فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ ولَيلَةِ القَدْرِ وَأَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ

فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ ولَيلَةِ القَدْرِ وَأَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ

«فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ ولَيلَةِ القَدْرِ وَأَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ»

إنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ مَنَّ عَلَيْنَا فَمَدَّ فِي أَعْمَارِنَا، وَقَدْ أَظَلَّتْنَا أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ وَسَاعَاتٌ جَلِيلَةٌ، إِنَّهَا أَيَّامُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ بِدَايَةُ نِهَايَةِ الشَّهْرِ الْعَظِيمِ.

وَصِيَامُ رَمَضَانَ مَا يَزَالُ يَرْتَقِي بِالنَّفْسِ فِي مَدَارِجِ الكَمَالِ؛ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّائِمُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِيهَا الِاعْتِكَافُ؛ لِعُكُوفِ الْقَلْبِ عَلَى اللهِ، وَلِجَمْعِيَّةِ القَلْبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَولَاهُ، وَلِلفِكْرِ فِي تَحْصِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ، وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ تَعَالَى فِي عُلَاهُ.

وَفِي العَشْرِ: اِلْتِمَاسُ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَهِيَ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

«عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ»

فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ؛ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيلَهُ، وَأَيقَظَ أَهْلَهُ».

هَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.

قَدْ يَفْهَمُ فَاهِمٌ أَنَّ قَولَهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «أَحْيَا لَيلَهُ» أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيلَ كُلَّهُ بِالصَّلَاةِ!

وَقَد رَدَّتْ هِيَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- هَذَا الفَهْمَ، فَقَالَت: «مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَلَّى لَيلَةً كَامِلَةً حَتَّى أَصْبَحَ».

وَلَكِنْ «أَحْيَا لَيْلَهُ» بِالصَّلَاةِ، بِتِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ، بِالذِّكْرِ، بِالْفِكْرِ فِي أَحْوَالِ الآخِرَةِ، والْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الْقِيَامَةِ؛ يُقَرِّبُ عَبْدَهُ، يُدْنِيهِ، يُلْقِي عَلَيْهِ كَنَفَهُ؛ يُقرِّرُهُ: «أَتَذْكُرُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَذْكُرُ ذَنْبَ كَذَا؟»

فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَي: أَذْكُرُ-، أَيْ رَبِّ أَذْكُرُ، حَتَّى إِذَا أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ؛ قَالَ لَهُ رَبُّهُ -وَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ- : «قَدْ سَتَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهُ لَكَ الْيَوْمَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ».

«أَحْيَا لَيْلَهُ»: يُحْيِي لَيْلَهُ بِالْعِبَادَةِ، لَيْسَ شَرْطًا بِالصَّلَاةِ فِي طُولِ اللَّيْلِ؛ فَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ ﷺ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-».

«وَجَدَّ» فِي الْعِبَادَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ.

«وَجَدَّ» وَهُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ!

«وَجَدَّ» فِي الْعِبَادَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ.

«وَشَدَّ الْمِئْزَرَ»: لِلتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ؛ بِالتَّشْمِيرِ، بِالِاجْتِهَادِ، أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ.

«وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ ﷺ».

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيرِهِ»؛ لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.

«خَصَائِصُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ»

عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرَةُ فِيهَا الْخَيْرَاتُ، وَفِيهَا الْأُجُورُ الْكَثِيرَةُ، وَفِيهَا الْفَضَائِلُ الْمَشْهُورَةُ، وَالْخَصَائِصُ الْعَظِيمَةُ.

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ﷺ مُسَافِرًا فِي جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللهِ لِغَزْوٍ، لِالْتِمَاسِ مَرْضَاةِ اللهِ.

فَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ مِنَ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، دَلَّ عَلَيْهَا كِتَابُ رَبِّنَا، وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

وَالْمَقْصِدُ الْأَجَلُّ: تَفْرِيغُ الْقَلْبِ لِلْعُكُوفِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ؛ لِالْتِمَاسِ الْأَجْرِ بِتَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَبِالْبُعْدِ عَنِ الدُّنْيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ مَآسِيهَا وَمَبَاهِرِهَا، بِكُلِّ مَا يَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنِ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَطَلَبِ الْآخِرَةِ.

وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

فَعَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرَةُ فِيهَا الْخَيْرَاتُ وَالْأُجُورُ الْكَثِيرَةُ، وَفِيهَا الْفَضَائِلُ الْمَشْهُورَةُ، وَالْخَصَائِصُ الْعَظِيمَةُ، وَمِنْهَا:

*أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا شَامِلٌ لِلْاجِتْهَادِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ مِنْ صَلَاةٍ، وَتِلَاوَةٍ، وَذِكْرٍ، وَصَدَقَةٍ، وَغَيْرِهَا.

*وَمِنْ خَصَائِصِ الْعَشْرِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ لِلصَّلَاةِ.

«أَيقَظَ أَهْلَهُ...أَحْيَا لَيْلَهُ»: كَأَنَّ اللَّيْلَ كَانَ مَوَاتًا؛ بَلْ كَانَ، إِذْ لَا يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ، فَإِذَا عُبِدَ فِيهِ اللهُ؛ حَيِيَ.

«أَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ؛ حِرْصًا عَلَى اغْتِنَامِ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ؛ لِأَنَّهَا فُرْصَةُ الْعُمُرِ، وَغَنِيمَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ.

 

وَمِنَ الْخُسْرَانِ الْعَظِيمِ وَالْحِرْمَانِ الْكَبِيرِ: أَنْ يُمْضِيَ الْمُسْلِمُونَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّمِينَةِ فِي اللَّهْوِ البَاطِلِ، وَالْعَبَثِ الْفَاجِرِ، وَاللَّغْوِ الزَّائِلِ، وَهَذَا مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِهِمْ، وَمِنْ مَكْرِهِ بِهِمْ، وَصَدِّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَمِنْ إِغْوَائِهِ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- لِلشَّيْطَانِ اللَّعِينِ: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عليهمْ سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42].

فَمَنْ تَبِعَ الْغَاوِي؛ فَهُوَ غَاوٍ، مَنْ اتَّبَعَ الْغَوِيَّ؛ فَهُوَ غَوِيٌّ، وَمَنْ اتَّبَعَ الشَّيْطَانَ فَهُوَ مِنَ الْغَاوِينَ، كَمَا قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَمِنَ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، مِنَ الْخَسَارَةِ الْفَادِحَةِ: أَنْ تُمَضَّى الْأَوْقَاتُ فِي لَيَالِ الْعَشْرِ فِي اللَّهْوِ البَاطِلِ.

وَقَدْ تَكَالبَ الْمُنْحَرِفُونَ وَالْمُنْحَرِفَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَخَادِعِهِمْ؛ لِيَشْغَلُوهُمْ عَن الْعِبَادَةِ وَالْتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ، وَلِيُغْرُوهُم بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَى كُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِمَّا هُوَ فُسُوقٌ مَحْضٌ، وَزَيفٌ صِرْفٌ، وَمَعْصِيَةٌ بَحْتٌ.

*سُنَّةُ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتِمَاسُ لَيلَةِ القَدْرِ فِيهَا:

*مِنْ خَصَائِصِ الْعَشْرِ: الِاعْتِكَافُ فِيهَا، وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

وَقَدْ اعْتَكَفَ النَّبِيُّ ﷺ، وَاعْتَكَفَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ وَبَعْدَهُ؛ فَاعْتَكَفُوا مَعَهُ، وَاعْتَكَفُوا بَعْدَهُ ﷺ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» بِسَنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ العَشْرَ الْأَوسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، يَلتَمِسُ لَيلَةَ القَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ -أَيْ: قَبْلَ أَنْ تُظْهَرَ لَهُ-.

فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ -أَيْ: فِي عَامِ-، يَلتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ، فَلَمَّا انْقَضَيْنَ -يَعْنِي: الْعَشْرَ الْأَوسَطَ- أَمَرَ بِالبِنَاءِ فَقُوِّضَ -أَيْ: أُزِيلَ، يَعْنِي: الْخِبَاءَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ ﷺ يُضْرَبُ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ-، فَلَمَّا انْقَضَيْنَ؛ أَمَرَ بِالبِنَاءِ فَقُوِّضَ-أَيْ: أُزِيلَ-.

ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَأَمَرَ بِالبِنَاءِ -أَيْ: الْخِبَاءَ- فَأُعِيدَ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَىَ النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ، وَإِنِّي خَرَجْتُ لَأُخْبِرَكُمْ بِهَا، فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ -أَيْ: كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّ الْحَقَّ لَهُ-».

وَفِي رِوَايَةٍ: «يَتَلَاحَيَانِ»: كُلٌّ قَدْ أَمْسَكَ بِلِحْيَةِ صَاحِبِهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «يَسْتَبَّانِ».

«مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ».

«فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيطَانُ؛ فَنُسِّيتُهَا، أو فَأُنْسِيتُها».

أَيْ: نُسِّيَ تَحْدِيدَ عِلْمِهَا بِقَطْعٍ وَيَقِينٍ، لَا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَهَذَا مِنْ شُؤْمِ الْخِصَامِ وَالْخِلَافِ وَالْجِدَالِ: «فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ...يَسْتَبَّانِ... يَتَلَاحَيَانِ، مَعَهُمَا الشَّيطَانُ؛ فَأُنْسِيتُها».

فَكَمْ مِنَ الْخَيْرِ يُرْفعُ لِوُقُوعِ الْخِصَامِ وَالْخِلَافِ وَالْجِدَالِ، وَالْمُنَاقَرَةِ كَمُنَاقَرَةِ الدُّيُوكِ؟!!

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالخَامِسَةِ».

بَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ: الثَّانِيَةُ وَالْعُشْرُونَ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ: الرَّابِعَةُ وَالْعُشْرُونَ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ: السَّادِسَةُ وَالعُشْرُونَ.

فَفَهِمَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَدْ تَكُونُ فِي الْأَشْفَاعِ كَمَا تَكُونُ فِي الْأَوْتَارِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.

«فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَىَ، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَىَ، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَىَ، فِي ثَالِثَةٍ تَبْقَى»، إِذَا كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ.

وَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ؛ فَيَصْدُقُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَوْتَارِ، كَمَا يَصْدُقُ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَشْفَاعِ.

وَعَلَيْهِ؛ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ مَا تَمْيِيزٍ، وَإِنْ خَصَّ الْأَوْتَارَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ فَلَا بَأْسَ؛ لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى ذَلِكَ.

((فَضَائِلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ))

فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي شَرَّفَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهَا، وَمَنَّ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْهَا بِجَزِيلِ خَيْرِهَا، وَأَشَادَ اللهُ تَعَالَى بِفَضْلِهَا؛ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿إِنَّا أَنْزَلنَاهُ فِي لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 3-4].

مِنْ بَرَكَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُبَارَكَ أُنْزِلَ فِيهَا، وَقَدْ وَصَفَهَا اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ مِنْ أَوَامِرِ اللهِ الْمُحْكَمَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُتْقَنَةِ، الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَلَلٌ وَلَا نَقْصٌ وَلَا بَاطِلٌ ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96].

﴿إِنَّا أَنْزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدْرِ * لَيلَةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ [القدر:  1-5].

الْقَدْرُ: بِمَعْنَى الشَّرَفِ وَالتَّعْظِيمِ، أَوْ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يُفْصَلُ فِيهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ: مَنْ يُولَدُ وَمَنْ يَمُوتُ، مَنْ يُرْفَعُ وَمَنْ يُخْفَضُ، مَنْ يُعَزُّ وَمَنْ يُذَلُّ، مَنْ يُعْطَى وَمَنْ يُحْرَمُ، مَنْ يَحُجُّ وَمَنْ يَعْتَمِرُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- تَقْدِيرٌ أَزَلِيٌّ، كَتَبَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَجْعَلُ نُسْخَةً مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ الْأَزَلِيِّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ إِلَى الْكَتَبَةِ، وَفِيهَا مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ حَكِيمٍ مِنْ أَوَامِرِ اللهِ الْمُحْكَمَةِ المُتْقَنَةِ.

وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ شَرِيفَةٌ عَظِيمَةٌ، يُقَدِّرُ اللهُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْعَامِ بَعْدَهُ، وَمَا يَقْضِيهِ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَوَامِرِهِ الْحَكِيمَةِ، وَأُمُورِهِ الْجَلِيلَةِ.

﴿لَيلَةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]، يَعْنِي: فِي الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ، وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ؛ لِذَا مَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وَفِي سُورَةِ الْقَدْرِ مِنْ فَضَائِلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِيهَا الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ الَّذِي بِهِ هِدَايَةُ الْبَشَرِ، وَسَعَادَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدْرِ﴾ [القدر: 2].

وَكُلُّ «مَا أَدْرَاكَ» فِي الْقُرْآنِ أَدْرَاهُ، وَكُلُّ ((مَا يُدْرِيكَ)) لَمْ يُدْرِهِ.

إِذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا الِاسْتِفَهَامِ الَّذِي هُوَ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّشْوِيقِ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدْرِ * لَيلَةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 2-3]؛ فَكُلُّ «وَمَا أَدْرَاكَ» فِي الْقُرْآنِ أَدْرَاهُ.

وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، كَمَا قَضَى بِذَلِكَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-.

وَالْمَلَائِكَةُ تَتَنَزَّلُ فِيهَا، وَهُمْ لَا يَتَنَزَّلُونَ إِلَّا بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ؛ حَتَّى تَضِيقَ بِهْم الْأَرْضُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَعْنَى الْقَدْرِ.

الْقَدْرُ: الشَّرَفُ.

وَالْقَدْرُ: الضِّيقُ.

قَالُوا: لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ بِالْمَلَائِكَةِ مِنْ كَثْرَتِهِم، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَتَنَزَّلُ إِلَّا بَالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ.

﴿وَالرُّوحُ﴾: وَهُوَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا فِي سُورَةِ الْقَدْرِ: أَنَّهَا سَلَامٌ؛ ﴿سَلَامٌ هِيَ﴾.

وَقَدْ أَتَى بِالْجُمْلَةِ مَعَرَّفَةَ الطَّرَفَيْنِ، لَا؛ بَلْ إِنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- ذَكَرَهَا هَكَذَا تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا: ﴿سَلَامٌ هِيَ﴾، فَدَلَّ عَلَى كَونِها سَلَامًا لُحْمَةً وَسُدَى، فَهِيَ سَلَامٌ مَحْضٌ؛ ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾؛ فَهِيَ سَاجِيَةٌ صَافِيَةٌ «طَلِقَةٌ بَلِجَةٌ» كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ؛ إِذْ هِيَ سَلَامٌ، تَتَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ، يَتَنَزَّلُ فِيهَا مِنْ رَبِّنَا السَّلَامِ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ؛ حَتَّى يَصِيرُوا إِلَى السَّلَامِ مِنْ بَعْدِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ وَالْعَنَاءِ وَالْكَرْبِ، فَتَجِدُ الرُّوحُ مُنْطَلَقَها، وَيَجِدُ الْقَلْبُ مُسْتَقَرَّهُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِدُ قَلبُهُ مُسْتَقَرَّهُ!

﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾؛ لِكَثْرَةِ السَّلَامَةِ فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ؛ لِمَا يَقُومُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا، وَرِفْعَةِ شَأْنِها، وَجَلِيلِ قَدْرِهَا: أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِيهَا سُورَةً بِرَأْسِهَا؛ تُتْلَى، يُتَعَبَّدُ للهِ بِتِلاَوَتِهَا إِلَى أَنْ يَرْفَعَ اللهُ الْكِتَابَ الْمَجِيدَ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مِنَ الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ.

وَلَا تَخْتَصُّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِلَيْلَةٍ مُعيَّنَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَعْوَامِ، بَلْ تَنْتَقِلُ، فَتَكُونُ فِي عَامٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا، وَفِي عَامٍ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَهَكَذَا...تَبَعًا لِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ.

وَدَلِيلُ ذَلِكَ: قَوْلُه ﷺ: «الْتَمِسُوهَا فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَىَ، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَىَ، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَىَ».

قَالَ الْحَافِظُ فِي «الفَتْحِ»: «الْأَرْجَحُ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ».

فَالْأَرْجَحُ عَلَى حَسَبِ دَلَالَاتِ النُّصُوصِ: أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ؛ فَلَيْسَتْ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا، تَكُونُ ثَابِتَةً فِي كُلِّ عَامٍ؛ وَلَكِنَّهَا تَنْتَقِلُ كَمَا هُوَ الْأَرْجَحُ.

وَقَدْ أَخْفَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَن الْعِبَادِ تَحْدِيدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِقَطْعٍ؛ رَحْمَةً بِهِمْ؛ لِيَكُثْرَ عَمَلُهُم فِي طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي الْفَاضِلَةِ، بِالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ، وَبِالدُّعَاءِ وَالْإِخْبَاتِ، وَبِالبُكَاءِ وَالْإِنَابَةِ؛ لِيَزْدَادُوا مِنَ اللهِ قُرْبًا، وَلِيَكْثُرَ لَهُمْ مِنَ اللهِ الثَّوَابُ، وَلِيُعْلَمَ مَنْ كَانَ جَادًّا فِي طَلَبِهَا، حَرِيصًا عَلَيْهَا مِمَّنْ كَانَ كَسْلَانًا مُتَهَاوِنًا.

أَخْفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ؛ فَلَا تَدْرِي بِمَ يَرْضَى عَنْكَ مِمَّا تَتَزَلَّفُ بِهِ إِلَيْهِ؟

وَلَا تَدْرِي؛ أَيُّ ذَلِكَ يُقْبَلُ لَدَيْهِ وَيُعْتَمَدُ عِنْدَهُ؟

فَأَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ، كَمَا أَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ.

وَقَدْ أَخْفَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ، فِي سَاعَاتِهِ، وَالْأَرْجَحُ: أَنَّهَا السَّاعَةُ الْأَخِيرَةُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ إِلَّا آتَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

وَذَلِكَ لِيَحْرِصَ النَّاسُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَبَذْلِ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَتَفْرِيغِ الْأَوْقَاتِ لِعِبَادَةِ اللهِ؛ فَأَخْفَى اللهُ -رَبُّ الْعَالَمِينَ- لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ: «فَنُسِّيتُهَا، وَعَسَىَ أَنْ يَكُونَ خَيرًا لَكُمْ»؛ أَيْ: لِتَزْدَادُوا اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ وَالطَّلَبِ، وِلِأَنَّكُمْ إِذَا عَلِمْتُمْ تَحْدِيدَهَا بقَطْعٍ فِي لَيْلَةٍ مُحَدَّدَةٍ؛ تَوَفَّرْتُمْ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، ثُمَّ كَسَلْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَتَرْتُمْ عَن الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ، وَلَا كَذَلِكَ فِعْلُ الْمُتَّقِينَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ الْأَمِينَ ﷺ مَعَ أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ «كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، حَتَّىَ تَتَفَطَّرُ قَدَمَاهُ»، فَلَمَّا رُوجِعَ فِي ذَلِكَ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!!» ﷺ.

يُسْأَلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَفِي كُلِّ حِينٍ الْعَفْوَ وَالْمُعَافَاةَ.

يَسْأَلُ الْعَبْدُ رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْعَفْوَ وَالْمُعَافَاةَ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي «الْمُسْنَدِ»:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافْقَتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ مَا أَقُولُ فِيهَا؟

قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

لَوْ كَانَ هُنَاكَ طَلَبٌ هُوَ أَعْلَى مِنْ هَذَا؛ لَذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا-.

لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّهَا أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ لَمَّا سَأَلَهُ عَمْرو بِنُ الْعَاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «عَائِشَةُ».

قَالَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟

قَالَ: «أَبُوهَا» -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَعَن الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ-.

فَهَذَا اخْتِيَارُ الْحَبِيبِ لِلْحَبِيبِ.

يَخْتَارُ النَّبِيُّ ﷺ لِعَائِشَةَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَيُجْزَلُ فِيهَا الْعَطَاءُ، وَتُمْحَى فِيهَا الْخَطَايَا، وَتُزَالُ فِيهَا السَّيِّئَاتُ، يَخْتَارُ لَهَا رَسُولُ اللهِ هَذَا الدُّعَاءَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ فَوْقَهُ؛ لَذَكَرَهُ لَهَا ﷺ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

هُوَ الْعَفُوُّ، وَهُوَ يُحِبُّ الْعَفْوَ؛ فَيُحِبُّ أَنْ يَعْفُو عَنْ عِبَادِهِ، وَيُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَعْفُوَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَإِذَا عَفَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ عَامَلَهُم بِعَفْوِهِ، وَعَفْوُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ.

كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ»، كَمَا فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ».

عَفْوهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ؛ «وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ»: مِن نِقْمَتِكَ.

قَالَ مُطَرِّفُ بِنُ عَبْدِ اللهِ: «لَأَنْ أَبِيتَ نائمًا وأُصْبِحَ نادمًا؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قائمًا وأُصْبِحَ مُعْجَبًا».

الْإِخْلَاصَ...الْإِخْلَاصَ!

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا إِيَّاهُ.

هُوَ عُقْدَةُ الْمَسْأَلَةِ، وَحَرْفُهَا، وَقُطْبُها الَّذِي عَلَيْهِ تَدُورُ.

«أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا»؛ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ.

وَتَأَمَّلْ فِي وَصْفِ مَا يَكُونُ: «أَعْمَالٌ كأَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بَيضَاءَ؛ يَجْعَلَهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا»؛ كَالْقُطْنِ الْمَنْتُوفِ الْمَنْدُوفِ؛ يَجْعَلُهُ اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَالْجِبَالُ مُتَمَاسِكَةٌ صُلْبَةٌ قَائِمَةٌ، مُتَلَاحِمَةٌ بِذَرَّاتِها، وَبصَخْرِهَا، وَبِمُكَوِّنَاتِهَا.

وَلَكِنْ وَا أَسَفَاهُ! مَا مِنْ لُحْمَةٍ هَاهُنَا تَرْبِطُ؛ فَأَعْمَالٌ مُتَنَاثِرَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، يَجْعَلُهَا اللهُ هَبَاءً مَنْثُورًا.

«لَأَنْ أَبِيتَ نائمًا وأُصْبِحَ نادمًا؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قائمًا وأُصْبِحَ مُعْجَبًا»؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَعَ الْإِعْجَابِ عَمَلٌ، وَالنَّدَمُ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ؛ فَإِذَا اسْتَكْمَلْتَ شُرُوطَهَا؛ كَانَتْ نَصُوحًا مَقْبُولًا.

فَاحْرِصْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ عَلَى التَّصْفِيَةِ وَالتَّزْكِيَةِ، عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَخَلِّفْ دُنْيَاكَ وَرَاءَكَ، وَأَقْبِلْ صَحِيحًا؛ حَتَّى تَصِيرَ مُعَافَى.

اللهم إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.

 ((صِدْقُ الْعَزِيمَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ))

نَبِيُّكُمْ ﷺ يَجِدُ وَيَجْتَهِدُ، وَيَشُدُّ مِئْزَرَهُ رَافِعًا إِيَّاهُ مُشَمِّرًا ﷺ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كُلِّهَا، وَيَا للهِ الْعَجَبِ؛ لَوْ كَانَ لِعَبْدٍ عِنْدَ عَبْدٍ حَاجَةً مِنْ أَصْحَابِ النُّفُوذِ وَالْجَاهِ؛ لَأَقَامَ عَلَى بَابِهِ لَيْلَةً كَامِلَةً يَنْظُرُ لَا يَطْرِفُ لَهُ جَفْنٌ، وَلَا يَنَامُ لَهُ خَاطِرُ، وَلَا يَتَبَلَّدُ لَهُ حِسٌّ، حَتَّى يَقْضِي لَهُ حَاجَتَهُ؛ لَعَدَّ ذَلِكَ بِجِوَارِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ قَلِيلًا!! فَكَيْفَ لَا يَقِفُ الْإِنْسَانُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاهُ لَيْلَةً وَإِنْ طَالَتْ، وَلَا يَطُولُ لَيْلٌ مَعَ مُحِبٌّ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَطُولُ اللَّيْلُ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَاقِ، يَطُولُ اللَّيْلُ عَلَى  الْمَلُولِ، يَطُولُ اللَّيْلُ عَلَى الْمُسْتَهِينِ الْمُسْتَهْتِرِ، وَأَمَّا الْمُحِبُّ فَإِنَّهُ يَخْلُو بِحَبِيبِهِ وَتَنْقَضِي الْأَزْمَانُ كَطَرْفَةِ الْعَيْنِ؛ لَا، بَلْ كَلَمْحَةِ الْبَرْقِ، بَلْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.

فَيَقُومُ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ وَمَوْلَاهُ مُصَلِيًّا مَا شَاءَ اللهُ، وَذَاكِرًا دَاعِيًا، رَاجِيًا مُبْتَهِلًا، مُنِيبًا عَائِدًا، يَضَعُ أَحْوَالَهُ جَمِيعَهَا بِعُجَرِهَا وَبُجَرِهَا، بِكُلِّ مَا كَانَ هُنَالِكَ مِمَّا حَوَتْهُ الصَّحَائِفُ {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6]، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29].

لَا تَجِدُ شَيْئًا قَطُّ قَدْ ذَهَبَ هَبَاءً، وَإِنَّمَا كُلُّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ مُسْتَطَرٍ، مَسْطُورٍ هُنَالِكَ فِي كِتَابٍ مَرْقُومٍ، ثُمَّ يُعْرِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأَبْعَدِينَ مِنَ الْمُسِيئِينَ الْمُجْرِمِينَ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فَيَتَلَّقَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ كِتَابَهُ يَقُولُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)} [الحاقة: 19-20]، وَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْأَدَاءِ بِالْفَرْحَةِ الْغَامِرَةِ الَّتِي تَنْبَعِثُ فِي الْأَجْوَاءِ، وَتَنْبَثِقُ مِنْ ثَنَايَا تَلَافِيفِ نِقَاطِ هَذَا الْحَرْفِ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}، صَيْحَةُ الْمُوَفَّقِينَ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَمَا يَبْلُغُ الْعَرَقُ بِالنَّاسِ الْمَبَالِغِ، وَأَمَّا التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الْحَامِدُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ، الْمُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُهُمْ أَبَدًا.

نَبِيُّكُمْ ﷺ -وَهُوَ مَنْ هُوَ بِلَا ذَنْبٍ ﷺ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ﷺ أَحْيَا لَيْلَهُ كُلَّهُ، فَلَمْ يَطْعَمُ لَهُ جَفْنٌ بِغُمْضٍ، وَإِنَّمَا يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ، لَا يَنَامُ ﷺ، يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِيَقَظَةٍ وَمَنَامٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ظَلَّ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُتَعَبِّدًا، فَيُحْيِي اللَّيْلَ لَا بِصَلَاةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَمَا تَقُولُ عَائِشَةُ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ -عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-: ((مَا أَحْيَا لَيْلَهُ كُلَّهُ إِلَى الصَّبَاحِ مَرَّةً قَطُّ)). فِي مَعْنَى مَا قَالَتْ -رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا-.

وَإِذَنْ؛ هُنَالِكَ مِنْ أَلْوَانِ الْعِبَادَاتِ الْمَنْسِيَّاتِ وَالطَّاعَاتِ الْمَهْجُورَاتِ مَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ إِلَّا مَنْ وَفَّقَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، تَدْرِي لَوْ أَنَّكَ جَلَسْتَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِكَ مُتَوَضِّئًا، مُتَعَطِّرًا مُتَطَيِّبًا، فَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِهِمْ أَنَّهُمْ يَغْتَسِلُونَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ -بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ-، يَغْتَسِلُونَ، يَتَطَيَّبُونَ، يَتَزَيَّنُونَ، قَادِمِينَ عَلَى الْعِيدِ هَؤلَاءِ؟ بَلْ هُوَ أَرْفَعُ وَأَجَلُّ مِنَ الْعِيدِ، إِنَّهُ مَوْسِمُ العَطِيَّةِ الَّتِي لَا تُحَدُّ، وَمَوْسِمُ الِاسْتِغَفَارِ الَّذِي لَا يُرَدُّ، إِنَّهُ مَوْسِمُ الْعَطَاءِ بِالْفَيْضِ مِنْ ذِي الْجَلَالِ، وَحِينَئِذٍ يُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُنِيبِينَ، يَغْتَسِلُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ، يَتَزَيَّنُونَ، يَتَطَيَّبُونَ، يَتَجَمَّرُونَ، يَتَعَطَّرُونَ، يُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِطِيبٍ ظَاهِرٍ عَلَى طِيبٍ بَاطِنٍ، إِذْ يُقْبِلُونَ عَلَى الْقُلُوبِ يُنَقُّونَهَا مِنْ دَغَلِهَا وَحِقْدِهَا، وَيَنْفُونَ عَنْهَا مَا عَلَقَ بِهَا مِنْ قَاذُورَاتِهَا.

أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَعُودَ؟!!

يَا للهِ الْعَجَبِ!! إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا- يَبْسُطُ يَدَهُ إِلَيْكَ، أَفَلَا تَعُودُ؟!!

إِنَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ، أَفَلَا تَعُودُ؟!!

إِنَّهُ أَحَنُّ عَلَيْكَ مِنْ أُمِّكَ الَّتِي وَضَعَتْكَ، أَفَلَا تَعُودُ؟!!

إِنَّ الرَّسُولُ ﷺ كَانَ يَسْتَعِدُّ وَيُعِدُّ، يُعِدُّ الْعُدَّةَ لِهَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَاتِ؛ لِيُدْرِكَ لِيْلَةَ الْقَدْرِ، لِأَنَّ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَهُوَ الْمَحْرُومُ حَقًّا، وَفِيهَا مِنْ فُيُوضِ الْعَطَاءَاتِ مَا لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، فَقَطْ عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَكَ عَلَى الطَّبِيبِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لِرَجُلٍ: ((مَنْ أَنْتَ؟))

قَالَ: أَنَا طَبِيبُهَا.

قَالَ: ((طَبِيبُهَا اللهُ)). اللهُ الطَّبِيبُ، فَيَأْتِي الْعَبْدُ الْمَكْلُومُ بِحَسْرَةِ الْقَلْبِ، بِحُزْنِ الْفُؤادِ، يَأْتِي الْعَبْدُ الَّذِي لَوَّثَتْ صَفْحَتَهُ هَذِهِ الذُّنُوبِ، وَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ الْمَعَائِبُ، وَانْدَلَقَتْ عَلَى أُمِّ رَأْسَهُ قَاذُورَاتِ الْعِيُوبِ، يَأْتِي الْعَبْدُ إِلَى سَيِّدِهِ إِلَى طَبِيبِهِ؛ إِنَّ الْعِلَّةَ قَدْ بَلَغَتْ بِي مَبَالِغَهَا، وَإِنَّ الْمَرَضَ قَدْ أَسْقَمَ فُؤادِي فَأَذَلَّهُ، أَذَلَّهُ لِكُلِّ مَنْ هُوَ ذَلِيلٌ فِي الْأَرْضِ، وَأَنْتَ أَنْتَ الْعَزِيزُ، أَلَا تَنْظُرُ إِلَيَّ نَظْرَةَ الرَّحْمَةِ الَّتِي لَا يَحِلُّ عَلَيَّ بَعْدَهَا سَخَطٌ أَبَدًا، أَلَا تَأْخُذُ بِيَدَيْ وَأَنْتَ أَنْتَ الْكَرِيمُ، قَدْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَيْكَ فَلَا تَرُدَّنِي خَائِبًا، يَنْطَرِحُ عَلَى الْعَتَبَاتِ وَاللهِ لَا أَعُودُ حَتَّى تَغْفِرَ لِي وَتَسْتُرَ الْمَعَائِبَ وَالْعُيُوبَ، وَأَنْتَ أَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

عَرِّضْ نَفْسَكَ لِهَذِهِ النَّفْحَاتِ، فَإِنَّهَا إِنْ ذَهَبَتْ لَا تَعُودُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«أَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ»

أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي خِتَامِ شَهْرِنَا هَذَا -شَهْرُ رَمَضَان- أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ الفِطرِ قَبْلَ صَلَاةِ العِيدِ.

* فَأَمَّا حُكْمُهَا:

فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَمَا فَرَضَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَوْ أَمَرَ بِهِ؛ فَلَهُ حُكمُ مَا فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى أَوْ أَمَرَ بِهِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر:7].

 وَزَكَاةُ الفِطْرِ فَرِيضَةٌ عَلَى الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَالحُرِّ وَالعَبدِ مِنَ المُسلِمِينَ.

قَالَ عَبدُ اللهِ بنِ عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ  زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ». وَالحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

*وَلَا تَجِبُ عَن الحَمْلِ الَّذِي فِي البَطْنِ إِلَّا أَنْ يُتَطَوَّعَ بِهَا عَنهُ فَلَا بَأسَ؛ فَقَدْ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُخْرِجُهَا عَنِ الحَمْلِ.

*وَيَجِبُ إِخْرَاجُهَا عَن نَفْسِهِ، وَعَمَّنْ تَلزَمُهُ مَئُونَتُهُم مِن زَوْجَةٍ أَوْ قَرِيبٍ؛ إِذَا لَمْ يَستَطِيعُوا إِخْرَاجَهَا عَنْ أَنْفُسِهِم، فَإنْ اسْتَطَاعُوا فَالْأَوْلَى أَنْ يُخرِجُوهَا عَنْ أَنْفُسِهِم؛ لِأَنَّهُم المُخَاطَبُونَ بِهَا أَصْلًا.

*وَلَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ وَجَدَهَا فَاضِلَةً زَائدَةً عَمَّا يَحتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةِ يَومِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ أَخرَجَهُ؛ لِقَولِهِ تَعَالَى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، وَلِقَولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إذَا أَمَرتُكُم بِأَمرٍ فَأَتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم»كَمَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

* وَحِكمَةُ صَدَقَةِ الفِطْرِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا:

*فَفِيهَا إِحْسَانٌ إِلَى الفُقَرَاءِ، وَكَفٌّ لهُم عَنِ السُّؤالِ فِي يَومِ العِيدِ؛ لِيُشَارِكُوا الأَغنِيَاءَ فِي فَرَحِهِم وَسرُورِهِم بِهِ، وَلِيَكُونَ عِيدًا لِلْجَمِيعِ.

*وَفِيهَا الاتِّصَافُ بِخُلُقِ الكَرَمِ وَحُبِّ المُوَاسَاةِ.

*وَفِيهَا تَطْهِيرُ الصَّائِمِ مِمَّا يَحصُلُ فِي صِيَامِهِ مِنْ نَقصٍ وَلَغْوٍ وَإِثْمٍ.

*وَفِيهَا إِظْهَارُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ بِإِتْمَامِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ، وَفِعْلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.

عَن ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِين؛ فَمَنْ أدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَنْ أدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

* وَجِنْسُ الوَاجِبِ فِي الفِطرَةِ -أَي: فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ-:

 هُوَ طَعَامُ الآدَمِيِّينَ مِن تَمرٍ، أَو بُرٍّ، أَو أُرْزٍ، أَو زَبِيبٍ، أَو أَقِطٍ -وَهُوَ اللَّبَنُ المُجَفَّف الَّذِي لَمْ تُنزَع زُبدَتُهُ- إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَمَ.

فَعَن ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ صَاعًا مِن تَمرٍ، أو صَاعًا مِن شَعِيرٍ -وَكَانَ الشَّعِيرُ يَومَ ذَاكَ مِن طَعَامِهِم-» كَمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: «كُنَّا نُخرِجُ يَومَ الفِطرِ فِي عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِن طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالأقِط وَالتَّمرَ». وَهَذَا أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي «الصَّحيح».

الصَّاع: أَربَعَةُ أَمدَادٍ، وَأَمَّا المُدُّ: فَحَفنَةٌ بِكَفَّيِ الرَّجُلِ المُعتَدِلِ الكَفَّينِ.

أَربَعَةُ أَمْدَادٍ صَاعٌ؛ فَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ.

المُدُّ أَنْ تَأخُذَ بِكَفَّيكَ مِلأَهُمَا؛ فَهَذَا مُدٌّ -أَربَعَةُ أَمدَادٍ صَاعٌ-.

 *لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ طَعَامِ البَهَائِمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَرَضَهَا طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ لَا لِلْبَهَائِمِ.

 *وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا مِنَ الثِّيَاب وَالفُرُشِ وَالأَوَانِيِ وَالأَمتِعَةِ وَغَيرِهَا مِمَّا سِوَى طَعَامِ الآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَرَضَهَا مِنَ الطَّعَامِ؛ فَلَا تَتَعَدَّ مَا عَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ.

((لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قِيمَةِ الطَّعَامِ))

 *وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَد ثَبَتَ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». أخرَجَهُ مُسلِمٌ فِي «الصَّحِيحِ».

 وَرَدٌّ أَي: مَردُودٌ؛ لِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة مُخَالِفٌ لِرَسُولِ اللهِ، وَمُخَالِفٌ لِأَصحَابِ رَسُولِ اللهِ؛ فَقَد كَانُوا يُخرِجُونَهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ مِن بَعدِي».

 وَلِأَنَّ زَكَاةَ الفِطرِ عِبَادَةٌ مَفرُوضَةٌ مِنْ جِنسٍ مُعَيَّنٍ؛ فَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا مِنْ غَيرِ الجِنسِ المُعَيَّنِ، كمَا لَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا فِي غَيرِ الوَقتِ المُعَيَّنِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَيَّنَهَا مِن أَجنَاسٍ مُختَلِفَةٍ، وَأَقيَامُهَا مُختَلِفَةٌ غَالِبًا؛ فَلَو كَانَت القِيمَةُ مُعتَبَرَةً لَكَانَ الوَاجِبُ صَاعًا مِنْ جِنسٍ وَمَا يُقَابِلُ قِيمَتُهُ مِنَ الأَجنَاسِ الأُخرَى.

وَلِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة يُخرِجُ الفِطرَةَ عَن كَونِهَا شَعِيرَةً ظَاهِرَةً إِلَى كَونِهَا صَدَقَةً خَفِيَّةً؛ فَإِنَّ إِخرَاجُهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ يَجعَلُهَا ظَاهِرَةً بَينَ المُسلِمِينَ، مَعلُومَةً لِلصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، يُشَاهِدُونَ كَيلَهَا وَتَوزِيعَهَا، وَيَتَبَادَلُونَهَا بِينَهُم، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَت دَرَاهِمَ يُخرِجُهَا الإِنسَانُ خُفيَةً بَينَهُ وَبَينَ الآخِذ.

وَالأَحْنَافُ يَقُولُونَ -فِي زَكَاةِ الفِطْرِ- بِالقِيمَةِ، وَلَمْ يُخَالِف إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَهُوَ إِمَامٌ مُعْتَبَرٌ مُتَّبَعٌ لَا خِلَافَ عَلَى هَذَا-، وَلَيسَ مِنَ الحَطِّ مِنْ شَأْنِ أَيِّ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ إِذَا مَا خَالَفَ سُنَّةَ الرَّسُولِ ﷺ أَنْ يُقَالَ خَالَفَ، هَذَا لَا يَحُطُّ مِنْ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُمْ جَمِيعًا قَولُهُمْ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي))، فَالأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ صَحَّ عَنْهُمْ هَذَا القَولُ العَظِيمُ، وَكَمَا قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((إِذَا جَاءَكَ القَولُ مِنْ قَولِي مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَاضْرِبْ بِقَولِي عَرْضَ الحَائِطِ، وَلَا تَلتَفِتْ إِلَى قَولِي)). وَمَنْ يَكُونُ المَرْءُ حَتَّى يُخَالِفَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟!!

فَأَنْتَ إِذَا مَا خَالَفْتَ الإِمَامَ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَصِلُهُ، أَو لِأَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ، كَأَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي نَظَرِهِ، أَو أَنْ يَرَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَو لَا تَتَبَيَّنُ لَهُ الدَّلَالَةُ مِنْهُ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلأَئِمَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُخَالِفَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ سُنَّةَ النَّبِيِّ الأَمِينِ ﷺ، وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- خَالَفَ فِي هَذَا الأَمْرِ، كَمَا خَالَفَ فِي مَسْأَلَةِ الوَلِّيِّ، وَلِذَلِكَ نَقولُ لِلذِّينَ يَقُولُونَ بِالقِيمَةِ قَولًا وَاحِدًا -وَيَقُولُونَ لَنَا إِمَامٌ مُعْتَبَرٌ، هُوَ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ إِمَامٌ، وَلَكِنَّهُ خَالَفَ فِي هَذَا الأَمْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَن النَّبِيِّ ﷺ وَلَا عَن الصَّحَابَةِ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى عَصْرِهِ.

وَالأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَلَيسُوا بِمُعْتَبَرِينَ؟! الإِمَامُ مَالِكٌ وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالإِمَامُ أَحْمَد كُلُّهُمْ عَلَى عَدَمِ إِجْزَاءِ القِيمَةِ قَولًا وَاحِدًا، فَالمَسْأَلَةُ لَيسَتْ انْتِقَاءً، يَعْنِي أَنْتَ تَنْتَقِي، لِأَنَّكَ إِذَا أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ إِمَامٍ تَجَمَّعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ.

فَنَقُولُ لِلذِّينَ يَقُولُونَ إِنَّمَا هِيَ القِيمَةُ قَولًا وَاحِدًا -أَخْذًا بِقَولِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، نَقُولُ: وَقَدْ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ المَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، فَهَل تَقْبَلُ أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَتَكَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَأْتِي بِزَوجِهَا وَتَدْخُلُ بِهِ عَلَيكَ؟!!

هُوَ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَا شَيءَ فِيهِ، هَل تَقْبَلُ هَذَا لِابْنَتِكَ أَو لِأُخْتِكَ؟!!

نَحْنُ نَسْأَلُ لِمَاذَا تَقْبَلُ هَذَا وَلَا تَقْبَلُ هَذَا؟

فَإِذَا خَالَفَ الإِمَامُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ المَسَائِلِ؛ نَعُودُ إِلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا يَنْقُصُ هَذَا مِنْ قَدْرِ الإِمَامِ فِي شَيءٍ؛ لِأَنَّنِي عِنْدَ مُخَالِفَتِهِ أَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُ، كَيفَ أَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُ عِنْدَ مُخَالَفَتِي إِيَّاهُ؟

لِقَولِهِ هُوَ، فَكُلُّهُمْ صَحَّ عَنْهُمْ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي))، فَإِذَنْ؛ أَنَا إِذَا أَخَذْتُ بِالحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَكُونُ مُتَّبِعًا لِلإِمَامِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي، قَالَ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي)).

* مِقدَارُ الفِطرَةِ -وَالفِطرَةُ هِيَ صَدَقَةُ الفِطرِ-:

صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ ﷺ الذِي يَبلُغُ وَزنُهُ بِالمَثَاقِيلِ أَربَعَ مِئةٍ وَثَمَانِينَ مِثقَالًا مِنَ البُرِّ الجَيِّدِ، وَبِالجِرَامَاتِ يَبلُغُ كِيلُوَينِ اثنَين وَأَربَعِينَ جِرَامًا مِنَ البُرِّ الجَيِّدِ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعرِفَ الصَّاعَ النَّبوِيَّ فَلَيَزِن كِيلُوَينِ وَأَربَعِينَ جِرَامًا مِنَ البُرِّ، وَيَضَعَهَا فِي إِنَاءٍ بِقَدرِهَا بِحَيثُ تَملَؤهُ ثُمَّ يَكِيلُ بِهِ.

يَكِيلُ بِهِ بَعدَ ذَلِكَ مَا يُخرِجُهُ مِنْ أُرزٍ، أَو مِنْ أَقِطٍ، أَو مِنْ دَقِيقٍ، أَو مَا أَشبَهَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَم؛ المُهِم أَنَّهُ صَارَ عِندَهُ صَاعُ رَسُولِ اللهِ  ﷺ.

 * وَوَقتُ وُجوبِ الفِطرَةِ:

غُرُوبُ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ العِيد؛ فَمَن كَانَ مِن أَهلِ الوُجُوبِ حِينَذَاك وَجَبَت عَلَيهِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَعَلَى هَذَا فِإِذَا مَاتَ قَبْلَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ لَمْ تَجِب صَدَقَةُ الفِطر عَلَيهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ وَجَبَ إِخرَاجُ فِطرَتِه.

*وَلَو وُلِدَ شَخصٌ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ لَمْ تَجِب فِطرَتُهُ، وَلَكِن يُسَنُّ إِخرَاجُهَا كَمَا فَعَلَ عُثمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - وَلَو وُلِدَ قَبلَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ وَجَبَ إِخرَاجُ الفِطرَةِ عَنهُ.

وَإِنَّمَا كَانَ وَقتُ وُجُوبِهَا غُرُوبَ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ العِيدِ؛ لِأَنَّهُ الوَقتُ الذِي يَكُونُ بِهِ الفِطرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: زَكَاةُ الفِطرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَكَانَ مَنَاطُ الحُكمِ ذَلِكَ الوَقت.

* وَأَمَّا زَمَنُ دَفعِهَا: فَلَهُ وَقتَان، وَقتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقتُ جَوَازٍ.

*أَمَّا وَقتُ الفَضِيلَة: فَهُوَ صُبحُ يَوم العِيدِ قَبلَ الصَّلَاة؛ لِمَا رُوِيَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:  «كُنَّا نُخرِجُ يَومَ الفِطرِ فِي عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِن طَعَامٍ».

وَفِيهِ أَيضًا مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ». رَوَاهُ مُسلِمٌ.

قَالَ ابنُ عُيَينَةَ فِي تَفسِيرِهِ:

عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ عَن عِكرِمَةَ قَالَ: يُقَدِّمُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ يَومَ الفِطرِ بَينَ يَدَي صَلَاتِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى15،14]، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الأَفضَلِ تَأخِيرُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الفِطر؛ لِيَتَّسِعَ الوَقتُ لِإِخرَاجِ الفِطرَةِ؛ فَهَذَا وَقتُ الفَضِيلَة.

*وَأَمَّا وَقتُ الجَوَازِ: فَهُوَ قَبلَ العِيدِ بَيَومٍ أَو يَومَين.

 عِندَ البُخَارِيِّ فِي «الصَّحِيحِ» عَن نَافعٍ قَال: «كَانَ ابنُ عُمَرَ يُعطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُعطِي عَن بَنِيَّ،  وَكَانَ يُعطِيهَا الَّذِينَ يَقبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو بِيَومَين».

 وَلَا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا عَن صَلَاةِ العِيد؛ فَإِنْ أَخَّرَهَا عَن صَلَاةِ العِيدِ بِلَا عُذرٍ لَمْ تُقبَل مِنهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ  -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «مَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».

إِنْ أَخَّرَهَا لِعُذرٍ فَلَا بَأَس، كَأَنْ يُصَادِفَهُ العِيدُ لَيسَ عِندَهُ مَا يَدفَعُ مِنهُ، أَو لَيسَ عِندَهُ مَنْ يَدْفَعُ إِلَيهِ، أَو يَأتِي خَبَرُ ثُبُوتِ العِيدِ مُفَاجِئًا بِحَيثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِن إِخرَاجِهَا قَبلَ الصَّلَاةِ, أَو أَنْ يَكُونَ مُعتَمِدًا عَلَى شَخصٍ فِي إِخرَاجِهَا فَيَنْسَى أَنْ يُخْرِجَهَا؛ فَلَا بَأسَ أَنْ يُخرِجَهَا وَلَو بَعدَ العِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَعذُورٌ فِي ذَلِكَ، وَالوَاجِبُ أَنْ تَصِلَ إِلَى مُستَحِقِّهَا أَو وَكِيلِهِ فِي وَقتِهَا قَبلَ الصَّلَاةِ.

وَقَتْ الجَوَازِ -كَمَا مَرَّ لِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الفِطْرِ- قَبْلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو بِيَومَينِ.

الأَحْنَافُ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُخْرَجَ زَكَاةُ الفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَكَيفَ تَكُونُ طُعْمَةً لِلمَسَاكِينَ فِي يَومِ العِيدِ، وَكَيفَ تَكُونُ إِغْنَاءً؟!!

هَذَا مُصَادِمٌ لِلحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا فُرِضَتْ، ثُمَّ إِنَّهَا تَكُونُ إِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى العَبْدِ بِتَوفِيقِ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَهُ بِأَدَاءِ فَرْضِ الصِّيَامِ وَسُنَّةِ القِيَامِ وَمَا تَيَسَّرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكُلُّ هَذَا يَنْتَفِي عِنْدَمَا نَقُولُ نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ يَومٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا نَتَّبِعُ الوَارِدَ عَن الرَّسُولِ ﷺ وَعَنْ صَحَابَتِهِ.

* وَمَكَانُ دَفعِهَا:

تُدفَعُ إِلَى فُقَرَاءِ المَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقتَ الإِخرَاجِ؛ سَوَاءٌ كَانَ مَحَلّ إِقَامَتِهِ أَو غَيرهِ مِنْ بِلَادِ المُسلِمِينَ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَكَانًا فَاضِلًا كَمَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، أَو كَانَ فُقَرَاؤُهُ أَشَدَّ حَاجَةً؛ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَيسَ فِيهِ مَنْ يَدفَعُ إِلَيهِ، أَو كَانَ لَا يَعرِفُ المُستَحِقِّينَ فِيهِ؛ وَكَّلَ مَنْ يَدفَعُهَا عَنهُ فِي مَكَانٍ فِيهِ مُستَحِق.

*وَالمُستَحِقُّونَ لِزَكَاةِ الفِطرِ:

هُم الفُقَرَاءُ -الفقراءُ المَسَاكِينُ كَمَا بَيَّنَهُم رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: «طُعمَةً لِلمَسَاكِين»، فَلَا تُدفَعُ عَلَى حَسَبِ مَصَارِفِ زَكَاةِ المَالِ، وَإِنَّمَا لَهَا مَصرِفٌ وَاحِدٌ وَهُمْ المَسَاكِينُ وَالفُقَرَاءُ؛ فَيَدفَعُ زَكَاةَ الفِطرِ إِلَيهِم.                                                                      

مُجْتَمَعٌ مُتَكَافِلٌ، هَذَا هُوَ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِإِنْشَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبِبَعْثَةِ رَسُولِ اللهِ، لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا وُجِدَ فِي الْأَرْضِ مُحْتَاجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَتَكَافَلُوا وَتَنَاصَرُوا، وَتَآزَرُوا وَتَعَاطَفُوا، وَتَسَانَدُوا وَتَعَاضَدُوا، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، وَلَكِنَّ النُّفَوسَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْآفَاتِ وَالْأَمْرَاضِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا أَجْمَعِينَ.

هَذَا هُوَ مُلَخَّصُ- مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَهَا الرَّسُولُ ﷺ.

وَأَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  أَمَانَةُ الْعَامِلِ وَالصَّانِعِ وَإِتْقَانُهُمَا
  ضَوَابِطُ الْأَسْوَاقِ وَآدَابُهَا
  عِنَايَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ
  الْبِرُّ بِالْأَوْطَانِ مِنْ شَمَائِلِ الْإِيمَانِ
  الْآدَابُ الْعَامَّةُ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّ الْأُمَمِ
  حُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ
  الدِّينُ وَالْوَطَنُ مَعًا.. بِنَاءٌ لَا هَدْمَ
  الرد على الملحدين:مقدمة عن الإلحاد والأسباب التي دعت إلى انتشاره في العصر الحديث
  الْأَمَل
  الإسلام دين الرحمة والسلام، وفضل شهر الله المحرم وصوم عاشوراء
  • شارك

نبذة عن الموقع

موقع تفريغات العلامة رسلان ، موقع يحتوي على العشرات من الخطب والمحاضرات والمقاطع المفرغة لفضيلة الشيخ العلامة أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان-حفظه الله- . كما يعلن القائمون على صفحة وموقع تفريغات العلامة رسلان -حفظه الله- أن التفريغات للخطب ليست هي الشكل النهائي عند الطباعة، ولكن نحن نفرغ خطب الشيخ حفظه الله ونجتهد في نشرها ليستفيد منها طلاب العلم والدعاة على منهاج النبوة في كل أنحاء الدنيا، ونؤكد على أنَّ الخطب غير مُخرَّجة بشكل كامل كما يحدث في خطب الشيخ العلامة رسلان المطبوعة وليست الكتب المنشورة على الصفحة والموقع هي النسخة النهائية لكتب الشيخ التي تُطبع...وهذه الكتب ما هي إلا تفريغ لخطب الشيخ، غير أنَّ كتب الشيخ التي تُطبع تُراجع من الشيخ -حفظه الله- وتُخرج. والتفريغ عملٌ بشريٌ، ونحن نجتهد في مراجعة التفريغات مراجعة جيدة، فإذا وقع خطأ أو شكل الخطب كما نخرجها -إنما نُحاسب نحن عليها والخطأ يُنسب لنا وليس للشيخ -حفظه الله-.

الحقوق محفوظة لكل مسلم موقع تفريغات العلامة رسلان