبِ، وَجَاءَ إِقْرَارُهُ إِمْعَانًا فِي الْعَارِ، وَإِيغَالًا فِي الْكَذِبِ.
وَقَبْلَ الشُّرُوعِ -بِحَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ- فِي بَيَانِ مَا فِي مَقَالِهِ وَإِقْرَارِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَابُدَّ مِنْ بَيَانِ أُمُورٍ لَا يَجْمُلُ أَلَّا يُعَرَّجَ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْسُنُ أَلَّا يُلْتَفَتَ إِلَيْهَا، وَهِيَ:
أَوَّلًا: يَا حَلَبِيُّ، أَوَ كُلَّمَا رَاجَعَكَ أَحَدٌ، أَوْ خَطَّأَكَ، أَوْ بَدَّعَكَ، أَوْ ضَلَّلَكَ، تَسُبُّ الشَّيْخَ رَبِيعًا، وَتَذْكُرُ مَا سَوَّدْتَ، وَمَا تَقَيَّئْتَ، مِمَّا تَدَّعِي أَنَّكَ بِهِ رَدَدْتَ؟!
أَوَقَدْ صَارَ (الرُّهَابُ الرَّبِيعِيُّ) آخِذًا بِمَجَامِعِ نَفْسِكَ، مُحِيطًا بِأَقْطَارِ عَقْلِكَ، إِلَى هَذَا الْقَدْرِ الَّذِي يُخْشَى أَنْ يُفْضِيَ بِكَ إِلَى الْجُنُونِ؟!
أَوَقَدْ صَارَ يَتَمَثَّلُ لَكَ هَلَعًا فِي كُلِّ سَبِيلٍ تَسْلُكُهُ؟! وَيُفَزِّعُكَ رُعْبًا فِي كُلِّ طَرِيقٍ تَطْرُقُهُ؟!
أَوَقَدْ صَارَ اسْمُهُ عِنْدَكَ: عَاصِفًا بِعَقْلِكَ، نَاسِفًا لِفِكْرِكَ، حَتَّى إِنَّكَ لَتَقَعُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْتَ تَنْفِي الْغُلُوَّ عَنْ نَفْسِكَ، وَتُلْصِقُهُ -خِيَانَةً- بِغَيْرِكَ؟!
أَلَسْتَ الْقَائِلَ: «... إِلَّا زِيَارَةً خَاضِعَةً لِلْعَوَالِي بِلَا تَعَالِي، تُقَدَّمُ عَلَى مَذْبَحِهَا الصَّدَقَاتُ، وَتُمْسَخُ بَيْنَ يَدَيْهَا الْقُرُبَاتُ!!»؟!!
وَيْحَكَ!!
أَلَا تَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِكَ؟!
وَيْحَكَ!!
أَوَقَدْ بَلَغَ بِكَ الْجُنُونُ حَدَّ أَنْ تَدَّعِي أَنَّ الشَّيْخَ صَارَ مَعْبُودًا، لَهُ مَذْبَحٌ يُؤَمُّ بِالصَّدَقَاتِ، وَتُمْسَخُ بَيْنَ يَدَيْهِ الْقُرُبَاتُ؟!
أَتَرْمِي مَنْ أَمَّ الْعَوَالِي بِالْكُفْرِ يَا حَلَبِيُّ!!
لَقَدْ صِرْتَ تَكْفِيرِيًّا غَالِيًا!!
يَا حَلَبِيُّ!! يَا إِمَامَ الْغُلَاةِ، تُبْ إِلَى اللهِ!!
أَتَدْرِي أَيْنَ تَكُونُ وَلِمَنْ تَكُونُ الْمَذَابِحُ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَيْهَا الصَّدَقَاتُ، وَتُمْسَخُ بَيْنَ يَدَيْهَا الْقُرُبَاتُ!!
تُبْ إِلَى اللهِ مِنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَوْصَلَكَ (الرُّهَابُ الرَّبِيعِيُّ) إِلَى إِغْفَالِكَ ثَوَابِتَ عَقِيدَتِكَ، وَإِيغَالِكَ فِي مَتَاهَاتِ حَمَاقَتِكَ!!
يَا مَعْشَرَ الثَّقَلَيْنِ!! هَذَا هُوَ الْحَلَبِيُّ الَّذِي يَرْمِي النَّاسَ بِالْغُلُوِّ، يَخْرُجُ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْإِرْجَاءِ إِلَى الْغُلُوِّ فِي التَّكْفِيرِ، وَللهِ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ!!
ثَانِيًا: لَقَدْ نَصَحْتُكَ وَنَهَيْتُكَ، آخِرَ مَرَّةٍ رَأَيْتُكَ، لَمَّا زُرْتَنِي، عَنِ الْغُلُوِّ فِي الشَّيْخِ، وَلَكِنَّكَ لَا تُحِبُّ النَّاصِحِينَ، وَهَا أَنْتَ تَزْدَادُ فِيهِ غُلُوًّا.
أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لِمَاذَا قُلْتَ: «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرِ الشَّيْخَ رَبِيعًا فَمَا تَمَّ نُسُكُهُ»؟!
أَوَقَدْ جَعَلْتَ زِيَارَةَ الشَّيْخَ فِي الْحَجِّ مَنْسَكًا؟!
وَقَدِ اعْتَذَرْتَ عَنِ الْغُلُوِّ يَوْمَهَا، بِمَا لَمْ يُقْنِعْ صِغَارَ طُلَّابِ الْعِلْمِ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا، وَأَحْصَى عَلَيْكَ لَفْظَكَ، وَسَجَّلَ لَكَ صَوْتَكَ!! فَمَا عَدَا الْيَوْمَ مِمَّا بَدَا؟!
وَمِنْ مُجَازَفَاتِكَ فِي «التَّكْفِيرِ»، لِعَدَمِ ضَبْطِكَ أَلْفَاظَكَ، قَوْلُكَ: «انْتَبِهْ- يَا دُكْتُورُ- وَلَا يَغُرَّكَ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنِ اسْمِهِ مِنْ نَصِيبٍ» تُرِيدُ عَبْدَاللَّهِ.
وَأَقُولُ لَكَ: مَنِ اسْمُهُ «عَبْدُ اللهِ»، وَلَيْسَ لَهُ مِنِ اسْمِهِ مِنْ نَصِيبٍ، إِمَّا أَلَّا يَكُونَ مُعَبَّدًا لِمَعْبُودٍ، وَهَذَا رَمْيٌ بِالْإِلْحَادِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا رَمْيٌ بِالْكُفْرِ!!
أَلَا تَدْرِي يَا هَذَا مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِكَ؟!
يَا حَلَبِيُّ: يَا إِمَامَ الْغُلَاةِ، وَشَيْخَ التَّكْفِيرِ، أَقْصِرْ، فَقَدْ بُؤْتَ بِهَا، وَلَا يَخْدَعَنَّكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُطَبِّلُونَ حَوْلَكَ وَيُزَمِّرُونَ لَكَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ مُبْغِضِيكَ وَأَعْدَائِكَ، وَلَكِنَّهُمْ مَعَكَ عَلَى طَرِيقَةِ: دَجَّالُ عَمَّانَ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادِقِ مَكَّةَ، فَهُمْ إِنْ آزَرُوكَ لَمْ يَنْصُرُوكَ حُبًّا فِيكَ، وَإِنَّمَا بُغْضًا فِي غَيْرِكَ، فَكُنْ عَاقِلًا، وَلَا تَتَبَاهَ بِكَثْرَةِ أَعْدَائِكَ.
ثُمَّ، أَلَمْ يُزْعِجْكَ مَا وَقَعَ فِي «دَمَّاجٍ»، وَلَا يُؤْلِمُكَ مَا يَقَعُ فِي «مَأْرِبٍ»، أَلَا يُقْلِقُكَ ماَ يُرَادُ بِـــ«الْأُرْدُنّ» وَ «الضَّفَّةِ»، بَلْ مَا يُرَادُ بِمَرْكَزِ الْإِمَامِ الْأَلْبَانِيِّ نَفْسِهِ؟!
وَيْحَكَ!! أَلَا تَرَى يَا مَنْ لَكَ تَمَامُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ، -كَمَا تَدَّعِي- مَا وَقَعَ وَيَقَعُ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟
أَوَقَدْ بَلَغَ مِنْ عَمَى قَلْبِكَ، وَانْحِرَافِ نَفْسِكَ أَنْ تَشْغَلَ النَّاسَ بِأَبَاطِيلِكَ، وَتَخْدَعَهُمْ بِأَسْمَارِكَ، عَنْ تَعَلُّمِ أُصُولِ دِينِهِمْ، وَمَبَادِئِ عِبَادَتِهِمْ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا يُرَادُ بِدِينِهِمْ مِنْ سُوءٍ، وَمَا يُبْتَغَى لِأَوْطَانِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ مَكْرٍ؟!
تُرَى، لَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ حَيًّا، أَكَانَ يَرْضَى مَسْلَكَكَ، وَيُقِرُّ قَوْلَكَ وَفِعْلَكَ؟!
أَكَانَ -لَوْ كَانَ حَيًّا- يَرْضَى لَكَ أَنْ تُضَيِّعَ أَيَّامَكَ وَلَيَالِيكْ، وَشُهُورَكَ وَأَعْوَامَكْ، مُسَمَّرًا عَلَى كُرْسِيِّكَ، مُكِبًّا عَلَى لَوْحَةِ مَفَاتِيحِ حَاسُوبِكَ، تَدَّعِي أَنَّكَ فِي الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، وَلَا هَمَّ لَكَ إِلَّا تَفْرِيقُ صُفُوفِ السَّلَفِيِّينَ، وَإِثَارَةُ الْأَحْقَادِ وَالْخِلَافَاتِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ خَدَعَكَ مِنْ نَفْسِكَ جُمْلَةُ أَغْرَارٍ، هَذَا يَدْعُوكَ شَيْخَهْ! وَذَاكَ يَنْعَتُكَ أُسْتَاذَهْ! وَذَيَّاكَ يَصِفُكَ بِمُعَلِّمِهْ؟!
أَوَقَدْ خَلَتِ «الْأُرْدُنُّ»، أَوْ: خَلَتْ «عَمَّانُ»، أَوْ: خَلَا حَيُّكَ مِنْ جَاهِلٍ بِعَقِيدَتِهِ، وَمُكِبٍّ عَلَى بِدْعَتِهِ، وَسَادِرٍ فِي غِوَايَتِهِ، وَمُعْرِضٍ عَنْ عِبَادَتِهِ.. فَسَقَطَ عَنْكَ عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً، فَرْضُ تَعْلِيمِ هَؤُلَاءِ مَا يَسْلَمُونَ بِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَمَا يَنْجُونَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَمَا يُصَحِّحُونَ بِهِ عِبَادَتَهُمْ وَمُعَامَلَتَهُمْ؟!
يَا حَلَبِيُّ! أَتَجْعَلُ السَّيِّئَةَ حَسَنَةً، وَالْغِوَايَةَ هِدَايَةً، وَالْخَطِيئَةَ قُرْبَةً؟!
أَتَجْعَلُ مَا تَسْتَكْثِرُ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ أَرْجَى مَا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ؟!
أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ «مُنْتَدَيَاتِ الضِّرَارِ» الَّتي اتَّخَذْتَها: تُؤْكَلُ فِيهَا لُحُومُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُحَرَّشُ فِيهَا بَيْنَهُمْ، وَتُمَزَّقُ فِيهَا وَحْدَتُهُمْ، وَتُتَنَاوَلُ فِيهَا أَعْرَاضُهُمْ، وَتُهْتَكُ فِيهَا أَسْتَارُهُمْ، وَتُفْشَى فِيهَا أَسْرَارُهُمْ، وَتَضِيعُ فِيهَا أَعْمَارُهُمْ، وَتَقْسُو فِيهَا قُلُوبُهُمْ، وَتَعْمَى فِيهَا أَعْيُنُ بَصَائِرِهِمْ، وَعَلْيَكَ أَنْتَ -نَعْمَ أَنْتَ- فِي هَذَا كُلِّهِ وِزْرُكَ وَوِزْرُ مَنْ مَعَكَ.
«وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ». كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا الْهَادِي الرَّحِيمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ثَالِثًا: مَا زِلْتَ مُقِيمًا عَلَى عَادَتِكَ الْقَبِيحَةِ فِي الْإِسْرَافِ فِي اسْتِعْمَالِ عَلَامَاتِ التَّرْقِيمِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِتَسْتُرَ رَكَاكَةَ أُسْلُوبِكَ، وَانْحِطَاطَ تَعْبِيرِكَ، وَمُعَاظَلَةَ أَفْكَارِكَ، وَتَهَافُتَ مَعَانِيكَ، كَالَّذِي يَصْرِفُ الْأَنْظَارَ عَنِ اهْتِرَاءِ ثَوْبٍ خَلِقٍ بِزَخْرَفَتِهِ، وَعَنْ تَدَاعِي حَائِطٍ مَائِلٍ بِالْإِسْرَافِ فِي طِلَائِهِ، وَهَيْهَاتَ!!
يَا حَلَبِيُّ!! إِنِّي أَقْرَأُ الْآيَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فَأْفَهَمُهَا، وَأَقْرَأُ الْأَحَادِيثَ مِنَ السُّنَّةِ فَأَفْهَمُهَا، وَأَقْرَأُ الْأَدَبَ الْقَدِيمَ وَالْحَدِيثَ شِعْرَهُ وَنَثْرَهُ فَأَفْهَمُهُ، وَأَقْرَأُ كَلَامِكَ فَلَا أَدْرِي مَا تَقُولُ؟!
إِذَنْ، فَكَلَامُكَ رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَرْءُ يَفْهَمُ الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا يَفْهَمُ كَلَامَكَ، فَكَلَامُكَ رَدِيءٌ لَا يُفْهَمُ.
يَا حَلَبِيُّ! لَا تُعَسِّرْ مَا جَعَلَهُ اللهُ يَسِيرًا، وَلَا تُحَجِّرْ مَا جَعَلَهُ اللهُ وَاسِعًا، وَلَا تُسْرِفْ فِي اسْتِعَماِل عَلَامَاتِ التَّرْقِيمِ وَاقْتَصِدْ، فَإِنَّ الْإِسْرَافَ مَا دَخَلَ شَيْئًا إِلَّا شَانَهُ، وَالِاقْتِصَادَ مَا كَانَ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ.
وَأَعْرِفُ مَا تُدَافِعُ بِهِ عَنْ إِسْرَافِكَ فِي اسْتِعْمَالِ عَلَامَاتِ التَّعَجُّبِ، وَعَلَامَاتِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالشَّرْطَةِ الْقَائِمَةِ، وَالشَّرْطَةِ النَّائِمَةِ، وَالشَّرْطَةِ الْمَائِلَةِ، وَالشَّرْطَتَيْنِ الْمُتَوَازِيَتَيْنِ، وَالنِّقَاطِ الْمَرْصُوصَةِ أُفُقِيًّا، وَالنِّقَاطِ الْمَبْنِيَّةِ رَأْسِيًّا، وَتَقْطِيعِ حُرُوفِ الْكَلِمَاتِ بَيْنَ الْأَقْوَاسِ، وَاسْتِعْمَالِ الْأَقْوَاسِ بِأَنْوَاعِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، إِلَى آخِرِ بِدَعِكَ الْكِتَابِيَّةِ، الَّتِي هِيَ بَلَاءٌ وَعَنَاءٌ لِكُلِّ مَنِ ابْتُلِيَ بِقِرَاءَةِ صَفْحَةٍ مِنْ تَسْوِيدِكَ، أَوْ نَظَرٍ فِي وَرَقَةٍ مِنْ تَقْيِيدِكَ، وَصَحِيحٌ أَنَّكُ لَا تُجِيدُ سِوَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ النَّكْرَاءِ فِي تَصْنِيفِكَ، وَلَا تُحْسِنُ غَيْرَ هَذِهِ الْفِعْلَةِ الشَّنْعَاءِ فِي تَأْلِيفِكَ، وَلَكِنْ...
حَاوِلْ -يَا عَلِيُّ- مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَنْ تَخْرُجَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ السَّخِيفِ فِي التَّأْلِيفِ، وَأَنْ تَنْعَتِقَ مِنْ ذَيَّاكَ الْمَنْهَجِ الْخَبِيثِ فِي التَّصْنِيفِ.
قُلْتُ لَكَ: أَعْرِفُ مَا تُدَافِعُ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ فِيمَا يُؤْخَذُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا؛ تَفْزَعُ إِلَى «الْقَوْسِ الْعَذْرَاءِ» لِلْأُسْتَاذِ مَحْمُود شَاكِر رَحِمَهُ اللهُ، لِتُصَوِّرَ صَفْحَةً أَوْ صَفْحَتَيْنِ، ثُمَّ تَزْعَقُ: «هَاؤُمُ اقْرَءُوا صَفْحَتِيَهْ!!» كَمَا فَعَلْتَ مَعَ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ رَدَّكَ عَلَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ، لَمَّا وَصَمَتْكَ بِالْإِرْجَاءِ، وَحَذَّرَتْ مِنْكَ وَمِنْ كِتَابِ إِرْجَائِكَ، فَرُحْتَ تَفْحَصُ بِرِجْلِكَ لِتَحْفِرَ قَبْرَكَ، وَأَخَذَ عَلَيْكَ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ، قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْتُ لَكَ؛ مِنْ إِسْرَافِكَ فِي اسْتِعْمَالِ عَلَامَاتِ تَعَجُّبِكَ، كَأَنَّكَ مُنْدَهِشٌ أَبَدًا، مُنْشَدِهٌ دَائِمًا، فَفَزِعْتَ إِلَى «الْقَوْسِ الْعَذْرَاءِ»، وَوَقَعَتَ فِي أَمْرٍ إِدٍّ بِغَيْرِ احْتِشَامٍ، إِذْ جَعَلْتَ الدُّرَّةَ وَالْبَعْرَةَ فِي سِلْكٍ وَنِظَامٍ!!
وَمَا فِعْلُكَ مَعَ «الْقَوْسِ الْعَذْرَاءِ» إِلَّا كَالصَّلْعَاءِ الَّتِي تُبَاهِي بِشَعْرِ أُخْتِهَا!
يَا حَلَبِيُّ! إِنَّكَ تَسْلُكُ مَسْلَكًا خَبِيثًا فِي تَعْسِيرِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَرُدُّ عَلَيْكَ؛ إِذْ تَجْعَلُ مِنْ دُونِ مَعَانِيكَ الْمُتَهَافِتَةِ، وَمَقَاصِدِكَ الْمُتَهَالِكَةِ، حِجَابًا كَثِيفًا مِنْ عَلَامَاتِ التَّرْقِيمِ الْمُتَرَاكِمَةِ، حَتَّى إِنَّنَا لَوْ مَحَوْنَاهَا مِنْ كُتُبِكَ مَا بَقِيَ مِنْهَا سِوَى وَرَقَاتْ، وَبِضْعِ صَفَحَاتْ.
مَا تَجْعَلُهُ يَا حَلَبِيُّ دُونَ مَعَانِيكَ مِنْ عَلَامَاتِ تَعُجُّبِكَ، مُذَكِّرٌ بِمَا يَجْعَلُهُ الْقُنْفُذُ دُونَ بَدَنِهِ مِنْ شَوْكِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الثَّعْلَبُ أَخْذَهُ، انْجَمَعَ عَلَى نَفْسِهِ، فَحَالَ شَوْكُهُ دُونَ أَخْذِهِ، وَلَا يَجِدُ الثَّعْلَبُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَبُولَ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِدُ الْقُنْفُذُ حِينَئِذٍ مَخْرِجًا إِلَّا بِانْبِسَاطِ بَدَنِهِ بَعْدَ تَكَوُّرِهِ، فَيَسْلُخُهُ الثَّعْلَبُ مِنْ بَطْنِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «شِفَاءِ الْعَلِيلِ».
رَابِعًا: خَفِّفْ يَا حَلَبِيُّ مِنْ سَجْعِكَ الْبَارِدِ الْمُتَكَلَّفِ، فَإِنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِسَجْعِ الْكُهَّانِ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا إِخَالُكَ تَجْهَلُهَا.
وَعَلَامَاتُكَ «يَا شَيْخَ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ» مَعَ سَجْعِكَ الْبَارِدِ الْمُتَكَلَّفِ، بَلَاءٌ وَعَنَاءٌ، وَلَيْسَ عَدْلًا أَنْ نُكَلِّمَكَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَتَكْتُبَ لَنَا بِشَبِيهِ الْهِيرُوغْلِيفِيَّةِ، أَوِ الصِّينِيَّةِ، أَمْ تُرَاكَ تَأَثَّرْتَ بِشِعْرِ الْحَدَاثَةِ وَهُوَ زَاخِرٌ بِالْأَقْوَاسِ وَالْعَلَامَاتِ وَالسِّهَامِ؟!
كِتَابَتُكَ تُذَكِّرُ بِشِعْرِ الْحَدَاثَةِ الْمَذْمُومِ!!
فَلِمَاذَا لَا تُكَلِّمُنَا كَمَا نَكُلِّمُكَ؟!
لِمَاذَا تَتَوَارَى وَرَاءَ «لَوْحَةِ الْمَفَاتِيحِ» وَتُكَلِّمُنَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ؟!
أَعْرِفُ أَنَّ لِسَانَكَ بَكِيءٌ، وَأَنَّكَ مَنْطِقَكَ عَيِيٌّ، وَأَنَّكَ لَا تَقْوَى عَلَى الْكَلَامِ، وَلَكِنْ، تَكَلَّمْ كَالْبَشَرِ يَا رَجُلُ، وَلَا تَكُنْ آلَةً صَمَّاءَ بَكْمَاءَ، وَاخْرُجْ إِلَى النُّورِ مِنَ الظَّلَامِ، وَإِلَى الْبَرَاحِ مِنْ وَرَاءِ سُجُفِ الْأَوْهَامِ.
يَا حَلَبِيُّ! اظْهَرْ وَبَانْ وَعَلِيكْ الْأَمَان!!
خَامِسًا: سَأَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلَى النَّظَرِ فِي أُسْلُوبِكَ وَكِتَابَتِكَ، فَلَا تَعْجَلْ، وَسَأُبَيِّنُ لَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ عُيُوبَ كِتَابَتِكَ، وَتَنَافُرَ أَلْفَاظِكَ وَجُمَلِكَ، وَمُعَاظَلَةَ مُفْرَدَاتِكَ، وَتَهَافُتَ مَعَانِيكَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الدِّرَاسَةُ الْأُسْلُوبِيَّةُ وَالْبَيَانِيَّةُ، عَسَى أَنْ يَنْفَعَكَ اللهُ بِذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ كِتَابَتِكَ، وَعَسَى أَنْ يَنْفَعَ اللهُ بِهَا مَنِ ابْتُلِيَ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ آثَارِكَ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَنَاءِ.
سَادِسًا: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّكَ، حَتَّى أَبْدَيْتَ مَكْنُونَ نَفْسِكَ، وَكَشَفْتَ عَنْ سَوْءَةِ أَمْرِكَ، تَتَمَتَّعُ بِقَدْرٍ وَلَوْ قَلِيلٍ مِنْ شَرَفِ الْخُصُومَةِ.
سُبْحَانَ اللهِ!! وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّكَ بَلَغْتَ مِنَ الْفُجُورِ فِي الْخُصُومَةِ، هَذَا الْمَبْلَغَ الْمُنْحَطَّ، وَأَنْتَ تَكْتُبُ:
«هَلْ تَعْرِفُ (!) عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ كِتَابًا اسْمُهُ: «الرَّوَاةُ الْمُبَدَّعُونَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ» عَلَامَةُ اسْتِفْهَامٍ وَعَلاَمَةُ تَعَجُّبٍ.
نَعَمْ، نَعَمْ.. «نُقْطَتَانَ أُفُقِيَّتَانِ» لَا إِخَالُكَ تَجْهَلُهُ أَوْ تَنْسَاهُ (وَبَيْنَ شَرْطَتَيْنِ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ، تَقُولُ فِيهَا -بِفُجُورٍ فِي الْخُصُومَةِ، قَدْ وَاللهِ كُنْتُ أُنَزِّهُكَ عَنْهُ-: إِنْ كُنْتَ كَاتِبَهُ فِعْلًا أَوْ حَقِيقَةً».
مَا شَاءَ اللهُ يَا حَلَبِيُّ! إِنَّكَ آخِرُ مَنْ يَلْمِزُ بِهَذَا يَا هَذَا، وَلَوْ فُتِحَ عَلَيْكَ هَذَا الْبَابُ مَا بَقِيَ مِنْكَ شَيْءٌ، فَاسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ يَا رَجُلُ!!
ثُمَّ تَقُولُ فَاجِرًا فِي خُصُومَتِكَ: إِنَّهَا الرِّسَالَةُ الْعِلْمِيَّةُ (عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ) الَّتِي نَفَحُوكَ (عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ) مَرَّةً أُخْرَى، فِيهَا شَهَادَةَ الدُّكْتُورَاه فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ. عَلَامَتَا تَعَجُّبٍ مَرَّةً أُخْرَى.
وَلَا تَعْلِيقَ يَا حَلَبِيُّ!!
ثُمَّ رُحْتَ تَفْهَمُ كَلِمَةَ «الْمُبَدَّعُونَ» عَلَى هَوَاكَ، وَتَهْذِي قَائِلًا:
مَا الَّذِي جَعَلَكَ تَقُولُ: «الْمُبْدَّعُونَ»؟!
وَلِمَاذَا لَمْ تَقُلْ: «الْمُبْتَدِعُونَ»؟!
ثَلَاثُ نِقَاطٍ أُفُقِيَّةٍ... أَمْ أَنَّكَ لَمْ / (شَرْطَةٌ مَائِلَةٌ) لَا = (شَرْطَتَانِ أُفُقِيَّتَانِ مُتَوَازِيَتَانِ) تَرَى (عَلَامَةَ تَعَجُّبٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ) فَرْقًا بَيْنَهُمَا؟!
وَأَقُولُ: اخْرُجْ يَا هَذَا مِنْ هَذَيَانِكَ أَلَا يُوجَدُ عِنْدَكَ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْكَ؟!
مَا هَذَا الْهَذَرُ أَيُّهَا الْأُحَيْمِقُ؟!
ثُمَّ كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ، وَتَنْتَظِرَ الْإِجَابَةَ، لَا أَنْ تَسْأَلَنِي، وَتُجِيبَ أَنْتَ، وَتَهْذِيَ فِي إِجَابَتِكَ وَلَا تَدْرِي مُرَادِي بِالْكَلِمَةِ وَلَا مَقْصِدِي، وَإِنَّمَا تَتَحَكَّمُ فِي الْمَعْنَى بِخَيَالِكَ الْمَرِيضِ وَعَقْلِكَ السَّقِيمِ.
أَنْتَ وَاللهِ ظَاهِرَةٌ نَفْسِيَّةٌ فَرِيدَةٌ، وَعَلَى أَطِبَّاءِ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ أَنْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْكَ، وَأَنْ يَدْرُسُوكَ دَرْسًا مُفَصَّلًا.
أَنْتَ مَغْنَمٌ عَظِيمٌ لِلْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ يَا حَلَبِيُّ.
سَابِعًا: مِنْ فَجَرَاتِكَ قَوْلُكُ: «وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُرِيدُ»:
وَأَقُولُ لَكَ: وَهَلْ مِثْلُكَ فِي تَخَبُّطِكَ وَتَخْلِيطِكَ يَدْرِي مَا يُرِيدُ؟! تَقُولُ: وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُرِيدُ:
مَا نَقَلْتَهُ -أَوْ أَمَدَّكَ بِهِ غَيْرُكَ- فِي الصَّفْحَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِئَةٍ مِنَ الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ، مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ -فِي «مُقَدِّمَتِهِ» الْمَشْهُورَةِ-:
«وَقَدْ أَخْطَأَ فِيهِ (أَيْ: عِلْمِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ، فَجَرَحُوهُمْ بِمَا لَا صِحَّةَ لَهُ».
وَقَوْلُكَ: «أَوْ أَمَدَّكَ بِهِ غَيْرُكَ»، مِنْ فُجُورِكَ فِي خُصُومَتِكَ، وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللهِ الْعَظِيمِ الَّذِي خَلَقَ مِثْلَكَ مِنْ عَجَائِبِ الْآدَمِيِّينَ: إِنَّكَ لَكَاذِبٌ، وَلَوْ تَكَلَّمْتُ -بِمِثْلِ كَلَامِكَ هَذَا- وَلَنْ أَتَكَلَّمَ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ- لَجَعَلْتُكَ تَتَقَلَّبُ عَلَى أَمْثَالِ الْإِبَرِ، وَلَكِنِّي سَأَنْتَظِرُ مَا يَأْتِي مِنْ بَلَايَاكَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
ثُمَّ، أَلَمْ تَفْهَمْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ إِلَّا الْخَطَأَ؟ وَأَيْنَ مَا لَمْ يُخْطِئْ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ فَجَرَحُوهُمْ بِمَا هُوَ صَحِيحٌ؟!
أَلَا تَدْرِي مَعْنَى كَلَامِكَ؟!
فَهْمُكَ السَّقِيمُ لِكَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَنَظَرُكَ إِلَيْهِ بِعَيْنٍ عَوْرَاءَ مَعْنَاهَا: هَدْمُ عِلْمِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عِنْدَ السَّلَفِ أَنْفُسِهِمْ.
يَا حَلَبِيُّ! اسْتِعْمِلْ عَقْلَكَ قَلِيلًا، أَوْ أَحْيَانًا -إِنْ كَانَ عِنْدَكَ عَقْلٌ- وَإِلَّا فَاسْكُتْ حَتَّى تَسْتُرَ عَلَى نَفْسِكَ.
ثَامِنًا: يَاَ حَلَبِيُّ: أَنْتَ مُتَفَلْسِفٌ بَغِيضٌ، وَطَرِيقَتُكَ لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقَةِ السَّلَفِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، لِذَلِكَ فَأَنْتَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَلْبَانِيِّ رَسْمًا وَجِسْمًا، وَلَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ حَقِيقَةً وَمَعْنًى.
بَلْ، لَقَدْ كُنْتَ شُؤْمًا عَلَى الشَّيْخِ الْأَلْبَانِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-، لَمَّا خَلَّطْتَ فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ، وَتَوَرَّطْتَ فِي الْإِرْجَاءِ الْقَبِيحِ، وَأُخِذَ عَلَى يَدَيْكَ، وَحُذِّرَ مِنْكَ وَمِنْ أَفْكَارِكَ الَّتِي تُضَلِّلُ النَّاسَ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الْفَوْزَانُ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ خِلَافِ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ مَعَكَ: هَلْ هُوَ صُورِيٌّ أَوْ لَا؟
فَقَالَ: «مَا نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى إِنْسَانٍ جَدِيدٍ يَأْتِي يِلَخْبَطِ النَّاسَ بِأَفْكَارِهِ وَجَهْلِهِ وتَخَرُّصَاتِهِ، مَا نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ».
لَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، تَتَرَّسْتَ بِالشَّيْخِ الْأَلْبَانِيِّ، وَقُلْتَ كَاذِبًا: «أَنَا عَلَى عَقِيدَتِهِ»، فَجَعَلْتَ الْأَلْبَانِيَّ غَرَضًا تَرْمِيهِ السِّهَامُ الْحَاقِدَةُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَرُمِيَ فِي عَقِيدَتِهِ بِسَبَبِكَ، وَأَنْتَ مَا زِلْتَ تَتَفَلْسَفُ وَتَهْذِي بِفَلْسَفَةٍ كَمَضْغِ الْمَاءِ!!
أَهَذَا جَزَاؤُهُ مِنْكَ؟!
مَنْ أَنْتَ لَوْلَا الْأَلْبَانِيُّ؟! يَا حَلَبِيّ؟!
وَمَنْ تَكُونُ لَوْلَا انْتِسَابُكَ إِلَيْهِ؟!
وَمَا يَبْلُغُ وَزْنُكَ لَوْ لَمْ تَثْقُلْ بِهِ؟!
أَحْكِمْ مَسَائِلَ الْإِيمَانِ يَا حَلَبِيُّ، وَاخْرُجْ مِنْ إِرْجَائِكَ، وَالْزَمْ جَادَّةَ الْإِيمَانِ الْحَقِّ، وَلَا تَرْمِ بَوَائِقَكَ عَلَى حَسَنَةِ الزَّمَانِ، وَمُحَدِّثِ الشَّامِ، وَسَتَذْهَبُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- مُشَيَّعًا بِمَا لَا أَذْكُرُ لَكَ مِمَّا تَعْرِفُهُ، وَسَيَبْقَى إِنْ شَاءَ اللُه تَعَالَى الْعَلَّامَةُ الْأَلْبَانِيُّ.
تَاسِعًا: وَاللِه -يَا حَلَبِيُّ- مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الرَّجِيعَ الَّذِي تَقَيَّئْتَهُ مِنْ فِيكَ كُنْتَ مُنْطَوِيًا عَلَيْهِ.
لَقَدْ هِمْتَ فِي كُلِّ وَادٍ، وَرُحْتَ تَخْلِطُ، وَتَتَصَارَعُ عَلَى خَاطِرِكَ أَفْكَارُكَ الْمَرِيضَةُ، أَيُّهَا أَسْبَقُ، فَجِئْتَ بِجُمَلٍ مُبَعْثَرَةٍ، وَأَفْكَارٍ مُمَزَّقَةٍ، كَأَنَّكَ تَسْرَحُ فِي وَادِي الذِّكْرَيَاتِ، وَسَأُعَلِّمُكَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- فَانْتَظِرْ.
عَاشِرًا: مِنْ فَجَرَاتِكَ يَا حَلَبِيُّ، مَا تُكَرِّرُهُ بِصَفَاقَةٍ وَعُجْبٍ، وَحَمَاقَةٍ وَسُوءِ أَدَبٍ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِوَلَدِي.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ غَيْظًا، وَفِي حُلُوقِهِمْ غُصَّةً، فَهُوَ كَذَلِكَ لَكَ وَلِأَمْثَالِكَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالْأَحْمَقِ الْبِيَلِيِّ وَغَيْرِهِ.
حَادِيَ عَشَرَ: مِنْ فَجَرَاتِكَ يَا حَلَبِيُّ قَوْلُكَ: «الزَّعَامَةُ عَلَى بِضْعِ مِئَاتٍ -وَقَدْ يَكُونُونَ بِضْعَ عَشَرَاتٍ!- مِنْ سَلَفِيَّةِ عَوَامِّ مِصْرَ التِّسْعِينَ مِلْيُونَ مُسْلِمٍ!».
الزَّعَامَهْ!! أَتَقُولُ هَذَا لِي «يَا زَعِيمُ»؟ قَبَّحَ اللهُ مِرَاءَكَ وَمُمَارَاتَكَ.
ثَانِي عَشَرَ: مِنْ كَذِبَاتِكَ وَخُرَافَاتِكَ: قَوْلُكُ:
«أَنَا أَعْلَمُ -يَقِينًا- انْقِطَاعَكَ شِبْهَ التَّامِّ عَنِ الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ».
وَأَقُولُ: كَذَبْتَ، حَتَّى لَوْ قُلْتَ: «أَنَا أَعْلَمُ -تَوَهُّمًا وَتَخْمِينًا»- بَلْ أَنَا مُتَابِعٌ لِكُلِّ مَا يَدُورُ وَيَحْدُثُ، وَلَكِنْ لَا أُحِبُّ رُؤْيَةَ أَمْثَالِكَ، كَمَا سُأَبَيِّنُ لَكَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- فِي قِصَّةِ زِيَارَتِكَ.
ثَالِثَ عَشَرَ: مِنْ مُضْحِكَاتِهِ:
تَفَاصُحُهُ وَانْتِفَاخُهُ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِي عُنْوَانِ «مَقَالِ الْعَارِ»: «قَتَلْتَ نَفْسَكَ يَا فُلَانُ وَتَأَخَّرْنَا فِي تَعْزِيَتِكَ!!».
وَهَذَا الْمَأْفُونُ يَعْتَذِرُ إِلَى قَتِيلٍ فِي تَعْزِيَتِهِ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ!!
وَلَئِنْ لَجَأَ إِلَى الْبَلَاغَةِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ، وَأَرَدْتُ، فَمَا هُوَ مِنَ الْبَلَاغَةِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
وَتَفَاصُحُهُ فَاشٍ فِي تَسْوِيدَاتِهِ، وَهُوَ مُكَرَّرٌ فِيهَا تَكَرُّرَ الْبُثُورْ، فِي وَجْهِ الْمَجْدُورْ، مِنْ أَمْثَالِ: «أَحْوَالِكَ وَأَوْحَالِكَ»، وَ: «أُبَارِيكَ وَأُجَارِيكَ»، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: عِمْ صَبَاحًا أَوْ عِمْ مَسَاءْ، وَكُلْ مَاءً وَاشْرَبْ هَوَاءْ، وَخُذْ مَا تَشَاءُ لِمَا تَشَاءُ.. إِلَى آخِرِ هَذَيَانِهِ وَ: وَاللهِ، وَتَاللهِ، وَبِاللهِ...
وَقَدْ ذَكَّرَنِي تَفَاصُحُهُ مَا كُنْتُ نَاسِيًا.
كَانَ لَنَا زَمِيلٌ يَدْرُسُ الطِّبَّ مَعَنَا فِي «جَامِعَةِ الْأَزْهَرِ»، وَيُسَاكِنُنَا فِي «مَدِينَةِ الْبُعُوثِ»، وَقَدْ حَكَى أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ أَوَّلَ قُدُومِهِ الْقَاهِرَةَ، وَكَانَ شَرْقَاوِيًّا، بِأَنْ يَجْعَلَ -كَأَهْلِ الْقَاهِرَةِ كُلَّ جِيمٍ مَقْلُوبَةٍ عَنْ قَافِهَا فِي أَلْفَاظِهِ: هَمْزَةً، فَيَنْطِقُ الْقَمَرَ: «أَمَرًا»، لَا «جَمَرًا»، وَالْقَلْبَ: «أَلْبًا»، لَاْ: «جَلْبًا». لِيَنْطِقَ كَمَا يَنْطِقُ أَهْلُ الْقَاهِرَةِ.
وَأَخَذَ أَخُونَا ذَلِكَ بِنَصِيحَةِ أَبِيهِ، وَذَهَبَ لَمَّا أَرَادَ السَّفَرَ إِلَى بَلَدِهِ: إِلَى فَاكِهِيٍّ، لِيَشْتَرِيَ بَعْضَ الْفَاكِهَةِ لِأُسْرَتِهِ، فَقَالَ لِلْفَاكِهِيِّ: أَعْطِنِي كِيلُوَيْنِ «مَنْأَهْ»، وَكِيلُوَيْنِ «أَوَافَهْ»، وَتَعَجَّبْ الْبَائِعُ جِدًّا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ قَائِلًا: عَرَبِيٌّ أَنْتَ؟!
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: مِنْ أَيِّ الْبُلْدَانِ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا مِصْرِيٌّ.
قَالَ الْبَائِعُ: وَمِصْرِيٌّ أَيْضًا، مِنْ أَيْنَ؟
قَالَ: شَرْقَاوِيٌّ!!
فَازْدَادَ الرَّجُلُ عَجَبًا، وَقَالَ: أَيْنَ تَرَى فِيمَا تَرَى مِنَ الْفَاكِهَةِ مَا ذَكَرْتَ؟!
قَالَ: هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى الْمَانْجُو- هِيَ الْمَنْأَةْ، وَهَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى الْجَوَافَةِ- هِيَ الْأَوَافَةْ.
فَأَغْرَقَ الْفَاكِهِيُّ فِي الضَّحِكِ حَتَّى كَادَ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ.
وَكَذَلِكَ هُوَ الْحَلَبِيُّ الْمُتَفَاصِحُ: شَيْخُ الْمَنْأَةِ وَالْأَوَافَةْ.
وَللهِ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ!
وَمِثْلُ ذَلِكَ: مَا قَالَ -مُتَنَدِّرًا كَمَا يَقُولُ-!! مِنْ نَظْمٍ بَارِدٍ غَثٍّ، حَشَرَ فِيهِ: أَيَا زَمَانِي، أَنْوَارُ الْمَكَانِ، كَفَانِي، لَفَانِ...
وَمِنْ مُضْحِكَاتِهِ: تَعْيِيرُهُ بِمَا يُخَيِّلُهُ لَهُ عَقْلُهُ الْمَرِيضُ، وَخَيَالُهُ السَّقِيمُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: «سُبْكُ الْأَحَدِ، الَّتِي تَمْلَأُ أَزِقَّتَهَا وَزَوَايَاهَا(!) بِدَعُ الْمَوَالِدِ وَجَهَالَاتُ الطَّغَامِ».
وَهَذَا كَذِبٌ أَبْلَقُ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ وَاقِعًا، أَفَلَيْسَ مِنَ الْمِنَنِ أَنْ يَجْتَهِدَ الْمَرْءُ فِي مُحَارَبَةِ مِثْلِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى ضِدِّهِ، فَيَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ رَبُّهُ؟!
أَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء﴾ [البقرة: 272].
أَمَا قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيَأْتِي النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَكَيْفَ بِمِثْلِي؟!
ثُمَّ..
كَأَنَّ مَوْطِنَكَ يَا حَلَبِيُّ قَدْ خَلَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْبِدَعِ وَالشِّرْكِ!!
وَكَأَنَّ مَرْكَزَ الْإِمَامِ الْأَلْبَانِيِّ -نَفْسَهُ- لَيْسَ فَوْقَهُ مِنَ الْمَعَاصِي شَيْءٌ؟!
أَتَفْهَمُ؟!
وَكَأَنَّ الْمُسَابَقَاتِ الْمَاسُونِيَّةَ فِي الْغِنَاءِ وَالْإِلْقَاءِ، لَمْ تُلْقِ رَحْلَهَا فِي جَوْفِ بَيْتِكَ!!
بَلْ، وَكَأَنَّكَ لَمْ تَسْعَ بِقَدَمَيْكَ لِتَدْشِينِ مُتْحَفٍ لِآثَارٍ تَكُونُ ذَرِيعَةً لِلشِّرْكِ الْأَكْبَرِ فِي دِيَارِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ!!
أَكَانَ يُلَبِّي الدَّعْوَةَ إِلَى ذَلِكَ: الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-؟!
أَلَا يُحَارِبُ ذَلِكَ: الْعُلَمَاءُ الْكِبَارُ: الْفَوْزَانُ، وَالْحُصَيْنُ، وَالسُّحَيْمِيُّ، وَغَيْرُهُمْ؟!
فَلِمَاذَا تَخْرِقُ إِجْمَاعَهُمْ، وَلَا وَزْنَ لَكَ؟!
وَلَمْ أَذْكُرْ لَكَ فِي الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ مَنْ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَكَ أَصَابَكَ الْمَسُّ؛ رَحْمَةً بِكَ، وَشَفَقَةً عَلَيْكَ.
يَا هَذَا! اسْتَحِ، كَفَّ اللهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّكَ.
وَمِنْ حَمَاقَاتِهِ: أَنَّهُ لَا يَسْلُكُ لِشَيْنِي وَعَيْبِي إِلَّا الْمَسَالِكَ الَّتِي تَشِينُهُ وَتَعِيبُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ ذَكَرَنِي أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي مَعْرِضِ اللَّمْزِ وَالذَّمِّ بِقَوْلِهِ: «الدُّكْتُورُ الطَّبِيبُ»، وَكَأَنَّ دِرَاسَةَ الطِّبِّ عَيْبٌ وَمَعَرَّةٌ، أَوْ أَمْرٌ يُضَادُّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ وَيُعَارِضُهَا؟!
بَلْ ذَكَرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي مَعْرِضِ اللَّمْزِ وَالذَّمِّ، حُصُولِي عَلَى «الْعَالِمِيَّةِ»: الدُّكْتُورَاه فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ؛ وَكَأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الدَّرْجَةَ مِمَّا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، أَوْ يُسْتَخْفَى بِهِ!!
وَمَسْلَكُهُ هَذَا عَجِيبٌ غَرِيبٌ مُرِيبٌ؛ وَكَأَنَّ «أَبَا عُلْوَةَ»، لَا يَأْذَنُ لِأَحَدٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ إِلَّا إِذَا كَانَ حَاصِلًا -فَقَطْ- عَلَى الشَّهَادَةِ الَّتِي حَصَلَ هُوَ عَلَيْهَا، وَهِيَ شَهَادَةُ التَّطْعِيمِ ضِدَّ الْحَصْبَةِ!!
وَمَدَى عِلْمِي أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَحْمِلُ شَهَادَةً بِمَرَّةٍ.
فَإِنْ قَالَ: يَكْفِي أَنَّهُ مِنْ تَلَامِذَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَلْبَانِيِّ.
فَالْجَوَابُ: هَذَا نَقِيضُ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْأَلْبَانِيَّ لَمَّا سُئِلَ: هَلْ لَهُ تَلَامِذَةٌ أَوْ لَا؟ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تَلَامِيذَ لَهُ.
وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مُلَازِمًا لِلْأَلْبَانِيِّ، فَهَذَا أَيْضًا نَقِيضُ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْأَلْبَانِيَّ لَمْ يَكُنْ يُلَازِمُهُ أَحَدٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَشْغُولًا بِمَشَارِيعِهِ الْعِلْمِيَّةِ، وَتَحْقِيقَاتِهِ الْأَثَرِيَّةِ.
وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ يَحْمِلُ إِجَازَاتٍ عِلْمِيَّةً مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَحَلْنَاهُ عَلَى رَأْيِ الْعَلَّامَةِ الْأَلْبَانِيِّ فِي الْإِجَازَاتِ بِأَنْوَاعِهَا.
وَلَكِنْ، لَعَلَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الِانْتِقَاصِ مِنَ الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، هُوَ مَا يُعَانِيهِ مِنَ الْإِحْسَاسِ بِعَدَمِ حُصُولِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَأَنَا أَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَذَا لَا يَعِيبُكَ، فَتَجَلَّدْ، وَلَا تَكُنْ هَلُوعًا.
وَرُبَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ -أَيْضًا- مَسْلَكُ الْعَلَّامَةِ الْأَلْبَانِيِّ فِي انْتِقَاصِ مُعَارِضِيهِ مِنْ حَمَلَةِ الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، مَعَ جَهْلِهِمْ فِي مُعَارَضَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَهَذَا إِنْ سَاغَ لِلْأَلْبَانِيِّ، لَمْ يَسُغْ عُشْرُ مِعْشَارِهِ لِلْحَلَبِيِّ!!
وَأَيْنَ الثَّرَى مِنَ الثُّرَيَّا، يَا عَلِيُّ؟!
وَمِمَّا يَسْلُكُهُ -أَيْضًا- لِشَيْنِي وَعَيْبِي، أَنَّهُ يُعَيِّرُنِي بِاسْتِعْمَالِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ، أَوِ الْجُمَلِ، أَوِ الْأَمْثِلَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْخَطَابَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ يَشِينُهُ وَيَعِيبُهُ ذِكْرُهُ لِي، لِأَنَّهُ دَلِيلُ حَمَاقَتِهِ وَجَهْلِهِ، وَدَلِيلُ مُتَابَعَتِهِ لِلْأَغْرَارِ الْحَمْقَى مِنْ حَوْلِهِ.
فَلَفْظَةُ الدُّبُرِ الَّتِي يَطُوفُ حَوْلَهَا؛ لِيَعِيبَ بِذِكْرِهَا، لَفْظَةٌ قُرْآنِيَّةٌ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: 16].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 45].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾ [يوسف: 25].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 21].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [محمد: 27].
وَجُمْلَةُ «الْبِغَاءِ الْفِكْرِيِّ»؛ مِمَّا يَعِيبُهُ الْحَلَبِيُّ أَيْضًا بِجَهْلِهِ، مَعَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْبِغَاءَ الْجَسَدِيَّ فِي الْقُرْآنِ نَاهِيًا عَنْ إِجْبَارِ الْإِمَاءِ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: 23].
وَمِمَّا يَعِيبُهُ هَذَا الْأَحْمَقُ أَيْضًا: اسْتِعْمَالُ الْمَثَلِ الْعَرَبِيِّ: «أَخْطَأَتِ اسْتُهُ الْحُفْرَةَ»، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَيْدَانِيُّ فِي «مَجْمَعِ الْأَمْثَالِ»، وَقَالَ: «يُضْرَبُ -هَذَا الْمَثَلُ- لِمَنْ رَامَ شَيْئًا فَلَمْ يَنَلْهُ».
وَأَمَّا اللَّفْظَةُ الَّتِي يَظُنُّهَا هَذَا الْجَاهِلُ عَيْبًا -وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ عَنْهُ أَذْنَابُهُ الْمَخْدُوعُونَ بِهِ: الْعَلَّامَةُ الْمُحَدِّثُ!!
أَمَّا تِلْكَ اللَّفْظَةُ فَهِيَ لَفْظَةٌ حَدِيثِيَّةٌ، فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وَعَلَيْهِ فَنَقُولُ لِلْحَلَبِيِّ مُطْمَئِنِّينَ: «أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ».
وَالْوَرَعُ الْبَارِدُ الَّذِي يُظْهِرُهُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْحَمْقَى، لَيْسَ وَرَعًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ جَهْلٌ فَاضِحٌ، نَاجِمٌ عَنْ تَضْيِيعِ أَعْمَارِهِمْ فِي الصَّعْلَكَةِ فِي دُرُوبِ الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ، وَإِهْمَالِ طَلَبِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ.
وَمِمَّا سَلَكَهُ أَيْضًا لِشَيْنِي وَعَيْبِي؛ أَنَّهُ كَتَبَ عَنِ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلْتُهَا إِلَيْهِ: هَذَا الْكَلَامَ: «قَرَأَهَا -يَعْنِينِي- عَنْ وَرَقَاتٍ، كَالطَّالِبِ الْمُجْتَهِدِ النَّشِيطِ عَشْرَةً عَلَى عَشْرَةٍ».
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ: يَعِيبُونَ النَّاسَ بِأُمُورٍ هِيَ فِيهِمْ، وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِمْ؛ فَالْكَلَامُ الَّذِي يَعِيبُ بِهِ كَتَبَهُ فِي مُنْتَدَاهُ، وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ حَرَّرَهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَزَخْرَفَهُ كَعَادَتِهِ بِعَلَامَةِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِفْهَامِ، وَأَقْوَاسِ النَّصْرِ!! فِي مُعَانَاةٍ ظَاهِرَةٍ، ثُمَّ دَفَعَ بِهِ إِلَى الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ.
فَكَتَبْتُ وَكَتَبَ، وَلَكِنِّي كَتَبْتُ -بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَمِنَّتِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ- بِالْقَلَمِ، وَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالْقَلَمِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، «وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ شَامِلٌ لِلْأَقْلَامِ الَّتِي تُكْتَبُ بِهَا أَنْوَاعُ الْعُلُومِ، وَيُسْطَرُ بِهَا الْمَنْثُورُ وَالْمَنْظُومُ»، كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ تَعَالَى بِالْقَلَمِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 3- 5]، «عَلَّمَهُ بِالْقَلَمِ الَّذِي بِهِ تُحْفَظُ الْعُلُومُ، وَتُضْبَطُ الْحُقُوقُ، وَتَكُونُ رُسُلًا لِلنَّاسِ تَنُوبُ مَنَابَ خِطَابِهِمْ»، كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، وَأَمَّا هُوَ: فَكَتَبَ بِأَزْرَارِ لَوْحَةِ مَفَاتِيحِهِ.
كَتَبْتُ، وَكَتَبَ، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ وَلَمْ يَقْرَأْ، لَمْ يَقْرَأْ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَقْرَأُ، بَلْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِعِيِّهِ وَفَهَاهَتِهِ، وَلِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَا تُقْرَأُ، فَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِعَلَامَاتٍ عَجِيبَةٍ لَمْ يَعْرَفْهَا فِي الْكِتَابَةِ سَلَفٌ وَلَا خَلَفٌ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ بِمِثْلِهَا الْآنَ: «كُتَّابَ الْحَدَاثَةِ الْبَالِيَةِ».
وَهَذَا سَطْرٌ وَاحِدٌ مِنْ مَقَالِهِ، كَتَبَهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ قَلِيلَةٍ مِمَّا كَتَبَهُ يَعِيبُ قِرَاءَتِي مَا كَتَبْتُ لَهُ، كَتَبَ:
لَمْ نَكَدْ نَنْتَهِ -قَرِيبًا قَرِيبًا- (قَرِيبًا قَرِيبًا) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ بَيْنَ شَرْطَتَيْنِ نَائِمَتَيْنِ، مِنْ رَدِّ (افْتَحْ قَوْسًا) (جَرَاثِيمِهِ (عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ)! وَأَغْلِقِ الْقَوْسَ ثُمَّ (فَاصِلَةٌ)، وَ(افْتَحِ الْقَوْسَ) (مَبَاءَاتِهِ) (عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ)! وَأَغْلِقِ الْقَوْسَ وَخُطَّ شَرْطَةً نَائِمَهْ - عَلَيْهِ (عَلَامَةُ تَعَجُّبٍ)! - وَشَرْطَةٌ نَائِمَةٌ أُخْرَى، تِلْكَ الَّتِي قَاءَهَا فِي مَقْـ (افْتَحِ الْقَوْسَ) بَاء، ثُمَّ شَرْطَةٌ مَائِلَةٌ بَعْدَهَا أَلِفٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ عَلَى السَّطْرِ تَلِيهَا تَاءٌ تَحْتَهَا كَسْرَةٌ مَوْصُولٌ بِهَا هَاءٌ أَغْلِقِ الْقَوْسَ) مِنْ كَلَامِهِ (شَرْطَةٌ نَائِمَةٌ بَعْدَهَا نُقْطَتَانِ رَأْسِيَّتَانِ.
هَذِهِ كِتَابَةُ مَنْ يَعِيبُ النَّاسَ، وَهِيَ كِتَابَةٌ عَصِيَّةٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ، فَكَيْفَ نَقْرَأُ مَا تَكْتُبُ: يَا ابُو شَرْطَه مَايْلَهْ؟!
هَذَا هُوَ الْحَلَبِيُّ. عِنْدَمَا يَكْتُبُ يَخْتَفِي فِي نُقْطَةِ عَلَامَةِ التَّعَجُّبِ، الَّتِي تَخْتَبِئُ بِدَوْرِهَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ (!) فَهَلْ تَرَوْنَهُ؟!
وَمِنْ مُضْحِكَاتِهِ:
تَبَاهِيهِ بِكَثْرَةِ رُوَّادِ مُنْتَدَيَاتِهِ، كَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ مِنَ اْلمُكَرَّرِ الْمَغْشُوشِ؛ فَأَكْثَرُهُمْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مُعَرِّفٍ، وَجُلُّهُمْ -مَعَ هَذَاَ- مَجَاهِيلُ، جَهَالَةَ عَيْنٍ، وَجَهَالَةَ حَالٍ.
وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ وَشَانِئِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ مَعَهُ -كَمَا سَبَقَ- عَلَى طَرِيقَةِ دَجَّالُ عَمَّانَ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادِقِ مَكَّةَ.
وَهَذَا تَحْلِيلٌ تِقَنِيٌّ لِأَعْدَادِ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْمُشَارَكَاتِ فِي الْمُنْتَدَيَاتِ وَأَشْبَاهِهَا:
فَقَدْ عَدَّدَ الْحَلَبِيُّ -وَالْكَثِيرُ يُعَدِّدُ! وَيُعَدِّدْنَ!- فِي مَقَالِهِ الْأَوَّلِ -سَعِيدًا مُتَفَاخِرًا- مَا يَزْخَرُ بِهِ مُنْتَدَى ضِرَارِهِ مِنْ أَعْضَاءٍ! وَعُضْوَاتٍ! وَمَوْضُوعَاتٍ! وَمُشَارَكَاتٍ!
وَجَاءَ فِي مَقَالِهِ الثَّانِي أَنَّ سَبَبَ الْحَيْرَةِ! وَالْفَجْعَةِ -لَا الْفَجْأَةِ!- كَمَا ذَكَرَ - هُوَ مِنْ عَدَدِ مُشَاهَدَاتِ مَقَالِهِ الْأَوَّلِ -وَحْدَهُ!-، وَعَدَّدَ عَشْرَةَ آلَافِ مُشَاهَدَةٍ!
وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ أَصْلَ هَذَا الْعَدَدِ -كَمَا يَعْلَمُ التِّقْنِيُّونَ- هُوَ جَمْعٌ لِكُلِّ مُشَارِكٍ بِمُشَارَكَاتِهِ، وَمُشَاهَدَاتِهِ لِمُشَارَكَاتِهِ وَمُشَارَكَاتِ غَيْرِهِ، وَمُشَاهَدَةِ غَيْرِهِ لَهُ، وَمُشَاهَدَةِ الزُّوَّارِ -غَيْرِ الْأَعْضَاءِ- لِلْجَمِيعِ.
فَلَوْ دَخَلَ صَفْحَةَ الْمَقَالِ عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ أَوِ الْعُضْوَاتِ! أَوْ زَائِرٌ أَجْنَبِيٌّ -لَيْسَ بمَحْرَمٍ!- فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْسَبُ مُشَاهَدَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَوْ أَغْلَقَ الصَّفْحَةَ وَفَتَحَهَا مَرَّةً أُخْرَى تُحْسَبُ مُشَاهَدَةً جَدِيدَةً، وَلَوْ قَامَ بِتَحْدِيثِهَا تُحْسَبُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالْعُضْوَاتِ! مِنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِ الْمَحَارِمِ!
وَالْمِثَالُ التَّطْبِيقِيُّ عَلَى ذَلِكَ:
إِذَا فَتَحَ عُضْوٌ صَفْحَةَ الْمَقَالِ حُسِبَتْ لَهُ مُشَاهَدَةً -وَلَوْ كَانَ كَاتِبَ الْمَقَالِ نَفْسَهُ-، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ -أَيْ: يُشَارِكَ- وَكَتَبَ مُشَارَكَتَهُ وَشَاهَدَهَا حُسِبَتْ مُشَاهَدَةً لِلصَّفْحَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَإِنْ أَغْلَقَ الصَّفْحَةَ، وَعَادَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى حُسِبَتْ مُشَاهَدَةً جَدِيدَةً، فَكُلُّ مَرَّةٍ يَدْخُلُ فِيهَا صَفْحَةَ الْمَقَالِ يُحْسَبُ مُشَاهَدَةٌ جَدِيدَةٌ، وَهَكَذَا.
فَأَصْلُ الْعَدَدِ فِي مَقَالِ الْحَلَبِيِّ يُحَلِّلُهُ التِّقْنِيُّونَ كَالتَّالِي:
نَفْتَرِضُ أَنَّ عَدَدَ الْمُشَارِكِينَ مِنَ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثُونَ، فَدُخُولُهُمْ جَمِيعًا صَفْحَةَ الْمَقَالِ تُحْسَبَ كَثَلَاثِينَ مُشَاهَدَةً، وَمُشَارَكَتُهُمْ فِيهِ تُحْسَبُ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَإِذَا خَرَجُوا وَعَادُوا لِفَتْحِ صَفْحَةِ الْمَقَالِ حُسِبَتْ ثَالِثَةً، وَإِذَا قَامُوا بِتَحْدِيثِ الصَّفْحَةِ حُسِبَتْ رَابِعَةً وَخَامِسَةً... وَهَكَذَا، وَمَجْمُوعُ عَمَلِ ذَلِكَ -دُونَ غَيْرِهِ- لِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَقَطْ يَتَجَاوَزُ مِئَةَ مُشَاهَدَةٍ دُونَ حِسَابِ مَنْ يَرَى الْمَقَالَ مِنَ الزُّوَّارِ غَيْرِ الْأَعْضَاءِ.
وَمَا يَحْدُثُ: أَنَّ كُلَّ مُشَارِكٍ يُرِيدُ أَنْ يَرَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَدَّ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَلَّقَ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَيُشَاهِدُ ثَلَاثَتُهُمْ مَنْ يَزُورُ مِنَ الْخَارِجِ، وَرُبَّمَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَيْضًا!
فَالْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ لَوْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَلَسَ يُتَابِعُ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُعَلِّقُ عَلَى مُشَارَكَاتِهِمَا، وَهُمَا يُعَلِّقَانِ عَلَيْهِ، وَالْفَرِيقُ الثُّلَاثِيُّ! الزَّائِرُ! يُشَجِّعُ وَيُشَاهِدُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَطَلَّبُ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يُحَدِّثَ الصَّفْحَةَ رُبَّمَا كُلَّ دَقِيقَةٍ أَوْ دَقِيقَتَيْنِ -لَوْ حَدَثَ ذَلِكَ- لِمُدَّةِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ رُبَّمَا تَصِلُ الْمُشَاهَدَاتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ مُشَاهَدَةٍ بِفِعْلِ سِتَّةِ أَشْخَاصٍ!
فَمَا بَالُكُمْ لَوْ كَانَ الْعَدَدُ ضَخْمًا!! كَـ 30 مُشَارِكًا وَ30 فِي الْفَرِيقِ الْمُشَجِّعِ الْمُشَاهِدِ، فَرُبَّمَا يَصِلُ الْأَمْرُ إِلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا! وَحِينَئِذٍ يَفْرَحُ الْحَلَبِيُّ! وَجَمِيعُ أَعْضَاءِ مُنْتَدَى الضِّرَارِ!!
وَمِنْ مُضْحِكَاتِهِ:
تَوَعُّدُهُ كَالْأَطْفَالِ بِالْمُجَارَاةِ وَالْمُبَارَاةِ، وَبِـ: «هَذَا الْمَيْدَانُ يَا حُمَيْدَانُ»، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ: الْحَاج حُمَيْدَان بَيَّاع الْبِلِيلَة وَيَتَوَعَّدُ بِأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ وَيَسْتَطِيعُ..
وَكَأَّنَ أَبَا حَيَّةَ النُّمَيْرِيَّ بِسَيْفِهِ الْخَشَبِيِّ، قَدْ بُعِثَ فِي مِسْلَاخِ أَبِي حَيَّةَ الْعَمَّانِيِّ!!
يَا هَذَا! دَعْنَا مِنْ تَبَاهِيكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ، وَارْعَوِ عَنْ غَيِّكَ، فَإِنِّي مَا إِنْ مَسَسْتُكَ بِجُمْلَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ قِيلَتَا عَرَضًا، لَا رَدًّا، حَتَّى انْفَجَرْتَ كَالْقُرْحَةِ، قَيْحًا وَصَدِيدًا، فَكَيْفَ إِذَا وَضَعْتُ عَلَيْكَ -بِحَوْلِ اللهِ تَعَالَى- كَلْكَلِي؟!
لَا تَتَبَاهَ يَا هَذَا بِمَا لَمْ تُعْطَ.
كُنْ عَاقِلًا، وَلَا تَكْنُ كَالطِّفْلِ يتَعَاجَبُ بِالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، ثُمَّ يُدَنِّسُهُ بِالْخَبَثِ قَبْلَ انْتِصَافِ يَوْمِهِ!!
وَمِنْ حَمَاقَاتِه: أَنَّهُ يَسُبُّ نَفْسَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: «فَإِنِّي أَسْتَطِيعُ وَالْفَضْلُ للهِ وَحْدَهُ، إِي وَرَبِّي، أَنْ أُبَارِيكَ، لَا -فَقَطْ- أَنْ أُجَارِيَكَ فِيمَا تَحْسَبُ نَفْسَكَ مُتَعَمْلِقًا فِيهِ، وَمَا سَبَقَ بَعْضٌ مِنْ تَفَاصُحَاتٍ لُغَوِيَّةٍ غَوِيَّةٍ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةٍ وَصَلَ مَدَى رَاجِمَاتِهَا وَاعَيْبَاهُ حَدَّ الْعَوْرَاتِ، وَأَبْوَابَ النَّجَاسَاتِ وَبَيْتَ الْقَاذُورَاتِ، فَضْلًا عَنْ عِبَارَاتٍ كَثِيرَاتٍ نَسْتَحْيِي مِنْ ذِكْرِهَا عَلَى هَذِهِ الصَّفْحَاتِ النَّقِيَّاتِ».
فَأَرَادَ أَنْ يَعِيبَ خَصْمَهُ بِمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ مَثَالِبَ فِيهِ، فَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ عَنْهُ، بَلْ أَقْسَمَ -فَاجِرًا- أَنَّهُ مُبَارٍ أَوْ مُجَارٍ فِيهِ، فَأَيُّ سَفَهٍ هَذَا؟!
يَا حَلَبِيُّ! أَتَحَدَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ كَمَا يَكْتُبُ الْأَسْوِيَاءُ مِنَ الْبَشَرِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ فَعَلْتَ فَلَنْ يَبْقَى مِنْ تَسْوِيدِكَ شَيْءٌ.
وَأَتَحَدَّاكَ أَنْ تَقْرَأَ مَا تَكْتُبُ، وَأَنْ تَرُدَّ بِصَوْتِكَ، لَا مُتَتَرِّسًا وَرَاءَ جَهْلِكَ، بِشَرْطَةٍ مَائِلَةٍ، وَأْخُرَى نَائِمَةٍ، وَعَلَامَةِ تَعَجُّبٍ، وَعَلَامَاتِ تَحَسُّرٍ عَلَى عِيِّكِ وَحَصَرِكِ وَعَجْزِكَ.
يَا حَلَبِيُّ! أَتَحَدَّاكَ أَنْ تُحَرِّرَ مَوْطِنَ النِّزَاعِ فِي كَلَامِكَ، لَا تَكُنْ كَالْكَلْبِ يَعْدُو وَرَاءَ الْفَرَاشَاتِ فِي حَقْلِ الْبِرْسِيمِ، مُفْسِدًا وَمُنَجِّسًا.
لَقَدْ رَمَيْتُكَ بِالضَّلَالِ. وَكَانَ حَسَنًا لَوْ قُلْتَ: مَا دَلِيلُ ذَلِكَ؟ وَمَا سَبَبُهُ؟
ثُمَّ تَوَقَّفْتَ، وَلَكِنْ رُحْتَ تَهِيمُ فِي كُلِّ وَادٍ، وَتَخْبِطُ خَبْطَ الْعَمْيَاءِ فِي كُلِّ سَبِيلٍ، وَتَتَقَمَّمُ مِنْ هَا هُنَا وَهُنَالِكَ؛ لِتُطِيلَ الْكَلَامَ، وَتُسْبِغُ ذَيْلَ الْمَقَالِ، لِيُقَالَ: شَيْخُكُمْ -يَا وْلَادْ- يَرُدُّ!! وَهُوَ فِي الْحَقِّ يَهْذِي وَيُحْدِثُ.
رَابِعَ عَشَرَ: تَلَوُّنُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْ أُمُورِ الِاعْتِقَادِ، فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مِصْرَ الَّتِي تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لَهُ، يَنْبَغِي أَنْ تَقِفَ فِي وَجْهِهِ، بَلْ أَنْ تَصْفَعَهُ عَلَى قَفَاهُ.
رَاحَ يُوَلْوِلُ مُدَّعِيًا أَنِّي أَسْتَعْدِي الدَّوْلَةَ عَلَيْهِ بِطَرِيقَةٍ مَاكِرَةٍ -كَمَا زَعَمَ-.
وَتَرَكَ مَوْقِفَهُ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ مَنْهَجِ السَّلَفِ، وَتَنُصُّ عَلَيْهِ كُتُبُ الِاعْتِقَادِ، مِنْ رَمْىِ جَيْشِ مِصْرَ بِأَنَّهُمْ خَوَارِجُ، وَتَصْرِيحِهِ بِصَوْتِهِ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَى قَائِدِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي سُجُودِهِ، تَرَكَ هَذَا، وَرَاحَ يَتَمَلَّقُ أَهْلَ السِّيَاسَةِ فِي مِصْرَ، وَيَتَمَلَّقُ قَائِدَ جَيْشِهَا، وَيَقُولُ فَضَّ اللهُ فَاهُ: «وَإِنِّي لَعَلَى مِثْلِ الْيَقِينِ أَنَّ أَهْلَ (السِّيَاسَةِ) بِتَصْرِيفَاتِهَا الثَّلَاثَةِ: سَاسَا.. سُوسُو.. سِيسِي) هُمْ أَرْحَمُ وَأَرْأَفُ - وَأَعْرَفُ بِرَعَايَا الْبَلَدِ، وَالْوَافِدِينَ إِلَيْهَا، وَالْوَارِدِينَ، مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْخُصَمَاءِ الْأَجْلَافِ، الْمَخُاَلفِينَ لِعُقَلَاءِ الْخَلَفِ فَضْلًا عَنِ الْأَسْلَافِ».
يَا حَلَبِيُّ، لَقَدْ أَضْحَكْتَ مِنْكَ الْأَطْفَالَ وَالْأَغْمَارَ، مَا هَذَا التَّمَلُّقُ الْقَبِيحُ، وَمَا مَعْنَى: (سَاسَا.. سُوسُو.. سِيسِي) مَاذَا تُرِيدُ بِهَذَا الْعَبَثِ؟!
وَتَصْرِيفَاتُ أَيِّ شَيْءٍ هَذِهِ، يَا حَلَبِيُّ؟!
أَلَا تَسْتَحِي؟!
لِمَاذَا تَتَلَوَّنُ هَكَذَا؟!
وَمَاذَا تَقُولُ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَكَ: أَنْتَ الشَّيْخُ سَاسَا، أَوْ أَنْتَ الشَّيْخُ سُوسُو؟!!
كُلُّ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ تَنَاقَضَ، يَا حَلَبِيُّ! وَأَهْلُ الْبِدَعِ أَشَدُّ النَّاسِ تَلَوُّنًا.
خَامِسَ عَشَرَ: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّكَ مَا زِلْتَ تَتَمَتَّعُ بِذَرْوٍ مِنْ عَقْلٍ، تَفْهَمُ بِهِ مَقَاصِدَ الْكَلَامِ، وَمُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، وَلَكِنْ، أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَ أَهْلِكَ فِي عَقْلِكَ.
يَا رَجُلُ! أَلَمْ تَفْهَمْ مُرَادِي فِي رَسِالَتِي الْعَاجِلَةِ إِلَيْكَ؟!
أَوَ قَدْ «شَرِبْتَهَا» كَمَا يَقُولُ الْمِصْرِيُّونَ، بِهَذَا الْيُسْرِ، وَهَذِهِ السُّرْعَةِ، أَلَا تَعْرِفُ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ؟
أَلَا تَعْرِفُ الذَّمَّ بِمَا يُشْبِهُ الْمَدْحَ؟!
أَلَا تَعْرِفُ.. أَلَا تَعْرِفُ..
حَسَنٌ، أَلَا فَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَ مَنْ يَخْتَلِفُ فِيكَ هُنَا، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي: ضَالٍّ، وَأَضَلَّ، وَجَاهِلٍ وَأَجْهَلَ.. وَهَكَذَا.
وَلَقَدْ ظَهَرَ مِنْ فَهْمِكَ لِرِسَالَتِي الْعَاجِلَةِ: أَنَّ فَرِيقَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ (أَضَلُّ، وَأَجْهَلُ) هُمُ الْمُصِيبُونَ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَيَكْفِيكَ هَذَا الْآنَ، فَعِنْدِي مِنَ الْأَعْمَالِ مَا هُوَ أَهَمُّ وَأَجْدَى، وَلَكِنِّي سَأَعُودُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- إِلَيْكَ، مُحْتَسِبًا عِنْدَ اللهِ تَأْدِيبَكَ وَتَهْذِيبَكَ وَكَفَّ أَذَاكَ عَنِ النَّاسِ.

يَا لَكِ مِنْ قُبَّرَةٍ بِمَعْمَرِ خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

قَدْ رُفِعَ الْفَخُّ فَمَاذَا تَحْذَرِي؟ وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي

قَدْ ذَهَبَ الصَّيَّادُ عَنْكَ فَابْشِرِي لَابُدَّ يَوْمًا أَنْ تُصَادِي فَاصْبِرِي


وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَكَتَبَ:
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيد رَسْلَان
سُبْك الْأَحَدِ- الْمُنُوفِيَّة- مِصْر
21 مِنْ رَبِيع الْأَوَّل 1435هـ
22 مِنْ يَنَاير 2014م

**************

منقول من موقع العلامة / محمد بن سعيد رسلان حفظه الله تعالى

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  حُقُوقُ الشَّبَابِ وَوَاجِبَاتُهُمْ
  اللهَ اللهَ فِي أُمَّهَاتِكُمْ!!
  إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي فَهْمِ النَّصِّ.. الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَدْرَسَتُهُ الْفِقْهِيَّةُ أُنْمُوذَجًا
  الِانْتِحَارُ.. الْأَسْبَابُ وَسُبُلُ الْوِقَايَةِ
  حَالُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَهْلِهِ
  الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ وَدُرُوسٌ فِي المِنْحَةِ بَعْدَ المِحْنَةِ
  السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفَضَائِلُ الْعَشْرِ
  الْإِيجَابِيَّةُ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ
  مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان